عناصر الرعب الأسطورية في السينما العالمية ….. أ.د./ نبيل سليم

عناصر الرعب الأسطورية في السينما العالمية أ.د./ نبيل سليم * لاشك أن الرؤية الصحيحة لأي عمل فني تبدأ بالإحساس .. ,علي المشاهد أن يتجرد تماماً من عوامل التأثير الخارجية التي غالباً ما تصاحب الفيلم – بل وقد تسبقه – من دعايات ، وعليه أن يتحول إلي صفحة بيضاء خالية تماماً من أي تأثير، كما عليه أن يشاهد الفيلم بعين ومشاعر طفل . ويتساءل مع ذاته بصدق : هل وصل الفيلم إلي إحساسه وحرك في صدره مشاعره أم لا ؟ . ثم تأتي مرحلة تاكيد هذا الإحساس وتعميقه من خلال متابعة عمل المخرج ، وتقييمه فيبحث : هل يحاول المخرج القوي أن يستمر علي نفس أسلوبه في الإخراج أم أنه يكتشف أسلوباً آخر جديداً ؟ أو المخرج القوي هو الذي يتخطي عوالم القصة الأصلية للفيلم ليقدم رؤيته الخاصة فالفن السابع رغم أنه فن يشمل كافة الفنون الأخري مثل فن الرواية والقصة والفن التشكيلي وفن جمال أسلوب أو تكنيك الإضاءة وفن التمثيل والتصاعد الدرامي ، وفن التصوير ، وفن الموسيقي وفن العمارة وفن التصميم ،وغير ذلك من الفنون الكثيرة التي يجب أن يلم بها المخرج ، فإن له الحق كاملاً في أن يضيف إليها أو يستبدل بها ما يشاء من عناصر فنية أو جمالية تخدم الموضوع الروائي الذي يطرحه ، ولا شك أن هناك أنواعاً متعددة وأساليب مختلفة في التناول السينمائي لكافة الموضوعات التي تهم البشر وهي تختلف من مخرج إلي آخر . نختار اليوم في هذا البحث عنصرين هامين – نتناولهما بالبحث – من عناصر سينما الرعب العالمية التي سادت عقوادًُ طويلة من الزمن في عالم الفن السابع وهما عنصران يصوران صورة الإنسان الكريهة عندما يتحول إلي حيوان شرس مفترس لأفراد فصيلته البشرية . ” يروون أن القرويين القاطنين بالقرب من مدينة (أوكاوا) بغرب باكستان ينامون داخل بيوتهم علي الرغم من شدة القيظ خوفاً من بطش مصاصي الدماء ، الذين يعتقدون أنهم قضوا علي ماشيتهم .. وليست هذه عبارة مقتبسة من نص أو سيناريو فيلم حديث أو رواية جديدة ، وإنما هذا خير واقعي نشرته جريدة (التايمز) ، مما يدل من جديد علي أن مصاصي الدماء والذئبيين لهم مكانتهم الثابتة في أساطير العرب ، فمصاصي الدماء كعنصر مميز من عناصر الرعب الأسطوري قد يزغ مؤخراً بين سحب الزمن ويأت رمزاً جنسياً صارخاً في القصص والروايات وخاصة في الفن السابع أو السينما ، حيث برع ممثلون عالميون في تقمص تلك الشخصية بل وأضافوا إليها ابعاد الوسامة والرجولة والرهبة الشيطانية . لكن هناك قليلين منا من يتجاوزون في معلوماتهم عن تلك الشخصية حدود رواية ( برام ستوكر ) أو ( الكونت داركيولا – 1897 ) ، وقليلين من يدركون الحالة المرضية لمصاصي الدمء أو التفسير الطبي لمن يعانون سفك الدماء ، فهي شهوة دموية تدفع أصحابها لارتكاب الجرائم الوحشية كي يشبعوا تعطشهم من خلال امتصاص دماء الأحياء أو حديثي الوفاة . الأصل مجهول رغم الشيوع