يوليو
1
2012
مهرجانات المسرح … خليجياً
د. حسن رشيد
يتفق جل الباحثين والدارسين والمنتمين إلى الحراك المسرحي في دول منظومة الخليج العربي أن الفعاليات والمهرجانات المسرحية لعبت ومازالت تلعب دورًا مؤثرًا في خلق تفاعل مسرحي جاد, هذا لا يعني أن الحراك المسرحي الخليجي متوهج مقارنة بالدول العربية الأخرى ولكن؛ لأن الواقع المسرحي العربي مصاب بالضمور في العديد من الدول العربية فإن هذا الواقع يشمل كافة الأقطار العربية -ومع هذا- فإن هذه الملتقيات، والفعاليات، والمهرجانات تخلق حالة نحن أحوج ما نكون لها الآن في ظل سيطرة الوسائط الأخرى مثل: التلفزيون بقنواته الفضائية، وسيطرة السينما في إطاره التقني والإبهار.
ومع أن التعميم أمر غير منطقي أو موضوعي، فإن جل المهرجانات العربية -وعبر كافة المدن الرئيسية التي تحتضن تلك- الفعاليات تسهم -وبشكل فعال- في خلق إطار وإن كان -وقتي آني- أمر هام وحيوي، ذلك أن المسرحي العربي ينتظر بلهفة، وشوق، ويتحين الفرصة للإسهام والتواجد في مهرجان (قرطاج ، وفي مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة ، ومهرجان دمشق المسرحي ، والأردن والكويت والإمارات وفي مهرجان المونو دراما في الفجيرة، مهرجان الفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون … وغيرها من المهرجانات ).
وهذا ما دفع الأشقاء في الدوحة إلى التفكير بشكل جاد إلى خلق مهرجان مسرحي ابتداءً من هذا العام حيث الاحتفاء بالدوحة كعاصمة للثقافة العربية، والسؤال الهام والمطروح لماذا ؟
هل هذه المهرجانات خلقت إطاراً تكاملياً مع واقع المسرح العربية؟ هل استفاد المسرح على وجه الخصوص من هذه المهرجانات ؟
في الحقيقة أن هذه المهرجانات لعبت دوراًِ هاماً ومؤثراً في الحراك المسرحي الخليجي مع بدايات ظهور هذا المسرح في فترة السبعينات من القرن الماضي وعرفت الآخر بكوكبة من المبدعين الخليجيين، فعندما يتم مناقشة المسرح في الوطن العربي وأبرز رموز الحراك المسرحي يظهر العديد من الأسماء مثل: المرحوم صقر الرشود، عبد العزيز السريع، عبد الرحمن المناعي، عبد الحسين عبد الرضا، سعد الفرج، فهد درة الحارثي، إسماعيل عبد الله ، غانم السليطي، حبيب غلوم، إبراهيم عبد الله السعداوي، ناجي الحاي، كما أن أسماء الرعيل الأول وبخاصة في دولة الكويت ومملكة البحرين تكون حاضرة مثل المرحوم حمد الرجيب. على سبيل المثال لا الحصر.
ومع خفوت صوت المسرح أسلفت الآن وفي جل الأقطار العربية فإن هذا الأمر ينطبق على الحراك المسرحي الخليجي … هناك حالة ضمور بسبب غياب المسرح المدرسي وعدم وجود موسم مسرحي ثابت ، وإغراءات الدراما التلفزيونية مادياً ومعنوياً ، ولكن مع هذا فإن أضواء المسرح تجذب الجيل الجديد ، بل إن هناك من ارتبط بالمسرح مصيراً .. ففي مهرجانات الفرق المسرحية الأهلية نجد جذوة روح التنافس، كما أن بعض المهرجانات في إطار بعض الكيانات التربوية والتعليمية تلعب دوراً مؤثراً في إمداد الحراك المسرحي الخليجي بالدماء الجديدة وبخاصة النشاط الطلابي في المسرح في سلطنة عمان عبر جامعة السلطان قابوس ، ولا يغيب عن البال الدور الهام لمهرجان الشارقة سواء فيما يخص مسرح الطفل إو مسرح الكبار بالإضافة إلى تجارب الجيل الجديد في مهرجان المسرح الكويتي ، والنشاط الكبير للفعاليات المسرحية في إطار الهواة عبر الجمعيات المختلفة في المملكة العربية السعودية .
