قراءة تحليلة فى مسرحية الأيام المخمورة لسعد الله ونوس …… أحمد جاسم الحسين

قراءة تحليلة فى مسرحية الأيام المخمورة

لسعد الله ونوس

———

أحمد جاسم الحسين *

مسرحية : الأيام المخمورة هى آخر ماكتبه يراع المسرحى على الباحث : هل لهذه المسرحية شئ من الخصوصية ؟

الحق أن المسرحية تشكل إضافة جيدة إلى مسرح سعد الله ونوس إذ تمثلت فيها مختلف رؤى سعد الله ونوس وهى أيضآ محاولة لتكريس أسلوبية جديدة استفاد فيها ونوس من مختلف تجاربه السابقة , إننا نلاحظ فيها إذابة لمختلف عناصر تجربته وتقنياته محاولا أن يظهرها فى ثوب لايخلو من تجانس شديد .

العلاقات مع التراث هاهنا امتصاصية وحلّ التناقضّ بدلآ من الاستلهام المباشر للموضوع , إضافة إلى مانلمحه من أبعاد صوفية , عبر علاقة الحب بين (سناء وحبيب ) وأسطورية من خلال العلاقة بين (المرأة وسناء) أيضآ مداليل الأرجواز وجدواه بين الماضى والحاضر . وقد كانت موضوعة الجنس والحب التى غزل عليها الكاتب خطوطآ مسرحية سابقة كثيرة , كانت عمودآ من أعمدة بنائه المسرحى .

ولا ننسى حضور السياسى خلفية من خلفيات العمل ومسببا رئيسيى لما يحدث وإن لمحت شيئا من التعسف والإحضار المحتاج إقناعا أكثر , أما بروز الإبعاد الزمانى فقد جاء مقنعآ ومعبرآ , ورحلة الحفيد الذى يعيش اليوم ويحاول أن ينبش ماضى الشخوص …

ولايمكن  أن يغيب عن ذهن ونوس الدين والتقاليد الدينية إذ لايضيع فرصة هجومية على البالى من التقاليد الدينيية ويحضر المرأة ليحدّث عن تقريب وتعليمية تسجيلية ومناقشات القبة والطربوش .

المسرحية قبل ماسبق أو بعده تحكى عن حفيد يحاول أن يبحث فى التاريخ , تاريه جدته وجده ليتم من خلال ذلك الانتقال إلى الحديث عن العائلة الكونة من شابين وفتاتين إحداهما أم الحفيد . كان الأب (التاجر – الجد ) قد تزوّج الجدة من دمشق … خلال علاقة تجارية بين البيروتى والدمشقى , ولم تمت بذور الحب فى أعماق الزوجية /الجدة / التى لم تكن تحس أن الرابط بينهما وبين زوجها يتجاوز حاجات الفراش , وضرورة المحافظة على السمعة أمام المجتمع , لكنها بعد كل هذا العمر من الكبت تستجيب لندائها الداخلى , وتطيع الحبيب وتهرب معه , وها تضامن تماما مع الوقت الذى كان فيه الأب / الجد / يحاول أن يتعصرن ويلبس قبعة ولباسآ عصريآ بناء على اقتراح أولاده , وتستمر الأحداث , وتنفتح مجالات للحديث , وينفرط شمل العائلة وتترك إحدى البنات المنزل ويفعل أخوها كذلك , إنهما يسعيان للتعصرن , وثمنه ها هنا التخلى عن القيم الأخلاقية واتباع سواها…

ينقل لنا الكاتب عبر ذلك جملة من الأفكار والتحويلات الاجتماعية والفكرية التى تبدأ بمس المجتمع .. فالأب يتخلى عن فكرة التعويض لشرفه , ويحاول أن يبدأ حياته من جديد وقد وجد الفرصة سانحة ليتخلى عن التزاماته التجارية مع أهل زوجته بعد أن تركت المنزل وهربت مع من تحب …

الأخ الهارب يتابع مسيرة حياته إلى أن يغدو كما يقول عن نفيه ملكآ للتجارة والدعارة .

والأخت الهاربة تسعى فترة من اتلزمان لتعصرن ولفرنسة العالم وبعد أن تثبت لها الأيام أن النجاح لن يكون حليفها تحاول أن تلبنن العالم … أما الشخوص الذين ارتضوا بالقيم الأخلاقية وساروا على هديها فإنهم يتطورون تطورات إيجابية, فالأخت تتزوج من مناضل , والأخ يستمر على طريقه رافضآ كل المغريات التى قدمت له ليتخلى عن قيمه ومبادئه .

والجدة الهاربة مع الحبيب تتوغّل فى علاقتها بالحبيب محاولين معآ الوصل إلى مراتب عالية من الحب … ولاينسى الكاتب أن يذكّرنا عبر (الأراجوز) بين فترة وأخرى أنّ مانراه ليس إلا مسرحية حدثت أحداثها فيما سبق , دون أن يتناسى الدخول عبر شخوصه فى عديد من المناقشات الفكرية للوصول إلى مامفاده: لكل حقيقة عدد من الوجوه والروايات .