المعروف أن أصل أسطورة مصاصي الدماء ما زال مجهولاً ومن الصعب معرفة أين أو كيف نشأت علي وجه التحديد رغم شيوعها بين معظم البلدان والأجناس التي لها لغة مككتوبة وتاريخ وأياً كان أصلها فلفد اتفق من سبقونا فيام بينهم علي أن مصاص الدماء هو شخص ميت حي ، يستمد استمراريته بعد الموت من حياة الآخرين ، وأنه عاجز بل يصبح عاجزاً تماماً – أي بلا حياة – في الفترة من شروق الشمس حتي غروبها ولا تنشط في جسده الحياة إلا ليلاً ، فعند حلوله ينهض من تابوته ، ويترك قبره بحثاً عن فريسة كما أن له قدرات أخري – إلي جانب قواه – فوق الطبيعة ، حيث باستطاعته أن يتحول إلي ذئب أو خفاش ، وأن ينوم ضحيته تنويماً مغناطيسياً حتي تفرغ أنيابه الحادة من مهمتها ثم أنه لا ينزعج لما يلم بالإنسانية من فواجع . وإذا ما أمكنه أن يروي ظمأه فبمقدوره أن يطيل من حياته لعدة قرون وان يظل شاباً يافعاً لا يدمره إلا رصاية من الفضة أو وتد خشبي يدق في قلبه، يتحلل من بعده ولا يتبقي منه إلا حفنة من الرماد ، وإذا لم تعالج ضحاياه علي الفور صارت مثله حاملة للوباء ولمصاص الدماء بعض نقاط الضعف فهو يعجز عن عبور المياه ويخشي الحنطة والثوم ويهرع من الصليب إذ يحرق عند لمسه ، ومع ذلك فإنه يمتلك من المقومات الجسدية ما يجعله يتيه فخراً ، فسمعه حاد وبصره نافذ واظافر يديه طويلة ومدببة ، وأسنانه كبيرة وحادة وبارزة ولا تنعكس صورته في المرأة ومن الحقائق التي أكدها التاريخ الطبيعي أن مصاص الدماء يحمل داء الكلب ولا يتأثر به وإلي جانب صورته التقليدية كخفاش فإن شخصية مصاص الدماء المعهودة عندما عادت إلي الحياة فإنها تبدت في جرائم أفراد قلائل اهتزت لها أركان العالم المتحضر رعباً وفزعاً . ومن أشهر هؤلاء البارون الفرنسي الجنسية ( جيلي دي داي ) الذي عاش في القرن الخامس عشر وصار اسمه متداولاً عند الحديث عن السادية أو القسوة المفرطة ولقد عاني البارون من شهوة جامحة للدم دفعته إلي ارتكاب أفظع الجرائم فراح يسفك دماء الآدميين كلما عاودته الأزمة التي فشل في التغلب عليها كما قيل أنه كان ينزع أحشاء الأطفال الأحياء بينما يشرب دماءهم هو وبعض الرجال والنساء في طقوس عربيدة مشينة ، وقد تخلصت البشرية أخيراً – وإلي الأبد – من شرور ذلك البارون الذي كان خليطاً غريباً من الانحطاط والمروءة واللوطية والسادية كما تخلصت من القرابين البشرية التي قدمها لإبليس عندما تم شنقه في عام 1440 م والمرأة السادية المناظرة له ظهرت أبان نهاية القرن السادس عشر في النمسا وكان اسمها الكونتيسة ( إليزابيث باثوري ) التي صارت ملكة مصاصات الدماء ، وكما قيل عنها كانت امرأة مساحقة ، لم تتورع عن أن تقتل مئات البنات ذبحاً وتشرب دماءهن وعندما علمت السلطات بذلك أغارت علي قلعتها وضبطتها متلبسة هي وشركاؤها في طقوس عربيدة قيدت أثناءها الفتيات بالسلاسل وعلقتهن كالأبقار لتدر الدم ، فقدمتها للمحاكمة عام 1611 م وراح الشهود