إذاً المهرجانات تخلق حالة وهذا لا يعني أن التفاعل يغلف واقع هذه المهرجانات فالأمر يحمل وجهتي عملية ، هناك روح التفاؤل بجانب التشاؤم ، ولكن المهرجانات دفعت بأحلام الجيل الجديد خطوات هامة إلى الأمام ، كما أن الاحتكاك بالآخر محلياً وعربياً وعالمياً وسعت من أفق المسرحي، فحاول المسرحي أن يستفيد من تجارب الآخر، أصبح المسرحي الخليجي على علاقة بالآخر، ويستفيد من إطلالته على فكر وثقافة الآخر ويطرح على ذاته العديد من الأسئلة إلى أين وصل الآخر بفكره؟ وكيف استفاد من كل شيء ؟ سواء في إطار، النص أو الرؤية الفنية أو الاستفادة من كافة التقنيات المسرحية ، هذا الإطار بلا شك إطار هام ذلك أن المسرحي الخليجي عبر الاقتباس والتقليد بل والاحتكاك حاول أن يخطو إلى أبعد مدى … لا يهم النجاح أو الفشل … ولكن الأهم خوض غمار التجربة كما قام به الفنان القطري حمد الرميحي عبر مشاركته في فعاليات مسرحية في فرنسا.
إن المهرجان الخاص بالفرق الأهلية الخليجية لعبت دوراً تنويريًّا وساهم مساهمة فعالة في خلق حالة إبداعية متمثلة في المؤلف المحلي والمخرج المحلي، والخروج بالمسرح من الإطار الخطابي المدرسي واستحضار القضايا الاجتماعية المزمنة إلى طرح مواضيع وقضايا إنسانية ذات ارتباط كوني، ولم تعد مواضيع الطلاق والزواج وتعدد الزوجات والزواج بالإكراه أو حتى عقوق الوالدين ما يشغل ذاكرة الإنسان وأعني المؤلف، كما أن المخرج قد تحول من محرك للدمى فوق الخشبة ومهمته لا تخرج عن دور شرطي المرور إلى مؤلف ثاني لنص المكتوب، وأصبح على وعي بأهمية تكامل عناصر العرض المسرحي، بل والاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية -إذا لزم الأمر- لتقديم عمل يخلق إطاره الفني مع المتلقي .
نقطة أخرى هامة في هذا الإطار: -وأعني فعاليات المهرجان الخاص بالفرق الأهلية الخليجية- وأعني خوض غمار التجريب بوعي، ويمكن الاستشهاد هنا بما قدمه الفنان البحريني ( الرويعي ) في دورة قطر عبر مسرحية ( إيفا ) حيث استحضر ( إيفا بروان ) بجانب السينوغرافيا الذي حصد من خلاله جائزة المهرجان . إن مسرحية (إيفا) مجرد نموذج لعشرات النماذج ودليل ملموس على تطور رؤية المبدع المحلي وخوضه غمار التجريب بوعي، كما أن الفنان حمد الرميحي من دولة قطر قد تأثر -ولاشك- بما شاهده في إحدى دورات مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة بالفنان المصري انتصار عبد الفتاح فكان تقديمه مسرحية ( قصة حب طبلة وطارة ) تأليفًا وإخراجًا.
إن المهرجانات -ولا شك- تخلق حالة تحفزية لدى المبدع الحقيقي، سواء من خلال التأثر بما قدمه الآخر عبر الخشبة أو عبر ثقافة الآخر في الندوات والمحاضرات فلا يمكن أن يعيش المبدع بمعزل عن الآخر، إذًا فالتعاون المثمر إحدى ثمرات الفعاليات والمهرجانات العربية بل هو تفكير بصوت عال فيما هو واقع للمسرح العربي من ضبابية في الطرح، فالهم المشترك -لا شك- يدفع بالمخلصين إلى العمل الجاد كل حسب إمكانياته وقدراته، لذا فإن المهرجانات المسرحية ضرورة ملحة وبخاصة للمسرح في دول منطقة الخليج هذا الوافد الجديد الذي ظهر في فترة وجيزة ولكن اكتسب أرضية هامة في بداياته وقطع المنتمين إليه شوطًا كبيرًا مع وجود العراقيل في إطار الدين، العادات، التقاليد … ولكن مع هذا ظهر هذا المسرح وترسخ والآن مع كل المعوقات لم ينهزم أو يستسلم بل اكتسب من خلال مهرجانه الخاص مساحة أكبر، وهذا لا يعني أن المنافسة شريفة ذلك أن الوسائط الأخرى تغري الجميع في الارتماء في الوسائط الأهم والأكثر شهرة.
إن الباحث المنصف يستطيع أن يدرج العديد من النقاط والمكتسبات الذي حصده المسرحي الخليجي عبر مشاركته في العديد من المهرجانات .
