سوف أروي لكم شيئاً من سيرة عمدتنا القديم يوسف وعلاقته بالناس الشراودة والناس الدكارنة الناس الشراودة كما تعرفون غير الناس الدكارنة ، الشراودة أصلهم من نسل عبيد مجاليب وليست لهم في ناحيتنا جذور ضاربة في بطن الأرض شأن أولاد الأصول وفيهم رغم زيادة مالهم والأرض المملوكة لهم صفات العبيد القدامي مخلوطة بعادات الأسياد المحدثين داخل نفوسهم وساوس من كل الناس وفي معاملاته بقايا خسة تتخفي بأغلفة مكشوفة من المرأة في ساعة المنح الشحيح .
ولأنهم كانوا في الأصل سماسرة صغاراً أو وسطاء يختار الواحد منهم أن يخطف ويجري بدلاً من أن يبادل ، وصحيح أن كل ما يتبادله ويشيعه الناس عنهم ليس قاعدة مؤكدة عن كل الصنف ، لكن متي أخطأ الناس في أحكامهم بشكل إجمالي عن صفات الناس ؟!
قال واحد من وجهاء الناحية إنهم أولاد خادمات غسالات ومرضعات أو خبازات في السرايات الكبيرة ملك الأسياد الكبار في الزمن القديم ، ويضيف أن تبدل أحوالهم يرجع لأيام المماليك الذين استخدموهم علي ناس البر جواسيس وأعواناً دسوهم في العب الجواني وطاولوهم بالسلاح فزرعوا الرعب في القلوب ، وما ترددوا في القتل أو قطع الطريق علي البسطاء والمساكين جلبوا السم من البلاد البعيدة ودسوه للأعداء ممن حاولوا أن يعرفوا شيئاً عن أصولهم أو أسرارهم .
لكن زواج يوسف من أصيلة ، بنت الشراودة فتح أبواب الكفر ودروبه لدخول الشراودة فتح أبواب الكفر ودروبه لدخول الشراودة ، وقال الناس للناس إن الملعوب انكشف وأن يوسف الذي حسب أنه ركبهم ليصل إلي عمادة الكفر كانواهماً لأنهم ركبوه وداسوا بنعالهم دروب كفرنا الغلبان ناسه والمعزول وسط زراعات جنب زراعات وزراعات في قلب دلتا نهر قديم ، قديم أوشكت الدنيا أن تنساه .
لو كان زواج مصلحة لأغتفره الناس لأنه يخص الطرفين دون أن ينالهم منه خير أو شر ، لكن الأمر تجاوز يوسف وأهل يوسف من الناس الشلبي لبقي ناس الكفر كان الشراودة لا يكفرون عن ترويج الأكاذيب حول علاقات الدم التي تربطهم بكافة الكافة من ناس الكفر ، يقولون للواحد المعروف أصله وفصله وسلساله لسابع جد :
– إحناقرايب بس أنت ما تأخذش بالك والناس في كفرنا تخجل من التكذيب المتواصل للكذب المكرور ، كأنهم حسب دعاويهم كانوا أصحاب زمام الكفر وأصلناسه بالغصب وبقوة السلاح .
لكن المسائل زادت عن حدها المحسوب حتي ولو بإضافة بعض التجاوزات لم يعد الموضوع مجرد بنت اسمها أصيلة تزوجها نفر اسمه يوسف ، ولا صار حكاية مواسم ومناسبات وأصول يؤديها أهل البنت لمن سترها وداري لحمها وأخذ من أهلها أربعة وعشرين ضلعاً كما كان يحلو لهم أن يتشدقوا متبالهين ، لكن إذا كان من يتكلم في كفرنا مجنوناً فلابد أن يكون للمستمع إليه عقل يزن به الكلام .
سوف أعبر تلك المرحلة المكشوفة والتي بدا للبعض فيها أن الشراودة ركبوا يوسف وركبوا دروب الكفر أيضاً بينما أكد البعض أن يوسف هو الذي ركبهم وتدلت من علي ظهورهم ساقاه ، وأنا من ناحيتي ملت لهذا الرأي وتأكد بعد نظري في الموضوع ماذا كان يوسف يملك ليعطيه مقابل حمايته وكثرة زيارته ودعمه بكل شئ ؟ كل شئ حتي يأتي اليوم غيره المحسوب حسابه ويتمكن الشراودة من تنصيبه عمدة لكفرنا الموعود بكل الوعود ؟
بحساباتي أنا أن يوسف الشراودة وجهان لعملة واحدة ، يوسف ابن غسالة وعجانة وطباخة وخبازة وكان من الممكن أن تكون مرضعة لأي عبد من عبيد قلاوون لكن لم يسعدها الحظ نم أن يوسف ابن رجل نطع تعلم علي كبر سنة الزيانة في رءوس يتامي الكفر بالمعني الحرفي للكلام ، فبماذا كان يمكن أن يحلم ؟ ! وإذا كان الشراودة كما اتفقنا غرباء عن الناحية أو علي الأقل زرع علي سطح الأرض معدوم الجذور وفي أحسن الاحوال هزيلها فإن يوسف نفسه والناس الشلبي كلهم بشهادة كل من رأي وشهد من نسل مجاليب لا يعرف أي واحد منهم أي واحد جده الخامس في أحسن الحالات .
لو أنفقنا علي البدايات فلن نختلف كثيراً في النهايات ، يوسف ركب أصيلة والناس الشراودة ، امتلك ما لم يكن هو وكل ناسه يحلم مجرد حلم باتلاكه بقوة سلاحهم وسوء سمعتهم في الكفر والناحية وانتهي شوط من مشواره أو مشوارهم بإزاحة الناس العوف من السكة وتنصيب يوسفعمدة علي كفرنا .
كنت أسترجع صورة خليفة لواحدة من الطرق الصوفية وقد أركبوه حصاناً وساندوه وسندوه من كل الجهات والرجل يتهزهز وكأنه نصف ميت نصف حي أو مسطول إلي حد العجز عن الإدراك لكنه مدعوم ومسنود ومقصود أن يكمل المشوار مشوار الزفة في مولد البدوي .
علي هذا النحو كنت أري يوسف بعيون الناس ، لكنني بيني وبينه وبيني وبين نفسي كنت أراه علي نحو مغاير ، بيني وبينه رجل غلبان لو أنني استعرت تعبير أبي الذي كان يطلقه علي كل الناس ، الخصوم والسفلة والقتلة والأوغاد قبل الضحايا والأبرياء والمغدورين كانت حسابات أبي توشك أن يتساوي فيها الظالمون والمظلومون القاتلون والقتلة ، الحاكمون والمحكومون ، ولابد أن هذه الحسبة كانت ترضي يوسف وترضيني في بعض الحالات كان يبدو لي في بعض الحالات وأنا مسطول مع يوسف أن المسألة معجنة انخلط عكننته وإثارة غضبه وتزويد الهموم علي قلبه لكنه تجاسر وطلقها أول طلقة وكأن جرحه بعد العزل أنساه الحذر .
كانت أيامه تمضي متثاقلة وتوشك أن تصيب حركة أيامي بالعطب ، كان الحال باقياً علي ما هو عليه الصول عرفان لابد مثل نمر شرس أو ثعلب مكار في النقطة الثابتة ، لكن بعض الأشقياء من الناس الشراودة ظلوا يتوافدون ويتباطئون عند مدخل الكفر أو في بعض دروبه كأنهم خيالات هدفها التخويف أو بث الرعب في قلب يوسف ورجال الحكومة يتسكعون في بيوت الناس يطلبون أكواب الشاي بألسنتهم وأحياناً يتجاسر الواحد منهم ويطلب لنفسه لقمة يسد بها جوعه لأنه جاع ، لكن الحقيقة أن ناس كفرنا عملوا ما كان يليق بهم وأدوا واجب الضيافة وأكثر للعساكر والصول والمخبرين رغم أنها كانت ضيافة إجبارية ، لكن الناس قال بعضها لبعض أن وجود رجال الحكومة في الكفر يفرض الأمن ويحمي الأرواح صحيح أن بعض الجرائم كانت ترتكب في وجودهم لكنها بالقطع كانت أقل من أيام عمادة يوسف والقتل المتبادل بشكل علني وفي وضح النهار .
