صيغ المخاطبة في الرواية العربية د. سامي عياد حنا
مقدمة :
عندما يستعمل الناس اللغة إنما يقومون بما هو أكثر من مجرد محاولة تعريف شخص آخر مشاعر وأفكار المتكلم ، وفي نفس الوقت فإن كلا الشخصين ( المتكلم والمخاطب ) يستعملان اللعغة بطرق فطنة لتحديد علاقة كل واحد منهم بالآخر وللتعريف بأنفسهم كجزء من جماعة اجتماعية وإقرار نوع الحدث الكلامي الذي هما فيه ” ([1]).
بهذه العبارة يلقي فاسولد R. Fasold نظرة فاحصة علي الاتصال والتفاهم البشري علي مستوي معين وهو صنع المخاطبة ، فالإنسان يمكنه توصيل فكرة معينة بطرق مختلفة ، أو بمعني آخر ، عندما يطلب شخص ما شيئاً ما من شخص آخر ، فإنه يقوم بذلك بطريقتين علي الأقل ، وفي هذا الحالة هناك وأنواع معينة من العلاقات يجب أخذها بعين الاعتبار يمكن للفظ واحد من الطلب أن يكشف عن مدي قرب العلاقة الشخصية بين المتحدثين أو بالأحري مدي وضوح مركز السلطة لأحدهما علي الآخر .
وصيغة أخري للطلب قد تكشف عن أن هذه العلاقة ليست قريبة بالكفاية أو ليس لها من السلطة الكافية علي الشخص الآخر لكي يمكن تلبية هذا الطلب عن رضا وفي كلتا الحالتين يتضح أن محتوي الرسالة عبارة عن متكلم يطلب من شخص آخر أن يقوم بعمل معين ، ولكن الموقف الكلامي وافتراضات العلاقة الاجتماعية بينهما قد تجعل المتكلم يوصل طلبه بطرق مختلفة ومتعددة ، وعلي هذا المستوي بالذات لا يمكن لأي جانب من جوانب علم اللسانيات الاجتماعية أن يسلط الضوء علي وظيفة اللغة بوضوح تام أكثر من صيغ المخاطبة Address forms .
ويعرف فاسولد Fasold في دراسته القيمة صيغ المخاطبة بقوله : صيغ المخاطبة هي الكلمات التي يستعملها المتكلمون لتحديد ( هوية ) الشخص الذي يخاطبونه أثناء التحدث معهم . وفي معظم اللغات ، هناك نوعان رئيسيان لصيغ المنطلق يمكن لشخص أن يخاطب شخصاً آخر إما باستعمال الاسم الأول أو اللقب أو الأسم الأخير ، ومع ذلك فإن نظام المخاطبة له محدودياته فصيغ المخاطبة في الواقع جزء من أنظمة دلالية كاملة وهي مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية ولذلك لا يكفي حصر صيغ المخاطبة علي الأسماء وضمير المخاطب وذلك لأن هناك لغات مثل اللغة العربية – حيث توجد مصطلحات وتعبيرات كثيرة تحدد العلاقة الاجتماعية بين المتكلم والمخاطب ([2]). هذا بالإضافة إلي ضرورة التميي بين صيغ المخاطبة address forms التي تستعمل عندما يكون المتكلم قد حصل علي انتابه المستمع وبين صيغ الأسيتدعاء وطلب الحضور summons التي تستعمل للحصول علي انتباه المستمع ([3]).
ولقد قامت عدة دراسات حول هذا الموضوع بلغات مختلفة منها الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية ، وليس منها العربية ، فقد وجد الباحثان براون وجيلمان Brown and Gilman (1960) ([4]) ، أن أستعمال الضمير في هذه اللغات كان محكوماً بدلالتين أطلقا عليهما ” السلطة أو القوة Power والتضامن Solidarity ” فدلالة ضمير السلطة الأول غير متبادل إذ هناك شخص له من السلطة علي شخص آخر بالدرجة التي تمكنه التحكم في سلوك الشخص الآخر .
والدلالة الثانية دلالة التضامن تقوم علي حقيقة مهمة وهي أن الفروق بين الناس ليست جميعها مرتبطة بالسلطة فمثلاً يمكن لشخصين أن يكونا متساويين في السلطة في دائرة اجتماعية معينة ولكنهما من عائلين مختلفتين ومن مناطف مختلفة في البلاد يتضمن المشاركة بين الناس ودرجة معينة من القرب والألفة ( الصداقة الحميمة ) وهو بالفطرة متبادل ([5])، والخلاصة هناك اختلاف كبير في استعمال صيغ المخاطبة عبر اللغات وعبر الحدود الوطنية وعبر الجماعات الاجتماعية في نفس البلد ومن فرد لآخر وحتي في سلوك الشخص من حالة لأخري ([6]).
صيغ المخاطبة العربية :
من الواضح أن الدلالتين السابق ذكرهما دلالة السلطة ودلالة التضامن تشكلان قوتين تتحكمان في صيع المخاطبة في المجتمعات الغربية ، أما المجتمعات غير الغربية مثل الصين وجاوة ففيها أنظمة معقدة من ” الإتيكيت اللغوي ([7]) تبين أن لغات شعوب الحضارات الشرقية أكثر تعقيداً من اللغات الأوروبية .
وللأسف – بقدر معرفتي – لا توجد دراسة من هذا النوع عن صيغ المخاطبة العربية ولذلك فإن هذا البحث هو محاولة لدراسة جزء من نظام المخاطبة العربية كما يكشف عنه نموذج من الأدب العربي وهو الرواية العربية علي وجه الخصوص ، وقد اخترنا رواية الحصاد للمؤلف عبدالحميد جودة السحار ([8]) نظراً لثرائها بصيغ المخاطبة علي مختلف المستويات الاجتماعية وأملا في جذب اهتمام المختصين بهذا النوع من مناهج البحث اللغوي الاجتماعي .
نبذة عن المؤلف :
عبدالحميد جودة السحار كاتب مصري ولد سنة 1910 م في حارة من حواري القاهرة قرب حي الحسينية لعائلة يعمل أهلها بالتجارة وفي سن الرابعة أنتقل ليعيش في جنينة الكرة بالظاهر ، وأول مدرسة ألتحق بها كانت مدرسة سليمان جاويش انتقل بعدها إلي مدرسة الجمالية الابتدائية ، كما منذ صغره يكره الدراسة لدرجة أنه كان يتمني الموت بسبب ما يلقاه من فساوة المدرسين وضرب أمه المتكرر له فتكرر رسوبه في المراحل الإبتدائية الثلاث الأولي ، حتي إذا ما وصل الصف الرابع عرف أنه لا معني لرغبته في الموت وأن عليه أن يعمل فأصبح من المعجبين بالقراءة والأطلاع .
وأول كتاب قرأه كان للمنفلوطي ، كذلك كان مولعاً بالسينما وكرة القدة فكثيراً ما كان يدخل السينما لمشاهدة الأفلام الأجنبية آنذاك . وكانت السينما مصدر الخلاف بينه وبين أمه لأنها تعتبر السينما من عملا الشيطان ، أما الكرة فقد كان الهداف الأول علي منتخب مدارس القاهرة ، ثم علي مسئوليات الجامعات فيما بعد . وبرغم رسوبه المتكرر في المراحل الابتدائية ، فإن كان من المجيدين لمادة الإنشاء فكان يحصل فيها علي درجات عالية ، اعتبر عبدالحميد السحار والده قدوة له فلم يشرب الخمر ولم يدخن .
وكانت باكورة أعماله الأدبية عملاً مشتركاً له مع أخويه سعيد وأحمد السحار حيث قاموا بعمل مجلة يتم طبعها بالبلوظة ، وكان ذلك سنة 1925 أما عن علاقاته فقد كانت له علاقة بفتاة يهودية أسمها فورتينيه ، ولكنه تخلي عنها مثم تعلق قلبه بفتاة يهودية أخري اسمها إستر ولكنه في النهاية تزوج من أبنة عمه علي الطريقة التقليدية وذلك عام 1936 .
وحصل علي البكالوريا من مدرسة عثمان الأول والتحق بعد ذلك بالمدرسة التجارية العليا وحصل منها علي البكالوريوس في التجارة ، وعمل بالشهادة التجارية كاتباً في السلاح الجوي الملكي ، ثم عين في السلاح الجوي مترجماً .
يعد جميع ما كتبه من قصص وروايات من وحي البيئة التي عاش فيها فحكايات جدته أم عبدالعزيز كانت مادة غزيرة استفاد منها في كتاباته ، كما استفاد من القصص الديني الذي كان يروي في السلاملك في بيت أبيه في كتابة القصص الدينية كقصة أم العروسة التي استوحاها من زواج أخيه الأكبر محمد . وأخذ موضوع قصتهت وكان مساء من معرفته وعلاقاته بالبهائيين الذين كانوا يسكنون معهم في نفس الحي لدرجة أن من قرأ هذه القصة قال بأن الكاتب قد عشق فتاة من الباكستان ، أما الرواية التي نتناولها في هذا البحث فقد أخذت مادتها من المجتمع المصري الذي ما أن ولد فيه حتي وجده مبتلياً بالحرب العالمية الأولي ثم الثانية وشهد خلال فترات عمره تبدل الوزارات وإلغاء الألقاب .
وللسحار عدد كبير من القصص والروايات منها : ” أم العروسة ” و ” كان مساء ” و ” وداعاً قرطبة ” و ” أهل بيت النبوة ” و ” بلال مؤذن الرسول ” و ” المسيح عيسي بن مريم ” و ” أبناء أبي بكر الصديق ” ، وعدد كبير لا يسمج المجال بذكره .
ملخص الرواية :
تدور أحداث الرواية في عهد الباشاوات وإبان معركة العلمين في مصر حيث يكافح في البداية سليم بك من أجل الحصول علي الباشوية ، وبعد جهد وبذل المال يحصل سيد سليم علي الباشوية . تحدثنا الرواية علي أن لسليم ولدين هما : عبدالخالق وهو من زوجته المتوفاة وابنه البكر ، وهذا الأبن نمتزوج من بثينة ، والابن الثاني هو حلمي ، وهو من زوجته الحالية أمينة هانم ، لهذا الباشا سراية وأرضي يدرهما ابن أخيه عثمان ، أوغر عثمان صدر الباشا علي ابنه عبدالخالق وجعله يبعده عن أعماله ، ولعدم خبرة هذا الابن يدخل في مضاربات في البورصة حتي يعلن إفلاسه ، وترفض البنوك بأمر من أبيه أن تدينه كما أن أباه يرفض تسديد الديون التي عليها .
كان حول عبدالخالق شلة من الأصدقاء أصحاب مصلحة منهم ممثلة كبيرة شاذة أخلاقياً ، ومرسي مدير بيت للدعارة ومتزوج من يهودية واستاذ موسيقي يحلم بالشهرة ، وصديق حياته رفعت الذي ظل معه برغم إفلاسه وذلك لأجل غرامه ببثينة يحاول مرسي استمالة كل من بثينة وعبدالخالق لماخوره ، كل هؤلاء عملوا علي ابتزاز عبدالخالق حتي أوصلوه لحافة الإفلاس ، وبعد ذلك بقي حوله رفعت ومرسي كل لغرضه أما ابن الباشا الثاني حلمي فقد تخرج بثينة زوج عبدالخالق التودد إليه وإلي أبيه الباشا وأمه أمينة هانم لأجل أن يتزوج أختها إلهام ، وبذلك تكون كل ممتلكات الباشا وبعد موته لها ولأخوتها لكن القدر لا يترك بثينة تفعل ما تصبو إليه فترفض إلهام محاولات أختها من أجل حبها لابن خالها زين الدين ، بينما يقع حلمي في حب فتاة نمساوية وتحمل منه حملاً غير شرعي ، وبضغوط بثينة تفاتح الباشا في موضوع حلمي وعلاقته الغرامية ، محاولة بذلك فتح الطريق أمام زواج أختها من حلمي فتمهد وتنمق للباشا الكلام حتي تطرد الفتاة النمساوية بمكيدة دبرتها تطرد الفتاة ” إيفا” وتفشل مساعي بثينة ويتزوج حلمي بنت باشا ليحقق أمل والده بأن يصبح وزيراً في يوم من الأيام ويتضح له فيما بعد أن ابنة الباشا عاقر بينما تتزوج إلهام ابن خالها المهندس الناجح .
تمر السنون وتنجب خلالها إلهام وبثينة حيث تنجب بثينة لعبدالخالق ” محمداً” وخلال سنواته الأولي يكون أبوه قد استنزف أمواله وأموال أمه بينما يزداد الباشا عليه حقداً ويزيد من ذلك اتهام عثمان له بمحاولة اغتيال الباشا ” أبيه ” تتدهور حالة عبدالخالق المادية والصحية حتي لا يجد ابنه المال لدفع أجرة المدرسة وهنا يبدأ مرسي في نصب شباكه فيجذب عبدالخالق لوكره بينما يفشل مع بثينة فيحاول معها من طريق آخر حيث يدخل في حياتهما شعبان ثري الحرب الذي يحاول ومع بثينة لكنها تصده وتطرده من بيتها ، أما مأخور مرسي ، فقد قاد عبدالخالق لماخور آخر تديره سيدة ذات وقار في الظاهر لكنها في الباطن آثمة ، هذه السيدة الست أنهار لها علاقة بالباشا حيث يدفع كل شهر أجرة معينة ويقول بأنها من أجل جمعية الفتيات الصالحات تديرها ، ويكشف السر بعد ذلك حيث تداهم الشرطة فيلا أنها وفتياتها الصالحات لتجد الابن وأباه الباشا في محضر التحقيق حيث يذاع الخبر ويصل لمسامع بثينة فتنتقم لنفسها وللصدمة التي أصابتها من عمل زوجها وحميها وتسقط في شرك رفعت صديق زوجها .
ظل حلمي رغم زواجها يفكر في “إيفا” وفيما إذا كانت أنجبت أم لا ، فتراه بطرق أبواب الفرق النمساوية القادمة للقاهرة من أجل السؤال عنها ، فقد كانت تعمل في إحدي هذه الفرق ، ويقع عبدالخالق فريسة لمرض القلب من الشرب والهم تستمر علاقة بثينة ورفعت ويتوب الباشا بالذهاب إلي الحج مع زوجته أمينة هانم ، وبعد عودته يخبره حلمي بمرض عبدالخالق طالباًَ منه الذهاب لزيارتاه من أجل ورفع معنوياته . لكن الباشا يصر علي مقاطعته عبدالخالق ويزيد من إصراره ما سمعه علي لسان عثمان من قصة علاقة بثينة زوجته بصديقه فيطلب الباشا ابنه عبدالخالق للمثول أمامه في العزبة رغم مرضة ويواجهه بما سمع ويأمره بطلاق زوجته من أجل غسل العار الذي لحق بالعائلة ، لكن عبدالخالق لا يصدق أباه ويعتبر ذلك حقداً من أبيه وظلماً آخر له . هذا الأمر يزيد من اشتداد عثمان في إيغار صدر الباشا علي ابنه حلمي ، لكن حلمي يكون أحدق من أخيه ويكشف للباشا زيف عثمان – ومدي خداعه وسرقته له طوال تلك السنيبن وهنا تثور ثائرة الباشا ويطرد عثمان فيخلو المجال لحلمي حيث يحاول استرضاء قلب أبيه من ناحية عبدالخالق ، لكن الباشا يصر علي طلاق بثينة أولاً ثم الرضا عنه ، ولأجل ذلك يذهب الباشا شخصياً ليواجه بثينة بما قيل ويشوه سمعتها أمام حفيده محمد الذي ما أن سمع الكلام الذي دار بين جده وأمه حتي كره والدته .