فقد حصد -مثلًا- من مهرجان دمشق المسرحي في دوراته الأولى : أولًا معرفة ماهية المسرح، كان هذا في العقد السابع من القرن الماضي. ثانيًا : الالتقاء برموز المسرح العربي والخروج من الإطار المسرحي المدرسي إلى عوالم أكبر تقدم الفن والفكر والمتعة، ثم الاحتكاك بالكتاب وبرموز المسرح العربي وخوض غمار التجربة، هذه فترة البعث للحراك المسرحي الخليجي، فظهرت أسماء عدة خلقت لذاتها دوراً مميزاً في الحراك المسرحي العربي مثل: المرحوم صقر الرشود، وعبد الرحمن امناعي، وبعض الأسماء الأخرى في بعض أقطار المنطقة هنا.
في مهرجان المسرح التجريبي … الإطلالة كانت أكبر داعم والفائدة أكبر داعم وأشمل فإذا كان المبدع المحلي في دمشق قد شاهد تجارب فواز الساجر وكرم مطاوع وسعد أردش وقاسم محمد وعوني كرومي وعبد الكريم رشيد والطيب الصديق وغيرهم فإن المتلقي الخليجي كان على موعد مع اطروحات اخرى كان هذا قبل أكثر من عقدين من عمر الزمن، فكان التأثير بما يطرحه الآخر عبر لعبة مسرحية سيطرت على ذاكرة مجموعة من أبناء المنطقة فكان أن حصد البحريني عبد الله السعداوي جائزة أفضل مخرج في إحدى الدورات كما أن بعض الفنانين استعانوا بذاكرتهم في استلهام أنماط أخرى في إطار الخروج من المألوف .
المهرجانات فرصة للالقتاء بالآخر وطروح الهموم والقضايا الفنية بالإضافة إلى خلق تعاون مثمر، فعلى سبيل المثال قدم المسرحي التونسي في دورة قرطاج هذا العام نصا لكاتب قطري (الظل والهجير) كما أن هذا التعاون ما هو إلا نتاج ثمرة التعارف بين الأشقاء في الملتقيات، فالفنان العراقي قدم نص ( الزوج والزوجة) لنفس المؤلف ولولا هذه الملتقيات لما كان هذا التعاون .
المهرجانات ساهمت في عملية النشر وإصدار العديد من الأعمال الإبداعية سواء في إطار الدراسات والبحوث أو إصدار الأعمال المسرحية محلياً وخليجيًّا وعربياً وترجمة العديد من الأعمال المتميزة .
مع خفوت صوت المسرح العربي فإن المهرجانات ساهمت ولاشك في تحريك المياه الراكدة ودفعت بالعديد من الوجوه الجديدة إلى بؤرة الضوء فتألق العديد من الأسماء وإن كانت المغريات في إطار الوسائط الأخرى استقطبت على اهتمامهم -كما أسلفنا- ولكن عجلة التطور لم تتوقف عند نقطة محددة.
المهرجانات المختلفة -سواء محلية كانت أو خليجية أو عربية- ساهمت في بلورة العديد من الأفكار، كما أنها ساهمت في إتاحة قدر من الحرية ورفع الرقابة عن بعض العروض في المهرجانات التي تقام خارج الحدود الضيقة وساهمت في اتساع رقعة الحركة للمبدع، فكان أن قدم حمد الرميحي في مهرجان الفرق الأهلية في أبوظبي مسرحية ( القرن الأسود) والطرح هنا لا علاقة لها بجودة العمل أو فشلة ونجاحه، ولكن هذا النص لامس إطاراً مغايراً للمألوف الآن وبعد هذه السنوات يتم تقديم هذا العمل في فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية كما أن الفنان غانم السليطي قدم في إحدى دورات مهرجان قرطاج نصه الإشكالي ( المتراشقون ) ولم يتم تقديمها في قطر، وتقدم هذا العام عبر الفعاليات في الدوحة، إذا للمهرجانات دور مؤثر وهام في تحريك المياه وإعادة الحياة لنصوص حجبت بفضل رأي الرقيب.
في العديد من المهرجانات الخليجية هناك حلقات بحثية حول العديد من القضايا المحلية والعربية ففي مهرجان المسرح الكويتي -مؤخراً- تم طرح قضية القدس بمناسبة انتهاء الفعاليات وكانت فلسطين حاضرة في هذا الإطار مع العديد من الأسماء، ممن ساهموا بأوراق عمل متميزة وأثروا الندوة الفكرية.
يتزامن مع العديد من الفعاليات، والمهرجانات المحلية هنا ورش عمل، ففي الكويت سواء عبر المهرجان الفرق الأهلية أو مهرجان المسرح الكويتي أقيمت العديد من الورش حول الممثل والجسد والفضاء المسرحي أو مفهوم السينوغرافيا، وكانت الأستاذة كلثم أمين من البحرين المشرفة على الورش طول فترة المهرجان وهذه الورش لا تقوم على إطار أحادي ولكن يتم دعوة الأشقاء من بعض الأقطار العربية حتى تعم الفائدة للجميع.
