أغسطس 3 2012
معاليه………………………………صالح القاسم
معاليــــــــــــــه
صالح القاسم
كاتب من الأردن
أرهقـه صديقه مدير العلاقات الثقافية بمركز المدينة وهو يذكره بموعد محاضرة الوزير . أعطاه قبل أسبوع بطاقة دعوة كتلك التي تعطى للمسؤولين الكبار ، مغلفة بظرف أبيض أنيق ، ومكتوب عليه اسمه بخط جميل مسبوقاً بلقب الكاتب ، أكثر ما أعجبه ببطاقة الدعوة لقب (الكاتب ) ، حيث كتب على الظرف : الاستاذ الكاتب حامد حامد المحترم ، وعندما فتح الظرف وجد مكتوباً بداخله ما يلي : يتشرف مركز المدينة بدعوتكم لحضور المحاضرة التي سوف يلقيها معالي وزير الديمقراطية بعنوان المشاركة السياسية ، وذلك يوم السبت الموافق الأول من نيسان من عام 6000 ، في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، والدعوة عامة .
الساعة الثانية بعد منتصف الليل ! قال ذلك متعجباً ، واستتل : ” منذ متى كانت المحاضرات بعد منتصف الليل ؟ هذه أول سمعة ! أكيد في هناك غلط في الطباعة ؟ .
*****
اتصل به صديقه مساء ذلك اليوم ، قبل أن تغرق الشمس في الظلام بقليل ، يذكره بموعد المحاضرة :
– ” لا تنسى موعد المحاضرة الليلة الساعة الثانية بعد منتصف الليل ” .
– هل حقاً ما تقول : الثانية بعد منتصف الليل أم انك تمزح معي ؟ ”
– ” هذه ليست أول مرة يا أستاذ حامد ” . أجاب ، ” فنحن منذ زمن نقيم نشاطاتنا كلها في مثل هذا الوقت “.
كان حامد حامد ينكش قُوًّراة زريعة بعود صغير يحاول أن يقلب التراب الذي تصلب حول نبتة يعتني بها منذ سنوات . سأل نفسه : ” ما سر هذه الإلحاح على دعوتي ؟ هل أصبحت – حقاً – كاتباً مهماً لهذه الدرجة ؟ أم أن الصداقة الشخصية التي تربطني بمدير العلاقات الثقافية هي التي تقف وراء ذلك ؟ ” ، أسئلة كثيرة عصفت بذهن حامد ، ولعل أهمها : ” أليس العناية بالنبتة أهم من كل كلام الوزراء ؟ ” لكنه يضمر لصديقه مدير العلاقات الثقافية كل المحبة والإحترام ، فترك العود الصغير في القوراة ، واتجه الى ساعة المنبه ضبطها على الساعة الثانية بعد متصف الليل ، ثم اتجه الى المغسلة . غسل ما علق بيديه من غبار ، تناول بيجامته ، وجلس على أريكة يقرأ ما بقي من الرواية التي بدأ بقراءتها قبل أيام في انتظار الموعد .
البقية فى العدد الثانى والعشرين .
أغسطس 3 2012
ربيع ورغيف خبز…….……………سوزان ابراهيم
ربيعٌ ورغيف خبز
سوزان ابراهيم
” وعند الفجر لا تنم بني ” قالَها غجريٌّ عتيقٌ ذاتَ رحيلٍ ومضى. جملةٌ لطالما ردَّدَها على مسامعي مضيفاً:
– لا تدعي الفجرَ يسبقُكِ, كوني بانتظاره! ثمَّ يحركُ ما في قعرِ فنجانِ القهوة قليلاً, ويرشفهُ دفعةً واحدة.
