الشعريــــة وانفــتاح النصــوص – تعددية الدلالة ولا نهائية التأويل
د. خيرة حمر العين – جامعة وهران ـ الجزائر
1 ـ النزعة العالمية للتأويل
ارتبط مفهوم التأويل في بداية التأسيس بالتأويل الرمزي أو الباطني الذي كان يهتم بتفسير الكتب المقدسة ، وقد تطور هذا المفهوم ليشمل الثورة المنهجية التي رافقت تحول الوعي النقدي ، وتصبح بذلك الهرمينيوطيقا أساسا منهجيا ونظريا لكثير من القضايا الفكرية والأدبية . وقد شكل تحليل النصوص الأدبية ، وتفسيرها محورا جوهريا لامتحان خصوصية التأويل من حيث كونه إعادة بناء وتصور للمعنى وليس بوصفه بحثا عن معنى .ومن ثم فإن دور المؤول لا ينحصر في مطابقة مقاصد المؤلف وإنما يكمن في البحث عما يجعل من نص ما أدبيا ، أي في الخصوصية الأسلوبية والفنية التي تمنح عملا أدبيا صفة الأدبية . ولأن مثل هذه الخصوصية لا تتحقق إلا بالقراءة والتأمل والظن والمكاشفة ، نظرا للحقل الذي تنتمي إليه حيث لا مجال للدقة العلمية بقدر ما هو مجال للدقة المنهجية . وقد تتحقق النظرية التأويلية في تحليل النصوص الأدبية وفقا لاتجاهات نقدية مختلفة منها ما يتصل بجمالية تلقي النصوص ، ومنها ما يتعلق بتعددية الدلالة ، انفتاح النصوص ، ولا نهائية التأويل .
وفي هذا الشأن يرى غادامير أن إعادة بناء الشروط الأصلية ومحاولة استعادة المعنى الأصلي هي محاولة فاشلة . فما نعيد بناءه ليس الحياة الأصلية ، والتأويل بمعنى استعادة المعنى الأصل هو مجرد نقل لمعنى ميت . وبذلك نجد أن النزعة العالمية للتأويل تجنح إلى أن تجعل من النقد علاقة توسط بين العلم وفعل القراءة وهي التجربة التي بادر بها فلاسفة النقد الألمان حين فصلوا بين الذاتي والموضوعي واعتبروا المنهج معيقا للحقيقة محاولين تمثل الرؤية الفلسفية اليونانية التي لا تروم حصول الحقيقة وإنما تقوم على التحاور الذي يودي إلى حقائق على اعتبار أن الفكر عند اليونان كان ” ذا طابع ديالكتيكي ، طابع الحوار وفي الحوار يهتدي المشاركون بطبيعة الشيء الذي يفهمونه ، المعرفة إذن ليست قبضا وامتلاكا وحيازة ، المعرفة شيء يشارك في صنعه المتحاورون ، اليونان إذن لا يؤكدون ذواتهم ، اليونان يسلمون عقولهم لما يريدون معرفته. هدا تقرب من الحقيقة لا تقرب من الذات “[1] . وبفضل هذه الاستجابة للفكر الفلسفي اليوناني “يرى جادامر أن المنهج لا يظهرنا على حقيقة جديدة ، إنما يوضح فحسب ـ الحقيقة السابقة المقررة ، كما يؤكد أن الحقيقة لا تنال بفضل منهج صارم متسلط إنما تنال من خلال الحوار”[2]
إن هذه الميكانيزمات الجديدة هي التي طورت النزعة العالمية للتأويل وجعلت النقاد والفلاسفة يهتمون بتأويل الظواهر ، لا وفق مناهج مستقرة ، ومعدة سلفا ، وإنما عن طريق فتح أفق التساؤل والتحاور على اعتبار ” أن الحوار هو أن نسمح للأشياء أن تظهر نفسها”[3]. لكن كيف تتمظهر الأشياء ؟ وبأي منطق ، إذا اعتبرنا المناهج المقررة فاشلة؟ ” حسب غادامير لا يمكن استنطاق الأشياء وإدراكها بأنماط المعقولية ومشاريع الفهم ، وانتظار المعنى التي نشكلها حول جوهر هذه الأشياء . لا إقصاء الذات والتصورات المسبقة ، ولا إعطاؤها الهيمنة المطلقة في تقويم الأشياء”[4] هذه الوسطية هي وحدها القادرة كما يعـتقد غادامير على ” جعل الحل للمسألة النقدية للهرمينيوطيقا أمرا ممكنا . بمعنى التمييز الذي ينبغي إقامته بين التصورات المسبقة غير الصحيحة التي توجه الفهم ، والتصورات المسبقة غير الصحيحة التي تكون سببا في عدم الفهم”[5]
إن مبدأ الحوار الذي انطلق منه جادامير ، يبرر النتيجة التي تحققت وفقا لهذا المبدأ ، ذلك أن جادامير استطاع تكريس مبدأ المشاركة في تشكيل معنى مشترك [انصهار الآفاق ، وتداخل العوالم ، وتشابك التصورات] . وقد تحول هاجس الحوار إلى حركية فاعلة في تنمية الوعي وتحديد نمطه ، وتوسيع هذا النشاط ليصبح بذلك التـأويل نزعة عالمية على اعتبار أن ” عالمية التجربة التأويلية تعني أساسا مجاوزة ” الأرغانون[الآلة]”المنهجي الصارم والذي لا يؤسس ، بأي شكل من الأشكال ، حقيقة العلوم الإنسانية والتاريخية بإقرار حقيقة متجذرة في التصور والممارسة والتواصل”[6]
وبالقدر الذي يصر فيه غادامير على الحـوار إلا أن الدياليكتيك الذي يرمـي إليه ” ليس جدل الأضداد ، إنه جدل بين أفق المفسر وأفق الثقافة المتحدرة التي تواجهنا وتخلق لحظة من السلب والتساؤل”[7] . وبعبارة أخرى ، فقد عثر جادامير على مستوى للتأويل تصبح فيه اللغة أبعد من مجرد عبارات وقوالب لفظية وعدها محركا جوهريا لما يمكن أن نعتبره عالمية التأويل من منطلق أن ” علاقة الإنسان بالعالم هي أساسا عبارة عن لغة ، أي فهم ، بهذا المعنى يصبح التأويل عبارة عن البعد العالمي للفلسفة وليس فقط القاعدة المنهجية لما يمكن أن نسميه بالعلوم الإنسانية “[8] .
ولعل ارتباط حركة الفهم بإنتاج المعنى وتعدد الدلالات ، زود النقد المعاصر ـ الذي بدأ يخطو باتجاهات فلسفية متعددة ـ بآليات تأملية ليست خالصة ولا منزهة عن الذاتي ، ولكنها تتمتع بطابع حواري تساؤلي يعيد بناء التصورات بمستوى قوة وصرامة التجربة الإنسانية في حساسيتها. وبذلك نستطيع القول بأن الاستقصاء التأويلي الجديد الذي تؤسسه افتراضاتنا لما نعتقد أنه الحقيقة لا يجرد الفهم من أدواته الكلاسيكية لكنه يضيف إليها أبعادا جديدة لا تتفق مع مبدأ المعيار الثابت .
إن الأشياء متغيرة على الدوام وهي ليست دائما كما نراها ، ذلك أن اعتقاداتنا وأفكارنا ليست متطابقة ، ومن ثم ، فإن الجنوح إلى عالمية التأويل يقتضي إعادة ابتناء الرؤية النقدية على أساس “أن عالمية التأويل هي في الواقع ، عالمية البعد الفلسفي وليس مجرد القاعدة أو الدعامة النظرية لعلوم الإنسان ، يتعلق الأمر بتمديد آفاق التأويل كمنعطف حاسم في التراث الإنساني . عالمية التجربة التأويلية تعني أيضا تشكل التجربة الإنسانية في عالم أو فضاء التأويل ، أي التأويل بوصفه الحقل أو الفضاء أو البعد الفني والتاريخي واللغوي”[9]
إن اتساع ميدان الهرمينيوطيقا ليتخذ مستوى النزعة العالمية ، كان نتيجة البحث عن أسس المشكلة الأنطلوجية في مجال العلاقة مع العالم وليس في مجال العلاقة مع الآخر، كما أن من أسباب ذلك أيضا ، هو تجاوز الهرمينيوطيقا الإقليمية المقتصرة على اللغة إلى الهرمينيوطيقا العامة والتي تشمل مختلف مجالات الوجود الإنساني.
أصبح التأويل ، بفضل النزعة العالمية ، صفة ملازمة لكل نشاط نقدي خلاق متجاوزا بذلك كل العقبات والحدود ، وتفرد بالقوة والجاذبية ، وهكذا ، ” وعلى الرغم من كل عيوبه ، يفتح النقد المعاصر آفاقا غير محدودة في حين أن النقد القديم ، برغم كل مميزاته لا يقوم بأكثر من الالتفات إلى الوراء”[10].
2 ـ دلالات التأويل
تعد كلمة هرمينيوطيقا ، والتي تعني فن التأويل محور جدل بدأ لاهوتيا مع تفسير النصوص المقدسة ، واستمر ابستيمولوجيا مع تعدد القراءات النقدية للظاهرة الإبداعية ، وفلسفيا لارتباطه الانطلوجي برؤيا الوجود وتفسير الكون من منطلقات جدلية ، وبرهانية ، ومعرفية، والتأويل في لسان العرب: ” المرجع والمصير ، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه”[11] ويتعلق التأويل بشكل عام بمشكلات الفهم والتفسير ، وارتباط كل ذلك بالفلولوجيا ، وإشكالية القراءة ، ونقد النصوص . أما بول ريكور فيتبنى ” التعريف العلمي الآتي للهرمينيوطيقا، إذ إنها نظرية عمليات الفهم under_standing في علاقتها بتأويل interpretationالنصوص. ولهذا فإن الفكرة الأساسية في الهرمينيوطيقا ستكون إدراك الخطاب discourse بوصفه نصا . وهنا ستكون الطريقة سالكة أمام محاولة حل المشكلة الهرمينيوطيقية المركزية وهي التعارض الذي أراه يصل حد الكارثة بين التفسير والفهم . ولذا فإن أي بحث متكامل بين هذين المفهومين اللذين تميل الهرمينيوطيقا الرومانسية إلى تفكيكهما ، سوف يقود ابستيمولوجيا إلى إعادة توجيه الهرمينيوطيقا ، بما يتطلبه مفهوم النص نفسه “[12] . ما بهمنا من تعريف بول ريكور هو إشارته إلى عمليات الفهم ، واستقلاليتها ، من حث كونها لا ترتكز إلى إرادة المؤول ، وحسب ، وإنما يدخل في صميم ذلك الكثير من العوامل والمحفزات والقدرات والكفاءات ، بخاصة وأن التأويل لم يعد ذلك المفهوم الساذج المتعلق بالمعنى الحرفي والمعنى الرمزي . لقد جرف المفهوم الجديد للهرمينيوطيقا الكثير من التصورات الراسخة بعيدا ليؤسس استنباطات مغايرة ناتجة عن نقد المعايير السابقة . وقد كان شليرماخر من المبادرين إلى توسيع دائرة الهرمينيوطيقا ” ولهذا حمل برنامج شليرماخر الهرمينيوطيقي علامة مزدوجة : علامة رومانسية من خلال سعيه إلى العلاقة الحسية مع عملية الإبداع ، وعلامة نقدية من خلال رغبته بتوسيع قواعد الفهم الصالحة شموليا “[13] وهو ما يترجم عن وعي ، التحول من سطحية التفسير وحرفيته ، إلى شمولية التأويل ولا يقينيته ، من حيث كون التفسير مسألة يقينية ، والتأويل مسألة ظنية ، وعليه يميز شليرماخر بين منهجين في الممارسة التأويلية :
1 ـ منهج قواعد اللغة ، الذي يعالج النص أو أي تعبير كان انطلاقا من لغته الخاصة [لغة إقليمية ، تركيب نحوي ، شكل أدبي] ، وتحديد دلالة الكلمات انطلاقا من الجمل التي تركبها ودلالة هذه الجمل ، على ضوء الأثر في كليته : التأويل اللغوي إذن إيجاد المعنى الدقيق لخطاب معين انطلاقا وبمساعدة اللغة.
