مايو 1 2015
ألـــــوان ، رسول رضـا …….. ترجمة د . سنان سعيد
ألـــــــــــوان
——–
رسول رضــا (*)
ترجمة د . سنان سعيد **
الأبيض ، الأسود ، الأصفر ، الأخضر
الأحمر
كل لون يرتبط بتجربة
أحدها يذكرنا بحسرتنا ،
وآخر بهمومنا ، وثالث بأمنيتنا
ثمة من يبحث عن معني في كل لون
ويطالع سبباً
من يدري ، من جرب
من ذا الذي قال هذا لأول مرة ؟
الأسود – مأتم
الأحمر – عيد
والأصفر – رمز للكراهية
من يدري .. من ذا الذي
طبع الألوان وفصلها
في أية لحظة من لحظات نشوته ؟
يمكن للأحمر أن يكون دماً
وقص خاتم ثمين
ودمع العين أيضاً
ويمكن للأسود أن يكون رمز المأتم
ورمز المحبة
ورمز الكراهية أيضاً
الأبيض يمكن أن يعمي أبصارنا
ويمكن أن يزين زهرة زهرة
مائدتنا أيضاً .
أحدهم يري الورقة خضراء
وأحدهم حمراء .
لكن الورقة تظل محتفظة بلونها
تكون خضراء ،وتحمر ، وتصفر
الألوان تمر عبر قلوبنا
كالرياح الدافئة الباردة
كالرياح الدافئة الباردة
النغمات ، والكلمات والأصوات
تملأ قلوبنا كمختلف الألوان
الألوان تثير الذكريات
وتحرك المشاعر
إذا لم نشأ أن نري أكثر مما نري
فإن كان كل لون مجرد صبغة
وللألوان تناغم كالموسيقي
وللألم ، والفرحة ، والأمل أيضاً
ألوانها
كلما فكر المرء
تفتحت صحائف الألوان المتنوعة
وتجسد أمام أعيننا
لون العمر والنضال
والقلب والكراهية
والليل والصباح
ومصير الإنسان
الضــوء الأبيض
بسمة الطفل النائم
الأمــل
الجميل النزيه
الدقيقة التي تقال فيها كلمات :
” ليس عندكم سرطان ! ” .
كل شئ .
يبعث علي سعادة الإنسان
حتي ،
الكذبة التي تقال للسلوي
ثم …
ألفة الإنسان
الضـتوء الأبيض الضارب إلي المسرة
حـزام
الجـدة
تراب الوطن
غصن الربيع المزهر
أجنحة الحمام
ثلج الشمال
وجه طفل ملطخ بالحليب
واللذة التي يشعر بها
في ملقعة يعمسها الحساء
ويخرجها منها
اليوم الذي تتلاشي فيه الشبهان
يد الصديق
العقدة المحلولة
والأعمال ، الأعمال ، الأعمال
اللائقة بالإنسان
الضوء الأبيض الضارب إلي المحبة
معني العمر
مرآة القلب
الثروة التي لا تقدر بثمن ولا سوق لها
الأغاني التي تصغي إليها النفس
المفتاح الذي يتطابق مع باب قلب واحد
الإنســـان
الذي يفهم ويشعــر
الفضــي
عدم جدوي الأسلحة
شارب الرجل الذي انتهت ( مودته )
الصورة الماثلة وراء الزمن
للمعلم الذي علمنا الألفباء لأول مرة
الأمواج المزيدة
الذكريات عن الجد والجدة
الصباح المستيقظ وسط الضباب
الشيخ شامل (1) .
وحنجرة المعلق في عقدة نطاقه
والذي نقش دعاء علي قضته
ولعب أوراق الصفصاف
الغارقة في الريح
لعبة الاختبار
مرآة العروس
فيمة
ليالي السهاد
للجهد والعرق والتعب
الوجه البارد لأغصان الشمال
والدخان البعيد
الذي يمد المسافر المتعب بالقوة
الشقيق الصغير للذهب
ورأس الإنسان المبتلئ
الأســـود
العدو النذل
الخوف المختفي عن الشعور
أسي الفراق الأبدي
أكثرية الزاحفين من أجل أن يعيشوا
( باستثناء الزاحفين بسبب العاهات )
الكذب الأبيض
الآهة التي تحرق الشفاة
الصباح المطل علي يوم الإعدام
كلمات الطعن
لهب العيون
الشعر والحواجب
لحم الغزال الذي وقعت عليه عين الحسد
ثم …
بعض نوايا الإنسان ..
