فيصَلْ لُعَيْبِي صَاحِي الْفَنَّانُ الرِّسَالَةُ ……………. ليلى يوسف

فَيْصَلْ لُعَيْبِي صَاحِي

الْفَنَّانُ الرِّسَالَةُ

حِوَارٌ أجرته في إِنجلترا الكاتبة

ليلى يوسف

أَسْعَدَنِي الْحَظُّ أَخِيرًا بِالْلِحَاقِ بِالْفَنَّانِ الْعِرَاقِي الْأَصِيلِ؛ “فَيْصَل لُعَيْبِي صَاحِي”، أَثْنَاءَ تَوَقُّفِه فِي الْعَاصِمَةِ الْبْرِيطَانِيَّةِ؛ لَنْدَنْ. فَفَنُّهُ يَدْفَعُهُ لِلتِّرْحَالِ مَا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، مُسَاهِمًا فِي مَعَارِضَ عَالَمِيَّةٍ، وَمُحَاضِرًا فِي مَعَاهِدَ فَنِّـيَّةٍ، وَالْلِحَاقُ بِهِ لِإِجْرَاءِ حِوَارٍ صَحَفِيٍّ يَكَادُ يَكُونُ سِبَاقًا مَعَ سَرَابٍ. وَلَعَلَّهُ لَا يُخْفَى عَلَى أَحَدٍ مَا لِلْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي مِنْ مِشْوَارٍ فَنِّيٍّ طَوِيلٍ بَدَأَ مِنْ أَرْضِ الرَّافِدَيْنِ، حَيْثُ وُلِدَ فِي مَدِينَةِ الْبَصْرَةِ، عَامَ 1945، وَاَنْتَهَى بِهِ مُسْتَقِرًّا فِي مَدِينَةِ الضَّبَابِ؛ لَنْدَن، مُنْذُ عَامِ 1991. هَذَا، وَقَدْ دَفَعَتهُ مَوْهِبَتُهُ الْأَصِيلَةُ، الَّتِي بَدَتْ عَلَامَاتُهَا مُبَكِّرًا، إِلَى اِرْتِقَاءِ أَرْفَعِ دَرَجَاتِ التَّخَصُّصِ الْأَكَادِيمِي، حَيْثُ نَالَ كُلًّا مِنْ “دِبلُومَةِ الرَّسْمِ” مِنْ “الْمَدْرَسَةِ الْوَطَنِيَّةِ الْعُلِيَا لِلْفُنُونِ الْجَمِيلَةِ”، فِي الْعَاصِمَةِ الْفَرَنْسِيَّةِ، بَارِيس، و”دِيْبلُومَةِ الدِّرَاسَاتِ الْمُكَثَّفَةِ” مِنْ جَامِعَةِ “السُّورْبُون”، فِي الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ 1980 – 1981، بِالْإِضَافَةِ إِلَي غَيْرِهِمَا مِن المُؤَهِّلَاتِ الْأَكَادِيمِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي نَالَهَا مِنْ كُلٍّ مِنْ الْعِرَاقِ وَفَرَنْسَا.

هَذِه هِيَ خُلَاصَةُ سِيرَتِه الذَّاتِيَّةِ الَّتِي بَيْنَ يَدّيَّ، لَكِنْ، تُرَى، مَنْ هُو “فَيْصَل لُعَيْبِي” الْإِنْسَانُ وَرَاءَ ذَلِكَ الْفَنَّانِ؟ وَمَا سِرُّ رَصِيدِه الزَّاخِرِ وَالْمُمْتَدِّ، رَصِيدِ إِبْدَاعَاتِه الْفَنِّـيَّةِ؟ مِثْلُ هَذِه التَّسَاؤُلَاتِ وَغَيْرِهَا رَاحَتْ تَتَصَارَعُ فِي خَلْدِي، وَدَفَعَتْنِي لِإِجْرَاءِ الْحِوَارِ أَدْنَاه.

أَوَّلَ مَا شَدَّ اِنْتِبَاهِي فِي لِقَائِي بِالْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي هُو تَوَاضُعُهُ، ذَلِكَ التَّوَاضُعُ الَّذِي عَبَّرَ عَنْ ذَاتِهِ فِي “رَجَائِهِ” وحَذْفِ كَلِمَةِ “كَبِير”، حِينَمِا أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِـ “الْفَنَّانِ الْكَبِيرِ” فِي مُسْتَهَلِّ الْحِوَارِ. مِمَّا لَاشَكَّ فِيهِ هُو أَنَّ هَذِهِ هِيَ عَبْقَرِيَّةُ الْفَنَّانِ الَّذِي تُقَدِّمُهُ أَعْمَالُهُ، لَا الْحَدِيثُ عَنُّه.

* بَادَرْتُ الْفَنَّانَ فَيْصَلَ بِالْاِسْتِفْسَارِ عَنْ مَاهِيَّةِ “الْفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ” لِتَحْدِيدِ مَعْنَاه فِي الْأَذْهَانِ:

– لقد تطوّر مفهوم الفنون منذ العصور الماضية، وتحديدًا مع عصر النهضة الأوربية في القرن الثالث عشر وما تلاها، من مفهوم الفنون الجميلة الذي كان سائدا آنذاك إلى مفهوم الفن البلاستيكي – أي: التشكيلي – في القرن العشرين، أو الفن البَصَري أيضًا. وهي مفاهيم تحاول ملائمة ما جري من تطور على النشاط الفني أو ما أدْخِل من إضافاتٍ عليه، كي تتماشى مع الجديد في هذا المجال؛ لأن الفنون الجميلة، كمفهوم، قد فقَدَ معناه، عندما بدأ الفنان في تناول المشكلات الاجتماعية وصراعات الإنسان المختلفة، واتخاذ مواقف منحازة إلى هذه الجهة أو تلك. فلم يعد الفن يصوّر الجمال فقط، بل القبح والمآسي وكوارث الطبيعة والحروب وغيرها، مما يتطلّب توسيع رقعة مفهوم الفن وطرق تناوله للقضايا التي يعالجها. فالعمل الفني في أوربا قد تحوّل إلى ما هو أبعد من الرسم أو النحت أو غيره من أشكال التعبير التقليدية سابقًا، فدخلت الموسيقى والحركة والمواد الجاهزة عليه، ولم يعد لوحة تعلق على الجدار أو نحتًا يوضع في حيز ما. من هنا جاءت التغييرات في المفهوم والوظيفة معًا.