يصفون كيف أنها مخدشت وصيفتها ذات مرة بمشطها في ثورة من الغضب ولم تستطع أن تقاوم سحر الدم السائل فعلقته معتقدة أنه يفيد بشرتها وبلغ بها الأمر أن تستحم في حوض من الدماء .. وكانت عقوبة القضاء رادعة ، حيث تمثلت في الشنق لشركائها وفي حبسها مدي الحياة بين أربعة جدران أقيمت داخل حجرة نومها في بيتها . بين عالم الواقع وعالم الخيال وهناك ثلاث قضايا أثارت اهتمام الرأي العام .. كان لها صلة وثيقة بموضوع امتصاص الدماء الذي عالجه الأدب ثم المسرح والسينما فيما بعد كانت أولها في باريس عام 1849 م ، عندما وجدت مقبرة مشاهير الفن والموسيقي مفتوحة وجثث الموتي ممزقة فتم تكليف بعض الخفراء بحراسة المكان ، لكن مسرح الجريمة انتقل إلي مقبرة أخري فقد كان هناك مجنون الموتي الذي يحطم التوابيت ويمثل بجثثها فتدخل الجيش وقد أصاب جندي في ذات ليلة شبحاً وهو يتسلل بين الأضرحة ، وعند اقتفاء أثره – إذ ترك أثرا دامياً بعد إصابته – وجدت فرقة البحث نفسها داخل مستشفي عسكري وأمام جاويش ينزف بشدة وكان أسمه ( فيكتور برتراند ) ، وعند مواجهته اعترف بأنه كان هو شبح القصور فقضت المحكمة العسكرية عليه بالسجن لمدة عام ، خرج بعدها ( برتراند ) من الظلام إلي بريق الشهرة ليعود ثانية إلي الظلام . أما أحداث القضية الثانية فتعود إلي عام 1924 م ، عندما قدم ( فرتر هارمان ) سفاح هانوفر بألمانيا للمحاكمة لشذوذه الجنسي ، وارتكابه جرائم القتل الجماعية وأكله لحوم البشر حيث كان يستدرج الأطفال المشردين ويقتلهم في منزله كي يشبع رغباته ولكثرة الضاحيا الذين أجهز عليهم بعضة واحدة في رقابهم – وكان عددهم يربو علي الخمسين من الصبية أعمارهم تتراوح بين الثانية عشر والثامنة عشر وقد لقبته الصحف حينها بمصاص الدماء لكنه لم يكتف بسفك أو مص الدماء بل بلغ به الأمر أن يطهو وياكل لحم من وقع فريسة له ، وقيل أن الذي شجعه ذلك كان شاباً في مقتبل العمر يدعي ( هانز جرانز ) وكان أكثر وحشية منه، ومع ذلك فإن محاكمتها أسفرت عن السجن مدي الحياة وقطع رأس (هارمان) بالسيف . أما القضية الثالثة فكان مسرحها مدينة ساكس بإنجلترا وزمانها 1949 م ، ومتهمها هو ( جون جورج هاي ) الذي أقر بارتكاب ثماني جرائم قتل رغم اتهامه بواحدة فقط وهي إذابة سيدة في الإجرام هذه اعتاد هاي أن يأخذ كأساً من دم كل قتيل ليشريه ، الأمر الذي جعل الصحف العالمية تشير إلي اعتداءته المتكررة بجرائم امتصاص الدماء . وقبل أن يصدر حكم إعدامه اعترف أن شهوته وحبه الدم بدأ عندما عاقبته أمه وهو صغير بفرشاة شعر حتي أمته ، فراح يمتص دماءه مستمتعاً بمذاقها ثم أصيب في رأسه في إحدي حوادث الطريق فسال دمه علي وجهه حتي استقر في فمه .. واعترف أنه كان يجلس في محراب الكنيسة بالساعات الطوال يحدق في صورة المسيح بدمائه المنحدرة علي الصليب ، كما اعترف أنه جاءته أحلام كثيرة غريبة رأي في أحدها شخصاً يقطع جذوع الأشجار ليقطر كوباً من الدم ، ورأي