يوليو 8 2010
الأستشراق ورؤيته للحضارة العربية الإسلامية …………. على بن حسين المفتاح
الأستشراق ورؤيته للحضارة العربية الإسلامية
ـــــــــــــــــــ
على بن حسين المفتاح *
لاجدال فى أن الإستشراق له دور كبير فى العالم العربى والعالم الإسلامى على حد سواء , وإن اختلف ردود الأفعال على كلا الجانبين , ففى العالم الغربى لم يعد فى وسع أحد أن يكتب عن الشرق أو يفكر فيه أو يمارس فعلآ مرتبطآ به أن يتخلص من القيود التى فرضها الاستشراق على حرية الفكر أو الفعل فى هذا المجال من حيثأن الاستشراق ( يشكل شبكة المصالح الكلية التى يستحضر تأثيرها بصورة لامفر منها فى كل مناسبة بكون فيها ذلك الكيان العجيب ( الشرق) موضوعا للنقاش . ([1])
ذلك أن الإستشراق فى حقيقة الأمر كان ولايزال جزءا لايتجزأ من قضية من قضية الصراع الحضارى بين العالم الاسلامى والعالم الغربى بل أن الاستشراق يمثل ( الخلفية الفكرية ) لهذا الصراع .. فكان له أكبر الأثر فى صياغة التصورات الأوروبية عن الإسلام وفى تشكيل مولقف الغرب إزلء الاسلام على تأثيراته القوية فى الفكر الاسلامى الحديث ايجابا أو سلبآ ……… فلا نستطيع أن تجاهله أو نكتفى بمجرد رفضه ……. ومن هنا كانت أهميته وأهمية البحث فيه ودراسته لإدراك أبعاده وتأثيراته بالنسبة للإسلام والمسلمين .
مفهوم الاستشراق :
الاستشراق هو علم الشرق أو علم العالم الشرقى ….. وكلمة ( مستشرق) بالمعنى العام تطلق على كل عالم غربى يشتغل بدراسة الشرق كله : أقصاه ووسطه أدناه , فى لغاته وأدابه وحضارته وأديانه … وعلى ذلك فالاستشراق يعنى الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الاسلامى فى لغته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام ( [2] )
ويرى مالك بن نبى بأن المستشرقين هم الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الاسلامى وعن الحضارة الاسلامية . ([3])
بدايات الاستشراق :
هناك بعض الباحثين يشير إلى أن الغرب يؤرخ لبدء وجود ( اللاستشراق الرسمى) بصدور قرار مجمع ( فيينا ) الكنسى فى عام 1312م والذى تمخض عن قرار بلإنشاء عدد من كراسى اللغة العربية فى عدد من الجامعات الأوروبية([4])
ولك الإشارة إلى أن هناك استشراق ( رسمى ) …. يؤكد أن هناك إستشراق قبل ذلك التاريخ ….. فلاستشراق السريع للإسلام فى المشرق والمغرب لفت أنظار رجالات اللاهوت النصارى إلى هذا الدين …. ومن هنا بدأ اهتمامهم بالإسلام ودراسته …. ولذلك يذهب البعض إلى أن بدايات الاستشراق ترجع إلى مطلع القرن الحادى عشر الميلادى … وقد تمت ترجمة معانى القرآن إلى اللغة اللاتينية – لأول مرة – فى القرن الثانى عشر …. وهناك من الباحثين من أرجع تلك البلدايات إلى القرن العاشر الميلادى . بدءا من الراهب الفرنسى ( جربر) (940-1003م) الذى قصد الاندلس وتتلمذ على أساتذتها فى إشبيلية وقرطبة حتى أصبح أوسع علماء عصره فى أوروبا ثقفة بالعربية والرياضيات والفلك ثم تقلد قيما بعد منصب البابوية فى روما باسم سلفستر الثانى 999-1003) .
وفى الحروب الصليبية كان الاتصال بالشرق العربى والحضارة العربية أشد ودتها أطول , ذكر ” أسامه بن منقذ” فى كتابه ” الاعتبار ” : أن أمراء الصليبيين والكثيرين من قادتهم الذين طال مكثهم فى المنطقة العربية تبلدوا – على حد تعبيره – إنهم بحكم الاختلاط اقتبسوا الحضارة العربية وقلدوا الأهلين فى المأكل والملبس وأخذ1وا العادات , قال : ( نزلت على أمير من أمرائهم كانت بينى وبينه صداقة وحين أحضر الغداء قال لى : كل ولا تحذر ظو إنى لا آكل لحم الخنزير , وعندى طباخ مسلم يصنع لى طعامى بطريقتكم وترانى لا أختلف عنكم بشئ ) كما نقلوا الصناعات وطرق الزراعة والبستنة واقتبسوا العديد من الأصناف إلى ديارهم.
وفى القرن السابع عشر كانت حركة الاستشراق أنشط , حيث ظهر فى هذا القرن ” أدوريوك ” الانجليزى فى جامعة أكسفورد , و ” كالان ” الفرنسى الذى ترجم لأول مرة ألف ليلة وليلة , وبرز ” أوربانيوس ” الهولندى الذى أنشأ أول مطبعة ” لايدن ” التى قامت بطبع العشرات من أمهات الكتب العربية , وطبع فيها مؤسسها أول كتاب فى قواعد اللغة العربية ( [5] )
أما مفهوم (مستشرق) فلم يظهر فى أوربا إلا فى نهاية القرن الثامن عشر , إذ ظهر أولا فى اجلترا عام 1779م وفى فرنسا عام 1799م ( [6] ) وإن كان اختلاط الغرب بالشرقوبالغرب خاصة أبعد من ذلك بحيث يمتد إلى القرن السابع الميلادى كما يرى بعضهم .
الاستشراق والاستعمار:
كان للمد الاستعمارى فى العالم الإسلامى دور كبير فى تحديد النظرة الأوروبية إلى الشرق وخصوصآ بعد منتصف القرن التاسع عشر , وقد أفاد الاستعمار من التراث الاستشراقى , كما كان للسيطرة الأوروبية على الشرق دورها فى تعزيز موقف الاستشراق وتواكبت مرحلة التقدم الضخم فى مؤسسات الاستشراق وفى مضمونه مع مرحلة التوسع الأوروبى فى الشرق . وقد شهد القرن التاسع عشر استيلاء المستعمرين الغربيين على مناطق شاسعة من العالم الاسلامى . ( [7] )
وقامت الدول الأوروبية الاستعمارية ( بريطانيا وفرنسا وهولندا ) بتقطيع أوصال البلاد الاسلامية شيئا فشيئا , لوضعها تحت سيطرتها وسيادتها …. وبعد الحرب العالمية الأولى كان العالم الإسلامى كله تقريبا خاضعآ لنفوذ الاستعمار الغربى ( [8] )
وقد استطاع الاستعمار أن يجند طائفة من المستشرقين لخدمة أغراضه وتحقيق أهدافه وتمكين سلطانه فى بلاد المسلمين … وهكذا نشأت هناك رابطة رسمية وثيقة بين الاستشراق والاستعمار … وانساق فى هذا التيار عدد من المستشرقين ارتضوا لأنفسهم أن يكون عملهموسيلة لإذلال المسلمين وإضعاف شأن الإسلام وقيمته .. وهذا عمل يشعر إزاءه المستشرقون المنصفون بالخجل والمرارة .
والاستعمار هو امتداد للحروب الصليبية التى كانت فى ظاهرها حروبا دينية وفى باطنها حروبا استعمارية , وقد كانت العودة الى احتلال بلاد العرب وبلاد الاسلام حلما يراود الغربيين منذ هزيمة الصليبيين فاتجهوا إلى دراسة هذه البلاد فى كل شؤونها من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات ليتعرفوا على مواطن القوة فيها فيضعفوها وإلى مواطن الضعف فيغتنموها . ( [9] )
ولم تكن علاقة الاستشراق بالاستعمار هى مجرد إضفاء طابع التبرير العقلى على المبدأ الاستعمارى بل كان الأمر أبعد من ذلك وأعمق فالتبرير الاستشراقى للسيادة الاستعمارية قد تم قبل حدوث السيطرة الاستعمارية على الشرق … وليس بعد حدوثها , فقد كان التراث الاستشراقى بمثابة دليل للاستعمار فى شعاب الشرق وأوديته من أجل فرض السيطرة على الشرق وإخضاع شعوبه وإذلالها ( فالمعرفة بالأجناس المحكومة أو – الشرقيين – هى التى تجعل حكمهم سهلا ومجديآ , فالمعرفة تمنح القوة , وزيد من القوة يتطلب مزيدا من المعرفة , فهناك باستمرار حركة جدلية بين المعلومات والسيطرة المتنامية ) ( [10] )
وهكذا اتجه الإستشراق المتعاون مع الاستعمار بعد الاستيلاء العسكرى والسياسى على بلاد المسلمين إلى إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية فى نفوس المسلمين وتشكيك المسلمين فى معتقداتهم وتراثهم .. حتى يتم للاستعمار فى النهاية إخضاع المسلمين إخضاعا تاما لحضارة والثقافة الغربية .