وعن علاقة المتلقّى مع هذه المسرحية والمسرح بشكل عام يمكن أن نقول: إن لمتلقّى المسرح كبير خصوصية , فالفن يتم تجسيده أمام عينى المتلقى , حيث يتم التشخيص إذ قد نلمس علاقته بالمتلقى مباشرة , من هنا فإن كثيرآ من الخصوصية قد نجدها فى العلاقة بين الطرفين .

وقد اهتم ونوس بعلاقته مع المتلقى منذ زمان طويل وكان يحاول دائما أن يخلق تفاعلاً غير منقطع النظير مع المتلقى نظراً لقناعته بضرورة بضرورة هذه العلاقة ويحاول أن يشركه ويذكره كلما نسبى أنه أمام مسرحية وفن مسرحى قد يحرض ويساهم فى التغير .

ولا يجد ونوس تحرجاً من مخاطبة المتلقى مباشرة والتحاور معه من خلال النص ، ومحاولة استثارته لطرح عدد من التساؤلات ، ولعل تقنية مسرح داخل المسرح تسمح له بقول كثير مما يريد قوله دون أثر كبير لأى حرج .

وقد تمكن ونوس من خلال ( الحفيد / الراوى / المؤرخ ) والمتنبئ بالمستقبل أن يوقع عدداً من الشخوص تحت مشرحة التساؤل والاستفهام ولماذا صنعوا ماصنعوه ؟ وكان هذا الحفيد يقول عدداً من الأسئلة التى قد تعن على ذهن المتلقى وكأنه هو المتلقى ذاته دون إعلان ذلك ، أو ربما هو قراءة فى فكر المتلقى ورؤاه ، وتوقع وبحث فى آفاق تفكيره وما يدور بخلده .

ويمكننا أن نقول : إن حرص ونوس على كسر الحواجز بين المتلقى والمسرحية جعله يخاطب متلقيه مباشرة عبر هدم ما يدعى بالجدار الرابع ، لكن السؤال الذى يطرح نفسه : هل ينسجم ذلك مع موقف ونوس الفكرى من المتلقى ومن ثمة الإيمان بدوره ؟

أعتقد أن ينسجم عبر تصريحاته المتتالية إضافة إلى آلية إخراج مسرحياته التى يقترحها ويعطى فيها هامشاً لايخلو من اتساع للمخرجين .

وتبقى آلية العلاقة بين المتلقى والمسرح مدعاة لكثير من الأسئلة والاقتراحات نظراً لما فيها من خصوصية وحميمية ولما تنيره عهى لحدود العلاقة والتصورات المسبقة والذائقة وسوى ذلك .

وسنحاول أن نبدأ قراءتنا لهذه المسرحية من عند العناوين وهى سبعة وعشرون عنواناً الرئيسى فيها ( الأيام المخمورة) والحق أن العنوان يفاجئنا ويضعنا أمام تساؤل محرج ، فالخمر قد ارتبط بذهننا مفهوماتياً ومعجمياً يفقدان العقل ومن ثم الترنح يمنة ويسرة وعدم السير على خط صحيح …

إن الأيام المخمورة تشير إلى أن الجمع (الأيام) هى التى كانت (مخمورة) على زنة مفعول فكأنها فقدت مشيئتها وغداً لزاماً عليها أن تفقد عقلها وقد ارتبط المخمور دينياً بالمحرم وبالابتعاد عن الأخلاقى فهل يمكن أن يكون الكاتب قد أراد أن الأيام قد انفصلت عن القيم وتعلقت بفقدان العقل ، وربما لأنها مخمورة فإن المخمورين / المبتعدين عن قيمة ما دينياً ) هم الذين يلائمونها … هل قصد ذلك ونوس ؟ فى ضوء الخمرة التى تحضر فى عدد من مسرحياته ويعب منها الشخوص المحببون لديه ؟

إن الأيام تشير إلى الزمان ونحن نعيش فى زمان مخمور صار للحقيقة فيه عدة أوجه ، ولم يعد فيه مسار أخلاقى ثابت أو قيمة يعول عليها ، طبعاً نحن لايمكننا أن نعتقد أن سعد الله أراد التأكيد على معنى دينى ولكن ربما قصد الاستفادة منه بما أنه شئ ناجز فى مخيلة المتلقى لإيصال الداليل التى يصبو إليها.

ولو حاولنا أن نبحث فى العناوين الفرعية لوجدنا أن تلك العناوين غالباً ماتناولت المضامين التى جاءت بعدها (فصل المفاخرة بين الطربوش والقبعة) مثلما كان بعضها مرموزاتيا يتحمل أكثر من دلالة (فصل الجناح المكسوروبناء السور) وقد حرص المؤلف على السجع مستفيداً من إيقاعه فى عدد منها (المكسور- العار – التجار- القرار- الانتظار- السور) وحرف الراء هو الأكثر ورودا من جملة قوافيه ولو حاولنا أن نتتبع العناوين من حيث الدلالة لوجدنا أن الربط المعنوى واضح بين أركانها فالبداية بالأرق والنهاية بالهذيان والأحزان .