* دَعْنَا نَنْتَقِلُ إِلَيْكَ، إِذَنْ، الْفَنَّانِ الْإِنْسَانِ، فَيْصَل لُعَيْبِي: مَنْ الَّذِي اكْتَشَفَ مَوْهِبَتَكَ؟ وَمَتَى؟

– كأي طفل، يكون الرسم أحد وسائل التعبير لديه، كنت أحاول فك أسرار الوجود حولي، فارسم الأب أكبر من الأم؛ لأنه هو الذي يحمي البيت ويهيمن على طرق العيش التي نحياها، وارسم الشمس أكبر من القمر؛ لأنها حاضرة دائمًا ومشعة بقوّة على عالمنا. من هذه البدايات ظهر عندي الميل في استخدام الرسم كلغة بديلة عن الكلام العادي، وظهرت بدايات استخدامه النافع عندما أخذ بيدي أخي الأكبر، علي لعيبي، وهو فنان موهوب، بالمناسبة، لكنه غير معروف للوسط غير البَصْري – من مدينة البصرة – مع الأسف، بسبب كسله شخصيًّا. بعد ذلك، جاء دور الأساتذة والمعلمين الذين أخذوا بيدي وشجعوني بهداياهم الفنية من علب ألوان وفرش وقطع قماش الرسم، والزج بي إلى المشاركة في المعارض السنوية لمدارس مدينة البصرة آنذاك. كل هذا وغيره قد كرّسَ عندي حب الرسم والتدرج في تعلمه والتعرف على أسراره وخفاياه. ولا أنسى هنا أن أول علبة ألوان مائية أهداها لي الوالد العزيز، دشنتُها برسم منظر طبيعي من مناظر شط العرب الخلابة.

* كَيْفَ عَمَلْتَ عَلَى صَقْلِ هَذِه الَموْهِبَةِ فِي بِدَايَةِ اِكْتِشَافِكَ لَهَا؟

– كما ذكرتُ لكِ في الجواب الثاني، كانت مراسم المدارس هي التي صقلت مواهبنا، وكنّا مجموعة مهمة من رسّامي البصرة الذين أصبحوا بعد ذلك من البارزين في فن الرسم، أذكر منهم الفنان هادي الصقر والفنان حسن شويل والفنان صلاح جياد والفنان عبد الرضا بتّور والفنان منقذ الشريدة والفنان ناصر الشاوي وغيرهم، إضافة إلى دور الأساتذة الأجلاء، أمثال الفنان إبراهيم الكمالي والفنان عبد الجبّار العطية والفنان محمد راضي عبد الله والفنان فاروق حسن والفنان سلمان البصري. وهناك فنانون قد حجبتهم ستارات المهرجانات، لكنهم لا يقلون أهمية، أمثال المربي عبد الهادي البنك والمربي عبد الباقي النائب، وآخرون لم تعد ذاكرتي تتسع لهم جميعا. الشيء المهم في الأمر أن مدارسنا العراقية قد اهتمت بالفنون والرياضة منذ المدرسة الابتدائية، وهذا ما جعل العديد من الموهوبين يجدون طريقهم للإبداع مبكرًا.

* وَهَلْ سَاهَمَتْ عَوَامِلُ خَارِجِيَّةٌ فِي تَنْمِيَةِ هَذِهِ المَوْهِبَةِ، عَوَامِلُ أُسَرِيَّةٌ أَوْ بِيئِيَّةٌ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؟

– طبعًا، إذ يلعب البيت دورًا مهمًّا في هذا الأمر. كان أخي “علي” ووالدي من أهم المشجعين لي في السير على هذا الطريق، إضافة إلى الأصدقاء والمعلمين وبيئة حب الفنون التي كانت منتعشة في مدينة البصرة. لا تَنْسَ أن بدر شاكر السيّاب من البصرة، وهو مجدد الشعر العربي الحديث. هذا، وقد عرض جماعة الانطباعيين العراقية معرضهم الثاني في البصرة، بسبب أهميتها، عام 1954، بعد معرضهم الأول في بغداد.

* كَمَا نَعْلَمُ، صِلَتُكَ الْحَمِيمَةُ بِفَنِّكَ الْمِعْطَاءِ امْتَدَّتْ عَلَى مَا يَزِيدُ مِنْ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَهَلْ تُقَسِّمهَا إِلَى مَرَاحِلَ، كَمَا فَعَلَ الْفَنَّانُ الْإِسْبَانِيُّ المَعْرُوفُ؛ “بَابْلُو بِيكَاسُّو”، حِينَمَا قَسَّمَ حَيَاتَهُ الْفَنِّـيَّةَ إِلَى مَرَاحِلَ، تَبَعًا لِلَّوْنِ الطَّاغِي عَلَى كُلٍّ مِنْهَا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؟

– لكل فنان مراحل مختلفة في حياته الفنية، وأنا لست استثناء عن غيري. والمراحل عمومًا مرتبطة بأحداث وتجارب يمر بها الفنان. فيمكن اعتبار الفترة الأولى من فني، هي الفترة الدراسية، ثم فترة التجارب، وبعدها البحث عن أسلوب أو طريقة في التعبير عما يجول في داخلي، ثم الاستقرار على نمط معين من الرسم، وهكذا. لكنكِ تستطيعين أيضًا تقسيم المراحل حسب مواضيعها، أو انشغال الفنان في هذه القضية أو تلك. والقضية تعتمد على الدارس أو مؤرخ الفن والناقد أيضًا. والفنان عمومًا لا يركض وراء الأساليب، لكنها تأتي عفويًّا مع تقدم العمل والتجربة والثقافة العامة للفنان.

* لَعَلَّ السُّؤَالَ الْآَخَرَ الَّذِي يَطْرَحُ نَفْسَهُ هُوَ أَثَرُ الْمَهْجَرِ عَلَى إِبْدَاعَاتِكَ، فَهَلْ تَأَثَّرَ فَنُّكَ بِإِقَامَتِكَ فِي مَدِينَةِ الضَّبَابِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَوْ أَنَّ الْوَطَنَ بِدَاخِلِكَ هُوَ الَّذِي لَازَالَ يُمْلِي عَلَيْكَ إِيحَاءَاتِهُ؟

فِي عِبَارَةٍ أُخْرَى: هَلْ لَازِلْتَ تَسْكُن الْوَطَنَ بِرَغْمِ غُرْبَتِكَ الْمَكَانِيَّةِ؟

– لقد أعادتني الغربة إلى الوطن، فلم أكن أشعر به وأنا في أحضانه، كما شعرت به وأنا بعيد عنه. هذا أول درس للغربة. والدرس الثاني هو: كيف يمكنني الوقوف بوجه هذا الكم الهائل من الإنتاج الفني الأوربي، بأدواتي البسيطة ومعلوماتي القديمة؟ أما الدرس الثالث، فقد دلّتني الغربة على مكامن قوتي وضعفي، وعززت فيّ الثقة وجعلتني أعمل كندٍ للآخر، وليس كناسخٍ لتجاربه، التي هي نتاج مناخ آخر وظروف مختلفة. نحن نملك من الخزين الثمين والغني من الإرث الفني والحضاري ما يجعلنا في غنى عن ملاحقة ما يجري في الغرب، ومحاولة تقليده باسم المعاصرة أو الحداثة، التي لا نعرف عنها غير شكلها الخارجي.

