مايو 1 2015
أ.د حامد طاهر، بين فلسفة الأدب وتأديب الفلسفة .. حوار د. مراد عبدالرحمن مبروك
الأستاذ الدكتور / حامد طاهر
بين فلسفة الأدب وتأديب الفلسفة
——
حوار أجراه د. مراد عبدالرحمن مبروك
يعد الأستاذ الدكتور حامد طاهر واحداً من المفكرين والكتاب والمبدعين المعنيين بقضايا الفكر الإنساني علي المستويين الفلسفي والإبداعي ، فقد ظل وما يزال مشغولاً بقضايا الإنسان المعاصر في دراساته الفلسفية والإبداعية ، ومنها :
– ديوان حامد طاهر سنة 1985م .
– قصائد عصرية سنة 1989 م .
– التباهي سنة 1991 م .
– عاشق القاهرة سنة 1992م .
– الطواجين سنة 1999م .
– نبش الذاكرة سنة 2000م .
كما صدر له العديد من الترجمات الروسية والفرنسية لبعض الإبداعات القصصية العالمية فضلاً عن دراساته الجادة في حقل الفلسفة والثقافة الإسلامية والفكر الإنساني والعالمي .
وكان لنا شرف اللقاء به عندما ألقي محاضرة بجامعة قطر حول الفكر الإسلامي بين الواقع والتحديات في 22 ديسمبر 2002م .
وفي البداية طرحنا عليه بعض التساؤلات الفكرية والإبداعية ومنها :
- إن اعلاقة بين الفلسفة والأدب علاقة قديمة منذ أرسطو وما قبل ذلك .. كيف ترون هذه العلاقة في الواقع المعاصر لاسيما الواقع العربي في العقود الأخيرة ؟ ولماذا افتقر فكرنا العربي حديثاً إلي الفكر الفلسفي المؤثر ؟
- إن العلاقة بين الفلسفة والأدب تكاد تكون عضوية فلا يوجد عمل أدبي علي المستوي العالمي إلا ويحمل فكرة فلسفية لكن هذه القاعدة غير معروفة في العالم العربي بصورة كافية والدليل علي ذلك أن السؤال ما يزال يطرح عن هذه
————-
(*) أستاذ جامعي بكلية الإنسانيات جامعة قطر ، المشرف العام علي الصالون الثقافي بنادي الجسرة ومدير تحرير الجسرة الثقافية .
العلاقة بين الأمرين وكأنهما متناقضان ، مع أنهما في الواقع علي صلة وثيقة ، ونشرت في هذا الصدد بحثاً عن المنهج الفسلفي في دراسة الأعمال الأدبية وطبق علي رواية العجوز والبحر للكاتب أرنست هيمنجواي ، ومنها اتضح لنا أن الرواية ذات المستوي الأدبي الرفيع تقوم علي فكرة فلسفية ، أما عن افتقار الفكر العربي الحديث إلي الفكر الفلسفي المؤثر فالملاحظ أنه ليست ظاهرة جديدة لأنه يمتد قروناً طويلة في تاريخ أدبنا العربي ، لاسيما العصور التي وصفناها بأنها عصور انحطاط في الأدب العربي وقد تميزت بخلوها من الجانب الفكري واقتصرت علي الزخرفة اللغوية إلي حد أنها لا تساوي شيئاً في ميزان الأدب العالمي .
كيف ترون مستقبل الفكر الإسلامي في ظل العولمة ؟
– مستقبل الفكر الإسلامي في ظل العولمة ، أري أنه ليس مفاجئاً لأن العولمة فاجأت الذين لم يتابعوا المشهد العالمي خلال القرن العشرين فقد برزت مظاهرها ( عسكرياً ) في الحربين العالميتين ثم دولياً في عصبة الأمم المتحدة ثم ( اقتصادياً) في الشركات متعددة الجنسيات وأخيراً المتعددة القارات ( وثقافياً ) في منظمة اليونسكو ، وهذا يعني أن دول العالم تسير في اتجاه التجمعات الكبري وليس في طريق الإنعزالية ، لكن المسألة بدأت تتفاقم وتدخل في الحياة اليومية عندما بدأت ثورة المعلومات والاتصالات ، فأصبحنا ( إعلامياً ) نتواصل مع أي بلد في العالم في نفس اللحظة ودون حواجز أو قيود ، إذن ما نشاهده الآن هو نتاج ما حدث في القرن العشرين والذين يتصورون أن العولمة ستقضي علي الهوية الثقافية مخطئون وخائفون لأنها ليست إلا إطاراً ( لتجميع المختلفين ) وليست لصهرهم في بوتقة واحدة ، وقد سبق أن حاولت الشيوعية كإيديولوجية عالمية أن تصب الدول المختلفة في بوتقة واحدة لكنها فشلت وهذا سيكون نفس مصير العولمة إذا اتجهت لنفس الهدف .
– ولكن هناك من يري أن الشيوعية كان يقابلها الرأسمالية ولذلك لم تنجح في صهر العالم لانقسامه إلي قسمين ، أما الآن فلا يوج دإلا قطب واحد فما رأيكم؟
– دليلي في ذلك هو الدول التي خضعت للاتحاد السوفيتي نفسه ، والتي كانت يطبق عليها أقسي أنواع الإجراءات لتحويلها عن هويتها الثقافية ومع ذلك وبعد سبعين عاماً خرجت هذه الجمهوريات أكثر ما تكون تمسكاً بذاتيتها . وأتنبأ بالفشل لمستقبل العولمة ، وقد بدأت مظاهر هذا الفشل تتداعي منذ أحداث سبتمبر 2001 .