من نتاج المشاركات في هذه المهرجانات خلق إطار للتعاون بين الأشقاء المسرحيين، فعندما شاركت قطر في مهرجان المسرح الأردني، تم الاتفاق مع الفنان الكاتب والمخرج غنام غنام لتقديم عمل لفرقة قطر المسرحية وأثناء اشتراك حمد الرميحي بعرض مسرحية (قصة حب منسية) في مهرجان دمشق تم الاتفاق مع فرقة أنان والمخرج جهاد سعد في تقديم أوبريت (بيت الحكمة) في افتتاح فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية … ليس هذا فقط بل إن مسرحية (صلاح الدين) إنتاج مشترك بين قطر وسوريا بمشاركة فنانين قطريين وهذا الأمر ما هو إلا نتاج لقاء تعارفي مع فرقة أنان أثناء مشاركتها في فعاليات ومهرجانات في عاصمة الأمويين.
إن المهرجانات خلقت إطارًا مهمًّا وثريًّا في الحراك المسرحي ودفعت بالأجيال إلى اقتحام المجهول وممارسة اللعبة على أعلى قدر من التحدي في إطار الشكل والمضمون، فظهر جيل جديد الأن يقدم ذاته للمتلقي في الإمارات وسلطنة عمان وقطر، فعلى سبيل المثال مهرجان أصيلة من خلال الاحتفاء بالطفل قدم للساحة المسرحية، جيل شاب أبرزهم: فيصل حسن، أحمد مفتاح من قطر، كما أن مهرجان الشارقة قدم ذات يوم موهبة مسرحية وهو الفنان محمد العامري وغيرهم.
ومع هذا فإننا لا يمكن أن نتحدث عن الدور الهام للمهرجانات العربية دون أن نتطرق إلى بعض السلبيات وأبرزها :
الشيخوخة المبكرة لبعض المهرجانات فإذا كان المسرح العربي كان فيما مضى يتنفس عبر رئتيه فناً مسرحياً خالصاً في مهرجانات البصرة وعاصمة الرشيد فإن الواقع قد تغير بفضل ظروف لا دخل للمسرحي العراقي بها، كما أن عودة مهرجان دمشق لم يعد كما كان حلماً جميعاً للمسرحي العربي من المحيط إلى الخليج، أما المسرح التجريبي فيكفي أن نورد مقولة الوزير بأن المهرجان قد انتهى دوره التنويري حتى أن بعض العروض التجارية يتم اختصارها للمشاركة في الفعاليات وفقدت بريقها كملتقي إبداعي يربط الشرق بالغرب.
الندوات التطبيعية تغلف دائمًا بالمصلحة الآنية، فهناك نماذج تدعي أنها تحمل أعلى الشهادات وتبيع ضمائرها في سوق النخاسة بـأرخص الأسعار ذلك أنها تنظر إلى الدعوات، وهؤلاء -مع الأسف- وإن كانوا يشكلون نسبة واهية إلا أنهم يخلقون حالة، حالة لا تساهم في إنارة الطريق أو دعم الحراك المسرحي العربي .
العديد من المواضيع المطروحة في الندوات الفكرية هي مجرد أوراق عمل تقدم والبعض يحمل هذه الأوراق في كل حلقة نقاشية، فقط يتم استبدال الورقة الأولى الرئيسية.
الاعتماد على مجموعة من الأسماء أو العديد من نجوم اللعبة الذين هجروا المسرح من أجل المكتسبات الدعائية فلا يتم الاهتمام بالجيل الجديد أو دعوتهم للإسهام والمشاركة الفعالة .
الصراع على من يحصد الجوائز أو يتم تقسمه الغرماء بمعنى أن يخرج كل جهة بجائزة ما في إطار الترضية.
هذه إحدى انتكاسات بعض الفعاليات الهامة وتلاشي تأثيرها فلا يمكن أن يكون أحد الممثلين المصريين أفضل ممثل في إحدى دورات مهرجان المسرح التجريبي، ومع هذا فقد حصد الجائزة مع وجود نجوم للعبة أكثر عطاءً وتميزاً ولكن النتيجة كانت لترضية جهة (ما) .
مع كل هذه الملاحظات فإن الفائدة أعم وأشمل وعلينا أن لا ننظر فقط إلى نصف الكوب الفارغ، فإن هذه المهرجانات تحرك المياه الراكدة وتدفع بأحلامنا وأحلام الجيل الجديد خطوات هامة نحو خلق عالم مسرحي أكثر اتساعاً من هذا الكون .