سقطت الألفاب في مصر وبدأ الإصلاح الزراعي فأنتزع من الباشا لقبه وجزء كبير من أرضه ، وأتضح للباشا فيما بعد كيف أن أتهام عثمان لابنه عبدالخالق بمحاولته قتله إنما كانت مكيدة مدبرة من عثمان ، ومع هذا يرفض الباشا الذهاب لعيادة ابنه المريض بينما تذهب أمينة هانم .
تزيد حالة عبدالخالق سواء فيطلب أخذه للبيت ليموت بين أهله حيث يفيق ذات يوم من غيبوبته علي خيانة زوجته وصديقه ، رغم ذلك يرفض تطليقها بحجة أنه مطلق للدنيا كلها ، ثم يصبح في نزاعه الأخير ويكون بين أهله وابنه وزوجته ، وأختها إلهام ووأخيه وصديقه الخائن ، أما أبوه الباشا السابق فلم ويحضر وعندها يستدعي حلمي أباه لرؤية أخيه للمرة الأخيرة وعند هذا الإلحاح يجد الباشا قدميه لا تحملانه علي السير من وقع الخبر علي قلبه فتثور ومعواطفه ناحية ابنه الممدد علي الفراش ويرمي بنفسه علي جسد ابنه نادماً مناجياً له لكن ولا فائدة فقد فارق الحياة قبل وصول والده .
هذه هي أحداث رواية الحصاد فأحلام الباشا لم تتحق ابنه حلمي لا ولد له ، ولا وزارة وابنه عبدالخالق توفي وأصبح حفيده محمد في حضانته ، وأختتمت الرواية بقول إلهام أثناء حضورها لمشهد نزاع عبدالخالق ورؤية الباشا يدخل عليه وقد فار الحياة من يزرع الزوابع يجني الأعاصير ” .
المنهــج :
الملخص السابق كان للرواية التي استخدمت نموذجاً دراسياً في هذا البحث ، حيث استخدمنا ما دار فيها من صيغ المخاطبة التي استخدمها كاتبها عبدالحميد جودة السحار ، وهي صيغ معينة قمنا بحضرها ثم تحليلها آخذين في اعتبارنا مدي علاقة هذه الصيغ بشخص المتكلم والمخاطب ونوع جنس كل منهما وسنه ومهنته ومستوي كل منهما الاجتماعي والثقافي والعلاقة فيما بينهما ونوع هذه العلاقة ومدي سلطة كل منهما علي الآخر ، ثم نأوحضنا بعد ذلك أثر البيئة والموقف في صيغ المخاطبة المستخدمة وكذلك أثر اللهجة في اللغة المستعملة بين المخاطب والمتكلم .
كانت طريقتنا في البحث معتمدة علي إيجاد مواقف متشابهة استخدمت فيها أساليب مختلفة للمخاطبة وعلاقات أسقطت فيها الألقاب . ونقائض معينة تعتبر مفارقات في مجتمعات أخري قمنا وبتحليلها في ضوء اللسانيات الاجتماعية ومواقف مشابهة لدي كاتب الرواية وكتاب آخرين من أمثال نجيب محفوظ أشرنا لها في الهامش كما أفردنا جزءاً بسيطاً للتغيير في أساليب الخطاب حسب تغير مكانة المخاطب ونوع عمله مدي حاجة الناس إليه ,
أولاً : الخطاب الذي دار بين الباشا وسليم وابن أخيه عثمان ( نظار عزبة عند عمه الباشا ) .
(أ) الخطاب الموجه من الباشا لابن أخيه عثمان وهو كالتالي :
– ما هذا يا عثمان ؟ ([9])
– لو لم تكن غبياً يا عثمان ([10]).
– هذا مشروع وهمي يا عثمان ([11]).
– صباح الخير يا عثمان ([12]).
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ياسي عثمان ([13]).
– قلت لك يا غبي . ([14]).
هذا الخطاب موجه من الباشا لعثمان قبل اكتشافه لحقيقته . والآن لدر كيف يخاطبه بعد اكتشافه لحقيقته .
– يا لص .. خدعتني ([15]).
– يا ضلالي .. سخرت مني كل هذه السنين ([16]).
– يا خائن .. يابن الخائن ([17]).
التحليــل :
مع أن العلاقة بين سليم وعثمان علاقة عم وابن أخيه إلا أنا نلاحظ أن صفة العم تختفي بينهما وتظهر صفة الخطاب الموجه من الرئيس إلي المرءوس ، يستخدم الباشا في خطابه لابن أخيه الاسم ولم يخاطب كما هو معتاد في خطاب العم لابن أخيه في المجتمع والعربي ” بيا ابني ” ليدلل بذلك علي أنه يعزه كإعزاز أولاده ، ويلاحظ أن الباشا عندما أراد أن يعلي من شأن عثمان خاطبه بيا سي عثمان ( وهذا يعني أن العلاقة الأسرية لا دخل لها عند الباشا ) .
لنعد إلي سياق الخطاب بعد اكتشاف خيانة عثمان ( وهذا يعني أن العلاقة الأسرية لا دخل لها عند الباشا ) .
لنعد إلي سياق الخطاب بعد اكتشاف خيانة عثمان لنري أن صيغة الخطاب الموجه لعثمان قد تغيرت بتغير وتوتر العلاقة بينه وبين عمه . فبعد أن كان الخطاب بالاسم تبدل إلي خطاب بألفاظ وصفات تدل علي تأزم الحال والموقف بينهما – يا لص – للصوصية التي اتصف بها عثمان – يا ضلالي – لتضليله به طول السنين و – خائن – يا ابن الخائن ، طبيعة في الإنسان أن يسخط علي شخص ينسي أثناء عراكه معه من يكون له ، فالباشا نسي أخاه وخاطب وابن أخيه بيا ابن الضلالي ، ولو كان الموقف بينه وبين ابن أخيه غير العراك لما أساء إليه وإلي أبيه بهذه الكلمات وخاطبه بهذا الخطاب .
نلاحظ فيما سبق أن شخصية الباشا هي شخصية مسيطرة علي عثمان ، كما يدل خطاب الباشا علي ثقافته الأزهرية وذلك من خلال استخدامه للعربية الفصحي أحياناً ، ” يا سي عثمان ” هو خطاب يدل علي المجتمع المصري ، وعندما خاطبه في حال الغضب نزل في خطابه لمستوي الطبقات الوسطي في مصر مع أنه من مستوي طبقي عال وهذا يدلل علي أن الباشا من هذه الطبقة قبل أن يصبح باشا .
نستدل من خطاب الباشا لعثمان بقوله له ” يا غبي ” أن السيطرة كانت من جانب الباشا وإلا لما رضي أي إنسان عنده كرامة أن يقال له يا غبي ، ولكن إذا تدخلت مصلحة الشخص وعيشه وقوته علي العمل مع هذا الإنسان فإن الإنسان فإن الشخص يتغاضي ليعيش .
(ب) الخطاب الموجه من عثمان لعمه الباشا .
– تصور يا سعادة الباشا أنه باع بخسارة ([18]).
– لو أخذ عنك يا عمي بعض خصالك ([19]).
– سعادة الباشا صدرت الأوامر بقطع الجسور ([20]).
– صنعنا يا باشا ([21]).
– مبارك يا باشا ([22]).
– أتريد سعادتك المبلغ الآن ؟ ([23]).
– أشرب يا باشا ([24]).
– آسف يا باشا ([25]).
التحليــل :
بعد أن رأينا كيف أن خطاب الباشا لعثمان قد أوضح لنا أن العلاقة الأسرية عدد الباشا قد ابتعدت وحل محلها علاقة العمل ، لنر الآن ماذا يكون خطاب عثمان لعمه .
عثمان عامل عند عمه ، لذلك من سياق الخطاب السابق نستطيع القول بأن صفة السيد والعامل ما زالت قائمة فعثمان يخاطب عمه كما يخاطب أي إنسان غريب ” الباشا ” ومع أنه خاطبه ” بيا عمي ” مرة إلا أنها كانت محاولة من عثمان للدخول إلي قلب عمه عن طريق الضرب – مثلما يقال – علي الوتر الحساس فيبين للباشا كيف أنه وهو ابن الأخ قد أخذ عن عمه خصالاً ولم يحصل ومنها ابنه عبدالخالق علي شئ ، نستطيع أن نستنتج أن عثمان كان يحاول تملق عمه بما يبديه من زيادة احترام ، فتارة يخطاب عمه بقوله يا باشا – وتارة يا سعادة الباشا – وأخري سعادتكم .
قد يكون للمجتمع الذي يتمي إليه عثمان أثر في استخدامه لصيغ الخطاب هذه فكل شخص في المجتمع المصري له لقب يخاطب به فالعامل الصغير هو الأسطي والمهندس هو الباش مهندس ، مجتمع لا يترك الألقاب حتي ولو أسقطت من دستوره الوطني .
وقد يكون للتربية التي ترياها عثمان في العزبة هي التي جعلته يخاطب عمه بهذا الأسلوب ، فالحق عند الحاصل علي الباشوية إذ لابد علي الكل أن يناديه بها حتي أهله المقربون ، ولنعد لعثمان فهو حتي إذا كان مع عمه علي أنفراد يناديه ” يا باشا ” ولم يجرؤ علي ندائه بيا عمي إلا في موقف الحقد والنميمة علي عبدالخالق .
ثانياً : الخطاب الذي دار بين الباشا وابنيه حلمي وعبدالخالق :
أ – خطاب الباشا لأبينه والمقارنة بينهما .
– لا يستطيع الإنسان أن يعمل يا بني إلا وهو مطمئن ([26]).
– اصبر يا حلمي . ([27])
– احتمل يا حلمي . ([28])
– هذا كان خطاب الباشا لأبنه حلمي والآن لنر خطابه لعبد الخالق .
– ألو ، عبدالخالق قررنا السفر . ([29])
– أنت مجنون . ([30])
– أخرس ويا كلب ([31]).
– تتمني لنا الفضيحة يا عبدالخالق ([32]).
– يا سافل .. يا منحط .. يا كلب . ([33]).
– تهدد\ني يا وغد ، تريد أن تقتلني ([34]).
ولكن صيغة الخطاب لعبد الخالق تأخذ زاوية وحادة فيما بعد مع أن المتكلم أبوه .
– عبدالخالق ، عبدالخالق ، أنا أبوك يا حبيبي .
– عبدالخالق سامحني يا بني ([35]).
– عبدالخالق ابني عبدالخالق سامحني يا بني ([36]).
التحليـل :
لو قارنا بين خطاب الباشا لابنه حلمي ووخطابه لابنه عبدالخالق قبل مرضه الأخير لوجدنا أنه مع أن الأثنين هما إبناه إلا أن الخطاب الموجه إلي حلمي يدل علي أن العلاقة بين حلمي وأبيه علاقة محميمة وهي عكس ذلك مع عبدالخالق ” يا سافل ” – ” يا منحط ” – ” يا كلب ” كل هذه الألفاظ لا تصدر إلا من عدو لا عدوه ، ومع هذا فقد استخدمها ومع ابنه * كأنه سيد عبدالجواد مع أبنه الألفاظ السابقة مع يا وغد أيضاً هي ألفاظ تستخدم عادة في الطبقات الشعبية في مصر وهنا في هذا المجال واستخدمت من الباشا وهذا يشير إلي أن هذه الأساليب في الخطاب تستخدم في جميع الطبقات الاجتماعية علي السواء في ظروف معينة .
أخرس يا كلب لو تمعنا في هذا الأسلوب قليلاً لوجدنا أنه خطاب للمجتمع المصري خطاب يدل علي موقف غضب من الشخص الذي تخاطبه أستخدمت فيه اللهجة المصرية القاهرية واستخدم ” اسم الكلب ” كاسم مستعار يدلل علي صفة النجاسة وهو أسلوب مستخدم في كل المجتمع العربي في موقف الغضب .
الموقف السابق كان موقف غضب الباشا الأب من عبدالخالق ، ولكن الموقف الآ ن تغير حيث أصبح عبدالخالق في عداد الموتي ، الباشا في السابق كان يحارب ابنه واهياً لما يقول لكنه بعد رؤيته حالة أبنه بدأ ألا وعي وأخذت مشاعر الابوة تنفجر دون إحساس فأخذ يخاطبه بـ ” يا حبيبي ” مع أنه لم يقلها لـ ” حلمي ” ابنه المدلل طوال الرواية هنا موقف الخوف علي الولد كان سبباً في اختيار الباشا دون الشعور لمثل هذه الألفاظ عكس الألفاظ السابقة في موقف الغضب .
والأساليب التي استخدمها الباشا مع أبنائه هي أساليب وصيغ شايعة في المجتمع العربي عامة فالأب في خطابه مع أبنائه لابد أن يظهر صفة الأب السيد المتحكم في المنزل الذي يطاع ولايرد عليه في خطأ الخطاب بالضمير هو دليل علي البرود في العلاقة .
ب- خطاب حلمي لأبيه الباشا .
– الكرافاتة التي تلبسها يا بابا تشبه الكرافاتة التي يلبسها رفعت الباشا ([37]).
– إنك يا باشا تظلمه . (41)
– صباح الخير يا بابا (42) .
– اسمح لي يا بابا أن أحضر ملفاً . (43)
– يؤسفني يا باشا أن أقول إنه يغشك كل هذه السنين .(44)
التحليـل :
من المؤكد أن لطريقة الخطاب أثراً علي نفسية المخاطب فها هو ذا حلمي محينما يكون معه أبوه في لحظة عائلية لحظة ود وانسجام يقول ” يا بابا ” ونظراً لطبقته الاجتماعية التي هو منها نراه يخاطب والده بـ ” يا باشا ” ليبدي مدي احترامه لوالده ومنصبه ، وليرضي غرور التحكم والسيطرة للأب عند الباشا ، كما أن موقف العلاقات الأسرية لا يستدعي المبالغة في تقديم الاحترام أثناء الخطاب وفكلمة ” بابا ” كلمة تحمل معاني الاحترام والتقدير للوالد ، وهذه الكلمة تكفي في الخطاب بين الابن وأبيه ولكن هذا الأمر اختلف عند حلمي فتراه يغير صيغ الخطاب حسب الموقف ، فإن كان موقف رهبة وخوف من غضب الوالد حاول كسب وده دون ثورة عليه بمخاطبته بيا باشا ” وإن كان صلحاً وحديثاً بين أب وابنه خاطبه بـ “: يا بابا ” .
من سياق الخطاب نستنتج أن حلمي يقدر أباه ويحترمه فيظهر بذلك أنه الصغير الذي لابد له أن يحترم أباه ويسايسه ولا يقف متحدياً له ، وهو العرف الذي تعود عليه الأبناء في المجتمع العربي احترام الأبن لأبيه وأمه .
ج – خطاب عبدالخالق لأبيه وأمه .
بعد أن رأينا كيف يخاطب الابن أباه من خلال حلمي لنر – كيف يخاطب ابن آخر أباه مع الفرق الشاسع في المعاملة بين الاثنين وتفضيل أحدهما علي الآخر .
– أنني لم أطلب منك أن تبيع أرضك . (45)
– إن كنت لا تقبل ذلك فغطني بأموالك . (46)
– أسكت يا ظالم.. يا ظالم . (47)
– أنت ظالم .. أنت ظالم (48)
التحليـل :
نستطيع الحكم الآن من خلال هذه الأساليب السابقة في الخطاب الموجه من عبدالخالق لأبيه أن عبدالخالق يبادل أباه نفس الشعور وأن علاقته بأبيه علاقة باردة فأنت لا تخاطب شخصاً بالضمير إلا إذا كانت صلتك به باردة أو لا تعرف اسمه ، أما الأب فالحديث معه يتم بأسلوب آخر وصيع أخري ، لكن عبدالخالق هو الابن المخالف لأبيه هو المتحدي له الذي يريد كسر جبروته وسيادته والفرق ساشع بين خطاب ابن يحب أباه وابن يكرهه ابوه ويكره اباه المحب يقول ” يا بابا ” و ” ياباشا ” أما المضطهد فيخاطب بالضمير فقط شعور متبادل وصيغ متبادلة بين الاثنين الباشا استخدم الضمير في خطابه له فرد له عبدالخالق ذلك ، إنه التحدي بأن خاطب اباه بـ ( أنت ، منك ، أنت ، كنت ) صيغ تحمل في طياتها التحدي والثورة علي العرف الذي يحتم عليه احترام أب كهذا الأب القاسي .
