نجيب محفوظ قرن من الإبداع ! الحوار معه لا يحتاج إلي مناسبة ، فقط الشوق وحده يحركنا صوبه … صوب قرن من الإبداع الأدبي الخاص ، فصاحب الثلاثية ، الأديب العربي العاليم الكبير ” نجيب محفوظ ” ما زال متدفقاً بفكرة … حاضراً بارائة وأفكاره ، متيقظاً نشطاً رغم عمره الـ 89 ، تلازمه ابتسامة سرعان ما تتحول إلي ضحكة تملأ المكان إذا ما مست شيئا ما بدخلة إذا تطرق الحديث إلي الطفولة ، وجدته طفلاً دون العاشرة ، وإذا كانت المرأة والحب الأول هما محور الحديث وجدته أمامك عاشقاً عائشاً في زمن جميل من صنعه ، وخلال حديثي معه والذي أمتد لأكثر من ساعة تذكر محفوظ علاقته بالسلطة وصدامه غير المباشر معها من خلال أعماله الأدبية ، كما ذكره حصول العام المصري
الكبير الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل بلحظة حصولة عليها في الأدب منذ عشر سنوات وما ناله من اتهام ومديح وتهديد بالقتل وأخيراً محاولة اغتياله . السطور التالية فيها تفاصيل حوار الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ مع ” الجسرة ” سلطة الأدب ” الإبداع والحرية ” ضدان . وقد جاءت العديد من روائعك الأدبية في أوقات عصيبة من تاريخ مصر ، فهل كان لابداعاتك أي تأثير علي حريتك الأدبية والشخصية ؟ الحقيقة أنني لم اعتقل يوما ما ، حتى في أشد لحظات صدامي مع السلطة سواء مع السلطة الدينية بسبب رواية ” أولاد حارتنا ” التي تردد أنها تتضمن أراء وأفكار تسيئ للدين أو غيرها من القصص والروايات التي قيل أنها موجهة ضد النظام ، وأذكر أنني عبرت وقلت كل ما أريده تقريباً في أعمال الروائية دون قيود ، وبالتحديد خلال فترة حكم جمال عبد الناصر ، وما لم أجاهز به كنت أرمز إليه لأوصله لجمهور القراء وهذه من مزايا التعبير غير المباشر . النقطة الأخرى التي أود التأكيد عليها هي أنني كأديب لست من أعداء السلطة كمان أنني لست من أنصارها . لإيماني الشديد حرفه الأدب كانت سيطر علي تماماً ، ولم أحلم بالتقرب إلي السلطة أو تحقيق أيه أهداف من ورائها والسلطة التي حملت بها وعشت من أجلها حياتي هي سلطة الأدب والفن وليست السلطة السياسية أو الإدارية . فلم أكن أحلم بمنصب ما ، أما حلمي الكبير هو كيف أصبح مؤثراً بأعمالي وكتابتي في القراء أو المشاهدين لأعمال بعد تحولها لأفلام . معني هذا أنك ضد عمل بعض الأدباء بالسياسة أو سعيها للسلطة حتى لو كان ذلك بهدف المصلحة العامة للجمهور ؟ من قال ، أنا أعبر عن حالتي والتي أري فيها سلطة الأدب والأديب أسمي وأرفع وأكثر تأتثراً من أي سلطة أخري . لأنني أؤمن بأن الأدب مهنة مقدسة تفرض علي من يعمل بها الابتعاد عن السياسة والادارة بهمومها والتزاماتها وأعبائها . وأذكر أن من أكثر فترات عقمي الأدبي تلك الفترة التي قاربت العام والنصف والتي عملت فيها بمؤسسة السينما أم أقرأ ولم أكتب حرفاً واحداً . وعلي أية حال المسألة لا يجب التعميم فيها فربما كان بعض الأدباء والمفكرين أكثر تأثيراً وفاعلية بعد دخولهما ساحة السلطة الإدارية أو العمل السياسي . ولماذا نبعد كثيراً فعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين صاحب مقوله العلم كالماء والهواء حقق هذه المقولة وطبق الشعار بمجرد أن وصل إلي السلطة وشغل منصب وزير المعارف مع بدايات عام 1950 وحتى سنة قيام الثورة . إذن السلطة ليسنت سيفاً مسلطاً دائماً ضد الإبداع أو الفكر أو الفن أو المشتغلين بهذه الأمور .. ولكنها قد تكون في خدمة هذه المجالات ولو بقدر قليل . معارك أدبية خلال رحلة ابداعية ممتدة لأكثر من نصف قرن ، خضت وخاضت أعمالك أكثر من معركة مع النظام فهل تذكر بعض هذه المعارك ؟ هذه قصة طويلة ، ولتعفيني من التوقف عند تفصيلاتها وتواريخها لأنها بحاجة إلي حديث مستقل ، ولكن علي أي حال أذكر أن أول القصص التي أثارت لي مشاكل ومتاعب مع نظام عبد الناصر ، نشرتها في الأهرام بعنوان ” سائق القطار والتي تشير إلي سائق يفقد السيطرة علي القطار ويؤدي برعونته إلي وقوع كارثة . وقتها قيل أن القطار هو مصر وأن سائقة هو جمال عبد الناصر الذي يأخذها إلي الكارثة ، وكانت مشكلة . كا كذلك أثارت روايه ” ثرثرة فوق النيل ” التي انمتقدت سلبيات المجتمع أكثر من مشكلة ، واذكر أن الأهرام برئاسة حسنين هيكل رفضت نشر كل من ” المرايا ” و ” الحب تحت المطر ” وكذلك الكرنك . ولاقتناع الكاتب والأديب رجاء النقاش بالمرايا نشرها في ” الإذاعة والتليفزيون ” كما نشر ” الحب تحت المطر ” في مجلة الشباب في وقت رئاسته لتحري تلك المجلتين . ونشر عبد الحميد جودة السحار صاحب مكتبة مصر رواية ” الكرنك ” بعد أن كانت الرقابة قد قرأتها وأدخلت عليها تعديلات عديدة هي ورواية ” الحب تحت المطر ” لتنشر الروايتان بصورة مشوهة لم أكن راضياً عنها وللأسف لم أتمكن من إعادة نشرها بصورتيهما الأصلية لعدم وجود أصل أي من الروايتين لدي . نوبل … موطن الألم ! الأديب الكبير نجيب محفوظ . يعتبر البعض جائزة نوبل هي جائزة الجوائز أوصك الغفران وربما وثيقة الاعتراف بمكانة الأديب والمفكر والعالم ورجل السلام . فهل معنى هذا أن من لم يحصل عليها لم يولد بعد خاصة ادباء وعلماء العالم الثالث ؟ سؤالك عميق وبكشف بعض مواطن الضعف في العالم الثالث الذب يفقد الثقة في قدراته وامكانياته وينتظر حتى يمنحه الاخرون شهادة اعتراف بذلك ، لكن وهذا هو الحق هذه الجائزة من أرفع الجوائز العالمية حتى الان وهى قيمة يسعي إليها الجميع . لكن القبول بأن من لم يحصل عليها لم يولد لعد أو لم يأخذ شهادة مرور مسألة مبالغ فيها ، ولكنها تنوه إلي موطن الألم لدينا ، وأعود لأوكد ما قتله ربما منذ عشر سنوات . أن العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم كانوا يستحقون تلك الجائزة عن جدراة خاصة الحكيم صاحب الانتاج المسرحي الغزير ، لكن علي أيه حال لجنة الجائزة قد تمنحها لأديب غير معروف وتمنعها عن أديب ملء السمع والبصر لاعتبارات إنسانية وفنية في مضمون العمل الأدبي ، ولهذا قيل أنها تأخرت علي الألماني ” جونتر جراس ” مثلاً ، كما أراها هكذا بالنسبة لجرهام جرين وألبرتو مورافيا واليوناني كازانتزكس صاحب ” زوربا ” و ” المسيح يصلب من جيديد ” . وأعتقد أنه بدلاً من اتهام نوبل بالتحيز أو خدمة الأهداف الصهيونية كما يروج البعض لابد أن نعي أن كبار الأدباء في مصر والذين ذكرتهم من قبل جاءوا في عصر ملئ بالعمالقة في الأدب الأوروبي وهي ما قلل فرص حصولهم علي الجائزة وهو ما نوه إلي ضرورة ترجمة أدبنا العربي المعاصر حتى يتعرف عليه العالم ويدرك فنوننا وأدبنا وعشرات المبدعين الذين تذخر بهم الأمة العربية . رواد العرب ما دمنا تطرقنا إلي الحديث عن المدعين العرب وجائزة نوبل فماذا عن الأسماء التي ترشحها أو تزكيها لنيل تلك الجائزة الرفيعة ؟ ضحك محفوظ ووقال معاتباً : ألم نتفق بعد علي عدم الرهان علي ذاكرتي ؟ ثم قال : تعلم أنني لم أقرأ بانتظام منذ عشر سنوات لأسباب إجبارية تتعلق بظروفي الصحية غير المستقرة فضلاً عن ضعف بصري . ولهذا لا أود أن أضغط كثيراً علي ذاكرتي حتى استعيد منها الأسماء فأنسي بعضهما عن غير قصد ، لكن استطيع أن أقول وبارتياح شديد أن الأمة العربية لديها رموز أدبية قوية ومؤثرة تركت بصمات واضحة علي الساحة الأدبية ولا زالت . خذ عندك شاعر الحي الذي رحل – فاذكره باسمه فيقول نزار قباني شاعر كبير ، وكذلك عبد الوهاب البياتي والجواهري ونازك الملائكة والسياب ودنقل وحجازي وكذلك وكذلك من الأدباء العظام أذكر علي سبيل المثال الطاهر بين جلون وحنا مينا والطاهر وطار وعبد الرحمن منيف وأمين معلوف والطيب صالح وقائمة طويلة من الأصوات الأدبية والشعرية الجديدة التي تذخر بها أمتنا العربية المشكلة ليست في الأسماء ولكن في التفرغ للإبداع وايجاد جسر حقيقي لتوصيل صوت الأدب العربي للعالم . وأذكر أن الإنجليزية ساعدت شاعر الهند العظيم طاغور – إلي جانب موهبته – علي اختراق أوربا والحصول علي نوبل . زويل قتل الصدفة ! عشر سنوات تقريباً تفصل بين حصول سيادتكم علي نوبل الأدب وحصول د . أحمد زويل علي نوبل العلم وبين السنوات العشر أو حتى الان اتهامات وتلميحات بعدم القدرة وشبهة التميز ؟ من حقك كعربي أن تغار من هذا الكلام – كما ألحظ عليك – وقد انزعجت لهذا فور حصولي علي نوبل في 13 أكتوبر عام 1988 وهذا التاريخ لا أنساه أبدأ لكن متابعتي للجائزة وللحاصلين عليها سنويا في مختلف المجالات جعلتني أتوصل إلي قناعة مؤادها أنك ستلام حتما بحصولك علي الجائزة وأن اللوم قد يطول شخصك ، أو يطول انتاجك الفكري أو الإبداعي ، مثلما قيل أنني حصلت عليها لأن رواياتي تنتقد العالم العربي والمجتمع المصري ومن ثم منحي الجائزة هو تأكيد لشهادة إدانة مني لهذا المجتمع – وقد يمتد اللوم أو الاتهام لما هو أبعد من ذلك كأن يقول البعض أنك تهاجم الدين وتطاول علي الأنبياء مثلما قيل عن رواية ” أولاد حارتنا ” والتي اعتبرها البعض سبباً مباشراً لمنحي نوبل إلي غير ذلك من اتهامات ، الإ أن المسألة التي تظل موضوع نقاش هي ألم يكن ” س ” من الناس أحق من غيرة بهذه الجائزة ، وتلك واحدة يرددها أكثر الطامحين إلي الجائزة والناقدين لها ولصاحبها . زويل الخاصة والتي جاءت لتمحو الاتهامات … فقد قيل أنني حصلت علي نوبل بالصدفة أما أن يكررها عالم مصري ويفعلها ويحصل علي هذه الجائزة الرفيعة فلا مجال هنا للصدفة . وإنما هي قدرة إنسانية وعطاء خالص في بيئة ومناخ يسمح بذلك . الظروف غير مواتية اعود وأكرر أن البعض شكك في إمكانية حصول الدكتور زويل علي جائزة نوبل في الكيمياء إذا كان قد بقي بمصر ولم يهاجر إلي أمريكا ؟ قد يكون مع هؤلاء الحق فيما يقولون ، ولكن هذا ليس عيباً في زويل ولا علاقة له بتلك المشكلة ، وأذكر أنني سمعت أن الرجل كان يعمل ويساعده فريق مكون من 150 باحثاً وعالماً يطلقون عليهم مجموعة زويل . ولك أن تتخيل هذا الرقم ، ثم سمعت أنه انفق ملايين الدولارات خلال بضع سنوات علي أبحاثة وتجاربه ومعاملة فهل كان من الممكن أن تتاح له هذه الأدوات والأجهزة والملايين والمساعدين في مصر أو غيرها من الدول العربية بالطبع لا . هذا يعني ببساطة أنه لو بقي لما زاد عن كونه أستاذاً أو عميداً مثل طابور الأساتذة والعلماء البارعين في مصر والعالم العربي . وأعتقد أن المناخ من ناحية والأوضاع لدينا من ناحية أخري لا تساعد علي الابتكار والتفوق . ومن ثم قبل أن نحاكم من اجتهد علينا أن نحاكم الظروف ونهيئ المناخ ونجعل السيادة لعصر العلم والتكنولوجيا لا مجرد التشدق باستيراد منجزات هذا العصر من الغرب والوقوف أمامها دون دراية بقيمتها وكيفية تشغيلها وصيانتها . وللحق أقول أن مصر والعالم العربي يذخر بعقول واعية وقدرات خلاقة لكن الظروف غير مواتية … التمويل مشكلة .. التنافس الفردي أيضاَ مشكلة مجتمع طارد للعقول ردد زويل قبل فوزه بجائزة نوبل أن الفردية والأنانية تعجل بشيخوخة المجتمعات .. فكيف نهيئ المناخ العلمي الصحيح لنري عشرات من أحمد زويل ؟ يضحك الزأيب الكبير ويقول : ” زويل قال كده .. معاه حق ! ” لكن تهيئة المناخ العلمي مسأله يجيب عنها العلماء ، لكن يمكن القول أنه يلزمنا أكثر من مطلب أولاً قاعدة عملية تؤمن بالعلم والتكنولوجيا وثانياً تمويل كافي للأنفاق علي الأبحاث والتجارب والأجهزة ى للانفاق علي المرتبات المتواضعة فقط ثم معدات متقدمة واحتكاك عالمي خلاق وإيجابي ومطرد . فالأديب يحتاج إن يطلع علي الأدب العالمي والاسهامات الجديدة فيه . والعالم يحتاج أن يعرف نتاج العقل العالمي في مجال ما ويحتاج أن يري ويجرب بنفسه وهذا يعني بعثان وتبادل علمي وثقافي واسع بعيداً عن تعقيدات الروتين . وأعود وأكرر علي نقطة قلتها أن د . أحمد زويل كان يعمل ومعه 150 مساعداً ، وهنا أؤكد لك أن المصري والهعربي قد ينجح كفرد ولكن في إطار العمل الجماعي لاتسأل عنه وهذه مشكلتنا الفردية والتي اعتقد أن سببها المباشر أسلوب التعليم الحالي القائم علي المنافسة ، والحاجة ملحة اذن لإعادة النظر في مناهج والتعليم لتدعيم روح التعاون والعمل كمجموعة أو فريق يشعر كل فرد فيه بقيمة وينسب النجاح للجميع . بدلاً من أن تشهد أمتنا العربية حالات مستمرة من طرد العقول والكفاءات والكوادر والطاقات البشرية التي يحسن الاخر الاستفادة بها واستغلالها. قلت إن نظم التربية والتعليم لدينا بحاجة لإعادة نظر … وماذا عن التعليم الجامعي وروية سيادتكم له ؟ تبسط الأديب الكبير في حديثة وقال : ” ياعم دول بيقولوا إن كليات التجارة فيها أكثر من 70 ألف .. بالذمة ده كلام ” ويستطرد محفوظ قائلاً : اعتقد أن نقطة البدء الحقيقية لاصلاح المجتمع لابد أن تنطلق من القاعدة ، من التعليم وهناك محاولات حقيقية وجادة في مصر لهذا الكلام ، وأعتقد أيضاً أن اهتمام الدولة العربية ومنها مصر بالكم دون الكيف كارثة . البعض يباهي بأن لدينا كم جامعة وكم كلية وعدد ضخم من الطبلة . وأقول أن هذه وحده لا يكفي ، نحن لسنا بحاجة إلي طوابير من الموظفين ، ولا بحاجة إلي طوابير من العاطلين . وأتصور أن الربط بين رغبات الطلبة من ناحية ، واحتياجات سوق العمل من ناحية ، وقدرات الدولة من ناحية ثالثة معادلة صعبة يجب حلها فلا يجب اغفال الطالب فيما يجب أن يدرس وهنا أذكر أن والدي رحمة الله كان يأمل أن التحق بكلية الحقوق أو الطب لأكون طبيباً أو وكيل نيابة ولكنني التحقت بقسم بكلية الاداب حسب رغبتي التي كان من الممكن أن يقيمها والدي في ذلك من نهاية العشرينات كذلك لابد أن نبحث في خطة التنمية وسوف العمل واحتياجاته بدلاً من أن نحول الجامعات والمعاهد التعليمية إلي مصنع تفريغ عشرات الألوف من العاطلين سنوياً الذين قد تتحول قدراتهم غير المستغلة إلي مشكلات يتكلف علاجها أكثر بكثير من تكلفة توظيفهم ! بين العلم والأدب ما دمنا نتحدث عن التعليم ما رأى سيادتكم غي وجود أكثر من نوع من التعليم في مصر .. تعليم حكومي ” أميري ” وتعليم نموذجي وتجريبي وأجنبي ومدراس للغات ومادة تاريخ إحتيارية .. ألا يوثر علي هوية الأخبار القادمة ؟ ضحك محفوظ للحظات وعقب سريعاً قائلاً : وجايز يا سيدي يكون ده مصلحة . لأن التنوع يثيرى الثقافات ويثري العقول ويرتبط بالقدرات وبحرية الاختبار التي سبق وتكلمت عنها بالنسبة لحق الطالب فيما يدرس . لكن مسألة أن تصبح مادة التاريخ إختيارية في المدراس فهذا كلام مرفوض أن أمة بلا تاريخ لا تاريخ لا مكان لها تحت الشمس . واذا كنت قلق بشأن تكوين العقلية العربية والروافد المسئولة عن ذلك بحسب فهمي للسؤال فإني أؤكد لك أن التعليم ثم التعليم مسئول يأتي بعده روح وقيم المجتمع ونظام الحكم السائد فيه وهذا كله من شأنه أن يتعاون ويتكامل في صناعة العقول وتكوين عقلية الأجيال المقبلة ولن يتسني ذلك إلا وفق خطة مدروسة تعي تجارب الماضي وتستوعب ظروف الحاضر وتتطلع إلي المستقبل ، لا تركز علي الأدب وحده ، أو العلم وحده ، أو الصنعة والحرفة المهنية وحدها وأنما تمزج بين كل هذه المجالات لتقديم جيلاً من الأدباء والفنانين والمفكرين والعلماء والصناع أيضاً .
ليست معركة
البعض رأى أن فوز د . زويل بجائزة نوبل أعاد للعلم هيبته ووضع العلماء في الصورة أكثر بينما توارى الأدب والأدباء قليلاً ؟
أجاب محفوظ بضحكته وابتسامته التي لازمته طوال الحوار دون أن يهملني أكمال السؤال قائلا : ” يا سيدي هى خناقة ” ليست هناك ليست هناك معركة بين العلم والأدب ، ولكلاهما دوره في المجتمع ، ولكن ما حدث بمثابة نهضة أو قل انتفاضة ويذكرني ذلك بحصولي على نوبل الأدب وقتها حدث تسليط ضوء كبير على الأدب العربي كله شعر وقصة ورواية ، وتكالب الناشرون على الترجمة الأعمال الأدبية العربية لي ولغيري من كبار أدباء الوطن العربي ومصر أما اليوم فالأمور مختلفة أيضا بحسب طبيعة ولغة العصر الذي نعيشه ، عصر العلم والتكنولوجيا ومن متابعتي المحدودة اسمع أن شاباً في مثل عمرك يمتلك أضخم شركة كمبيوتر تحرك العالم اسمه جيتس – على ما أذكر – كذلك هناك أحاديث مطولة عن ثورات علمية شريعة يشهدها العالم في الفلك والطب والكيمياء والفضاء والجينات والليزر وغيرها ، اذن العالم يتحرك من حولنا ، ولا يجب أن نكف عن البحث أو نقف مكتوفي الأيدي . وأري أننا نعيش الآن عصر العلم وأن أمتنا العربية أكثر حاجة الآن إلي العلماء منها إلي الأدباء لأن أمة بلا علماء محكوم عليها بالفناء ، وهذا طبيعة تطور وسنة وجود ، لكن لا العلم يلغي الأدب ولا العكس بل يا سيدي من الصالح أن يحدث التوأمة بينهما !
مجرد شعارات
بعيداً عن الأدب والعلم والثقافة الثالثة التي تجمع بينهما ، يتحدث العالم اليوم عن ثقافة السلام ، فما رؤية نجيب محفوظ لهذه الثقافة ؟
حتى لا تكون هذه الثقافة مجرد كلام أو شعارات لابد قبل أن تطالب بها العالم العربي ، ولابد قبل أن تعلمها لأولادك أن تلزم بها اسرائيل وأن تقبلها اسرائيل وأن تعود الحقوق والأراضي المغتصبة إلي أصحابها وأن تنضم إسرائيل إلي معاهدة حذر الأسلحة النووية .
ويستطرد نجيب محفوظ قائلا : لابد وأن يعم السلام قبل أن ننادي بثقافة السلام ، إذ كيف أتحدث عن ثقافة سلام ولا تزال اسرائيل تحتل أجزاء كبيرة في الشرق الأوسط وفي فلسطين والجنوب اللبناني والجولان السوري ، وما تزال اسرائيل تقوي من ترسانتها الحربية تدعمها الولايات المتحدة بأسلحة الدمار والفناء النووية .
كذلك أؤكد أن المسألة هنا لبيست مسئولية العرب وحدهم حتى نطالبهم بقبول هذه الشعارات وإنما هي رهن تطبيق عالمي وتنتقل عدواها آلياً إلي كل الشعوب ، لكن من حيث المبدأ يمكن تعليم الأجيال هذه الثقافة بزيادة الجرعات الانسانية في المقررات الدراسية بدلاً من الإبقاء على بعض الأفكار التي تكرس العنف والعدوانية لدي الصغار . إذن التعليم والتربية والإعلام معاً هم المدخل الصحيح لهذه الثقافة .