ولعل استعراض  العناوين يشير إلى شئ ما يتعلق بما ستحيل عليه تلك الألفاظ :” الأرق والتطير- سناء والتابعة – التمدن والرقى – المفاخرة بين الطربوش والقبعة – الفراش الزوجى – التلقين والتدريب – الارتباك والحب – جريمة العصر – المراودة على الفساد القرار ونهاية الانتظار – الغضب والدموع – استملاك الماضى – العار عند التجار – الجنى والجسد المسكون – الحكاية النافلة – العرى والدهشة – النسيان والبدء من جديد – المكاشفة والمهمة الخفية – الأخوين فى متاهة الأم – الحنان المكسور وبناء السور الكوابيس الفاجعة – الزبدة فى الحكمة والقوة – الهذيان والأحزان – الملاعب والخواتم ”

قراءة  فى الموضوعات والأفكار :

يطرح ونوس فى هذه المسرحية جملة من القضايا الفكرية والمعرفية إضافة إلى عدد كبير من المواقف التى تخص جملة من الشئون الاجتماعية والمعتقداتية .

ولعل هذا طبيعى فالمسرح خاص يرتبط بالبيئة الاجتماعية التى تنمو كاتبه فى كنفها ذلك لأن المسرح ينقد من جملة ما يتقد الجوانب الاجتماعية التى يعيشها محاولاً اللوج إلى أعماق المجتمع والبحث فى مكوناته ونسجه ومسيراته بمعنى ما يسمى المسرح إلى قراءة الواقع انطلاقاً من تمظهرات الخلل التى يقف لها بالمرصاد . وقد قرأ ونوس المجتمع وبناه قراءة معمقة وتوصل إلى مجموعة من القناعات لم يحاول أن يغيرها ربما لأنه اعتقد أنها ثابتة لاتزول إلا بزوال عدد كبير من الظروف وغزل على هذه الأوتار طويلاً .

من هنا فإننا قد لانجد نسجاً اجتماعية متعددة فى مسرح ونوس ، قد نجد مجتمعات متعددة لكنها ذات نسج واحدة يتحكم فيها سياسيون وشيوخ تقاليد دينية ومخبرون ومخابر اتيون عادات وتقاليد بائدة ومجموعات من المنافع والمصالح .

سعد الله ونوس فى ايامه المخمورة يقدم أسرة مخلخلة لا رابط بين أعضائها ، فالأب يرتبط بهم بعلاقة لاتبدو على جانب كبير من النجاح إضافة إلى أن الأولاد سرعان ما ينفصلون عن العائلة لدى أول صدمة والأصهار علاقاتهم تقوم على المصلحة ، وماأن تغيب المرأة ( الرابط) بينهم حتى تنعدم الصلات ، والمخدرات تنتشر ، والفساد والعهر .

يقدم لنا سعد الله ونوس مجتمعاً متفسخاً كل يركض وراء مصلحته،ولا تحكمه قيمة أو يردعه مبدأ اللهم سوى المنافع والفساد حيث تحولت إلى قيمةومبدأ.

أمام حدث ما حدث ؟ وكيف الطريق لتخلص منذلك ؟

هذا يقودنا للوقوف عند العادات والتقاليد فىهذه المسرحية التى تضع عدداً منها على مشرحة التحليل خاصة ما يعنى بالزواج والثأر… ومن خلال العادات والتقاليد يتم التعريج على مجموعة الإشكالات التى تنجم عن الالتزام بها من عدمه, إن زواج سناء لم تنشأ علاقة حب بين الشخصين ، ولا لأن أحدهما كان يعيش علاقة حب مع آخر بل لأنه زواج مصلحى أو لنقل سببه المصلحة ولأنه كذلك فإن المرأة لاتجد فيه شيئاً مما كانت تصبوا إليه ، وهى لم تستطع التعبير عن مكنونات قلبها ، على الرغم من أنها لم تك مرتبطة بأية علاقة حب ، مع أن المشكلة لم تكن فى الزواج إذ لم يعتد أن يتحدث عن مكنوناته لزوجته ، بل أن يعاملها معاملة رسمية(؟!!) ووفقاً لذلك فالزواج لايساوى أكثر من صفقة تجارية .

لكن هل تبقى الشخوص أسيرة العادات والتقاليد ؟

أن خروج بعض الشخوص من أسر العادات والتقاليد يبدو ضرورة حين تكون التقاليد مهترئة لكن أن تتخذ الشخصيات من (العصرنة)حجة لترك جذورها والتملص من معطيات مجتمعها لايبدو مقبولاً .

ولو توقفنا عند قضية التقاليد والشرف وما يحدث فى أثناء ذلك من أن الزمان المقبل يردم الجروح إضافة إلى أن النظر إلى الأمور من وجهة آخرى يفتح مجالات للحديث عن هذه العادة أو تلك ولعل أثر العادة/ التقليد يبدو جليافى تلك العلاقة الأبوية وماتعانيه الفتاة بعد رحيل أمها، ومسألة عدم القدرة على المعالجة وبالتالى عدم المقدرة على التخلى عن الماضى ..