المهم أن رجال الحكومة حصلوا علي مقابل وجودهم من بيوت الناس وخير بيوت الناس ، بل إنهم كانوا يتمادون في الأخذ أحياناً وهم راجعون لبيوتهم وأهاليهم في إجازات قصيرة رتبوها مع الصول عرفان بشكل دوري كل رجلين أو ثلاثة في يوم وكل واحد منهم يحمل سلة مملوءة بالزبد والجبن والفطائر والأرز المدسوس والطيور المذبوحة والمحمرة علي سطح الطاجن أو البرام عسل نحل وكيزان أذرة مشوية وفريك قمح وبلح حياني وبصل وثوم وكل واحد منهم وما يطلبه باللسان أو يتصور الناس أنه سوف يرضيه .
لكن أسم الدكارنة كان يتردد علي لسان يوسف والناس الشلبي بكثرة يمتدحونهم ويصورونهم علي هيئة فرسان قادرة علي إنصاف المظلوم الذي هو يوسف من خلال علاقاتهم بالحكام الكبار وأعضاء البرلمان ومعرفتهم الأكثر قرباً بلواءات الداخلية ووزيرها الذي يعرف كل خطايا الشراود تحول اسم الدكارنة إلي فزاعة لها صوت لكنها لا تصيب والإشاعات تتوالد وتتكاثر وكأنها بطون أرانب ساكنة في حجر مفتوح من عدة جهات قالوا إن الشراودة شغالون في الأصل عند الدكارنة ولحسابهم وقالوا أبدا لأن الدكارنة صنف طاهر أصيل ونبيل ومستحيل يتعاون مع طقاع طرق .
وقال ناس إن الدكارنة أولاد ناس لكن علي حساب ناس ولا يستبعد أن يكون تدخلهم لصالح يوسف إذا حصل بمقابل حددوه لكن يوسف عاجز عن سداده وقالوا أنهم ما طلبوا مالاً ولا هدايا لأنهم ناس مستوردة وشبعانة وكل ما جعلهم يتراجعون عن إعادة يوسف لعمادة الكفر هو أنهم اكتشفوا أنه يلعب علي الحبلين حبلهم وحبل الشراودة أيضاً الذي يبعث مراسيله إليهم ويعدهم بإعادة أصيلة لداره إذا نجحوا في إعادته كما سبق ونجحوا في تعيينه وقالوا أيضاً إن الباشا المأمور حلف بشرفه أن يوسف لن يرجع حتي إذا شاف حلمة أذنه اليمني في الصحو أو في المنام وأنه لو رجع بأمر ملكي فسوف يقدم استقالته من الداخلية وقالوا أن أمر رجوعه اكتب فعلاً وباق علي توقيع مدير المديرية أو أنه وقع عليه وناقص ختم جلالة الملك وثمنه ليس باليسير وكلام كثير قالوه ورددوه وكأن يوسف إذا رجع فسوف يطلع الإنجليز من بر مصر .
حكايات أغلبها أكاذيب يؤلفها حشاش محترف مقابل تعميرة من صنف مضمون من كثرة ترديد الإشاعات وصل الأمر بالناس إلي حد الضحك عندما يفاتح الواحد منهم صاحبه أو قريبه في آخر أخبار يوسف ، صار الأمر مسخرة وكان من الممكن أن يخترع أي واحد في أي وقت أي كلام عن يوسف فيضحك الناس ، حتي حسنين المدندش الذي كان يطيب له أن يسرح بالطبلة ومن خلفه عشرات العيال يفتي لهم ويرددون وراءه :
– يابو زعيزع قوم صلي ..خللي مراتك تقللي .
هل تحول يوسف إلي مسخة بدلاً من أن يتحول إلي بطل له سيرة واسم مثل عنترة وابي زيد الهلالي سلامة أو أدهم الشرقاوي أو حتي حسن المغنواتي عاشق نعيمة ؟ وهل كان من الممكن أن تصنع منه الأخبار الكاذبة المتتابعة شخصاً له قيمة ودور في زمن انكمش فيه الرجال الكبار علي ذواتهم لأن العصر لم يكن يخصهم أو يشغلهم ؟! وقد ارتفع نجم يوسف ابن حلال الحمير بمعاونة ناس من العب الجواني وانعزل أيضاً كما يؤكد الكل بواسطتهم تصفية لحساب أصيلة …
لكن ناس كفرنا لايتركونا الأشياء تمر عليهم مرور الكرام دون أن يفسروها ويقلبوها في عقولهم وعلي ألسنتهم كما يقلبون أثواب القماش ويتحسسونها علي مهل قبل الشراء أو حتي في حالة الفرجة المجاني دون نية الشراء قال الناس للناس : نفرض أن يوسف ليست له علاقة بالناس الدكارنة .. نفرض ..فهل كان من الممكن أن يعلن أنه احتمي بهم وأخذ منهم وعوداً ليعيش في ظل اسمهم دون رضاهم ؟ ومن يكون يوسف والناس الدكارنة مشهود لهم بشهادة كل الناس في الناحية وخارج الناحية بأن جذورهم ضاربة في الأرض من قديم الزمان شأنهم شأن الناس العوف ، وإن زادوا عنهم بأنهم أصحاب نفوذ ومعال ورتب رسمية وابعاديات وكراس دائمة في كل برلمان ، ناس أصحاب سرايات فيها خدم وحراس بسلاح له تراخيص ناس من ذلك النوع الذي تسمع عنه أكثر مما تراه فمن في كفرنا كله شاف الباشا صفوت الدكروني الكبير ؟ ومن منا دخل سراية ابنه حشمت بك الدكروني ؟ صحيح أن بعضنا شاف الباشا إسماعيل وأولاد إبراهيم وغالي وصفوت وسمير ، لكنها كانت أيام انتخابات وأيام الانتخابات كفيلة بإنزال الشمس والقمر من مداريهما ليكسبوا الأصوات ، لا كانت لهم أملاك في كفرنا ولا كان من بلدنا خولي أو حارس يشتغل في سراية من سراياتهم وطبعاً لم نسمع عن بنت بارت من بنات الدكارنة حتي يظن البعض أن في الأمر زواج مصلحة بين البنت ويوسف الموعود بقحف النخل الممسوح صدره والذي خلص منه في ساعة جسارة نادراً ما تواتيه .
قال بعض الناس وهم يتضاحكون أن المسألة فيها سحر أو عمل مكتوب وقال البعض الآخر أن المسأل وراءه سر وسوف يتكشفونه وإن طال المدي .
كانت أول مرة أعرف أو أسمع أن ليوسف علاقة بالدكارنة هو ذلك المساء الذي زارني فيه وجعل يتحدث ساخطاً علي أصيلة وأهلها وهو ما كنت قد أعتدته منه في السابق لأن أسم أصيلة علي لسان يوسف إما مدعاة للسخط إلي أبعد حد أو سيرة للانبساط الزائد عن كل حد ، ولا وسط عنده إذا انفتحت سيرتها كانت أصيلة في ذلك الوقت ما زالت غضبانة غضبتها الأخيرة قبل الطلاق وكان هو يقسم بأغلظ الأيمان علي عادته أنه لن يذهب إليها أبداً ليصالحها حتي لو أنهدت الدنيا :
– أبدا … مش ح أصحالها ولا ح أعبرهم في الجزمة القديمة يعملوا بقي الذي يقدرون عليه ، بس المرة دي مش ح يقدروا وبكره تشوف ..أصل الدكارنة مش شوية في الناحية ، دول لو حد منهم جه ناحيتي يقطعوهم حتت ويرموهم للكلاب اللي بتحرس السرايات .
كدت أسأله عن علاقته بالدكارنة وكيف يمكن أن يتعرضوا للشراودة أهل أصيلة من أجله ، وهو الذي لم يدخل معهم في علاقة من أي نوع حسب معرفتي لكنني أنكسفت من السؤال الذي كان من الممكن أن يشعره بالحرج أو يوقف اندفاعه الزائد في التشكي من أصيلة وناس أصيل الذين اكتشف خستهم ووضاعة أغراضهم وهو الذي شالها علي كفوف الراحة كل هذه السنوات فاكتشف أنه شال حية بنت ثعبان شراقي قرصته والقبر :
– دي بنت ستين في سبعين .. أنا ما عدتش ح أقدر عليها دي عايزة تور مطلوق يا صاحبي دي ما بتشبعش ولا ببيان عليها وبتاخد ولا تديش .. هي دي عمرها كان عندها حاجة تديها ؟ دي قحف نخل مخوخ وريحة بقها قبر .. يندعقوا العيال ..