ثقافة عربية موحدة
من السلام إلي الديمقراطية وحلم الوحدة العربية … كيف يتحقق الحلم في ظل هذا التشرذم ؟
**لا أود أن أكرر كلاماً نعيه جميعاً ويكفي أن أقول على المستوي الثقافي مثلاً أن العرب يملكون وحدة ثقافية منذ أقدم العصور مثل هذه الوحدة لابد من استثمارها وجعلها نواة لوحدة أشمل . ومقوماتها موجودة بشرط إخلاص النوايا ، فلماذا إذن لا نستلهم الثقافة والدين واللغة التي تجمعنا في وحدة أشمل .. وحدة سياسة عريضة وحدة اقتصادية نواجه بها التكتلات العالمية ، ولن يتسني ذلك إلا إذا كانت الديمقراطية الكاملة هي مدخلنا إلي هذه الوحدة وأعتقد أن الشعوب العربية تعيش الآن مرحلة نضج ديمقراطي أشمل مما كانت عليه قبل نصف قرن … فلماذا لا نستغل هذا المناخ من الحرية في التوصل لصيغة عربية متكاملة ؟!
*بعيداً عن السياسة … هل تتغير أشكال التعبير الأدبي مع بداية الألفية الثالثة ؟
**الأديب أبن عصره ، يعبر عما يراه في هذا العصر ويحاكي المألوف من الحياة وهذا لا ينفي أبداً الرؤية المستقبلية للأديب أو الخيال الواسع له لكن عاطفة مثل الحب مثلاً أو العلاقات العاطفية والإنسانية لا أعتقد أن تتبدل ، فالحب هو الحب وإن اختلفت أشكال التعبير عنه ، وإذ كان الحب يمر بأزمة الآن لظروف ما فسيبقي الحب وسيبقي التعبير الأدبي وسيبقي الالهام الخاص لكل أديب وشاعر مهما اختلف الزمن .
*قلت للأديب الكبير هل تسمح بأن نختم الحديث بالكلام عن المرأة والأسرة ورأيك في قانون ” الخلع ” الذي أقر في مصر مؤخراً ؟
**” عايز ايه بس من المرأة ” قالها محفوظ ضاحكاً ثم استطرد : أنت تعلم أنني لا أقرأ ومتابعتي محدودة .. أعطني فكرة عن القانون وأنا أقول رأيي ؟ فأجبته إلي ما يريد فقال : هذا قانون في صالح المرأة لأنه يعفيها من تسلط الرجل لكن كيف للفقيرة أن تستفيد به وهي لا تملك ثمن حريتها أو قل تملك بالكاد ثمن رفع دعوة الخلع ، وأعتقد بصفة عامة أنه لا ينبغي الاختلاف حول مبدأ أقره رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأن كنت أري أن الود والتفاهم بين الزوجين هو أفضل الطرق لحسم أي خلاف ينشب بينهما ، فإذا كان من الممكن أخذ حقوق دون اللجوء إلي المحاكم فهذا أفضل ، أما إذا استحالت العشرة بين الطرفين فالمحكمة هي الحل .
أما الطلاق في الزواج العرفي فهذا أحفظ لحقوق المرأة واعترافاً مدنياً بما لها من حقوق بموجب العقد العرفي بدلاً من تركها وهجرها بلا أدني حقوق .
أما مسألة السفر هذه فلم أفهمها جيداً لكن هي بحاجة لتأني وإقرار صالح للطرفين الزوجة والزوج معاً لا أحدهما على حساب الآخر .
*وماذا عن حياة نجيب محفوظ الآن وما هي أخر ابداعاتك ؟
حياتي طبيعية جداً لكن الابداعات انحسرت تماماً منذ عام 1988 أو بعدها قليلاً ، لأسباب عديدة بعضها يتعلق بحالة مزاجية ، وبعضها يتعلق بسؤال يشغلني ما الجديد في هذه الفكرة التي طرأت على خاطري وأغلبها يعود لأسباب مرضية بحتة منها السكر وضعف البصر إلي حد كبير إضافة إلي الارهاق ونظام الغذاء الصارم وجلسات العلاج الطبيعي ، لكن من حين لآخر ، عندما تلوح لي فكرة أدونها في ورقة وأعود إليها إلي أن تكتمل قصة قصيرة أنشرها في مجلة نصف الدنيا . أما الشيء الذي أنتظم فيه وأحافظ عليه أسبوعياً هو مقالي وجهات نظر الذي ينشر كل خميس بصحيفة الأهرام .
,:/أ أعتدت أدخل فراشي بعد منتصف الليل وأستيقظ مبكراً ، وأستقبل بعض الأصدقاء ، وأتابع ما يحدث من حولي من خلال الآخرين .
شكرت الأديب العربي العالمي الكبير على هذا اللقاء الممتع والممتد لأكثر من ساعة بمنزله المطل على نيل العجوزة .. ولملمت أوراقي ثم هممت بالرحيل .
*****
بدون فلاش !
*عندما حدد لنا الكاتب الصحفي محمد سلماوي صديق الأديب الكبير نجيب محفوظ موعد اللقاء ، نبهنا إلي أن التقاط الصور مع محفوظ سيكون بدون فلاش نظراً لحساسية بصره الشديدة للفلاش .
* حرص صاحب نوبل المولد في يوم الأثنين 11/12/1911 بالبيت رقم 8 بشارع بيت القاضي بحي الجمالية بالحسين ، علي استقبالنا بنفسه وتقديم حبات الشيكولاته إلينا قبل بدء الحوار .
* الايتسامة ثم الضحكة العالية ومن القلب سمات أساسية غالبة علي شخصية صاحب نوبل الهادئ ، فهو ينصت للسؤال بأذنه اليسرى – نظراً لضعف اذنه اليمني تماماً – ويستوعبه ويتأثر به ويخرط في الضحك قبل الرد عليه ، ولا تخلو ردوده من قفشات ظريفة تصل إلي حد النكات .
* يعتز نجيب محفوظ جدا بشخصية ” عطية الله ” زوجته ورفيقه كفاحة التي يؤكد أنها تحملت الكثير لتكيف ظروفها وفق برنامجة ولتوفر له المناخ الحرافيش إلي جانب متابعتها الحالية الدقيقية لنظر غذائه الصارم .
* أنتقطع محفوظ عن القراءة اجبارياً منذ عشر سنوات لظروف صحية ويحرص أحد المقربين علي المرور عليه صباح كل يوم لقراءة الصحف عليه .
* نجيب محفوظ شخصية منظمة صارمة تحافظ بشدة علي المواعيد ، ومنذ سنوات عديدة وهو يأوي إلي فراشة مبكراً ويستيقظ مبكراً ويزاول رياضة المفضلة وهى المشي ، والذي انفطع عنه لسنوات بعد محاولة اغتياله عام 1994 وبعد تأخر ظروغه الصحية .
* والدة الأديب الكبير لها مكانة خاصة في نفسه وتأثير كبير علي حياته ربما يفوق تأثير والده ، فقد كانت عاشقة الاثار ، فضلاً عن عشقها الخاص لزيارة أولياء الله الصالحين واصطحابه معها خلال هذه الزيارات التي كانت مصدراً لشخصيات رواياته فيما بعد .
* عرف الحب فلب الشاب نجيب محفوظ خاصة بعد أن انتقل وأسرته للعيش بمنزل الأسرة بحي العباسية ، غير أن حبه كان من ظرف واحد وكان لا يجرؤ عن التعبير لمحبوبته به ، وقد عبر عن حبه هذا في “الثلاثية” التي تشابهت شخصيته الحقيقية مع شخصية كمال عبد الجواد بينما كانت فتاته في الحقيقة هى .