2 ـ منهج التأويل النفسي ، والذي يعتمد على بيوغرافيا المؤلف ، حياته الفكرية والعامة والدوافع ، والحوافز التي دفعته للتعبير والكتابة ، فهو يموقع الأثر أي النص في سياق حياة المؤلف ، وفي السياق التاريخي الذي ينتمي إليه”[14].
وإذا كان نشاط شليرماخر قد اعتبر مبادرة مبكرة في تأسيس نظرية للفهم ، فإن المشكلة التي صارعها كما يقول بول ريكور ” هي العلاقة بين شكلين من التأويل : التأويل [النحوي ] والتأويل [التقني]. يعتمد التأويل النحوي على سمات الخطاب التي تشع في ثقافة ما ، أما التأويل التقني فيهتم بفردانية رسالة الكاتب بل عبقريته”[15] وسواء استعملنا مصطلح منهجين أو شكلين من التأويل ، فإن الأمر يتعلق بانقسام الرؤية التأويلية لدى شليرماخر باتجاهين ينتمي أحدهما للبنية الدلالية والنحوية ، ويتعلق الآخر بالبنية النفسية للكاتب ومحيطه الاجتماعي . وحسب بول ريكور ، فإن حل هذه المسألة المستعصية يمكن رده إلى التصور التالي: ” إن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها أن نتخطى هذه العقبة هي توضيح علاقة العمل بذاتية المؤلف وتغيير التركيز التأويلي على البحث المكثف على الذوات الخفية إلى التركيز على مغزى sense العمل نفسه ومرجعه reference [16].
ومن بين دلالات التأويل أن اللفظ ” مأخوذ من ” أول ” وهو الرجوع ويقال آل إليه أولا ، أي رجع ويقال أول الكلام تأويلا إذ تدبره وقدره برده إلى أصله أي دلالته الحقيقية ، كما أن التأويل هو تعبير الرؤيا . لذلك أخذ التأويل في اصطلاح المفسرين معنى التفسير تارة وهو بيان المعنى في اللفظ وهو المعنى الذي استعمله الطبري . كما أخذ معنى صرف اللفظ عن معناه الظاهري إلى معناه الباطن ، باعتبار المعنى الأخير هو المقصود منه . أما عند الفقهاء الأصوليين فالتأويل يرادف “التفسير” لأن للفظ المجمل إذا لحقه البيان بدليل ظني سمي مؤولا ، وإذا لحقه البيان بدليل قطعي سمي مفسرا”[17]. والمتأمل في قضايا الدراسات الفقهية ، يجد أن التأويل إنما ظهر في مواجهة التفسير اللفظي ، غير أن معظم المفسرين نظروا إلى التفسير بوصفه معادلا إجرائيا للتأويل ، ومن ثم ” اجتمعت مباحث تفسر القرآن على أن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال من منظور أن التأويل كلمة ظهرت إلى جانب التفسير في بحوث القرآن عند جمع المفسرين واعتبروها متفقة بصورة جوهرية مع كلمة التفسير في المعنى ، وكأن الكلمتين معا تدلان على بيان معنى اللفظ والكشف عنه . قال صاحب القاموس: أول الكلام تأويلا، دبره وقدره وفسره ، على الرغم من اختلاف العلماء في تحديد مدى التطابق الكلي بين الكلمتين ، فإنهم يكادون يجمعون على أنهما يردان من قبيل إظهار المعنى الخفي الوارد في ظاهر الكلام”[18]. وعلى ما يبدو فإن آراء الشراح والمفسرين تتضمن الدلالة الكلاسيكية لمفهوم الهرمينيوطيقا القائم على المعنى الحرفي.
أما تجليات التأويل ، ومقاصده عند الفلاسفة وعلماء البلاغة والمتصوفة والمعتزلة ، فقد ذهبوا مذاهب شتى في تأويل القرآن لا يمكن حصرها ، حتى اتسعت دلالاته وتشعبت معانيه بحسب السياقات ، والقرائن ، والحجج والبراهين ، وغيرها من الأدوات العقلية ، والبرهانية، والذوقية.
أما إذا أخذنا معنى التأويل لغة ” فهو إظهار المقصود عن طريق الظن ، والتأويل أيضا استجلاء الغموض في نص أوفي خطاب معين أو تحويل معناه من لغة لأخرى أو إضفاء معنى محدد عليه قصد إدراكه”[19]ويتضمن هذا التعريف تعددا في الدلالة النصية أو الخطابية يضفيها المؤول على النص مما يفسح المجال للتعدد والظن.أما ” التفسير لغة هو جملة الأساليب الرامية إلى جعل ظاهرة ما أو مجموعة من الظواهر أو نص ما مفهوما ،. وذلك اعتمادا على التصورات والمعارف المتوفرة . والتفسير في البحث العلمي هو الكشف عن القانون المفسر لظاهرة ما ، أو المفسر للعلاقة التي تربط بين الظواهر ، والتفسير ، بمعنى الفهم ، هو إبراز الظاهرة بأنها نتاج لمبادئ معلومة لإحكام ضرورية ، وهي الأسباب والعلل المحددة لها . ومن ثم فإن ، الظاهرة المراد تفسيرها ليست ميتافيزيقية ، وترتيبا على ذلك ، فإن التفسير فهم يقيني وموضوعي وتعليلي فهو خطاب إشكالي [20]
وإذا كان التحليل العلمي يفصل بين دلالتي التفسير والتأويل على اعتبار أن الكشف عن الحقائق ظني ، في التأويل بينما يعد قطعيا في التفسير ، فإن الأمر خلاف ذلك في مباحث القرآن لتطابق الدلالتين بحسب ما ورد لدى بعضهم في قوله ” وفي هذا نجد كلمة التفسيرـ في موارد استعمالاتها ـ تؤدي الغرض نفسه ، الذي تؤديه كلمة التأويل ، وذلك لاشتراكهما في تبيان حال ما خفي من باطن النص ، وبوصفهما ـ أيضا ـ يتضمنان مقولة الاستدلال والاستنباط ، بغرض الوصول إلى التعيين الذي يحصل بالبراهين العقلية والقطعية ، نظرا لتماثلهما في البحث ، وتوحدهما في الماهية”[21]. بينما شاع في استعمال الفلاسفة المسلمين، وبخاصة عند ابن رشد مصطلح التأويل وصارت له قوانين وتشدد في استعمالها.
والحاصل أن التأويل قد نشأ في ظل الدراسات الفقهية ، والفلسفية باستراتيجيات مختلفة ، ومتباعدة ، غير أن القاعدة الفكرية التي ينطلق منها ترجح العقل والاستدلال بغرض توسيع مجالات التفكير.
لقد ازداد الوعي بأفق الهرمينيوطيقا بوصفه الأكثر اتساعا ومرونة ، وأصبح الحقل الذي تتقاطع فيه الفلسفة مع التاريخ والفن أو ما يسميه الفلاسفة الألمان بـ” علوم الروح”. كما تبين أن الهرمينيوطيقا بوصفها فن التأويل قد خلصت النصوص الأدبية من التراكمات السحيقة للسيكولوجيات الساذجة وحلقت بها في فضاءات من الافتراضات والتساؤلات ليتحول النص إلى ظاهرة أو علامة يحتاج إلى قراءة وتفسير وتأويل ، ويشترك في هذه المسألة أو مايسمى بـ ” عمليات الفهم” مجموعة من القواعد والاستعدادات والكفاءات التي تتجاوز الخبرات اللغوية إلى مهارات غير لغوية تتضافر معها عوامل إنسانية ، وتشترك في حوار مع النص.
وإذا كانت الهرمينيوطيقا بوصفها ” فن القراءة” أو ” فن الفهم ” تسعى لمحاولة فهم روح النص وليس مجرد إسقاطات تحوم حول النص ، فما هي إذن استراتيجياتها ظ وما مدى تطبيقاتها في النصوص الأدبية؟
3 ـ استرتيجيات التأويل :
لعل قراءة الكون ، وتفسير الوجود هي بالأساس مسألة تأويل. قال تعالى: ” قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ” [22] فهذه المجهولية والاستسرارية ستدعي تحفيز الذات على الفضول المعرفي من حيث كون تطلع الذات إلى المعرفة والكشف هو تطلع غريزي . واعتبارا من هذا التطلع أصبحت الهرمينيوطيقا نشاطا استقصائيا توجب النظر إلى النص الأدبي في مختلف جوانبه انطلاقا من نظرية تعددية المعنى، وجماليات التلقي ، حيث شكل الانتقال من سلطة النص إلى سلطة القراءة منعرجا حاسما في تاريخ النقد الأدبي . فما هي استراتيجيات التأويل في ضوء هذا التحول؟ وما أهمية إجراءاتها التطبيقية في تحليل النص الأدبي؟
أ ـ التأويل ونظرية التلقي :
ألزمت شعرية الأثر المفتوح المؤول ، على مقاربة النص في ضوء تفاعلية نصية بين القارئ والنص إذ ” إننا في القراءة نصب ذاتا على الأثر، وأن الأثر يصب علينا ذواتا كثيرة ، فيرتد إلينا كل شيء فيما يشبه الحدس والفهم”[23]. ولكن هذه التفاعلية تفترض كفاءة تقبلية ، وخبرات قرائية تسمح للقارئ بأن يتجاوز تقلبات النص وانزياخاته ، ويكون قادرا في الآن ذاته على احتواء اتساع إشاراته، وأبعاده الكنائية وليس من الضروري أن يكون هذا القارئ مزودا بكم من المصطلحات والإجراءات التحليلية ، بقدر ما يستوجب أن يتوفر فيه من الرؤية التأويلية ، والقدرة على اختراق الأثر بالحدس والتخييل ” فالإدراك وليس الخلق ، الاستقبال وليس الإنتاج تصبح عناصر منشئة للخطاب”[24] . فتاريخ الأدب إذن هو تاريخ تلقيه ، مما يستلزم تدرجا في انتقال الخبرة الجمالية عبر التاريخ ” وهنا ، فإن الأفق الأدبي ينشأ لأن العمل ذاته يجعله هدفا مدركا من قبل القارئ”[25] .
إن الجدل القائم بين التفسير والفهم يمكن أن يجد لنفسه مجالا خصبا في ضوء نظرية التلقي التي نشأت في ظل التلاحم بين التاريخ والجمالية ، واستطاعت تحديد معنى الحرية المطلقة لمفهوم الكتابة.
إذا كان من الضروري أن نؤول ، فمن المهم أن نواجه السؤال التالي ” كيف نؤول الفعل الأدبي ؟ وماذا ينتج عن تأويله؟يعد التأويل مشكلة في حد ذاته ، إنه يستدعي امتحان إمكانيته ومدى ملاءمتها ، ويتعلق الأمر بإثارة أسئلة ابستيمولوجية تقارب كل تحليل أدبي ، وكل مجال معرفي ، وتتخذ أحيانا شكل النقد الذي يحلل ، يصف ، ويحاكم النص . فما هو الفعل الأدبي إذن؟ إنه يحتوي الأثر وكذلك ما يدور حوله : [السياق ، الجمهور ]، وما يتقدم الأثر: [المؤلف]، وما يلحقه :[التلقي ، التأثير ، الانتشار][26].
إذا كان مفهوم الأثر يتخذ كل هذه الأبعاد الماقبلية والمابعدية باعتبار ولادته في أثناء الاستقبال، وكذا من حيث كونه متصورا ذهنيا غائبا ينبغي استدعاؤه بتضافر مجموعة من العوامل الخارجية [ السياق ، الجمهور] ، وأخرى داخلية [المؤلف أو الذات المبدعة] ، فلا شك أن مقاربته لا تتخذ نفس المستوى الابستيمولوجي ، والقدرة الوصفية والتقييمية للأثر ، لا من حيث اختلاف القدرات والكفاءات النقدية والتأويلية وحسب ، ولكن أيضا من حيث اختلاف وتباين البنى النصية . وعليه فإن مفهوم المعنى والتأويل يعد مسألة في غاية التعقيد لا يمكن حلها في إطار ما يعرف بجدل الذاتية الموضوعية من حيث كون ” كل تأويل للرمز يظل بحد ذاته رمزا ، ولكنه معقلن قليلا ،أي مقرب من المفهوم قليلا ، وتعريف المعنى بكل ما لجوهره من عمق وتعقيد إنما ينطوي على إضافة عن طريق الخلق الإبداعي “[27] وبالعودة إلى الخلق الإبداعي ، نستطيع حصر التأويل في إطار الخبرة الجمالية والتاريخ كما رسختها جمالية التلقي ، وجعلت النص أو الأثر مدركا جماليا أو متصورا ذهنيا غائبا يعمل التأويل على استدعائه وفق طاقات تخييلية ، وقدرات تأملية معينة.