بعدها يستعيد سيرة الناس الدكارنة وكأن النار التي كانت تتأجج في داخله قد انطفأت أو هدأت لسعاتها إلي حين يتباهي بأصلهم العريق وكأنه كان مسئولاً عن كشف شعاع نازل من قرص الشمس علي مرمي البصر ، وهل كان الدكارنة في حاجة إلي شهادته ؟! كانت أزمته ظاهرة ولا تحتاج لتفسير ، الذي كان يحتاج لتفسير هو اكتشافه للناس الدكارنة الذي جاء متأخراً أكثر مما ينبغي والذي كان يحتاج لتفسير أكثر هو انقلابه علي الشراودة ، من الذوبان عشقاً بحسب إدعاءته في بعض الأحيان – لأصيلة وأهل أصيلة – إلي الصخب والغل ورمي كل المسئوليات عليهم في كل ما أصابه ناسياً أنه هو الذي فتح لهم بابه ودخل من أبوابهم باختياره وإرادته وفي السر وكأنه دخل الجنة وخاف علي نفسه من الحسد ، لابد أنه نسي مسئولياته عن أمن الكفر ، فلما وقع المحظور حسب نفسه من المدللين عند الحكومة ، قاعد علي حجرها الواسع ومحاط بصدرها الحنون لعله كان يثق في قدرة أهل أصيلة علي إعادته فلما خاب فيهم أمله بحث لنفسه عن أسياد غيرهم حتي ولو لم تكن بينه وبينهم صلة أو شبه مصلحة :
– طيب .. إيه اللي قوم كلابها علي ديابها اليومين دول بالذات ؟ أشمعني لما بقيت أنا عمدة ؟دانا ملحقتش أفرح يا راجل وأراهن أن ما كان الشراودة هما اللي نفخوا في النار المطفية من سنين وشعللوها تاني اللي كنت فاكرهم يردموا ورايا لقيتهم هما اللي بيحفرولي .
– وكان في تلك الأيام يشبه مفراك الخبيزة يلف حول نفسه وحول الناس مرات في اتجاه اليمين ومرات في اتجاه اليسار كان قد تحول إلي نحلة زنانة لا تفرز عسلاًُ لكنها جاهزة للقرص في مقتل ولابد أن كل واحد من خوفه علي روحه كان يجاريه في الكلام ويطاوعه في الرأي حتي لا يكتسب عداوته وهو في تلك الحال التي انعدم فيها توازنه وأوشك أن يفقد عقله .
ولعله عندما طلق أصيلة طلاقاً إدارياً في غيابها وغياب ناسها كان قد جهر نفسه للدخول في صراع معهم محمياً بوعد حصل عليه من الناس الدكارنة ، أو أنه كان بالفعل في حالة انعدام وزن أو انعدام توازن ، لكنه فعلها دون أن يعرف أي واحد في كفرنا أسباب هذه الجرأة المفاجئة التي جعلته يطلقها غيابياً علي هذا النحو الذي يسميه الناس في كفرنا طلاق القادرين فهل كان يوسف والناس الشلبي يقدرون بالفعل علي مواجهة الشراودة ، أم أنه استند إلي حماية حقيقية له ولناسه من شرور أعدائه الجدد الذين كانوا بالأمس أول الأعوان ؟
يوسف نفسه كان يقر ويعترف بفضل الشراودة عليه لكنه في ذات الوقت كان يكشف أسرارهم المخفية لعله ظن أن وجود الصول عرفان وعساكره ومخبريه ومرشديه في الكفر سوف يكون وسيلة لنقل أخبارهم للحكومة ، والحكومة تقدر عليهم وعلي أكبر منهم ، لعله كان يحاول أن يظهر نفسه في صورة الضحية فترضيعنه الحكومة وتعيده وتحميه ، كلها احتمالات قابلة للتصديق والتكذيب الدكارنة في ناحية والحكومة في ناحية وكلام الناس الذي لا يمنعه مانع والناس الشلبي تترابط وتتوحد ويدافع الواحد منهم عن الآخر ظالماً أو مظلوماً لعلها كلها كانت دروع حمايته ، لكنه كان يتجاوز حدوده في بعض الحالات ، يسعي في كلامه لكشف أسرارهم فيكتشف نفسه في ذات الوقت :
– كنت عارف أنهم بيغشوا الصنف ويخلطوه وساكت عليهم وكنت عارف أنهم بيعملوا عمايل ما يصحش تتقال بقي وكاتم في نفسي ، أقول أخوال عيالك برضه وربك حليم ستار .
أتذكر كل التعميرات الفسدانة التي كان ينقلها لي وتتسب في عكننتي وعكننته ، وأقول إنه ساهم في إفساد تفكيري في بعض الحالات وإنه توهني في متاهات وخيالات كذابة في بعضها الآخر وأقول إن أحسن شئ عملته الحكومة هو عزله ، لأنه ما دام يتواطأ ضد ناسه ويسكت عن كل هذه الأخطاء فإنه لا كان يصلح عمدة ولا شيخ بلد ولا حتي خفير ومن يدرينا إن كان يوسف عرف أو لم يعرف بالمصائب التي حلت بالناس وقيدتها الحكومة ضد مجهول ؟ وسألت نفسي كم مر غشني يوسف وجعلني أدفع ثمن الصداع الناتج عن الأصناف المضروبة بدل الزهزهة المطلوبة وحالة الانبساط ؟! ولأنه ليس بعد الكفر ذنب ، فقد انكشف أمره وأمرهم للناس وللحكومة ، ولأنه في هذا الزمان مثل كل الأزمنة لا يفل الحديد إلا الحديد ، فلابد أن نهاية يوسف سوف تأتي علي يد الحكومة تحبسه أو تصادر دواره أو تنصر عليه أعداءه لكنها كانت مجرد أمنيات رجل مغشوش علي امتداد سنوات العمر ، مغشوش في مزاجه ومغشوش في الحكم والأمثال التي حفظها وصدقها واكتشف أن نصفها علي الأقل مدسوس لابد أن يواسف كثاراً مثل يوسف الذي عرفته اندسوا وسط الناس علي امتداد الزمان البعيد البعيد ، اندسوا وضربوا الحكم والأمثال المضروبة فجرت علي ألسنة الناس شأنها شأن كل شئ فسدان ورانج ببركة غفلة الأفهام .
طيب نفكر في إدعاءات يوسف أن الدكارنة وعدوه بالجماية نفرض مجرد فرض أن هذا الكلام لم يحدث وأنهم لا قابلوه ولا فاتحوه ولا وعدوه ولا كان يهمهم في يوم أمره أليس من الممكن أن تخوف هذه الإشاعة قلوب أعدائه ؟ ومن في ناحيتنا الذي سوف يسعي لاكتشاف صدق مثل هذا الإدعاء من كذبه ؟ حتي لو اكتشف مكتشف كذب إدعائه ، فهل يجرؤ علي إشاعته ؟وإذا جرؤو وأشاعه وعرف الدكارنة أن واحداً اسمه يوسف ابن حلاق حمير شلبي أحتمي بهم كذباً ليخوف أعداءه ، فهل يغضبون والأمر من أوله لآخره إدعاء يطيل الرقاب ويضيف لهيبتهم هيبة جديدة ؟ ربما يتضاحكون زهواً وقد صاروا علي ألسنة ناس كفرنا مثل البعبع الذي يخوفون به العيال الشراودة ؟ وإذا كان الوعد صدقاً بعلم الدكارنة ، فما مصير من بحث ونقب وشك في إمكانية أن يستعين بهم يوسف وينصرونه ؟
قلت لنفسي : أسكت يا باحث فاشل في تاريخ بلدك القديم اسكت ولا تقترب من المناطق المزروعة بالألغام لأن ميزان الكفر المقلوب لن ينعدل علي يديك وحدك ، اترك يوسف صاحبك وقريبك من بعيد يطلع علي أكتافهم من الورطة التي انحط فيها أو اتركهم يطلعون درجة جديدة علي أكتافه وأكتاف ناس الكفر الكسلان عن السعي لمصحة ناسه رغم النكبات التي يلطم فيها الخدود علي رجاله وزهرة شبابه المغدورين في وضح النهار ، وهل يمكن لواحد مثلي أن ينسي ضرب البرادعي في وسط غيطه وعلي مشهد من عياله وأنفار جمع القطن الأبيض الذي ارتمي فوقه فتلون بالأحمر القاني ولا عاد ينفع فيه بيع أو شراء موت وخراب ديار في زمان يوسف .