* أَشْكُرُكَ عَلَى ذَلِكَ التَّذْكِيرِ بِثَرَائِنَا وَتُرَاثِنَا. الْقُشُورُ، بِالْفِعْلِ، هِيَ الَّتِي تَبْهُرُنَا، وَتُضَلِّلُنَا عَنْ أُصُولِنَا. دَعْنَا نَنْتَقِلُ الآنَ إِلَى أَعْمَالِكَ الْفَنِّيَّةِ. لَعَلَّ أَوَّلَ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْأَذْهَانِ – حِينَمَا نَذْكُرُ أَعْمَالَ الْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي – هُو فُنُونُنَا الشَّعْبِيَّةُ، وَحَيَاتُنَا الْيَوْمِيَّةُ بِجُزْئِيَاتِهَا الْمُتَشَعِّبَةِ، تِلْكَ الْأَعْمَالَ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى مُعْظَمِهَا أَنْمَاطٌ حَلِيقَةُ الرَّأْسِ، مُتَمَيِّزَةُ الْمَلَامِحِ، وَإِنِ اِخْتَلَفَتْ أَدْوَارُهَا وَأَعْمَارُهَا، إِلَى حَدِّ أَنَّ الاخْتِلَافَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فِي بَعْضِ لَوْحَاتِكَ يَكَادُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الزِّيِّ الْخَارِجِيِّ؛ تُرَى، مَا سِرُّ هَذِه الْأَنْمَاطِ؟ هَلْ هِيَ انْعِكَاسٌ خَاِرجِيٌّ لِذَاتِكَ؟ أَوْ إِعَادَةُ صِيَاغَةٍ لِمَفَاهِيمَ تَقْلِيدِيَّةٍ بِغَرَضِ إِزَالَةِ الْفَوَاصِلِ الْبَشَرِيَّةِ، وَإِحْيَاءِ مَدِينَةٍ فَاضِلَةٍ تُعَايِشُهَا عَلَى مَسْرَحِ الْخَيَالِ، وَتَنْقِلُهَا لَنَا رِيشَتُكَ عَلَى الْلَوْحَاتِ؟

– تُعْتَبر الفنون الشعبية مصدرًا مهمًّا من مصادر الإلهام الفني عند العديد من فناني العالم، وهم محقون في ذلك؛ لأن الفن الشعبي هو عصارة تاريخ طويل من التجارب والإنجازات البشرية المذهلة. فلا يمكن تجاوزها، أو التغاضي عنها. ومن يفعل ذلك، سيصطدم في تغلغلها في العديد من منجزات البشرية الراقية. فمعظم ألحان موتسارت وبتهوفن وغيرهما مأخوذة من الموسيقى الشعبية لشعوبهم. فنانو روسيا الكبار وأدباؤها يستلهمون ما يؤلفونه من تراثهم الشعبي الغني. كِتابُ ألف ليلة وليلة فن راقٍ، ولكنه فن شعبي ومكتوب بلغة الناس المحكية. الكوميديا الإلهية لدانتي مكتوبة بلغة أهل فلورنسا الدارجة، التي تحولت إلى لغة جميع الإيطاليين.

لا أعتقد أن الفنون الشعبية وتناولها في منجزات الفن عمومًا يقلل من تلك المنجزات، بل العكس هو الصحيح، وهذا ما أسعى إليه في تناولي لمفردة شعبية أو محلية في أعمالي المرسومة. فأنا أعتبر نفسي فنانًا شعبيًّا وليس نخبويًّا. رسومي تشبه المقامات العراقية وأغاني الريف العراقي. أنا أحاول أن أكون قريبًا من عزف العود المنفرد أو القانون في موسيقانا الشرقية.

وعلى ذكر النمطية، فهناك نوعان من النمطية، الأول: نافع، وهو ما نشاهده في الرسوم الفرعونية والرافدينية وحضارات الهند والصين والمكسيك القديمة، حيث يكون الشخص المنحوت أوالمرسوم متشابها في تفاصيله وحركاته إلى درجة التكرار، لكنه تكرار غير ممل، بسبب من حيوية هذا النوع من النمطية. أما النوع الثاني: النمطية السلبية، أو الضارة إن شئتِ، فهو التكرار الممل والسمج في تناول المواضيع والأشكال المراد التعبير عنها، وعادة ما تكون هذه النمطية ملفقة، وليس لها أساس حقيقي لما تريد التعبير عنه، مثل بعض أعمال فناني الاستشراق التي تزيّف صورة الشرق أو تجملها أكثر مما هي عليه لأسباب غير فنية. أما عن المدينة الفاضلة، فلكل فنان مدينته الخاصة، وهو يعبر عن ناسها وأجوائها بطريقته المميزة. فإن وجدتِ شيئًا من هذا في أعمالي، لعل ذلك راجع إلى ما نطلق عليه باللاشعور، ربما.

* أُلَاحِظُ أَيْضًا تِكْرَارَ مَشَاهِدِ الصَّوَانِي وَالْمَنَاضِدِ الْمَائِلَةِ؛ فَالصَّوَانِي وَأَسْطُحُ الْمَنَاضِدِ تَبْدُو طَائِرَةً فِي اِتِّجَاهٍ وَاحِدٍ بِمَا تَحْمِلُ عَلَى أَسْطُحِهَا، وَكَأَنَّهَا تَهِمُّ بِإِلْقَاءِ مَا عَلَيْهَا عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ مُعَلَّقَةٌ فِي الْهَوَاءِ. هَلْ هِيَ رُؤْيَا مِنْ عَالَمٍ آخَرَ، عَالَمٍ تَحَرَّرَ مِنْ، أَوْ تَمَرَّدَ عَلَى، قَيْدِ قَانُونِ الْجَاذِبِيَّةِ الْخَفِي، وَالَّذِي لَا نَمْلِكَ مِنْهُ فِرَارًا؟ رُبَّمَا أَيْضًا رَمْزٌ أَوْ حِيلَةٌ لِسَبْرِ مَكْنُونَاتِ عَالَمٍ آخَرَ يَبْدُو لَنَا خَفِيًّا، بِرَغْمِ سَطْحِيَّتِه  ، مُتَمَـثَّلًا فِي أَسْطُحِ الصَّوَانِي وَالمَنَاضِد.