أشكال الأسود الأربعة
العيون الحسري
الجدائل المبعثرة
الشفاه المرتجفة
جمع العرج في طريق السرعة
الآذان العاجزة عن سماع الكلام
الأغصان المتشققة المحطمة
الجبال الخالية من الأنغام
العيون الجافة
مراعي الصيد الخاوية من صيد
المواقد الخالية من النار
الموتي الجديرون بالحياة
الأحياء الموتي
القبائل والشعوب
المطرودة لغاتها من المنابر العالية
المكبلة سواعدها بالقيود
الأحمــر الضارب إلي الأمــل
الدرب القريب إلي النجوم البعيدة
ثم الإنسان :
الناصع الجبين
الزاخرة عينه بالثقة .
الأحمـر الضارب إلي الإيمان
الصبر
الكرم الشارب الشمس
طريق الأمل
الساحة الفسيحة – الملأي بالأنغام
ضعف الرصاصات ، والوعود
الابن البكر
للب واجف القلب
اسم الإنسان
طعم الموت
حب الناس
والحقيقة العارية
الفستقي
بحر في أول الصيف
الربيع المستيقظ مبكراً من النوم
الشفاه المفتوحة بنهم
أشعار الغزل
الجميلات
نظرات الإنسان
نقوش الوريقات الأولي
في الأغصان الطرية
الأسي في العيون
صفحات من أفكار الشباب
الفيــروزي
آلام الحب الباقية في الذكريات
سحر البحــر
ضوء المصبـاح
الساقط علي الجدار الأزرق
من ” الآباجور ” الأخضر
حسرة أصابع فتاة فقيرة
باكر جعفر جبارلي (2)
اثنتان فقط
من العيون في الدنيا
الأزرق
بحر بلا أمواج
حب بدون انتظار
عمق السماء
“راقصات” ديكاً (3)
الشمس التي يرسمها رسام صغير
دعة العيون
أفكار الإنسان
ودروب الماء
بين جزر الجليد
الأزرق الضارب إلي السلوان
أفظع الأمراض
الشعور ببراءة الطاعة
أمل الجمل الذي يسقط حمله في تبريز (4)
في مستقبله يوماً ما
السم الحلو للانخداع
الظلال المنقشة للأحراش
زرقة السماء
المنسابة إلي قلب
الذين يتسرب الماء من سقوف بيوتهم
ثم …
ما لا يليق باسم الإنسان :
” ما الضير ..
المهم .. أنه لست أنا ”
الرمــــاني
حكايات ألف ليلة وليلة
فرو خراسان
الرطوبة التي تخنق الأنفاس
خواء البقرة
التي قطع عنها صغيرها ذو الشهر
عربدة ودلال الهرة المنزلية
شج المرأة المحبوبة
الماثل في الخيال
بلاد الذكريات
التي لا يمكن السفر إليها
البني الغامق
غضب الشمس
المتناثر علي رمال الصحراء
ذكريات عن ” بلزاك ”
القلب المحترق
المواقد الخالية
رسوم “غوغان ” (5)
في جزيرة تاهيتي
دمع العين بقدر البحار
أحجار القبور بالملايين
توبة النذل
شعبة جهنم علي وجه الأرض
الإنسان ، الإنسان ، الإنسان
الضاحك الباكي
الأغبــــــر
الضائعون المختلطون بالكثيرين
النابتون في كل تربة
الرماد الطويل للسيكارة المنطفئة
بين الأصابع الميتة
الرماد المغلف بالسيلوفان
الأيام الفارغة
القلوب الخاوية
الرجل الذي هو هكذا … وهكذا
الضحكة غير المعتادة وغير الصادرة من
الأعمـــاق
الفضة الباقية في الشعور
من الهدوء البارد ،
لا لون الوقت
الأصفــر :
بحر السنابل المكتنزة بالحب
وجه أم لطفل مقعد
الأشجار الملتحقة بالخريف
الجياع الذين أكل الأقوياء نصيبهم
المعدن الرنان
الذي يشوه الحب
الخيال المنفصل عن الحياة
نواح الأوتار
العيون التي تترقب الطريق
زهور النرجس القوية
موسيقي ” ديبوسي ” (6)
الماشية الغافلة
الداخلة من بوابة المجزرة
المجنون العاقل
أمل الإنسان
صفــرة التبن
الحسرة إلي الجدران العارية
للبيت الذي ولدت فيه
الحقيقة التي تفوح بالندم
ناظم حكمت
الذي يتحدي قلبه الجريح
في الغروب
وحبه المؤلم
شمس الشتاء
الهــلال
البادي للحظة في أفق السماء
ذكري الخواطر المرة
الجرح
الذي لا يري من قبل
الأصدقاء والناس
والذي لا ينطفئ كلما أنقد
الوتر الذي لم تعد تحتاجه
الأصابع الباردة
النبات المتسلق المحروم من الشمس
الأضواء الفاقدة لأغنيتها
ثم .. صفرة التبن (7)
الحب الأخير
للإنسان الكبير ، الذي لا يمكن الارتواء منه
وألمه الأخير ..