وفي سياق مشابه يتساءل باختين ” إلى أي حد في مقدورنا أن نكشف ونعقب على معنى [الصورة أو الرمز] ؟ ليس ذلك ممكنا إلا بوساطة معنى آخر [للرمز أو للصورة] ،مساو في الشكل والتبلور . إذ إن إذابته في مفاهيم أمر مستحيل. ما يمكن هو إما عقلنة المعنى نسبيا [تحليله تحليلا علميا عاديا] أو تعميقه بوساطة معان أخرى [تأويله تأويلا فلسفيا فنيا]أي تعميقه عبر توسيع سياق بعيد . إن تفسير البنى الرمزية مرغم على الخوض في لا نهائية المعاني الرمزية ، ولذلك فهو لا يستطيع أن يصبح علميا بمعنى علمية العلوم الدقيقة”[28].
لا شك في أن قراءة الإبداع الأدبي تتطلب مهارة تخييلية تطابق أو تتجاوز مهارة المؤلف نفسه ، فمواجهة البنى الرمزية في تعددها ولا نهائيتها يحتاج إلى رؤيا تأويلية تكرس جملة من العوامل والمعايير ، وتتوسط القراءة والعلم ، والتفسير والفهم ، والذوقي والعقلي ، وغيرها من أساليب التحليل سواء عن طريق المكاشفة والظن ، أو عن طريق عقلنة المعنى نسبيا ، أو غيرها من أساليب المحاورة ، وتشابك الفضاءات ، وتداخل العوالم .وقد تحملت جمالية التلقي في علاقتها بالهرمينيوطيقا جزءا كبيرا من هذه الممارسة النظرية التي تحمل القارئ مسؤولية إعادة بناء الأثر في أثناء الاستقبال وعبر كافة مراحل التاريخ لاختبار الذوق ونقد الخبرة الجمالية.
ب ـ التأويل النهائي/التأويل اللانهائي
انصب اهتمام النقاد في السنوات الأخيرة على توطيد العلاقة بين الفلسفة والنقد بغرض توسيع أفق التفكير النقدي ، وتأسيس وعي جديد ينبني على التساؤل ويتبنى أساليب الشك والحوار ، ولا يحتكم إلى يقين ثابت وإنما يسلك طرائق الممكن والمحتمل. وهو ما تعكسه نتائج المناهج المعاصرة ، وأهمها المنهج التأويلي الذي انتزع مصداقيته بفضل ما يوفره من آليات وإجراءات من جهة ، وبسبب انفتاحه على حقول معرفية متنوعة من جهة أخرى.
ولقد أضحى التأويل هاجسا نقديا ذا نزعة عالمية سواء من حيث روافده التأملية والفلسفية ، أم من حيث اتساع وتنوع استعمالاته التي تتعدى حدود النص الأدبي إلى مجالات فكرية وجمالية مختلفة . كذلك يتميز التأويل بمسألتين جوهريتين ، فهو من ناحية يقوم على قواعد منطقية صارمة ، ويستند ، من جهة أخرى إلى إشراقات صوفية [الغنوصية ، الهرمسية] . وخلاصة ذلك هي أننا بإزاء ” تصورين مختلفين للتأويل . فتأويل نص ما ، حسب التصور الأول ، يعني الكشف عن الدلالة التي أرادها المؤلف ، أو على الأقل ، الكشف عن طابعها الموضوعي ، وهو ما يعني إجلاء جوهرها المستقل عن فعل التأويل . أما التصور الثاني ، فيرى على العكس من ذلك ، أن النصوص تحتمل كل تأويل”[29] . وخلاصة الاختلاف بشأن هذين التصورين مرده اختلاف المرجعيات المعرفية ، والمصادر الفكرية التي ينهل منهما كل تصور، ويعتقد في جديتها ، وأصالتها. ففي حين يتجرد التأويل اللانهائي من كل قصدية ، يستمر التأويل النهائي في التطابق مع النص ” فعندما يفصل النص عن قصدية الذات التي أنتجته ، فلن يكون من واجب القراء ولا في مقدورهم التقيد بمقتضيات هذه القصدية الغائبة ، والخلاصة ، وفق هذا التصور ، أن اللغة تندرج ضمن لعبة متنوعة للدوال ، كما أن النص لا يحتوي على أي مدلول متفرد ومطلق ، ولا وجود لأي مدلول متعال، ولا يرتبط الدال بشكل مباشر بمدلول يعمل النص على تأجيله أو إرجائه باستمرار فكل دال يرتبط بدال آخر بحيث لا شيء هناك سوى السلسلة الدالة المحكومة بمبدأ اللامتناهي “[30] وهو ما يعني أن القول بوجود مدلول نهائي فكرة ساذجة لا تستجيب للتنوع الإشاري ، وتعدد العلامة النصية .
ولكن هل يجدي التعامل مع العلامة النصية منفصلة عن مؤلفها ، ومرجعها؟إن أمرا كهذا قد يكون منافيا للمنطق النقدي الذي يعتبر النص سلسلة لسانية تتحكم فيها مرجعيات ، وإرث إنساني ، بخاصة فيما يتعلق بالدلالة الذي يفترض وجود سياقات ، وقصديات .
4 ـ التأويل في النقد العربي المعاصر :
شكلت الهرمينيوطيقا بكل إرهاصاتها تأسيسا نظريا ومنهجيا تجلت مبادئه في النقد العربي المعاصر ، في بعض المحاولات التطبيقية التي جمعت بين السيميائيات والتفكيكية ، وأضافت إليها من معين التراث النقدي ، كما تميزت نظرية التلقي بحضور نافد في ثقافة النقد العربي. وعلى الرغم من طواعية المنهج الهرمينيوطيقي ، ومرونته ، إلا أنه لا يمكن اعتباره منهجا مطلقا ، وإنما هو مجموع من الفرضيات ما يزال يشوبه التعتيم والتعميم الذي لا يمكن أن يتلاشى ” إلا إذا تم الاهتمام بالفرق بين المصطلح في مستويات وجوده الثلاثة ، والتي هي أولا: المستوى المجرد ، الذي يرتبط بكون التأويل فعل إدراك وتمثل للمعنى عن طريق الفهم والتفسير ، وهي ثانيا المستوى الإجرائي الذي يتجسد في سيرورة ذهنية من التفكير الجامع في نفس الآن بين الدليل المدرك [شيئا أو ظاهرة]وبين كل ما هو حاصل في وعى المدرك من معرفة مسبقة حول هذا الدليل ومن تمثيلات مزامنة للحظة الإدراك ذاتها ، ثم هناك ثالثا وأخيرا ، التأويل بوصفه تحققا فرديا ، وهذا المستوى هو الذي يسمح لنا بأن نحكم على الآليات المستخدمة من قبله ، وعلى قدراته ومقاصده”[31].
تبرز أهمية التأويل إذن ، في الطاقة الذهنية ، والقدرة على إدراك العلامة ، واتساع أفق المؤول ، واختلاف مقاصده ، ومحاولة ربط أفق النص بأفق القارئ ، والسياق ، والمرجع . ولعل تفاعل كل هذه العوامل من شأنه أن ينتج رؤية تأويلية مفارقة ، وبإمكان هذه الرؤية أن تواجه بعض المعيقات مثل:
ـ إكراهات المنهج
ـ سقوط التأويل في متاهة التوجه المسبق
ـ الانحراف عن التفاعل مع النص
ولكن ، واعتبارا من كون المعنى يتعدد بتعدد تجارب التلقي ، يمكن مواجهة تلك المعيقات بتحويل ذلك التوجه ، وجعله يفضي إلى فضاء أرحب ينتهي بتحويل العلامة لأن تصبح موضوع فهم جديد.
ثمة مسألة أخرى يمكن أن تتجسد فيها الحلول الممكنة لمشكلة التأويل في النقد العربي المعاصر ، وذلك من خلال ما يعرف [بالقراءة التفاعلية] حيث الدلالة متعددة ، ولا نهائية ، والقراءة حفر في عمق النص و بحث عن الغامض فيه ” ومعناه أنه إذا كان التلقي حدثا تواصليا يعكس نوعا من أنواع التفاعل بيننا وبين الباث فإنه لابد من أن يكون التأويل شكلا محددا للتفاعل بيننا وبين النص ، أي محاولة إقامة بنية للتلقي أو جهاز للقراءة في مقابل بنية الرسالة أو جهازها الإبداعي والفني الراجع إلى نظامها الذاتي . أي أننا بصدد مستويين اثنين للتفاعل هما :
أ ـ تفاعل المتلقي بالباث : تواصل
ب ـ تفاعل المتلقي بالنص : تأويل[32].
يطور التأويل إذن حقيقة ، تستنبط من التفاعل النصي ، وتتحقق بتجاوز مطابقة مقاصد المؤلف . كما يصبح من شأن عمليات الفهم إعداد مجموعة من الفرضيات تتلاءم مع السياقات المناسبة لمكونات كل نص .
5 ـ الشعرية و التأويل
تأسست الشعرية بوصفها نظرية للغة الأدبية وذلك بدءا من الثورة الألسنية التي أعادت الظاهرة الأدبية إلى جوهر إنبثاقها الأول (اللغة) ، غير مكترثة بالتداعيات السوسيولوجية والسيكولوجية باعتبارها تفسيرات ضيقة لا تتعدى فكرة اللغة المزدوجة : المعنى الظاهري ، والمعنى الخفي الذي يتم العثور عليه بالتأويل الرمزي . وتماشيا مع الثورة الألسنية ،أعيد الاعتبار إلى الظاهرة الأدبية في ضوء المناهج النسقية أو المحايثة حيث لا يمكن لأية قراءة نقدية أن تنطلق من مسلمات مسبقة ، بل هي تراهن على عنصر التفاعل بين النص والقارئ التي يبدو من خلالها النص ولادة متجددة ، وأنسجة متشابكة ، وسلسلة لانهائية من الدلالات تتسع باتساع أفقها الإشاري، ” فالعمل الفني هو من جهة ، موضوع يمكن أن نجد له شكله الأصيل كما تصوره المؤلف وذلك من خلال مظهر الآثار التي يحدثها على عقل المستهلك وإحساسه . وهكذا ينشىء المؤلف شكلا مكتملا بهدف تذوقه وفهمه مثلما أراده هو لكن ، ومن جهة أخرى ، فإن كل مستهلك ، وهو يتفاعل مع مجموع المثيرات ، وهو يحاول أن يرى وأن يفهم علاقاتها ، يمارس إحساسا شخصيا ، وثقافة معينة، وأذواقا واتجاهات ، وأحكاما قبلية توجه متعته في إطار منظور خاص به . وفي العمق ، فإن الشكل يكون مقبولا جماليا ، وبالضبط عندما يكون ممكنا تصوره وفهمه وفق منظورات متعددة ، وعندما يحمل تنوعا كبيرا في المظاهر والأصدية دون أن يتوقف عن أن يكون هو نفسه “[33] . ولعل انفتاح النص الأدبي على التأويل يعد من أهم انجازات الشعرية كونه يؤول بطرق مختلفة ” والحال أن الانفتاح لا يعني هنا غموض الخطاب وتعدد إمكانيات الشكل وحرية التأويل ، فالقارئ يمتلك فقط جدولا من الإمكانيات المحددة بدقة والمشروطة بحيث إن الفعل التأويلي لا يفلت من مراقبة المؤلف”[34] . إن انفتاح الشعرية على التأويل بهذا المنطق يعد بمثابة انجاز رؤيات مختلفة للعالم ، وهو الانجاز المبكر لشعرية الأثر المفتوح التي آثرت التفاعل مع القارئ والمشاركة العاطفية والتخييلية للمؤول على افتراض أن الفعل الأدبي يتضمن انتهاكات وانزياحات لا نهائية.