جهود المستشرقين لفهم الشرق الإسلامى وموقواته الحضارية :
تتمثل جهود المستشرقين على مدى تاريخهم الطويل فى أعمال مختلفة تشكل فى مجموعها كلا واحدا وتتلخص هذه الأعمال فى الأتى :
1- التدريس الجامعى :
يكاد يكون هناك فى كل جامعة أوروبية أو أمريكية معهد خاص للدراسات الإسلامية والعربية بل يوجد فى بعض الجامعات أكثر من معهد للاستشراق مثل جامعة ميونخ حيث يوجد بها معهد للغات السامية والدراسات الإسلامية ومعهد لتاريخ وحضارة الشرق الأدنى . وتقوم هذه المعاهد بمهمة التدريس الجامعى وتعليم العربية وتخريج الدارسين المؤهلين ممن سيواصلون أعمالهم فى المجال الاستشراقى الاكاديمى أو غيره من مجالات أخرى فى السلك الدبلوماسى أو الالتحاق بأعمال فى الأقسام الشرقية بدور الكتب أو فى مراكز البحوث المهتمة بالشرق أو أية أعمال فى فى جهات لها صلة بالشرق وتتأتى من ذلك أهمية مايحمله المستشرق من أيديولوجية بالنسبة لما يخلفونه من آثار فى الدارسين على أيديهم وما ينعكس منهم على غيرهم . وتفتح ه1ذه المعاهد أبوابها للدارسين من كل مكان ومنها يتخرج أيضا أعداد لابأس بها من العرب والمسلمين الذين يعودون إلى بلادهم لتولّى مهمة التدريس فى جامعاتها .
2- جمع المخطوطات العربية :
اهتم المستشرقون منذ زمن طويل بجمع المخطوطات العربية من كطل مكان فى بلاد الشرق الإسلامى … وكان هذا العمل مبنيآ على وعى تام بقيمة هذه المخطوطات التى تحمل تراثا غنيا فى شتى مجالات العلوم … وكان بعض الحكام فى أوروبا يفرضون على كل سفينة تجارية تتعامل مع الشرق أن تحضر معها بعض المخطوطات وقد ساعد الفيض الهائل من المخطوطات المجلوبة معها من الشرق فى أوروبا وتنشيطها … ومنذ الحملة النابليونية ( فرنسا ) على مصر عام 1798م تزايد نفوذ أوروبا فى الشرق وساعد ذلك على جذب الكثير من المخطوطات …. وكانت الجهات المعنية فى أوروبا ترسل مبعوثيها لشراء المخطوطات من الشرق … وقد تجمع المخطوطات من الشرق بطرق مشروعة أو غير مشروعة وقد لقيت فى أوروبا اهتماما عظيما وتم العمل على حفظها وصيانتها من التلف والعناية بها عناية فائقة وفهرستها فهرسة علمية نافعة تصف المخطوط وصفآ دقيقآ وتشير إلى ماتتضمنه من موضوعات وتذكر اسم المؤلف وتاريخ ميلاده ووفاته وتاريخ تأليف الكتاب أو نسخه .. وبذلك وضعت تحت تصرف الباحثين الراغبين فى الاطلاع عليها فى مقر وجودها أو طلب تطويرها بلا روتين أو إجراءات معقدة .
3- التحقيق والنشر :
قام المستشرقون بتحقيق الكثير من كتب التراث وقارنوا بين النسخة المختلفة ولاحظوا الفروق وثبتوها وراحعوا منها ماحبسوه أصحها وأعهدلها .. وأضافوا إلى فهارس أبجدية للموضوعات والاعلام ثبتوها فى أواخر الكتب التى نشروها وقاموا فى بعض الأحيان بشرح بعض الكتب شرحا وافيآ .
وقد استطاعوا أن ينشروا عددا كبيرا جدا من المؤلفات العربية كانت عونا كبيرا للباحثين الأوروبيين من المستشرقين وغيرهم من بلاد الشرق .
4- الترجمة :
قام المستشرقون بترجمة مئات من الكتب العربية والإسلامية إلى اللغات الأوروبية كافة .. فقد نقلوا الكثير من دواوين الشعر والمعلقات وتاريخ أبى الفداء وتاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى وتاريخ المماليك للمقريزى وتاريخ الخلفاء للسيوطى والإحياء والمنقذ للغزالى , ونجد ذلك بمئات الكتب فى اللغة والأدب والتاريخ والعلوم الإسلامية المتعددة هذا فضلا عما ترجم فى القرون الوسطى من مؤلفات العرب والمسلمين فى الفلسفة والطب والفلك وغير ذلك من علوم . هذا بجانب ترجمة للقرآن إلى اللغات الأوروبية كافة , وقد مهدوا لترجماتهم بمقدمات وضعوا فيها تصوراتهم عن الإسلام . هذا التصور الذى لايتفق فى كثير من الأحيان مع الحقائق الإسلامية بل قد يصطدم مع هذه الحقائق اصطداما جوهريا ([11])
5- التأليف :
تعددت مجالات التنأليف فى الدراسات العربية والإسلامية لدى المستشرقين , وبلغ عدد ماألفوه عن الشرق فى قرن ونصف (منذأوائل القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين ) ( ستين ألف ) كتاب [12] وقد ألّفوا فى التاريخ العربى والإسلامى وفى علم الكلام والشريعة وفى الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامى , وفى تاريخ الأدب واللغة العربية وفى الدراسات المتعلقة بالقرآن والسنة النبوية , وفى النحو العربى وفقه الغة العربية , ولم يتركوا مجالا من ممجالات العلوم العربية والإسلامية إلا وألفوا فيه .
ومما تميز فيه المستشرقون فى مجال التأليف هو مجال المعاجم والقواميس اللغوية وقد ظهر أول قاموس لاتينى /عربى فى القرن الثانى عشر الميلادى , كذلك المعجم العربى اللاتينى الذى ألفه جورج فيلهام (1861م) والذى لايزال يستعمل حتى اليوم هذا بالإضافة إلى العديد من القواميس الصغيرة والكبيرة التى تجمع بين العربية وغيرها من لغات أوروبية مختلفة كالانجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من لغات أوروبية أخرى . وهناك المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف الذى يشمل كتب الحديث الستة المشهورة بالإضافة إلى مسند الدرامى وكوطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل … وقد تم نشره فى سبعة مجلدات ضخمة فى الفترة من عام 1926 حتى عام 1936 , وتفيد من هذا المعجم الجامعات والمعاهد الإسلامية كافة فى العالم ([13]) .
أهداف المستشرقين :
كان وراء اتجاه الأوروبيين لدراسة الشرق , وإقامة موسسة ضخمة هى : مؤسسة الإستشراق , أهداف معينة فالهدف الدينى كان وراء نشأة الاستغراق ودعم الدراسات الإسلامية والعربية فى أوروبا .. وقد صاحب الإستشراق ذلك الهدف طوال مراحل تاريخه ولم يستطيع أن يتخلص منه نهائيأ , وحتى نهاية القرن التاسع عشر لم يكن الاستشراق قد حرر نفسه من إسار الخلفية الدينية التى اشتق منها أصلا إلا بدرجة ضئيلة . ( [14] )
والهدف الدينى للاستشراق كان يسير منذ البداية فى ثلاثة اتجاهات متوازية تعمل معا جنبا إلى جنب . لم تكن دوافع الاستشراق نبيلة كلها فإذا كانت هناك جماعة من المستشرقين دفعتهم إلى دراسة الفكر العربى وتاريخ العرب دوافع علمية صادقة بهدف تقويم هذا الفكر وجلاء ما غمض من هذا التاريخ , فإن لفيفا أكبر من المستشرقين الأول كانت تحدوهم إلى ذلك دوافع التبشير من جهة وأهداف خدمة المصالح الاستعمارية من جهة أخرى , فقد كان لتعصب الغربيين وحماستهم الدينية وجهلهم المطبق أثره الفعال أيضآ . وكان لاستمرار تداول الأساطير الغربية عن النبى صلى الله عليه وسلم , وعداء النصارى لديانة توسعية منافسة لديانتهم , وماخلفته الحروب دون قيام دراسة موضوعية متجردة – إن لم تكن متفهمة – للإسلام , وقد ظل الأمر كذلك حتى القرن الحالى . ويعترف (جب) بأنه على الرغم من التقدم الكبير فى الغرب نحو تفهم الإسلام من جانب المبشرين بدلا من دراسته دراسة سطحية مغرضة فجة , فإنه لاتزال الأحكام القديمة والأفكار المغرضة تلازم مواقفهم من الإسلام وهذا مالا يمكن إغفاله عند تقدير مؤلفاتهم([15] )
لقد كان الفكر العربى هدفآ لحملة ظالمة من بعض الباحثين الغربيين . ففى محاضرة ألقاها الفيلسوف (رينان ) فى جامعة السربون 29يناير 1892م زعم هذا الرجل : أن الإسلام يقف ضد العلم والفلسفة وحرية التفكير بل أنه عرقل أى تقدم علمى أو فكرى لأنه على – حد زعمه – دين غيبية وخوارق وأضاف (رينان) بأن الإسلام دين جبرى وإيمان إستسلامى وادّعى أن الفلسفة الإسلامية مسخت الفلسفة اليونانية وشوهتها , وأن العرب لايمتلكون عقلا فلسفيا . أما سبب ظهور البحث العلمى والفلسفى عند العرب إبان العصور الوسطة فعزاه (رينان) إلى الأجانب الذين دخلوا فى الإسلام . والجدير بالذكر أن جمال الدين الأفغانىخاض مناقشات شاملة مع رينان وزاره فى باريس فوصفه رينان ” بأنه ملحد عظيم ” غير أن رينان اضطر أمام حجج الأفغانى إلى تعديل آرائه فقال :بأن الإسلام النقى الصافى لم يكن ضد العلم , وإنما تحول المسلمون ضد العلم والفلسفة حين خرجوا عن روح الإسلام ( [16] ) .