– الأمر في غاية البساطة، وهو محاولة لاستعادة بعض جماليات الفن الشرقي الذي أهملناه وتجاهلنا أهميته، رغم أن الفن الأوربي قد لجأ إليه في فك العزلة والاختناق عن فن الرسم في أوربا. لقد أهملنا الكثير من الأمور الهامة والمفيدة والجديرة بالرعاية والاهتمام في تراثنا الغني، وأخذنا نلهث وراء تقليد الغرب في كل شيء، حتى في طريقة المشي. ولهذا نحن تائهون اليوم، فلم نصبح أوربيين، ولم نحافظ على أصالتنا، أي: ضيعنا المشيتين، كما يقال للغراب الذي أراد تقليد مشية غيره. إنها محاولة لاستعادة ما هو قيّم ورائع في فنوننا وثقافتنا التي أهملناها عن جهل، وربما تعالٍ فارغ أيضًا. لقد كانت التكعيبية حركة ثورية ضد تقاليد الرسم في أوربا، ولو راجعتِ منطلقاتها الأساسية ستجدين منابعها في الفنون الشعبية لشعوب غير أوربية، ومنها شعوب منطقتنا العربية، والفن الإسلامي بالذات.صحيح أن بيكاسو قد تأثر بالفن الأفريقي في لوحته (آنسات أفنيون) في باديء الأمر، لكن التكعيبية كحركة كانت تريد الوصول إلى كسر المنظور الأوربي للنظر إلى الأشياء. هذا ما تم عندنا منذ القرن السابع الميلادي في رسوم حمامات خلفاء الدولة الأموية وقصور خلفاء بني العباس. ما ترينه في رسومي هو نوع من إعادة الاعتبار لما حققه الأسلاف، وشكل من أشكال العودة إلى الأصل؛ والرجوع إلى الأصل فضيلة كما يقال.

* مَاذَا عَنْ دَهْسِ أَوْرَاقِ الصُّحُفِ تَحْتَ أَقْدَامِ الْجُنْدِيِّ وَأَحَدِ مُحْتَسِي النَّارْجِيلَةِ فِي لَوْحَةِ “الْمَقْهَى البَغْدَادِيِّ”، وَتِكْرَارِه فِي لَوْحَةِ حَلَّاقِ الرَّأْسِ؟ هَل هُو رَمْزٌ وَتَمَرُّدٌ آخَرَانِ؟

– كما تعرفين، عالم القرن العشرين، وقرننا الحالي أيضًا، يعتمد على وسائل الاتصال المختلفة، وهذا ما يجعل دور هذه الوسائل من أخطر الأدوار في حياة المجتمعات وصياغة معرفتها ومشاعرها المتنوعة. من هنا تأتي رمزية الصحف في أعمالي. وبما أننا نعيش في عالمنا العربي الذي لا يحترم الرأي الآخر، ولا حرية تعبير، فكل ما تكتبه وتنشره هذه الوسائل الإعلامية يكاد يكون ملفقا وغير صحيح، وبالتالي لا يحظى إلا باحتقار الشارع له، ورميه تحت الأقدام.

الشعب والناس تريد حقائق وليس أكاذيب! هل تذكرين كمية الكذب الذي مورس علينا أيام نكسة حزيران؟ وكيف أخرجوا العذراء مريم من قبرها؛ وجعلوها تطوف حول كنائس القاهرة، لتغطية خسارتنا وفشلهم في تفسير هشاشة وضعنا المأساوي؟ هذا ما جرى أيضًا عند غزو الأمريكان للعراق وتصريحات وزير إعلام النظام السابق، محمد سعيد الصحّاف، المضحكة عن قضائه على الأمريكان، بينما نحن نشاهد على التلفاز، جنود صدام يتراكضون بملابسهم الداخلية، على ضفاف دجلة هاربين من جحيم الحرب. كل هذا يجب التعبير عنه وكشفه. هذا ما كنت أقوم به من خلال صورة المقهى أو الحلاق وغيرها من الصور.

* وَمَاذَا عَنْ قَارِئِي الصُّحُفِ فِي لَوْحَةِ “المَقْهَى الْبَغْدَادِيِّ”؟ هُم وَحْدَهُمْ مُمَيَّزُو الْمَلَامِحِ، أَوْ خَارِقُو النَّمَطِيَّةِ، فَهَل هُمْ فَرِيقٌ مُقَابِلٌ لِفَرِيقِ النَّمَطِيَّةِ النَّمُوذَجِيِّ الْغَالِبِ عَلَى لَوْحَاتِكَ؟

إِنْ كَانُوا كَذَلِكَ، نَجِدُ الْفَرِيقَيْن وَقَد جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا لَوْحَةُ “حَلَّاقِ الرَّأْسِ” بِلِقَاءِ قَدَمِ الْحلَّاقِ، بِمَلَامِحِهِ الْمُمَيَّزَةِ وَلَوْنِ حِذَائِهِ الْفَاتِحِ، وَقَدَمِ الطِّفْلِ النَّمَطِيِّ الْمَلَامِحِ وَلَوْنِ حِذَائِهِ الْغَامِقِ. فَهَل ضَآَلَةُ حَجْمِ الرَّجُلِ فِي تِلْكَ الْلَوْحَةِ، وَانْحِنَاءَةُ رَأْسِ الطِّفْلِ تَحْتَ قَبْضَتِهِ، رَمْزٌ لِذَلِكَ التَّلَاقِي؟ وَهَل المَشْرَطُ الْحَادُّ الْمُشِيرُ إِلَى أَعْلَى فِي يَدِ الرَّجُلِ، كَأَنَّهُ مُنْتَصِرٌ، هُو السَّبِيلُ؟

هَل الْلَعِبُ بِأَحْجَامِ الشَّخْصِيَّاتِ تَنْوِيهٌ عَنْ تَدَرُّجِ الْمَقَامَاتِ، وَكَأَنَّ صَغِيرَ الْعُمْرِ أَوْ ضَئِيلَ الْبِنْيَةِ هُو أَيْضًا صَغِيرُ الْمَقَامِ، كَمَا قَد يُوحِي لَنَا كُلٌّ مِنْ نَادِلِ المَقْهَى وَمَاسِحِ الْأَحْذِيَةِ فِي لَوْحَةِ “المَقْهَى الْبَغْدَادِيِّ”، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؟

– قد تكون هذه الملاحظات هي جزء من تأويلك للأعمال، وهذا حقك في التأويل أو التفسير. فلكل مُشاهد تجربته المختلفة عن تجربة المُشاهد الآخر، وكذلك ذائقة مختلفة شخصيًّا. لا أذهب بعيدًا في تفسير أعمالي؛ فهي بسيطة مثل بساطة مواضيعها، غير معقدة أو ملتبسة. وكما تعرفين، قراء الصحف عمومًا أكثر انتباهًا لما يجري في مجتمعاتهم؛ لهذا لفتوا انتباهك أكثر من غيرهم من روّاد المقهى؛ لأنهم عمومًا يمثلون الفئة المتعلمة، أو التي تقرأ وتكتب. لكنها أيضًا مختلفة.

المشارب والثقافات، من رجل الدين إلى المثقف المتمرد أو اللامنتمي وهكذا. فأنا أرسم ما أعرف، وليس ما أرى، ومن هنا تأتي بعض المفارقات التي قد لا يدركها من لم يتابع أعمالي أو مراحل تنقلاتي الأسلوبية من فترة إلى أخرى.