فما هي الشعرية ؟ وما اتجاهاتها ومدارسها ؟ وما هي النظرية التي ترتكز عليها ؟ والمسلمات التي تنطلق منها ؟ والنتائج التي تصبو إليها؟ وما موقع الشعرية العربية ؟ ودور التراث في إبداع أنماط شعرية مغايرة ومختلفة؟
انطلقت الشعريـة من التصـور الفلسفي لمفـهوم الجمـال الذي يعّرفـه أفلاطون بأنـه ” الشيء الذي تكون به الأشياء الجميلة ، جميلة ” وبذلك شاع مفهوم الشعرية بأنها ” ما يجعل من نص ما نصا شعريا”[35] غير أنها اصطدمت بمفهوم القاعدة أو المعيار فشرع أصحاب النظرية يبحثون” عن معيار صحيح قادر أن يميز النصوص الشعرية من النصوص غير الشعرية”[36] ويثمن المرتكزات النظرية التي تقوم عليها ، ” وإذن فإنـه ينبغي هنا اللجوء سواء إلى حدسية التحليل أو إلى إجماع الذوق العام” [37] وبما أنه ليس هناك علم يقوم على حدس فقد انقسم المنظرون إلى اتجاهات مختلفة ، ومتباينة في تحديد القاعدة والمعيار” فإذا كان الفرق في العصور الكلاسيكية واضحا بين الشعر واللاشعر فإنه اليوم يجنح إلى التلاشي”[38] بينما يظل الملمح الأساسي الذي تلتقي فيه الشعريات يتمثل في مقابلة الشعر للاشعر (النثر) ، وقد نجم عن هذا التقابل أنماطا من الشعريات:
¥ شعرية تراهن على نظريات تبحث عن الشعرية داخل المحتوى، وهذه النظريات لا ترى عموما في المعنى الشعري خاصية سيمانتيكية أو معنى نوعيا مختلفا لكنها ترى فيه فقط زيادة في المعنى ، وهي في الغالب الشعريات الدلالية والأسلوبية
¥ شعرية تجعل من النص الشعري لونا من اللعب بالكلمات ، وتحوله إلى موضوع لغوي جميل وهي الشعريات البنيوية والشكلانية
¥ أما الشعرية المتصلة بنظرية تعدد المعاني ـ وهي نظرية ذائعة الآن ـ فإنها لا تعترف بطبقات المعنى ، وإن كانت تؤمن بتعدده ، وينتمي هذا النمط من الشعرية إلى الشعريات التقبلية التي تعتمد على التأويل ، وجمالية التلقي ، والتفكيك ، ونظرية القراءة .
إن انزياح اللغة نحو المجاز الذي يصّنعه الشكل الفني في الاستعارة ، يمنحها القدرة على الدخول في عالم المكاشفة، وهكذا تتجلى الاستعارة في ثوبها الانزياحي بموجب أوجهها المتعددة ، من هنا يمكننا القول بأن عملية التحول هذه تحيل على خطاب يصبح فيه المخاطب منفلتا من المرجعية النموذجية التي طالما منحت النص قاعدة تأسيسية يصعب اختراقها ، ارتكزت على قانون التطابق/التماثل.
إن توظيف الاستعارة كان وما يزال يكشف قدرة الانعكاسات بدءا من نزوعها العفوي إلى توجهها الفني بغرض إظهار الشيئ بما هو جسد للفكرة في تصويره الفني البليغ من خلال تحويل العالم الواقعي إلى عالم متخيل ، أي من واقعية الشكل إلى افتراضية التصوير ، وهي إشارة تنبني على كسر الإطار النموذجي ، والشروع في ملامح المكاشفة الايمائية.
إن مثل هذا المنظور للاستعارة يركز الاهتمام بحدة بالغة على المجاز في تطابقه مع العدول من حيث نقل المعنى مما وضع له في أصل اللغة إلى مسماه الافتراضي.
في خضم ذلك هل يمكن للغة الشعرية أن تتحدد في النص بمستوى معين ، وبشكل نهائي وتام؟ أم أن هناك علاقات غير قابلة لأي تحديد ؟ وإذا كنا نعتقد مسبقا أننا لا نسلك الطريق نفسه ( للبحث عن معنى الأشياء ) فهل في وسع اللغة بمظهرها الطبيعي ما يجعلها ممكنة بمقدار تشعب العلامة الشعرية (للبحث في معنى الأشياء).
إن ما يقع على عاتق اللغة الشعرية ليس إعتاق العلامة الشعرية وحسب ، وإنما استعادتها في حركية من عزلة الدال بمستوى حرية المدلول ، ونتيجة لذلك يبدو الانزياح “مسافة اختراق” بوصفه الشكل الذي يكف عن أن يكون نموذجا لشكل آخر ، وعوضا عن ذلك اهتمت الشعرية بكسر النماذج ودحضها ، والبحث في ما يفلت من الأنساق .
ولقد حاولت الشعرية تتبع أثر ذلك الانزياح انطلاقا من خوض تجرية تأملية اقتضت النظر في اللغة الشعرية على أنها نمط تعبيري منحرف عن القاعدة ، يستمد درجة حضوره من درجة انحرافه ، فكانت الحاجة إلى معيار يثمن مستويات الانزياحات ، وأشكالها ، وذلك بالقياس إلى مدى خروجها عن الاستعمال المألوف للغة ، ، وبقدر ما تحدثه من أثر في وجدان القارئ ، غير أن ذلك كله لم يفسح المجال إلا لمزيد من الالتباسات فيما يخص ظاهرة الانزياح التي سيقت إلى حتفها المؤجل ، ولم ينتج ذلك عن فشل في الرؤية ، أو قصور في الإجراء ، أو ضعف في التأمل ، وإنما يعود إلى التالي :
ـ أولا شساعة موضوعها “الأدبية” التي تدخل في نظرية أشمل من اللغة ، وهي نظرية الاتصال ، مقابل تقوقع الشعرية في حيز من الفروقات الثنائية : شعر/نثر، حقيقة/مجاز، قاعدة/انحراف .
ـ ثانيا تصميمها على الشعر بوصفه وظيفة لغوية تنجم عن استعمالات مغايرة أو مضادة للنثر
ـ ثالثا فصل اللغة عن كيانها (الشعر) واعتباره جزءا منها ، بالتركيز على لعبة المجازات وفهم الشعر على أنه مجرد خروج أو ابتعاد عن اللغة الأصل.7[39]
وهكذا فإن البحث الذي نقترحه ، لا يرحب بأية قناعة تؤكد سبلا منهجية ثابتة المعالم على اعتبار أن اكتمال نظرية في الشعرية ، أمر لم يتسن انجازه بعد ، ومن ثمة فهو يلح على مزيد من التساؤلات لم ترض أبدا الانتهاء إلى صياغة اجابة نهائية ، وإنما تتطلع بموجب توجهها الحداثي إلى اقتراح مسلمات سنأتي عليها لاحقا.
إن الشعرية هي بحث في ما يكون به الأدب “أدبيا” أي في تلك الخصائص الممكنة لكل إبداع متميز وخلاق ، والانزياح هو ممكن اللغة في لحظة المكاشفة الشعرية ، وبذلك ، فإن هذا الممكن ، يمتلك أكثر من طريقة للابتكار والخلق.
إن اختلاف الاتجاهات الشعرية يعد في صلب إغنائها واثراء التجارب النقدية ، كما أنه يكشف عن انفتاح الادراك الجمالي لدى القارئ من جهة ، وعن الكثافة الايحائية ، والعمق الإشاري ، والدلالي للنصوص من جهة أخرى . ولا نعتقد أن تاريخ النقد العربي يخلو من مثل هذه الطروحات ، بخاصة تلك التي سجلتها السجالات النقدية كالموازنة التي تعد بحق منهجا نقديا ،. وكان يمكن أن تتحول إلى فاتحة لنظرية نقدية عربية لو أنها حظيت برؤية اختلافية غير مطابقة مما جعل النقد العربي يظل حبيس النقاط التالية :
ـ الانخراط في الحكم على القيمة الجمالية للنصوص
ـ عدم التخلي عن التصورات الثابتة للمفاهيم
ـ صياغة معايير راسخة مع وجوب اتباعها في ضوء ثبوتية هذه القيم
ولتجديد المناهج النقدية في أفق الشعرية ينبغي حل هذه السلطات واستعادة مقولات من مثل :
= جدلية العمل الأدبي ومؤوله
= كسر مركزية المفاهيم الجمالية القديمة
=استعادة مسار التلقي في الثقافة النقدية العربية ، وتبديد ألفة التلقي
= خرق مقولات التمركز ، الائتلاف ، التطابق
= تفكيك الثنائيات المعيقة لحركية العقل العربي
= إطلاق العنان ، واستفاضـة التأمل ، بإشراك بدائـل مثل ( التأويل ، التفكيك ، الاختلاف ،،،)
[1] مصطفى ناصف : نظرية التأويل ، النادي الأدبي بجدة ط1/2000 ص104
[2] المرجع نفسه ، ص 104
[3] نفسه
[4] هانس غيورغ غادامير : فلسفة التأويل ، تر : محمد شوقي زين ، منشورات الاختلاف ، ط2/2006 ن ص 20
[5] المرجع نفسه ، ص 20
[6] المرجع السابق ، ص26
[7] مصطفى ناصف : نظرية التأويل ، ص 105
[8] هانس غادامير : فلسفة التأويل ، ص 27
[9] المرجع نفسه ، ص 26
[10] Serge dobrovosky: pour quoi la nouvelle critique ed mercure de France ,1966 p xx
[11] ابن منظور : لسان العرب ، مصدر أول الجزء 11 دار صادر بيروت ص32
[12] بول ريكور : مهمة الهرمينيوطيقا ، تر : خالدة حامد ، مجلة نوافذ ، النادي الأدبي بجدة ، ع22 ، ص 38
[13] المرجع نفسه ، ص 45
[14] محمد مفتاح : مجهول البيان ، دار توبقال ، المغرب ،1990 ، ص90 ـ91
[15] بول ريكور : مهمة الهرمينيوطيقا ، ص46 ـ47
[16] نفسه ، ص 49
[17] حفناوي بعلي : إشكالية التأويل ومرجعياته في الخطاب العربي المعاصر ، الموقف الأدبي ع440/2007 ، ص 13
[18] عبد القادر فيدوح : نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية ، الأوائل ، دمشق ط1/2005 ص 24
[19] محمد الأسعد : أهداف المعرفة العلمية في الجغرافيا : تأويل أم تفسير ، مجلة بصمات ، جامعة الحسن الثاني ، كلية الآداب ، بنمسيك ، المغرب ، ع1/2006 ص 23
[20] المرجع نفسه ، ص23
[21] عبد القادر فيدوح : نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية ، ص 24
[22] سورة الكهف ، آية 78
[23] حسين الواد من قراءة النشأة إلى قراءة التقبل ، ، فصول ، ع 1/م5/1984 ، ص 115
[24] روبرت سي هول: نظرية الاستقبال ، مقدمة نقدية ، تر : رعد عبد الجليل جواد ، دمشق ط/1992 ص 31
[25] المرجع نفسه ، ص 77
[26] Houda chraibi : sense et interpretation dans la methode de lhistoire litteraire مجلة بصمات ع/1/ص73
[27] مخائيل باختين : بصدد منهج علم للأدب ، مجلة الآداب العالمية ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، ع133/2008 ص 19
[28] المرجع السابق ، ص20
[29] امبرتو إيكو : التأويل بين السيميائيات والتفكيكية ، تر سعيد بنكراد ، المركز الثقافي العربي ط1/2000 ص 117
[30] المرجع السابق ص 125
[31] عبد اللطيف محفوظ : التأويل في النقد العربي المعاصر ، مجلة بصمات ، ع1/ص 119
[32] ادريس بلمليح : القراءة التفاعلية ، دراسات لنصوص شعرية حديثة ، دار توبقال ط1/2000 ، ص 98
[33] أبرتو إيكو : شعرية الأثر المفتوح ، تر : عبد الرحمن بوعلي ، مجلة نوافذ ، النادي الأدبي ـ جدة ، ع6/1998 ، ص 83
[34] المرجع نفسه ص،87
[35] جون كوهن : اللغة العليا ، تر : أحمد درويش ، المجلس الأعلى للثقافة ط2/2000 ، ص10
[36] المرجع نفسه ، ص10
[37] نفسه ،
[38] نفسه ، ص 11
[39] ينظر : كتابنا : شعرية الانزياح ، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر ، إربد الأردن ، 2000
أغسطس 3 2012
الشعرية وانفتاح النصوص ………… د. خيرة حمر العين
الشعريــــة وانفــتاح النصــوص – تعددية الدلالة ولا نهائية التأويل
د. خيرة حمر العين – جامعة وهران ـ الجزائر
1 ـ النزعة العالمية للتأويل
ارتبط مفهوم التأويل في بداية التأسيس بالتأويل الرمزي أو الباطني الذي كان يهتم بتفسير الكتب المقدسة ، وقد تطور هذا المفهوم ليشمل الثورة المنهجية التي رافقت تحول الوعي النقدي ، وتصبح بذلك الهرمينيوطيقا أساسا منهجيا ونظريا لكثير من القضايا الفكرية والأدبية . وقد شكل تحليل النصوص الأدبية ، وتفسيرها محورا جوهريا لامتحان خصوصية التأويل من حيث كونه إعادة بناء وتصور للمعنى وليس بوصفه بحثا عن معنى .ومن ثم فإن دور المؤول لا ينحصر في مطابقة مقاصد المؤلف وإنما يكمن في البحث عما يجعل من نص ما أدبيا ، أي في الخصوصية الأسلوبية والفنية التي تمنح عملا أدبيا صفة الأدبية . ولأن مثل هذه الخصوصية لا تتحقق إلا بالقراءة والتأمل والظن والمكاشفة ، نظرا للحقل الذي تنتمي إليه حيث لا مجال للدقة العلمية بقدر ما هو مجال للدقة المنهجية . وقد تتحقق النظرية التأويلية في تحليل النصوص الأدبية وفقا لاتجاهات نقدية مختلفة منها ما يتصل بجمالية تلقي النصوص ، ومنها ما يتعلق بتعددية الدلالة ، انفتاح النصوص ، ولا نهائية التأويل .