إن ثمة خلطاً واضحاً لدى عدد من الشخوص بين ضرورة التخلى عن المتهرئ ومسألة نسف الماضى والتخلى عن كل معطياته ، نحن لا ننكر أهمية أن تتطور ونتقدم ونتخلص من المعيق لكن نسف الماضى والجذور والارتباط بالآخر أدى إلى ما أدى إليه مع الشخوص الذين ظنوا أن (العصرنة) تعنى القطيعة ، وونوس أراد أن يؤكد على ذلك عبر ماوصلت إليه الشخوص المنبتة !

والحديث عن العادات يستدعى بالضرورة الوقوف عند قضية المرأة لا لأن العادات والتقاليد تخص المرأة فقط ، بل لأن للمرأة فى فكر ونوس حضوراً خاصاً يتطلب منا أن ننظر إليها نظرة لاتخلو من خصوصية ، وعلاقة ونوس بالمرأة علاقة قديمة متجددة وانطلاقاً من موقفه كمثقف تنويرى فإنه قد بذل جهوداً كبيرة للتعبير عن همومها ومعاناتها ، وندب عدداً كبيرأً من مسرحياته للحديث عنها وعما تكابده وتعانيه من مشقات وهموم ومشاكل.

ولم لتكن نظرة ونوس نظرة مسطحة تدعو لتحرر فى الهواء الطلق ، بل كان الرجل يبحث فى أعمق نسج المجتمع وعن الأسباب الكامنة خلف ما تعانيه المرأة .

وقد وجد سعد الله ونوس أن (تسليع) المرأة أحد أهم العوامل الكامنة خلف ذلك ، إنها لدى كثيرين جزء من المتاع الشخصى الذى يشرى ويباع ويستعاض عنه ، ويؤمر بأوامره وينتهى بنواهيه ، من هنا فإن سعد الله ونوس قد كرسالحيز الأكبر للحديث عن هذه الهموم …

ترتكز الأيام المخمورة على المرأة (سناء) – الأم – الحبيبة – المرأة التى دفنت أحلامها ومشاعرها عدداً كبيرأً من السنوات وفاومت طويلاًُ لكنها أبت فى النهاية أن تبقى جاثمة تحت إسار العادات الاجتماعية لذا فإنها قد استجابت بعد صراع طويل لنداء الحبيب ورحلا معاً .

من خلال المرأة يعرج المسرحى على عدد من العادات والتقاليد عبر نبشه فى السيرة الذاتية لشخوص المسرحية ، هذه المرأة اليوم/ طفلة الأمس / لديها طاقة جنسية كبيرة كامنة فى داخلها لا تستطيع أن تعبر عنها لأن الظروف لاتسمح لها ولا المعطيات الاجتماعية : ص34 .

كنت دائماً أنتظر شيئاً ما .اشعر فجوة فى أحشائى أو رفة فىقلبى ، وكنتت أشرد حالمة وحزينة وحين كنت أراقب فى دارنا فى الشام زوجاً من الحمام، وهما يتبادلان الحب والحنان ويمضيان أوقاتاُ مديدة فى تبادل القبلات والمداعبات كنت أحسن أن أشواقى تكاد تخنقنى وأنى أريد أن أغنى أو أنوح كنت دائماً أحس أنى أنتظر شيئاً غامضاً ، وكا ترى … تأخر هذا الشئ الغامض حتى غدوت شجرة خريفية تتساقط أوراقها .

لقد بدأت رحلة هذه المرأة مع الحظ منذ الصغر ، حتى زواجها لم يكن أكثر من مصادفة ، فهى تزوجت إتماماً لصفقة تجارية.

ولأن زوجها اعتاد على أمور ما فإنه يمثل الذكورة والفكر الذكورى الذى يعلن نفسه فور رحيلها عن المنزل حيث يتخذ من تعذيب ابنته وضربها بهدف فك لسانها الذى قد يخفى خلفه سر أمها ، يتخ من ذلك التعذيب فرصة لتطبيق فكره الذكورى ويستعين بالساحرة التى تعذب لتكسب وتستفيد والمرأة هاهنا تعاقب المرأة ..!

والمرأة تجلت فى هذه المسرحية أحياناً بثوب عاهرة باعت جسدها للريح والشهوات لكنها فى لحظات ما تجد نفسها واقعة فى علاقة حب وتمبل لشخص بعينه، فهى فى النهاية تمتلك مجموعة من الأحاسيس والمشاعر بالرغم من عملها بالعهر!

والمرأة أيضاً تعيش علاقة حب صادقة مع الحبيب المناضل ضد المستعمر الفرنسى وتعيش معه أياماً جميلة وتكون مخلصة لذاكره . وحين تحاول المرأة أ، ترتقى إلى الحب الذى يسمو إليه الرجل لا تستطيع ؟ !!

المرأة تشكل أقنوما هاماً من أقانيم هذه المسرحية ، حتى فى المسرح الأراجوزى ترمز الصبية للشهوة والحب والعصرنة والانطلاق فى حين أن الأراجوزاتى يحاول أن يفيدها ويعيدها إلى حظيرة الغيرة !