إن الطريقة التي خاطب عبدالخالق بها أباه هي في المجتمع العربي ” قلة ذوق ” وعدم تربية فالابن لا يخاطب اباه إلا ” بيا ابي ” حتي وإن كان مخطئاً فالاحترام والتقدير الأب واجب .
ثالثاً : الخطاب الموجه من بثينة زوج عبدالخالق لحماها الباشا :
(أ) خطابها حينما كانت تحلم بالجاه بعد موت الباشا فتتودد إليه من أجل أن يوافق علي زواج أختها إلهام من حلمي فتراها تستخدم أساليب منمقة وتخاطبه باحترام زائد لأجل تحقيق هدفها فتقول :
– جئت يا باشا أحدثك في موضوع يحتاج إلي سعة أفق ورحابة صدر (49) .
زواجه يا باشا لا يحتاج إلي تفكير (50) .
(ب) لنر الآن خطابها له بعد فشل مرماها وخيبة آمالها وصدمتها فيه وفي ابنه وبد أن سقطت في شرك رفعت وجاء لها الباشا يؤنبها علي ما فعلت .
– أعرف يا حاج الكثير . (51)
– يا سليم افندي (52)
– تفضل يا سليم افندي (53)
– اسمع يا سليم إفندي (54)
التحليــل :
من الواضح أن طريقة وصيغ الخطاب قد تبدلت فبعد أن كانت تخاطبه ” بيا باشا ” جاء لها وقت تخاطبه ” بيا حاج ” والإنسان حينما يخاطب شخصاً بيا حاج في مصر إنما يعني أنه يعلي من شأن من يخاطب ، ولكن بثينة خاطبت حماها بذلك لثتبت له أنها تعلم أنه يعمل الموبقات مستتراً تحت هذا اللقب .
ثم إننا نري كيف أنها زادت في تحقيره عندما نادته بيا سليم أفندي ، بعد أن كانت تخاطبه ” بيا باشا ” في الأول ، وهي بذلك إنما تريد القول وله بهذا التحقير إنها وهو علي السواء في الحقارة فهي لم تراع حقه عليها في الاحترام لكونه حماها من ناحية ولكونه أكبر منها سناً من ناحية أخري لأن احتقارها له ولابنه جعلها تقف موقف المخاصم للباشا فتتحداه لتكسر وقاره المصطنع وهي بذلك لا تريد نصيحة من إنسان ساقط طبيعة المرأة هكذا فإذا ما تطلب الأمر الدفاع عن نفسها وقفت كالثعلبة شرسة فلا ترعي حرمة من يحتقرها أو يمسها بسوء الطبقة التي تنتمي إليها بثينة .
كانت دافعاً لها في استخدام هذا الأسلوب مع حميمها الذي جاء محقراً لها ، فلو كانت من طبقة فقيرة وجاء لها من يحقرها علي خطأ أرتكبته لما استطاعت حتي رفع رمش عينيها من الحياء لكن علي عكس ذلك كانت بثينة التي تمادت بتصغير لقب الباشا والتآمر عليه بقولها ” اسمع يا سليم افندي ” تستخدم مع من هو أكبر منها الاسم .
رابعاً : الخطاب بين أمينة هانم وزوجها الباشا :
– ابي في قبره يا باشا (55) .
– ما رأيك يا باشا أن تحادثهما .. (56)
التحليل :
لأن أمينة هانم تمثل المرأة المصرية فيما مضي فهي تعبد زوجها وتقدسه كما لو كان إلهاً ، وأمينة تمثل أيضاً المرأة كما تصورها نجيب محفوظ في ثلاثيته المعروفة (*) وخطاب الزوجة لزوجها بهذا القدر من الاحترام إنما يشف عن عادة المجتمع الشرقي الذي يربي البنت منذ الصغر علي أن تجعل من زوجها إلهاً تجعله كالتاج علي رأسها ولومس ذلك كرامتها فالبنت تري أمها تحترم أباها وتقدسه فكذلمك هي تفعل عندما تكبر وتصبح زوجة وما زوجة الباشا إلا نموذج لطبقة معينة من المجتمع الشرقي ولكنا نقيس عليها المجتمع العربي ككل ، ويكون الفرق في اللقب في الخطاب فقط ، فهذا الخطاب قد يكون يا سي السيد أو بيابو محمد أو يا ابن عمي أو يا .. إلخ
خامساً : متناقضات الواقع من خلال الرواية :
أ) أضرب .. أضرب يا حاج هتلر (57)
– هذا الخطاب من بواب لا ثقافة له وهو من الطبقات الكادحة في المجتمع المصري في موقف إعجاب بما يفعله هتلر إيان موقعة العلمين ، هذا البواب لا يعرف لقباً في خميرة ذهنه أعلي من كلمة ” يا حاج ” ليطلقه علي هتلر فهو ابن البيئة التي يعيش فيها ولقب حاج هو لقب عظيم لا يخاطب به إلا من له مكانة ووقار واحترام في قلوب الناس عند المصريين ومن هنا نجد هذا البواب المسكين الذي لا يعلم بما يجري حوله يعبر عن فرحته بهتلر فيناديه بيا حاج ، ولو كان من طبقة غير الطبقة التي ينتمي إليها أو ذا ثقافة أعلي من ثقافته الذاتية لخاطب هتلر بياسي أو ” يا مستر ” أو ” يا مسيو ” لكن هذا الخطاب لو موجه إلي هتلر في زمانه لما فهمه .
ب) كيف الحال يا خالة ؟ (58)
هذا خطاب موجه من الباشا لامرأة عجوز باليه الثياب والعظام والإنسان عادة لا يخاطب امراة ((بيا خالة))الااذا كانت فى منزلتة من قلبة وكثيرا ماينادى فى مجتمعات اخرى المراْْْة اْيا كانت (( بيا خالة)). اماعن موقف خطاب الباشا لهذة العجوز المسكية‘ فكان القصد منة التملق للناس الطيبين من الا نتخابات ولايريد بةاحترامها. فحينما يصل هذا الخطاب لكل الذان الموجودة انذالك سيقول الذين لايعرفون انة انسان طيب ومتواضع‘ لذلك خاطبها بذلك منزلا من قدرعظمة. ولكن تملقه هذاتعرف هذه العجوز لذلك تردعلية ((بالحمد لله)) ‘ فلو كانت ترى انه صادق لردت ب(الحمد لله يا بني) لكنها ردت باسلوب يدل على الامتعاض له ولإعماله التى باستغلالهم لاغراضه ومصالحه .
– لنر موقفامغايرالباشا مع الفلاحين .(59)
– اتريد ان تقتله ؟ اتريد خراب بيتي يا كلب؟(60)
نلاحظ ان الموقف من الفلاحين قد تبدل. الاحترام الكاذب لتلك السيدة تحول إلى خطاب بيا((كلب يعني تحقيرا لهذا الفلاح الفقير لاجل ماذا ؟
ج-يافاجر.(61)
هذاخطاب من عبد الخالق موجه الى مرسى فى مداعبة. ومع ان هذا لايليق في العربى ولايلق بمكانة عبدالخالق الجتماعية وتربيتة ‘لكنة مثلها يقال من عاشر قوما غدا واحد منهم.عبدالخالق يعرف أن مرسى رجل سمعته سيلة وهو صديق له ويعلم أْهذا لايضايق مرسى لنقارن إذن هذا الموضوع برأى المجتمع فيه لووجه هذا الكلام إلى فاجر لما رضى بذا القول فما بالك بشخص يوجه إليه هذه الشتيمة أو شبا ئم أشد وأقسى من هذه الشتيمة ؟ ! لكن مرسى ضحك لقول عبد الخالق 0
د _ يامنافق يابن الكلب 0 ( 62 )
هذا الخطاب من الممثلة الكبيرة ذات الشخصية الشاذة موجها لمرسى أيضا وكان الموقف موقف مداعبة ، هذا ليس غريباً علي هذه الطبقة من المجتمع فالشاذ لا يلد منه إلا شاذ وإنما الموقف مولد الكلمة وهذا الخطاب يدل علي انحطاط المستوي الأخلاقي لهذه الجماعة بحيث يقبل كل منهم أن يخاطبه الآخرون بهذه الصيغ كذلك يخاطب هو الآخرين بهذه الصيغة .
هـ- اتفضل يا باشا (63) :
– يا مساء الدور يا عبد (64)
هذا الأسلوبان في الخطاب موجهان لعبد الخالق من شعبان في البداية كان شعبان يخاطب عبدالخالق ” بيا باشا ” رغم أنه لم يحصل علي البكوية وذلك من أجل التودد إليه فقط .
وبعد أن يتعود كل منهما علي الآخر نزول التعقيدات والألقاب ويبدأ شعبان يخاطب عبدالخالق مستخدما التصغير لأسمه وهذا يحدث بين الأصدقاء والمحبين ولمصلحة عبدالخالق وحاجته للمال من شعبان نستطيع القول بأنهما علي علاقة صداقة مصلحة .
و – فرق كبير يا سيد مرسي بين من ينتظر حتي يؤمر وبين من يتطوع . (65)
هذا خطاب من استاذ موسيقي ينتمي لنفس طبقة الجماعة المحيطة بعبد الخالق يخاطب فيه مرسي ، لكن مع هذا نري أن الأستاذ يستخدم أسلوباً يدل علي وعي وثقافة فهو يعرف مرسي ويعرف كل ما يدور في هذه الجماعة إلا أنه لم يستخدم الأساليب الشاذة في الخطاب وربما يريد بذلك أن يجذب الانتباه له باحترامه للآخرين فيحترموه كفنان ويحترم بذلك كل ما يقدمه من فن .
ز – عل يقفا من يشيل يا ست (66)
خطاب معروف لا يصدر إلا عن المصريين وهو بلهجة مصرية مستخدمة علي مستوي عام في مصر ، المقصود به التقليل من شأن الشئ وهنا عبدالخالق يستخدمه لتقليل من شأن مرسي وهو جالس معه .
ح- سمعت يا أستاذ آخرقطعة سجلتها كانت تحقه . (67)
مع أن عبدالخالق يتكلم مع أحد أعضاء الشلة السابقة الذكر إلا أنه مع الأستاذ يستخدم هذا الأسلوب الذي يدل علي الاحترام الواضح ، الأستاذ يعامل الناس باحترام لذلك يعامله الناس كذلك المثل يقول عامل الناس مثلما تريد أن يعاملوك – رأينا كيف خاطب عبدالخالق مرسي وكيف خاطب الست الممثلة في المثال السابق .
ط – أنا اليوم الطباخ وأنت سيدتي وأنا عبدك (68) .
خطاب موجه من حلمي لحبيبته ” أيفا ” فلو كانت هذه المرأة زوجته وهو كرجل شرقي لما قال لها ذلك ولما خاطبها بهذا الشكل . فلو قالها لزوجته لاعتبر نفسه يهين من شأنه ويقلل من مكانته التي وهبتها له العادات الشرقية ، أما مع إيفا فالأمر يختلف هي فتاة غريبة فلابد أن يثبت لها الجوانب الحلوة في حياة الرجل الشرقي لكي يجعلها تحبه وربما كانت لثقافته أثر في تكوين هذاالأسلوب للخطاب وربما كان لمدي العلاقة بينه وبينها سبب في اختيار هذه الألفاظ وهذه المعاني والتي تعبرعن حبه لها .
سادساً : الموقف واحد والخطاب صيغة مختلفة :
أ – استخدم مرسي في الخطاب مع رفعت في موقف يريد منه السكوت عن ذكر شئ للناس فخطابه كالآتي :
– يا شيخ حرام عليك . (69)
– اتق الله يا شيخ . (70)
كما أن هناك خطاباً موجهاً من بثينة إلي رفعت وفي نفس الموقف ولكن الأسلوب اختلف فنراها تقول :
– حرام عليك يا رفعت البلد زاخرة بمن يستحقون هذه الزعامة . (71)
المخاطب في كلتا الحالتين واحد وهو رفعت ولكن اختلف المتكلم ففي الأول كان المتكلم مرسي وفي الثاني كانت بثينة والموقف واحد أيضاً .
ولنقارن الآن بين الصيغتين ، مرسي استخدم كلمة ” يا شيخ ” في الخطاب الأول وكانت الكلمة في البداية وفي الثاني كانت في النهاية وهي صيغة مستخدمة في المجتمع المصري فالرجل يقول للرجل ” حرام عليك يا شيخ ” وللمرأة حرام عليك يا شيخة ، وكذلك بالنسبة للمرأة في استخدامها لهذه الصيغة ، ولكن هذه الصيغة تستخدم بين من لهم معرفة ببعض ، معرفة أكيدة بين الجارة وجارتها وبين الأخت وأختها ، وقد يستخدم هذا الخطاب في حالة الاستعطاف أما بثينة فقد استخدمت الاسم وربما كان ذلك لتحفظ منها فهي تحادث رجلاً غريباً عنها ، كذلك هي قدمت ” حرام عليط ” بينما مرسي آخرها .
هذا الخطاب يستخدم علي مستوي عام في مصر ، مرسي استخدم الخطاب وهو من شارع سليمان باشا ولا ثقافة له وكذلك استخدمتها بثينة بنت القاهرة ذات الثقافة وبنت الأعنياء .
(ب) متشكر يا عمو (72) .
– شكراً لك يا جدي (73) .
إن أسلوب الخطاب هذا كان من محمد الطفل “ابن السابعة وهو ابن عبدالخالق لكل من عمه وجده ولنر الفرق : مع أن الموقف واحدوالمتكلم واحد إلا أنه استخدم لكل شخص صيغة معينة في الخطاب ، مع عمه القريب منه في العلاقة قال بلهجة مصرية بحتة متشكرين يا عمو ( حيث استخدم التصغير للكلمة عمي ) ، ومع جده الذي لأول مرة يراه وهذا يتمشي مع مقام كل مخاطب منهما ، وهذا دليل علي تربيته الشرقية والتي تحتم عليه احترام من هم أكبر سناُ وأن يبدأهم هو بالتحية ، ويبين لنا العرف المتبع في هذا المجتمع القائم علي أنه لكل مقام مقال .
ج – العفو ، أنت الخير والبركة . (74)
خطاب موجه من أمينة هانم زوج الباشا لشيخ كبير طاعن في السن عرف بالتقوي والصلاح استخدمت فيه الضمير أنت بدل الأسم لأن هذا لا يليق في العرف ، فهل يعقل أن تنادي امرأة فاهمة بالتقاليد شيخاً كبيراً باسمه ، وهذا الخطاب هو خطاب تعود عليه مجتمعنا العربي كرد علي إنسان يحاول متواضعاً التقليل من شأنه وهذا من باب الأحترام بين الناس .
الباشا أيضاً استخدم نفس الأسلوب في موقف مشابه :
– أنت الخير والبركة يا ست أنهار (75) .
الباشا استخدم الأسلوب مجاملاً لهذه السيدة أيضاً .
ومن هنا نلاحظ أن أمينة هانم استخدمت هذا الأسلوب لفارق السن والمكانة الاجتماعية والدينية لهذا الشيخ بينما الباشا استخدم الأسلوب لغرض المجاملة وتصنع أنه يرفع من مكانتها .
سابعاً : الخطاب الذي دار بين إيفا وحلمي :
– حلمي ، حلمي (76)
– حلمي لكم اشتقت إليك ، بالله لا تغب عني . (77)
– بل أنت سيدي ورجلي وحبيب الفؤاد (78) .
– وأنت يا طفلي الكبير سصتبح أباً (79) .