وفي هذا الشأن يرى غادامير أن إعادة بناء الشروط الأصلية ومحاولة استعادة المعنى الأصلي هي محاولة فاشلة . فما نعيد بناءه ليس الحياة الأصلية ، والتأويل بمعنى استعادة المعنى الأصل هو مجرد نقل لمعنى ميت . وبذلك نجد أن النزعة العالمية للتأويل تجنح إلى أن تجعل من النقد علاقة توسط بين العلم وفعل القراءة وهي التجربة التي بادر بها فلاسفة النقد الألمان حين فصلوا بين الذاتي والموضوعي واعتبروا المنهج معيقا للحقيقة محاولين تمثل الرؤية الفلسفية اليونانية التي لا تروم حصول الحقيقة وإنما تقوم على التحاور الذي يودي إلى حقائق على اعتبار أن الفكر عند اليونان كان ” ذا طابع ديالكتيكي ، طابع الحوار وفي الحوار يهتدي المشاركون بطبيعة الشيء الذي يفهمونه ، المعرفة إذن ليست قبضا وامتلاكا وحيازة ، المعرفة شيء يشارك في صنعه المتحاورون ، اليونان إذن لا يؤكدون ذواتهم ، اليونان يسلمون عقولهم لما يريدون معرفته. هدا تقرب من الحقيقة لا تقرب من الذات “[1] . وبفضل هذه الاستجابة للفكر الفلسفي اليوناني “يرى جادامر أن المنهج لا يظهرنا على حقيقة جديدة ، إنما يوضح فحسب ـ الحقيقة السابقة المقررة ، كما يؤكد أن الحقيقة لا تنال بفضل منهج صارم متسلط إنما تنال من خلال الحوار”[2]
إن هذه الميكانيزمات الجديدة هي التي طورت النزعة العالمية للتأويل وجعلت النقاد والفلاسفة يهتمون بتأويل الظواهر ، لا وفق مناهج مستقرة ، ومعدة سلفا ، وإنما عن طريق فتح أفق التساؤل والتحاور على اعتبار ” أن الحوار هو أن نسمح للأشياء أن تظهر نفسها”[3]. لكن كيف تتمظهر الأشياء ؟ وبأي منطق ، إذا اعتبرنا المناهج المقررة فاشلة؟ ” حسب غادامير لا يمكن استنطاق الأشياء وإدراكها بأنماط المعقولية ومشاريع الفهم ، وانتظار المعنى التي نشكلها حول جوهر هذه الأشياء . لا إقصاء الذات والتصورات المسبقة ، ولا إعطاؤها الهيمنة المطلقة في تقويم الأشياء”[4] هذه الوسطية هي وحدها القادرة كما يعـتقد غادامير على ” جعل الحل للمسألة النقدية للهرمينيوطيقا أمرا ممكنا . بمعنى التمييز الذي ينبغي إقامته بين التصورات المسبقة غير الصحيحة التي توجه الفهم ، والتصورات المسبقة غير الصحيحة التي تكون سببا في عدم الفهم”[5]
إن مبدأ الحوار الذي انطلق منه جادامير ، يبرر النتيجة التي تحققت وفقا لهذا المبدأ ، ذلك أن جادامير استطاع تكريس مبدأ المشاركة في تشكيل معنى مشترك [انصهار الآفاق ، وتداخل العوالم ، وتشابك التصورات] . وقد تحول هاجس الحوار إلى حركية فاعلة في تنمية الوعي وتحديد نمطه ، وتوسيع هذا النشاط ليصبح بذلك التـأويل نزعة عالمية على اعتبار أن ” عالمية التجربة التأويلية تعني أساسا مجاوزة ” الأرغانون[الآلة]”المنهجي الصارم والذي لا يؤسس ، بأي شكل من الأشكال ، حقيقة العلوم الإنسانية والتاريخية بإقرار حقيقة متجذرة في التصور والممارسة والتواصل”[6]
وبالقدر الذي يصر فيه غادامير على الحـوار إلا أن الدياليكتيك الذي يرمـي إليه ” ليس جدل الأضداد ، إنه جدل بين أفق المفسر وأفق الثقافة المتحدرة التي تواجهنا وتخلق لحظة من السلب والتساؤل”[7] . وبعبارة أخرى ، فقد عثر جادامير على مستوى للتأويل تصبح فيه اللغة أبعد من مجرد عبارات وقوالب لفظية وعدها محركا جوهريا لما يمكن أن نعتبره عالمية التأويل من منطلق أن ” علاقة الإنسان بالعالم هي أساسا عبارة عن لغة ، أي فهم ، بهذا المعنى يصبح التأويل عبارة عن البعد العالمي للفلسفة وليس فقط القاعدة المنهجية لما يمكن أن نسميه بالعلوم الإنسانية “[8] .
ولعل ارتباط حركة الفهم بإنتاج المعنى وتعدد الدلالات ، زود النقد المعاصر ـ الذي بدأ يخطو باتجاهات فلسفية متعددة ـ بآليات تأملية ليست خالصة ولا منزهة عن الذاتي ، ولكنها تتمتع بطابع حواري تساؤلي يعيد بناء التصورات بمستوى قوة وصرامة التجربة الإنسانية في حساسيتها. وبذلك نستطيع القول بأن الاستقصاء التأويلي الجديد الذي تؤسسه افتراضاتنا لما نعتقد أنه الحقيقة لا يجرد الفهم من أدواته الكلاسيكية لكنه يضيف إليها أبعادا جديدة لا تتفق مع مبدأ المعيار الثابت .
إن الأشياء متغيرة على الدوام وهي ليست دائما كما نراها ، ذلك أن اعتقاداتنا وأفكارنا ليست متطابقة ، ومن ثم ، فإن الجنوح إلى عالمية التأويل يقتضي إعادة ابتناء الرؤية النقدية على أساس “أن عالمية التأويل هي في الواقع ، عالمية البعد الفلسفي وليس مجرد القاعدة أو الدعامة النظرية لعلوم الإنسان ، يتعلق الأمر بتمديد آفاق التأويل كمنعطف حاسم في التراث الإنساني . عالمية التجربة التأويلية تعني أيضا تشكل التجربة الإنسانية في عالم أو فضاء التأويل ، أي التأويل بوصفه الحقل أو الفضاء أو البعد الفني والتاريخي واللغوي”[9]
إن اتساع ميدان الهرمينيوطيقا ليتخذ مستوى النزعة العالمية ، كان نتيجة البحث عن أسس المشكلة الأنطلوجية في مجال العلاقة مع العالم وليس في مجال العلاقة مع الآخر، كما أن من أسباب ذلك أيضا ، هو تجاوز الهرمينيوطيقا الإقليمية المقتصرة على اللغة إلى الهرمينيوطيقا العامة والتي تشمل مختلف مجالات الوجود الإنساني.
أصبح التأويل ، بفضل النزعة العالمية ، صفة ملازمة لكل نشاط نقدي خلاق متجاوزا بذلك كل العقبات والحدود ، وتفرد بالقوة والجاذبية ، وهكذا ، ” وعلى الرغم من كل عيوبه ، يفتح النقد المعاصر آفاقا غير محدودة في حين أن النقد القديم ، برغم كل مميزاته لا يقوم بأكثر من الالتفات إلى الوراء”[10].
2 ـ دلالات التأويل
تعد كلمة هرمينيوطيقا ، والتي تعني فن التأويل محور جدل بدأ لاهوتيا مع تفسير النصوص المقدسة ، واستمر ابستيمولوجيا مع تعدد القراءات النقدية للظاهرة الإبداعية ، وفلسفيا لارتباطه الانطلوجي برؤيا الوجود وتفسير الكون من منطلقات جدلية ، وبرهانية ، ومعرفية، والتأويل في لسان العرب: ” المرجع والمصير ، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه”[11] ويتعلق التأويل بشكل عام بمشكلات الفهم والتفسير ، وارتباط كل ذلك بالفلولوجيا ، وإشكالية القراءة ، ونقد النصوص . أما بول ريكور فيتبنى ” التعريف العلمي الآتي للهرمينيوطيقا، إذ إنها نظرية عمليات الفهم under_standing في علاقتها بتأويل interpretationالنصوص. ولهذا فإن الفكرة الأساسية في الهرمينيوطيقا ستكون إدراك الخطاب discourse بوصفه نصا . وهنا ستكون الطريقة سالكة أمام محاولة حل المشكلة الهرمينيوطيقية المركزية وهي التعارض الذي أراه يصل حد الكارثة بين التفسير والفهم . ولذا فإن أي بحث متكامل بين هذين المفهومين اللذين تميل الهرمينيوطيقا الرومانسية إلى تفكيكهما ، سوف يقود ابستيمولوجيا إلى إعادة توجيه الهرمينيوطيقا ، بما يتطلبه مفهوم النص نفسه “[12] . ما بهمنا من تعريف بول ريكور هو إشارته إلى عمليات الفهم ، واستقلاليتها ، من حث كونها لا ترتكز إلى إرادة المؤول ، وحسب ، وإنما يدخل في صميم ذلك الكثير من العوامل والمحفزات والقدرات والكفاءات ، بخاصة وأن التأويل لم يعد ذلك المفهوم الساذج المتعلق بالمعنى الحرفي والمعنى الرمزي . لقد جرف المفهوم الجديد للهرمينيوطيقا الكثير من التصورات الراسخة بعيدا ليؤسس استنباطات مغايرة ناتجة عن نقد المعايير السابقة . وقد كان شليرماخر من المبادرين إلى توسيع دائرة الهرمينيوطيقا ” ولهذا حمل برنامج شليرماخر الهرمينيوطيقي علامة مزدوجة : علامة رومانسية من خلال سعيه إلى العلاقة الحسية مع عملية الإبداع ، وعلامة نقدية من خلال رغبته بتوسيع قواعد الفهم الصالحة شموليا “[13] وهو ما يترجم عن وعي ، التحول من سطحية التفسير وحرفيته ، إلى شمولية التأويل ولا يقينيته ، من حيث كون التفسير مسألة يقينية ، والتأويل مسألة ظنية ، وعليه يميز شليرماخر بين منهجين في الممارسة التأويلية :
1 ـ منهج قواعد اللغة ، الذي يعالج النص أو أي تعبير كان انطلاقا من لغته الخاصة [لغة إقليمية ، تركيب نحوي ، شكل أدبي] ، وتحديد دلالة الكلمات انطلاقا من الجمل التي تركبها ودلالة هذه الجمل ، على ضوء الأثر في كليته : التأويل اللغوي إذن إيجاد المعنى الدقيق لخطاب معين انطلاقا وبمساعدة اللغة.