في حلم آخر غابة من الصلبان تتحول إلي أشجار تقطر دماء ، ولكن هيئة المحلفين لم تعر تلك الأحلام أي اهتمام يذكر . هذا عن مصاص الدماء في عالم الواقع أما في عالم الخيال فيعود الفضل في الإيحاء بشخصيته إلي الشاعر الرومانسي المعروف (لورد بايرون) الذي بدأ رواية عن امتصاص الدماء ولم يكملها ، كما هو واضح من الجزء الباقي في نهاية قصيدته مازييا عام 1819 م ، ولكن صديق منفاه الطبيب ( جون بوليدوري ) استوحي الفكرة في قصة طويلة تابر علي كتابتها اسماها ” مصاص الدماء ” للكاتب بريسك برست ” ثم ازدهر طرح الموضوع علي يدي ( برام ستوكر ) صاحب رواية ( الكونت دركيولا ) عام 1897 م الشهيرة التي أكدت شعبية الموضوع الدموي لبراعة الكاتب الذي تمخضت عبقريته عن روائع أخري منها ” دفن الجرذان ” و” ضيف داركيولا ، و ” منزل القاضي ” وكان صديق (ستوكر) ويدعي (هاملتون دين) هوأول من عالج داركيولا ، درامياً فأعد نصاً عن الرواية لم يشهده المسرح إلا بعد وفاة ستوكر في عام 1941 م ، وراح (دراكيولا) يصول ويجول علي خشبة المسرح في ويمبلدون ، قبل أن يطير إلي نيويورك ليتقمص شخصية الممثل (بيلا لوجوزي) نجم شركة ( يونيفرسال ) الذي صار داركيولا الملايين ، وكان النص الجديد حينئذ من إعداد (جون بالدرستون ) ، إلا أن المخرج الألماني العظيم (مورنو) هو أول من عالج الرواية سينمائياً في فيله الصامت “نوسفيراتو ” عام 1922 م الذي استقي أبعاد شخصيته الرئيسية ( الكونت أورلوك ) من داركيولا (ستوكر ) . ورغم القصور الواضح في ذلك الفيلم سواء في الأسلوب أو الحيل الفنية فإن المخرج استعاض عن ذلك من خلال الممثل الموهوب ( ماكس شيريك ) بأدائه المعبر وماكياجه المرعب حقاً وهما الشيئان اللذان أثر – إلي حد بعيد – في الممثل (كلاوس كينسكي ) عند تجسيده لنفس الشخصية في نفس الفيلم عام 1979 م الذي أخرجه المخرج الألماني الكبير ( فيرنر هيرزوج) . الذئيبة بين الفن والمرض لقد كان (لوجوزي) الممثل الوحيد الذي استمر في أداء هذا الدور قرابة الثلاثين عاماً وصل خلالها إلي قمة التأثير والتألق في فيلم (تود بروتنج) عام 1931م ، الذي عالي الرغم من بطء إيقاعه ما زال يجد قبولاً عند الكثيرين ممن يعشقون أفلام الإثارة ، وأفضل افلام مصاصي الدماء حتي الآن تم إنتاجه في فرنسا عام 1932م ، الذي أخرجه (كارل دريار ) عن رواية شيريدان لي فلنو كارميللا ، وقام بتصويره أحد عظماء المصورين السينمائيين في العالم وأعني (رودلف ماتي ). ولعل شركة (هامر فيلمز) البريطانية هي من أخذت علي عاتقها إنتاج تلك الموجة التي سادت فترة طويلة من أفلام ( داركيولا ) التي روجت لشعبيته في شتي بقاع الأرض ، مما حفز منتجي الأفلام الأسبانية والإيطالية علي منافستها وكان أول أفلام (هامر) فيلم “رعب داركيولا” 1958 م ، أخرجه (تيرينس فيش) الذي أسند دوراً (دراكيولا) و ( فان هامنج) للتجمين العالميين ( كريستوفر لي ) و ( بيتر كوشي نج ) ومن أفلام (هامر) الأخري ” زوجات داركيولا عام 1961 م ، وقبلة الشر عام 1962 و دراكيولا أمير الظلام عام 1965 م و ” ندوب دراكيولا عام 1970 م . إن الولع بروايات ومسرحيات وأفلام مصاصي الدماء لم يفتر بعد رغم مرور عقود طويلة من السنين وانقضاء القرن الذي حمل في رحمه هذه الظاهرة فهناك جمعيات (داركيولا ) ، ومن سنوات قليلة مضت ، قامكت حملات تفتيشية جادة بالبحث في المقابر عن مصاصي الدماء ولعلنا نذكر ما حدث في مصر ، أواخر التسعينات من القرن المنصرم ، عندما ظهرت تلك الجماعات التي أتخذت من دراكيولا شعاراً لها وسميت نفسها عبدة الشيطان وكانت طقوسها الغريبة والشاذة مستوحاة من هذا الفكر الدراكيولي مع بعض التحريف والتطوير العصري .. كل هذا يذكي الأسطورة التي ترفض أن تموت تماماً مثل بطلها الدراكيولي . وهناك أسطورة قديمة أخري أجفلت بني الإنسان علي مر العصور وهي لغة المذءوب أي المجنون الذي يتوهم نفس ” مشخ ذئباً ” , والمذءوب الضحية لم يكن بالضرورة شخصاً شريراً مثل مصاص الدماء الذي انتفض من بين الموتي ليفترس الأحياء ، كما لم يكن شخصاً تعرض لعضة ذئب فاستذئب . فلعنة المذءوب هي نوع من الجنون أو المرض ينزل بالإنسان – دون سابق إنذار – فيحوله إلي حيوان مفترس ويختلف المذءوب عن أي مخلوق شرير في السير الشعبية – كالغول أو الشيطان أو الساحر أو مصاص الدماء – إذ أنه كان الجاني والمجني عليه أو الضحية في نفس الوقت كما أنه يثير شفقة ورحمة ضحاياه وهذا الأمر يجعلنا نتساءل : لما كان ذلك ؟ وما هو المذءوب من الناحية الأسطورية والناحية الطبية ؟ الإجابة تكمن في أن التذؤب هو ببساطة شديدة القدرة علي التحول من هيئة الإنسان إلي ذئب كما بدا ممكنا لعقول الناس في العصور القديمة والوسيطة ، وهناك حالة مرضية تسبب لبعض الناس الاكتئاب وتحولمهم بالفعل إلي وحوش ضارية . إن سجلات الماضي تحكي عن أناس كانت تتغير هيئاتهم عند اكتمال بدراً إذ يتجمعوا في المقابر ليناجوه وهم يمزقون جثثاً لموتي ويروي فيما ينسب إلي العصور الوسطي أن كثيرين ممن ظهرت عليهم أعراض طاعون التذءوب قد حكم عليهم لاشنق أو بالحر قالجماعي أو ضرب الرقاب . رصاصة واحدة تكفي لكن ماذا كانت أعراض التذءوب ؟ لعلها شعور الضحية بالمرض فقد كانت تبدأ بجفاف في الصدر وظمأ شديد ورغبة عارمة في أن تتجرد من ثيابها وتتغير ملامحها فيصفر لونها وتحمر عيناها وتصير أظافرها كالمخالب وينمو الشعر في يديها وجسدها ووجهها بشكل كثيف جداً ، وتظهر ” النجمة الخماسية ” علي صدرها – وهي العلامة المميزة للذئب – ولأن الضحية كانت تفتقد القدرة علي التصرف الواعي حين تعتريها هذه التغيرات كان لابد من حبسها في زنزانة موصدة كي لا تطوف ليلاً ، فتبطش بالناس ، فإذاى وجد المذءوب نفسه بين قضبان حديدة راح يتلوي علي الأرض مثل الحيوان المفترس حتي بزوغ الفجر . إن وقت اكتمال القمر هو أسوأ لحظات حياته وأقساها رهبة إذ كان يتحول إلي وحش هائج لا