– ولكن وبحكم اهتمامكم بالفكر الإسلامي ما هي أسباب ضعف العالم الإسلامي وكيفية الخلاص والمعالجة لهذا الواقع ؟
– أسباب ضعف العالم الإسلامي تناولتها المسلمين ورصدت فيه الأسباب التي توصل إليها زعماء الإصلاح أنفسهم في العالم الإسلامي بداية من الحركات الدينية ومروراً بالحركات السياسية وانتهاءً بالحركات الرجعية وكلها تؤكد أن أهم هذه الأسباب هو غياب الفهم الصحيح والمتكامل للإسلام وبالتالي عدم تطبيقه بصورة تؤدي إلي نتائجها الطبيعية .
وهناك سبب آخر يتمثل في اعتبار الكثيرين إن الحضارة الغربية مختلفة تماماً عن الحضارة الإسلامية مع أن كلاً منهما تعتبر حلقة في سلسلة الحضارة العالمية ، فالحضارة الغربية أخذت الكثير من الحضارة الإسلامية ، ما الذي أخذته ؟ ومتي ؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج لإجابات محددة لمن يريد أن يعرف .
ويتمثل الخلاص والمعالجة لهذا الواقع في الآتي :
– إشاعة المفهوم المتكامل للإسلام والعمل علي تطبيقه بصدق ووعي .
– ضرورة التعايش مع الحضارة الحديثة والاستفادة المثلي من منجزاتها الإيجابية
– ضرورة تجاوز حاجز العلم والتكنولوجيا الذي ما زال المسلمون متخلفين فيه إلي حدج كبير . وعدم المكابرة في الاعتراف بالتخلف .
- ولكن ما رأيكم في قول بعض المسئولين الغربيين بأن الحضارة الإسلامية لم تفد البشرية بشئ وأن المسلمين مجموعة من المتخلفين .
– أعارض هذا القول تماماً لأن ما تنعم به الحضارة العربية الآن هو نتاج طبيعي وتاريخي للحضارة الإسلامية ، وتأكيداً لذلك نجد مئات العناصر الإسلامية التي ساعدت في نهضة الحضارة الغربية الحديثة ، ويكفي أن نشير إلي الكوميديا الآلهية التي كتبها الشاعر الإيطالي دانتي وتأثرها إلي حد كبير بعناصر إسلامية خالصة . إذن قضية تأثر الحضارة الغربية الحديثة بالحضارة الإسلامية تحتاج إلي ضوء كبير يلقي عليها وهي ضائعة الآن بين أهمال المسلمين لها وعدم اعتراف الغربيين بها .
والثقافة الغربية بها تناقضات كبيرة وثقوب واسعة لا يدركها إلا من عايشها من الداخل ، وأنا شهصياً لدي الكثير من المؤلفات التي كتبها مفكطرون غربيون ينتقدون الحضارة الغربية ويكشفون عما بها من نقائض بل ويتنبأون أحياناً بانهيارها .
- يري الدكتور جمال حمدان أن هناك أربعة مقومات يستخدمها الاستعمال للسيطرة علي العالم الإسلامي وهي قضية الحدود والاختلافات المذهبية والأقليات في العالم الإسلامي والعرقيات القومية إلي أي مدي تصدق هذه الرؤية من وجهة نظركم ؟
– هذه المقولة صحيحة إلي حد كبير وهي تأتي في إطار إستراتيجية طويلة الأمد وواسعة المدي يؤمن بها الغرب في أعماقه وتنفذها بذكاء شديد دولة المتعاقبة وتتلخص في ضرورة أن يظل المسلمون وفي مقدمتهم العرب في وضع أقل من أوروبا والغرب عموماً سواء علي المستوي العسكري أو الاقتصادي ، وبذلك أصبحت أميل إلي الاقتناع بنظرية المؤامرة .
- إذا انتقلنا إلي قضية أخري في نفس الإطار وهي دور المثقفين العرب تجاه الحضارة الإسلامية وهل يفلح تشكيل المنتديات العربية الرأسمالية في إصلاح صورة العربي في وعي الغرب .
– في هذه المرحلة الحرجة ينبغي أن يشكل المثقفون العرب فريقين الأول : يستوعب قضايا وطنه من خلال رؤية ثقافية متكاملة والثاني متخصص في متابعة وتحليل ونقد ما يظهر في الغرب بلغات متعددة ، ثم يأتي بعد ذلك دور المؤسسات والمنتديات الثقافية وكلاهما ضروري وحيوي فنحن في حاجة لدور محلي وآخر عالمي يتوازيان ويتبادلان مواجهة التحديات المعاصرة .
- ولكن هل المستوي الثقافي الراهن علي مستوي الإحداث العصرية الجارية ؟
– مع الأسف العرب في عمومهم ليسوا علي المستوي المطلوب ولكن هناك بعض الأشخاص الجادين والمتميزين ويمكن الاعتماد عليهم .