2 ـ منهج التأويل النفسي ، والذي يعتمد على بيوغرافيا المؤلف ، حياته الفكرية والعامة والدوافع ، والحوافز التي دفعته للتعبير والكتابة ، فهو يموقع الأثر أي النص في سياق حياة المؤلف ، وفي السياق التاريخي الذي ينتمي إليه”[14].
وإذا كان نشاط شليرماخر قد اعتبر مبادرة مبكرة في تأسيس نظرية للفهم ، فإن المشكلة التي صارعها كما يقول بول ريكور ” هي العلاقة بين شكلين من التأويل : التأويل [النحوي ] والتأويل [التقني]. يعتمد التأويل النحوي على سمات الخطاب التي تشع في ثقافة ما ، أما التأويل التقني فيهتم بفردانية رسالة الكاتب بل عبقريته”[15] وسواء استعملنا مصطلح منهجين أو شكلين من التأويل ، فإن الأمر يتعلق بانقسام الرؤية التأويلية لدى شليرماخر باتجاهين ينتمي أحدهما للبنية الدلالية والنحوية ، ويتعلق الآخر بالبنية النفسية للكاتب ومحيطه الاجتماعي . وحسب بول ريكور ، فإن حل هذه المسألة المستعصية يمكن رده إلى التصور التالي: ” إن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها أن نتخطى هذه العقبة هي توضيح علاقة العمل بذاتية المؤلف وتغيير التركيز التأويلي على البحث المكثف على الذوات الخفية إلى التركيز على مغزى sense العمل نفسه ومرجعه reference [16].
ومن بين دلالات التأويل أن اللفظ ” مأخوذ من ” أول ” وهو الرجوع ويقال آل إليه أولا ، أي رجع ويقال أول الكلام تأويلا إذ تدبره وقدره برده إلى أصله أي دلالته الحقيقية ، كما أن التأويل هو تعبير الرؤيا . لذلك أخذ التأويل في اصطلاح المفسرين معنى التفسير تارة وهو بيان المعنى في اللفظ وهو المعنى الذي استعمله الطبري . كما أخذ معنى صرف اللفظ عن معناه الظاهري إلى معناه الباطن ، باعتبار المعنى الأخير هو المقصود منه . أما عند الفقهاء الأصوليين فالتأويل يرادف “التفسير” لأن للفظ المجمل إذا لحقه البيان بدليل ظني سمي مؤولا ، وإذا لحقه البيان بدليل قطعي سمي مفسرا”[17]. والمتأمل في قضايا الدراسات الفقهية ، يجد أن التأويل إنما ظهر في مواجهة التفسير اللفظي ، غير أن معظم المفسرين نظروا إلى التفسير بوصفه معادلا إجرائيا للتأويل ، ومن ثم ” اجتمعت مباحث تفسر القرآن على أن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال من منظور أن التأويل كلمة ظهرت إلى جانب التفسير في بحوث القرآن عند جمع المفسرين واعتبروها متفقة بصورة جوهرية مع كلمة التفسير في المعنى ، وكأن الكلمتين معا تدلان على بيان معنى اللفظ والكشف عنه . قال صاحب القاموس: أول الكلام تأويلا، دبره وقدره وفسره ، على الرغم من اختلاف العلماء في تحديد مدى التطابق الكلي بين الكلمتين ، فإنهم يكادون يجمعون على أنهما يردان من قبيل إظهار المعنى الخفي الوارد في ظاهر الكلام”[18]. وعلى ما يبدو فإن آراء الشراح والمفسرين تتضمن الدلالة الكلاسيكية لمفهوم الهرمينيوطيقا القائم على المعنى الحرفي.
أما تجليات التأويل ، ومقاصده عند الفلاسفة وعلماء البلاغة والمتصوفة والمعتزلة ، فقد ذهبوا مذاهب شتى في تأويل القرآن لا يمكن حصرها ، حتى اتسعت دلالاته وتشعبت معانيه بحسب السياقات ، والقرائن ، والحجج والبراهين ، وغيرها من الأدوات العقلية ، والبرهانية، والذوقية.
أما إذا أخذنا معنى التأويل لغة ” فهو إظهار المقصود عن طريق الظن ، والتأويل أيضا استجلاء الغموض في نص أوفي خطاب معين أو تحويل معناه من لغة لأخرى أو إضفاء معنى محدد عليه قصد إدراكه”[19]ويتضمن هذا التعريف تعددا في الدلالة النصية أو الخطابية يضفيها المؤول على النص مما يفسح المجال للتعدد والظن.أما ” التفسير لغة هو جملة الأساليب الرامية إلى جعل ظاهرة ما أو مجموعة من الظواهر أو نص ما مفهوما ،. وذلك اعتمادا على التصورات والمعارف المتوفرة . والتفسير في البحث العلمي هو الكشف عن القانون المفسر لظاهرة ما ، أو المفسر للعلاقة التي تربط بين الظواهر ، والتفسير ، بمعنى الفهم ، هو إبراز الظاهرة بأنها نتاج لمبادئ معلومة لإحكام ضرورية ، وهي الأسباب والعلل المحددة لها . ومن ثم فإن ، الظاهرة المراد تفسيرها ليست ميتافيزيقية ، وترتيبا على ذلك ، فإن التفسير فهم يقيني وموضوعي وتعليلي فهو خطاب إشكالي [20]
وإذا كان التحليل العلمي يفصل بين دلالتي التفسير والتأويل على اعتبار أن الكشف عن الحقائق ظني ، في التأويل بينما يعد قطعيا في التفسير ، فإن الأمر خلاف ذلك في مباحث القرآن لتطابق الدلالتين بحسب ما ورد لدى بعضهم في قوله ” وفي هذا نجد كلمة التفسيرـ في موارد استعمالاتها ـ تؤدي الغرض نفسه ، الذي تؤديه كلمة التأويل ، وذلك لاشتراكهما في تبيان حال ما خفي من باطن النص ، وبوصفهما ـ أيضا ـ يتضمنان مقولة الاستدلال والاستنباط ، بغرض الوصول إلى التعيين الذي يحصل بالبراهين العقلية والقطعية ، نظرا لتماثلهما في البحث ، وتوحدهما في الماهية”[21]. بينما شاع في استعمال الفلاسفة المسلمين، وبخاصة عند ابن رشد مصطلح التأويل وصارت له قوانين وتشدد في استعمالها.
والحاصل أن التأويل قد نشأ في ظل الدراسات الفقهية ، والفلسفية باستراتيجيات مختلفة ، ومتباعدة ، غير أن القاعدة الفكرية التي ينطلق منها ترجح العقل والاستدلال بغرض توسيع مجالات التفكير.
لقد ازداد الوعي بأفق الهرمينيوطيقا بوصفه الأكثر اتساعا ومرونة ، وأصبح الحقل الذي تتقاطع فيه الفلسفة مع التاريخ والفن أو ما يسميه الفلاسفة الألمان بـ” علوم الروح”. كما تبين أن الهرمينيوطيقا بوصفها فن التأويل قد خلصت النصوص الأدبية من التراكمات السحيقة للسيكولوجيات الساذجة وحلقت بها في فضاءات من الافتراضات والتساؤلات ليتحول النص إلى ظاهرة أو علامة يحتاج إلى قراءة وتفسير وتأويل ، ويشترك في هذه المسألة أو مايسمى بـ ” عمليات الفهم” مجموعة من القواعد والاستعدادات والكفاءات التي تتجاوز الخبرات اللغوية إلى مهارات غير لغوية تتضافر معها عوامل إنسانية ، وتشترك في حوار مع النص.
وإذا كانت الهرمينيوطيقا بوصفها ” فن القراءة” أو ” فن الفهم ” تسعى لمحاولة فهم روح النص وليس مجرد إسقاطات تحوم حول النص ، فما هي إذن استراتيجياتها ظ وما مدى تطبيقاتها في النصوص الأدبية؟
3 ـ استرتيجيات التأويل :
لعل قراءة الكون ، وتفسير الوجود هي بالأساس مسألة تأويل. قال تعالى: ” قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ” [22] فهذه المجهولية والاستسرارية ستدعي تحفيز الذات على الفضول المعرفي من حيث كون تطلع الذات إلى المعرفة والكشف هو تطلع غريزي . واعتبارا من هذا التطلع أصبحت الهرمينيوطيقا نشاطا استقصائيا توجب النظر إلى النص الأدبي في مختلف جوانبه انطلاقا من نظرية تعددية المعنى، وجماليات التلقي ، حيث شكل الانتقال من سلطة النص إلى سلطة القراءة منعرجا حاسما في تاريخ النقد الأدبي . فما هي استراتيجيات التأويل في ضوء هذا التحول؟ وما أهمية إجراءاتها التطبيقية في تحليل النص الأدبي؟
أ ـ التأويل ونظرية التلقي :
ألزمت شعرية الأثر المفتوح المؤول ، على مقاربة النص في ضوء تفاعلية نصية بين القارئ والنص إذ ” إننا في القراءة نصب ذاتا على الأثر، وأن الأثر يصب علينا ذواتا كثيرة ، فيرتد إلينا كل شيء فيما يشبه الحدس والفهم”[23]. ولكن هذه التفاعلية تفترض كفاءة تقبلية ، وخبرات قرائية تسمح للقارئ بأن يتجاوز تقلبات النص وانزياخاته ، ويكون قادرا في الآن ذاته على احتواء اتساع إشاراته، وأبعاده الكنائية وليس من الضروري أن يكون هذا القارئ مزودا بكم من المصطلحات والإجراءات التحليلية ، بقدر ما يستوجب أن يتوفر فيه من الرؤية التأويلية ، والقدرة على اختراق الأثر بالحدس والتخييل ” فالإدراك وليس الخلق ، الاستقبال وليس الإنتاج تصبح عناصر منشئة للخطاب”[24] . فتاريخ الأدب إذن هو تاريخ تلقيه ، مما يستلزم تدرجا في انتقال الخبرة الجمالية عبر التاريخ ” وهنا ، فإن الأفق الأدبي ينشأ لأن العمل ذاته يجعله هدفا مدركا من قبل القارئ”[25] .
إن الجدل القائم بين التفسير والفهم يمكن أن يجد لنفسه مجالا خصبا في ضوء نظرية التلقي التي نشأت في ظل التلاحم بين التاريخ والجمالية ، واستطاعت تحديد معنى الحرية المطلقة لمفهوم الكتابة.
إذا كان من الضروري أن نؤول ، فمن المهم أن نواجه السؤال التالي ” كيف نؤول الفعل الأدبي ؟ وماذا ينتج عن تأويله؟يعد التأويل مشكلة في حد ذاته ، إنه يستدعي امتحان إمكانيته ومدى ملاءمتها ، ويتعلق الأمر بإثارة أسئلة ابستيمولوجية تقارب كل تحليل أدبي ، وكل مجال معرفي ، وتتخذ أحيانا شكل النقد الذي يحلل ، يصف ، ويحاكم النص . فما هو الفعل الأدبي إذن؟ إنه يحتوي الأثر وكذلك ما يدور حوله : [السياق ، الجمهور ]، وما يتقدم الأثر: [المؤلف]، وما يلحقه :[التلقي ، التأثير ، الانتشار][26].
إذا كان مفهوم الأثر يتخذ كل هذه الأبعاد الماقبلية والمابعدية باعتبار ولادته في أثناء الاستقبال، وكذا من حيث كونه متصورا ذهنيا غائبا ينبغي استدعاؤه بتضافر مجموعة من العوامل الخارجية [ السياق ، الجمهور] ، وأخرى داخلية [المؤلف أو الذات المبدعة] ، فلا شك أن مقاربته لا تتخذ نفس المستوى الابستيمولوجي ، والقدرة الوصفية والتقييمية للأثر ، لا من حيث اختلاف القدرات والكفاءات النقدية والتأويلية وحسب ، ولكن أيضا من حيث اختلاف وتباين البنى النصية . وعليه فإن مفهوم المعنى والتأويل يعد مسألة في غاية التعقيد لا يمكن حلها في إطار ما يعرف بجدل الذاتية الموضوعية من حيث كون ” كل تأويل للرمز يظل بحد ذاته رمزا ، ولكنه معقلن قليلا ،أي مقرب من المفهوم قليلا ، وتعريف المعنى بكل ما لجوهره من عمق وتعقيد إنما ينطوي على إضافة عن طريق الخلق الإبداعي “[27] وبالعودة إلى الخلق الإبداعي ، نستطيع حصر التأويل في إطار الخبرة الجمالية والتاريخ كما رسختها جمالية التلقي ، وجعلت النص أو الأثر مدركا جماليا أو متصورا ذهنيا غائبا يعمل التأويل على استدعائه وفق طاقات تخييلية ، وقدرات تأملية معينة.