* كان اسم نجيب محفوظ نقمة عليه وسبباً في حرمانه من السفر في بعثة إلي فرنسا كان قد رشح لها من اخرين حيث ظن مدير البعثان أنه قطبي ، وقد كان المدير قد اختار اثنين من المسحيين للسفر ولا مكان لميسحي ثالث ، حاول محفوظ وقتها تصحيح الوضع لكن بعد فوات الأوان ، وقتها نقم علي الأسم المستمد من اسم الطبيب الذي قام بتوليد والدتته اخراج هذا النجيب صاحب نوبل .
* نجيب محفوظ من رواد المقاهي بامتياز … له في معظم مقاهى مصر مكاناً وصور وذكري وأصدقاء خاصة مقاهى حي الحسين … الفيشاوي تحديداً إلي جانب مقهى ريش ومقهي علي بابا بالتحرير والذي التقي فيه مع عضو بارز بالكونجرس ، ثم مقهى قشتمر بالعباسية ومقهى عرابي .
* عرف عن نجيب محفوظ عدم حبه للسفر ، حتى انه لم يسافر إلي السويد لاستلام جائزة نوبل بينما توجهت ابنتاه فاطمة وأم كلثوم لتسلم الجائزة بدلاً منه . ومع ذلك فقد سبق لمحفوظ أن سافر مرتين الأولي ألي اليمن والثانية إلي يوغوسلافيا في الخمسينات ، وهي رحلات يقول عنها أنها اضطرارية ولو لا ذلك ما سافر أبداً خاصة وأن السفر يشعره بالإضطراب النفسي والضيق الشديد .
أبريل 16 2011
نجيب محفوظ قرن من الإبداع …………. . سمير محمود
نجيب محفوظ قرن من الإبداع ! الحوار معه لا يحتاج إلي مناسبة ، فقط الشوق وحده يحركنا صوبه … صوب قرن من الإبداع الأدبي الخاص ، فصاحب الثلاثية ، الأديب العربي العاليم الكبير ” نجيب محفوظ ” ما زال متدفقاً بفكرة … حاضراً بارائة وأفكاره ، متيقظاً نشطاً رغم عمره الـ 89 ، تلازمه ابتسامة سرعان ما تتحول إلي ضحكة تملأ المكان إذا ما مست شيئا ما بدخلة إذا تطرق الحديث إلي الطفولة ، وجدته طفلاً دون العاشرة ، وإذا كانت المرأة والحب الأول هما محور الحديث وجدته أمامك عاشقاً عائشاً في زمن جميل من صنعه ، وخلال حديثي معه والذي أمتد لأكثر من ساعة تذكر محفوظ علاقته بالسلطة وصدامه غير المباشر معها من خلال أعماله الأدبية ، كما ذكره حصول العام المصري
الكبير الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل بلحظة حصولة عليها في الأدب منذ عشر سنوات وما ناله من اتهام ومديح وتهديد بالقتل وأخيراً محاولة اغتياله . السطور التالية فيها تفاصيل حوار الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ مع ” الجسرة ” سلطة الأدب ” الإبداع والحرية ” ضدان . وقد جاءت العديد من روائعك الأدبية في أوقات عصيبة من تاريخ مصر ، فهل كان لابداعاتك أي تأثير علي حريتك الأدبية والشخصية ؟ الحقيقة أنني لم اعتقل يوما ما ، حتى في أشد لحظات صدامي مع السلطة سواء مع السلطة الدينية بسبب رواية ” أولاد حارتنا ” التي تردد أنها تتضمن أراء وأفكار تسيئ للدين أو غيرها من القصص والروايات التي قيل أنها موجهة ضد النظام ، وأذكر أنني عبرت وقلت كل ما أريده تقريباً في أعمال الروائية دون قيود ، وبالتحديد خلال فترة حكم جمال عبد الناصر ، وما لم أجاهز به كنت أرمز إليه لأوصله لجمهور القراء وهذه من مزايا التعبير غير المباشر . النقطة الأخرى التي أود التأكيد عليها هي أنني كأديب لست من أعداء السلطة كمان أنني لست من أنصارها . لإيماني الشديد حرفه الأدب كانت سيطر علي تماماً ، ولم أحلم بالتقرب إلي السلطة أو تحقيق أيه أهداف من ورائها والسلطة التي حملت بها وعشت من أجلها حياتي هي سلطة الأدب والفن وليست السلطة السياسية أو الإدارية . فلم أكن أحلم بمنصب ما ، أما حلمي الكبير هو كيف أصبح مؤثراً بأعمالي وكتابتي في القراء أو المشاهدين لأعمال بعد تحولها لأفلام . معني هذا أنك ضد عمل بعض الأدباء بالسياسة أو سعيها للسلطة حتى لو كان ذلك بهدف المصلحة العامة للجمهور ؟ من قال ، أنا أعبر عن حالتي والتي أري فيها سلطة الأدب والأديب أسمي وأرفع وأكثر تأتثراً من أي سلطة أخري . لأنني أؤمن بأن الأدب مهنة مقدسة تفرض علي من يعمل بها الابتعاد عن السياسة والادارة بهمومها والتزاماتها وأعبائها . وأذكر أن من أكثر فترات عقمي الأدبي تلك الفترة التي قاربت العام والنصف والتي عملت فيها بمؤسسة السينما أم أقرأ ولم أكتب حرفاً واحداً . وعلي أية حال المسألة لا يجب التعميم فيها فربما كان بعض الأدباء والمفكرين أكثر تأثيراً وفاعلية بعد دخولهما ساحة السلطة الإدارية أو العمل السياسي . ولماذا نبعد كثيراً فعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين صاحب مقوله العلم كالماء والهواء حقق هذه المقولة وطبق الشعار بمجرد أن وصل إلي السلطة وشغل منصب وزير المعارف مع بدايات عام 1950 وحتى سنة قيام الثورة . إذن السلطة ليسنت سيفاً مسلطاً دائماً ضد الإبداع أو الفكر أو الفن أو المشتغلين بهذه الأمور .. ولكنها قد تكون في خدمة هذه المجالات ولو بقدر قليل . معارك أدبية خلال رحلة ابداعية ممتدة لأكثر من نصف قرن ، خضت وخاضت أعمالك أكثر من معركة مع النظام فهل تذكر بعض هذه المعارك ؟ هذه قصة طويلة ، ولتعفيني من التوقف عند تفصيلاتها وتواريخها لأنها بحاجة إلي حديث مستقل ، ولكن علي أي حال أذكر أن أول القصص التي أثارت لي مشاكل ومتاعب مع نظام عبد الناصر ، نشرتها في الأهرام بعنوان ” سائق القطار والتي تشير إلي سائق يفقد السيطرة علي القطار ويؤدي برعونته إلي وقوع كارثة . وقتها قيل أن القطار هو مصر وأن سائقة هو جمال عبد الناصر الذي يأخذها إلي الكارثة ، وكانت مشكلة . كا كذلك أثارت روايه ” ثرثرة فوق النيل ” التي انمتقدت سلبيات المجتمع أكثر من مشكلة ، واذكر أن الأهرام برئاسة حسنين هيكل رفضت نشر كل من ” المرايا ” و ” الحب تحت المطر ” وكذلك الكرنك . ولاقتناع الكاتب والأديب رجاء النقاش بالمرايا نشرها في ” الإذاعة والتليفزيون ” كما نشر ” الحب تحت المطر ” في مجلة الشباب في وقت رئاسته لتحري تلك المجلتين . ونشر عبد الحميد جودة السحار صاحب مكتبة مصر رواية ” الكرنك ” بعد أن كانت الرقابة قد قرأتها وأدخلت عليها تعديلات عديدة هي ورواية ” الحب تحت المطر ” لتنشر الروايتان بصورة مشوهة لم أكن راضياً عنها وللأسف لم أتمكن من إعادة نشرها بصورتيهما الأصلية لعدم وجود أصل أي من الروايتين لدي . نوبل … موطن الألم ! الأديب الكبير نجيب محفوظ . يعتبر البعض جائزة نوبل هي جائزة الجوائز أوصك الغفران وربما وثيقة الاعتراف بمكانة الأديب والمفكر والعالم ورجل السلام . فهل معنى هذا أن من لم يحصل عليها لم يولد بعد خاصة ادباء وعلماء العالم الثالث ؟ سؤالك عميق وبكشف بعض مواطن الضعف في العالم الثالث الذب يفقد الثقة في قدراته وامكانياته وينتظر حتى يمنحه الاخرون شهادة اعتراف بذلك ، لكن وهذا هو الحق هذه الجائزة من أرفع الجوائز العالمية حتى الان وهى قيمة يسعي إليها الجميع . لكن القبول بأن من لم يحصل عليها لم يولد لعد أو لم يأخذ شهادة مرور مسألة مبالغ فيها ، ولكنها تنوه إلي موطن الألم لدينا ، وأعود لأوكد ما قتله ربما منذ عشر سنوات . أن العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم كانوا يستحقون تلك الجائزة عن جدراة خاصة الحكيم صاحب الانتاج المسرحي الغزير ، لكن علي أيه حال لجنة الجائزة قد تمنحها لأديب غير معروف وتمنعها عن أديب ملء السمع والبصر لاعتبارات إنسانية وفنية في مضمون العمل الأدبي ، ولهذا قيل أنها تأخرت علي الألماني ” جونتر جراس ” مثلاً ، كما أراها هكذا بالنسبة لجرهام جرين وألبرتو مورافيا واليوناني كازانتزكس صاحب ” زوربا ” و ” المسيح يصلب من جيديد ” . وأعتقد أنه بدلاً من اتهام نوبل بالتحيز أو خدمة الأهداف الصهيونية كما يروج البعض لابد أن نعي أن كبار الأدباء في مصر والذين ذكرتهم من قبل جاءوا في عصر ملئ بالعمالقة في الأدب الأوروبي وهي ما قلل فرص حصولهم علي الجائزة وهو ما نوه إلي ضرورة ترجمة أدبنا العربي المعاصر حتى يتعرف عليه العالم ويدرك فنوننا وأدبنا وعشرات المبدعين الذين تذخر بهم الأمة العربية . رواد العرب ما دمنا تطرقنا إلي الحديث عن المدعين العرب وجائزة نوبل فماذا عن الأسماء التي ترشحها أو تزكيها لنيل تلك الجائزة الرفيعة ؟ ضحك محفوظ ووقال معاتباً : ألم نتفق بعد علي عدم الرهان علي ذاكرتي ؟ ثم قال : تعلم أنني لم أقرأ بانتظام منذ عشر سنوات لأسباب إجبارية تتعلق بظروفي الصحية غير المستقرة فضلاً عن ضعف بصري . ولهذا لا أود أن أضغط كثيراً علي ذاكرتي حتى استعيد منها الأسماء فأنسي بعضهما عن غير قصد ، لكن استطيع أن أقول وبارتياح شديد أن الأمة العربية لديها رموز أدبية قوية ومؤثرة تركت بصمات واضحة علي الساحة الأدبية ولا زالت . خذ عندك شاعر الحي الذي رحل – فاذكره باسمه فيقول نزار قباني شاعر كبير ، وكذلك عبد الوهاب البياتي والجواهري ونازك الملائكة والسياب ودنقل وحجازي وكذلك وكذلك من الأدباء العظام أذكر علي سبيل المثال الطاهر بين جلون وحنا مينا والطاهر وطار وعبد الرحمن منيف وأمين معلوف والطيب صالح وقائمة طويلة من الأصوات الأدبية والشعرية الجديدة التي تذخر بها أمتنا العربية المشكلة ليست في الأسماء ولكن في التفرغ للإبداع وايجاد جسر حقيقي لتوصيل صوت الأدب العربي للعالم . وأذكر أن الإنجليزية ساعدت شاعر الهند العظيم طاغور – إلي جانب موهبته – علي اختراق أوربا والحصول علي نوبل . زويل قتل الصدفة ! عشر سنوات تقريباً تفصل بين حصول سيادتكم علي نوبل الأدب وحصول د . أحمد زويل علي نوبل العلم وبين السنوات العشر أو حتى الان اتهامات وتلميحات بعدم القدرة وشبهة التميز ؟ من حقك كعربي أن تغار من هذا الكلام – كما ألحظ عليك – وقد انزعجت لهذا فور حصولي علي نوبل في 13 أكتوبر عام 1988 وهذا التاريخ لا أنساه أبدأ لكن متابعتي للجائزة وللحاصلين عليها سنويا في مختلف المجالات جعلتني أتوصل إلي قناعة مؤادها أنك ستلام حتما بحصولك علي الجائزة وأن اللوم قد يطول شخصك ، أو يطول انتاجك الفكري أو الإبداعي ، مثلما قيل أنني حصلت عليها لأن رواياتي تنتقد العالم العربي والمجتمع المصري ومن ثم منحي الجائزة هو تأكيد لشهادة إدانة مني لهذا المجتمع – وقد يمتد اللوم أو الاتهام لما هو أبعد من ذلك كأن يقول البعض أنك تهاجم الدين وتطاول علي الأنبياء مثلما قيل عن رواية ” أولاد حارتنا ” والتي اعتبرها البعض سبباً مباشراً لمنحي نوبل إلي غير ذلك من اتهامات ، الإ أن المسألة التي تظل موضوع نقاش هي ألم يكن ” س ” من الناس أحق من غيرة بهذه الجائزة ، وتلك واحدة يرددها أكثر الطامحين إلي الجائزة والناقدين لها ولصاحبها . زويل الخاصة والتي جاءت لتمحو الاتهامات … فقد قيل أنني حصلت علي نوبل بالصدفة أما أن يكررها عالم مصري ويفعلها ويحصل علي هذه الجائزة الرفيعة فلا مجال هنا للصدفة . وإنما هي قدرة إنسانية وعطاء خالص في بيئة ومناخ يسمح بذلك . الظروف غير مواتية اعود وأكرر أن البعض شكك في إمكانية حصول الدكتور زويل علي جائزة نوبل في الكيمياء إذا كان قد بقي بمصر ولم يهاجر إلي أمريكا ؟ قد يكون مع هؤلاء الحق فيما يقولون ، ولكن هذا ليس عيباً في زويل ولا علاقة له بتلك المشكلة ، وأذكر أنني سمعت أن الرجل كان يعمل ويساعده فريق مكون من 150 باحثاً وعالماً يطلقون عليهم مجموعة زويل . ولك أن تتخيل هذا الرقم ، ثم سمعت أنه انفق ملايين الدولارات خلال بضع سنوات علي أبحاثة وتجاربه ومعاملة فهل كان من الممكن أن تتاح له هذه الأدوات والأجهزة والملايين والمساعدين في مصر أو غيرها من الدول العربية بالطبع لا . هذا يعني ببساطة أنه لو بقي لما زاد عن كونه أستاذاً أو عميداً مثل طابور الأساتذة والعلماء البارعين في مصر والعالم العربي . وأعتقد أن المناخ من ناحية والأوضاع لدينا من ناحية أخري لا تساعد علي الابتكار والتفوق . ومن ثم قبل أن نحاكم من اجتهد علينا أن نحاكم الظروف ونهيئ المناخ ونجعل السيادة لعصر العلم والتكنولوجيا لا مجرد التشدق باستيراد منجزات هذا العصر من الغرب والوقوف أمامها دون دراية بقيمتها وكيفية تشغيلها وصيانتها . وللحق أقول أن مصر والعالم العربي يذخر بعقول واعية وقدرات خلاقة لكن الظروف غير مواتية … التمويل مشكلة .. التنافس الفردي أيضاَ مشكلة مجتمع طارد للعقول ردد زويل قبل فوزه بجائزة نوبل أن الفردية والأنانية تعجل بشيخوخة المجتمعات .. فكيف نهيئ المناخ العلمي الصحيح لنري عشرات من أحمد زويل ؟ يضحك الزأيب الكبير ويقول : ” زويل قال كده .. معاه حق ! ” لكن تهيئة المناخ العلمي مسأله يجيب عنها العلماء ، لكن يمكن القول أنه يلزمنا أكثر من مطلب أولاً قاعدة عملية تؤمن بالعلم والتكنولوجيا وثانياً تمويل كافي للأنفاق علي الأبحاث والتجارب والأجهزة ى للانفاق علي المرتبات المتواضعة فقط ثم معدات متقدمة واحتكاك عالمي خلاق وإيجابي ومطرد . فالأديب يحتاج إن يطلع علي الأدب العالمي والاسهامات الجديدة فيه . والعالم يحتاج أن يعرف نتاج العقل العالمي في مجال ما ويحتاج أن يري ويجرب بنفسه وهذا يعني بعثان وتبادل علمي وثقافي واسع بعيداً عن تعقيدات الروتين . وأعود وأكرر علي نقطة قلتها أن د . أحمد زويل كان يعمل ومعه 150 مساعداً ، وهنا أؤكد لك أن المصري والهعربي قد ينجح كفرد ولكن في إطار العمل الجماعي لاتسأل عنه وهذه مشكلتنا الفردية والتي اعتقد أن سببها المباشر أسلوب التعليم الحالي القائم علي المنافسة ، والحاجة ملحة اذن لإعادة النظر في مناهج والتعليم لتدعيم روح التعاون والعمل كمجموعة أو فريق يشعر كل فرد فيه بقيمة وينسب النجاح للجميع . بدلاً من أن تشهد أمتنا العربية حالات مستمرة من طرد العقول والكفاءات والكوادر والطاقات البشرية التي يحسن الاخر الاستفادة بها واستغلالها. قلت إن نظم التربية والتعليم لدينا بحاجة لإعادة نظر … وماذا عن التعليم الجامعي وروية سيادتكم له ؟ تبسط الأديب الكبير في حديثة وقال : ” ياعم دول بيقولوا إن كليات التجارة فيها أكثر من 70 ألف .. بالذمة ده كلام ” ويستطرد محفوظ قائلاً : اعتقد أن نقطة البدء الحقيقية لاصلاح المجتمع لابد أن تنطلق من القاعدة ، من التعليم وهناك محاولات حقيقية وجادة في مصر لهذا الكلام ، وأعتقد أيضاً أن اهتمام الدولة العربية ومنها مصر بالكم دون الكيف كارثة . البعض يباهي بأن لدينا كم جامعة وكم كلية وعدد ضخم من الطبلة . وأقول أن هذه وحده لا يكفي ، نحن لسنا بحاجة إلي طوابير من الموظفين ، ولا بحاجة إلي طوابير من العاطلين . وأتصور أن الربط بين رغبات الطلبة من ناحية ، واحتياجات سوق العمل من ناحية ، وقدرات الدولة من ناحية ثالثة معادلة صعبة يجب حلها فلا يجب اغفال الطالب فيما يجب أن يدرس وهنا أذكر أن والدي رحمة الله كان يأمل أن التحق بكلية الحقوق أو الطب لأكون طبيباً أو وكيل نيابة ولكنني التحقت بقسم بكلية الاداب حسب رغبتي التي كان من الممكن أن يقيمها والدي في ذلك من نهاية العشرينات كذلك لابد أن نبحث في خطة التنمية وسوف العمل واحتياجاته بدلاً من أن نحول الجامعات والمعاهد التعليمية إلي مصنع تفريغ عشرات الألوف من العاطلين سنوياً الذين قد تتحول قدراتهم غير المستغلة إلي مشكلات يتكلف علاجها أكثر بكثير من تكلفة توظيفهم ! بين العلم والأدب ما دمنا نتحدث عن التعليم ما رأى سيادتكم غي وجود أكثر من نوع من التعليم في مصر .. تعليم حكومي ” أميري ” وتعليم نموذجي وتجريبي وأجنبي ومدراس للغات ومادة تاريخ إحتيارية .. ألا يوثر علي هوية الأخبار القادمة ؟ ضحك محفوظ للحظات وعقب سريعاً قائلاً : وجايز يا سيدي يكون ده مصلحة . لأن التنوع يثيرى الثقافات ويثري العقول ويرتبط بالقدرات وبحرية الاختبار التي سبق وتكلمت عنها بالنسبة لحق الطالب فيما يدرس . لكن مسألة أن تصبح مادة التاريخ إختيارية في المدراس فهذا كلام مرفوض أن أمة بلا تاريخ لا تاريخ لا مكان لها تحت الشمس . واذا كنت قلق بشأن تكوين العقلية العربية والروافد المسئولة عن ذلك بحسب فهمي للسؤال فإني أؤكد لك أن التعليم ثم التعليم مسئول يأتي بعده روح وقيم المجتمع ونظام الحكم السائد فيه وهذا كله من شأنه أن يتعاون ويتكامل في صناعة العقول وتكوين عقلية الأجيال المقبلة ولن يتسني ذلك إلا وفق خطة مدروسة تعي تجارب الماضي وتستوعب ظروف الحاضر وتتطلع إلي المستقبل ، لا تركز علي الأدب وحده ، أو العلم وحده ، أو الصنعة والحرفة المهنية وحدها وأنما تمزج بين كل هذه المجالات لتقديم جيلاً من الأدباء والفنانين والمفكرين والعلماء والصناع أيضاً .
ليست معركة
البعض رأى أن فوز د . زويل بجائزة نوبل أعاد للعلم هيبته ووضع العلماء في الصورة أكثر بينما توارى الأدب والأدباء قليلاً ؟
أجاب محفوظ بضحكته وابتسامته التي لازمته طوال الحوار دون أن يهملني أكمال السؤال قائلا : ” يا سيدي هى خناقة ” ليست هناك ليست هناك معركة بين العلم والأدب ، ولكلاهما دوره في المجتمع ، ولكن ما حدث بمثابة نهضة أو قل انتفاضة ويذكرني ذلك بحصولي على نوبل الأدب وقتها حدث تسليط ضوء كبير على الأدب العربي كله شعر وقصة ورواية ، وتكالب الناشرون على الترجمة الأعمال الأدبية العربية لي ولغيري من كبار أدباء الوطن العربي ومصر أما اليوم فالأمور مختلفة أيضا بحسب طبيعة ولغة العصر الذي نعيشه ، عصر العلم والتكنولوجيا ومن متابعتي المحدودة اسمع أن شاباً في مثل عمرك يمتلك أضخم شركة كمبيوتر تحرك العالم اسمه جيتس – على ما أذكر – كذلك هناك أحاديث مطولة عن ثورات علمية شريعة يشهدها العالم في الفلك والطب والكيمياء والفضاء والجينات والليزر وغيرها ، اذن العالم يتحرك من حولنا ، ولا يجب أن نكف عن البحث أو نقف مكتوفي الأيدي . وأري أننا نعيش الآن عصر العلم وأن أمتنا العربية أكثر حاجة الآن إلي العلماء منها إلي الأدباء لأن أمة بلا علماء محكوم عليها بالفناء ، وهذا طبيعة تطور وسنة وجود ، لكن لا العلم يلغي الأدب ولا العكس بل يا سيدي من الصالح أن يحدث التوأمة بينهما !