- هناك من يري أن المأزق الحقيقي الذي تعيشه البلاد العربية سبب غياب الديمقراطية ، ما مدي صحة هذه المقولة ؟
– علينا أن نعترف بأن الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاته وإنما هي أسلوب لتنظيم الحياة السياسية ومن المؤكد أن الديمقراطية تصلح للكثير من البلاد العربية ، ولكنها لا تصلح لها كلها ، وقد يصدم هذا الرأي بعض الناس ، لكنني ممن يعتقد أن كل مجتمع له خصائصه وثقافته ،وأن بعض هذه الشعوب العربية لا تتقبل النظام الديمقراطي في صورته الغربية تماماً ، فمثلاً النظام العشائري لا يتيح الفرصة للممارسة الصحيحة والكاملة للديمقراطية بحكم التركيبة الاجتماعية والانتماء الخاص للعشيرة الذي يتغلب علي الانفتاح والمشاركة مع الآخرين .
- لكم مقال يومي بجريدة الجمهورية المصرية يتناول بعض القضايا العصرية فإلي أي مدي يسهم إعلامنا العربي في تنمية الوعي وتغيير الصورة العربية المشوهة وهي الآخر الغربي .
– في الماضي لم أكن أحب الإعلام وكنت زاهداً فيه لكنني بعد ذلك أدركت دوره الكبير في تطوير الوعي الثقافي وتوجيه الرأي العام وهذا ما جعلني أقبل كتابة عمود يومي ومعروف أنه عمل شاق خاصة في ظل مسئولياتي الأكاديمية والجامعية لكنني أري أن أستاذ الجامعة في الدول النامية ينبغي أن يخصص جزءاً من عطائه خارج أسوار الجامعة ويهتم بقضايا مجتمعه ويسعي لتقديم رؤية لحلها .
- إذا انتقلنا إلي مسيرتكم الإبداعية تري كيف تزامن في وعيكم إبداعان أحدهما عقلي والآخر شعوري أعني الفلسفة والشعر في وقن واحد .
– أؤكد له أنه لا يوجد إبداع أدبي بدون فكر يستند إليه وأن من يمارس الأدب بدون فكر لن يخرج عن كونه إنساناً ثرثاراً مزخرفاً ومتلاعباً بالألفاظ .
- من خلال موقعكم في الساحة الفكرية والإبداعية هل ترون أن الإبداع الأدبي المعاصر لاسيما الشعر يعبر عن قضايا العصر الراهن بمشكلاته خاصة التشكيلات الشعرية الجديدة أم أنها مجرد تهويمات نصية تجريبية منفصلة عن قضايا الواقع المعيش .
– بالطبع المشهد الشعري مؤسف للغاية فبعد جيل رواد الشعر الحر الذين طوروا شكل القصيدة العربية وزودوها بمضامين حديثة جاء جيل آخر لم يمارس تراثه وأصبح من السهل أن نقرأ شعراً بالأخطاء اللغوية والنحوية إلي جانب افتقاده إلي الفكرة والهدف .
مايو 1 2015
المــرأة أداة سينمائية في الصراع العربي الإسرائيلي .. محمود قاسم
المــرأة أداة سينمائية
في الصراع العربي الإسرائيلي
——-
محمود قاسم (*)
قليلة هي الأفلام العربية المصنوعة عن عالم الجاسوسية ، ورغم ذلك فإن أغلب هذه الأفلام يعتمد في حكايته علي المرأة ، فالجاسوسية هي محور قصص هذه الأفلام والمرأة الجاسوسية موجودة بشكل رئيسي ، بينما يؤدي الرجل دور ضابط الاستخبارات الذي يحاولا تجنيدها ، أو الذي يسعي للقبض عليها .
والجاسوسة امرأة تجد نفسها بين طرفين متصارعين عليها بكل وضوح أن تعمل لصالح أحدهما ، وذلك في مواجهة الآخر ، والصراع هنا في الغالب عسكري وعقائدي، ومصيري مما يعني شكل المواجهة وشراستها والإغراءات التي يقدمهخا طرف من أجل تجنيد جاسوسة ، في مقابل بذل أقصي درجات الجهات من الطرف الآخر للقبض علي هذه الجاسوسة .
ولذا فإن عمل هذه المرأة هو في المقام الأول سري ، يتم في أجواء بالغة الغموض والإثارة ، لذا فإن الجاسوسة لاتسعي للكشف عن نفسها ، ولا عن نشاطها مثلما تفعل امرأة في مهن أخري ، أو في عمليات مختلفة ، فلو تم كشف امرها ،فإن نهاية سيئة تنتظرها بلا شك ، خاصة أنها في أغلب الأحوال تعمل في أرض من تعمل ضده ،ولا نقول العدو ، لأنها في بعض الأفلام المصرية تعمل في بلادها ، أو خارجها لكن وطنها هو ساحة العمل الرئيسي بالنسبة لها .
لذا فهذه المرأة يجب أن تتسم بذكاء حاد مصحوب بحذر ، وسرعة بديهة ، وهي في ذلك يجب أن تكسب الأنصار ، وتقلل من الخصوم من حولها ، وأن تسعي لتجنيد من يقفون إلي جانبها ، ومساعدتها في مهامها ، كما أنها في بعض الأحيان تتكتم أمورها فلا تحتاج إلي ذلك الحشد من الاتباع ، خوفاً مناكتشاف امررها أو إدخالها في نطاق الخطر .
———–
(*) كاتب مصري .