من الأمور التى تدعونا للتأمل زاوية الرؤية التى من خلالها الزوج السابق والأخ للمرأة Lالزوجة والأخت) إذ إن كلا منهما يحاول أن يلقى التبعة على الآخر ويتخلص من عناء همومها وهى التى كانت ذات يوم سبباً فى علائق تجارية هامة ، هذه المرأة يتخلون عنها بين ليلة وضحاها ، وهى هاهنا تتسع دلالتها لتغدو رمزاً لرؤية الرجل لها ، قد يكون هناك شئ من المبالغة ، لكن الرجل قدم ما قدمه بشئ من الاقناع وهو حاول أن ينبه إلى الرمز . وهى المعتادة على الخطف والعلاقات الكواليسية منذ زمان بعيد …

وينجح سعد الله ونوس تماماً فى تقديم علاقة ذات أسس صوفية للحب الذى قد ينشأ بين الرجل والمرأة من خلال علاقة سناء وحبيب هذه العلاقة المقنعة ، الموغلة فى العشق والهيام والالتحام .

ولابد لنا بعد حديثنا السابق من التعريج على أقانيم مسرح ونوس التى ندب نفسه للحديث عنها (الدين- الجنس – السياسة ) إذ أن الرجل لابد من أن يشير إلى هذه القضايا تصريحاً أو تلميحاً . هاهنا نجد سعد الله ونوس يدين عدداً من التقاليد الدينية – طبعاً كعادته دون أن يحاول التفريق بين التقليد الذى ابتدعه شخوص والأمر الذى يخص العقيدة – وبغض النظر عن القصيدة من عدمها هاهنا فإن الرجل يطرح جملة من المواضيع الإشكالية التى تخص التقليد الدينى والتراكم التاريخى ولا تتعلق بالتعاليم الإسلامية الصريحة ، بل إن الرجل يحاول أن ينفر الناس من الدين عبر تركيزه على التقاليد الدينية وإظهار السيئى فيها دون أى إشارة إلأى مرجعيته مستغلاً مقدرته على الأقناع والوصول ببعض الأمور إلى التنفيسية باسم الهجوم علىالمحرمات ، إذ لا ي

يطرح حلولاً أو إشارات بقدر ما يطرح حالات افتعالية لاتبنى ولاتعد بطروح ديمقراطية ولونوس الحق فى طرح ما يريد ، لكن طرح هذه الأمور عبر هذه الرؤية يغيب الموضوعية وحق الآخر فى تقديم رؤاه ، ونحن لاننكر أن الرجل قد حاول أن يجعل هذا الأمر أو ذاك فرصة لإدانهة ثنائية القول والفعل وكيفية تسخير الناس للأمور كما تريد وتشتهى لاكما تستدعى سياقاتها .

أما الجنس وهو موضوع أثير فى مسرح سعد الله ونوس فقد تبدى فىأكثر من موضوع حتى وصل فىهذه المسرحية إلى أبعاد صوفية تنسى الجسد والنظرة إلى الجنس قد تنبع من كونه حاجة الجسد للجسد حيث قامت القوانين الوضعية بتنظيمها وضبطها وربط ذلك خاصة بالإنسان ، وما تقدمه هذه الراوية هو أن بنية المجتمع تقوم عليه ، أهى معركة الظاهر والباطن ؟ …

ثم لماذا قدم الرجل شهوات المرأة بلا محدودية وأدخل النظرات الدينية فى مفهوم الجنس الذى غدا حلا سحرياً لعدد من المعضلات فهو الذى ينطق ليلى ويعيد عدنان لسونيا وحبيب لسناء …

يؤكد ونوس على أنه ليس المراد الجنس بشكله الخارجى ، بل يكونه تفتحاً لبراعم الروح الإنسانية إنه التحام الذات بضلعها المفقودة وتكامل الأجساد مع بعضها بعض .

وهو الموجد لكثير من الشياء والمؤدى إلى البحث عن الذات ، ولئن كانت بدايته شهوانية فإن نهايته صوفية ولعل هذا هو الجديد فى آلية تعامل ونوس مع الجنس عبر محاولته أسطرة أثره !

وإلهم السياسى يحضر فى هذه المسرحية ناتجاً عنه وعن سواه من العناصر السابقة (الفساد) والهم السياسى له تاريخ طويل مع مسرح ونوس حتى إن تجربته قد حسبت على هذا النمط من المسرح .

فى مسرحيتنا هذه تحضر السياسة خلفية بعيدة وغطاراً زمنياً هوأقرب للتنقية منه للإشارة إلى الماضى ، ولم يركز عليه الرجل كثيراً ولم يلحظ تأثيراته على الوضع إلا إن فسرناه تفسيراً رمزياً واسقكناه على الواقع ، أو نظرنا إليه نظرة خاصة باعتبار أن الفساد كان منذ دخل المحتل الفرنسى البلاد ، وامتدت آثاره إلى حاضر ايامنا هذه .