والآن يمكننا حصر أهداف المستشرقين فى ثلاثة أتجاهات متوازية تعمل جنبا إلى جنب وتتمثل هذهالاتجاهات فيما يلى :
1- أهداف علمية :
وقد كانت مقصد بعض من ظهروا فى عصر التنوير فى أوروبا .. فمنهم من قرأ الكتب الدينية وفحصها وأدرك أن رسالة الإسلام قريبة من الرسالات السماوية الأخرى ومؤيد لما جاء فى كتبها من إيمان بالله وكتبه ورسله ودعوة إلى الحق والخير والصلاح .. ولكن هؤلاء كانوا قلة .
2- أهداف تجارية :
وقد ظهرت تلك الأهداف التجارية فى عصر ما قبل الاستعمار الغربى للعالم الإسلامى فى القرنين التاسع عشر والعشرون فقد كان الغربيون مهتمين بتوسيع تجارتهم والحصول من بلاد الشرق على المواد الأولية لصناعاتهم التى كانت فى طرقها للازدهار … ومن أجل هذا كانت حاجتهم إلى السفر إلى البلاد الإسلامية والتعرف عليها ودراسة جغرافيتها الطبيعية والزراعية والبشرية حتى يحسنوا التعامل مع تلك البلاد …. وتحقيق ما يصبون إليه من وراء ذلك من تحقيق فوائد كثيرة تعود على تجارتهم وصناعتهم بالخير العميم .
3- أهداف سياسية :
ظهرت تلك الأهداف السياسية واضحة جلية واتسع مداها بأتساع رقعة الاستعمار الغربى للعالم الإسلامى فى القرنين التاسع عشر والعشرين , واضطرت الدول الاستعمارية أن تعلم موظفيها فى المستعمرات لغات تلك البلاد.. وأن تدرّس لهم آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسون هذه المستعمرات ويحكموها , وقد اتجهوا فى هذه المرحلة إلى العناية باللهجات العامة والعادات السائدة كما فعلوا بالدين والشريعة ( [17] )
ونظرآ لأهمية الين وتأثيره الفعّال فى الأخلاق والمعملات فقد اتجه هؤلاء الباحثون المستشرقون لدراسة وكتابة وتأليف الكتب عنه .
فئات المستشرقين :
هناك فئات المستشرقين , وهى مختلفة تتراوح ما بين التعصب والإنصاف… وفى حال التجاوز عن من لهم ميول تبشيرية خفية أو معلنة , نجد أن المستشرقين العلمانيين ينقسمون إلى فئات مختلفة :-
1- فريق من طلاب الأساطير والغرائب, وهم الذين أفتروا على الإسلام واخترع خيالهم المريض حوله الأقاصيص الكاذبة , ولم يكن لهذا الفريق من العلم نصيب , وقد ظهر هذا الفريق مع بداية نشأة الاستشراق …. واختفى بالتدريج
2- فريق من المرتزقه الذين جندوا دراستهم وبحوثهم لخدمة المصالح الغربية والاقتصادية والسياسية والاستعمارية .
3- فريق من المتغطرسين الذين أخذتهم العزة بالأثم وأعمتهم الضلالة عن النزاهة العلمية فراحوا يطعنون الإسلام والمسلمين .
4- فريق تعرض للإسلام باسم البحث العلمى ولكنهم انحرفوا عن جادة الصواب فراحوا يتلمسون نقاط ضعف فى الإسلام من وجهة نظرهم ويشككون فى صحة الرسالة الإسلامية , وفى التوحيد الإسلامى , وفى القرآ الكريم من حيث مصدره أو نصه , وفى الحديث من حيث صحته وفى قدرة اللغة العربية على التطور … الخ .
5- هناك فريق من المستشرقين التزم فى دراسته للإسلام بالموضوعية والنزاهة العلمية وأنصف الإسلام والمسلمين وقد أدى الأمر ببعضهم إلى اعتناقهمالإسلام .
6- هناك فريق من المستشرقين انكب على دراسة اللغة العربية وفقه اللغة والأدب العربى أو اشتغل بالمعاجم وما شابه ذلك ولهؤلاء بحوث قيمة ومفيدة ([18])
يسود اعتقاد بين بعض المفكرين العرب : بأن الألمان هم أكثر المستشرقين موضوعية فيما يخص تاريخنا مقارنة بما كتبه غيرهم من الأجانب ويرون بأن أسباب ذلك تعود إلى :
1- لأن ألمانيا لم تحاول أن تستعمر البلاد العربية لذلك نجا المستشرقون من الخضوع للسياسة .
2- لأن المانيا لم تحاول التبشير فنجا مستشرقوها من العبث بالتاريخ الإسلامى أو تفسيره على شكل يخدم أغراضهم .
وبالرغم مما يقال من مآخذ حتى على بعض المستشرقين الألمان مثل (نولدكه) وحتى (رايسكه) الذى يرى البعض فيه “شهيد الأدب العربى ” بينما يرى فى الأول (نولدكه) بأنه ” شيخ المستشرقين ” إلا أن الشئ الذى لابد من ذكره فى هذا السياق هو (أن المعرفة شئ والإنصاف شئ آخر)( [19])
ملاحظات على آراء ومناهج المستشرقين :
1- إن الاستشراق – من بين شتى العلوم الأخرى – لم يطور كثيرآ فى أساليبه ومناهجه … وفى دراسته وتناوله للإسلام ولم يستطيع أن يحرر نفسه تماما من الخلفية الدينية للجدل الاهوتى العقيم , الذى انبثق منه الاستشراق أساسا .. ولم يتغير شئ من هذا الوضع حتى اليوم باستثناء بعض الشواذ …(ومن الواضح فى هذا الصدد أن صور العصور الوسطى للإسلام قد ظلت فى جوهرها دون نغيير.. وإنما نفضت عنها الثياب القديمة لأجل أن تلبس ثيابا أقرب إلى العصر وتعد من علائم الإصرار على الأفكار العتيقة سواء فيما يتعلق بالقرآن أو ما يتعلق منطقيآ منها بالعقيدة والشريعة والتاريخ فى الإسلام .( [20] )
2- يخلط الاستشراق كثيرآ بين الإسلام كدين وتعاليم ثابتة فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة وبين الوضع المتردى للعالم الإسلامى فى عالم اليوم , فلإسلام كتابا وسنة يعد فى نظر مستشرق معاصر (ميسلنج) إسلامآ ميتآ , أما الإسلام الحى الذى يجب الاهتمام به ودراسته فهو الإسلام المنتشر بين فرق ( الدراويش ) فى مختلف الأقطار الإسلامية وهو تلك الممارسات السائدة فى حياة المسلمين بصرف النظر عن اقترابها أو ابتعادها عن الإسلام الأول .
3- يؤكد الاستشراق بوضوح ظاهر على أهمية الفرق المنشقة عن الإسلام (كالبابية والبهائية والكاديانة والبكداشية وغيرها ) من فرق قديمة وحديثة ويعمل على تعميق الخلاف بين (السنة والشيعة ) . والمستشرقون يعدون المنشقين عن الإسلام على الدوام أصحاب فكر ثورى تحررى عقلى , ودائما يهتمون بكل غريب وشاذ … ودائمآ يقيسون ما يرونه فى العالم الإسلامى على ما لديهم من قوالب مصبوبة جامدة .
وفى ذلك يقول المستشرق (رودنسون ) : ” ولم ير المستشرقون فى الشرق إلا ما كانوا يريدون رؤيته … فاهتموا كثيرآ بالأشياء الصغيرة والغريبة ولم يكونوا يريدون أن يتطور الشرق ليبلغ المرحلة التى بلغتها أوروبا ومن ثم كانوا يكرهون النهضة فيه ” .
4- الافتقار للموضوعية فى كتابات معظم المستشرقين عن الدين الإسلامى , فالإسلام فقط من بين كل الديانات التى ظهرت فى الشرق والغرب هو الذى يهاجم… وتفسير ذلك يعود إلى أن الإسلام كان يمثل بالنسبة لأوروبا صدمة مستمرة … فقد كان الخوف من الإسلام هو القاعدة … فهو التهديد المستمر للمدينة النصرانية فى الغرب كله .
ويتضح الحقد الدفين فى قول المستشرق (فون جرونيبام) ومايدّعيه من أن الإسلام ظاهرة فريدة لامثيل لها فى أىّ دين آخر أو حضارة أخرى (فهو دين غير إنسانى وغير قادر على التطور والمعرفة الموضوعية وهو دين غير خلاق وغير علمى واستبدادى).
5- يعطى الاستشراق لنفسه فى دراسته للإسلام دور مثل الاتهام والقاضى فى الوقت نفسه فبينما نجدد مثلا أنّ علم التاريخ يحاول أن يفهم فقط ولا يضع موضع الشك أسس المجتمع الذى يدرسه نجد الإستشراق يعطى لنفسه حق الحكم بل وحتى الاتهام والرفض للأسس الإسلامية التى يقوم عليها المجتمع الإسلامى … وذلك ناتج عن نوايا مسبقة لايمكن بحال من الأحوال أن تكون نوايا علمية صافية.