وللمرأة الجاسوسة سمات خاصة ، تتسم بها خاصة في السينما ، فبالإضافة إلي الذكاء ، فأنها يجب أن تكون جميلة ، بالغة الحسن ، والجاذبية ، مما يؤهلها أن تفتك بألباب ، ومشاعر الرجال الذين تتعامل معهم ، ويجعلها تحقق ما تريد بسهولة شديدة ، ويقلل من المخاطر التي تقابلها ،وحسب السينما المصرية ، فإن كافة النساء اللاتي لعبن دور الجاسوسة ، أو حاولت أطراف أخري تجنيدها كن من الحسناوات ، مثل آن سمرنر في فيلم الجاسوس لنيازي مصطفي 1964 ، وشمس البارودي في موسيقيس وجاسوسية وحب لنور الدمرداش 1972 ، ومديحة كامل في الصعود إلي الهاوية لكمال الشيخ 1977 ، وأريد حباً وحناناً لنجدي حافظ 1978 ، ونادية الجندي في ” مهمة في تل أبيب ” لنادر جلال 1990 ، وهالة صدقي في ” فخ الجواسيس ” لأشرف فهمي 1992م ، بالإضافة إلي نساء أخريات رأيناهن في أفلام مثل ،وطني وحبي ، لحسين صدقي 1961 ، و إعدام ميت لعلي عبدالخالق 1985م ، و ” بئر الخيانة ” لعلي عبدالخالق أيضاً عام 1989 وغيرها من الأفلام .
ويبدو الجمال هنا متوحشاً ، بالغ الأنوثة ، بالإضافة إلي اقترانه بالذكاء ، مما يعني تشكيل مثلث لا تنفذ منه المسائل المتعلقة بعملية الجاسوسية مهما كان الأمر ، ولذا فإنه يصعب علي الاستخبارات كشف أمرها .
والجاسوسات اللاتي نحن بصدد الحديث حولهن ، يمارسن العمل ضد الوطن ، ولذا فإنهن خائنات ، ما يسمي بالخيانة العظمي ، رغم ذلك فإنهن الشخصيات الرئيسية فيالفيلم ، والأفلام التي نحن بصددها ،ومطلوب منهم ، من خلال القصة ، ألا يكن بغيضات علي الأقل أمام المتفرج ، لذا فإنهن يمارسن أعمال الخيانة من ناحية ،وعلي الجانب الآخر فإن ذلك لميفقدهن جاذبيتهن ، لذا فإن الجاسوسة ، خاصة حين تكون امرأة ، وحين تصير الشخصية الرئيسية لا بد أن تمتلك سمة أهم من كل السمات السابقة ، وهي أن تصير جذابة ،ومقبولة ، حتي يحتمل المشاهد أفعالها طيلة الفيلم ، ويهمنا هنا أن تعطي مثلاً من أفلام الجاسوسية الأمريكية ، فالجاسوسة التي تعمل إلي جانب جيمس بوند في فيلم ( تحيات من روسيا ) لتيرنس يونج 1962 ، وتساعده في الحصول علي الشفرة ، هي امراة بالغة الحسن ،والجمال والجاذبية ، وتبدو كأنها إلي جانب الحق ،وهو صدره مطاطئ ، أما الجاسوسة التي تعمل ضد العميل البريطاني فهي دميمة ومتزمتة ولا تبتسم ، كما أنها لا تخلع ملابسها للإغراء وتتفتن في أعمال القتال ، وتدبير المؤامرات .
وفي السينما المصرية ، كانت الجاسوسات من الفرع الأول ، ولم نر جاسوسة قط من النوع الثاني ، وقد تكون هناك جاسوسة تعمل إلي جانب الاستخبارات الإسرائيلية في فيلم ” إعدام ميت ” جسدتها سهيلة فرحات لكنها لم تتكلم في الفيلم أكثر من أربع جمل ، وبدت شخصية ثانوية قياساً إلي بقية الشخصيات ، أي أنها كانت بمثابة ديكو شكل خارجي لا أكثر .
لكن ما الذي دفع بهؤلاء النساء إلي احتراف الجاسوسية ؟
أولاً : – هؤلاء الجاسوسات ظهرن في أفلام عن الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة بعد حرب 1967 ، وهناك سبب شخصي وعائلي دفع بكل منهن إلي ممارسة هذا العمل، وإن قد بدت البعض منهن قد خدعت في البداية ، حتي سقطت في الشبكة .
وإذا بدأنا بفيلم ” الجاسوس ” فإن سارة التي جاءت من الخارج لمساعدة إحدي العصابات في الحصول علي معلومات سرية ، وأحبت ضابط البحرية الذي يحاول القبض علي رجال هذه العصابة ، والفيلم يصور ضابطاً بحرياً ضد عصابة ، أسوة بأفلام الحركة ، هذه الفتاة الجميلة ، جاءت في الأصل للانتقام لمصرع والديها اليهوديين راشل ، كوهين اللذين يعيشان بمصر ، وماتا مقتولين علي أيدي عصابة أخري ، إذن فقد جاءت سارة لسببين المساعدة في عملية ، ومحاولة إغواء الضابط ، ثم للانتقام لوالديهما ، وتعتبر الممثلة أن سرنر ، وهي الوحيدة التي قامت بدور جاسوسة أجنبية ، وهي بالفعل أمريكية ، وقد تمت الاستعانة بها بعد نجاحها في مهرجان التليفزيون في مصر عام 1963 م ، وفي الفيلم دفعت سارة حياتها في مقابل العمليات التي تقوم بها ، رغم أن حبها للضابط قد شهد تحولاً ملحوظاً في نشاطها ، مما جعل المتفرج يشعر بالأسف علي ما حدث لها عندما أصابتها العصابة برصاصة ، وهذه الفتاة الشخصية الرئيسية في الفيلم ، بمعني أنه لم يكن هناك المعادل المصري لامرأة يحبها الضابط ويدافع عن الوطن من أجلها .