إن العلاقة بين إيفا وحلمي هي علاق غرام ومع هذه العلاقة تذوب الفوارق والألقاب ويكتفي معها الخطاب بالاسم ونظراً لكون إيفا في مجتمع عربي فهي ترضي غرور الرجل العربي المتمثل في حلمي بخطابها له بـ ” أنت سيدي ورجلي وحبيب الفؤاد ، كأن إيفا ست مصرية ، فالست المصرية كثيراً ما تخاطب زوجها بقولها ( أنت سيدي وتاج رأسي ) ، ويعتبر هذا انعكاساً من البيئة علي الفتاة النمساوية إيفا وفي خطابها له ” أنت طفلي الكبير ” هذا الخطاب لو قيل لشاب صغير من أعز الناس عليه لقال ” لا أنا رجل “.
وقد يتضايق رجل من قول رجل آخر له أنت طفل لكن الموقف مع حلمي يختلف لكون المتكلم له امرا فالمرأة إن قالت هذا لرجل فهي توده كما تود الأم ابنها مع اختلاف في سمو العلاقة ولثقافة غيفا الغربية أثر في مخاطبتها فهي عرفت من خلال اختلاطها بالرجال في مجتمعها كيف أن الرجل تؤثر فيه مثل هذه الكلمات ، وما الموقف الذي وجهت فيه هذا الكلام إلا محاولة منها التمهيد لموضوع حملها غير الشرعي منه .
ثامناً : مع أن الشخص المخاطب واحد والموقف واحد إلا أن لكل إنسان طريقته في التعبير وتركيب الكلام :
ولنقارن الأن بين خطاب حلمي وأمينة لعبد الخالق في موقف مرضه ويأسه من الحياة وضيقه من كره أبيه له .
الأم لعبد الخالق – ستعود يا بني لبيتك ولشبابك . (79)
حلمي لعبد الخالق – ستعود يا عبدالخالق لدارك قريباً (80)
من الملاحظ أن الأم استخدمت الصيغة المصرية المناسبة وهذا يدل علي ثقافتها التي استقتها من البيئة المصرية ، وأنها كأم وزوجة أب خاطبته “بيا بني ” أما حلمي فقد انعكست ثقافته علي طريقة خطاب لأخيه لكونه أخاه فقد خاطبه بالاسم .
ولنرخطاباً آخر لهاتين الشخصيتين وفي نفس الوقت السابق . الأم – لا تصدق يا بني أن الباشا لا يحبك (81) .
حلمي- لا يا عبد الخالق ، لا تستسلم ليأسك هذا (82) .
كلاهما كان متشفقاً علي عبدالخالق لكن لكل منهما أسلوباً صاغه للخطاب فأمينة كبيرة في السن فمن هم في سن أولادهما تخاطبهم بأبنائها وهذا طبيعي في المجتمع الشرقي عامة ، أما الأخ فيخاطب أخاه بالاسم بينما الإنسان العربي إذا تخاطب مع شخص آخر يقول في خطابه له “يا أخي ” نظراً للأخوة التي بينهما وذلك عن طريق الدم العربي .
تاسعاً : إن الحالة النفسية ساعة الحديث لها أثر في طريقة الخطاب وصياغته :
فها هو ذا عبدالخالق عند قدوم زوجة أبيه لعيادته يبادرها بالتحية كما هو معتاد
في المجتمع العربي حيث إن الصغير يقوم إجلالاً للكبير فقال لها ” الحمد لله علي السلام يا حاجة ” (83) .وهو هنا يدلل علي أنها ذهبت للحج واستخدم الصيغة المصرية المعروفة
( حتي وإن كانت لم تحج ) خطابه لها بـ ( يا حاجة ) فيه احترام كبير لها وبعد أن رآها تبكي شعر أن هذه التي تبكي إنما تبكي لحرقة في قلبها كحرقة الأم ، ومع أنه لم ينادها ” بيا أماه ” في حالته هذه خاطبها بقوله “لا تبكي يا أماه ” (84) .
من كل ما سبق في خطاب عبدالخالق لزوجة أبيه يتبين أن عبدالخالق يحترم ويقدر زوجة أبيه أكثر من احترامه لأبيه نفسه ،وإنما المعاملة عند عبدالخالق حتي في الخطاب تكون بالمثل زوجة أبيه تخاطبه ” بيا بني ” فليس غريباً أن يخاطبها ” بيا أماه ” أو ” يا حاجة ” بينما أبوه يخاطبه بالضمير فيبادله بالمثل .
عاشراً : إن التقارب في السن والطبقة الثقافية يحرر الإنسان أو الشخصيات من قيود الألقاب المبالغ فيها أحياناً كـ ” يا باشا ويا سيد ويا مدام ” أو من قيود استخدام المهنة كلقب مثل ” يا أستاذ ويا دكتور ويا باش مهندس كل هذه الألقاب تسقط مع عدم الفارق في شئ ” .
في الرواية ثلاث شخصيات ينطبق عليهم ذلك وهم حلمي وبثينة وإلهام استخدمت كل من بثينة وإلهام صيغاً لغوية من صميم مجتمع القاهرة ولم تستخدما أي لقب أو نوع من الأسماء المستعارة في الخطاب معه وهذا يشير إلي أسباب ذكرناها سابقاً .ولنعد إلي خطاب حلمي لهما :
– بالله عليك يا إلهام قولي لي كيف تطبخ الملوخية (85).
– بثينة إنني مشغول جداً هذه الأيام أستعد لإعلان خطبتي (86) .
إن منطريقة خطابه لهما نستدل علي أنه يعاملهما مثل أختيه ، وبما أنه أعتبرهما كذلك فهذا يعني ألا فروق بينهم سواء في السن أو الطبقة أو التعليم .
صيغة المخاطبة |
المتكلم |
المخاطب |
– حلمي إلي أين (1) |
بثين |
حلمي |
– حلمي علي أن نجحت يا حلمي (2) |
بثينة |
حلمي |
– أرجوك يا حلمي أن تمر علي (3) |
بثينة |
حلمي |
– العقبي لكيا حلمي (4) |
إلهام |
حلمي |
– شد حيلك يا حلمي (5) |
إلهام |
حلمي |
الحادي عشر : الصيغ المستخدمة عند الخدم والفلاحين والممرضات تكاد تكون واحدة :
فمجال العمل الذي هم فيه يجعلهم يستخدمون نمطاً واحداً لا يتغير من الصيغ سواء كان الشخص الذي يخاطبونه أو الذي يعلنون قدومه صغيراً أم كبيراً أو عظيماً أو حقيراً فأسلوبهم هو : الفلاح ينادي حلمي – حلمي بك .. حلمي بك (87) .
الخادم يعلن قدوم إلهام – إلهام هانم وصلت (88) .
الخادم يرد علي التلفون – حلمي بك يطلب حضرتك (89)
الخادم عند إعلان قدوم شعبان ومرسي شعبان بك ومرسي بك (90)
الممرضة تخاطب عبدالخالق – عبدالخالق بيك حان ميعاد الحقنة (91) .
هذه طبقة من المجتمع المصري جعلتها مهنتها تستخدم الألقاب في خطابها مع من هم أعلي مرتبة فالخادم أصحاب البيت صغيرهم وكبيرهم أسياده وكذلك كل ضيف يأتي لهؤلا الأسياد ، أما الفلاح فعنده كل لابس بدلة ” بك ” بالإضافة إلي أسياد بلدته ، أما الممرضة فعملها الذي وهبت نفسها له جعلها تراعي نفسية كل مريض وأن تحاول دائماً إرضاءه قدر استطاعتها وهذا الخطاب يعتبر أقل واجب تقوم به .
الثاني عشر : نموذج آخر للطبقات الاجتماعية في مصر يستخدم فيه أعضاؤه كلمات غير عربية في الحديث والخطاب للغير :
ويمثل هذه الطبقة في الرواية شعبان إذ يخاطب الناس كما هو واضح من الأمثلة الآتية باللغة الفرنسية :
– صلي علي النبي يا إكسلانيس (92) .
– هذه أشياء بسيطة يا شيري (93) .
– يا شيرين يعني يا عزيزتي بالفرنسية يا إكسلنس (94) .
ونظراً لأن شعبان عاش فترة الحرب مع الأجانب لذلك طغت علي مخاطباته هذه الكلمات الأجنبية – وهو حينما يتحدث بهذه الكلمات يريد بهذا أن يغطي علي الأمية التي هو فيها لذلك يحاول جاهداً أمام بثينة زوجة عبدالخالق أن يبتعد عن اللهجة “البلدي ” فنراه تارة يخاطبها ” يا شيري ” واخري ” يا شيرين ” بدل ” يا عزيزتي ” أما الرجال فيخاطبهم ” يا إكسلانس ” وربما شعبان هذا يريد أن يعلي من شأنه أمام الآخرين الذين يرونه أنه لولا ما معه من فلوس لأصبح لا يساوي شيئاً فهو كما وصفته الرواية لا جمال ولا أخلاق وإنما كل ما لديه هو المال الذي حصل عليه بطرق غير مشروعة أثناءالحرب .
الثالث عشر :خطاب الناس مع شخص ما يختلف حسب مركزه :
فإن كان في الأول استاذاً قالوا له ” يا استاذ ” وإن أصبح فيما بعد ناظراً قالوا له ” يا حضرة الناظر أو ( يا سعادة المدير ) وهكذا ، وفي الراوية هذا ينطبق على تاريخ الباشا ، فقبل الباشوية كان الناس ينادونه ( سليم بك ) وبعد أن أخذ الباشوية صار ينادي بـ ( يا باشا) أو ( يا سعادة الباشا ) وبعد سقوط الباشوية صار الناس تخاطبه بـ ( يا سيد سليم )
الرابع عشر :- في الخطاب بين الأباء والأبناء :-
في خطاب أمينة هانم لأبنها حلمي
– حلمي ، غارة ، حلمي غارة (95 ) .
– ذهب الى المكتب يا حبيبي (96 ) .
– لا يا حلمي أنت مخطئ وللباشا كل الحق أن يغضب منك (97 ) .
– تعال ياحلمي أقعد معنا (98 ) .
– شد حيلك يا حلمي وهات لنا نونو (99 ) .
وخطاب عبد الخالق لأبنه الصغير محمد :-
– سافر يا بني وتمتع بالصيف (100) .
– محمد أدر زر الكهرباء (101) .
– محمد تعالى (102) .
– خطاب الأبن محمد لأبيه (103) .
– بابا أنا محمد .. بابا .. بابا (104) .
– رد علي يا بابا (105) .
من الملاحظ أن العلاقات الأسرية كعلاقة الأم بأبنائها وعلاقة الأب بأبنائه هي علاقات يسودها الأحترام من الأبناء للآباء والعطف من الآباء على الأبناء ، لذلك نشاهد الأم كثيرا ما تخاطب أبنها بأسمه بوقع خاص على قلبه كالرنين الموسيقي على الأذن .
كذلك تخاطبه ( بيا حبيبي ) وهذا أحساس صادق لمشاعرها نترجمه بهذه الكلمة , وهذه الكلمة الحساسة تستخدمها الأمهات في كل المجتمعات تقريبا . ففي مصر وبأختلاف اللهجات الا أن الكل ينادي أبناءه ( يا حبايبي ) وفي الغرب ومع الأختلاف في اللغة تبقى كلمة (My Love) تمثل ( يا حبيبي ) وما خطاب أمينة هانم لأبنه الا من هذا النمط ، حيث أستخدمت اللهجة المصرية للأم المصرية لمخاطبته بأسمه تارة والتعبير بأحساسها تارة أخرى وهذا طبيعي وغير متكلف فيه فهي أم كما يقولون .
أما الأب فله أسلوب آخر في خطاب ابنائه فمع الصغير منهم خطابه له كطفل لطفل ومع الشباب كشاب لشاب مثله ومع الرجل كرجل لنده وهو بذلك يأخذ بالمثل الشائع ( ان كبر أبنك خاويه ) وخطاب عبد الخالق لأبنه كرجل للبيت بعد مرضه .
والخطاب مع الأم لابد أن يسوده كل الأحترام والتقدير ، لذلك نرى حلمي يخاطب والدته بكل ود وأحترام حتى وهو يرجو منها عدم أيقاظه ولو كان الخادم من يوقظه لما رجا منه بل ربما كان شتمه .
الخاتمة :-
مما سبق من تحليل لمختلف صيغ المخاطبة لهذه الرواية يتضح أن للغة علاقة وثيقة بأي مجتمع كان من المجتمعات البشرية وهي هنا لغة لها علاقة بالمجتمع المصري القاهري أكثر من غيره . وأن هذه اللغة هي مظهر من مظاهر السلوك الأنساني . وأول مظاهر السلوك اللغوي هي التحية بأنواعها ، والمخاطبات بين الناس والتي يظهرون فيها التأدب والتطلف تارة والقسوة والخشونة تارة أخرى . وكذلك تظهر هذه السلوكيات في المناسبات الأجتماعية المختلفة حيث تستخدم الناس عبارات مختلفة وتكون لهذه اللغة المستخدمة في المخاطبات الأجتماعية وظيفة أجتماعية أخرى حيث انها في كثير من الحالات تدل على الطبقة الأجتماعية والمركز الأجتماعي الذي يشغله كل من المتكلم والمخاطب على السواء ، كما أنها تدل على نوع ومستوى العلاقة الأجتماعية بينهما واللغة تعتبر وسيلة لأصدار الأوامر ، وأعطاء معلومات بعد اسئلة ، تستعمل أيضا من أجل التعبير عن المشاعر المختلفة من سعادة وفرح وغضب .
ولعل أبرز وأهم نقطة حيث تؤثر العوامل الأجتماعية على اللغة هي بأختيار صيغ المخاطبة . وفي رواية ( الحصاد ) التي تم عرض بعض صيغ المخاطبة فيها عدد من الكلمات المختلفة للضمير (أنت) للرجل (وأنت) للمرأة فأحدى هذه الصيغ تستعمل لمن هو في مركز أجتماعي أو أقتصادي اقل من مركز المتكلم . وصيغة أخرى تستعمل في مخاطبة من هم أقل قرابة أو معرفة أو أعلى أجتماعيا بالنسبة للمتكلم . وتعدد وأختلاف صيغ المخاطبة في نموذجنا هذا ( الحصاد ) توضح أن أستعمال الضمير الشائع( أنت – أنت ) كان محكوما بقوتين هما السلطة (power) والتضامن (Solidarity) واللتين أشار اليهما فاسولد R.Fasold في دراسته القيمة التي بدانا بها هذا البحث . فالسلطة تسحب أو تشتق من الحالة الأجتماعية العليا أو الدنيا أما للتضامن فيأتي من (الألفة والمودة ) والمصير المشترك ومع ذلك فأن تحليل صيغ المخاطبة في (الحصاد) يكشف لنا أنها تختلف أختلافا كبيرا من مجتمع لآخر ومن جماعة اجتماعية لأخرى ومن مستوى أجتماعي الى آخر . هذا بالأضافة الى الفروق الواضحة من متكلم لآخر والأهم من كل هذا فقد وجدنا أن معامل (السلطة) كما عبرت عنه صيغ المخاطبة في (الحصاد) قد أنهار تحت تأثير قوة التضامن مما يؤكد الطبيعة العربية المعروفة منذ التاريخ .
ان صيغ المخاطبة في اللغة العربية كما ذكرت في هذه الدراسة تؤكد أنها أكثر تعقيدا من مثيلاتها من لغات أوربا وربما في بعض اللغات الشرقية بتقاليدها القديمة .
([1]) عميد معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامكعة سنيور بولاية بورتلاند ، الولايات المتحدة الأمريكية .