6- يعد الاستشراق أسلوبآ خاصآ فى التفكير يقوم على تفرقة أساسية بين الشرق والغرب … (فالغربيون عقليون ومحبوبون للسلام ومتحررون ومنطقيون وقادرون على اكتساب قيم حقيقية … أما الشرقيون فليس لهم من ذلك كله ئى ) .
ويتجاهل المستشرقون حقيقة هامة جدآ: أن الحضارة الغربية التى يصفونها بأنها حضارة نصرانية … مبنية فى الأصل على تعاليم رجل (شرقى) وهوالمسيح عليه السلام … وعلى ما نقلوه عن العرب من علوم عربية ومن تراث قديم تطور على أيدى الغرب .. هذه الحقيقة تحعل من هذه التفرقة المبدئية إلى شرق وغرب والتى يعتمد عليها الاستشراق أمرآ مخالفآ للمنطق ..
7- يعمد المستشرقون إلى تطبيق المقاييس النصرانية على الدين الإسلامى وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم فالمسيح فى نظر النصارى – هو أساس العقيدة – ولهذا تنسب إليه النصرانية وطبق المسشرقون ذلك على الإسلام فأطلقوا على الإسلام اسم المذهب ( المحمدى ) وعلى المسلمين ( المحمديون ) وذلك لسبب آخر كذلك وهـو إعطاه الانطباع بأن الإسلام دين – ( بشرى ) من صنع محمد ( وليس من عند الله أما نسبة النصراينة إلى المسيح فلا تعطى هذا الأنطباع لديهم لاعتقادهم – الباطل بأن المسيح ابن الله .
وكذلك يتم القياس بين المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم فالمسيح لـم يتزوج أما ( محمد ) فقد تزوج بأكثر من واحدة و ( محمد ) صلى الله عليه وسلم محارب وسياسى أما ( المسيح ) فهو مسالم مغلوب على أمره وهكذا .
– إن الإسلام الذى تناوله المستشرقون المتحاملون عليه فى كتبهم هوإسلام من اختراعهم كما أن محمد صلى اله عليه وسلم الذى يصورونه فى مؤلفاتهم وإنما هو شخص آخر من نسيج خيالهم … فالاستشراق فى دراسته للإسلام – ليس علما وإنما هو عبارة عن ( أيديولوجية ) خاصة يراد من خلالها تزويج تصورات معينة عن الإسلام بصرف النظر عما إذا كانت هذه التصورات قائمة على حقائق أو مرتكزة على أوهام وافتراءات ونحن لا نمانع من حيث المبدأ أن يعاد النظر فى وقائع تاريخنا وحتى أن يقرأ مرة مرتين وثلاثا ، أما الشئ الذى لا يمكن أن نسلم به ، فهو أن عقل الرسول صلى الله عليه وسلم وروحه الطاهرة يمكن أن ينبشا على النحو الذى نبشت فيه ( مقابر الفراعنة ) وأن ينقب فى سيرته بنفس الطريقة التى نبشت فيها آثار ( نينوى ) يقول المستشرق النزيه الذى أعلن إسلامه وأوصى أن يدفن فى مقبرة بوسعادة فى الجزائر ، فى كتابه ” أشعة خاصة بنور الإسلام ” ما يلى :
” إن المنهج الذى يجب أن يتبع فى دراسة السيرة النبوية الشريفة ، هو الرجوع إلى الأخبار الصحيحة التى رواها المسلمون أول عهدهم بالتدوين ”
وقال : ” إن الصرح الذى شيده المستشرقون فى سيرة الرسول هو صرح من الورق قد أقيم على شفا جرف هاو ، والسبب فى ذلك واضح ذلك أنهم لم يتبعوا الخطة المثلى فيما ينبغى أن يعتمدوا عليه فى السيرة ،إن كاتب السيرة يجب عليه أولا أن يتجرد عن الشهوة والهوى والعصبية ويبدأ فى دراسة الموضوع نافضا عن رأسه كل ما أوحته إليه الكنيسة من أباطيل عن الإسلام وكل ما غرسته فى نفسه من اتهامات خاصة عن نبى الإسلام وإذا لم يفعل فإن ما سيكتبه سيكون لا محالة وهم ولا قيمة له “.
عهدهم بالتدوين ، يجب أن يعتمد على البخارى ومسلم وطبقات بن سعد وسيرة ابن هشام وعلى الطبرى وقبل ذلك وبعده أن يعتمد على القرآن الكريم الكتاب الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ويجب عليه ثالثاً أن يدرس البيئة العربية فى مهدها مكة ، والمدينة والطائف وغيرها حتى ينجلى له الغامض ، يتضح له المبهم وتستقيم له الفكرة .
أما إذا قرأنا هذه السيرة فى كتب المبشرين والمستشرقين المتعصبين فإننا لانكاد نعرف السيرة لشدة التحريف فى تصويرها ” .
وخلاصة القول بأن نفراً كبيراً من المفكرين الغربيين وعلى رأسهم(بوهل ) و( واط) و(بارت) قد تحركوا فى منهجهم وهم يدرسون التاريخ والحضارة الإسلامية من أربعة قولعد وأسس هى :
أ – عدم وجود مصادر تريخية عربية وسيرة نبوية متفق عليها والاستفادة من الثغرات فيها .
ب- نقد مناهج المسلمين فى البحث التاريخى واقتراح بدائل عنها .
ج- الإسقاط التاريخى .
د- المنهج العقلانى فى البحث العلمى .
وهكذا يمكن القول : بأن الروح الغالبة على كل الدراسات باستثناء الرومانسيين هى روح الكراهية والعداء والدس على الثقافة العربية – الإسلامية ، وهم إن حاولوا التعلل والتذرع بالمنهج العلمى المتشدد وعملوا على تقمص الشخصية الأكاديمية الجدية فإنهم – أى العلماء منهم – لم يستطيعوا إخفاء حساسياتهم الحقيقية وحقدهم التاريخى المتأجج . وإذا كان رواد حركة الاستشراق منذ مطلع القرن الثامن عشر يصمون من سبقهم من الباحثين باللهاث وراء اللغة واللاهوت بغرض تفسير الكتاب المقدس فيعرونهم بذلك من أية صفة علمية فإن المتأخرين – برغم رعمهم سلامة منهجهم – قد وقعوا فى نفس الخطأ من حيث يريدون أولاً يريدون .
حقيقة لابد منها حول الاستشراق :
حقيقة الأمر أن الكثرة من المسلمين يستريبون بنيات علماء الاستشراق وينظرون إلى مؤلفاتهم بتحفظ وبشئ من الربية والاتهام ،لأنهم ينظرون إليهم بأنهم مدفعون بغايات تبشيرية واستعمارية وتتهمهم بأنهم يدلسون فى تاريخنا ويشككون شبابنا بدينهم ويزهدونا بحضارتنا وهذه النظرة منا لأعمال المستشرقين لها مايبررها فقد كان باعثها قسم من المستشرقين الذين ناصبوا الإسلام العداء بكتاباتهم ( المغلوطة) حيث الفوا بالإسلام وبالرسول أبشع الصفات والافتراء بدافع الحقد والجهل والتعصب الذميم وبدافعالدعوة والتبشير لتعاليم الكنيسة .
ومع ذلك فإن الإنصاف يدعونا إلى أن نفرق بين المبشرين وبين العلماء المنصفين من الذين ندبوا أنفسهم للعلم ولإحياء التراث وبين الذين كان غرضهم الدعاية وتنفيذ أغراض الكنيسة والاستعمار .
والحق أن المستشرقين ليسوا بكفاءة واحدة كما أن أغراضهم تختلف اختلافاً كبيراً .
– فمهنم من ندبتهم مؤسسات علمية ودوائر استعمارية أو جمعيات تبشيرية فهؤلاء وأمثالهم لا ينتظر منهم إلا تحقيق أغراضهم بكل وسيلة فهم يستبيحون كل دنيئة ودسيسة للوصول إلى أغراضهم .
– ومنهم من أسدوا إلى لغتنا وتاريخنا وتراثنا خدمة جليلة وذلك بإحياء التراث العربى والإسلامى والإسلامى ، وأحيوا الكثير منمخطوطات أسلافنا فى التاريخ والجغرافيا والرحلات البرية والبحرية ، وفى الأدب والاجتماع والفلسفة ، كنا نجهلها أو لتصل أيدينا إليها لسبب أو لآخر ومع أن أعمالهم هذه قد وصلتنا عرضاً ووفق أغراضهم ، وخدمة لجمعياتهم العلمية أو الدينية أو السياسية كى يتخذوا من كتب اسلافنا مادة تخدمهم فى أغراضهم ومقاصدهم .
– ولكن مهما كانت دوافعهم فقد استفدنا من هذه المهمة ولاتنكرأن الكثيرين منهم قد وقع فى أخطاء قد تكون غير متعمدة وأن البعض منهم كتب بدوافع دينية افترى بها على الإسلام ولكن أخرين التزموا جانب الحيدة ولم يحيدوا عن الروح العلمية بل اثنوا على الحضارة الإسلامية ، وعابوا على من كانت نظرتهم صليبية ودافعوا عن الإسلام ونوهوا بفضله أمثلة ذلك أقوال بعضهم التى نوردها هنا :
– يقول كارليل : ” إن العرب كانوا نكرة عدة قرون فلما جاء النبى العربى اصبحوا قبلة الأنظار فى العلوم والمعارف وعزوا به وكثروا ولم يأت عليهم قرن حتى استضاءت أطراف الدنيا بعقولهم وعلومهم .