إذن فنحن أمام سبب شخصي في المقام الأول ، ولممارسة امرأة أعمال التجسس، أما النموذج الثاني ، والأكثر وضوحاً ، فموجود في فيلم ” اعتبر أهم أفلام التجسس علي الإطلاق ، فهذه الفتاة مديحة كامل ، الطالبة في الجامعة ، سبق لها أن فشلت في تجربة حب أفقدتها عذريتها ، وأحست كأي فتاة شريفة بأن طريق الزواج مسدود أمامها ،وهي تعيش بين أبوين منفصلين ، الأب لم يحقق في حياته شيئاً ، وهو مدرس بسيط لا يمكن لدخله أن يفي باحتياجات ابنته ، التي يلتفت الرجال حول جمالها ، وبالتالي فإنها أمام أي إغراء لابد أن تقبل المعروض عليها .
وهذا السبب الشخصي سوف يلعب دوراً رئيسياً في القبض عليها ، فهو الخيط الذي يلتقطه رجل الاستخبارات من أجل الإيقاع بها ، وإحضارها إلي تونس ، حيث ستصلها رسالة من الأب، بأن الأب مريض في تونس وعليها التوجه إلي مكانه ، ورغم إحساس الموساد بالخطر الذي يحوط المرأة ، فإنها تذهب ، وتبدو التحذيرات بالغة الحساسية من حولها بعدم الذهاب ، بل أن رجلاً من الموساد يتتبعها في الطائرة من أجل حمايتها ، لكنها تصر علي الذهاب لرؤية أبيها .
إذن ، ففي هذا الفيلم ، كانت أسباب التجديد ، وأيضاً أسباب القبض عليها شخصية ، وعائلية وقد تكرر هذا الأمر في أفلام أخري منها علي سبيل المثال ” فخ الجواسيس ” فالفتاة أيضاً ” داليا ” لديها أسبابها لكراهية بلدها ، حيث أحبطت بإحباط تلو الإحباط ، وقد تم تجنيدها ، مثلما تم تجنيد مديحة ، خارج حدود مصر ، وبدت لقمة سائغة لأن تكون عملية لاستخبارات إسرائيل ، ويكون الدافع الشخصي هو المدخل الأساسي لهذه الأم ، كما أن سبب القبض عليها ، يتعلق بأخيها ، حيث عرفت أنه قد مات علي جبهة القتال ، وأن هذا بدافع إحدي العمليات التي نجحت العسكرية الإسرائيلية في تنفيذها ، وكان الأخ من بين ضحاياها ، وشعرت داليا بعقدة ذنب خاصة ، جعلتها تسلم نفسها إلي الاستخبارات ، وقد عرفنا فيما بعد أن مسألة استشهاد الأخ هذا ، كانت خدعة من الطرف المصري من أجل إلقاء القبض عليها ، أو إحداث التأثير السلبي في أعماقها تجاه ما فعلته .
وقد ظل هذا الدافع الشخصي هو أساس للتجنيد ، والقبض علي الجاسوس في كافة أعمال التجسس في السينما المصرية ، حتي بالنسبة للرجال من الجواسيس مثلما حدث في فيلم ” إعدام ميت ” ولكننا هنا نركز في المقام الاول علي المرأة الجاسوسة ، وقد بدت نفس الأسباب والنتائج بشكل واضح ورئيسي في فيلم مهمة في تل أبيب ، حيث كان السبب هو ابن الجاسوسة التي ذهبت إلي السفارة المصرية في مدينة أوروبية للاعتراف بأنها تعمل جاسوسة ، وأن عليها أنقاذ ابنها ، ومقابل ذلك سوف تكون عملية مزدوجة شكلياً ، ثم تحول الفيلم بعد ذلك إلي مغامرات ، وتغير إيقاعه ، وذهبت المرأة إلي إسرائيل للقيام بعملية أخيرة لصالح الجبهة المصرية .
والجانب العائلي ، والأسري ، هو المركز في أنشطة المرأة التي شهدتها ، والغريب أن الجانب العاطفي يبدو أضعف ، فالنساء في هذه الأفلام أكثر جموداً ، وأقل عاطفية ، حيث لا يمكن أن تلتقي في دواخلهن الحسية العالية التي تتمنع في كل منهن، مع الرومانسية ، ولذا فإنه ليست هناك علاقة عاطفية من جانب المرأة تجاه رجل بعينه ، وعليه فإن قضية المرأة ، أو المشرورع الذي تخدمه يبدو كأنه المحور الرئيسي في حياتها ، ويتحول الرجل إلي أداة في خدمة هذه المرأة ، ومهمتها ، ويبدو هذا واضحاً في علاقة عبلة بالضابط الشاب الذي يحبها والذي يعمل في مواقع الصواريخ علي الجبهة ، فهي تستقي منه الأخبار ، ويصير أداة طيعة في يدها ، ومقابل أن تمنحه الأمل بالتقارب أو ما شابه ذلك .