* يَنْتَابُنِي شُعُورٌ بِأَنَّ كُلَّ مَا تَرْسِمُهُ رِيشَتُكَ هُو رَمْزٌ، أَوْ تَجْسِيدٌ لِإِيحَاءٍ مَا؛ فَهَا هِي ذَا الْقَرْقَرَةُ الْخَفِيَّةُ فِي صُوَرِ النَّارْجِيلَةِ، وَأَوَانِي الشَّاي الْمُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ فِي لَوْحَةِ الْمَقْهَى، تَبْدُو كَأَنَّهَا انْعِكَاسٌ لِمَا يَدُورُ فِي أَعْمَاقِ أَبْطَالِهَا، وَإِن اعْتَلَتْ وُجُوهَهُمْ سَكِينَةٌ ظَاهِرَةٌ. هَل الْلَوْحَةُ مَلْعَبُكَ الَّذِي تَلْهُو عَلَيْهِ بِرِيشَتِكَ لِتَوْصِيلِ الرِّسَالَةِ الْهَدَفِ؟

– الفن لغة كما ذكرتُ، لهذا فهناك مُخاطَبٌ بالضرورة. فالفنان لديه رسالة، وهناك من سوف يستلمها، أي: مرسل ومرسل إليه. وبهذا فأنا في رسومي مثل كاتب الرسائل، حتى وأنا أتمتع في كتابتها، أرغب أيضًا أن يتمتع بها القاريء – الناظر هنا – كذلك. واللوحة- كما وصفتِ عن حق- هي الميدان الذي أستطيع فيه منازلة المشاكل التي تواجهني، وربما تواجه مجتمعي الذي أنتمي إليه وأحبه من كل قلبي. ولقرقرة الشيشة صور مختلفة باختلاف التجارب والذكريات، وكذلك شكل إناء الشاي أو قدح الماء. فلكل منّا ذكرياته الخاصة بهذه الأشياء، ولنا أيضًا تأويلاتنا المختلفة. فالفنان يقدم المشهد وعلى المشاهد ترجمته حسب تجربته فيما يرى.

* تُرَى، مَا سِرُّ الْأَلْوَانِ الصَّارِخَةِ مُحَدَّدَةِ الْمَعَالِمِ، كَأَنَّكَ تَخْشَى الْخَلْطَ بَيْنَهَا، أَوْ كَأَنَّهَا نَهَارٌ دَائِمٌ؟

وَهَل الْلَوْنُ رَمْزٌ آخَرُ لِأَبْعَادٍ جَمَالِيَّةٍ عَمِيقَةٍ، رُبَّمَا بِتَسْلِيطِ الضَّوْءِ عَلَى لَوْنٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِالتَّنَاقُضِ بَيْنَ الْأَلْوَانِ، وَكَأَنَّهُ صِرَاعٌ أَوْ تَلَاقٍ، كَمَا قَد تُوحِي لَنَا لَوْحَةُ حَلَّاقِ الرَّأْسِ الْمَذْكُورَةُ أَعْلَاه، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؟

– نحن أبناء بلاد الشمس، والألوان واضحة جدًّا عندنا، فهي غير متداخلة أو مختلطة كما هو الحال في مدينة شمالية في أوربا مثلًا. لهذا، نراها صريحة ومنفصلة عن بعضها البعض، ولكن بجمالية مذهلة، إن لم أكن مبالغًا في وصفها. انظري إلى أية قرية أفريقية، ودققي في ملابس نسائها، أو قرية هندية ولاحظي ألوان الملابس النسائية فيها، ماذا ترين؟ اللون بكل بهائه الصارخ والمهيمن حتى على البيئة المحيطة. هنا تستطيعين معرفة سبب هيمنة الألوان الواضحة والشديدة الاختلاف والتمايز في هذه البيئة أو تلك، ونحن لسنا مختلفين عن غيرنا؛ لأن البيئة تفرض شروطها علينا. إن ألوان ملابس المرأة البدوية عندنا تتقاطع مع بيئتها الصحراوية، وقد تعبر عن رفضها لشروط تلك البيئة، أو تحدّيها لها. فالإنسان، عادةً، لديه القدرة على المواجهة والتحدي إذا لزم الأمر. وهذا هو نوع من عدم القناعة بالبيئة القاسية التي قد تواجه البشر في مسرى حياتهم الطويل. فاللون أيضًا يعبر عن شكل من أشكال الاحتجاج أو القبول حسب مكانه في المحيط المعني، والفنان قد يكون أول من ينتبه لمثل هذه القضية.

* لَيْسَ غَرِيبًا، إِذًا، أَنَّ هَذَا هُو مَا رَاعَانِي أَنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي اُسَمِّيهَا “الرَّمَادِيَّة”. فَكُلَّمَا ذَهَبْتُ إِلَى مَكَانٍ، لَا أَرَى سِوَى الْلَوْنَيْنِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وَطِفْلَيْهِمَا الرَّمَادِيِّ، كَمَا تَعَوَّدْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ. إِنّْ أَسْعَدَنِي الْحَظُّ، بَرَقَ الْلَوْنُ الْأَحْمَرُ بِنَارِه. طَالَمَا تَعَجَّبْتُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ انْعِكَاسٌ لِرَمَادِيَّةِ السَّمَاءِ. أَشْكُرُكَ، فَقَد أَكَّدْتَ ظَنِّي. الْآن، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْبُعْدَ الْجَمَالِي فِي لَوْحَاتِكَ لَا تُنْكِرُه عَيْنٌ، إِلَّا أَنَّ التَّسَاؤُلَ عَنْ أَوْلَوِيَّةِ المَوْضُوعِ يَفْرِضُ نَفْسَهُ. فَهَل يَحْظَى المَوْضُوعُ فِي فَنِّكَ عَلَى اهْتِمَامِكَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى حِسَابِ الشَّكْلِ الْجَمَالِيِّ، أَمْ أَنَّ لِكُلٍّ نَصِيبًا مُتَسَاوِيًا؟

– أنا من الفنانين الذين يهتمون بالموضوع، ولا أرسم بدون هدف محدد سلفًا. وكذلك، لا أبدأ بالرسم دون مخطط مسبق ودراسات أولية. وهذا ما تعلمته في المدارس الفنية الكلاسيكية، وهو ما أؤمن به ولا أزال. وقد أعتبر من يرسم مباشرة على القماش بدون مقدمات أولية، مغامرًا أكثر منه فنانًا جادًّا؛ لهذا فالموضوع عندي هو الذي يحدد شكل الرسم المطلوب، وليس العكس كما يعتقد العديد من ممارسي الرسم. وعليه، نجد موضوعة الحرب تحتاج إلى طريقة رسم مختلفة عن رسم موضوعة الحب مثلًا. فأنا مؤمن في تشابك عملية الشكل والمضمون، كما يطلق على عملية الرسم برمتها. لكني أقدم الفكرة أو الموضوع على الشكل؛ لأن المحرك الأول للرسم هو وجود فكرة ما في رأس الرسام، وليس شكلًا ما يحتاج إلى موضوع. ولو تصفحتِ تاريخ الفن العام، ستجدين كيف تطورت الأساليب الفنية بسبب المواضيع المعالجة؛ فليس هناك عمل فني جاد حقًّا خاليًا من الموضوع. دعي عنكِ فوضى القرن العشرين التي أدخلت الفن والفنانين في حيص بيص. فلقد ولى هذا القرن، ونحن أبناء اليوم، وعلينا صياغة مفاهيمنا الملائمة لوضعنا الجديد. فالعولمة تعني التعددية، والتعددية تعني التنوع، وليس إنسان البعد الواحد. هذا ما أعتقده، وقد أكون مخطئًا، ولن أحصل إلا على أجر الاجتهاد، وليس الإصابة.