هل يمكن أن أنسي شرب تلامذة المدرسة بالكرابيج في دوار يوسف لأنهم اعترضوا علي دخول أولاد عزت الشادر كفرنا المفتوح بنفس هذه الكرابيج فما كان منه إلا أن جمعهم في الدوار وأمر بضربهم لأنهم اعترضوا طريق أهل أصيلة الودعاء حاملي الكرابيج بحسن نية وتلامذة كفرنا أشرار ؟!
وهل أنسي أو ينسي ناس كفرنا تعرية الست هانم حرم حسن النعناعي أفندي علي باب دواره وأمام خفرائه وبواسطة النسوان الشلبي والشوكي وغبان المدافن ممن يمكن تأجير الواحد منهن بنصف فرنك ، يخرجنها بالحيلة من دارها وهي الست المحجوبة ، ثم يستدرجنها بالحيلة أيضاً حتي الجرن الكائن أمام دوار يوسف ثم يتسابقن علي إرقادها علي الأرض فجأة وبدون أنذار ويمزقن ثيابها مزقاً مزقاً حتي تتعري تماماً وتنكشف عوراتها علي الملأ ويوسف الذي ظهر بعد اكتمال الفعلة يراها ويتأملها بعينيه مدة قبل أن يخلع عباءته ويرميها في اتجاه المرأة العريانة المنهارة لتتغطي بها وهي في ربكة من أمرها : كيف تقدم أو تزحف لتأخذ العباة الملقاه علي مقربة منها وسط عيون الناس .. نوع من الإذلال لكل الصنف ومهما عمل النعناعية في خصومهم فهل تبرد لهم نار؟ ! ويوسف علي ألسنة الناس هو الذي سترها بعباءته وإن كانت قد تعرت أمام دواره وعيون حراسه وزمنه إذا شئنا أن نفسر الأشياء والأحداث بالعقل السليم بعيداً عن المجاملات .
كأن يوسف نسي ما جري في زمن عمادته القصير للناس في كفرنا القادر علي النسيان وليس النسيان نعمة في كل الحالات ، أحياناً يكون النسيان خيبة وعي أو خوفاً وجبناً أوقلة حيلة يقول لك النفر من الأنفار نسيت ، وأسأل نفسي كيف ينسي البني آدم ثأره أو دم أبيه أو أخيه وهو العارف ملامح القاتل وسكنه ، وكيف ينسي الإنسان أفعال عدوه في زمن العداوة ؟
حتي لو صالحه وقال له عفا الله عما سلف وهدأت النفوس فهل يجوز له أن ينسي ؟ العفو شئ ونسيان ما جري في الأزمنة القديمة شئ آخر الذاكرة لها دور وانسيان يفسدها يشوه صفات الناس ويتوه الحقائق حقائق الأعداء القدامي وقد لبسوا أثواب الصحاب ولا بأس من أن نبدأ دائماً في كفرنا صفحة جديدة كما يقول لكن دون نسيان ، هل يجوز لمن لدغته الحية وتداوي من سمها وعاش أن ينسي فتحة جحرها ويتمدد فوقه ؟ أنا نسيت نفسي معكم في الكلام لكنني لم أنس وجوه أعدائي .
” موسي نبي …عيسي نبي ..محمد نبي وكل من كان له نبي يصلي عليه ، قالها الحاوي أيام زمان وحفظناها عنه ، لكننا لم نكسب قدرته علي ملاعبة الثعابين أو السيطرة عليها وملاعبة الحيات والأفاعي والعقارب فن لا يقدر عليه غير الموعود ولابد أن ليوسف قدرة الحواة في ملاعبة الأسياد القادرين كان عندما انعزل يأتيني ويسر لي بما يعن له من أفكار ، وكيف أنه يلاعبهم جميعاً لينفذ هو أغراضه يهمس بأن عمدة من عمد البر كله لم تعزله الحكومة ثم تعيده إلا إذا كان مسنوداً وبعد فترة تنسي فيها الناس أسباب عزله وتبرد النيران ويضيف أن الدكارنة أكبر من أن يدخلوا في صراع مع الشراودة وكيف أنهم شاوروه في الأمر وأفادهم بأنه يعرف علو مقاماتهم وأنه لا يليق بالأسياد أن ينزلوا إلي أسفل من أجل مجموعة من قطاع الطرق الذين يستطيع أن يقطع دابرهم قطاع طرق آخرون من أمثالهم ، ولأن للناس الدكارنة أنصاراً في كل مكان فإنهم يستطيعون أن يفعلوا الأفاعيل في الشراودة دون أن يكلف الواحد منهم عناء الصحو من رقاده قبل الضحي العالي كما اعتاد أو حتي الصحو قبل الميعاد بساعة أو حتي . تأجيل عمل وليمة لمدير المديرية أو أحد الوزراء من أجل أمثال هؤلاء الناس طمأنني أو طمأن نفسه بأن كل تأخره فيها خير له ولناس الكفر ، لأنه يوم أن يرجع سوف يفتح عينيه وعقله وقلبه ويحتاط من غدر الغادرين وقد خلص منهم إذا شاء المولي جل في سماه ونصره علي الأعداء .
لكنه لا الدكارنة أولاد الناس وأصحاب السرايات والمقاعد الدامة في كل برلمان ، ولا الشراودة قطاع الطرق جلابو الصنف وغشاشوه كانت لهم في مسألة عمادة كفرنا دور ذلك أن المرسي شلبي طلع من وسط الناس الشلبي علي سلم العمادة وهو الرجل المعزول الذي كان في حاله ومع عياله وأرضه ، لا شارك في مشكلات ولا انطلقت عليه إشاعات صحيح أن المرسي كان من سلسال هارون وأنه كان مالكاً لحيازة تسمح له وأنه كان علي الأقل في الظاهر رجلاً معقولاً وعاقلاً ومشكلاته مع الناس بسيطة نزل المأمور بنفسه وتبعه الصول عرفان والعسكر وعدد من أفندية الإدارة ودخلوا دار المرسي شلبي ومعهم قرار تعيين موقع ومختوم بخاتم صاحب الجلالة الملك فاروق ، وركبوا وسط الزغاريد عدة التليفون وأعادوا للكفر سلاحليك خفرائه وصار المرسي شلبي بين يوم وليلة عمدة كفرنا لكن يوسف قال إن المسألة عمرها أيام أو أسابيع في أسوأ الأحوال لأن المرسي غلبان ولا يصلح لعمادة كفر ظالم وكافر مثل كفرنا الذي يحتاج لحكمه كف يد من حديد .
لكنها علي كل حال كانت علامة لناس كفرنا وإشارة من الحكومة بأن العمادة صارت من نصيب الناس الشلبي بغض النظر عن الأفراد وأن الناس العوف صاروا مثل البضاعة البائرة المركونة من سنوات علي رفوف الشيخ محمد البقال في البندر.
ولما فاتت أسابيع وشهور وصارت عمادة المرسي شلبي حقيقة في عقل يوسف الذي كان آخر من سلم أمره لله في كفرنا ، لف يوسف علي كعبه واستدار ليتحدث للناس عن شوقه للأولاد الذين أخذتهم أصيلة معها لدار أهلها .
ربما يكون قد راجع نفسه بينه وبين نفسه واكتشف أنه لا خلاص له من غير أصيلة والناس الشراودة كان يتحدث عن أشواقه للعيال وأمهم أصيلة وعن أحلام يراها فيها ويفسرها بأنها مقدمات رجوع ورد من يمين الطلاق الذي له رد والشرع يسمح :
– برضه كانت بنت ناس ووقفت معايا من أول المشوار .
رجعت أصيلة لدار يوسف التي لم تعد دواراً كما كانت لكن يوسف تعلم أن يمتدح كلاً من الدكارنة والشراودة بنفس الحماسة .. لكنه كان رجوعاً ساكتاً أشبه بفرخة فطسانة في يد من أراد أن يذبحها فلم يهنأ برفرفة ولا أنسمع لها صوت أو نزلت منها نقطة دم .