منذُ تعرفتُ عليه, صارتْ تلكَ المقولةُ تميمةً ترافقني كجرسِِ منبهٍ لا شعوري يستنهضُني لأراقبَ انبلاجَ الفجر, وتفتُّحَ وردةِ الشمس الأولى. أصصُ الحبقِ في الشرفةِ خاليةٌ إلا من بقعِ مخملٍٍ طحلبيٍّ أخضر, وخيطٍ فضيٍ لامعٍ يرسم مساراتٍ متعرجةًً فوقَ التربة الرطبة. ينداحُ أريجُ الهال كثيفاً من دلّةِ القهوة التي مازلت أتعاطاها على الشرفة صيفاً وشتاءً منذُ رحيلهِ قبل عامين.
* * *
أمام المرآةِ, ومع آخرِ لمسةٍ من مرطبِ الشفاه, أتناولُ معطفيَ الذي فقدَ لمعانَ سوادهِ بعدَ مرورِ سنواتٍ على استخدامِهِ المتواصلِ. أبلّلُ فرشاةَ الملابسِ بالماء, وأبدأ طقسيَ الصباحيَ بتنظيفهِ مما علقَ به من زغب. أتفحصُ وجهيَ قليلاً في المرآة, أتذكرُ ربيعاً, أضغطُ على قلبي, وأخرج.
في المكتبةِ الكبيرة المستطيلةِ المتخمةِ بآلافِ العناوينِ تجوّلتُ, ترددتُ في اختيارِ بعضٍ منها, خمّنتُ أنني لو اخترتُ كتاباً لبابلو نيرودا, للوركا, لسعد الله ونوس, أو للماغوط, وربما لممدوح عدوان لنالَ ذلك إعجابه. اختلستُ النظرَ إلى الأسعار, تفقّدتُ ما بقيَ من راتبِ الشهر, وقررتُ خوضَ المغامرة. وضعَ محاسبُ المكتبة ما اشتريتُ في كيسٍ بلاستيكي. في تلك اللحظةِ بالذات, دهمتني صورةٌ مشوشةٌ في الذاكرة لطالبة جامعية! حاولتُ استعادةَ بعضِ التفاصيل.. كنتُ في ذلك اليوم بصحبةِ ربيع نتسكعُ في شوارع دمشق, نحتفلُ بعيدِ ميلاده الثلاثينَ, لكنْ على طريقته! الزمانُ.. أواخرَ شباطٍ قبلَ ثلاثةِ أعوام, المكانُ.. الشوارع القريبةُ من جامعة دمشق. لمْ أعرفْ رجلاً مولعاً بالقراءةِ وشراءِ الكتب من مكتباتِ الأرصفة كما ربيع! تجوّلنا هنا وهناك, اختارَ ثلاثينَ عنواناً,علّقَ ضاحكاً:
– إنها رخيصة! يمكنكِ شراءُ كتابٍ بعشرِ ليراتٍ,أو بخمسٍ وعشرينَ ليرةٍ فقط! في شباطَ القادمِ, سنشتري واحدا وثلاثين كتاباً.
بالقربِ منّا, انحنتْ طالبةٌ تقلّبُ الكتبَ, وتختارُ منها بكثيرٍ من الاهتمام, حين انتهتْ سألتِ الرجل عن ثمنها. هدأتْ تعابيرُ وجهِها واستكانت, تفقدتِ العناوينَ بين يديها, وهمّتْ بإعادةِ بعضِها إلى الرصيفِ حيث كانت. اقتربَ ربيعٌ, دفعَ الثمنَ المطلوب, ورجا الفتاةَ أن تحتفظَ بكلِّ ما اختارته قائلاً:
– اقبليها هدية مني ومن خطيبتي.
تلعثمتِ الصبيةُ, فطلبَ إليَّ الإلحاح عليها بقبول هديتنا. بعد هنيهةٍ أضاءتِ ابتسامةُ شكرٍ الوجهَ الذي يفاجئني الآن متلبسةً بالحزن.
خلسةً وبطرفِ المنديل جففتُ دمعاً تبرعمَ في عيني.. لقد كان عيدُ ميلادِه الأخيرَ الذي احتفلنا به معاً.
* * *
البقية فى العدد الثانى والعشرين
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد الثانى والعشرون, سوزان ابراهيم