وقالوا : ” كلود فارير” من مشاهير مؤرخى فرنسا : إن هزيمة العرب فى بواتيه قد أخرت المدينة الغربية ثمانية قرون فلو ظفرالعرب يوم بواتيه لحملوا مدينتهم إلى الغرب ولما طالت أيامه فى الجهل المطبق .
– وقال ” لوجى برتيالدى ” بعد أن وصف مدينة العرب فى صقليا وأفاض بما قدمه المسلمون فى اسبانيا لأوربا والعالم من عمران وعلوم وفنون قال :
” أمة هذه مدنيتها وتلك آثارها ومفاخرها جديلا بنا بل واجب علينا أن نحفظ لها تلك اليد التى قدمتها إلينا واسلفتها لنا ولست أدرى لماذا لانسمع كلمة إعجاب بالشعب العربى العظيم الذى ترك فى طريق المدينة آثاراً عديدة والذى حمل معه أعظم الانجازات وأجل الخدمات للبشرية .
– وقال : غوستاف لوبون :
” إن العرب أكثر حكمة من كثير من رجال السياسة الحديثة ، عرفوا حق المعرفة أن أوضاع أى شعب لا تتناسب مع أوضاع شعب آخر فكان من قواعدهم أن يطلقوا للأمة المغلوبة حريتها ، ويتركوا لها الاحتفاظ بقوانينها وعاداتها ومعتقداتها ” .
وأخيراً نختم بحثنا هذا بقول جميل سجله مفكرنا الكبير ” مالك بن نبى” عندما قال فى سياق رؤيته لدور الاستشراق .
” من الإنصاف أن لا نقيم إنتاجهم – يقصد المستشرقين من زاوية ذاتية أصحابه أو من زاوية ميزاتهم الفكرية ونواياهم ، بل من زاوية من( يستخدم ) إنتاجهم لغايات خاصة فى عالمنا نفسه لا فى عالم بعيد أو خيالى .
وعليه يمكن القول بأن أى فراغ أيديولوجى لاتشغله أفكارنا من الطبيعى ان ينتظر أفكرنا منافية بل معادية لنا لتشغله وهذه مسألة حتمية إن لم تكن قاعدة فالأخرون قد لا ينتظرون وقوع الفراغ الأيديولوجى لاحتلاله بل يعملون هم على صنعه ، بل ربما يشغلونه بأفكار سواهم من باب التكتيك حتى بلوغهم عملية فصلنا نهائياً عن أفكارنا . فعلينا إذا أن نكتسب خبرتنا ونعززها من خلال تحديدنا لموضوعات تأملنا ، وألا نسلم بأن تحدد لنا بواسطة الآخرين .
وبأختصار شديد فإن علينا أن نستعيد أصالتنا الفكرية ، واستقلالنا فى ميدان الأفكار حتى نحقق بذلك استقلالنا الاقتصادى والسياسى :
مـا المطلـوب :
ولكن يبقى السؤال الهام هو : إلى أى حد استفدنا كعرب ومسلمين من الاستشراق فى فهم نظرة الجانب الأخر لتاريخنا وحضارتنا الإسلامية وما هو الجهد الذى بذل من جانبنا لتقييم مثل ذلك الانتاج المعرفى وكشف جوانب الزيف منه والاعتراف بالجوانب الإيجابية ؟؟ بمعنى ما هو الجهد الذى قامت به مراكزنا ومؤسسات العلمية والمتخصصون وأبناء هذه الأمة من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والقدرة على معالجة الأمور بوضوعية تتطلبها الروح العلمية أولاً وأخيرأً ؟؟
وما دمنا بصدد الحديث فى هذا السياق فإنه يمكننا التأكيد على أن المستشرقين فى جملتهم ليسوا فئة واحدة وإنما هم أكثر فى ذلك فمنهم من تربطه قواسم مشتركة برؤيتنا الحضارية وفهمنا للظاهرة الاستشراقية فى جوانبها السلبية وعليه فإن الضرورة والحكمة تدعوننا إلى إقامة حوار فتح نقاش معمق ومفيد مع تلك الفئة إستاداً لموقفنا وتعزيزاً لوجهة نظرنا فى مواجهة الآخرين وبالتالى يمكننا التوجه مجتمعين لمواجهة التيار الآخر الذى يذهب مذهبا سلبياً فىتفسيره وتأويله لتاريخنا وحضارتنا من خلال الظاهرة الاستشراقية ولاشك أن انضمام مجموعة من مفكرى الغرب إلى صفنا سيسهم إسهاماً جيداً فىتقريب الصورة بالنسبة لعقول الجيل الغربى ذاته لأن هذا العقل يهمه أن يستقى أفكاره من عقول محيطه وبيئته التى يعيش ويمارس أفكاره وقيمه التربوية منها ، والمفكرون الغربيون هم أدرى وأقدر من الآخرين
على إيصال مايريدون على طريقة ( أهل مكة… ) .
المـراجــع :
1- إدوارد سعيد : الاستشراق ( المعرفة – السلطة – الإنشاء ) ، ترجمة : كمال أوديب، بيروت مؤسسة الأبحاث العربية 1981م .
2- مالك بن نبى : إنتاج المستشرقين واثره فى الفكر الإسلامى الحديث ، مكتبة عمار للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة 1970م .
3- رودى بارت : الدراسات الإسلامية والعربية فى الجامعات الألمانية ، ترجمة : مصطفى ماهر ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية 1967م .
4- محمد البهى : الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى ، بيروت : دار الفكر1972م.
5- محمود حمدى زقزوق : الاستشراق والخليفة الفكرية للصراع الحضارى ، الدوحة كتاب الأمة العدد (5) 1983م.
6- نجيب العقيقى المستشرقون ،ج1 ،ط4، القاهرة : دار المعارف ، 1981م.
7- عمر لطفى العالم : المستشرقون والقرآن ( دراسة نقدية لمناهج المستشرقين) مركز دراسات العالم الإسلامى – مالكا الطبعة الأولى 1991م .
8- محمود أركون ومجموعة من المستشرقين الأوربيين : الإستشراق بين دعاته ومعارضيه ترجمة وإعداد : هاشم صالح – دار الساقى بيروت، الطبعة الأولى 1994م .
9- على الجندى : الفكر العربى المعاصر – القاهرة 1994 .
10- جمال الدين الألوسى : المستشرقون والتراث .. المستشرقون والإسلام منشورات مجلة الرسالة الإسلامية – وزارة الأوقاف – العراق – مطبعة الأوقاف – بغداد .
11- GIBB. ISL. AMHOME UNIVER – SITY LIBEARY OXFORD 1949 p . 6 .
———————————————–
الهــوامش :
(1) إداورد سعيد : الأستشراق ( المعرفة – السلطة الإنشاء ) ، ترجمة : كمال أوديب ، بيروت مؤسسة ألبحاث العربية 1981م . ص 39 .
(2) رودى بارت: الدراسات الإسلامية والعربيـة فى الجامعات الألمانية ترجمـة مصطفى مـاهر ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية 1967م ص 11.
(3) مـالك بن نبى إنتاج المستشرقين واثره فـى الفكر الإسلامى الحديث – القاهرة : مكتبة عمار ص 7 .
(4) إدوارد سعيد : مرجع سابق ، ص 9 .
(5) جمال الدين الألوسى : المستشرقون والتراث … المستشرقون والإسلام منشورات مجلة الرسالة الإسلامية – وزارة الأوقاف – العراق – مطبعة الأوقاف – بغداد .
(6) نجيب العقيقى المستشرقون ، ج1، القاهرة : دار المعارف ، ط4 ، 1981 ،ص 27-76 .
(7) إدوارد سعيد : مرجع سابق ص 72 .
(8) محمد البهى : الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالإستعمار الغربى ، بيروت ، دار الفكر ، 1973 ص 29 .
(9) إدوارد سعيد : مرجع سابق ص 68- 70 .
(10) محمد البهى : مرجع سابق ، ص 534 .
(11) محمود زقزوق : الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى الدوحة ، كتاب المة ، العدد (5) 1983ص 59- 65 .
(12) إدوارد سعيد : مرجع سابق ص 216 .
(13) محمود حمدى زقزوق : مرجع سابق ص 69 – 70 .
(14) إدوارد سعيد : مرجع سابق ص 265 .
(15) GIBB. ISLAMHOME UNIVERSITY LIBEARY OXFORD 1949P.6 .
(16) على الجندى : الفكر العربى المعاصر – القاهرة 1944 .
(17) محمود حمدى زقزوق : مرجع سابق ص 73- 75 .
(18) محمود حمدى زقزوق : مرجع سابق ص 75 – 76 .
(19) عمر لطفى العلم ، المستشرقون والقرآن ( دراسة نقدية لمناهج المستشرقين) مركز دراسات العالم الإسلامى – مالطا ، ط1 ، 1991
(20) محمد البهى : مرجع سابق ، ص589 .
(21) محمود حمدى زقزوق : مرجع سابق ص 120 .
(22) المستشرقون والقرآن – مرجع سابق ، ص 38 .
(23) جمال الدين الألوسى : مرجع سابق .
(24) مرجع سابق ، ص 20 – 21 .