ويهمنا أن نعطي نموذجاً واضحاً في فيلم الجاسوسة حكمت فهمي لحسام الدين مصطفي 1994 ، فهناك علاقة بين حكمت فهمي وجاسوس ألماني جاء إلي مصر للتخابر علي البريطانيين ، وهي تعيش معه قصة حب بالغة القوة ولكنها حين تعرف بأنه يعمل ضد مصلحة بلدها ،فإنها تقاومه بشدة ، وتعمل علي إسقاطه والإيقاع به ، وقد صور الفيلم الراقصة المصرية ، كامرأة وطنية ، كانت تعمل دون أن تدري في خدمة الجاسوس ، وبالتالي صارت مثله ، ولكنها عندما تكشف الأجهزة الاستخباراتية في غرفته ،فإنها تسعي بكل ما لديها إلي كشفه ، والوقوف إلي جانب الحركة الوطنية المصرية بزعامة عزيز المصري ، وقد تم القبض علي المرأة بتهمة التجسس ، وواجهت الإعدام ، لكنها كانت في المقام الأول قد تخلصت من الجاسوس وساعدت في القبض عليه .
ولسنا هنا بصدد المقارنة بين قصة الفيلم ، وواقع التاريخ ، لكن الجاسوسة هنا شهدت تحولاً في حياتها ، كما أن مشاعرها الوطنية قد تنامت عندما عرفت بحقيقة ما يدور من حولها ، وفي قصص الأفلام الأخري ، فإن المرأة الجاسوسة لم تقع في قصة حب عميقة ، وحقيقية ، وقد صورت الأفلام الجاسوسة كأمراة خالية من أجمل إحساس وهو الحب ، وكأنه بذلك يعطيها التبرير لما تفعله ، ويعني الإحساس بأنها تستحق العقاب الذي ستؤول إليه ، إذا كانت النساء في الأفلام السابقة الإشارة إليها قد اعتبرن أن الأسرة هي نقاط الضعف ، تمتلك غرائز إنسانية ، لا يمكن التخلص منها ، لكن نساءنا هؤلاء لا يعشن قصص حب حقيقية ، مثل داليا المصرية في ” فخ الجواسيس ” حيث أن قضيتها الرئيسية هي العمل الذي يوكل إليها ، وبالتالي فإن الحب أداة بين صدور هؤلاء النسوة ، وهذه السمة كما سبقت الإشارة موجودة لدي كل جاسوسات السينما وإذا كانت السينما الأمريكية قد صورت حالة التحول لدي الجاسوسة لصالح القضية ، مثلما حدث في بعض أفلام عن ماتا هاري ، فإن مثل هذه المنظور لم يحدث في السينما المصرية ، نوع من العمل ومن أساسيات الوظيفية ، ولم تكن لعبلة كامل في الفيلم علاقة شخصية ، حتي ولو جنسية ، مع الرجال من الموساد أو من في المقابل ، فإن هناك علاقات ذات رؤية معاكسة ، حيث صورت لنا بعض هذه الأفلام أن هناك علاقة شاذة بين الجاسوسة ونساء أخريات وفي فيلم ” الصعود إلي الهاوية ” فإن الجنس الرجال محور أساسي للحصول علي الوثائق ، ومشاغلة الدبلوماسيين والعسكريين الجنس هنا نوع من العمل ومن أساسيات الوظيفة ، ولم تكن لعبلة كامل في الفيلم علاقة شخصية حتي ولو جنسية ، مع الرجال من الموساد أو من الرجال العاديين ، إذن فقد انتفت السمة الإنسانية للمرأة فهي لا تحت رومانسياً ، وتدس الجنس بلا روح ، أو إحساس ، ولكنها من جانب آخر تتمتع بممارسة هذا الجنس مع امرأة مثلها ، هي التي صارت صديقة لها في باريس ، وبدن رفيقتها في كل مشاوريها ، وهي التي تقودها بعد ذلك إلي رجل الموساد الإسرائيلي ، والذي يجندها بشكل تدريجي .
وقد ركز فيلم كمال الشيخ علي هذه العلاقة بكل وضوح ، رغم أن الرقابة قد قصت تفاصيل ما بين المشاهد التي جمعت المرأتين فوق الفراش ، وأيضاً من بعض الحوار المباشر الذي يعكس قوتها كما ركز الفيلم في مرحلة ما علي هذه المشاهد ، لكن ما أن تم تجنيد عبلة ، حتي تقلصت العلاقة ، علي الأقل أمامنا ، وذلك بمجرد دخول عبلة إلي دائرة العمل ، إذن فقد كان هذا الجنس الشاذ بين المرأتين بمثابة عمل من ناحية المرأة الموسادية ، وبمثابة متعة من جانب عبلة .
ولا يمكن أن نبعد جانب الإحساس بالمتعة من قبل العاشقين ، أو حتي من قبل الجاسوسة مع الرجال ، لكن المتعة هنا لا تعني قوة العلاقة ، حيث أننا لم نر ما يجمع بين المرأتين بعد ذلك ، ولعل ما فعلته الجاسوسة التي تجند النساء قد سبق تكراره مع نساء أخريات ، وسوف يتكرر فيما مع العميلات الجديدات .