يوقفه إلا الموت الذي كان يهرب منه بدهائه الشديد فكان يحيا كفرد عادي في جماعته لا يشك فيه أحد ثم يخرج ليلاً ليسفك الدماء ويعود إلي منزله قبيل الفجر ورصاصة فضية واحدة كانت كافية للقضاء عليه تماماً فلا يعود يجوب الأرض بعد موته كمصاص الدماء ، ولكن لأن الإنسانية لم تعرف لمرضه دواء كانت تهابه أكثر من مخلوقاته الشر الأخري في الأساطير . وفي التاريخ أمثلة عديدة علي جرائم الذئبيين أو المذءوبين ترجع إلي عهد بعيد منها واحدة تتعلق برجلا كان يدعي ( جيلي جارني ) قدم للمحاكمة في فرنسا عام 1573 م ، بتهمة الاعتداءات الذئيبية وعند مواجهته بالأدلة وشهود العياد ، اعترف بقتل والتهام الأطفال الصغار مستخدماً أسنانه ومخالبه فحكم عليه بالحرق حياً ، وفي إحدي ضواحي باريس عام 1958 م ، طارد بعض القرويين ثلاثة من الذئاب ، كانت تنهش جسد فتاة صغيرة فأمسكوا بواحد منهم بعد أن فر الآخران ويا للمفاجأة –فقد كان رجلاً طويل الشعر ، ممزقة ملابسه ، عيناه منقلبتان فأخذوه إلي قاضي البلدة وهناك اعترف الرجل وكان يدعي ( كاك روليه ) ، وقد كان بمقدرته أن يحول شكله إلي ذئب باستخدام دهان معين ، كما اعترف بأن الذئبيين الآخرين كانا أخاه وأخته فخفف القاضي عقوبة الإعدام إلي السجن المؤبد . ومن أشهر قضايا المذءوبين قضية الفرنسيين ( ميشيل فيردون) و ( بيير بوروجو) 1521 م ، التي اعترف فيها المتهمان بأنهما تحولا إلي ذئبيين بعد أن خلع ملابسهما ودهنا جسميهما بدهان غريب تم مزجه من الهباب ودم الخفاش وحشيشة ست الحسن البلادونة ،وأنواع مختلفة من الزيوت ولم تتوان المحكمة – بعد أن تكشف لها جرائمهما بما فيها أكل لحوم البشر -عن النطق بحكم الإعدام وقبل ثلاثة أعوام اعتراف فرنسي آخر – نفذ فيه حكم الأعدام أيضاً واسمه (جين بيرال ) – أنه كان يقتل عدادً من الناس بعد تحوله إلي ذئب واقر اتصاله الجنسي بالذئاب الأخري. ومن أغرب القضايا علي الأطلاق تلك التي كانت تتعلق بامرأة ذئبية من فرنسا طلب صديق من زوجها أن يصحبه للصيد فاعتذر أولا ثم لحق به فيما بعد ليجده وقد تمزقت ثيابه وتلطخ بالدماء وعند استفسار الزوج عما حدث أخبره الصديق أنه هاجمه ذئب كبير فأطلق عليه الرصاص ولميصبه فراح يصارعه حتي تمكن من قطع يد الذئب . وعندما نظر إلي تلك اليد المقطوعة !! فزع الرجل لأنه تعرف علي اليد من الخاتم – الذي كان معلقاً بأحد الأصابع – أنها يد زوجته وعندما عاد إلي البيت وجدها تنزف بشدة ويدها مقطوعة حتي الرسغ فسلمها علي مضض للسلطات المختصة . متعة التنوير .. وكشف اللامتوقع والمجهول مثل هذه القضايا وأخري غيرها كانت شائعة في أوروبا وروسيا في العصور القديمة ، التفت القصص من حولها وامتدت لقرون طويلة حتي جاء عصر العقل والفكر فوضع العلم الحديث نهاية لها فلقد طلع علينا طبيب إنجليزي يدعي (لي أليس) وعلي جمعية الطب الملكية والعالم ، ببحث مثير عام 1963 م ، أوضح أن ظاهرة التذاب التي اجتاحت أوروبا