(25) مالك بن نبى – مرجع سابق – ص 58 .
[1] – باحث قطرى
[5] –
[6] –
[7] –
[8] –
[9] –
[10] –
[12] –
[13] –
[14] –
[15] –
[16]–
[18] –
[19] –
[20] –
يوليو 8 2010
قصيدة المديح فى ديوان الشاعر. الإنسان أحمد بن يوسف الجابر …. د / هدى النعيمى
قصيدة المديح فى ديوان الشاعر… الإنسان أحمد بن يوسف الجابر
د / هدى النعيمى * ([1])
ظل الدور الذى يؤديه الشعر العربى على مر العصور مؤثرآ وفارقآ فى الكثير من الأحيان . وظل الشاعر وحتى عهد قريب يقوم بدور يشبه إلى حد كبير دور الإعلاميين أو الدبلوماسيين . فهو لسان حال الجماعة , المعبر عن آرائها , الحافظ لتاريخها , المفاخر بمآثرها , الحاشد لقواها التعبوية ضد أعدائها وهو لسانها وضميرها فى الحرب والسلم على السواء . اتخذه الملوك والأمراء والحكام سندآ قويآ لهم بعد أن أدركوا قيمة رسالته وعظمة دعواه وأغدقوا عليه من المنح والعطايا مما جهل الشعر – ديوان العرب الكبير – حافلآ بقصائد المديح , بل لعلنا نستطيع أن نجزم أن ديوان العرب الشعرى يكاد لايخلو من قصائد المديح لكل شعرء العربية الأقدمين قاطبة . وهذا الرأى لاغلو ولا شطط فيه . فالحياة العربية بيئتها الصحراوية وتشرذم قبائلها وسعيهم الدائب وراء الكلأ والمراعى , وأخلاقياتها المستمدة من روح القبيلة ومحاولتها اصطناع كيان معنوى وأخلاقى تؤصل به وجودها لتفاخر غيرها وتسمو من خلاله على غيرها من القبائل .. استلزم وجود أبواق تتحمس لهذه الدعوة وتنادى بها , وتجاتهر بصوطها الزاعق حتى يطغى على كل الأصوات . فتنتشر دعواها فى ربوع الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها , واستلم ذلك من الشعراء إتخاذ موقفين يبدو للوهلة الأولى أنها متعارضان .
الأتجاه الأول : يربط الشاعر بدعواه التى هى فى حقيقة الأمر دعوى القبيلة ذاتها وميراثها الثقافى والتاريخى والأخلاقى , فناره ينسب إلى قبيلته كل المعانى والقيم النبيلة من كرم وشجاعة ونجدة للملهوف وتاريخ مجلل بالفخار والفروسية . فضلآ عن الكبرياء والنبل وإنكار الذات … إلى آخر هذه الصفات التى تراوحت بين الواقعية والمبالغة وبرزت أشعار وحكم زهير بن أبى سلمى وعمرو بن كلثوم وعروة بن الورد وحسان بن ثابت وعنترة بن شداد وأبوتمام والبحترى وأبوفراس الحمدانى والمتنبى على خلاف شاعرية كل منهم .
الاتجاه الثانى : تقرب الشعراء من الحكام واتخاذهم قصيدة المدح وسيلة للتكسب… وإن حملت قصيدة فى طياتها نفس معانى وقيم التفاخر والمباهاة أو انحراف الشاعر عن رسالته فأصبحت كل شيم الخير والفضيلة موجهة إلى شخص الحاكم بصورة بدت فيها المعانى أكثر عمومية واتسمت بالمبالغة الشديدة ولعبت فيها السياسة – فى دور متأخر – دورآ كبيرآ . إلى أن انحرفت الرسالبة التى يتبناها الشاعر عن دورها , وأصبح المدح خالصآ لوجه الدنانير التى تلمع وتتألق اصفرارا . وغرقت القصيدة فى المعانى العامة التى تصلح لكل حاكم أو أمير حتى أصبح بمقدور الشاعر أن يغير إسم الحاكم فى القصيدة بآخر وتظل القصيدة على حالها لا تلزمها أى إضافة أو تغيير . وبحيث تصبح القصيدة أقرب إلى النظم منها إلى الشعر .
وليس معنى ذلك أن القصبيدة العربية تخلو من الشاعرية الحقة التى تعبر بصدق وإحساس شامل بالكون وبالبحياة والتى تتبدى فيها معاناة وطرحه للعديد من الأسئلة التى تؤرقه وهو يتأمل الحياة فى تبدلها وتقلباتها المدهشة والغريبة . ويكفينا أن نشير إلى شعراء من أمثال طرفه بن العبد , وأبى العتاهية , وأبن الرومى , والمتنبى , وأبى العلاء المعرى , وإلى شعر شعراء الخوارج والصعاليك , لندرك ان القريحة العربية قادرة على تقد يم نماذج متعددة من شعراء سموا بأعمالهم وخرجوا بها من الإطار المحدود للرؤية الى عوالم مازالت حتى يومنا هذا تخاطب فينا هذا الشجن الانسانى النبيل ونحن نتأمل الحياة بكل مظاهرها الطبيعية والانسانية سلبآ وإيجابا0 وتدفعنا دفعآ الي إعادة اكتشاف ذواتنا والبحث عن الجوهرة الأصلية التي يحملها كل منا بين جنباتة. ومن منّا لايقف متأملا وفاحصا قول طرفة بن العبد :
أو قول عروة بن الورد
أو قول أبى العلاء :
أو قول المتنبى :
أو قول ابن الرومى :
وليست المسالة أبيات شعرية متناثرة , ولكنه الغالب الأعم عند شعر هؤلاء الشعراء ممل يمثل وجهة نظر متكاملة تجاه الحياة والموت وتجاه العالم الإنسانى بوجه عام .
وإذا كان شعر المديح يمثل القاسم المشترك الأعظم فى ديوان العرب الشعرى , وإذا كنا ننظر إليه اليوم – وفق مقاييسنا النقدية الحديثة – ونعتبره لايمثل قيمة حقيقية فى تراث الإبداع الإنسانى . فإن هناك ظروفا بيئية واجتماعية وثقافية فى مجتمعات – هى فى طور النمو جعلت من وجود هذا الشعر ضرورة أسهمت فى الإشادة والتحفيز لحكامها على كل مايتخذونه من خطوات تسهم فى البناء الحضارى لمجتمعاتهم .. وقد تركزت هذه الإشادة بدورهم الحضارى ورؤاهم التى تسعى لنقل مجتمعاتهم من مراحل البداوة إلى الحضارة , من تأصيل للقيم , وإشادة بدور الشباب باعتبارهم الأمل والمستقبل , من فضهم للنزاعات التى تنشأ بينهم وبين جيرانهم , من محافظتهم على الكثير منالمبادئ الأصلية ضد مظاهر التفرنج التى تأثروا بها . وهم إذ يفعلون ذلك لايغفلون عن الهم القومى العام . بل يشاركوه فيه بالاشادة وتجميع الصفوف , وبث روح المقاومة والتذكرة بمواقف السلف المفعمة بالكبرياء والأنفة ورفض الخنوع والاستسلام .
وشاعرنا أحمد بن يوسف الجابر (1903-1991) القطرى المولد والنشأة يمثل نموذجا مكتمل الصفات لشاعر المديح …. وتمثل قصيدته نوذجا أيضأ لقصيدة المديح التى توارثها الشعراء منذ أجيال بكل مافيها من صور تقليدية والتزامها بالنمط الكلاسيكى للقصيدة العربية . إلا أن الفضل الأكبر للشاعر أحمد بن يوسف الجابر إنما يتضح فى كونه أحد الشعراء القلائل الذين توسلوا باللغة العربية الفصحى إلى كتابة القصيدة فى وقت كان الطابع الغالب هو التعبير باللهجة العامية البدوية , أو مااصطلح على تسميته بالشعر النبطى . والشعر النبطى يحتل مكانة مرموقة فى منطقة الخليج العربى , وتتمثل فى كونه اللون الأدبى والشعبى الشائع الذى يعبر الناس بواسطته عن مشاعرهم وقضاياهم , يستوى فى ذلك الأمير والفقير , والصغير والكبير . وتدور أغلب موضوعات هذا الشعر حول الغزل والفخر والرثاء والوصف والمديح . والصور الفنية فى الشعر النبطى أكثر التصاقا بالبيئة . فهى منتزعة من الواقع وليست تقليدا . وهو شعر يخرج فى أحيان كثيرة على قوانين النحو واللغة وتصريف الكلمة وعلى أوزان الشعر وبحوره المتداولة , ومن شعراء هذا الفن فى قطر : الشيخ قاسم بن محمد بن ثانى وهو أول حكام قطر والمؤسس الفعلى للدولة اتلحديثة . وقد طبع ديوانه عام 1910 وهو بذلك أ,ل ديوان يطبع فى الشعر النبطى .
لقد كانت المساحة ممتدة رحبة أمام الشعر البدوى فى البادية العربية . نظرا لانعزال البوادى العربية وبعدها عن التأثر بالأعاجم من حيث المكان ومن حيث طبيعة البدو الذين يميلون إلى المحمافظة على القديم وينفردون من التجديد والبدع.