وقد حرص ونوس على الإحالة إلى يوم محدد استشهد فيه أبو الحفيد / القارئ للتاريخ / أنه (29أيار1945) وهذا اليوم تمّ هجوم الفرنسيين فيه على البرلمان , وللبرلمان خصوصية فى حياة الشعوب التى تنعم بالديمقراطية إذ يعتبر المكان الذى يتم التعبير فيه عن مطالب الناس وحقوقهم ..

وتحاول المسرحية الإشارة إلى شخص بعينه (دى مارتل ) الذى أشاع ما أشاعه من قيم ومباهج ولذات وإباحية , ومن ثمة آثار الحرب العالمية الثانية على المجتمع .

وقد ناقشت شخوصه أمورآ عديدة تتعلق بالاستقلال ومواقف بعضهم من الفرنسيين وأثر كل ذلك فى بدء تحولات المجتمع والتغييرات التى حدثت تاليآ ومن ثمة آثارها المستقبلية , ليتم الخلوص إلى القول (ص118) : ” فعلآ مازال العالم غابة , والغلبة فيه لمن لمن هو أقوى والأقوى فى عالم اليوم ليس الرجل القوى فى العضلات , أو القادر على البطش والعدوان , بل هو صاحب النفس القوية التى تستطيع فى مواجهة هذا العالم , أن تهضم البشاعة والدناءة وكل أشكال الانحطاط ” (ص119) ” وخالتك هى الأخرى مازالت تجرى وراء أوهامها , منقبل حاولت أن تفرنس لبنان واليوم تريد أن تلبنن العالم وأمك تضع صورة أبيك أمامها , وتلفتك آيات الوطنية والتضحية والنضال ..”

وتختلف الرؤى فى هذا الميدان إذ يجد بعضهم الخراب الحاصل والفساد فرصة ليسيروا فى نهج (واقعى)  كما يسمونه , فى حين أن الفريق الآخر يرى أنه بالرغم من كل هذا الظلام فلابد من مستقبل أكثر إشراقآ !

أما الشخوص فى هذه المسرحية فإنهم يمثلون مجموعة من التيارات الفكرية والنفسية فالحفيد مثلآ يبحث فى الماضى (تاريخ جده وجدته)ويرتبط بعلائق الزمان والأقارب وهو يتدخل فى الحديث مع مختلف الشخوص , أما ليلى فإنها تدخل فى صراع مع الأب وهى تقوم بأدوار متعددة فهى أم الحفيد , وزوجة الشهيد وأقرب البنات إلى أمها , ولم تساير (العنصرية) وأصيب لسانها بالخرس , وتعرضت لوطأة العادات والتقاليد , وهى الأسعد الآن , وكانت قد عاشت علاقة تضادية مع مع أختعا سلمى التى حاولت أن تتعصرن وتتخلى عن عائلتها , أما نساء وهى الأم والجدة التى تعيش علاقة مع المرأة التى تسكن داخلها , وهى الشامية التى تحمل معها عددا من العادات والتقاليد , وهى الجدة الهاربة التى كبتت حبها فترة من الزمن وهى الهاربة مع الحبيب وتعيش صراعآ مع الأب (الزوج) ومع الذات (المرأة ) ومع العادات والتقاليد والأمومة , فى حين أن الأخ عدنان يعيش صراعآ مع الأم والأخ والمستعمر واللاقيم وهو المخلص صاحب القيم غير القادر على الفعل , على عكس أخيه سرحان المعاصر والمتخلى عن القيم والأهل والذى يحاول أن ينشر قيمآ جديدة فى المجتمع ولاننسى علاقة عبدالقادر مع بهجت (الزوج والصهر) مع (الأخ) أيضآ ( سونيا والبورى ) والتوافق (عبدالقادر وبهجت ) وصراع المصالح ,, وشامل وصراعة مع المستعمر ..

دون أن ننسى علاقة الأرجوزاتى بالصبية والشاب , هذه الصراعات التى تنتج عن مجموع العلائق , فما الذى تحصده هذه الشخصيات من صراعاتها ؟ خاصة أن بعضها قد استمع بحياته وآخرين خانتهم الظروف , وبعضهم دب الفساد فى داخله ومن ثمة هل قاومت هذه الشخوص ظروف حياتها الصعبة أم أنها كانت سريعة الاستسلام ؟

إن نهايات عدد كبير منها كانت وخيمة ؟ إلا الجده (الرمز) والفيد والشهيد أما من سار مع التيار فإنه سرعان ماذهب مع الزبد , وهاهنا الكاتب يطرح رأيه النقدى المتعلق بالقيمة ومالذى سيبقى وماالذى سيزول ؟ ويصل بعض شخوصه إلى أن لاأحد يملك الحقيقة ولابد من الخيال لمواجهة ظروف الحياة وإهادة قراءة الماضى والتنبؤ بالمستقبل ..