يوليو 16 2010
أيام الدكارنة
سوف أروي لكم شيئاً من سيرة عمدتنا القديم يوسف وعلاقته بالناس الشراودة والناس الدكارنة الناس الشراودة كما تعرفون غير الناس الدكارنة ، الشراودة أصلهم من نسل عبيد مجاليب وليست لهم في ناحيتنا جذور ضاربة في بطن الأرض شأن أولاد الأصول وفيهم رغم زيادة مالهم والأرض المملوكة لهم صفات العبيد القدامي مخلوطة بعادات الأسياد المحدثين داخل نفوسهم وساوس من كل الناس وفي معاملاته بقايا خسة تتخفي بأغلفة مكشوفة من المرأة في ساعة المنح الشحيح .
ولأنهم كانوا في الأصل سماسرة صغاراً أو وسطاء يختار الواحد منهم أن يخطف ويجري بدلاً من أن يبادل ، وصحيح أن كل ما يتبادله ويشيعه الناس عنهم ليس قاعدة مؤكدة عن كل الصنف ، لكن متي أخطأ الناس في أحكامهم بشكل إجمالي عن صفات الناس ؟!
قال واحد من وجهاء الناحية إنهم أولاد خادمات غسالات ومرضعات أو خبازات في السرايات الكبيرة ملك الأسياد الكبار في الزمن القديم ، ويضيف أن تبدل أحوالهم يرجع لأيام المماليك الذين استخدموهم علي ناس البر جواسيس وأعواناً دسوهم في العب الجواني وطاولوهم بالسلاح فزرعوا الرعب في القلوب ، وما ترددوا في القتل أو قطع الطريق علي البسطاء والمساكين جلبوا السم من البلاد البعيدة ودسوه للأعداء ممن حاولوا أن يعرفوا شيئاً عن أصولهم أو أسرارهم .
لكن زواج يوسف من أصيلة ، بنت الشراودة فتح أبواب الكفر ودروبه لدخول الشراودة فتح أبواب الكفر ودروبه لدخول الشراودة ، وقال الناس للناس إن الملعوب انكشف وأن يوسف الذي حسب أنه ركبهم ليصل إلي عمادة الكفر كانواهماً لأنهم ركبوه وداسوا بنعالهم دروب كفرنا الغلبان ناسه والمعزول وسط زراعات جنب زراعات وزراعات في قلب دلتا نهر قديم ، قديم أوشكت الدنيا أن تنساه .
لو كان زواج مصلحة لأغتفره الناس لأنه يخص الطرفين دون أن ينالهم منه خير أو شر ، لكن الأمر تجاوز يوسف وأهل يوسف من الناس الشلبي لبقي ناس الكفر كان الشراودة لا يكفرون عن ترويج الأكاذيب حول علاقات الدم التي تربطهم بكافة الكافة من ناس الكفر ، يقولون للواحد المعروف أصله وفصله وسلساله لسابع جد :
– إحناقرايب بس أنت ما تأخذش بالك والناس في كفرنا تخجل من التكذيب المتواصل للكذب المكرور ، كأنهم حسب دعاويهم كانوا أصحاب زمام الكفر وأصلناسه بالغصب وبقوة السلاح .
لكن المسائل زادت عن حدها المحسوب حتي ولو بإضافة بعض التجاوزات لم يعد الموضوع مجرد بنت اسمها أصيلة تزوجها نفر اسمه يوسف ، ولا صار حكاية مواسم ومناسبات وأصول يؤديها أهل البنت لمن سترها وداري لحمها وأخذ من أهلها أربعة وعشرين ضلعاً كما كان يحلو لهم أن يتشدقوا متبالهين ، لكن إذا كان من يتكلم في كفرنا مجنوناً فلابد أن يكون للمستمع إليه عقل يزن به الكلام .
سوف أعبر تلك المرحلة المكشوفة والتي بدا للبعض فيها أن الشراودة ركبوا يوسف وركبوا دروب الكفر أيضاً بينما أكد البعض أن يوسف هو الذي ركبهم وتدلت من علي ظهورهم ساقاه ، وأنا من ناحيتي ملت لهذا الرأي وتأكد بعد نظري في الموضوع ماذا كان يوسف يملك ليعطيه مقابل حمايته وكثرة زيارته ودعمه بكل شئ ؟ كل شئ حتي يأتي اليوم غيره المحسوب حسابه ويتمكن الشراودة من تنصيبه عمدة لكفرنا الموعود بكل الوعود ؟
بحساباتي أنا أن يوسف الشراودة وجهان لعملة واحدة ، يوسف ابن غسالة وعجانة وطباخة وخبازة وكان من الممكن أن تكون مرضعة لأي عبد من عبيد قلاوون لكن لم يسعدها الحظ نم أن يوسف ابن رجل نطع تعلم علي كبر سنة الزيانة في رءوس يتامي الكفر بالمعني الحرفي للكلام ، فبماذا كان يمكن أن يحلم ؟ ! وإذا كان الشراودة كما اتفقنا غرباء عن الناحية أو علي الأقل زرع علي سطح الأرض معدوم الجذور وفي أحسن الاحوال هزيلها فإن يوسف نفسه والناس الشلبي كلهم بشهادة كل من رأي وشهد من نسل مجاليب لا يعرف أي واحد منهم أي واحد جده الخامس في أحسن الحالات .
لو أنفقنا علي البدايات فلن نختلف كثيراً في النهايات ، يوسف ركب أصيلة والناس الشراودة ، امتلك ما لم يكن هو وكل ناسه يحلم مجرد حلم باتلاكه بقوة سلاحهم وسوء سمعتهم في الكفر والناحية وانتهي شوط من مشواره أو مشوارهم بإزاحة الناس العوف من السكة وتنصيب يوسفعمدة علي كفرنا .
كنت أسترجع صورة خليفة لواحدة من الطرق الصوفية وقد أركبوه حصاناً وساندوه وسندوه من كل الجهات والرجل يتهزهز وكأنه نصف ميت نصف حي أو مسطول إلي حد العجز عن الإدراك لكنه مدعوم ومسنود ومقصود أن يكمل المشوار مشوار الزفة في مولد البدوي .
علي هذا النحو كنت أري يوسف بعيون الناس ، لكنني بيني وبينه وبيني وبين نفسي كنت أراه علي نحو مغاير ، بيني وبينه رجل غلبان لو أنني استعرت تعبير أبي الذي كان يطلقه علي كل الناس ، الخصوم والسفلة والقتلة والأوغاد قبل الضحايا والأبرياء والمغدورين كانت حسابات أبي توشك أن يتساوي فيها الظالمون والمظلومون القاتلون والقتلة ، الحاكمون والمحكومون ، ولابد أن هذه الحسبة كانت ترضي يوسف وترضيني في بعض الحالات كان يبدو لي في بعض الحالات وأنا مسطول مع يوسف أن المسألة معجنة انخلط عكننته وإثارة غضبه وتزويد الهموم علي قلبه لكنه تجاسر وطلقها أول طلقة وكأن جرحه بعد العزل أنساه الحذر .
كانت أيامه تمضي متثاقلة وتوشك أن تصيب حركة أيامي بالعطب ، كان الحال باقياً علي ما هو عليه الصول عرفان لابد مثل نمر شرس أو ثعلب مكار في النقطة الثابتة ، لكن بعض الأشقياء من الناس الشراودة ظلوا يتوافدون ويتباطئون عند مدخل الكفر أو في بعض دروبه كأنهم خيالات هدفها التخويف أو بث الرعب في قلب يوسف ورجال الحكومة يتسكعون في بيوت الناس يطلبون أكواب الشاي بألسنتهم وأحياناً يتجاسر الواحد منهم ويطلب لنفسه لقمة يسد بها جوعه لأنه جاع ، لكن الحقيقة أن ناس كفرنا عملوا ما كان يليق بهم وأدوا واجب الضيافة وأكثر للعساكر والصول والمخبرين رغم أنها كانت ضيافة إجبارية ، لكن الناس قال بعضها لبعض أن وجود رجال الحكومة في الكفر يفرض الأمن ويحمي الأرواح صحيح أن بعض الجرائم كانت ترتكب في وجودهم لكنها بالقطع كانت أقل من أيام عمادة يوسف والقتل المتبادل بشكل علني وفي وضح النهار .