وظل الحال هكذا حتى بدأت بذور النهذة الحديثة تطل على المنطقة وبدأ الوعى قى التشكيل وبدت الحاجة إلى ظهور شسعر يتوسل بالفصحى ويواكب الأحداث ويشهد تطورها وازدهارها , ويؤرخ للحياة العامة فيها . ويواكب أيضا النهضة التعليمية والفكرية ويكون اللسان المعبر عنها . من هنا يظهر ويتبلور الدور الريادى الذى قام به الشاعر أحمد بن يوسف الجابر الذى وظف كل شعره فى سبيل قطر والتغنى بأمجادها وطموحها وآمالها والذى اشق ثقافته بأسلوبه الخاص المعتمد على الأطلاع على عيون كتب الأدب العربى رغم ندرة وجودها فى ذلك الوقت , وبرغم بدايات انتشار التعليم باساليبه البسيطة على نحو ما سنعرف عن حياته وشعره .
حياة الشاعر
ولد الشاعر أحمد بن يوسف جابر محمد الجابر عام 1321هـ (1903م) فى الدوحة عاصمة قطر , ولما بلغ السابعة من عمره أدخله والده أحدح الكتاب , وكان المدرس فيها عمه محمد بن جابر , ومكث الجابر فى المدرسة مايقرب العامين , تعلم فيها القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم , كما هو معتاد فى تلك المدارس ولما بلغ السادسة عشر من عمره , التحق بالمدرسة (الأثيرية) التى كان يدرسر فيها الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع , وظل الجابر فى ذهه المدرسة حوالى ثلاث سنوات ونصف .
وقد كانت الدراسة فى هذه المدرسة تسير على النهج التقليدى القديم فتبدأ بدراسة العلوم الدينية كالفقة , والأحاديث النبوية , والسيرة , وقد درس الشاعر فيها بعض علوم اللغة كالنحو , والأدب , كما درس فيها من كتب النحو الأجرومية للأجرومى الصنهاجى وشرح الكفراوى عليها وكتاب قطر الندى وشرح ابن عقيل , كما درس بعض كتب التاريخ .
وفى عام 1338 هـ (1919) التحق الشاعر بخدمة الشيخ عبدالله بن قاسم امير البلاد أنذاك وقد كان لاتصاله بالشيخ عبدالله بن قاسم أثر فى توجيهه إلى مواصلة الدراسة والاستزادة من العلم , فعندما التحق بخدمة هذا الأمير , كان يطلب منه أن يطلع ع لى بعض الكتب وبعد قراءتها يجلس معه ويستمع إلى ماقرأه كما يطلب منه إعادة قراءة هذه الكتب عليه ويناقشه أحياناة فى بعض مسائلها .
ومن أهم الكتب التى كان يقرؤها : تفسير ابن كثير , وتفسير البغوى , وتاريخ ابن جرير الطبرى , ومن كتب الحديث , صحيح البخارى , وصحيح مسلم ومشكاة المصابيح , وبلوغ المرام للعسقلانى , ومن كتب الأدب التى كان يقرؤها كتاب الكامل للمبرد , والبيان والتبيين للجاحظ والامالى لأبى على القالى وخزانة الأدب للبغدادى , ومن دواوين الشعراء الجاهلييّن والإسلاميّين والنقائض بين جرير والفرزدق , كما قرأ الشاعر لبعض شعراء العصر العباسى , ومن المحدثين قرأ للشاعر محمود سامى البارودى وكما يقول الجابر : إنه تأثر نوعا ما بالشاعر ابن عثيمين .
وقد تقلد الشاعر مناصب عديدة – كما ذكرنا – وهو بالإضافة إلى أعماله تلك يدير بعض الأعمال التجارية الخاصة , وقد بعث له صديقه الشاعر عبدالرحمن المعاودة بقصيدة يداعبه فيها بمناسبة شروعه فى التجارة .
وقد ارتبط الشاعر بالعديد من الأمراء والحكام فى قطر , ونظم فى مدحهم العديد من القصائد وهى قصائد لم تكن تتوخ المدح الخالص بغية التكسب ولكنه يرى فيهم رمزا مأمولا للنهضة التى تتوخاها بلاده وتنشدها , والتى ستثمر وتزدهر بفصل رعاية ولاة الأمور لها وتبنيهم إياها .
عندما تولى الشيخ على بن عبدالله الحكم بعد أن تنازل والده , وذلك عام 1368هـ ينظم الجابر أول قصائده فى الحاكم الجديد مهنئا إياه بولاية الحكم .
وقد نظم الشاعر فى مدحه مجموعة من القصائد , وذلك بحكم ملازمته له وتوليه بعض الأمور الخاصة لهاذا الأمير , فقد كانت الصلة قوية – كما يقول الشاعر – بينة وبين الشيخ علئ بن عبدالله الئ جانب حب هذا الامير لللا دب وشففه بالشعر , مماشجع هذا الشاعر وغيره علئ الاكثار من نظم الشعر فئ ائ مناسبة من المنا سبات .
ومن اشعاره فئ الشيخ علئ بن عبدالله قصيدة مطلعها00
وعندما انتقلت ولاية الحكم فى البلاد من الشيخ علئ بن عبدالله الئ ابنه الشيخ احمد بن علئ اثر تنازل والده عن الحكم تحؤل دور الجابر من المدح إلى التعليم والإرشاد وإسداء النصح للأمير , ذلك أن الجابر بحكم معاشرته الطويلة للشيخ على بن عبدالله كان يتخذ موقف المعلم والناصح للأمير الابن الذى شب ونما على مقربة من الشاعر , فى هذه اللحظة تحول موقف الشاعر … أحس بأن المسئولية تفرض عليه أن يسلح أميره بالحكمة ويدعمه بالخبره التى اكتسبها الشاعر من طول معاشرته وملازمته لوالده .
يقول الشاعر مخاطبآ الشيخ أحمد بن على آل ثانى :
وهناك قصائد أخرى نظمها الشاعر فى مناسبات عديدة ومختلفة .
وفى فترات متباعدة سواء أكانت مناسبات وطنية أو دينية .
ولعل قصيدته فى رثاء الزعيم الراحل جمال عبدالناصرخير دليل على ذلك, لقد زلزلت وفاة الزعيم أفئدة ملايين العرب من المحيط إلى الخليج , وكان أحمد الجابر أحد المساعرين بنظم قصيدته تلك وهى القصيدة التى يتضح فيها بجلاء صدق العاطفة ولوعة الإحساس بالفقد , ومدى الخسارة القومية . والجابرى فى هذا إنما يعبر عن إحساس كل عربى وقومى اصيل .
يقول الجابر فى تأبين زعيم الأمة :
وكان الشاعر قد قدم لقصيدته بكلمة نثرية يوضح فيها دور الزعيم الراحل وثورة 23يوليو 1952والدور الذى قامت به فى إيقاظ مشاعر العرب القومية وهى كلمة تكشف عن عمق وارتباط الشاعر بقضايانا القومية , يقول الجابر :
إن ثورة 23 يوليو , هى الشرارة التى انبثق منها الإشعاع الذى كان نبراسآ لما تبعها من الأحداث التى تكشف كابوس الظلم والعدوان واتلمطبق على هذه الأمة العربية طوال سنين فاقت العد والحسبان , فبطريق الاختصار بدأها بإزالة الحكم الفاسد وتطهير ذلك الجهاز الذى لم يحسن أحد تطعيره قبل جمال عبدالناصر, بجلاء القوات الإنجليزية بعد مكثها ما ينيف عن سبعين عاما , فى حين أن أحدا لايظن بذلك , ثم بتأميم القناة الذى لم يدر فى خلد أحد , ولا فى حسبانه أن يتم بتلك السعة المحكمة والخطة الثابتة الوئيدة …. تلك المغامرة التى أفقدت الأعداء وعيها , وأوقعت فى حيرة من أمرها لاتدرى ماذا تقابل به تلك الضربة القاصمة , فما كان من أمرها إلا أن قامت بعدوان 1956م , متألبة بكل قوى العدوزان , تلك الحملة التى باءت بالفشل والخيبة فهز بها عروشا ثابتة وحنى رؤوسا طالما طاولت وتطاولت على الأمم بأبصرت طريقها .
ذلك جمال عبدالناصر الذى لم يعمل لغاية محدودة يقف عندها , بل كان عمله للأمة العربية جمعاء .
وينهى أحمد الجابر كلمته بإحساس يستشرف أفاق المستقبل ويؤكد على إيمانه بأنه الثورة باقية طالما ظل الإحساس القومى يقظا فيقول :
إن ثورة جمال لم تكن ثورة فرد تموت بموته , بل ثورة شعب وأمة فالشعب باق والأمة خالدة والطريق واضح , والعدو معروف , والهدف واحد .
شعره :
يمثل شعر الجابر الاتجاه المحافظ فى الشعر العربى , بل إنه يحذو حذو القدماء فى لغته وأسلوبه وصوره الفنية . ويحمل شعره الخصائص والسمات التى اتسم بها الشعر العربى . فمن حيث نظام القصيدة نجد الجابر يلتزم بالوزن والقافية, وإن كان قد تخلص فى بنائه الفنى للقصيدة من تلك المقدمات الغزلية أو الطلية إلتى اتسمت بها القصيدة العربية حتى بداية العصر الحديث وظهرت عند شعراء معاصرين له من أمثال محمد بن عثيميم وماجد بن صالح الخليفى وغيرهما من الشعراء الذين نطق عليهم شعراء الاحياء . أما من حيث الموضوعات التى دار حولها شعره : المديح ويمثل الجانب الأعظم من ديوانه وأغلبه يكطاد يكون فى حكام قطر الذين عاصرهم , ثم شعر المناسبات الدينية والوطنية ليمثل المحور الثانى فى شعره فى حين أن الجانب الاجتماعى يبدو ضئيلا للغاية وربما يعود ذلك إلى كون الشاعر قد التزم الجانب ارسمى بحكم عمله ووظيفته فأهمل الجانب الاجتماعى إلا فى مقطوعتين أو ثلاث .