الهوامــش :
1- الشيخ شامل زعين ديني وقومي في داغستان ولد في داغستان عام 1797 ، وتوفي في المدينة المنور عام 1871 قاد الكفاح المسلح في بلاده ضد الاستعمار القيصري لسنوات طويلة ، فالتفت حول سلطته جماهير الفقراء والفلاحين في داغستان التي وجه صفوف قومياتها ، بعد أسرة .
2- كاتب مسرحي أذربيجاني .
3- رسام في المدرسة الانطباعية اشتهر بلوحاته لرقصات البالية .
4- مثل شعبي .
5- بول غوغان ، رسام فرنسي 1848 – 1903 تميزات أعماله بالبساطة والانتقاء ببعدين .
6- كلود ديبوسي ، مؤلف موسيقي فرنسي 1862 – 1918 .
7- صفرة التبن : إشارة إلي زوجة ناظم حكمت الأخيرة وكانت شقراء وقد وصفها ناظم حكمت بـ ” صفرة التبن ” في شعره / المترجم /
* شاعر أذربيجاني
** أدب عراقي .
مايو 1 2015
صهيــل الصمــت …………………. د. كلثم جبر
صهيــل الصمــت
====
د. كلثم جبر (*)
استشعر الحنين في هذااليوم القائظ وأنا اقف وسط التراب المتراكم أبحث عن بقاب صوتك .
هبت رياحه من بعيد …
كنت لم أفق بعد من صدمة الفراق الأولي ،
وكنت تندثرين ( بعباءتك السوداء ) تهرولين نحو البهو الواسع ، مطمئنة لقدر الله ، ولم تكن صدي خطواتك بئيسة .
كنت تركضين نحو المجهول ، وأنا أركض خلفك والضياء خلفنا يزدا توهجاً ، أحاول أن أغادر بؤسي ، وقوقعة صمتي ،واثنيك عن فرارك ، غير أن خطواتك التي رفضت أن يحملها المقعد المتحرك سبقتني إلي الداخل وتحول الصراع بداخلي إلي أنين والضياء المتغلغل من البوابة الزجاجية خلفنا يتضاءل أصبحنا معاً داخل ممرات الدهاليز الباردة ، وأنا أحمل حقيبتك الصغيرة … ووسائلك الزرقاء …
***********
في الزمن الأول …
تصادمت الوجوه في ضجة عجيبة ، كنت أنظر إليه ، وأنا متدثرة بثوبي الزهري :
* حبيبي ينظر إلي .
( التفت لأريهم كيف كانت عيناه الواسعتان تنظران إلي ، غير أني لم أجد أحداً ) .
في الزمن الآخر .. والطرف الآخر من المدينة …
تصادمت الوجوه مرة أخري وهي تصرخ تحت الشمس ، وامرأة متدثرة بثوبها الأسود ، تحاول التغلغل في زحام السير وهي تنظر إليه ، وترفع يدها في حركة صاخبة مشيرة للجسد المسجي فوق الأعناق :
* حبيبي ينظر إلي .
( التفت لتربهم كيف كانت عيناه شبه المغلقة تنظر إليها ، غير أنها لم تجد أحداً ) .
*********
أنهض ببطء ..
الشمس تلقي بشظاياها من خلف النافذة ، وأمواج البحر تتلاطم من بعيد ، انظر إلي جانب وجهك ملامحك لم تعد واضحة لدي ، اعتلي السرير الحديدي أعانق جسدك في هذه المساحة الصغيرة من الزمن ، همست بهدوء عجيب :
* بعد قليل أكون جاهزة لمواجهة قدر الله لا تنزعجي ..
أظل متشبثة بجسدك أتتبع بناظري صفاء وجنتيك ، انحدر إلي القاع ، تستلمين للتعامل بين الحين والآخر ، وأسقط في رائحة عبق بخورك ، أحاول أن اصرخ : ( دعينا نفارق هذه الغرفة الباردة ) .
غير أن صوتي تبخر قبل أن يصل إليك ، وفكرة الهروب من هذه البوابة التي أغلقت متاريسها الحديدية خلفنا تلاشت تحت وطء الخطوات الرتيبة التي جاءت لنأخذك لغرفة المجهول .