المهم أن رجال الحكومة حصلوا علي مقابل وجودهم من بيوت الناس وخير بيوت الناس ، بل إنهم كانوا يتمادون في الأخذ أحياناً وهم راجعون لبيوتهم وأهاليهم في إجازات قصيرة رتبوها مع الصول عرفان بشكل دوري كل رجلين أو ثلاثة في يوم وكل واحد منهم يحمل سلة مملوءة بالزبد والجبن والفطائر والأرز المدسوس والطيور المذبوحة والمحمرة علي سطح الطاجن أو البرام عسل نحل وكيزان أذرة مشوية وفريك قمح وبلح حياني وبصل وثوم وكل واحد منهم وما يطلبه باللسان أو يتصور الناس أنه سوف يرضيه .
لكن أسم الدكارنة كان يتردد علي لسان يوسف والناس الشلبي بكثرة يمتدحونهم ويصورونهم علي هيئة فرسان قادرة علي إنصاف المظلوم الذي هو يوسف من خلال علاقاتهم بالحكام الكبار وأعضاء البرلمان ومعرفتهم الأكثر قرباً بلواءات الداخلية ووزيرها الذي يعرف كل خطايا الشراود تحول اسم الدكارنة إلي فزاعة لها صوت لكنها لا تصيب والإشاعات تتوالد وتتكاثر وكأنها بطون أرانب ساكنة في حجر مفتوح من عدة جهات قالوا إن الشراودة شغالون في الأصل عند الدكارنة ولحسابهم وقالوا أبدا لأن الدكارنة صنف طاهر أصيل ونبيل ومستحيل يتعاون مع طقاع طرق .
وقال ناس إن الدكارنة أولاد ناس لكن علي حساب ناس ولا يستبعد أن يكون تدخلهم لصالح يوسف إذا حصل بمقابل حددوه لكن يوسف عاجز عن سداده وقالوا أنهم ما طلبوا مالاً ولا هدايا لأنهم ناس مستوردة وشبعانة وكل ما جعلهم يتراجعون عن إعادة يوسف لعمادة الكفر هو أنهم اكتشفوا أنه يلعب علي الحبلين حبلهم وحبل الشراودة أيضاً الذي يبعث مراسيله إليهم ويعدهم بإعادة أصيلة لداره إذا نجحوا في إعادته كما سبق ونجحوا في تعيينه وقالوا أيضاً إن الباشا المأمور حلف بشرفه أن يوسف لن يرجع حتي إذا شاف حلمة أذنه اليمني في الصحو أو في المنام وأنه لو رجع بأمر ملكي فسوف يقدم استقالته من الداخلية وقالوا أن أمر رجوعه اكتب فعلاً وباق علي توقيع مدير المديرية أو أنه وقع عليه وناقص ختم جلالة الملك وثمنه ليس باليسير وكلام كثير قالوه ورددوه وكأن يوسف إذا رجع فسوف يطلع الإنجليز من بر مصر .
حكايات أغلبها أكاذيب يؤلفها حشاش محترف مقابل تعميرة من صنف مضمون من كثرة ترديد الإشاعات وصل الأمر بالناس إلي حد الضحك عندما يفاتح الواحد منهم صاحبه أو قريبه في آخر أخبار يوسف ، صار الأمر مسخرة وكان من الممكن أن يخترع أي واحد في أي وقت أي كلام عن يوسف فيضحك الناس ، حتي حسنين المدندش الذي كان يطيب له أن يسرح بالطبلة ومن خلفه عشرات العيال يفتي لهم ويرددون وراءه :
– يابو زعيزع قوم صلي ..خللي مراتك تقللي .
هل تحول يوسف إلي مسخة بدلاً من أن يتحول إلي بطل له سيرة واسم مثل عنترة وابي زيد الهلالي سلامة أو أدهم الشرقاوي أو حتي حسن المغنواتي عاشق نعيمة ؟ وهل كان من الممكن أن تصنع منه الأخبار الكاذبة المتتابعة شخصاً له قيمة ودور في زمن انكمش فيه الرجال الكبار علي ذواتهم لأن العصر لم يكن يخصهم أو يشغلهم ؟! وقد ارتفع نجم يوسف ابن حلال الحمير بمعاونة ناس من العب الجواني وانعزل أيضاً كما يؤكد الكل بواسطتهم تصفية لحساب أصيلة …
لكن ناس كفرنا لايتركونا الأشياء تمر عليهم مرور الكرام دون أن يفسروها ويقلبوها في عقولهم وعلي ألسنتهم كما يقلبون أثواب القماش ويتحسسونها علي مهل قبل الشراء أو حتي في حالة الفرجة المجاني دون نية الشراء قال الناس للناس : نفرض أن يوسف ليست له علاقة بالناس الدكارنة .. نفرض ..فهل كان من الممكن أن يعلن أنه احتمي بهم وأخذ منهم وعوداً ليعيش في ظل اسمهم دون رضاهم ؟ ومن يكون يوسف والناس الدكارنة مشهود لهم بشهادة كل الناس في الناحية وخارج الناحية بأن جذورهم ضاربة في الأرض من قديم الزمان شأنهم شأن الناس العوف ، وإن زادوا عنهم بأنهم أصحاب نفوذ ومعال ورتب رسمية وابعاديات وكراس دائمة في كل برلمان ، ناس أصحاب سرايات فيها خدم وحراس بسلاح له تراخيص ناس من ذلك النوع الذي تسمع عنه أكثر مما تراه فمن في كفرنا كله شاف الباشا صفوت الدكروني الكبير ؟ ومن منا دخل سراية ابنه حشمت بك الدكروني ؟ صحيح أن بعضنا شاف الباشا إسماعيل وأولاد إبراهيم وغالي وصفوت وسمير ، لكنها كانت أيام انتخابات وأيام الانتخابات كفيلة بإنزال الشمس والقمر من مداريهما ليكسبوا الأصوات ، لا كانت لهم أملاك في كفرنا ولا كان من بلدنا خولي أو حارس يشتغل في سراية من سراياتهم وطبعاً لم نسمع عن بنت بارت من بنات الدكارنة حتي يظن البعض أن في الأمر زواج مصلحة بين البنت ويوسف الموعود بقحف النخل الممسوح صدره والذي خلص منه في ساعة جسارة نادراً ما تواتيه .
قال بعض الناس وهم يتضاحكون أن المسألة فيها سحر أو عمل مكتوب وقال البعض الآخر أن المسأل وراءه سر وسوف يتكشفونه وإن طال المدي .
كانت أول مرة أعرف أو أسمع أن ليوسف علاقة بالدكارنة هو ذلك المساء الذي زارني فيه وجعل يتحدث ساخطاً علي أصيلة وأهلها وهو ما كنت قد أعتدته منه في السابق لأن أسم أصيلة علي لسان يوسف إما مدعاة للسخط إلي أبعد حد أو سيرة للانبساط الزائد عن كل حد ، ولا وسط عنده إذا انفتحت سيرتها كانت أصيلة في ذلك الوقت ما زالت غضبانة غضبتها الأخيرة قبل الطلاق وكان هو يقسم بأغلظ الأيمان علي عادته أنه لن يذهب إليها أبداً ليصالحها حتي لو أنهدت الدنيا :
– أبدا … مش ح أصحالها ولا ح أعبرهم في الجزمة القديمة يعملوا بقي الذي يقدرون عليه ، بس المرة دي مش ح يقدروا وبكره تشوف ..أصل الدكارنة مش شوية في الناحية ، دول لو حد منهم جه ناحيتي يقطعوهم حتت ويرموهم للكلاب اللي بتحرس السرايات .
كدت أسأله عن علاقته بالدكارنة وكيف يمكن أن يتعرضوا للشراودة أهل أصيلة من أجله ، وهو الذي لم يدخل معهم في علاقة من أي نوع حسب معرفتي لكنني أنكسفت من السؤال الذي كان من الممكن أن يشعره بالحرج أو يوقف اندفاعه الزائد في التشكي من أصيلة وناس أصيل الذين اكتشف خستهم ووضاعة أغراضهم وهو الذي شالها علي كفوف الراحة كل هذه السنوات فاكتشف أنه شال حية بنت ثعبان شراقي قرصته والقبر :
– دي بنت ستين في سبعين .. أنا ما عدتش ح أقدر عليها دي عايزة تور مطلوق يا صاحبي دي ما بتشبعش ولا ببيان عليها وبتاخد ولا تديش .. هي دي عمرها كان عندها حاجة تديها ؟ دي قحف نخل مخوخ وريحة بقها قبر .. يندعقوا العيال ..