وفي سياق مشابه يتساءل باختين ” إلى أي حد في مقدورنا أن نكشف ونعقب على معنى [الصورة أو الرمز] ؟ ليس ذلك ممكنا إلا بوساطة معنى آخر [للرمز أو للصورة] ،مساو في الشكل والتبلور . إذ إن إذابته في مفاهيم أمر مستحيل. ما يمكن هو إما عقلنة المعنى نسبيا [تحليله تحليلا علميا عاديا] أو تعميقه بوساطة معان أخرى [تأويله تأويلا فلسفيا فنيا]أي تعميقه عبر توسيع سياق بعيد . إن تفسير البنى الرمزية مرغم على الخوض في لا نهائية المعاني الرمزية ، ولذلك فهو لا يستطيع أن يصبح علميا بمعنى علمية العلوم الدقيقة”[28].
لا شك في أن قراءة الإبداع الأدبي تتطلب مهارة تخييلية تطابق أو تتجاوز مهارة المؤلف نفسه ، فمواجهة البنى الرمزية في تعددها ولا نهائيتها يحتاج إلى رؤيا تأويلية تكرس جملة من العوامل والمعايير ، وتتوسط القراءة والعلم ، والتفسير والفهم ، والذوقي والعقلي ، وغيرها من أساليب التحليل سواء عن طريق المكاشفة والظن ، أو عن طريق عقلنة المعنى نسبيا ، أو غيرها من أساليب المحاورة ، وتشابك الفضاءات ، وتداخل العوالم .وقد تحملت جمالية التلقي في علاقتها بالهرمينيوطيقا جزءا كبيرا من هذه الممارسة النظرية التي تحمل القارئ مسؤولية إعادة بناء الأثر في أثناء الاستقبال وعبر كافة مراحل التاريخ لاختبار الذوق ونقد الخبرة الجمالية.
ب ـ التأويل النهائي/التأويل اللانهائي
انصب اهتمام النقاد في السنوات الأخيرة على توطيد العلاقة بين الفلسفة والنقد بغرض توسيع أفق التفكير النقدي ، وتأسيس وعي جديد ينبني على التساؤل ويتبنى أساليب الشك والحوار ، ولا يحتكم إلى يقين ثابت وإنما يسلك طرائق الممكن والمحتمل. وهو ما تعكسه نتائج المناهج المعاصرة ، وأهمها المنهج التأويلي الذي انتزع مصداقيته بفضل ما يوفره من آليات وإجراءات من جهة ، وبسبب انفتاحه على حقول معرفية متنوعة من جهة أخرى.
ولقد أضحى التأويل هاجسا نقديا ذا نزعة عالمية سواء من حيث روافده التأملية والفلسفية ، أم من حيث اتساع وتنوع استعمالاته التي تتعدى حدود النص الأدبي إلى مجالات فكرية وجمالية مختلفة . كذلك يتميز التأويل بمسألتين جوهريتين ، فهو من ناحية يقوم على قواعد منطقية صارمة ، ويستند ، من جهة أخرى إلى إشراقات صوفية [الغنوصية ، الهرمسية] . وخلاصة ذلك هي أننا بإزاء ” تصورين مختلفين للتأويل . فتأويل نص ما ، حسب التصور الأول ، يعني الكشف عن الدلالة التي أرادها المؤلف ، أو على الأقل ، الكشف عن طابعها الموضوعي ، وهو ما يعني إجلاء جوهرها المستقل عن فعل التأويل . أما التصور الثاني ، فيرى على العكس من ذلك ، أن النصوص تحتمل كل تأويل”[29] . وخلاصة الاختلاف بشأن هذين التصورين مرده اختلاف المرجعيات المعرفية ، والمصادر الفكرية التي ينهل منهما كل تصور، ويعتقد في جديتها ، وأصالتها. ففي حين يتجرد التأويل اللانهائي من كل قصدية ، يستمر التأويل النهائي في التطابق مع النص ” فعندما يفصل النص عن قصدية الذات التي أنتجته ، فلن يكون من واجب القراء ولا في مقدورهم التقيد بمقتضيات هذه القصدية الغائبة ، والخلاصة ، وفق هذا التصور ، أن اللغة تندرج ضمن لعبة متنوعة للدوال ، كما أن النص لا يحتوي على أي مدلول متفرد ومطلق ، ولا وجود لأي مدلول متعال، ولا يرتبط الدال بشكل مباشر بمدلول يعمل النص على تأجيله أو إرجائه باستمرار فكل دال يرتبط بدال آخر بحيث لا شيء هناك سوى السلسلة الدالة المحكومة بمبدأ اللامتناهي “[30] وهو ما يعني أن القول بوجود مدلول نهائي فكرة ساذجة لا تستجيب للتنوع الإشاري ، وتعدد العلامة النصية .
ولكن هل يجدي التعامل مع العلامة النصية منفصلة عن مؤلفها ، ومرجعها؟إن أمرا كهذا قد يكون منافيا للمنطق النقدي الذي يعتبر النص سلسلة لسانية تتحكم فيها مرجعيات ، وإرث إنساني ، بخاصة فيما يتعلق بالدلالة الذي يفترض وجود سياقات ، وقصديات .
4 ـ التأويل في النقد العربي المعاصر :
شكلت الهرمينيوطيقا بكل إرهاصاتها تأسيسا نظريا ومنهجيا تجلت مبادئه في النقد العربي المعاصر ، في بعض المحاولات التطبيقية التي جمعت بين السيميائيات والتفكيكية ، وأضافت إليها من معين التراث النقدي ، كما تميزت نظرية التلقي بحضور نافد في ثقافة النقد العربي. وعلى الرغم من طواعية المنهج الهرمينيوطيقي ، ومرونته ، إلا أنه لا يمكن اعتباره منهجا مطلقا ، وإنما هو مجموع من الفرضيات ما يزال يشوبه التعتيم والتعميم الذي لا يمكن أن يتلاشى ” إلا إذا تم الاهتمام بالفرق بين المصطلح في مستويات وجوده الثلاثة ، والتي هي أولا: المستوى المجرد ، الذي يرتبط بكون التأويل فعل إدراك وتمثل للمعنى عن طريق الفهم والتفسير ، وهي ثانيا المستوى الإجرائي الذي يتجسد في سيرورة ذهنية من التفكير الجامع في نفس الآن بين الدليل المدرك [شيئا أو ظاهرة]وبين كل ما هو حاصل في وعى المدرك من معرفة مسبقة حول هذا الدليل ومن تمثيلات مزامنة للحظة الإدراك ذاتها ، ثم هناك ثالثا وأخيرا ، التأويل بوصفه تحققا فرديا ، وهذا المستوى هو الذي يسمح لنا بأن نحكم على الآليات المستخدمة من قبله ، وعلى قدراته ومقاصده”[31].
تبرز أهمية التأويل إذن ، في الطاقة الذهنية ، والقدرة على إدراك العلامة ، واتساع أفق المؤول ، واختلاف مقاصده ، ومحاولة ربط أفق النص بأفق القارئ ، والسياق ، والمرجع . ولعل تفاعل كل هذه العوامل من شأنه أن ينتج رؤية تأويلية مفارقة ، وبإمكان هذه الرؤية أن تواجه بعض المعيقات مثل:
ـ إكراهات المنهج
ـ سقوط التأويل في متاهة التوجه المسبق
ـ الانحراف عن التفاعل مع النص
ولكن ، واعتبارا من كون المعنى يتعدد بتعدد تجارب التلقي ، يمكن مواجهة تلك المعيقات بتحويل ذلك التوجه ، وجعله يفضي إلى فضاء أرحب ينتهي بتحويل العلامة لأن تصبح موضوع فهم جديد.
ثمة مسألة أخرى يمكن أن تتجسد فيها الحلول الممكنة لمشكلة التأويل في النقد العربي المعاصر ، وذلك من خلال ما يعرف [بالقراءة التفاعلية] حيث الدلالة متعددة ، ولا نهائية ، والقراءة حفر في عمق النص و بحث عن الغامض فيه ” ومعناه أنه إذا كان التلقي حدثا تواصليا يعكس نوعا من أنواع التفاعل بيننا وبين الباث فإنه لابد من أن يكون التأويل شكلا محددا للتفاعل بيننا وبين النص ، أي محاولة إقامة بنية للتلقي أو جهاز للقراءة في مقابل بنية الرسالة أو جهازها الإبداعي والفني الراجع إلى نظامها الذاتي . أي أننا بصدد مستويين اثنين للتفاعل هما :
أ ـ تفاعل المتلقي بالباث : تواصل
ب ـ تفاعل المتلقي بالنص : تأويل[32].
يطور التأويل إذن حقيقة ، تستنبط من التفاعل النصي ، وتتحقق بتجاوز مطابقة مقاصد المؤلف . كما يصبح من شأن عمليات الفهم إعداد مجموعة من الفرضيات تتلاءم مع السياقات المناسبة لمكونات كل نص .
5 ـ الشعرية و التأويل
تأسست الشعرية بوصفها نظرية للغة الأدبية وذلك بدءا من الثورة الألسنية التي أعادت الظاهرة الأدبية إلى جوهر إنبثاقها الأول (اللغة) ، غير مكترثة بالتداعيات السوسيولوجية والسيكولوجية باعتبارها تفسيرات ضيقة لا تتعدى فكرة اللغة المزدوجة : المعنى الظاهري ، والمعنى الخفي الذي يتم العثور عليه بالتأويل الرمزي . وتماشيا مع الثورة الألسنية ،أعيد الاعتبار إلى الظاهرة الأدبية في ضوء المناهج النسقية أو المحايثة حيث لا يمكن لأية قراءة نقدية أن تنطلق من مسلمات مسبقة ، بل هي تراهن على عنصر التفاعل بين النص والقارئ التي يبدو من خلالها النص ولادة متجددة ، وأنسجة متشابكة ، وسلسلة لانهائية من الدلالات تتسع باتساع أفقها الإشاري، ” فالعمل الفني هو من جهة ، موضوع يمكن أن نجد له شكله الأصيل كما تصوره المؤلف وذلك من خلال مظهر الآثار التي يحدثها على عقل المستهلك وإحساسه . وهكذا ينشىء المؤلف شكلا مكتملا بهدف تذوقه وفهمه مثلما أراده هو لكن ، ومن جهة أخرى ، فإن كل مستهلك ، وهو يتفاعل مع مجموع المثيرات ، وهو يحاول أن يرى وأن يفهم علاقاتها ، يمارس إحساسا شخصيا ، وثقافة معينة، وأذواقا واتجاهات ، وأحكاما قبلية توجه متعته في إطار منظور خاص به . وفي العمق ، فإن الشكل يكون مقبولا جماليا ، وبالضبط عندما يكون ممكنا تصوره وفهمه وفق منظورات متعددة ، وعندما يحمل تنوعا كبيرا في المظاهر والأصدية دون أن يتوقف عن أن يكون هو نفسه “[33] . ولعل انفتاح النص الأدبي على التأويل يعد من أهم انجازات الشعرية كونه يؤول بطرق مختلفة ” والحال أن الانفتاح لا يعني هنا غموض الخطاب وتعدد إمكانيات الشكل وحرية التأويل ، فالقارئ يمتلك فقط جدولا من الإمكانيات المحددة بدقة والمشروطة بحيث إن الفعل التأويلي لا يفلت من مراقبة المؤلف”[34] . إن انفتاح الشعرية على التأويل بهذا المنطق يعد بمثابة انجاز رؤيات مختلفة للعالم ، وهو الانجاز المبكر لشعرية الأثر المفتوح التي آثرت التفاعل مع القارئ والمشاركة العاطفية والتخييلية للمؤول على افتراض أن الفعل الأدبي يتضمن انتهاكات وانزياحات لا نهائية.