وأجزاء من العالم كان سببها صفة وراثية تؤدي إلي نوع من حساسية البشرة فيهتاج المريض عند تعرضه للضوء القوي وخاصة ضوء الشمس ، فتتكون القرح ويتشوه الأنف والأذنان وجفنا العينين والأصابع ويحمر لون الأسنان فيتحول المريض ليلاً كالمجنون بعد اضطراب جهازه العصبي وتدهور حالته النفسية ومعاناته من نوبات الصرع وأفاد د. أليس أنه تم اكتشاف ثمانين حالة من هذا المرض النادر في بعض ضواحي وأحياء السويد وسويسرا . لقد دخل المتذئب إلي عالم القصة علي يدي الكاتب غزير الإنتاج ( جورج وليام رينولدز ) صاحب رواية ” فاجنر المذءوب ” عام 1857 م التي خلبت فصولها السبعة والسبعون لب لقراء ، وإن كان موضوعها قد سبقه إيه آخرون مثل (تشارلز ماترون ) في ميلموث المتجول ، عام 1820م ، ون ويسير في محكمة الدمم عام 1806 م ، والكسندر ديماس في القائد الذئب عام 1857م ، وساير لاند مترو في هيوز المذءوب عام 1838 م التي كانت من انجح الروايات قبل رواية (رينولدز) أما أمتع تلك الروايات فقد صدرت عن (جي اندور ) وهي مذءوب باريس وتم نشرها في الثلاثيات من القرن الماضي وهي رواية عن شاب يدعي (برتراند) يصاب بمرض التذاؤب ويستشري فيه المرض أثناء الحرب الفرنسية البروسية وحصار باريس . والذئبي أوالمءوب كبطل سينمائي لم يدخل البلاتوهات إلا منذ زمن قريب ولو لم يتقمص دوره أبطال مثل ( لون تشاني – الابن ) و ( هنري هل ) و ( بيلا لوجوزي ) و ( أوليفرريد) لما كان للأسطورة تلك المتعة لدي عشاق الشاشة الكبيرة. وكان (لون تشاني) أكثر من أدي الدور لدرجة أنه عشقه ، فهو نجم فيلم المذءوب عام 1941 م للمخرج (جورج وأجبر) ولعب نفس الدور في فيلم فراكشتان يلتقي بالمذءوب عام 1944 م للمخرج ( روي و – أو نيل ) وكانت ( نينافوش ) أول ممثلة تلعب دور المذءوبة في فيلم صرخة المذوءبة عام 1944 م ، ( لهنري ليفين ) ولعل أروع أفلام المذءوبين كان فيلم ” لعنة المذءوب ” عام 1961 م للمخرج ( تيرينس فيشر ) الذي صارنموذجاً بعد أن أدي (أوليفر ريد ) الدور الرئيسي باقتدار وإقناع لا مثيل لهما واعتمد نص ذلك الفيلم علي رواية ” مذءوب باريس ” لا تدورإلا أن المخرج انتقل بمسرح الأحداث إلي إسبانيا وروعة الفيلم تكمن في أنه يثير بحق شخصية الإنسان الوحش الذي لا يستحق إلا الرثاء والعطف. لقد كان الذئبي – وما زال – واحداً من الشخصيات الأسطورية المؤثرة في تاريخ البشرية ولاشك أنه سوف يظل معنا لفترة طويلة سواء في القصة أو الرواية أو المسرحية أو السينما ليشدنا إلي تركيبة شخصيته الغريبة والغرابة هي أم المتعة بما فيها من اللامتوقع والمجهول . المراجع : 1- د. جمال عبدالناصر – سينما الرعب – مجلة – القاهرة – العدد رقم 7 – مقال . 2- د. نبيل سليم – الفن السابع .. هذا الفن المتشعب – دار النشر الجامعي – الإسكندرية – 1995م – ط1 . 3- د. نبيل سليم – الأسطورة بين الواقع والخيال – مطبعة الفكر الحديث – الإسكندرية – 1993م – ط1 .


Share