بعدها يستعيد سيرة الناس الدكارنة وكأن النار التي كانت تتأجج في داخله قد انطفأت أو هدأت لسعاتها إلي حين يتباهي بأصلهم العريق وكأنه كان مسئولاً عن كشف شعاع نازل من قرص الشمس علي مرمي البصر ، وهل كان الدكارنة في حاجة إلي شهادته ؟! كانت أزمته ظاهرة ولا تحتاج لتفسير ، الذي كان يحتاج لتفسير هو اكتشافه للناس الدكارنة الذي جاء متأخراً أكثر مما ينبغي والذي كان يحتاج لتفسير أكثر هو انقلابه علي الشراودة ، من الذوبان عشقاً بحسب إدعاءته في بعض الأحيان – لأصيلة وأهل أصيلة – إلي الصخب والغل ورمي كل المسئوليات عليهم في كل ما أصابه ناسياً أنه هو الذي فتح لهم بابه ودخل من أبوابهم باختياره وإرادته وفي السر وكأنه دخل الجنة وخاف علي نفسه من الحسد ، لابد أنه نسي مسئولياته عن أمن الكفر ، فلما وقع المحظور حسب نفسه من المدللين عند الحكومة ، قاعد علي حجرها الواسع ومحاط بصدرها الحنون لعله كان يثق في قدرة أهل أصيلة علي إعادته فلما خاب فيهم أمله بحث لنفسه عن أسياد غيرهم حتي ولو لم تكن بينه وبينهم صلة أو شبه مصلحة :
– طيب .. إيه اللي قوم كلابها علي ديابها اليومين دول بالذات ؟ أشمعني لما بقيت أنا عمدة ؟دانا ملحقتش أفرح يا راجل وأراهن أن ما كان الشراودة هما اللي نفخوا في النار المطفية من سنين وشعللوها تاني اللي كنت فاكرهم يردموا ورايا لقيتهم هما اللي بيحفرولي .
– وكان في تلك الأيام يشبه مفراك الخبيزة يلف حول نفسه وحول الناس مرات في اتجاه اليمين ومرات في اتجاه اليسار كان قد تحول إلي نحلة زنانة لا تفرز عسلاًُ لكنها جاهزة للقرص في مقتل ولابد أن كل واحد من خوفه علي روحه كان يجاريه في الكلام ويطاوعه في الرأي حتي لا يكتسب عداوته وهو في تلك الحال التي انعدم فيها توازنه وأوشك أن يفقد عقله .
ولعله عندما طلق أصيلة طلاقاً إدارياً في غيابها وغياب ناسها كان قد جهر نفسه للدخول في صراع معهم محمياً بوعد حصل عليه من الناس الدكارنة ، أو أنه كان بالفعل في حالة انعدام وزن أو انعدام توازن ، لكنه فعلها دون أن يعرف أي واحد في كفرنا أسباب هذه الجرأة المفاجئة التي جعلته يطلقها غيابياً علي هذا النحو الذي يسميه الناس في كفرنا طلاق القادرين فهل كان يوسف والناس الشلبي يقدرون بالفعل علي مواجهة الشراودة ، أم أنه استند إلي حماية حقيقية له ولناسه من شرور أعدائه الجدد الذين كانوا بالأمس أول الأعوان ؟
يوسف نفسه كان يقر ويعترف بفضل الشراودة عليه لكنه في ذات الوقت كان يكشف أسرارهم المخفية لعله ظن أن وجود الصول عرفان وعساكره ومخبريه ومرشديه في الكفر سوف يكون وسيلة لنقل أخبارهم للحكومة ، والحكومة تقدر عليهم وعلي أكبر منهم ، لعله كان يحاول أن يظهر نفسه في صورة الضحية فترضيعنه الحكومة وتعيده وتحميه ، كلها احتمالات قابلة للتصديق والتكذيب الدكارنة في ناحية والحكومة في ناحية وكلام الناس الذي لا يمنعه مانع والناس الشلبي تترابط وتتوحد ويدافع الواحد منهم عن الآخر ظالماً أو مظلوماً لعلها كلها كانت دروع حمايته ، لكنه كان يتجاوز حدوده في بعض الحالات ، يسعي في كلامه لكشف أسرارهم فيكتشف نفسه في ذات الوقت :
– كنت عارف أنهم بيغشوا الصنف ويخلطوه وساكت عليهم وكنت عارف أنهم بيعملوا عمايل ما يصحش تتقال بقي وكاتم في نفسي ، أقول أخوال عيالك برضه وربك حليم ستار .
أتذكر كل التعميرات الفسدانة التي كان ينقلها لي وتتسب في عكننتي وعكننته ، وأقول إنه ساهم في إفساد تفكيري في بعض الحالات وإنه توهني في متاهات وخيالات كذابة في بعضها الآخر وأقول إن أحسن شئ عملته الحكومة هو عزله ، لأنه ما دام يتواطأ ضد ناسه ويسكت عن كل هذه الأخطاء فإنه لا كان يصلح عمدة ولا شيخ بلد ولا حتي خفير ومن يدرينا إن كان يوسف عرف أو لم يعرف بالمصائب التي حلت بالناس وقيدتها الحكومة ضد مجهول ؟ وسألت نفسي كم مر غشني يوسف وجعلني أدفع ثمن الصداع الناتج عن الأصناف المضروبة بدل الزهزهة المطلوبة وحالة الانبساط ؟! ولأنه ليس بعد الكفر ذنب ، فقد انكشف أمره وأمرهم للناس وللحكومة ، ولأنه في هذا الزمان مثل كل الأزمنة لا يفل الحديد إلا الحديد ، فلابد أن نهاية يوسف سوف تأتي علي يد الحكومة تحبسه أو تصادر دواره أو تنصر عليه أعداءه لكنها كانت مجرد أمنيات رجل مغشوش علي امتداد سنوات العمر ، مغشوش في مزاجه ومغشوش في الحكم والأمثال التي حفظها وصدقها واكتشف أن نصفها علي الأقل مدسوس لابد أن يواسف كثاراً مثل يوسف الذي عرفته اندسوا وسط الناس علي امتداد الزمان البعيد البعيد ، اندسوا وضربوا الحكم والأمثال المضروبة فجرت علي ألسنة الناس شأنها شأن كل شئ فسدان ورانج ببركة غفلة الأفهام .
طيب نفكر في إدعاءات يوسف أن الدكارنة وعدوه بالجماية نفرض مجرد فرض أن هذا الكلام لم يحدث وأنهم لا قابلوه ولا فاتحوه ولا وعدوه ولا كان يهمهم في يوم أمره أليس من الممكن أن تخوف هذه الإشاعة قلوب أعدائه ؟ ومن في ناحيتنا الذي سوف يسعي لاكتشاف صدق مثل هذا الإدعاء من كذبه ؟ حتي لو اكتشف مكتشف كذب إدعائه ، فهل يجرؤ علي إشاعته ؟وإذا جرؤو وأشاعه وعرف الدكارنة أن واحداً اسمه يوسف ابن حلاق حمير شلبي أحتمي بهم كذباً ليخوف أعداءه ، فهل يغضبون والأمر من أوله لآخره إدعاء يطيل الرقاب ويضيف لهيبتهم هيبة جديدة ؟ ربما يتضاحكون زهواً وقد صاروا علي ألسنة ناس كفرنا مثل البعبع الذي يخوفون به العيال الشراودة ؟ وإذا كان الوعد صدقاً بعلم الدكارنة ، فما مصير من بحث ونقب وشك في إمكانية أن يستعين بهم يوسف وينصرونه ؟
قلت لنفسي : أسكت يا باحث فاشل في تاريخ بلدك القديم اسكت ولا تقترب من المناطق المزروعة بالألغام لأن ميزان الكفر المقلوب لن ينعدل علي يديك وحدك ، اترك يوسف صاحبك وقريبك من بعيد يطلع علي أكتافهم من الورطة التي انحط فيها أو اتركهم يطلعون درجة جديدة علي أكتافه وأكتاف ناس الكفر الكسلان عن السعي لمصحة ناسه رغم النكبات التي يلطم فيها الخدود علي رجاله وزهرة شبابه المغدورين في وضح النهار ، وهل يمكن لواحد مثلي أن ينسي ضرب البرادعي في وسط غيطه وعلي مشهد من عياله وأنفار جمع القطن الأبيض الذي ارتمي فوقه فتلون بالأحمر القاني ولا عاد ينفع فيه بيع أو شراء موت وخراب ديار في زمان يوسف .