د. حسن رشيد
بواسطة admin •
01-دراسات •
• الوسوم : العدد الواحد والعشرون, حسن رشيد
يوليو 1 2012
مهرجانات المسرح ….. خليجياً …… د. حسن رشيد
مهرجانات المسرح … خليجياً
د. حسن رشيد
يتفق جل الباحثين والدارسين والمنتمين إلى الحراك المسرحي في دول منظومة الخليج العربي أن الفعاليات والمهرجانات المسرحية لعبت ومازالت تلعب دورًا مؤثرًا في خلق تفاعل مسرحي جاد, هذا لا يعني أن الحراك المسرحي الخليجي متوهج مقارنة بالدول العربية الأخرى ولكن؛ لأن الواقع المسرحي العربي مصاب بالضمور في العديد من الدول العربية فإن هذا الواقع يشمل كافة الأقطار العربية -ومع هذا- فإن هذه الملتقيات، والفعاليات، والمهرجانات تخلق حالة نحن أحوج ما نكون لها الآن في ظل سيطرة الوسائط الأخرى مثل: التلفزيون بقنواته الفضائية، وسيطرة السينما في إطاره التقني والإبهار.
ومع أن التعميم أمر غير منطقي أو موضوعي، فإن جل المهرجانات العربية -وعبر كافة المدن الرئيسية التي تحتضن تلك- الفعاليات تسهم -وبشكل فعال- في خلق إطار وإن كان -وقتي آني- أمر هام وحيوي، ذلك أن المسرحي العربي ينتظر بلهفة، وشوق، ويتحين الفرصة للإسهام والتواجد في مهرجان (قرطاج ، وفي مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة ، ومهرجان دمشق المسرحي ، والأردن والكويت والإمارات وفي مهرجان المونو دراما في الفجيرة، مهرجان الفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون … وغيرها من المهرجانات ).
وهذا ما دفع الأشقاء في الدوحة إلى التفكير بشكل جاد إلى خلق مهرجان مسرحي ابتداءً من هذا العام حيث الاحتفاء بالدوحة كعاصمة للثقافة العربية، والسؤال الهام والمطروح لماذا ؟
هل هذه المهرجانات خلقت إطاراً تكاملياً مع واقع المسرح العربية؟ هل استفاد المسرح على وجه الخصوص من هذه المهرجانات ؟
في الحقيقة أن هذه المهرجانات لعبت دوراًِ هاماً ومؤثراً في الحراك المسرحي الخليجي مع بدايات ظهور هذا المسرح في فترة السبعينات من القرن الماضي وعرفت الآخر بكوكبة من المبدعين الخليجيين، فعندما يتم مناقشة المسرح في الوطن العربي وأبرز رموز الحراك المسرحي يظهر العديد من الأسماء مثل: المرحوم صقر الرشود، عبد العزيز السريع، عبد الرحمن المناعي، عبد الحسين عبد الرضا، سعد الفرج، فهد درة الحارثي، إسماعيل عبد الله ، غانم السليطي، حبيب غلوم، إبراهيم عبد الله السعداوي، ناجي الحاي، كما أن أسماء الرعيل الأول وبخاصة في دولة الكويت ومملكة البحرين تكون حاضرة مثل المرحوم حمد الرجيب. على سبيل المثال لا الحصر.
ومع خفوت صوت المسرح أسلفت الآن وفي جل الأقطار العربية فإن هذا الأمر ينطبق على الحراك المسرحي الخليجي … هناك حالة ضمور بسبب غياب المسرح المدرسي وعدم وجود موسم مسرحي ثابت ، وإغراءات الدراما التلفزيونية مادياً ومعنوياً ، ولكن مع هذا فإن أضواء المسرح تجذب الجيل الجديد ، بل إن هناك من ارتبط بالمسرح مصيراً .. ففي مهرجانات الفرق المسرحية الأهلية نجد جذوة روح التنافس، كما أن بعض المهرجانات في إطار بعض الكيانات التربوية والتعليمية تلعب دوراً مؤثراً في إمداد الحراك المسرحي الخليجي بالدماء الجديدة وبخاصة النشاط الطلابي في المسرح في سلطنة عمان عبر جامعة السلطان قابوس ، ولا يغيب عن البال الدور الهام لمهرجان الشارقة سواء فيما يخص مسرح الطفل إو مسرح الكبار بالإضافة إلى تجارب الجيل الجديد في مهرجان المسرح الكويتي ، والنشاط الكبير للفعاليات المسرحية في إطار الهواة عبر الجمعيات المختلفة في المملكة العربية السعودية .