فما هي الشعرية ؟ وما اتجاهاتها ومدارسها ؟ وما هي النظرية التي ترتكز عليها ؟ والمسلمات التي تنطلق منها ؟ والنتائج التي تصبو إليها؟ وما موقع الشعرية العربية ؟ ودور التراث في إبداع أنماط شعرية مغايرة ومختلفة؟
انطلقت الشعريـة من التصـور الفلسفي لمفـهوم الجمـال الذي يعّرفـه أفلاطون بأنـه ” الشيء الذي تكون به الأشياء الجميلة ، جميلة ” وبذلك شاع مفهوم الشعرية بأنها ” ما يجعل من نص ما نصا شعريا”[35] غير أنها اصطدمت بمفهوم القاعدة أو المعيار فشرع أصحاب النظرية يبحثون” عن معيار صحيح قادر أن يميز النصوص الشعرية من النصوص غير الشعرية”[36] ويثمن المرتكزات النظرية التي تقوم عليها ، ” وإذن فإنـه ينبغي هنا اللجوء سواء إلى حدسية التحليل أو إلى إجماع الذوق العام” [37] وبما أنه ليس هناك علم يقوم على حدس فقد انقسم المنظرون إلى اتجاهات مختلفة ، ومتباينة في تحديد القاعدة والمعيار” فإذا كان الفرق في العصور الكلاسيكية واضحا بين الشعر واللاشعر فإنه اليوم يجنح إلى التلاشي”[38] بينما يظل الملمح الأساسي الذي تلتقي فيه الشعريات يتمثل في مقابلة الشعر للاشعر (النثر) ، وقد نجم عن هذا التقابل أنماطا من الشعريات:
¥ شعرية تراهن على نظريات تبحث عن الشعرية داخل المحتوى، وهذه النظريات لا ترى عموما في المعنى الشعري خاصية سيمانتيكية أو معنى نوعيا مختلفا لكنها ترى فيه فقط زيادة في المعنى ، وهي في الغالب الشعريات الدلالية والأسلوبية
¥ شعرية تجعل من النص الشعري لونا من اللعب بالكلمات ، وتحوله إلى موضوع لغوي جميل وهي الشعريات البنيوية والشكلانية
¥ أما الشعرية المتصلة بنظرية تعدد المعاني ـ وهي نظرية ذائعة الآن ـ فإنها لا تعترف بطبقات المعنى ، وإن كانت تؤمن بتعدده ، وينتمي هذا النمط من الشعرية إلى الشعريات التقبلية التي تعتمد على التأويل ، وجمالية التلقي ، والتفكيك ، ونظرية القراءة .
إن انزياح اللغة نحو المجاز الذي يصّنعه الشكل الفني في الاستعارة ، يمنحها القدرة على الدخول في عالم المكاشفة، وهكذا تتجلى الاستعارة في ثوبها الانزياحي بموجب أوجهها المتعددة ، من هنا يمكننا القول بأن عملية التحول هذه تحيل على خطاب يصبح فيه المخاطب منفلتا من المرجعية النموذجية التي طالما منحت النص قاعدة تأسيسية يصعب اختراقها ، ارتكزت على قانون التطابق/التماثل.
إن توظيف الاستعارة كان وما يزال يكشف قدرة الانعكاسات بدءا من نزوعها العفوي إلى توجهها الفني بغرض إظهار الشيئ بما هو جسد للفكرة في تصويره الفني البليغ من خلال تحويل العالم الواقعي إلى عالم متخيل ، أي من واقعية الشكل إلى افتراضية التصوير ، وهي إشارة تنبني على كسر الإطار النموذجي ، والشروع في ملامح المكاشفة الايمائية.
إن مثل هذا المنظور للاستعارة يركز الاهتمام بحدة بالغة على المجاز في تطابقه مع العدول من حيث نقل المعنى مما وضع له في أصل اللغة إلى مسماه الافتراضي.
في خضم ذلك هل يمكن للغة الشعرية أن تتحدد في النص بمستوى معين ، وبشكل نهائي وتام؟ أم أن هناك علاقات غير قابلة لأي تحديد ؟ وإذا كنا نعتقد مسبقا أننا لا نسلك الطريق نفسه ( للبحث عن معنى الأشياء ) فهل في وسع اللغة بمظهرها الطبيعي ما يجعلها ممكنة بمقدار تشعب العلامة الشعرية (للبحث في معنى الأشياء).
إن ما يقع على عاتق اللغة الشعرية ليس إعتاق العلامة الشعرية وحسب ، وإنما استعادتها في حركية من عزلة الدال بمستوى حرية المدلول ، ونتيجة لذلك يبدو الانزياح “مسافة اختراق” بوصفه الشكل الذي يكف عن أن يكون نموذجا لشكل آخر ، وعوضا عن ذلك اهتمت الشعرية بكسر النماذج ودحضها ، والبحث في ما يفلت من الأنساق .
ولقد حاولت الشعرية تتبع أثر ذلك الانزياح انطلاقا من خوض تجرية تأملية اقتضت النظر في اللغة الشعرية على أنها نمط تعبيري منحرف عن القاعدة ، يستمد درجة حضوره من درجة انحرافه ، فكانت الحاجة إلى معيار يثمن مستويات الانزياحات ، وأشكالها ، وذلك بالقياس إلى مدى خروجها عن الاستعمال المألوف للغة ، ، وبقدر ما تحدثه من أثر في وجدان القارئ ، غير أن ذلك كله لم يفسح المجال إلا لمزيد من الالتباسات فيما يخص ظاهرة الانزياح التي سيقت إلى حتفها المؤجل ، ولم ينتج ذلك عن فشل في الرؤية ، أو قصور في الإجراء ، أو ضعف في التأمل ، وإنما يعود إلى التالي :
ـ أولا شساعة موضوعها “الأدبية” التي تدخل في نظرية أشمل من اللغة ، وهي نظرية الاتصال ، مقابل تقوقع الشعرية في حيز من الفروقات الثنائية : شعر/نثر، حقيقة/مجاز، قاعدة/انحراف .
ـ ثانيا تصميمها على الشعر بوصفه وظيفة لغوية تنجم عن استعمالات مغايرة أو مضادة للنثر
ـ ثالثا فصل اللغة عن كيانها (الشعر) واعتباره جزءا منها ، بالتركيز على لعبة المجازات وفهم الشعر على أنه مجرد خروج أو ابتعاد عن اللغة الأصل.7[39]
وهكذا فإن البحث الذي نقترحه ، لا يرحب بأية قناعة تؤكد سبلا منهجية ثابتة المعالم على اعتبار أن اكتمال نظرية في الشعرية ، أمر لم يتسن انجازه بعد ، ومن ثمة فهو يلح على مزيد من التساؤلات لم ترض أبدا الانتهاء إلى صياغة اجابة نهائية ، وإنما تتطلع بموجب توجهها الحداثي إلى اقتراح مسلمات سنأتي عليها لاحقا.
إن الشعرية هي بحث في ما يكون به الأدب “أدبيا” أي في تلك الخصائص الممكنة لكل إبداع متميز وخلاق ، والانزياح هو ممكن اللغة في لحظة المكاشفة الشعرية ، وبذلك ، فإن هذا الممكن ، يمتلك أكثر من طريقة للابتكار والخلق.
إن اختلاف الاتجاهات الشعرية يعد في صلب إغنائها واثراء التجارب النقدية ، كما أنه يكشف عن انفتاح الادراك الجمالي لدى القارئ من جهة ، وعن الكثافة الايحائية ، والعمق الإشاري ، والدلالي للنصوص من جهة أخرى . ولا نعتقد أن تاريخ النقد العربي يخلو من مثل هذه الطروحات ، بخاصة تلك التي سجلتها السجالات النقدية كالموازنة التي تعد بحق منهجا نقديا ،. وكان يمكن أن تتحول إلى فاتحة لنظرية نقدية عربية لو أنها حظيت برؤية اختلافية غير مطابقة مما جعل النقد العربي يظل حبيس النقاط التالية :
ـ الانخراط في الحكم على القيمة الجمالية للنصوص
ـ عدم التخلي عن التصورات الثابتة للمفاهيم
ـ صياغة معايير راسخة مع وجوب اتباعها في ضوء ثبوتية هذه القيم
ولتجديد المناهج النقدية في أفق الشعرية ينبغي حل هذه السلطات واستعادة مقولات من مثل :
= جدلية العمل الأدبي ومؤوله
= كسر مركزية المفاهيم الجمالية القديمة
=استعادة مسار التلقي في الثقافة النقدية العربية ، وتبديد ألفة التلقي
= خرق مقولات التمركز ، الائتلاف ، التطابق
= تفكيك الثنائيات المعيقة لحركية العقل العربي
= إطلاق العنان ، واستفاضـة التأمل ، بإشراك بدائـل مثل ( التأويل ، التفكيك ، الاختلاف ،،،)
[1] مصطفى ناصف : نظرية التأويل ، النادي الأدبي بجدة ط1/2000 ص104
[2] المرجع نفسه ، ص 104
[3] نفسه
[4] هانس غيورغ غادامير : فلسفة التأويل ، تر : محمد شوقي زين ، منشورات الاختلاف ، ط2/2006 ن ص 20
[5] المرجع نفسه ، ص 20
[6] المرجع السابق ، ص26
[7] مصطفى ناصف : نظرية التأويل ، ص 105
[8] هانس غادامير : فلسفة التأويل ، ص 27
[9] المرجع نفسه ، ص 26
[10] Serge dobrovosky: pour quoi la nouvelle critique ed mercure de France ,1966 p xx
[11] ابن منظور : لسان العرب ، مصدر أول الجزء 11 دار صادر بيروت ص32
[12] بول ريكور : مهمة الهرمينيوطيقا ، تر : خالدة حامد ، مجلة نوافذ ، النادي الأدبي بجدة ، ع22 ، ص 38
[13] المرجع نفسه ، ص 45
[14] محمد مفتاح : مجهول البيان ، دار توبقال ، المغرب ،1990 ، ص90 ـ91
[15] بول ريكور : مهمة الهرمينيوطيقا ، ص46 ـ47
[16] نفسه ، ص 49
[17] حفناوي بعلي : إشكالية التأويل ومرجعياته في الخطاب العربي المعاصر ، الموقف الأدبي ع440/2007 ، ص 13
[18] عبد القادر فيدوح : نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية ، الأوائل ، دمشق ط1/2005 ص 24
[19] محمد الأسعد : أهداف المعرفة العلمية في الجغرافيا : تأويل أم تفسير ، مجلة بصمات ، جامعة الحسن الثاني ، كلية الآداب ، بنمسيك ، المغرب ، ع1/2006 ص 23
[20] المرجع نفسه ، ص23
[21] عبد القادر فيدوح : نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية ، ص 24
[22] سورة الكهف ، آية 78
[23] حسين الواد من قراءة النشأة إلى قراءة التقبل ، ، فصول ، ع 1/م5/1984 ، ص 115
[24] روبرت سي هول: نظرية الاستقبال ، مقدمة نقدية ، تر : رعد عبد الجليل جواد ، دمشق ط/1992 ص 31
[25] المرجع نفسه ، ص 77
[26] Houda chraibi : sense et interpretation dans la methode de lhistoire litteraire مجلة بصمات ع/1/ص73
[27] مخائيل باختين : بصدد منهج علم للأدب ، مجلة الآداب العالمية ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، ع133/2008 ص 19
[28] المرجع السابق ، ص20
[29] امبرتو إيكو : التأويل بين السيميائيات والتفكيكية ، تر سعيد بنكراد ، المركز الثقافي العربي ط1/2000 ص 117
[30] المرجع السابق ص 125
[31] عبد اللطيف محفوظ : التأويل في النقد العربي المعاصر ، مجلة بصمات ، ع1/ص 119
[32] ادريس بلمليح : القراءة التفاعلية ، دراسات لنصوص شعرية حديثة ، دار توبقال ط1/2000 ، ص 98
[33] أبرتو إيكو : شعرية الأثر المفتوح ، تر : عبد الرحمن بوعلي ، مجلة نوافذ ، النادي الأدبي ـ جدة ، ع6/1998 ، ص 83
[34] المرجع نفسه ص،87
[35] جون كوهن : اللغة العليا ، تر : أحمد درويش ، المجلس الأعلى للثقافة ط2/2000 ، ص10
[36] المرجع نفسه ، ص10
[37] نفسه ،
[38] نفسه ، ص 11
[39] ينظر : كتابنا : شعرية الانزياح ، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر ، إربد الأردن ، 2000
بواسطة admin • 01-دراسات • 0 • الوسوم : العدد الثانى والعشرون