* الْحَدِيثُ عَنْ إِبْدَاعَاتِكَ يَدْفَعُنَا لِلْبَحْثِ عَنْ مَكَانِ المَرْأَةِ مِنْهَا؛ فَهَل المَرْأَةُ بِالْفِعْلِ مِحْوَرُ أَوْ رَحِمُ الْإِيحَاءِ، كَمَا يَعْتَرِفُ مُعْظَمُ الْفَنَّانِين؟وَمَن هِيَ المَرْأَةُ عِنْدَ  الْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي: هَل هِيَ رَمْزٌ لِوَاقِعٍ مَعِيشٍ؟ أَوْ لِجُذُورٍ تَرَكْتَهَا وَرَاءَكَ؟هَل هِيَ الْأُنْثَى الْمُطْلَقَةُ أَوْ الشَّهْوَانِيَّةُ الَّتِي تُطِلُّ عَلَيْنَا مِنْ أَوَانِي الْفَاكِهَةِ الشَّهِيَّةِ وَالْمُتَرَامِيَةِ فِي مَحِلَّاتِ الْفَاكِهَةِ الْعَامَّةِ؟ هَل هِيّ جُزْءٌ عُضْوِيٌّ دَفِينٌ فِي ذَاتِكَ، تُجَسِّدُهُ صُوَرُهَا النَّمَطِيَّةُ.

– بالنسبة لي، المرأة هي أصل وجود الإنسان على هذه الأرض، عكس معظم النظريات والفرضيات المعروفة، وهي صانعة أسس الحضارة في شكلها الجنيني. فمنها تعلم الإنسان اللغة والاستقرار والزراعة والعمارة والفنون وحتى طرق التربية. وعليه فموقعها عندي لا يضارع. ألم تسمعي بالأثر القائل:  “الجَّنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ” ؟ فإذا كانت الجنة تحت قدميها، فأي مقام يعلو مقامها؟ تصوري الحياة بدون المرأة! هل هذا ممكن؟ فهي الحياة، والحياة هي، ولن أزيد.

* هَل لِي أَنْ أَسْاَلَكَ عَمَّا قَد يَبْدُو ، وَكَأَنَّهُ إِيحَاءٌ بِالْمَرْأَةِ الْأَفْعَى فِي لَوْحَاتِكَ، كَالْحَبْلِ الْمُلْتَفِّ حَوْلَ ذَاتِهِ، وَالْمُتَدَلِّي مِنْ صُنْدُوقِ الْفَاكِهَةِ فِي لَوْحَةِ الْفَاكَهَانِيِّ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؟فِي الْوَاقِعِ، وَجْهُ الْأَفْعَى المُتَلَوِّنُ يَكَادُ يُطِلُّ مِنْ كُلِّ لَوْحَاتِكَ، سَوَاءً فِي لُفَافَاتِ رُءُوسِ الرِّجَالِ الْمُتَدَلِيَّةِ أَطْرَافُهَا، أَوْ فِي خُرْطُومِ الْنَارْجِيلَةِ الْحَلَزُونِيِّ الشَّكْلِ. رُبَّمَا أَيْضًا فِي الْخُطُوطِ الْمُسْتَدِيرَةِ وَالْمُتَدَاخِلَةِ فِي عَبَاءَاتِ الرِّجَالِ الْمُنْتَفِخَةِ، وَالْمُلْقَاةِ حَوْلَ أَجْسَادِهِمْ بِإِهْمَالٍ، أَوْ فِي الرِّدَاءِ الَّذِي تُحِيكُهُ الْمَرْأَةُ، وَالْمُلْقَى عَلَى رِدْفَيْهَا الْمُسْتَدِيرَتَيْنِ. وَهَا هِي ذَا لَوْحَةُ آلَةِ الْحِيَاكَةِ وَالمَرْأَة الْجَالِسَة بِجِوَارِهَا مُتَجَهِمَة الْوَجْهِ، تَكْشِفُ عَنْ رُمُوزٍ لِتِلْكَ الْأَفْعَى تَكَادُ تَكُونُ لَامُتَنَاهِيَة، كَشَعْرِ الْمَرْأَةِ الْأَسْوَدِ الطَّوِيلِ الْمُمَوَّجِ، وَشَرِيطِ الْقِيَاسِ الْمُتَدَلي طَرَفهُ مِنْ دُرْجِ آلَةِ الْحِيَاكَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ.

– إنكِ تظلمين المرأة عندما تصفينها بالأفعى. قد تنطبق صفة الأفعى على المرأة عندما نريد وصفها بالتجدد والحيوية؛ ورمز الأفعى هو الذي يتصدر المطبوعات الطبية. وهي ليست كما جاءت في كتب التراث الذكوري. إن تراث العداء لهذا المخلوق العجيب قد بني على مفهوم خاطيء، ويدل على الخوف من المرأة، ويبرهن على قوتها وصعوبة السيطرة عليها. من هنا نجد هذا الكم الهائل، ومعظمه ملفق وغير أمين عن شخصية هذا الكائن الجميل. مَنْ مِن عظماء البشرية من لم يهن ويضعف أمامها؟ منهن على سبيل المثال: سميرأميس ونفرتيتي وكليوباترة وزنوبيا وشجرة الدر، وغيرهن من النساء الشهيرات من الكاتبات والمبدعات والعالمات على مر الزمان. المرأة غيّرت مجرى التاريخ، وهي عندي مصدر مهم من مصادر الإبداع والخلق والتجدد والحياة، وهي رمز عظيم من رموز الخير والخصب والعطاء. وما ذكرتِ عن الأشكال الحلزونية الشبيهة بالتفافات الأفعى، فهو محاولة لرد الاعتبار لما يعرف في الغرب بـ (الأرابيسك)، تلك الأشكال التي ميزت فنون الشرق العربي وأعطته شخصيته، وكان لابد لأحدنا أن ينتبه إليه يومًا ما. وهذا ما فعله الفنان الرائد جواد سليم في بغدادياته الشهيرة، مما لفت انتباهي وجعلني أَحذو حذوه. أما نتائج هذا السير، فأتركها للنقاد ومؤرخي الفن والجماليات عندنا.