إذاً المهرجانات تخلق حالة وهذا لا يعني أن التفاعل يغلف واقع هذه المهرجانات فالأمر يحمل وجهتي عملية ، هناك روح التفاؤل بجانب التشاؤم ، ولكن المهرجانات دفعت بأحلام الجيل الجديد خطوات هامة إلى الأمام ، كما أن الاحتكاك بالآخر محلياً وعربياً وعالمياً وسعت من أفق المسرحي، فحاول المسرحي أن يستفيد من تجارب الآخر، أصبح المسرحي الخليجي على علاقة بالآخر، ويستفيد من إطلالته على فكر وثقافة الآخر ويطرح على ذاته العديد من الأسئلة إلى أين وصل الآخر بفكره؟ وكيف استفاد من كل شيء ؟ سواء في إطار، النص أو الرؤية الفنية أو الاستفادة من كافة التقنيات المسرحية ، هذا الإطار بلا شك إطار هام ذلك أن المسرحي الخليجي عبر الاقتباس والتقليد بل والاحتكاك حاول أن يخطو إلى أبعد مدى … لا يهم النجاح أو الفشل … ولكن الأهم خوض غمار التجربة كما قام به الفنان القطري حمد الرميحي عبر مشاركته في فعاليات مسرحية في فرنسا.
إن المهرجان الخاص بالفرق الأهلية الخليجية لعبت دوراً تنويريًّا وساهم مساهمة فعالة في خلق حالة إبداعية متمثلة في المؤلف المحلي والمخرج المحلي، والخروج بالمسرح من الإطار الخطابي المدرسي واستحضار القضايا الاجتماعية المزمنة إلى طرح مواضيع وقضايا إنسانية ذات ارتباط كوني، ولم تعد مواضيع الطلاق والزواج وتعدد الزوجات والزواج بالإكراه أو حتى عقوق الوالدين ما يشغل ذاكرة الإنسان وأعني المؤلف، كما أن المخرج قد تحول من محرك للدمى فوق الخشبة ومهمته لا تخرج عن دور شرطي المرور إلى مؤلف ثاني لنص المكتوب، وأصبح على وعي بأهمية تكامل عناصر العرض المسرحي، بل والاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية -إذا لزم الأمر- لتقديم عمل يخلق إطاره الفني مع المتلقي .
نقطة أخرى هامة في هذا الإطار: -وأعني فعاليات المهرجان الخاص بالفرق الأهلية الخليجية- وأعني خوض غمار التجريب بوعي، ويمكن الاستشهاد هنا بما قدمه الفنان البحريني ( الرويعي ) في دورة قطر عبر مسرحية ( إيفا ) حيث استحضر ( إيفا بروان ) بجانب السينوغرافيا الذي حصد من خلاله جائزة المهرجان . إن مسرحية (إيفا) مجرد نموذج لعشرات النماذج ودليل ملموس على تطور رؤية المبدع المحلي وخوضه غمار التجريب بوعي، كما أن الفنان حمد الرميحي من دولة قطر قد تأثر -ولاشك- بما شاهده في إحدى دورات مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة بالفنان المصري انتصار عبد الفتاح فكان تقديمه مسرحية ( قصة حب طبلة وطارة ) تأليفًا وإخراجًا.
إن المهرجانات -ولا شك- تخلق حالة تحفزية لدى المبدع الحقيقي، سواء من خلال التأثر بما قدمه الآخر عبر الخشبة أو عبر ثقافة الآخر في الندوات والمحاضرات فلا يمكن أن يعيش المبدع بمعزل عن الآخر، إذًا فالتعاون المثمر إحدى ثمرات الفعاليات والمهرجانات العربية بل هو تفكير بصوت عال فيما هو واقع للمسرح العربي من ضبابية في الطرح، فالهم المشترك -لا شك- يدفع بالمخلصين إلى العمل الجاد كل حسب إمكانياته وقدراته، لذا فإن المهرجانات المسرحية ضرورة ملحة وبخاصة للمسرح في دول منطقة الخليج هذا الوافد الجديد الذي ظهر في فترة وجيزة ولكن اكتسب أرضية هامة في بداياته وقطع المنتمين إليه شوطًا كبيرًا مع وجود العراقيل في إطار الدين، العادات، التقاليد … ولكن مع هذا ظهر هذا المسرح وترسخ والآن مع كل المعوقات لم ينهزم أو يستسلم بل اكتسب من خلال مهرجانه الخاص مساحة أكبر، وهذا لا يعني أن المنافسة شريفة ذلك أن الوسائط الأخرى تغري الجميع في الارتماء في الوسائط الأهم والأكثر شهرة.
إن الباحث المنصف يستطيع أن يدرج العديد من النقاط والمكتسبات الذي حصده المسرحي الخليجي عبر مشاركته في العديد من المهرجانات .