وفي كل الأحوال بدت العلاقات التي تقوم بها النساء ، خاصة عبلة كامل توصية، ومثل هذه العلامات الشاذة لم نشاهدها في أفلام الجاسوسية الأخري ، وإن كان إغراء المال قد سيطر علي النساء في أفلام عديدة ، حيث سرعان ما يرتفع المستوي الاجتماعي الذي تعيش فيه المرأة ، وذلك بالمقارنة مع ظروفها السابقة ، فعبلة كامل تعاني أسرتها من أزمة مالية حادة ، ورغم ذلك فإن أباها أرسلها إلي باريس لاستكمال الدراسة ، وحسب القصة القصيرة التي كتبها صالح مرسي ، فإنه قد تم تجنيد الفتاة بواسطة أستاذ جامعي في القاهرة وأنه اضطر إلي ذلك بعد أن ورطته الموساد في علاقة ما ، وليست هنا إشارة إلي ذلك في الفيلم ، لكن الفتاة لم تكن في بحبوحة عادية حين وصلت إلي باريس ، أو حين صارت واحدة من بنات السوريون ، وقد رأيناها بعد ذلك تعيش في شقة واسعة بالغة الفخامة ، وتصير واحدة من شهيرات المجتمع ، وتفتح محلاً للملابس ، وكل هذا التغيير بالطبع قد دفعت مخابرات العدو ثمنه ، وقد ساعد ذلك علي أن تدعو عبلة إلي منزلها رجال الامجتمع البارز ، خاصة رجال السياسة والخبراء العسكريين السوفييت الذي يمولون مصر بالأسلحة .
وقد رأينا الجاسوسة آمال في فيلم ” مهمة في تل أبيب ” ترتدي الأزياء الفاخرة ، وتعيش في منزل فخم ، وإن كنا نعرف المستوي الاجتماعي الذي كانت تعيش عليه فيما قبل ، وحين ذهبت إلي بيت السفير المصري ، بدت وهي تضع الفراء الثمين علي كتفها وتتكلم بطريقة امرأة ذات حظوة في المجتمع وذلك بالطبع يختلف عن صورة بدايات الشاب الذي ضاقت به السبل في فيلم ” بئر الخيانة ” فدخل السفارة الإسرائيلية ، وطلب منهم مساعدته ، وإخراجه من حنته .
وفي فيلم ” فخ الجواسيس ” كانت داليا فتاة فقيرة ، دفعتها ظروفها الاجتماعية إلي السفر بعيداً عن بلادها ، وهناك كانت لقمة سائعة لاستخبارات إسرائيل ورغم أن أغلب أحداث الفيلم لا تدور في اليونان ، فإن شقة الجاسوسة في القاهرة ، تبدو اقل فخامة مقارنة بالحياة التي عاشتها جاسوسات أخريات في افلام سبقت الإشارة إليها ، وقد جرت أغلب أحداث الفيلم في الشوارع ، حيث يقوم رجال الاستخبارات المصريين بتتبع أنشطتها ، وهي تستعمل الهاتف العربي في عملياتها .
ومن هذه الأفلام ، لم نر الجاسوسة تقبض بشكل مباشر ، ولكن التغيرات التي عاشتها كل منهن ، توحي بأنها قد أخذت كافة استحقاقاتها ، سواء في شكل عيني ، أو في رفع مكانتها داخل المجتمع ، وليست هناك جاسوسة فقيرة في افلامنا هذه ، ولم نر أيا منهن تعيش في مجتمعات شعبية أو فقيرة .
إذن فخيانة الوطن في كل هذه الأفلام ، تتم مقابل مبالغ مالية كبيرة ، وتحول اجتماعي ملحوظ ، ولعل هذا التحول المفاجئ ، يجعل تردد النساء قليلاً للغاية عندما يعرض عليهن العمل في هذا الميدان المبهر ، وتبدو أغلب النساء جامدات المشاعر بشأن مصائرهن المنتظرة فيقدمته بذكاء حتي لا يتم اكتشاف أمرهن .
ورغم ذلك فإن نهاية كل جاسوسة في هذه الافلام تبدو شديدة المأساوية بالنسبة للنساء اللاتي لم يرجعن عن خيانتهن ، وتبدو طبيعية بالنسبة لهؤلاء اللاتي قررن القيام بعمليات لصالح بلادهن ، في مقابل العمليات التي قامت بها كل منهن فيما قبل .
ومصير المرأة في فيلم ” مهمة في تل أبيب ” أشبه ما فعلته الجاسوسة حكمت فهمي ، فهذه الأخيرةر أحست بالخوف الشديد علي مستقبل وطنها ، وأحست بالخطر وشاركت المناضل عزيز المصري في القيام بعمليات فدائية ضد المصريين ، وساعدت الضباط الأحرار في تحقيق بعض أهدافهم ، وقد تم القبض علي المرأة من قبل قوات الاحتلال البريطاني ، وصدر الحكم بإعدامها رمياً بالرصاص لكن الضباط الأحرار يقومون بانقاذها في اللحظة الأخيرة .
إذن ، فنحن امام امرأة مناضلة ، أكثر منها جاسوسة ، والتجسس هنا لصالح الوطن ، أما في ” مهمة في تل أبيب ” فقد كان علي المرأة أن تعود مرة أخري إلي إسرائيل من أجل تبليغ معلومات غير صحيحة ، وهي تتعرض لمواقف يتعاطف معها المتفرج حين يتم التعرف علي درجة صدقها ، بواسطة أجهزة كشف الكذب ، وهي تعذب ببشاعة ملحوظة ، ويتم مبادلة جسدها بعد موتها بجاسوس آخر يعمل صالح إسرائيل ، ونكتشف أنها علي قيد الحياة وأن الأمر كله لا يعدو وأن يكون خدعه من الاستخبارات المصرية .