* لَكَم أَثْلَجَتْ كَلِمَاتُكَ صَدْرِي. لَعَلَّكَ لَا تَعْرِفُ أَنِّي عُرِفْتُ فِي الثمانينيَّات بِدِفَاعِي عَنْ قَضِيَّةِ المَرْأَةِ. وَكَمَا أَثْبَتَتْ أَبْحَاثِي، المَرْأَةُ بِالْفِعْلِ هِيَ النَّوَاةُ الَّتِي تَفَرَّعَتْ مِنْهَا شَجَرَةُ الْحَيَاةِ. نِيَابَةً عَنْ أُمِّ الْحَيَاةِ، كُلِّ امْرَأَةٍ تَسْكُنُ الْقَلْبَ، لَكَ كُلَّ الْإِجْلَالِ. عَوْدَة إِلَى لَوْحَاتِكَ، مَاذَا عَنْ الطَّبِيعَةِ؟ هَل مِنْ مَكَانٍ لَهَا فِيهَا، سَوَاءٌ أكان لها مَكَانُ الصَّدَارَةِ، أَوْ الْخَلْفِيَّةِ؟

– الطبيعة بمعناها الذي تُعْرَف به، غير موجودة في أعمالي الحالية، لكنها كانت تشغل حيّزًا مهمًّا في بداية طريقي في الرسم. لقد انتقل الهم إلى المدينة، وأصبحت مناظرها وشوارعها وأزقتها هي الطبيعة التي أحاول التعبير عنها. كوني مولودا فيها ومنغمرا في بحر مشاكلها التي لا تنتهي. ولهذا؛ فالطبيعة في خلفية اهتماماتي حاليًا بسبب الانشغال بالمشكلات الاجتماعية التي أخذت كل جهدي وتركيزي الفني؛ لميلي إليها وكوني فنانا ينتمي إلى مجتمع غارق في المشاكل. وليس لي خيار غير الوقوف مع هذا المجتمع والمساهمة فنيًّا، على الأقل، في معالجة بعض ما يتعرض له. لكن الطبيعة قد تعود عند نقطة محددة من مراحل العمر، عندما يكون الحنين إلى عصر ذهبي ما دافعًا للبحث عن فردوسي المفقود.

* نَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّبِيعَةَ فِي فَنِّكَ هِيَ فِرْدَوْسُكَ الَّذِي يَخْنُقُهُ وَاقِعٌ قَبِيحٌ مَفْرُوضٌ عَلَى الْحَيَاةِ. نَحْن، إِذًا، فِي انْتِظَارِ عَوْدَةِ الطَّبِيعَةِ إِلَى لَوْحَاتِكَ، وَنَرْجُو أَلَّا يَطُولَ الْانْتِظَارُ.مِمَّا ذَكَرْتَهُ أَعْلاه، نَسْتَنْتِجُ أَنَّ الْفَنَّ عِنْدَ فَيْصَل لُعَيْبِي هُو رِسَالَةٌ، تَنْقُشُهَا الرِّيشَةُ، وَتُحَدِّدُ مَعَالِمَهَا الْأَلْوَانُ؛  إِذ تَتَبَادَلُ عَنَاصِرُ الْلَوْحَةِ الْوَاحِدَةِ، الظَّاهِرُ مِنْهَا وَالْخَفِيُّ، أَطْرَافَ الْحَدِيثِ فِي حِوَارٍ مُشْتَرَكٍ؛ فَهَل مِنْ مُحَاوَلَاتٍ مَعَ أَشْكَالٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْفَنِّ الشَّامِلِ، الْفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ، بِجَانِبِ الرَّسْمِ؛ كَالْنَحْتِ مَثَلًا، لِنَقْلِ الرِّسَالَةِ؟

– نحن نتعلم معظم المهارات الفنية، مثل: الرسم والنحت والسيراميك، وكذلك الحفر والخط العربي وغيرها في بداية دخولنا لمعهد الفنون، لكننا نتخصص بعد ذلك. ولهذا؛ نستطيع ممارسة النحت والحفر والسيراميك بسهولة، وحسب رغبة الفنان، أو طبيعة الموضوع المراد تنفيذه. وقد قدمت قبل سنوات معرضًا خاصًّا بأعمالي النحتية في لندن، كان يدور حول ما يجري في بلادي من ويلات وكوارث وإرهاب منفلت، مارسه النظام السابق ضد شعبنا العراقي. وكان فن النحت قد عبّر عما أريد البوح به للمشاهدين أكثر من الرسم. وهنا تكمن صلاحية هذا النوع من التعبير أو ذاك.

* قَبْلَ أَنّْ نَتْرُكَ الْحَدِيثَ عَنْ أَعْمَالِكَ، هَل مِنْ لَوْحَةٍ بِعَيْنِهَا، قَد تَكُونُ لَهَا مَكَانَةٌ خَاصَّةٌ فِي نَفْسِكَ، تُرِيد أَنْ تُحَدِّثنَا عَنْهَا؟

– لكل واحدة من لوحاتي ذكرى وقصة خاصة بها، فلا أولوية لواحدة على الأخرى.

* كُلُّ أَعْمَالِ الْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي، إِذًا، هِيَ بَنَاتُهُ الْقَرِيبَاتُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَجَبَ؛ فَهَذِهِ هِيَ مَكَانَةُ كُلِّ عَمَلٍ ثَرِيٍّ أَصِيلٍ.الْآنَ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى إِبْدَاعَاتِكَ الْفَنِّيَّةِ، لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مَا لَكَ مِنْ خِبْرَةٍ طَوِيلَةٍ مَعَ الْقَلَمِ شَهِدَتْ مُسَاهَمَاتٍ صَحَفِيَّةٍ عَدِيدَةٍ، امْتَدَّت إِلَى تَأْسِيسِ جَرِيدَةِ “الْمِجْرَشَةِ” السَّاخِرَةِ عَامَ 1992، فَوْرَ اسْتِقْرَارِكَ فِي لَنْدَنَ، فَهَل الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ هِيَ رِيشَةٌ أُخْرَى لِتَوْصِيلِ رِسَالَتِكَ؟

وَمَتَى بَدَأْتَ “الرَّسْمَ” بِالْكَلِمَةِ؟

– وسائل التعبير عديدة، وهي طوع بنان الإنسان القادر على استخدامها. ولكن يبقى السؤال قائمًا عن قدرة هذا الإنسان أو ذاك عن تفوقه في هذا المجال أو ذاك. والقضية في النهاية، تعتمد على التجربة والثقافة والعمل المستمر والجاد ومتابعة ما يجري حولنا. فلكل وسيلة تعبير حدودها وقدرتها التي تقف عند مشارف لغة تعبير أخرى. وهنا يمكن معرفة مواهب الناس في هذا الجانب أو ذاك، وكذلك درجة فهمهم للعملية الإبداعية وشروطها المطلوبة. الكتابة وسيلة تعبير عظيمة إذا ما استخدمت بمسئولية عالية. ولهذا، علينا التأني عند الشروع بوضع القلم على الورقة لغرض كتابة مادة ما، أو كلمات ما.