فقد حصد -مثلًا- من مهرجان دمشق المسرحي في دوراته الأولى : أولًا معرفة ماهية المسرح، كان هذا في العقد السابع من القرن الماضي. ثانيًا : الالتقاء برموز المسرح العربي والخروج من الإطار المسرحي المدرسي إلى عوالم أكبر تقدم الفن والفكر والمتعة، ثم الاحتكاك بالكتاب وبرموز المسرح العربي وخوض غمار التجربة، هذه فترة البعث للحراك المسرحي الخليجي، فظهرت أسماء عدة خلقت لذاتها دوراً مميزاً في الحراك المسرحي العربي مثل: المرحوم صقر الرشود، وعبد الرحمن امناعي، وبعض الأسماء الأخرى في بعض أقطار المنطقة هنا.
في مهرجان المسرح التجريبي … الإطلالة كانت أكبر داعم والفائدة أكبر داعم وأشمل فإذا كان المبدع المحلي في دمشق قد شاهد تجارب فواز الساجر وكرم مطاوع وسعد أردش وقاسم محمد وعوني كرومي وعبد الكريم رشيد والطيب الصديق وغيرهم فإن المتلقي الخليجي كان على موعد مع اطروحات اخرى كان هذا قبل أكثر من عقدين من عمر الزمن، فكان التأثير بما يطرحه الآخر عبر لعبة مسرحية سيطرت على ذاكرة مجموعة من أبناء المنطقة فكان أن حصد البحريني عبد الله السعداوي جائزة أفضل مخرج في إحدى الدورات كما أن بعض الفنانين استعانوا بذاكرتهم في استلهام أنماط أخرى في إطار الخروج من المألوف .
المهرجانات فرصة للالقتاء بالآخر وطروح الهموم والقضايا الفنية بالإضافة إلى خلق تعاون مثمر، فعلى سبيل المثال قدم المسرحي التونسي في دورة قرطاج هذا العام نصا لكاتب قطري (الظل والهجير) كما أن هذا التعاون ما هو إلا نتاج ثمرة التعارف بين الأشقاء في الملتقيات، فالفنان العراقي قدم نص ( الزوج والزوجة) لنفس المؤلف ولولا هذه الملتقيات لما كان هذا التعاون .
المهرجانات ساهمت في عملية النشر وإصدار العديد من الأعمال الإبداعية سواء في إطار الدراسات والبحوث أو إصدار الأعمال المسرحية محلياً وخليجيًّا وعربياً وترجمة العديد من الأعمال المتميزة .
مع خفوت صوت المسرح العربي فإن المهرجانات ساهمت ولاشك في تحريك المياه الراكدة ودفعت بالعديد من الوجوه الجديدة إلى بؤرة الضوء فتألق العديد من الأسماء وإن كانت المغريات في إطار الوسائط الأخرى استقطبت على اهتمامهم -كما أسلفنا- ولكن عجلة التطور لم تتوقف عند نقطة محددة.
المهرجانات المختلفة -سواء محلية كانت أو خليجية أو عربية- ساهمت في بلورة العديد من الأفكار، كما أنها ساهمت في إتاحة قدر من الحرية ورفع الرقابة عن بعض العروض في المهرجانات التي تقام خارج الحدود الضيقة وساهمت في اتساع رقعة الحركة للمبدع، فكان أن قدم حمد الرميحي في مهرجان الفرق الأهلية في أبوظبي مسرحية ( القرن الأسود) والطرح هنا لا علاقة لها بجودة العمل أو فشلة ونجاحه، ولكن هذا النص لامس إطاراً مغايراً للمألوف الآن وبعد هذه السنوات يتم تقديم هذا العمل في فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية كما أن الفنان غانم السليطي قدم في إحدى دورات مهرجان قرطاج نصه الإشكالي ( المتراشقون ) ولم يتم تقديمها في قطر، وتقدم هذا العام عبر الفعاليات في الدوحة، إذا للمهرجانات دور مؤثر وهام في تحريك المياه وإعادة الحياة لنصوص حجبت بفضل رأي الرقيب.
في العديد من المهرجانات الخليجية هناك حلقات بحثية حول العديد من القضايا المحلية والعربية ففي مهرجان المسرح الكويتي -مؤخراً- تم طرح قضية القدس بمناسبة انتهاء الفعاليات وكانت فلسطين حاضرة في هذا الإطار مع العديد من الأسماء، ممن ساهموا بأوراق عمل متميزة وأثروا الندوة الفكرية.
يتزامن مع العديد من الفعاليات، والمهرجانات المحلية هنا ورش عمل، ففي الكويت سواء عبر المهرجان الفرق الأهلية أو مهرجان المسرح الكويتي أقيمت العديد من الورش حول الممثل والجسد والفضاء المسرحي أو مفهوم السينوغرافيا، وكانت الأستاذة كلثم أمين من البحرين المشرفة على الورش طول فترة المهرجان وهذه الورش لا تقوم على إطار أحادي ولكن يتم دعوة الأشقاء من بعض الأقطار العربية حتى تعم الفائدة للجميع.