إن طبيعة قد فرضت على كل شخص من الشخصيات جملة من الأدوات والمهمات , فسناء هى المرأة الشامية التى لم تستطيع أن تحب زوجها وهى الزوجة المنحلة التى تمارس الجنس معزوجها كرها وهى جدة الحفيد الهاربة مع حبيبها , وإضافة لكونها الأم الرؤوم التى تعيش صراعات مختلفة وهكذا كما قلنا من قبل إن كل شخصية تقوم بمهام مختلفة , تبدو كل شخصية ذات ضرورة بالنسبة لبناء الحكاية وإن كان المرتكز الرئيسى للحكاية هى الجدة سناء التى تدور فى فلكها معظم الشخيات وهى التى تمثل الانقياد والتحرر , والحب والانسجام مع الاجتماعى , بيروت ودمشق , الوطنى والذاتى , إنها الأرض التى أنجبت كل تلك الثمرات الصالح منها والطالح , إنها البؤرة الرئيسية , فهى عند بعضهم رمز الصبر والقيم وعند آخرين رمز الحب , وعند بعضهم رمز العهر , هى جامعة المتناقضات , حتى أن عددا من العلاقات تنتهى بأختفائها عن ساحة الأحداث , وشمل الأسرة ينفرط , فهى التعويذة التى كانت تحمى الجميع ..

وتطرح شخيات المسرحية عددا من المواقف والرؤى التى تنافح عنها , ولعل مايميز هذه المسرحية أن المؤلف طرح وجهات نظر شخوصه كما هى مقتنعة بما تراه أى لم يلبسها ما يريد هو ولم يجبرها على ماتكره , بل ترك لها حرية التعبير عن ذاتها .

إن آلية علاقة الكاتب مكع شخوصه ولنقل حواره وديمقراطيته أتاحت للمنلقى أن يتعامل مع نص غنى وأن يتحاور ويستمع إلى عدد من المواقف المختلفة , وهذا قد لانجده فى نصوص كثيرة وكأن تامؤلف يطبق المقولة التى ترى فى المسرح مجالا للحوار والنقاش .

أمام ما سبق فأن تيار المتعصرنين المتدنين فى المسرحية قد تخلوا عن قيمهم ومبادئهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم لأنهم يريدون الوصول الى حياة يطمحون إليها ويرغبون بخصوص غمارها وهذا تطلب من كثيرين التخلى عما حولهم وبدأ الأمر عند كثيرين بترك الأسرة والبحث عن فرصة لهجر الماضى والتخلى عنه , فهو لم يقدم لهم ماحملوا به , لقد ترك الابنان عدنان وسلمى عائلتهما فى أول فرصة إلى ساحات الفساد . إن هذهين الشخصين ومن لف لفهما يمشيان نحو اهدافهما التى رسمها ولا يهمهما أن تزوجا عن حب أو عملا بتجارة الحشيش والعهر ….. وما إن ديركا أن ما هما مقبلان عليه يحتاج للتخلص من الأخر حتى يكون التخلى عن كل شئ شعارهما فلا إشكال لديهما فى القيام بأى عمل , أو أن يتعاونا مع أى كان (المنتدب الفرنسى أو الشرطة ..)

أما التجار فى هذه المسرحية وهم الذين يفهمون العالم على أنه بيع وشراء فإن علاقاتهم تبدأ بالمنمافع وتنتهى بنهايتها , ولا أدلّ على ذلك من علاقة بهجت بعبد القادر ولعلّ تخليهما عن الأخت والزوجة (سناء) التى تخصهما معآ أكبر دليل على نظرتهكا التجارية للعالم , بل إنهما يقومان بنسيانها تماما .. أما الجدة وحبيب فإنهما يسعيان لحب خالص وينتظران عمرا طويلا كى يتحقق … والشخوص بعامة تكابد وتكابد وترمز إل الثورة والمهادنة والاسترزاق , والقيم واللاقيم بالرغم من أن كلآ منعم يعيش حياته الخاصة التى رسمتها له الظروف إلا أنه سرعان ما يحاول أن يتخلّى عنها ويرسم مستقبله هو بيده وإرادته , وألاّ يبقى أسيرآ للاجتماعى , وقد تتيح الحياة لبعضهم تحقيق ذلك . وقد لاتتجه  لآخرين .

الشخوص فى المسرحية هذه , يعتمد على تكوينهم وعلاقاتهم التطور الأفقى للمسرحية إضافة إلى مجحمعة ةمن الصراعات التى تخلق أجواء درامية تخفف من سردية هذه المسرحية التى تبحر فى تخوم التاريخ مثلما تضع قدميها على كتف المستقبل .

يلجأ ونوس فى (الأيام المخمورة ) إلى عدد من تقنياته المعروفة (التغريب, مسرح داخل المسرح ) ويحاول أن يستفيد من هذه التقنية خير استفادة من خلال توظيف ما فى داخل المسرح لينسجم مع خط الحكاية , بل يجعله موضحا لكثرة من الأحداث ومعبرآ مباشرآ عن التيارات الفكرية الموجدة فى حكاية المسرحية . فالأراجوز يرتبط بعدد من الذكريات فى وجدان المتلقى لكنه يقدم هاهنا بمدلول جديد وحكايات جديدة لم يكن يتحدث عنها من قبل , إنه اليوم يحكى عن العهر الذى يسيطر على أنسجة المجتمع , ويجعل مشهد الأراجوز إنارة لكثير مما خفى فى أثناء المسرحية , ويختم المسرحية بها أيضا.