************
في الزمــن الأول
قفزت من فوق ظهر المقعد المتحرك ، وتركت الممرضة تهرول وخلفي فزعة ، وأنا أهرول خلفحاضنته الزجاجية الصغيرة وهم يهرعون به لغرفة المجهول وأنا متدثرة بثوبي الزهري :
* حبيبي يبتسم إلي .
( التفت لأريهم كيف كان يبتسم إلي ، غير أني لم أجد أحداً ) .
في الزمن الآخـر .. والطرف الآخر من المدينة ..
أخرج الفتية مخزون قهرهم في لحظة محتدمة ، لم يتبق شئ في جوف الأرض من حصي ، قلبوا التراب ، وذرات التراب ، تجمعت أجسادهم متلاصقة ، تراخت قبضاتهم حينما هبت رائحة شواء جسد بشري ، تقهقروا للخلف ، أعادتهم البوابة الخشبية المشرعة للمدينة العتيقة والغبار الساكن إلي بوتقة الحزن فصمت هتافاتهم وهم يتلقون الحاضنة الزجاجية نجسد طفل مسيحي بداخلها وامرأة متدثرة بالسواد تغادر البوابة المشرعة ، مشيرة إليه :
* حبيبي يبتسم إلي :
( التفت لتريهم كيف كان يبتسم إليها ، غير أنها لم تجد أحداً ) .
************
وقفت من بعيد .. خطواتي الثكلي كانت تتأرجح ، كنت أري أخي يلبس (قبعته البحرية ) وأنت فوق السرير الحديدي مدثرة بالبياض ، وأنا أتابعك للنظر وأخي يقبض بأطراف قبعته فوق رأسك حتي لا تسقط ، وهو يتمتم لنفسه أو لربما لي :
* رقيتها .. هل رقيتها طويلاً .. آيات من القرآن الكريم أقرئيها .. انفخي في صدرها فوق وجهها لتعود سالمة .
كنت لم أع بعد معني الضياء المتفجر في وجنتيك ، وابتسامتك التي ظلت تلاحقنا هادئة وأنت تمعنين النظر في وجوه أخواتي المتزاحمة حولك ، مقتربة من غرفة المجهول تصطدم حافة سريرك بالجانب الأيمن من الباب ، وأنا أركض بداخلي خلفك وأحاول أن أسد بجسدي الباب حتي لا تتسللين إلي الداخل ، غير أنك قررت الدخول أو عدم الخروج قبل عثورك علي مقبض السكينة الذي استل طفلي بين حناياه .
**********
في الزمن الأول ..
التصقت بي الأصوات .. أغمضت عيني ألملم أثوابك القطنية التي صنعتها أختي الصغري وبألوان عمرها الزاهية ، أجمع ذراتي المتناثرة ، أتقهقر بضع خطوات الخلف ، أتخيلك مبتسمة وفوق رأسك قبعة أخي البحرية ، أتخيله مبتسماً وفوق رأسه الصغير قبعة أختي القطنية التي أهدتها إياه يوم أن أغفي محتضناً بكفه الصغيرة إصبعها وهي تتعتم فوق رأسه بآيات قرآنية لم تكتمل .
حاولت أن أنهض من رماد سقوطي .. ولم أصرخ ، أبداً لم أصرخ وأنا متدثرة بثوبي الزهري :
” الحمد لله .. الحمد لله أنهما يسجدان لله معاً .
( ألتفت لأريهم كيف كانا يسجدان لله معاً ، غير أني لم أجد أحداً ) .
في الزمن الآخر ، والطرف الآخر من المدينة ..
جاءوا بقميصه الملطخ بالدم ، وفي ذاكرة المرأة المدثرة بالسواد آثار لكابوس لم تنطفئ ملامحه بعد ، غير أن الأشياء بدأت تتسع وتصبح في مساحة الرؤية ، حاولت أن تستعيد تفاصيل جسده وهو بودعها في ذاك الصباح الباكر ويتكفئ علي يديها مثلما إياها .. حينما لملمت بقايا ثوبه ، وقميصه ، رأته في وسط الزحام يطل بملامحه الفنية وفوق رأسه عصبته القطنية التي أهدتها إياه خالته في يوم ماطر ، يسابقها صوتها المختنق الضاج بالوجه وهي تردد من الداخل دون أن يسمعه ( أرجوك .. أ.. أ .. ) ولم تصرخ .. أبداً لم نصرخ وهي متدثرة بثوبها الأسود :
* الحمد لله ، إنه يسجد لله ..
( التفت لتريهم كيف كان يسجد لله ، غير أنها لم تجد أحداً ) .
* قاصة قطرية ، ورئيسة قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة قطر .
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد السادس عشر, د. كلثم جبر