وقد بدا هذا المصير مشابهاً بالنسبة لداليا حيث صارت بطلة قومية في منظور الاستخبارات المصرية بعد أن عملت لمصلحتهم ومن بين تظاهر مكاناتها أن اكتشفت من أخاها الذي تصورتها قد مات علي الجبهة حي يرزق ، لكن الأمر اختلف بالنسبة لكافة الجاسوسات الأخريات ، فسارة في فيلم ” الجاسوس ” قد ماتت بطلقات رصاص أثناء مطاردات بين عصابتين دوليتين تسعيان للحصول علي سر عسكري بالغ الخطورة، حين أطلق عليها زعيم عصابة الرصاص فأرادوها قتيلة ، وقد رأيناها بعد أن أصيبت بالرصاصة وقد تمددت فوق الأرض تتأوه ، بينما بقية الأفراد يطاردون بعضهم في أروقة دار كبري ، مزدحمة بالأشخاص الذين جاؤا بحثاً عن السر .
أما مصير عبلة كامل فإننا لم نعرفه إلا من خلال جملة أشار إليها الفيلم في آخر مشاهدة ، وهو أنه تم إعدام الجاسوسة ، بعد فترة قصيرة من القبض عليها ، مما يوحي سرعة المصير الذي تؤول إليه أي خائنة لوطنها ، وقد تلقت المرأة مصيرها بأعصاب باردة ، حين تم القبض عليها في مطار تونس ، فلم تبد أي مقاومة ، ولم يكتسي وجهها بمشاعر الندم أو الخوف وفي مقابل هذا نظر ضابط الاستخبارات من كوة الطائرات ، واشار إليها ليردد الجملة التي صارت قولاً مأثوراً هي دي مصر باعبلة ، ولم نر انعكاس هذه الجملة علي وجهها ولكن ، كافة مشاهد الطائرات التي أعادتها إلي وطنها لم تنطق المرأة بكلمة واحدة ، وبدت ملامحها بالغة الجمود ، مما عكس تماسكها الداخلي ، وهو يتسق مع ما سبق أن قامت به ، حيث تموت روحها من أي إحساس بالمراجعة أو الندم ، وكأن كل الداخل قد مات في أعماق هذه المرأة .
كان دور الجاسوسة بمثابة تحول حقيقي في حياة الممثلة التي جسدت هذا الدور فقد كان علي مديحة كامل أن تنتظر عشر سنوات ، منذ دخولها إلي عالم السينما عام 1967 ، كي تقوم بدور البطولة في الصعود إلي الهاوية ، وهو دور رفضته الكثير من الممثلات ، حيث تؤديه عادة ممثلة تبحث عن شهرة ، باعتبار أن الجاسوسة قد تفسد العلاقة بين النجمة ، وجمهورها ، وقد كان هذا الدور بمثابة فاتحة خير لدخول مديحة كامل عالم البطولات المطلقة والنجومية ، واعتبر النقاد أنها لم تكرر نفس الأدوار في فيلم آخر ، وقد عكست الكاميرا مديحة كامرأة فائقة الأنوثة والجاذبية ، بالغة خفة الظل.
أما بالنسبة لهالة صدقي ،فإن الدور الذي نقلها أيضاًُ من الأدوار المساعدة إلي البطولات المطلقة ، ورغم أن هالة قد تعثرت في تحقيق النجومية المنشودة فيما بعد ، فإن دوررها هنا لم يترك أثره باعتبار أن الفيلم لم يركز علي فتنة المرأة ، وجاذبيتها حيث أنها امرأة ذات شقين ، رأيناها في الجانب الخائن ، ثم الجانب الوطني ، ولم يشأ الفيلم أن يقدم داليا المصرية كامرأة سيئة السلوك ، ولا شك إن إضافة أنوثة طاغية علي الشخصية يجعلها أكثر جاذبية وقبولاً .
ولعل نادية الجندي وأدوارها في أكثر من فيلم ، كان بمثابة تحصيل أمر حادث فعلاًَ باعتبار أنه لا جديد في أي أداء تؤديه في الأفلام العديدة ، وأنها تكسر الشخصيات التي تجسدها بشخصيتها هي ، أما أنه لا فرق بين تعبيرات الوجه التي تبدو عليها وهي تلعب دور الجاسوسية ، أو زوجة البواب ، ولا شك أن دور الجاسوسة يأتي مناسباً علي نسق الممثلة لعرض أكبر قدر من الأزياء الفخمة ، والقيام باستعراضات غنائية راقصة.
وقد جسدت دور الجاسوسة أيضاً الممثلة الأمريكية أن سمرنر ، وشمس البارودي في موسيقي وجاسوسية وحب ، أما في فيلم وطني وحبي ، فلم نر جواسيس من الرجال ، وقد خلت بقية أفلام الجاسوسية الأخري من وجود جاسوسات ، حيث اعتمدت في المقام الأول علي الرجال الذين يمارسون التجسس وقد عددنا هذه الأفلام في بداية حديثنا عن شكل الجاسوسة في السينما مثل ” بئر الخيانة ” و ” إعدام ميت ” و غيرها من أفلام .
بواسطة admin • 02-ملف العدد • 0 • الوسوم : العدد السادس عشر, محمود قاسم