هل يمكن أن أنسي شرب تلامذة المدرسة بالكرابيج في دوار يوسف لأنهم اعترضوا علي دخول أولاد عزت الشادر كفرنا المفتوح بنفس هذه الكرابيج فما كان منه إلا أن جمعهم في الدوار وأمر بضربهم لأنهم اعترضوا طريق أهل أصيلة الودعاء حاملي الكرابيج بحسن نية وتلامذة كفرنا أشرار ؟!
وهل أنسي أو ينسي ناس كفرنا تعرية الست هانم حرم حسن النعناعي أفندي علي باب دواره وأمام خفرائه وبواسطة النسوان الشلبي والشوكي وغبان المدافن ممن يمكن تأجير الواحد منهن بنصف فرنك ، يخرجنها بالحيلة من دارها وهي الست المحجوبة ، ثم يستدرجنها بالحيلة أيضاً حتي الجرن الكائن أمام دوار يوسف ثم يتسابقن علي إرقادها علي الأرض فجأة وبدون أنذار ويمزقن ثيابها مزقاً مزقاً حتي تتعري تماماً وتنكشف عوراتها علي الملأ ويوسف الذي ظهر بعد اكتمال الفعلة يراها ويتأملها بعينيه مدة قبل أن يخلع عباءته ويرميها في اتجاه المرأة العريانة المنهارة لتتغطي بها وهي في ربكة من أمرها : كيف تقدم أو تزحف لتأخذ العباة الملقاه علي مقربة منها وسط عيون الناس .. نوع من الإذلال لكل الصنف ومهما عمل النعناعية في خصومهم فهل تبرد لهم نار؟ ! ويوسف علي ألسنة الناس هو الذي سترها بعباءته وإن كانت قد تعرت أمام دواره وعيون حراسه وزمنه إذا شئنا أن نفسر الأشياء والأحداث بالعقل السليم بعيداً عن المجاملات .
كأن يوسف نسي ما جري في زمن عمادته القصير للناس في كفرنا القادر علي النسيان وليس النسيان نعمة في كل الحالات ، أحياناً يكون النسيان خيبة وعي أو خوفاً وجبناً أوقلة حيلة يقول لك النفر من الأنفار نسيت ، وأسأل نفسي كيف ينسي البني آدم ثأره أو دم أبيه أو أخيه وهو العارف ملامح القاتل وسكنه ، وكيف ينسي الإنسان أفعال عدوه في زمن العداوة ؟
حتي لو صالحه وقال له عفا الله عما سلف وهدأت النفوس فهل يجوز له أن ينسي ؟ العفو شئ ونسيان ما جري في الأزمنة القديمة شئ آخر الذاكرة لها دور وانسيان يفسدها يشوه صفات الناس ويتوه الحقائق حقائق الأعداء القدامي وقد لبسوا أثواب الصحاب ولا بأس من أن نبدأ دائماً في كفرنا صفحة جديدة كما يقول لكن دون نسيان ، هل يجوز لمن لدغته الحية وتداوي من سمها وعاش أن ينسي فتحة جحرها ويتمدد فوقه ؟ أنا نسيت نفسي معكم في الكلام لكنني لم أنس وجوه أعدائي .
” موسي نبي …عيسي نبي ..محمد نبي وكل من كان له نبي يصلي عليه ، قالها الحاوي أيام زمان وحفظناها عنه ، لكننا لم نكسب قدرته علي ملاعبة الثعابين أو السيطرة عليها وملاعبة الحيات والأفاعي والعقارب فن لا يقدر عليه غير الموعود ولابد أن ليوسف قدرة الحواة في ملاعبة الأسياد القادرين كان عندما انعزل يأتيني ويسر لي بما يعن له من أفكار ، وكيف أنه يلاعبهم جميعاً لينفذ هو أغراضه يهمس بأن عمدة من عمد البر كله لم تعزله الحكومة ثم تعيده إلا إذا كان مسنوداً وبعد فترة تنسي فيها الناس أسباب عزله وتبرد النيران ويضيف أن الدكارنة أكبر من أن يدخلوا في صراع مع الشراودة وكيف أنهم شاوروه في الأمر وأفادهم بأنه يعرف علو مقاماتهم وأنه لا يليق بالأسياد أن ينزلوا إلي أسفل من أجل مجموعة من قطاع الطرق الذين يستطيع أن يقطع دابرهم قطاع طرق آخرون من أمثالهم ، ولأن للناس الدكارنة أنصاراً في كل مكان فإنهم يستطيعون أن يفعلوا الأفاعيل في الشراودة دون أن يكلف الواحد منهم عناء الصحو من رقاده قبل الضحي العالي كما اعتاد أو حتي الصحو قبل الميعاد بساعة أو حتي . تأجيل عمل وليمة لمدير المديرية أو أحد الوزراء من أجل أمثال هؤلاء الناس طمأنني أو طمأن نفسه بأن كل تأخره فيها خير له ولناس الكفر ، لأنه يوم أن يرجع سوف يفتح عينيه وعقله وقلبه ويحتاط من غدر الغادرين وقد خلص منهم إذا شاء المولي جل في سماه ونصره علي الأعداء .
لكنه لا الدكارنة أولاد الناس وأصحاب السرايات والمقاعد الدامة في كل برلمان ، ولا الشراودة قطاع الطرق جلابو الصنف وغشاشوه كانت لهم في مسألة عمادة كفرنا دور ذلك أن المرسي شلبي طلع من وسط الناس الشلبي علي سلم العمادة وهو الرجل المعزول الذي كان في حاله ومع عياله وأرضه ، لا شارك في مشكلات ولا انطلقت عليه إشاعات صحيح أن المرسي كان من سلسال هارون وأنه كان مالكاً لحيازة تسمح له وأنه كان علي الأقل في الظاهر رجلاً معقولاً وعاقلاً ومشكلاته مع الناس بسيطة نزل المأمور بنفسه وتبعه الصول عرفان والعسكر وعدد من أفندية الإدارة ودخلوا دار المرسي شلبي ومعهم قرار تعيين موقع ومختوم بخاتم صاحب الجلالة الملك فاروق ، وركبوا وسط الزغاريد عدة التليفون وأعادوا للكفر سلاحليك خفرائه وصار المرسي شلبي بين يوم وليلة عمدة كفرنا لكن يوسف قال إن المسألة عمرها أيام أو أسابيع في أسوأ الأحوال لأن المرسي غلبان ولا يصلح لعمادة كفر ظالم وكافر مثل كفرنا الذي يحتاج لحكمه كف يد من حديد .
لكنها علي كل حال كانت علامة لناس كفرنا وإشارة من الحكومة بأن العمادة صارت من نصيب الناس الشلبي بغض النظر عن الأفراد وأن الناس العوف صاروا مثل البضاعة البائرة المركونة من سنوات علي رفوف الشيخ محمد البقال في البندر.
ولما فاتت أسابيع وشهور وصارت عمادة المرسي شلبي حقيقة في عقل يوسف الذي كان آخر من سلم أمره لله في كفرنا ، لف يوسف علي كعبه واستدار ليتحدث للناس عن شوقه للأولاد الذين أخذتهم أصيلة معها لدار أهلها .
ربما يكون قد راجع نفسه بينه وبين نفسه واكتشف أنه لا خلاص له من غير أصيلة والناس الشراودة كان يتحدث عن أشواقه للعيال وأمهم أصيلة وعن أحلام يراها فيها ويفسرها بأنها مقدمات رجوع ورد من يمين الطلاق الذي له رد والشرع يسمح :
– برضه كانت بنت ناس ووقفت معايا من أول المشوار .
رجعت أصيلة لدار يوسف التي لم تعد دواراً كما كانت لكن يوسف تعلم أن يمتدح كلاً من الدكارنة والشراودة بنفس الحماسة .. لكنه كان رجوعاً ساكتاً أشبه بفرخة فطسانة في يد من أراد أن يذبحها فلم يهنأ برفرفة ولا أنسمع لها صوت أو نزلت منها نقطة دم .
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد الثانى