أما المان فكان ذا حضور مباشر ورمزى حيث تعددت الأمكنة وتنوعت لتؤدى المراد منها , ومثلما هى فى بعض تجلياتها ليست أكثر من وعاء إلا أنها كما الشأن فى ساحة الأراجوز تشكل فضاء مفتوحآ ورمزا للاتصال بالآخر كما هو لدينا فى الميناء .

أما الحفيد فهو الراوى للمستقبل والذى يعرف خفايا الماضى ويحاول نبش ما خفى ويتحاور مع الجميع , وأشبه بالراوى , وهو مفيد لربط أجزاء المسرحية إذ سخره ونوس ليهبر من خلاله عن عدد من الأفكار بطرقة لاتخلو من مباشرة , ولاننسى تداخل الحكايات فى المسرحية حكاية الحاضر , وحكاية الماضى , وعلاقتهما ببعضهما إضافة إللا إدخال المرموزات , وهذه الحكايات رغم تععدها إلا أنها تبدو كأنها روايات مختلفة لحكاية واحدة , حكاية الرجل والمرأة ومايدور بينهما وما يحدث من أحداث اجتماعية وتغييرات فكرية فى بنية المجتمع وتحول آليته وفكره من القيمة إلى الانتهازية النفعية .

والعجائبية تحضر فى هذه المسرحية عبر هذه العلاقة بين المرأة وسناء تسمح له هذه التقنية بقول الكثير مما يريد , إضافة إلى دورها فى إغناء الحكاية , ومنحها الملتقّى عددآ من التساؤلات ؟ فالمرأة موجودة وغير موجودة , ولا أحد يعرف أبعاد غيابها أو وجودها؟

يستفيد ونوس فى هذه المسرحية من السعبى والصوفى والأسطورى مما يعطى لمسرحيته تلك أبعادآ ملحمية , إذ نلحظ أن هذه العناصر تدخل فى أثناء الحكاية دون تصريح بها (علاقة المرأة بالرجل والحب والهيام والوصول إلى أجواء الصوفية وكيفية الدخول فى الماضى لتغييره وتخيله أنه يعيش معهما منذ الأزل) وكأن تلك حقيقة واقعة , وكل ذلك عبر مقدرة هائلة على تقديم الأحداث وهى طازجة حارة متوترة الإيقاع , ذات تشويق مقبول .

أما الإبعاد الزمانى المحدد فهو أواخر الحرب العالمية الثانية قبل أن يرحل المستعمر الفرنسى من بلادنا وعبر ربطه بشخص ما . والسؤال : لماذا اختار ونوس تلك المرحلة بالذات وأعاد بداية العهر والفساد إليها ؟ هل أراد أن يعطى هذا الفساد أبعاد تاريخية ؟ ولماذا الربط مع قصف المجلس النيابى ؟

الترميز أيضا يحضر فى هذه المسرحية وإن بدا أحيانآ يقدم بكثير من المباشرة , لكنه قدم فى مواضع أخرى بطرق فنية مقبولة منحته مزيدآ  من الخصب وتعدد الدلالة واحتماليتها (المكان والزمان والطربوش والقبعة والأراجوز والصبية وبناء الجسور وهدمها )

أما الزمان فى هذه المسرحية فله حضور خاص فهو يمثل صراع الآن والمستقبل والماضى والقديم والجديد والتحول من الصراع إلى التكامل , والحاضر يقدم إلينا وقد تفسخت قيمه ومبادئه وحلّت ظروف جديدة …. ومحاولات بعض الشخوص لتغيير الماض دفعنا إلى التساؤل : أهو عدم القدرة على رسم المستقبل ؟ أم لأن الماضى يتغلغل فى حياة الحاضر , فإن الشخوص لا يمكن ان ينسوا ماضيهم الذى يسيّر كثيرا من خطى حاضرهم .

ويبدو مرور الزمان مجديا مع بعض الأحداث من أجل النسيان ومحزنا مع آخرين لم يستطيعوا تجاوز ماضيهم وقد طرحت علينا مركزية عنصر الزمان فى هذه المسرحية جملة من الاستفسازات : هل تتكامل الأزمنة ؟ هل ننسى أم نتعلم ؟ هل يمكن أن نتخلى عن الماضى , وهل نستطيع التعرف إلى المستقبل عبر قراءة ذلك الماضى ؟

أخيرآ إنّ مسرحية الأيام المخمورة خطوة متقدمة فى عالم ونوس المسرحى فكرا وفنا وموضوعا بما طرحته من أفكار وتقنيات وماستثيره من جدل نظرا لما فيها من طروحات عديدة تتعلق بماضينا وحاضرنا وآفاق مستقبلنا إضافة إلى أنها قدمت قراءة برؤية مالواقع نعيشة ونحياه) وبحثت فى أسباب ذلك وعوامله .