* هَل لَازَالَتْ “الْمِجْرَشَةُ” تَصْدُرُ مِنْ الْعَاصِمَةِ الْبرِيطَانِيَّةِ، لَنْدَنَ؟

– لم تعد المِجرشة قائمة لأسباب مادية بحتة. لقد كانت صوتًا حرًّا ومستقلًّا، قدمت ما استطاعت القيام به من خلال كتّابها الشجعان كل ما يمكن تقديمه، وحسب ظروفها الصعبة. وأنا فخور بها وبكتّابها ومقالاتها الجريئة والجادة بسخرية عالية ومهنية مشهودا لها. لقد استمرت عشر سنوات معتمدة على اشتراكات قرائها، ودعم كتّابها المجاني لها، لكن توقفها لم ينهِ دورها النقدي الهادف حتى هذه اللحظة. فلا زال العديد من كتّابها وقرائها يلحّون على ضرورة إعادة إصدارها كلما التقوني في مناسبات عديدة.

* قَبْلَ أَنْ نَتْرُكَ الْحَدِيثَ عَنْ “الْمِجْرَشَةِ”، يَدْفَعُنِي فُضُولِي لِلتَّحَرِّي عَنْ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ؛ تُرَى، مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ؟ وَمَا سَبَبُ اخْتِيَارِهَا؟

– المِجرشة هي آلة عراقية قديمة استُعْمِلَت لجرش الحبوب وتحويلها إلى جريش، مع فصل القشرة عن اللب، بمعنى تصفية الحبوب وتنظيفها مما علق بها. وهي ليست الرحى التي تطحن الحبوب وتحولها إلى دقيق ناعم، مع تشابه الشكل والعمل. وقد تغنى بها العديد من الشعراء، كان أبرزهم الُملَّا عبود الكرخي، الذي كتب قصيدة شهيرة تحكي حال المرأة العاملة عليها. ومن هذه القصيدة أُخذ اسم المِجرشة، والتي تعني هنا التفريق بين الصحيح والخاطيء في حياتنا السياسية والمعرفية عمومًا. ومطلع القصيدة يقول:

ذبيت روحي عله الجرش

وأدري الجرش يؤذيها

ساعة وكسر المِجرشة

وألعــــن أبــــو راعيهـــــا

* نَفْهَمُ، إِذًا، أَنَّ الْمِجْرَشَةَ هِيَ رَمْزٌ لِلْفَرْزِ بَيْنَ الْغَثِّ وَالنَّفِيسِ. نَشْكُرُكَ عَلَى هَذِهِ المَعْلُومَةِ الشَّيِّقَةِ. أَخِيرًا، مَاذَا عَنْ مَعَارِضِكَ الْفَنِّيَّةِ، وَأَيْنَ تُقَامُ؟وَهَل مِنْ أَخْبَارٍ عَنْ مَعْرِضٍ مُقْبِلٍ، بِمَشِيئَةِ اللهِ؟

– المعارض نوعان، معارض فردية ومعارض جماعية. معارضي الفردية هي بحدود 16 معرضًا، امتدت من البصرة، مرورا ببغداد، ثم روما، ميلانو، فلورنسا، بروكسل، الجزائر، بوسطن، البحرين، أبو ظبي، الكويت، لندن، أوسلو، كوبنهاجن. ولكل معرض عنوان وموضوع محدد؛ وهذا ما سِرتُ عليه منذ البداية. أما المعارض الجماعية، فهي كثيرة وتمتد على رقعة واسعة من العالم شملت كلًّا من بغداد، البصرة، بيروت، دمشق، الكويت، البحرين، أياوا، مِتشِكان، تكساس، دبي، لندن، باريس، روما، فلورنسا، موسكو، الجزائر. هناك أيضا مشاريع في الطريق، لإقامة معارض شخصية ومشتركة جديدة، لكن لا تزال مشكلة المكان والزمان، إضافة إلى نوعية الشروط والقاعة، هي التي تقرر قيامها.

* فِي نِهَايَةِ حِوَارِنَا هَذَا، نَسْتَخْلِصُ أَنَّ فَنَّكَ وَحَيَاتَكَ مُتَلَاحِمَان، وَكَأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا صَدى يُرَدِّدُ الْآخَرَ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَمَيُّزِ كُلِّ لَوْحَةٍ مِنْ لَوْحَاتِكَ فِي الذِّكْرَى وَالْخَلْفِيَّةِ الَّتِي تَوَلَّدَتْ عَنْهَا، إِلَّا أَنَّهَا تَتَسَاوَى مَعَ بَاقِي الْلَوْحَاتِ فِي الْمَكَانَةِ مِنْ نَفْسِكَ. لَا عَجَبَ، إِذًا، إِنْ فَاحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَبَق خَاصٌّ بِهَا كَأَنَّهُ بَصْمَةٌ تُمَيِّزُهَا عَنْ أُخْتِهَا فِي الْلَوْحَةِ الْأُمِّ، لَوْحَةِ حَيَاةِ الْفَنَّانِ فَيْصَل لُعَيْبِي.

الْحَدِيثُ عَنْ فَنِّكَ وَأَعْمَالِكَ، فِي الْوَاقِعِ، هُوَ مِنْ الثَّرَاءِ بِحَيْث إِنِّي كُنْتُ أَتَمَنَّى أَلَّا يَنْتَهِي. يَكْفِي أَنَّ كَلِمَاتِكَ الْخَالِدَةَ عَنْ قُدسِيَّةِ الْمَرْأَةِ وَمَكَانَتِهَا، لَيْسَ فَقَط فِي نَفْسِكَ، إِنَّمَا أَيْضًا فِي نَفْسِ رَسُولِ
الْإِسْلامِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، لَا تَزَال تَتَرَدَّدُ فِي أُذُنِي. أَمَامَ كَلِمَاتِكَ هَذِهِ، وَسَخَاءِ إِهْدَائِكَ لَنَا، لَا يَسَعُنِي سِوَى أَنْ أَحْنِي لَكَ الرَّأْسَ إِجْلالًا. نِيَابَةً عَنْ مَجَلَّةِ الْجَسْرَةِ الثَّقَافِيَّةِ، أَشْكُرُكَ عَلَى صُحْبَتِنَا فِي تِلْكَ الرِّحْلَةِ الشَّيِّقَةِ إِلَى عَالَمِكَ، وَأَتَمَنَّى لَكَ التَّوْفِيقَ وَطُولَ الْعَطَاءِ

– ومن جانبي أتمنى للمجلة وفريق عملها النجاح والتقدم لما هو نافع ومفيد لثقافتنا العربية، وأن تهتم بما هو جاد وأصيل ونابع من تربتنا وتقديمه للآخر كنتاج مضاف ومقابل لنتاجاته، شاكرًا لها هذه الالتفاتة الكريمة.

حوار أجرته الكاتبة

ليلى يوسف