([2])
([3])
([4])
([5])
([6])
([7])
([8])
([9])
([10])
([11])
([12])
([13])
([14])
([15])
([16])
([17])
([18])
([19])
([20])
([21])
([22])
([23])
([24])
([25])
([26])
([27])
([28])
([29])
([30])
([31])
([32])
([33])
([34])
([35])
([36])
([37])
يوليو 16 2010
صيغ المخاطبة في الرواية العربية………………………… د. سامي عياد حنا
صيغ المخاطبة في الرواية العربية د. سامي عياد حنا
مقدمة :
عندما يستعمل الناس اللغة إنما يقومون بما هو أكثر من مجرد محاولة تعريف شخص آخر مشاعر وأفكار المتكلم ، وفي نفس الوقت فإن كلا الشخصين ( المتكلم والمخاطب ) يستعملان اللعغة بطرق فطنة لتحديد علاقة كل واحد منهم بالآخر وللتعريف بأنفسهم كجزء من جماعة اجتماعية وإقرار نوع الحدث الكلامي الذي هما فيه ” ([1]).
بهذه العبارة يلقي فاسولد R. Fasold نظرة فاحصة علي الاتصال والتفاهم البشري علي مستوي معين وهو صنع المخاطبة ، فالإنسان يمكنه توصيل فكرة معينة بطرق مختلفة ، أو بمعني آخر ، عندما يطلب شخص ما شيئاً ما من شخص آخر ، فإنه يقوم بذلك بطريقتين علي الأقل ، وفي هذا الحالة هناك وأنواع معينة من العلاقات يجب أخذها بعين الاعتبار يمكن للفظ واحد من الطلب أن يكشف عن مدي قرب العلاقة الشخصية بين المتحدثين أو بالأحري مدي وضوح مركز السلطة لأحدهما علي الآخر .
وصيغة أخري للطلب قد تكشف عن أن هذه العلاقة ليست قريبة بالكفاية أو ليس لها من السلطة الكافية علي الشخص الآخر لكي يمكن تلبية هذا الطلب عن رضا وفي كلتا الحالتين يتضح أن محتوي الرسالة عبارة عن متكلم يطلب من شخص آخر أن يقوم بعمل معين ، ولكن الموقف الكلامي وافتراضات العلاقة الاجتماعية بينهما قد تجعل المتكلم يوصل طلبه بطرق مختلفة ومتعددة ، وعلي هذا المستوي بالذات لا يمكن لأي جانب من جوانب علم اللسانيات الاجتماعية أن يسلط الضوء علي وظيفة اللغة بوضوح تام أكثر من صيغ المخاطبة Address forms .
ويعرف فاسولد Fasold في دراسته القيمة صيغ المخاطبة بقوله : صيغ المخاطبة هي الكلمات التي يستعملها المتكلمون لتحديد ( هوية ) الشخص الذي يخاطبونه أثناء التحدث معهم . وفي معظم اللغات ، هناك نوعان رئيسيان لصيغ المنطلق يمكن لشخص أن يخاطب شخصاً آخر إما باستعمال الاسم الأول أو اللقب أو الأسم الأخير ، ومع ذلك فإن نظام المخاطبة له محدودياته فصيغ المخاطبة في الواقع جزء من أنظمة دلالية كاملة وهي مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية ولذلك لا يكفي حصر صيغ المخاطبة علي الأسماء وضمير المخاطب وذلك لأن هناك لغات مثل اللغة العربية – حيث توجد مصطلحات وتعبيرات كثيرة تحدد العلاقة الاجتماعية بين المتكلم والمخاطب ([2]). هذا بالإضافة إلي ضرورة التميي بين صيغ المخاطبة address forms التي تستعمل عندما يكون المتكلم قد حصل علي انتابه المستمع وبين صيغ الأسيتدعاء وطلب الحضور summons التي تستعمل للحصول علي انتباه المستمع ([3]).
ولقد قامت عدة دراسات حول هذا الموضوع بلغات مختلفة منها الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية ، وليس منها العربية ، فقد وجد الباحثان براون وجيلمان Brown and Gilman (1960) ([4]) ، أن أستعمال الضمير في هذه اللغات كان محكوماً بدلالتين أطلقا عليهما ” السلطة أو القوة Power والتضامن Solidarity ” فدلالة ضمير السلطة الأول غير متبادل إذ هناك شخص له من السلطة علي شخص آخر بالدرجة التي تمكنه التحكم في سلوك الشخص الآخر .
والدلالة الثانية دلالة التضامن تقوم علي حقيقة مهمة وهي أن الفروق بين الناس ليست جميعها مرتبطة بالسلطة فمثلاً يمكن لشخصين أن يكونا متساويين في السلطة في دائرة اجتماعية معينة ولكنهما من عائلين مختلفتين ومن مناطف مختلفة في البلاد يتضمن المشاركة بين الناس ودرجة معينة من القرب والألفة ( الصداقة الحميمة ) وهو بالفطرة متبادل ([5])، والخلاصة هناك اختلاف كبير في استعمال صيغ المخاطبة عبر اللغات وعبر الحدود الوطنية وعبر الجماعات الاجتماعية في نفس البلد ومن فرد لآخر وحتي في سلوك الشخص من حالة لأخري ([6]).
صيغ المخاطبة العربية :
من الواضح أن الدلالتين السابق ذكرهما دلالة السلطة ودلالة التضامن تشكلان قوتين تتحكمان في صيع المخاطبة في المجتمعات الغربية ، أما المجتمعات غير الغربية مثل الصين وجاوة ففيها أنظمة معقدة من ” الإتيكيت اللغوي ([7]) تبين أن لغات شعوب الحضارات الشرقية أكثر تعقيداً من اللغات الأوروبية .
وللأسف – بقدر معرفتي – لا توجد دراسة من هذا النوع عن صيغ المخاطبة العربية ولذلك فإن هذا البحث هو محاولة لدراسة جزء من نظام المخاطبة العربية كما يكشف عنه نموذج من الأدب العربي وهو الرواية العربية علي وجه الخصوص ، وقد اخترنا رواية الحصاد للمؤلف عبدالحميد جودة السحار ([8]) نظراً لثرائها بصيغ المخاطبة علي مختلف المستويات الاجتماعية وأملا في جذب اهتمام المختصين بهذا النوع من مناهج البحث اللغوي الاجتماعي .
نبذة عن المؤلف :
عبدالحميد جودة السحار كاتب مصري ولد سنة 1910 م في حارة من حواري القاهرة قرب حي الحسينية لعائلة يعمل أهلها بالتجارة وفي سن الرابعة أنتقل ليعيش في جنينة الكرة بالظاهر ، وأول مدرسة ألتحق بها كانت مدرسة سليمان جاويش انتقل بعدها إلي مدرسة الجمالية الابتدائية ، كما منذ صغره يكره الدراسة لدرجة أنه كان يتمني الموت بسبب ما يلقاه من فساوة المدرسين وضرب أمه المتكرر له فتكرر رسوبه في المراحل الإبتدائية الثلاث الأولي ، حتي إذا ما وصل الصف الرابع عرف أنه لا معني لرغبته في الموت وأن عليه أن يعمل فأصبح من المعجبين بالقراءة والأطلاع .
وأول كتاب قرأه كان للمنفلوطي ، كذلك كان مولعاً بالسينما وكرة القدة فكثيراً ما كان يدخل السينما لمشاهدة الأفلام الأجنبية آنذاك . وكانت السينما مصدر الخلاف بينه وبين أمه لأنها تعتبر السينما من عملا الشيطان ، أما الكرة فقد كان الهداف الأول علي منتخب مدارس القاهرة ، ثم علي مسئوليات الجامعات فيما بعد . وبرغم رسوبه المتكرر في المراحل الابتدائية ، فإن كان من المجيدين لمادة الإنشاء فكان يحصل فيها علي درجات عالية ، اعتبر عبدالحميد السحار والده قدوة له فلم يشرب الخمر ولم يدخن .
وكانت باكورة أعماله الأدبية عملاً مشتركاً له مع أخويه سعيد وأحمد السحار حيث قاموا بعمل مجلة يتم طبعها بالبلوظة ، وكان ذلك سنة 1925 أما عن علاقاته فقد كانت له علاقة بفتاة يهودية أسمها فورتينيه ، ولكنه تخلي عنها مثم تعلق قلبه بفتاة يهودية أخري اسمها إستر ولكنه في النهاية تزوج من أبنة عمه علي الطريقة التقليدية وذلك عام 1936 .
وحصل علي البكالوريا من مدرسة عثمان الأول والتحق بعد ذلك بالمدرسة التجارية العليا وحصل منها علي البكالوريوس في التجارة ، وعمل بالشهادة التجارية كاتباً في السلاح الجوي الملكي ، ثم عين في السلاح الجوي مترجماً .
يعد جميع ما كتبه من قصص وروايات من وحي البيئة التي عاش فيها فحكايات جدته أم عبدالعزيز كانت مادة غزيرة استفاد منها في كتاباته ، كما استفاد من القصص الديني الذي كان يروي في السلاملك في بيت أبيه في كتابة القصص الدينية كقصة أم العروسة التي استوحاها من زواج أخيه الأكبر محمد . وأخذ موضوع قصتهت وكان مساء من معرفته وعلاقاته بالبهائيين الذين كانوا يسكنون معهم في نفس الحي لدرجة أن من قرأ هذه القصة قال بأن الكاتب قد عشق فتاة من الباكستان ، أما الرواية التي نتناولها في هذا البحث فقد أخذت مادتها من المجتمع المصري الذي ما أن ولد فيه حتي وجده مبتلياً بالحرب العالمية الأولي ثم الثانية وشهد خلال فترات عمره تبدل الوزارات وإلغاء الألقاب .
وللسحار عدد كبير من القصص والروايات منها : ” أم العروسة ” و ” كان مساء ” و ” وداعاً قرطبة ” و ” أهل بيت النبوة ” و ” بلال مؤذن الرسول ” و ” المسيح عيسي بن مريم ” و ” أبناء أبي بكر الصديق ” ، وعدد كبير لا يسمج المجال بذكره .
ملخص الرواية :
تدور أحداث الرواية في عهد الباشاوات وإبان معركة العلمين في مصر حيث يكافح في البداية سليم بك من أجل الحصول علي الباشوية ، وبعد جهد وبذل المال يحصل سيد سليم علي الباشوية . تحدثنا الرواية علي أن لسليم ولدين هما : عبدالخالق وهو من زوجته المتوفاة وابنه البكر ، وهذا الأبن نمتزوج من بثينة ، والابن الثاني هو حلمي ، وهو من زوجته الحالية أمينة هانم ، لهذا الباشا سراية وأرضي يدرهما ابن أخيه عثمان ، أوغر عثمان صدر الباشا علي ابنه عبدالخالق وجعله يبعده عن أعماله ، ولعدم خبرة هذا الابن يدخل في مضاربات في البورصة حتي يعلن إفلاسه ، وترفض البنوك بأمر من أبيه أن تدينه كما أن أباه يرفض تسديد الديون التي عليها .
كان حول عبدالخالق شلة من الأصدقاء أصحاب مصلحة منهم ممثلة كبيرة شاذة أخلاقياً ، ومرسي مدير بيت للدعارة ومتزوج من يهودية واستاذ موسيقي يحلم بالشهرة ، وصديق حياته رفعت الذي ظل معه برغم إفلاسه وذلك لأجل غرامه ببثينة يحاول مرسي استمالة كل من بثينة وعبدالخالق لماخوره ، كل هؤلاء عملوا علي ابتزاز عبدالخالق حتي أوصلوه لحافة الإفلاس ، وبعد ذلك بقي حوله رفعت ومرسي كل لغرضه أما ابن الباشا الثاني حلمي فقد تخرج بثينة زوج عبدالخالق التودد إليه وإلي أبيه الباشا وأمه أمينة هانم لأجل أن يتزوج أختها إلهام ، وبذلك تكون كل ممتلكات الباشا وبعد موته لها ولأخوتها لكن القدر لا يترك بثينة تفعل ما تصبو إليه فترفض إلهام محاولات أختها من أجل حبها لابن خالها زين الدين ، بينما يقع حلمي في حب فتاة نمساوية وتحمل منه حملاً غير شرعي ، وبضغوط بثينة تفاتح الباشا في موضوع حلمي وعلاقته الغرامية ، محاولة بذلك فتح الطريق أمام زواج أختها من حلمي فتمهد وتنمق للباشا الكلام حتي تطرد الفتاة النمساوية بمكيدة دبرتها تطرد الفتاة ” إيفا” وتفشل مساعي بثينة ويتزوج حلمي بنت باشا ليحقق أمل والده بأن يصبح وزيراً في يوم من الأيام ويتضح له فيما بعد أن ابنة الباشا عاقر بينما تتزوج إلهام ابن خالها المهندس الناجح .
تمر السنون وتنجب خلالها إلهام وبثينة حيث تنجب بثينة لعبدالخالق ” محمداً” وخلال سنواته الأولي يكون أبوه قد استنزف أمواله وأموال أمه بينما يزداد الباشا عليه حقداً ويزيد من ذلك اتهام عثمان له بمحاولة اغتيال الباشا ” أبيه ” تتدهور حالة عبدالخالق المادية والصحية حتي لا يجد ابنه المال لدفع أجرة المدرسة وهنا يبدأ مرسي في نصب شباكه فيجذب عبدالخالق لوكره بينما يفشل مع بثينة فيحاول معها من طريق آخر حيث يدخل في حياتهما شعبان ثري الحرب الذي يحاول ومع بثينة لكنها تصده وتطرده من بيتها ، أما مأخور مرسي ، فقد قاد عبدالخالق لماخور آخر تديره سيدة ذات وقار في الظاهر لكنها في الباطن آثمة ، هذه السيدة الست أنهار لها علاقة بالباشا حيث يدفع كل شهر أجرة معينة ويقول بأنها من أجل جمعية الفتيات الصالحات تديرها ، ويكشف السر بعد ذلك حيث تداهم الشرطة فيلا أنها وفتياتها الصالحات لتجد الابن وأباه الباشا في محضر التحقيق حيث يذاع الخبر ويصل لمسامع بثينة فتنتقم لنفسها وللصدمة التي أصابتها من عمل زوجها وحميها وتسقط في شرك رفعت صديق زوجها .
ظل حلمي رغم زواجها يفكر في “إيفا” وفيما إذا كانت أنجبت أم لا ، فتراه بطرق أبواب الفرق النمساوية القادمة للقاهرة من أجل السؤال عنها ، فقد كانت تعمل في إحدي هذه الفرق ، ويقع عبدالخالق فريسة لمرض القلب من الشرب والهم تستمر علاقة بثينة ورفعت ويتوب الباشا بالذهاب إلي الحج مع زوجته أمينة هانم ، وبعد عودته يخبره حلمي بمرض عبدالخالق طالباًَ منه الذهاب لزيارتاه من أجل ورفع معنوياته . لكن الباشا يصر علي مقاطعته عبدالخالق ويزيد من إصراره ما سمعه علي لسان عثمان من قصة علاقة بثينة زوجته بصديقه فيطلب الباشا ابنه عبدالخالق للمثول أمامه في العزبة رغم مرضة ويواجهه بما سمع ويأمره بطلاق زوجته من أجل غسل العار الذي لحق بالعائلة ، لكن عبدالخالق لا يصدق أباه ويعتبر ذلك حقداً من أبيه وظلماً آخر له . هذا الأمر يزيد من اشتداد عثمان في إيغار صدر الباشا علي ابنه حلمي ، لكن حلمي يكون أحدق من أخيه ويكشف للباشا زيف عثمان – ومدي خداعه وسرقته له طوال تلك السنيبن وهنا تثور ثائرة الباشا ويطرد عثمان فيخلو المجال لحلمي حيث يحاول استرضاء قلب أبيه من ناحية عبدالخالق ، لكن الباشا يصر علي طلاق بثينة أولاً ثم الرضا عنه ، ولأجل ذلك يذهب الباشا شخصياً ليواجه بثينة بما قيل ويشوه سمعتها أمام حفيده محمد الذي ما أن سمع الكلام الذي دار بين جده وأمه حتي كره والدته .