من نتاج المشاركات في هذه المهرجانات خلق إطار للتعاون بين الأشقاء المسرحيين، فعندما شاركت قطر في مهرجان المسرح الأردني، تم الاتفاق مع الفنان الكاتب والمخرج غنام غنام لتقديم عمل لفرقة قطر المسرحية وأثناء اشتراك حمد الرميحي بعرض مسرحية (قصة حب منسية) في مهرجان دمشق تم الاتفاق مع فرقة أنان والمخرج جهاد سعد في تقديم أوبريت (بيت الحكمة) في افتتاح فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية … ليس هذا فقط بل إن مسرحية (صلاح الدين) إنتاج مشترك بين قطر وسوريا بمشاركة فنانين قطريين وهذا الأمر ما هو إلا نتاج لقاء تعارفي مع فرقة أنان أثناء مشاركتها في فعاليات ومهرجانات في عاصمة الأمويين.
إن المهرجانات خلقت إطارًا مهمًّا وثريًّا في الحراك المسرحي ودفعت بالأجيال إلى اقتحام المجهول وممارسة اللعبة على أعلى قدر من التحدي في إطار الشكل والمضمون، فظهر جيل جديد الأن يقدم ذاته للمتلقي في الإمارات وسلطنة عمان وقطر، فعلى سبيل المثال مهرجان أصيلة من خلال الاحتفاء بالطفل قدم للساحة المسرحية، جيل شاب أبرزهم: فيصل حسن، أحمد مفتاح من قطر، كما أن مهرجان الشارقة قدم ذات يوم موهبة مسرحية وهو الفنان محمد العامري وغيرهم.
ومع هذا فإننا لا يمكن أن نتحدث عن الدور الهام للمهرجانات العربية دون أن نتطرق إلى بعض السلبيات وأبرزها :
الشيخوخة المبكرة لبعض المهرجانات فإذا كان المسرح العربي كان فيما مضى يتنفس عبر رئتيه فناً مسرحياً خالصاً في مهرجانات البصرة وعاصمة الرشيد فإن الواقع قد تغير بفضل ظروف لا دخل للمسرحي العراقي بها، كما أن عودة مهرجان دمشق لم يعد كما كان حلماً جميعاً للمسرحي العربي من المحيط إلى الخليج، أما المسرح التجريبي فيكفي أن نورد مقولة الوزير بأن المهرجان قد انتهى دوره التنويري حتى أن بعض العروض التجارية يتم اختصارها للمشاركة في الفعاليات وفقدت بريقها كملتقي إبداعي يربط الشرق بالغرب.
الندوات التطبيعية تغلف دائمًا بالمصلحة الآنية، فهناك نماذج تدعي أنها تحمل أعلى الشهادات وتبيع ضمائرها في سوق النخاسة بـأرخص الأسعار ذلك أنها تنظر إلى الدعوات، وهؤلاء -مع الأسف- وإن كانوا يشكلون نسبة واهية إلا أنهم يخلقون حالة، حالة لا تساهم في إنارة الطريق أو دعم الحراك المسرحي العربي .
العديد من المواضيع المطروحة في الندوات الفكرية هي مجرد أوراق عمل تقدم والبعض يحمل هذه الأوراق في كل حلقة نقاشية، فقط يتم استبدال الورقة الأولى الرئيسية.
الاعتماد على مجموعة من الأسماء أو العديد من نجوم اللعبة الذين هجروا المسرح من أجل المكتسبات الدعائية فلا يتم الاهتمام بالجيل الجديد أو دعوتهم للإسهام والمشاركة الفعالة .
الصراع على من يحصد الجوائز أو يتم تقسمه الغرماء بمعنى أن يخرج كل جهة بجائزة ما في إطار الترضية.
هذه إحدى انتكاسات بعض الفعاليات الهامة وتلاشي تأثيرها فلا يمكن أن يكون أحد الممثلين المصريين أفضل ممثل في إحدى دورات مهرجان المسرح التجريبي، ومع هذا فقد حصد الجائزة مع وجود نجوم للعبة أكثر عطاءً وتميزاً ولكن النتيجة كانت لترضية جهة (ما) .
مع كل هذه الملاحظات فإن الفائدة أعم وأشمل وعلينا أن لا ننظر فقط إلى نصف الكوب الفارغ، فإن هذه المهرجانات تحرك المياه الراكدة وتدفع بأحلامنا وأحلام الجيل الجديد خطوات هامة نحو خلق عالم مسرحي أكثر اتساعاً من هذا الكون .
د. حسن رشيد
بواسطة admin • 01-دراسات • 0 • الوسوم : العدد الواحد والعشرون, حسن رشيد