وحين ننتقل إلى الصور والأوصاف نجدها فى الغالب مستمدة من التراث , فوجه الممدوح وإشراقته شبيه بغرة الصبح وطلعة البدر :
والممدوح فى جشاعته وقوة بأسه أسد يخشى وثبته :
وانظر هنا إلى هذه الأوصاف التى تداولها الشعراء فى وصفهم للممدوحين بالشجاعة والقوة كيف يستعيدها الشاعر رغم تجاوز الزمن لها , حيث جدت مفاهيم وصفات قد تكون أكثر ملاءمة لوصف الممدوح فى أيامنا هذه , ولكن الشاعر مرتبط بالتراث ارتباطا قويا فى معظم صورة ومانيه :
فإذا نحن تمعنا فى مثل هذه الصور الفنية التى يستخدمها الشاعر , وجدنا أنها تتصل جذورها بالبيئة الصحراوية فالنضو وهو البعير المهزول لايعره أو قل لايمكن أن يستخدم هذه الصورة أو التشبيه إلا من عاش فى البادية , وعرف الإبل وصفاتها . فهو فى سعيه وجده وطلبه ثم عدم بلوغه مايأمله يصور نفسه بذلك الرجل الذى يمتطى بعيره ليلا ونهارا حتى حفيت خف هذا البعير دون أن يصل إلى غايته , أليست هذه الصورة منتزعة من قلب الصحراء العربية أو البيئة العربية فاستمدها الشاعر من التراث .
ولنأخذ على سبيل المثال صورة فنية أخرى صور فيها الشاعر حالته أو مكانته لدى (الأمير) كيف كانت ، ثم كيف آلت إليه .وقد كان لى القدح المعلى لديهمو فقد ظل قدحى بينما استجيله .
أليست هذه الصورة فنية مستمدة من البيئة العربية الجاهلية فالقدح المعلى هو السهم السابع من سهام الميسر التى كانت متداولة فى العصر الجاهلى وهو هنا عند الشاعر كناية عن المكانة العليا أو الفضلى التى كان يحظى بها لدى الأمير.
أحمد الجابر الإنسان :
كشاعر يمتلك الجابر إحساساً مرهقاً وحساً رقيقاً وضعفاً خاصاً أمام تأوه مريض أو شكوى فقير أو بكاء طفل ولقد جعل منه هذا الإحساس الطاغى بالآم الآخرين أبا حنوناً لكل من حوله كباراً وصغاراً فالصغار يرجون إبتسامته الرقيقة التى لاتنقطع متى قابلت وجوههم البريئة ولا بأس من قبول إحدى ريالاته البنكية الجديدة التى لا تخلو ممنها جيوبه ليفرح بها أطفال العائلة عندما يتجمعون حول سيارته الفاخرة وهو يدخل بها فناء بيته الواسع عائداً من قصر الريس أو مركز الحكم فى البلاد .
وقد كان قربه هذا من السلطة سبباً وجيهاً لأن يتجمع فى الشئون الحياتية بكافة جو بها فإذا كان مستشاراً خاصاً للأمير فهو بن الأحق بالاستشارة من غيره, وربما حلق منه هذا التجمع الإنسانى حول شخصه شيخاً وقوراً فى سن مبكرة أو أجبره على ارتاء عباءة الشيخ الكبير (ولم يكن يخلع العباءة ابداً) فى سن مبكرة فهذا للجميع رجلاً مهباً تتخلل الشعرات البيضاء لحيته وذوائبه فلا يعمد لصبغها كما يفعل الكثيرون ..
كرجل ينتمى لمجتمع قبلى يؤمن أن الرجولة تكتمل بكثرة البنين – الذكور خاصة وأن حياة الرجل تستمر ابداً إذا حصى اسمه ولده ومن بعده ولد ولده ، أراد الجابر أن يكون لديه – كغيرة – ذرية كثيرة وعيالاً يلهون حوله صغاراً ويتعلمون منه وينهلون من خبراته الطويلة كباراً ويتباهى بهم أمام القوم وعد رجال يتسلمون منه رأية العلم والمعرفة فتزوج من أجل ذلك مرتين .
كتاجر يعمل فى سوق المال ، أحب أن يرث ماله ولده أو أولاده … أن تنتقل تجارته هذه إلى إين أحمد يوسف الجابر ، بل إلى أكفأ الأبناء بتولى هذه العملية ، فتزوج مرتين وكرجل دين وإمام مسجد ، تقبل الجابر حرمانه من نعمة البنين بصدر رحب ورضى بالقضاء فسبحانه وتعالى الذى يوزع الأرزاق قد أبغ عليه من نعمة العلم ثم المال وثقة الاخرين بآرائه وأولهم ولاة الأمر فى البلاد لكن البنين ليسوا من نصيبه فتقبل ورضى وقنع بما أعطاه الله من النعم وعاش مع زوجتيه أغلب سنين حياته حتى توفيت الأولى ولحقت بها الثانية بعد عام واحد وذلك قبل وفاته بسنوات قليلة ، وربما جعله حرمانه من الأولاد أكثر رقة ورحمة على الآخرين بل إن هذا فعلاً ما لمسه المقربون منه والمعاصرون له .
وفى 15/12/1991 م توفى أحمد بن يوسف الجابر عن عمر يناهز 88 عاماً وفقدت قطر بوفاته شاعراً كبيراً وعالماً جليللاً وأحد الدعامات التى أثرت الحياة الثقافية فى قطر بشكل واضح .
وقد كان – رحمه الله – حلو الحديث والمعشر ، رقيق القلب واشعور ، يسعى لمجلسه الكبير والصغير ولا يترك مجلسه إلا إذا قام للصلاة أو لمهام جسيمة ، وقد اجتمعت فيه رقة الشاعر وحكمة الشيخ وموعظة العالم وصلابة رجل السلطة المقرب إن لزم الأمر . فى وقت كان فيه أغلب من حوله يجهلون لقراءة والكتابة وتسير حياتهم اليومية بما يضمن لهم ولأولادهم لقمة العيش الحلال, وكأنه ” العرف بالله ” اجتمع حوله القاصى والدانى إن لم يكن لمشورة دينينة فلغرض دنيوى صغر شأنه أو عظم ، والجابر لا يرد مريديه مادام رقته يسمح بالملاقاة ومد يد العون ، ومادام الأمر يدخل فى دائرة صلاحياته أوقدرته .
كما أن هذا الأطلاع على مشاكل الناس من حوله عزز إحساسه بالآخرين وهمومهم بل ومشاركتهم فيها بشكل أو بأخر ، وربما ساعده ذلك على ترسيخ إحساس الشاعرالمرهف لديه أو ربما ساعده إحساس الشاعر على ترسيخ ذلك . ولذا فقد جند نفسه وعطاءه لهم ما استطاع لذلك سبيلا ولم يبال بالحرمان من نعمة الإنجاب بل قام بتبنى بعض الأيتام وأغدق عليهم من رحمته ومودته حتى قيل ” ما الأبوة عن ذلك ببعيدة ” وهو بذلك صار الأب الذى يريد وصار من حوله أطفال تلهو وفى بيته أطفال يلحظهم وهم يكبرون ويزدهرون ويتغنون فرحين بأبوته وإن كانت فى شكل تبن فإذا مات يوماً ترحم عليه الأبن والأبنة ولكنه – ربما يعلم وربما لا يعلم – أن قوماً قد شعروا أن الب قد مات وأن مرحلة اليتم قد بدأت ، لكن تراثه وعلمه وأدبه يبقى لا يموت ، يبقى خير ميراث لهؤلاء الذين عاصروه وأحبوه وإلى هؤلاء الذين ولدوا بعد 15/12/1991م.
نماذج من شعره :
قال مفاخراً بوطنه قطر :
***
حقوقاً لاترى فيها شريكاً
***
وقربهم يزيد سعادة
المـراجـــــع :
——–
1- محمد عبد الرحيم كافود – الأدب القطرى الحديث 1982.
2- محمد عبد الرحيم كافود – النقد الأدبى الحديث فى الخليج العربى 1983.
3- ماهر حسن فهمى – حركة البعث فى الشعر العربى الحديث 1970 .
4- عبد الله المبارك – الأدب المعاصر فى شرقى الجزيرة (قسم الشعر)1973.
5- غسان أحمد حسن – الشعر النبطى فى منطقة الخليج الجزيرة العربية 1990 .
6- الموسوعة القطرية – الجزء الأول – مجموعة من الباحثين 1993.
7- محمد عبد الرحيم كافود ، يحيى الحيورى ، ديوان أحمد بن يوسف الجابر 1984.
8- درر المعانى – مجموعة من القصائد لعدد من الشعراء – محمود شعبان .
[1] – قاصة وباحثة قطرية
بواسطة admin • 08-إضاءات فكرية • 0 • الوسوم : أحمد بن يوسف الجابر, العدد الرابع, هدى النعيمى