سقطت الألفاب في مصر وبدأ الإصلاح الزراعي فأنتزع من الباشا لقبه وجزء كبير من أرضه ، وأتضح للباشا فيما بعد كيف أن أتهام عثمان لابنه عبدالخالق بمحاولته قتله إنما كانت مكيدة مدبرة من عثمان ، ومع هذا يرفض الباشا الذهاب لعيادة ابنه المريض بينما تذهب أمينة هانم .
تزيد حالة عبدالخالق سواء فيطلب أخذه للبيت ليموت بين أهله حيث يفيق ذات يوم من غيبوبته علي خيانة زوجته وصديقه ، رغم ذلك يرفض تطليقها بحجة أنه مطلق للدنيا كلها ، ثم يصبح في نزاعه الأخير ويكون بين أهله وابنه وزوجته ، وأختها إلهام ووأخيه وصديقه الخائن ، أما أبوه الباشا السابق فلم ويحضر وعندها يستدعي حلمي أباه لرؤية أخيه للمرة الأخيرة وعند هذا الإلحاح يجد الباشا قدميه لا تحملانه علي السير من وقع الخبر علي قلبه فتثور ومعواطفه ناحية ابنه الممدد علي الفراش ويرمي بنفسه علي جسد ابنه نادماً مناجياً له لكن ولا فائدة فقد فارق الحياة قبل وصول والده .
هذه هي أحداث رواية الحصاد فأحلام الباشا لم تتحق ابنه حلمي لا ولد له ، ولا وزارة وابنه عبدالخالق توفي وأصبح حفيده محمد في حضانته ، وأختتمت الرواية بقول إلهام أثناء حضورها لمشهد نزاع عبدالخالق ورؤية الباشا يدخل عليه وقد فار الحياة من يزرع الزوابع يجني الأعاصير ” .
المنهــج :
الملخص السابق كان للرواية التي استخدمت نموذجاً دراسياً في هذا البحث ، حيث استخدمنا ما دار فيها من صيغ المخاطبة التي استخدمها كاتبها عبدالحميد جودة السحار ، وهي صيغ معينة قمنا بحضرها ثم تحليلها آخذين في اعتبارنا مدي علاقة هذه الصيغ بشخص المتكلم والمخاطب ونوع جنس كل منهما وسنه ومهنته ومستوي كل منهما الاجتماعي والثقافي والعلاقة فيما بينهما ونوع هذه العلاقة ومدي سلطة كل منهما علي الآخر ، ثم نأوحضنا بعد ذلك أثر البيئة والموقف في صيغ المخاطبة المستخدمة وكذلك أثر اللهجة في اللغة المستعملة بين المخاطب والمتكلم .
كانت طريقتنا في البحث معتمدة علي إيجاد مواقف متشابهة استخدمت فيها أساليب مختلفة للمخاطبة وعلاقات أسقطت فيها الألقاب . ونقائض معينة تعتبر مفارقات في مجتمعات أخري قمنا وبتحليلها في ضوء اللسانيات الاجتماعية ومواقف مشابهة لدي كاتب الرواية وكتاب آخرين من أمثال نجيب محفوظ أشرنا لها في الهامش كما أفردنا جزءاً بسيطاً للتغيير في أساليب الخطاب حسب تغير مكانة المخاطب ونوع عمله مدي حاجة الناس إليه ,
أولاً : الخطاب الذي دار بين الباشا وسليم وابن أخيه عثمان ( نظار عزبة عند عمه الباشا ) .
(أ) الخطاب الموجه من الباشا لابن أخيه عثمان وهو كالتالي :
– ما هذا يا عثمان ؟ ([9])
– لو لم تكن غبياً يا عثمان ([10]).
– هذا مشروع وهمي يا عثمان ([11]).
– صباح الخير يا عثمان ([12]).
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ياسي عثمان ([13]).
– قلت لك يا غبي . ([14]).
هذا الخطاب موجه من الباشا لعثمان قبل اكتشافه لحقيقته . والآن لدر كيف يخاطبه بعد اكتشافه لحقيقته .
– يا لص .. خدعتني ([15]).
– يا ضلالي .. سخرت مني كل هذه السنين ([16]).
– يا خائن .. يابن الخائن ([17]).
التحليــل :
مع أن العلاقة بين سليم وعثمان علاقة عم وابن أخيه إلا أنا نلاحظ أن صفة العم تختفي بينهما وتظهر صفة الخطاب الموجه من الرئيس إلي المرءوس ، يستخدم الباشا في خطابه لابن أخيه الاسم ولم يخاطب كما هو معتاد في خطاب العم لابن أخيه في المجتمع والعربي ” بيا ابني ” ليدلل بذلك علي أنه يعزه كإعزاز أولاده ، ويلاحظ أن الباشا عندما أراد أن يعلي من شأن عثمان خاطبه بيا سي عثمان ( وهذا يعني أن العلاقة الأسرية لا دخل لها عند الباشا ) .
لنعد إلي سياق الخطاب بعد اكتشاف خيانة عثمان ( وهذا يعني أن العلاقة الأسرية لا دخل لها عند الباشا ) .
لنعد إلي سياق الخطاب بعد اكتشاف خيانة عثمان لنري أن صيغة الخطاب الموجه لعثمان قد تغيرت بتغير وتوتر العلاقة بينه وبين عمه . فبعد أن كان الخطاب بالاسم تبدل إلي خطاب بألفاظ وصفات تدل علي تأزم الحال والموقف بينهما – يا لص – للصوصية التي اتصف بها عثمان – يا ضلالي – لتضليله به طول السنين و – خائن – يا ابن الخائن ، طبيعة في الإنسان أن يسخط علي شخص ينسي أثناء عراكه معه من يكون له ، فالباشا نسي أخاه وخاطب وابن أخيه بيا ابن الضلالي ، ولو كان الموقف بينه وبين ابن أخيه غير العراك لما أساء إليه وإلي أبيه بهذه الكلمات وخاطبه بهذا الخطاب .
نلاحظ فيما سبق أن شخصية الباشا هي شخصية مسيطرة علي عثمان ، كما يدل خطاب الباشا علي ثقافته الأزهرية وذلك من خلال استخدامه للعربية الفصحي أحياناً ، ” يا سي عثمان ” هو خطاب يدل علي المجتمع المصري ، وعندما خاطبه في حال الغضب نزل في خطابه لمستوي الطبقات الوسطي في مصر مع أنه من مستوي طبقي عال وهذا يدلل علي أن الباشا من هذه الطبقة قبل أن يصبح باشا .
نستدل من خطاب الباشا لعثمان بقوله له ” يا غبي ” أن السيطرة كانت من جانب الباشا وإلا لما رضي أي إنسان عنده كرامة أن يقال له يا غبي ، ولكن إذا تدخلت مصلحة الشخص وعيشه وقوته علي العمل مع هذا الإنسان فإن الإنسان فإن الشخص يتغاضي ليعيش .
(ب) الخطاب الموجه من عثمان لعمه الباشا .
– تصور يا سعادة الباشا أنه باع بخسارة ([18]).
– لو أخذ عنك يا عمي بعض خصالك ([19]).
– سعادة الباشا صدرت الأوامر بقطع الجسور ([20]).
– صنعنا يا باشا ([21]).
– مبارك يا باشا ([22]).
– أتريد سعادتك المبلغ الآن ؟ ([23]).
– أشرب يا باشا ([24]).
– آسف يا باشا ([25]).
التحليــل :
بعد أن رأينا كيف أن خطاب الباشا لعثمان قد أوضح لنا أن العلاقة الأسرية عدد الباشا قد ابتعدت وحل محلها علاقة العمل ، لنر الآن ماذا يكون خطاب عثمان لعمه .
عثمان عامل عند عمه ، لذلك من سياق الخطاب السابق نستطيع القول بأن صفة السيد والعامل ما زالت قائمة فعثمان يخاطب عمه كما يخاطب أي إنسان غريب ” الباشا ” ومع أنه خاطبه ” بيا عمي ” مرة إلا أنها كانت محاولة من عثمان للدخول إلي قلب عمه عن طريق الضرب – مثلما يقال – علي الوتر الحساس فيبين للباشا كيف أنه وهو ابن الأخ قد أخذ عن عمه خصالاً ولم يحصل ومنها ابنه عبدالخالق علي شئ ، نستطيع أن نستنتج أن عثمان كان يحاول تملق عمه بما يبديه من زيادة احترام ، فتارة يخطاب عمه بقوله يا باشا – وتارة يا سعادة الباشا – وأخري سعادتكم .
قد يكون للمجتمع الذي يتمي إليه عثمان أثر في استخدامه لصيغ الخطاب هذه فكل شخص في المجتمع المصري له لقب يخاطب به فالعامل الصغير هو الأسطي والمهندس هو الباش مهندس ، مجتمع لا يترك الألقاب حتي ولو أسقطت من دستوره الوطني .
وقد يكون للتربية التي ترياها عثمان في العزبة هي التي جعلته يخاطب عمه بهذا الأسلوب ، فالحق عند الحاصل علي الباشوية إذ لابد علي الكل أن يناديه بها حتي أهله المقربون ، ولنعد لعثمان فهو حتي إذا كان مع عمه علي أنفراد يناديه ” يا باشا ” ولم يجرؤ علي ندائه بيا عمي إلا في موقف الحقد والنميمة علي عبدالخالق .
ثانياً : الخطاب الذي دار بين الباشا وابنيه حلمي وعبدالخالق :
أ – خطاب الباشا لأبينه والمقارنة بينهما .
– لا يستطيع الإنسان أن يعمل يا بني إلا وهو مطمئن ([26]).
– اصبر يا حلمي . ([27])
– احتمل يا حلمي . ([28])
– هذا كان خطاب الباشا لأبنه حلمي والآن لنر خطابه لعبد الخالق .
– ألو ، عبدالخالق قررنا السفر . ([29])
– أنت مجنون . ([30])
– أخرس ويا كلب ([31]).
– تتمني لنا الفضيحة يا عبدالخالق ([32]).
– يا سافل .. يا منحط .. يا كلب . ([33]).
– تهدد\ني يا وغد ، تريد أن تقتلني ([34]).
ولكن صيغة الخطاب لعبد الخالق تأخذ زاوية وحادة فيما بعد مع أن المتكلم أبوه .
– عبدالخالق ، عبدالخالق ، أنا أبوك يا حبيبي .
– عبدالخالق سامحني يا بني ([35]).
– عبدالخالق ابني عبدالخالق سامحني يا بني ([36]).
التحليـل :
لو قارنا بين خطاب الباشا لابنه حلمي ووخطابه لابنه عبدالخالق قبل مرضه الأخير لوجدنا أنه مع أن الأثنين هما إبناه إلا أن الخطاب الموجه إلي حلمي يدل علي أن العلاقة بين حلمي وأبيه علاقة محميمة وهي عكس ذلك مع عبدالخالق ” يا سافل ” – ” يا منحط ” – ” يا كلب ” كل هذه الألفاظ لا تصدر إلا من عدو لا عدوه ، ومع هذا فقد استخدمها ومع ابنه * كأنه سيد عبدالجواد مع أبنه الألفاظ السابقة مع يا وغد أيضاً هي ألفاظ تستخدم عادة في الطبقات الشعبية في مصر وهنا في هذا المجال واستخدمت من الباشا وهذا يشير إلي أن هذه الأساليب في الخطاب تستخدم في جميع الطبقات الاجتماعية علي السواء في ظروف معينة .
أخرس يا كلب لو تمعنا في هذا الأسلوب قليلاً لوجدنا أنه خطاب للمجتمع المصري خطاب يدل علي موقف غضب من الشخص الذي تخاطبه أستخدمت فيه اللهجة المصرية القاهرية واستخدم ” اسم الكلب ” كاسم مستعار يدلل علي صفة النجاسة وهو أسلوب مستخدم في كل المجتمع العربي في موقف الغضب .
الموقف السابق كان موقف غضب الباشا الأب من عبدالخالق ، ولكن الموقف الآ ن تغير حيث أصبح عبدالخالق في عداد الموتي ، الباشا في السابق كان يحارب ابنه واهياً لما يقول لكنه بعد رؤيته حالة أبنه بدأ ألا وعي وأخذت مشاعر الابوة تنفجر دون إحساس فأخذ يخاطبه بـ ” يا حبيبي ” مع أنه لم يقلها لـ ” حلمي ” ابنه المدلل طوال الرواية هنا موقف الخوف علي الولد كان سبباً في اختيار الباشا دون الشعور لمثل هذه الألفاظ عكس الألفاظ السابقة في موقف الغضب .
والأساليب التي استخدمها الباشا مع أبنائه هي أساليب وصيغ شايعة في المجتمع العربي عامة فالأب في خطابه مع أبنائه لابد أن يظهر صفة الأب السيد المتحكم في المنزل الذي يطاع ولايرد عليه في خطأ الخطاب بالضمير هو دليل علي البرود في العلاقة .
ب- خطاب حلمي لأبيه الباشا .
– الكرافاتة التي تلبسها يا بابا تشبه الكرافاتة التي يلبسها رفعت الباشا ([37]).
– إنك يا باشا تظلمه . (41)
– صباح الخير يا بابا (42) .
– اسمح لي يا بابا أن أحضر ملفاً . (43)
– يؤسفني يا باشا أن أقول إنه يغشك كل هذه السنين .(44)
التحليـل :
من المؤكد أن لطريقة الخطاب أثراً علي نفسية المخاطب فها هو ذا حلمي محينما يكون معه أبوه في لحظة عائلية لحظة ود وانسجام يقول ” يا بابا ” ونظراً لطبقته الاجتماعية التي هو منها نراه يخاطب والده بـ ” يا باشا ” ليبدي مدي احترامه لوالده ومنصبه ، وليرضي غرور التحكم والسيطرة للأب عند الباشا ، كما أن موقف العلاقات الأسرية لا يستدعي المبالغة في تقديم الاحترام أثناء الخطاب وفكلمة ” بابا ” كلمة تحمل معاني الاحترام والتقدير للوالد ، وهذه الكلمة تكفي في الخطاب بين الابن وأبيه ولكن هذا الأمر اختلف عند حلمي فتراه يغير صيغ الخطاب حسب الموقف ، فإن كان موقف رهبة وخوف من غضب الوالد حاول كسب وده دون ثورة عليه بمخاطبته بيا باشا ” وإن كان صلحاً وحديثاً بين أب وابنه خاطبه بـ “: يا بابا ” .
من سياق الخطاب نستنتج أن حلمي يقدر أباه ويحترمه فيظهر بذلك أنه الصغير الذي لابد له أن يحترم أباه ويسايسه ولا يقف متحدياً له ، وهو العرف الذي تعود عليه الأبناء في المجتمع العربي احترام الأبن لأبيه وأمه .
ج – خطاب عبدالخالق لأبيه وأمه .
بعد أن رأينا كيف يخاطب الابن أباه من خلال حلمي لنر – كيف يخاطب ابن آخر أباه مع الفرق الشاسع في المعاملة بين الاثنين وتفضيل أحدهما علي الآخر .
– أنني لم أطلب منك أن تبيع أرضك . (45)
– إن كنت لا تقبل ذلك فغطني بأموالك . (46)
– أسكت يا ظالم.. يا ظالم . (47)
– أنت ظالم .. أنت ظالم (48)
التحليـل :
نستطيع الحكم الآن من خلال هذه الأساليب السابقة في الخطاب الموجه من عبدالخالق لأبيه أن عبدالخالق يبادل أباه نفس الشعور وأن علاقته بأبيه علاقة باردة فأنت لا تخاطب شخصاً بالضمير إلا إذا كانت صلتك به باردة أو لا تعرف اسمه ، أما الأب فالحديث معه يتم بأسلوب آخر وصيع أخري ، لكن عبدالخالق هو الابن المخالف لأبيه هو المتحدي له الذي يريد كسر جبروته وسيادته والفرق ساشع بين خطاب ابن يحب أباه وابن يكرهه ابوه ويكره اباه المحب يقول ” يا بابا ” و ” ياباشا ” أما المضطهد فيخاطب بالضمير فقط شعور متبادل وصيغ متبادلة بين الاثنين الباشا استخدم الضمير في خطابه له فرد له عبدالخالق ذلك ، إنه التحدي بأن خاطب اباه بـ ( أنت ، منك ، أنت ، كنت ) صيغ تحمل في طياتها التحدي والثورة علي العرف الذي يحتم عليه احترام أب كهذا الأب القاسي .
إن الطريقة التي خاطب عبدالخالق بها أباه هي في المجتمع العربي ” قلة ذوق ” وعدم تربية فالابن لا يخاطب اباه إلا ” بيا ابي ” حتي وإن كان مخطئاً فالاحترام والتقدير الأب واجب .
ثالثاً : الخطاب الموجه من بثينة زوج عبدالخالق لحماها الباشا :
(أ) خطابها حينما كانت تحلم بالجاه بعد موت الباشا فتتودد إليه من أجل أن يوافق علي زواج أختها إلهام من حلمي فتراها تستخدم أساليب منمقة وتخاطبه باحترام زائد لأجل تحقيق هدفها فتقول :
– جئت يا باشا أحدثك في موضوع يحتاج إلي سعة أفق ورحابة صدر (49) .
زواجه يا باشا لا يحتاج إلي تفكير (50) .
(ب) لنر الآن خطابها له بعد فشل مرماها وخيبة آمالها وصدمتها فيه وفي ابنه وبد أن سقطت في شرك رفعت وجاء لها الباشا يؤنبها علي ما فعلت .
– أعرف يا حاج الكثير . (51)
– يا سليم افندي (52)
– تفضل يا سليم افندي (53)
– اسمع يا سليم إفندي (54)
التحليــل :
من الواضح أن طريقة وصيغ الخطاب قد تبدلت فبعد أن كانت تخاطبه ” بيا باشا ” جاء لها وقت تخاطبه ” بيا حاج ” والإنسان حينما يخاطب شخصاً بيا حاج في مصر إنما يعني أنه يعلي من شأن من يخاطب ، ولكن بثينة خاطبت حماها بذلك لثتبت له أنها تعلم أنه يعمل الموبقات مستتراً تحت هذا اللقب .
ثم إننا نري كيف أنها زادت في تحقيره عندما نادته بيا سليم أفندي ، بعد أن كانت تخاطبه ” بيا باشا ” في الأول ، وهي بذلك إنما تريد القول وله بهذا التحقير إنها وهو علي السواء في الحقارة فهي لم تراع حقه عليها في الاحترام لكونه حماها من ناحية ولكونه أكبر منها سناً من ناحية أخري لأن احتقارها له ولابنه جعلها تقف موقف المخاصم للباشا فتتحداه لتكسر وقاره المصطنع وهي بذلك لا تريد نصيحة من إنسان ساقط طبيعة المرأة هكذا فإذا ما تطلب الأمر الدفاع عن نفسها وقفت كالثعلبة شرسة فلا ترعي حرمة من يحتقرها أو يمسها بسوء الطبقة التي تنتمي إليها بثينة .
كانت دافعاً لها في استخدام هذا الأسلوب مع حميمها الذي جاء محقراً لها ، فلو كانت من طبقة فقيرة وجاء لها من يحقرها علي خطأ أرتكبته لما استطاعت حتي رفع رمش عينيها من الحياء لكن علي عكس ذلك كانت بثينة التي تمادت بتصغير لقب الباشا والتآمر عليه بقولها ” اسمع يا سليم افندي ” تستخدم مع من هو أكبر منها الاسم .
رابعاً : الخطاب بين أمينة هانم وزوجها الباشا :
– ابي في قبره يا باشا (55) .
– ما رأيك يا باشا أن تحادثهما .. (56)
التحليل :
لأن أمينة هانم تمثل المرأة المصرية فيما مضي فهي تعبد زوجها وتقدسه كما لو كان إلهاً ، وأمينة تمثل أيضاً المرأة كما تصورها نجيب محفوظ في ثلاثيته المعروفة (*) وخطاب الزوجة لزوجها بهذا القدر من الاحترام إنما يشف عن عادة المجتمع الشرقي الذي يربي البنت منذ الصغر علي أن تجعل من زوجها إلهاً تجعله كالتاج علي رأسها ولومس ذلك كرامتها فالبنت تري أمها تحترم أباها وتقدسه فكذلمك هي تفعل عندما تكبر وتصبح زوجة وما زوجة الباشا إلا نموذج لطبقة معينة من المجتمع الشرقي ولكنا نقيس عليها المجتمع العربي ككل ، ويكون الفرق في اللقب في الخطاب فقط ، فهذا الخطاب قد يكون يا سي السيد أو بيابو محمد أو يا ابن عمي أو يا .. إلخ
خامساً : متناقضات الواقع من خلال الرواية :
أ) أضرب .. أضرب يا حاج هتلر (57)
– هذا الخطاب من بواب لا ثقافة له وهو من الطبقات الكادحة في المجتمع المصري في موقف إعجاب بما يفعله هتلر إيان موقعة العلمين ، هذا البواب لا يعرف لقباً في خميرة ذهنه أعلي من كلمة ” يا حاج ” ليطلقه علي هتلر فهو ابن البيئة التي يعيش فيها ولقب حاج هو لقب عظيم لا يخاطب به إلا من له مكانة ووقار واحترام في قلوب الناس عند المصريين ومن هنا نجد هذا البواب المسكين الذي لا يعلم بما يجري حوله يعبر عن فرحته بهتلر فيناديه بيا حاج ، ولو كان من طبقة غير الطبقة التي ينتمي إليها أو ذا ثقافة أعلي من ثقافته الذاتية لخاطب هتلر بياسي أو ” يا مستر ” أو ” يا مسيو ” لكن هذا الخطاب لو موجه إلي هتلر في زمانه لما فهمه .
ب) كيف الحال يا خالة ؟ (58)
هذا خطاب موجه من الباشا لامرأة عجوز باليه الثياب والعظام والإنسان عادة لا يخاطب امراة ((بيا خالة))الااذا كانت فى منزلتة من قلبة وكثيرا ماينادى فى مجتمعات اخرى المراْْْة اْيا كانت (( بيا خالة)). اماعن موقف خطاب الباشا لهذة العجوز المسكية‘ فكان القصد منة التملق للناس الطيبين من الا نتخابات ولايريد بةاحترامها. فحينما يصل هذا الخطاب لكل الذان الموجودة انذالك سيقول الذين لايعرفون انة انسان طيب ومتواضع‘ لذلك خاطبها بذلك منزلا من قدرعظمة. ولكن تملقه هذاتعرف هذه العجوز لذلك تردعلية ((بالحمد لله)) ‘ فلو كانت ترى انه صادق لردت ب(الحمد لله يا بني) لكنها ردت باسلوب يدل على الامتعاض له ولإعماله التى باستغلالهم لاغراضه ومصالحه .
– لنر موقفامغايرالباشا مع الفلاحين .(59)
– اتريد ان تقتله ؟ اتريد خراب بيتي يا كلب؟(60)
نلاحظ ان الموقف من الفلاحين قد تبدل. الاحترام الكاذب لتلك السيدة تحول إلى خطاب بيا((كلب يعني تحقيرا لهذا الفلاح الفقير لاجل ماذا ؟
ج-يافاجر.(61)
هذاخطاب من عبد الخالق موجه الى مرسى فى مداعبة. ومع ان هذا لايليق في العربى ولايلق بمكانة عبدالخالق الجتماعية وتربيتة ‘لكنة مثلها يقال من عاشر قوما غدا واحد منهم.عبدالخالق يعرف أن مرسى رجل سمعته سيلة وهو صديق له ويعلم أْهذا لايضايق مرسى لنقارن إذن هذا الموضوع برأى المجتمع فيه لووجه هذا الكلام إلى فاجر لما رضى بذا القول فما بالك بشخص يوجه إليه هذه الشتيمة أو شبا ئم أشد وأقسى من هذه الشتيمة ؟ ! لكن مرسى ضحك لقول عبد الخالق 0
د _ يامنافق يابن الكلب 0 ( 62 )
هذا الخطاب من الممثلة الكبيرة ذات الشخصية الشاذة موجها لمرسى أيضا وكان الموقف موقف مداعبة ، هذا ليس غريباً علي هذه الطبقة من المجتمع فالشاذ لا يلد منه إلا شاذ وإنما الموقف مولد الكلمة وهذا الخطاب يدل علي انحطاط المستوي الأخلاقي لهذه الجماعة بحيث يقبل كل منهم أن يخاطبه الآخرون بهذه الصيغ كذلك يخاطب هو الآخرين بهذه الصيغة .
هـ- اتفضل يا باشا (63) :
– يا مساء الدور يا عبد (64)
هذا الأسلوبان في الخطاب موجهان لعبد الخالق من شعبان في البداية كان شعبان يخاطب عبدالخالق ” بيا باشا ” رغم أنه لم يحصل علي البكوية وذلك من أجل التودد إليه فقط .
وبعد أن يتعود كل منهما علي الآخر نزول التعقيدات والألقاب ويبدأ شعبان يخاطب عبدالخالق مستخدما التصغير لأسمه وهذا يحدث بين الأصدقاء والمحبين ولمصلحة عبدالخالق وحاجته للمال من شعبان نستطيع القول بأنهما علي علاقة صداقة مصلحة .
و – فرق كبير يا سيد مرسي بين من ينتظر حتي يؤمر وبين من يتطوع . (65)
هذا خطاب من استاذ موسيقي ينتمي لنفس طبقة الجماعة المحيطة بعبد الخالق يخاطب فيه مرسي ، لكن مع هذا نري أن الأستاذ يستخدم أسلوباً يدل علي وعي وثقافة فهو يعرف مرسي ويعرف كل ما يدور في هذه الجماعة إلا أنه لم يستخدم الأساليب الشاذة في الخطاب وربما يريد بذلك أن يجذب الانتباه له باحترامه للآخرين فيحترموه كفنان ويحترم بذلك كل ما يقدمه من فن .
ز – عل يقفا من يشيل يا ست (66)
خطاب معروف لا يصدر إلا عن المصريين وهو بلهجة مصرية مستخدمة علي مستوي عام في مصر ، المقصود به التقليل من شأن الشئ وهنا عبدالخالق يستخدمه لتقليل من شأن مرسي وهو جالس معه .
ح- سمعت يا أستاذ آخرقطعة سجلتها كانت تحقه . (67)
مع أن عبدالخالق يتكلم مع أحد أعضاء الشلة السابقة الذكر إلا أنه مع الأستاذ يستخدم هذا الأسلوب الذي يدل علي الاحترام الواضح ، الأستاذ يعامل الناس باحترام لذلك يعامله الناس كذلك المثل يقول عامل الناس مثلما تريد أن يعاملوك – رأينا كيف خاطب عبدالخالق مرسي وكيف خاطب الست الممثلة في المثال السابق .
ط – أنا اليوم الطباخ وأنت سيدتي وأنا عبدك (68) .
خطاب موجه من حلمي لحبيبته ” أيفا ” فلو كانت هذه المرأة زوجته وهو كرجل شرقي لما قال لها ذلك ولما خاطبها بهذا الشكل . فلو قالها لزوجته لاعتبر نفسه يهين من شأنه ويقلل من مكانته التي وهبتها له العادات الشرقية ، أما مع إيفا فالأمر يختلف هي فتاة غريبة فلابد أن يثبت لها الجوانب الحلوة في حياة الرجل الشرقي لكي يجعلها تحبه وربما كانت لثقافته أثر في تكوين هذاالأسلوب للخطاب وربما كان لمدي العلاقة بينه وبينها سبب في اختيار هذه الألفاظ وهذه المعاني والتي تعبرعن حبه لها .
سادساً : الموقف واحد والخطاب صيغة مختلفة :
أ – استخدم مرسي في الخطاب مع رفعت في موقف يريد منه السكوت عن ذكر شئ للناس فخطابه كالآتي :
– يا شيخ حرام عليك . (69)
– اتق الله يا شيخ . (70)
كما أن هناك خطاباً موجهاً من بثينة إلي رفعت وفي نفس الموقف ولكن الأسلوب اختلف فنراها تقول :
– حرام عليك يا رفعت البلد زاخرة بمن يستحقون هذه الزعامة . (71)
المخاطب في كلتا الحالتين واحد وهو رفعت ولكن اختلف المتكلم ففي الأول كان المتكلم مرسي وفي الثاني كانت بثينة والموقف واحد أيضاً .
ولنقارن الآن بين الصيغتين ، مرسي استخدم كلمة ” يا شيخ ” في الخطاب الأول وكانت الكلمة في البداية وفي الثاني كانت في النهاية وهي صيغة مستخدمة في المجتمع المصري فالرجل يقول للرجل ” حرام عليك يا شيخ ” وللمرأة حرام عليك يا شيخة ، وكذلك بالنسبة للمرأة في استخدامها لهذه الصيغة ، ولكن هذه الصيغة تستخدم بين من لهم معرفة ببعض ، معرفة أكيدة بين الجارة وجارتها وبين الأخت وأختها ، وقد يستخدم هذا الخطاب في حالة الاستعطاف أما بثينة فقد استخدمت الاسم وربما كان ذلك لتحفظ منها فهي تحادث رجلاً غريباً عنها ، كذلك هي قدمت ” حرام عليط ” بينما مرسي آخرها .
هذا الخطاب يستخدم علي مستوي عام في مصر ، مرسي استخدم الخطاب وهو من شارع سليمان باشا ولا ثقافة له وكذلك استخدمتها بثينة بنت القاهرة ذات الثقافة وبنت الأعنياء .
(ب) متشكر يا عمو (72) .
– شكراً لك يا جدي (73) .
إن أسلوب الخطاب هذا كان من محمد الطفل “ابن السابعة وهو ابن عبدالخالق لكل من عمه وجده ولنر الفرق : مع أن الموقف واحدوالمتكلم واحد إلا أنه استخدم لكل شخص صيغة معينة في الخطاب ، مع عمه القريب منه في العلاقة قال بلهجة مصرية بحتة متشكرين يا عمو ( حيث استخدم التصغير للكلمة عمي ) ، ومع جده الذي لأول مرة يراه وهذا يتمشي مع مقام كل مخاطب منهما ، وهذا دليل علي تربيته الشرقية والتي تحتم عليه احترام من هم أكبر سناُ وأن يبدأهم هو بالتحية ، ويبين لنا العرف المتبع في هذا المجتمع القائم علي أنه لكل مقام مقال .
ج – العفو ، أنت الخير والبركة . (74)
خطاب موجه من أمينة هانم زوج الباشا لشيخ كبير طاعن في السن عرف بالتقوي والصلاح استخدمت فيه الضمير أنت بدل الأسم لأن هذا لا يليق في العرف ، فهل يعقل أن تنادي امرأة فاهمة بالتقاليد شيخاً كبيراً باسمه ، وهذا الخطاب هو خطاب تعود عليه مجتمعنا العربي كرد علي إنسان يحاول متواضعاً التقليل من شأنه وهذا من باب الأحترام بين الناس .
الباشا أيضاً استخدم نفس الأسلوب في موقف مشابه :
– أنت الخير والبركة يا ست أنهار (75) .
الباشا استخدم الأسلوب مجاملاً لهذه السيدة أيضاً .
ومن هنا نلاحظ أن أمينة هانم استخدمت هذا الأسلوب لفارق السن والمكانة الاجتماعية والدينية لهذا الشيخ بينما الباشا استخدم الأسلوب لغرض المجاملة وتصنع أنه يرفع من مكانتها .
سابعاً : الخطاب الذي دار بين إيفا وحلمي :
– حلمي ، حلمي (76)
– حلمي لكم اشتقت إليك ، بالله لا تغب عني . (77)
– بل أنت سيدي ورجلي وحبيب الفؤاد (78) .
– وأنت يا طفلي الكبير سصتبح أباً (79) .
إن العلاقة بين إيفا وحلمي هي علاق غرام ومع هذه العلاقة تذوب الفوارق والألقاب ويكتفي معها الخطاب بالاسم ونظراً لكون إيفا في مجتمع عربي فهي ترضي غرور الرجل العربي المتمثل في حلمي بخطابها له بـ ” أنت سيدي ورجلي وحبيب الفؤاد ، كأن إيفا ست مصرية ، فالست المصرية كثيراً ما تخاطب زوجها بقولها ( أنت سيدي وتاج رأسي ) ، ويعتبر هذا انعكاساً من البيئة علي الفتاة النمساوية إيفا وفي خطابها له ” أنت طفلي الكبير ” هذا الخطاب لو قيل لشاب صغير من أعز الناس عليه لقال ” لا أنا رجل “.
وقد يتضايق رجل من قول رجل آخر له أنت طفل لكن الموقف مع حلمي يختلف لكون المتكلم له امرا فالمرأة إن قالت هذا لرجل فهي توده كما تود الأم ابنها مع اختلاف في سمو العلاقة ولثقافة غيفا الغربية أثر في مخاطبتها فهي عرفت من خلال اختلاطها بالرجال في مجتمعها كيف أن الرجل تؤثر فيه مثل هذه الكلمات ، وما الموقف الذي وجهت فيه هذا الكلام إلا محاولة منها التمهيد لموضوع حملها غير الشرعي منه .
ثامناً : مع أن الشخص المخاطب واحد والموقف واحد إلا أن لكل إنسان طريقته في التعبير وتركيب الكلام :
ولنقارن الأن بين خطاب حلمي وأمينة لعبد الخالق في موقف مرضه ويأسه من الحياة وضيقه من كره أبيه له .
الأم لعبد الخالق – ستعود يا بني لبيتك ولشبابك . (79)
حلمي لعبد الخالق – ستعود يا عبدالخالق لدارك قريباً (80)
من الملاحظ أن الأم استخدمت الصيغة المصرية المناسبة وهذا يدل علي ثقافتها التي استقتها من البيئة المصرية ، وأنها كأم وزوجة أب خاطبته “بيا بني ” أما حلمي فقد انعكست ثقافته علي طريقة خطاب لأخيه لكونه أخاه فقد خاطبه بالاسم .
ولنرخطاباً آخر لهاتين الشخصيتين وفي نفس الوقت السابق . الأم – لا تصدق يا بني أن الباشا لا يحبك (81) .
حلمي- لا يا عبد الخالق ، لا تستسلم ليأسك هذا (82) .
كلاهما كان متشفقاً علي عبدالخالق لكن لكل منهما أسلوباً صاغه للخطاب فأمينة كبيرة في السن فمن هم في سن أولادهما تخاطبهم بأبنائها وهذا طبيعي في المجتمع الشرقي عامة ، أما الأخ فيخاطب أخاه بالاسم بينما الإنسان العربي إذا تخاطب مع شخص آخر يقول في خطابه له “يا أخي ” نظراً للأخوة التي بينهما وذلك عن طريق الدم العربي .
تاسعاً : إن الحالة النفسية ساعة الحديث لها أثر في طريقة الخطاب وصياغته :
فها هو ذا عبدالخالق عند قدوم زوجة أبيه لعيادته يبادرها بالتحية كما هو معتاد
في المجتمع العربي حيث إن الصغير يقوم إجلالاً للكبير فقال لها ” الحمد لله علي السلام يا حاجة ” (83) .وهو هنا يدلل علي أنها ذهبت للحج واستخدم الصيغة المصرية المعروفة
( حتي وإن كانت لم تحج ) خطابه لها بـ ( يا حاجة ) فيه احترام كبير لها وبعد أن رآها تبكي شعر أن هذه التي تبكي إنما تبكي لحرقة في قلبها كحرقة الأم ، ومع أنه لم ينادها ” بيا أماه ” في حالته هذه خاطبها بقوله “لا تبكي يا أماه ” (84) .
من كل ما سبق في خطاب عبدالخالق لزوجة أبيه يتبين أن عبدالخالق يحترم ويقدر زوجة أبيه أكثر من احترامه لأبيه نفسه ،وإنما المعاملة عند عبدالخالق حتي في الخطاب تكون بالمثل زوجة أبيه تخاطبه ” بيا بني ” فليس غريباً أن يخاطبها ” بيا أماه ” أو ” يا حاجة ” بينما أبوه يخاطبه بالضمير فيبادله بالمثل .
عاشراً : إن التقارب في السن والطبقة الثقافية يحرر الإنسان أو الشخصيات من قيود الألقاب المبالغ فيها أحياناً كـ ” يا باشا ويا سيد ويا مدام ” أو من قيود استخدام المهنة كلقب مثل ” يا أستاذ ويا دكتور ويا باش مهندس كل هذه الألقاب تسقط مع عدم الفارق في شئ ” .
في الرواية ثلاث شخصيات ينطبق عليهم ذلك وهم حلمي وبثينة وإلهام استخدمت كل من بثينة وإلهام صيغاً لغوية من صميم مجتمع القاهرة ولم تستخدما أي لقب أو نوع من الأسماء المستعارة في الخطاب معه وهذا يشير إلي أسباب ذكرناها سابقاً .ولنعد إلي خطاب حلمي لهما :
– بالله عليك يا إلهام قولي لي كيف تطبخ الملوخية (85).
– بثينة إنني مشغول جداً هذه الأيام أستعد لإعلان خطبتي (86) .
إن منطريقة خطابه لهما نستدل علي أنه يعاملهما مثل أختيه ، وبما أنه أعتبرهما كذلك فهذا يعني ألا فروق بينهم سواء في السن أو الطبقة أو التعليم .
الحادي عشر : الصيغ المستخدمة عند الخدم والفلاحين والممرضات تكاد تكون واحدة :
فمجال العمل الذي هم فيه يجعلهم يستخدمون نمطاً واحداً لا يتغير من الصيغ سواء كان الشخص الذي يخاطبونه أو الذي يعلنون قدومه صغيراً أم كبيراً أو عظيماً أو حقيراً فأسلوبهم هو : الفلاح ينادي حلمي – حلمي بك .. حلمي بك (87) .
الخادم يعلن قدوم إلهام – إلهام هانم وصلت (88) .
الخادم يرد علي التلفون – حلمي بك يطلب حضرتك (89)
الخادم عند إعلان قدوم شعبان ومرسي شعبان بك ومرسي بك (90)
الممرضة تخاطب عبدالخالق – عبدالخالق بيك حان ميعاد الحقنة (91) .
هذه طبقة من المجتمع المصري جعلتها مهنتها تستخدم الألقاب في خطابها مع من هم أعلي مرتبة فالخادم أصحاب البيت صغيرهم وكبيرهم أسياده وكذلك كل ضيف يأتي لهؤلا الأسياد ، أما الفلاح فعنده كل لابس بدلة ” بك ” بالإضافة إلي أسياد بلدته ، أما الممرضة فعملها الذي وهبت نفسها له جعلها تراعي نفسية كل مريض وأن تحاول دائماً إرضاءه قدر استطاعتها وهذا الخطاب يعتبر أقل واجب تقوم به .
الثاني عشر : نموذج آخر للطبقات الاجتماعية في مصر يستخدم فيه أعضاؤه كلمات غير عربية في الحديث والخطاب للغير :
ويمثل هذه الطبقة في الرواية شعبان إذ يخاطب الناس كما هو واضح من الأمثلة الآتية باللغة الفرنسية :
– صلي علي النبي يا إكسلانيس (92) .
– هذه أشياء بسيطة يا شيري (93) .
– يا شيرين يعني يا عزيزتي بالفرنسية يا إكسلنس (94) .
ونظراً لأن شعبان عاش فترة الحرب مع الأجانب لذلك طغت علي مخاطباته هذه الكلمات الأجنبية – وهو حينما يتحدث بهذه الكلمات يريد بهذا أن يغطي علي الأمية التي هو فيها لذلك يحاول جاهداً أمام بثينة زوجة عبدالخالق أن يبتعد عن اللهجة “البلدي ” فنراه تارة يخاطبها ” يا شيري ” واخري ” يا شيرين ” بدل ” يا عزيزتي ” أما الرجال فيخاطبهم ” يا إكسلانس ” وربما شعبان هذا يريد أن يعلي من شأنه أمام الآخرين الذين يرونه أنه لولا ما معه من فلوس لأصبح لا يساوي شيئاً فهو كما وصفته الرواية لا جمال ولا أخلاق وإنما كل ما لديه هو المال الذي حصل عليه بطرق غير مشروعة أثناءالحرب .
الثالث عشر :خطاب الناس مع شخص ما يختلف حسب مركزه :
فإن كان في الأول استاذاً قالوا له ” يا استاذ ” وإن أصبح فيما بعد ناظراً قالوا له ” يا حضرة الناظر أو ( يا سعادة المدير ) وهكذا ، وفي الراوية هذا ينطبق على تاريخ الباشا ، فقبل الباشوية كان الناس ينادونه ( سليم بك ) وبعد أن أخذ الباشوية صار ينادي بـ ( يا باشا) أو ( يا سعادة الباشا ) وبعد سقوط الباشوية صار الناس تخاطبه بـ ( يا سيد سليم )
الرابع عشر :- في الخطاب بين الأباء والأبناء :-
في خطاب أمينة هانم لأبنها حلمي
– حلمي ، غارة ، حلمي غارة (95 ) .
– ذهب الى المكتب يا حبيبي (96 ) .
– لا يا حلمي أنت مخطئ وللباشا كل الحق أن يغضب منك (97 ) .
– تعال ياحلمي أقعد معنا (98 ) .
– شد حيلك يا حلمي وهات لنا نونو (99 ) .
وخطاب عبد الخالق لأبنه الصغير محمد :-
– سافر يا بني وتمتع بالصيف (100) .
– محمد أدر زر الكهرباء (101) .
– محمد تعالى (102) .
– خطاب الأبن محمد لأبيه (103) .
– بابا أنا محمد .. بابا .. بابا (104) .
– رد علي يا بابا (105) .
من الملاحظ أن العلاقات الأسرية كعلاقة الأم بأبنائها وعلاقة الأب بأبنائه هي علاقات يسودها الأحترام من الأبناء للآباء والعطف من الآباء على الأبناء ، لذلك نشاهد الأم كثيرا ما تخاطب أبنها بأسمه بوقع خاص على قلبه كالرنين الموسيقي على الأذن .
كذلك تخاطبه ( بيا حبيبي ) وهذا أحساس صادق لمشاعرها نترجمه بهذه الكلمة , وهذه الكلمة الحساسة تستخدمها الأمهات في كل المجتمعات تقريبا . ففي مصر وبأختلاف اللهجات الا أن الكل ينادي أبناءه ( يا حبايبي ) وفي الغرب ومع الأختلاف في اللغة تبقى كلمة (My Love) تمثل ( يا حبيبي ) وما خطاب أمينة هانم لأبنه الا من هذا النمط ، حيث أستخدمت اللهجة المصرية للأم المصرية لمخاطبته بأسمه تارة والتعبير بأحساسها تارة أخرى وهذا طبيعي وغير متكلف فيه فهي أم كما يقولون .
أما الأب فله أسلوب آخر في خطاب ابنائه فمع الصغير منهم خطابه له كطفل لطفل ومع الشباب كشاب لشاب مثله ومع الرجل كرجل لنده وهو بذلك يأخذ بالمثل الشائع ( ان كبر أبنك خاويه ) وخطاب عبد الخالق لأبنه كرجل للبيت بعد مرضه .
والخطاب مع الأم لابد أن يسوده كل الأحترام والتقدير ، لذلك نرى حلمي يخاطب والدته بكل ود وأحترام حتى وهو يرجو منها عدم أيقاظه ولو كان الخادم من يوقظه لما رجا منه بل ربما كان شتمه .
الخاتمة :-
مما سبق من تحليل لمختلف صيغ المخاطبة لهذه الرواية يتضح أن للغة علاقة وثيقة بأي مجتمع كان من المجتمعات البشرية وهي هنا لغة لها علاقة بالمجتمع المصري القاهري أكثر من غيره . وأن هذه اللغة هي مظهر من مظاهر السلوك الأنساني . وأول مظاهر السلوك اللغوي هي التحية بأنواعها ، والمخاطبات بين الناس والتي يظهرون فيها التأدب والتطلف تارة والقسوة والخشونة تارة أخرى . وكذلك تظهر هذه السلوكيات في المناسبات الأجتماعية المختلفة حيث تستخدم الناس عبارات مختلفة وتكون لهذه اللغة المستخدمة في المخاطبات الأجتماعية وظيفة أجتماعية أخرى حيث انها في كثير من الحالات تدل على الطبقة الأجتماعية والمركز الأجتماعي الذي يشغله كل من المتكلم والمخاطب على السواء ، كما أنها تدل على نوع ومستوى العلاقة الأجتماعية بينهما واللغة تعتبر وسيلة لأصدار الأوامر ، وأعطاء معلومات بعد اسئلة ، تستعمل أيضا من أجل التعبير عن المشاعر المختلفة من سعادة وفرح وغضب .
ولعل أبرز وأهم نقطة حيث تؤثر العوامل الأجتماعية على اللغة هي بأختيار صيغ المخاطبة . وفي رواية ( الحصاد ) التي تم عرض بعض صيغ المخاطبة فيها عدد من الكلمات المختلفة للضمير (أنت) للرجل (وأنت) للمرأة فأحدى هذه الصيغ تستعمل لمن هو في مركز أجتماعي أو أقتصادي اقل من مركز المتكلم . وصيغة أخرى تستعمل في مخاطبة من هم أقل قرابة أو معرفة أو أعلى أجتماعيا بالنسبة للمتكلم . وتعدد وأختلاف صيغ المخاطبة في نموذجنا هذا ( الحصاد ) توضح أن أستعمال الضمير الشائع( أنت – أنت ) كان محكوما بقوتين هما السلطة (power) والتضامن (Solidarity) واللتين أشار اليهما فاسولد R.Fasold في دراسته القيمة التي بدانا بها هذا البحث . فالسلطة تسحب أو تشتق من الحالة الأجتماعية العليا أو الدنيا أما للتضامن فيأتي من (الألفة والمودة ) والمصير المشترك ومع ذلك فأن تحليل صيغ المخاطبة في (الحصاد) يكشف لنا أنها تختلف أختلافا كبيرا من مجتمع لآخر ومن جماعة اجتماعية لأخرى ومن مستوى أجتماعي الى آخر . هذا بالأضافة الى الفروق الواضحة من متكلم لآخر والأهم من كل هذا فقد وجدنا أن معامل (السلطة) كما عبرت عنه صيغ المخاطبة في (الحصاد) قد أنهار تحت تأثير قوة التضامن مما يؤكد الطبيعة العربية المعروفة منذ التاريخ .
ان صيغ المخاطبة في اللغة العربية كما ذكرت في هذه الدراسة تؤكد أنها أكثر تعقيدا من مثيلاتها من لغات أوربا وربما في بعض اللغات الشرقية بتقاليدها القديمة .
([1]) عميد معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامكعة سنيور بولاية بورتلاند ، الولايات المتحدة الأمريكية .
([2])
([3])
([4])
([5])
([6])
([7])
([8])
([9])
([10])
([11])
([12])
([13])
([14])
([15])
([16])
([17])
([18])
([19])
([20])
([21])
([22])
([23])
([24])
([25])
([26])
([27])
([28])
([29])
([30])
([31])
([32])
([33])
([34])
([35])
([36])
([37])
بواسطة admin • 01-دراسات • 0 • الوسوم : العدد الثانى, سامي عياد