مجرد شعارات
بعيداً عن الأدب والعلم والثقافة الثالثة التي تجمع بينهما ، يتحدث العالم اليوم عن ثقافة السلام ، فما رؤية نجيب محفوظ لهذه الثقافة ؟
حتى لا تكون هذه الثقافة مجرد كلام أو شعارات لابد قبل أن تطالب بها العالم العربي ، ولابد قبل أن تعلمها لأولادك أن تلزم بها اسرائيل وأن تقبلها اسرائيل وأن تعود الحقوق والأراضي المغتصبة إلي أصحابها وأن تنضم إسرائيل إلي معاهدة حذر الأسلحة النووية .
ويستطرد نجيب محفوظ قائلا : لابد وأن يعم السلام قبل أن ننادي بثقافة السلام ، إذ كيف أتحدث عن ثقافة سلام ولا تزال اسرائيل تحتل أجزاء كبيرة في الشرق الأوسط وفي فلسطين والجنوب اللبناني والجولان السوري ، وما تزال اسرائيل تقوي من ترسانتها الحربية تدعمها الولايات المتحدة بأسلحة الدمار والفناء النووية .
كذلك أؤكد أن المسألة هنا لبيست مسئولية العرب وحدهم حتى نطالبهم بقبول هذه الشعارات وإنما هي رهن تطبيق عالمي وتنتقل عدواها آلياً إلي كل الشعوب ، لكن من حيث المبدأ يمكن تعليم الأجيال هذه الثقافة بزيادة الجرعات الانسانية في المقررات الدراسية بدلاً من الإبقاء على بعض الأفكار التي تكرس العنف والعدوانية لدي الصغار . إذن التعليم والتربية والإعلام معاً هم المدخل الصحيح لهذه الثقافة .
ثقافة عربية موحدة
من السلام إلي الديمقراطية وحلم الوحدة العربية … كيف يتحقق الحلم في ظل هذا التشرذم ؟
**لا أود أن أكرر كلاماً نعيه جميعاً ويكفي أن أقول على المستوي الثقافي مثلاً أن العرب يملكون وحدة ثقافية منذ أقدم العصور مثل هذه الوحدة لابد من استثمارها وجعلها نواة لوحدة أشمل . ومقوماتها موجودة بشرط إخلاص النوايا ، فلماذا إذن لا نستلهم الثقافة والدين واللغة التي تجمعنا في وحدة أشمل .. وحدة سياسة عريضة وحدة اقتصادية نواجه بها التكتلات العالمية ، ولن يتسني ذلك إلا إذا كانت الديمقراطية الكاملة هي مدخلنا إلي هذه الوحدة وأعتقد أن الشعوب العربية تعيش الآن مرحلة نضج ديمقراطي أشمل مما كانت عليه قبل نصف قرن … فلماذا لا نستغل هذا المناخ من الحرية في التوصل لصيغة عربية متكاملة ؟!
*بعيداً عن السياسة … هل تتغير أشكال التعبير الأدبي مع بداية الألفية الثالثة ؟
**الأديب أبن عصره ، يعبر عما يراه في هذا العصر ويحاكي المألوف من الحياة وهذا لا ينفي أبداً الرؤية المستقبلية للأديب أو الخيال الواسع له لكن عاطفة مثل الحب مثلاً أو العلاقات العاطفية والإنسانية لا أعتقد أن تتبدل ، فالحب هو الحب وإن اختلفت أشكال التعبير عنه ، وإذ كان الحب يمر بأزمة الآن لظروف ما فسيبقي الحب وسيبقي التعبير الأدبي وسيبقي الالهام الخاص لكل أديب وشاعر مهما اختلف الزمن .
*قلت للأديب الكبير هل تسمح بأن نختم الحديث بالكلام عن المرأة والأسرة ورأيك في قانون ” الخلع ” الذي أقر في مصر مؤخراً ؟
**” عايز ايه بس من المرأة ” قالها محفوظ ضاحكاً ثم استطرد : أنت تعلم أنني لا أقرأ ومتابعتي محدودة .. أعطني فكرة عن القانون وأنا أقول رأيي ؟ فأجبته إلي ما يريد فقال : هذا قانون في صالح المرأة لأنه يعفيها من تسلط الرجل لكن كيف للفقيرة أن تستفيد به وهي لا تملك ثمن حريتها أو قل تملك بالكاد ثمن رفع دعوة الخلع ، وأعتقد بصفة عامة أنه لا ينبغي الاختلاف حول مبدأ أقره رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأن كنت أري أن الود والتفاهم بين الزوجين هو أفضل الطرق لحسم أي خلاف ينشب بينهما ، فإذا كان من الممكن أخذ حقوق دون اللجوء إلي المحاكم فهذا أفضل ، أما إذا استحالت العشرة بين الطرفين فالمحكمة هي الحل .
أما الطلاق في الزواج العرفي فهذا أحفظ لحقوق المرأة واعترافاً مدنياً بما لها من حقوق بموجب العقد العرفي بدلاً من تركها وهجرها بلا أدني حقوق .
أما مسألة السفر هذه فلم أفهمها جيداً لكن هي بحاجة لتأني وإقرار صالح للطرفين الزوجة والزوج معاً لا أحدهما على حساب الآخر .
*وماذا عن حياة نجيب محفوظ الآن وما هي أخر ابداعاتك ؟
حياتي طبيعية جداً لكن الابداعات انحسرت تماماً منذ عام 1988 أو بعدها قليلاً ، لأسباب عديدة بعضها يتعلق بحالة مزاجية ، وبعضها يتعلق بسؤال يشغلني ما الجديد في هذه الفكرة التي طرأت على خاطري وأغلبها يعود لأسباب مرضية بحتة منها السكر وضعف البصر إلي حد كبير إضافة إلي الارهاق ونظام الغذاء الصارم وجلسات العلاج الطبيعي ، لكن من حين لآخر ، عندما تلوح لي فكرة أدونها في ورقة وأعود إليها إلي أن تكتمل قصة قصيرة أنشرها في مجلة نصف الدنيا . أما الشيء الذي أنتظم فيه وأحافظ عليه أسبوعياً هو مقالي وجهات نظر الذي ينشر كل خميس بصحيفة الأهرام .
,:/أ أعتدت أدخل فراشي بعد منتصف الليل وأستيقظ مبكراً ، وأستقبل بعض الأصدقاء ، وأتابع ما يحدث من حولي من خلال الآخرين .
شكرت الأديب العربي العالمي الكبير على هذا اللقاء الممتع والممتد لأكثر من ساعة بمنزله المطل على نيل العجوزة .. ولملمت أوراقي ثم هممت بالرحيل .
*****
بدون فلاش !
*عندما حدد لنا الكاتب الصحفي محمد سلماوي صديق الأديب الكبير نجيب محفوظ موعد اللقاء ، نبهنا إلي أن التقاط الصور مع محفوظ سيكون بدون فلاش نظراً لحساسية بصره الشديدة للفلاش .
* حرص صاحب نوبل المولد في يوم الأثنين 11/12/1911 بالبيت رقم 8 بشارع بيت القاضي بحي الجمالية بالحسين ، علي استقبالنا بنفسه وتقديم حبات الشيكولاته إلينا قبل بدء الحوار .
* الايتسامة ثم الضحكة العالية ومن القلب سمات أساسية غالبة علي شخصية صاحب نوبل الهادئ ، فهو ينصت للسؤال بأذنه اليسرى – نظراً لضعف اذنه اليمني تماماً – ويستوعبه ويتأثر به ويخرط في الضحك قبل الرد عليه ، ولا تخلو ردوده من قفشات ظريفة تصل إلي حد النكات .
* يعتز نجيب محفوظ جدا بشخصية ” عطية الله ” زوجته ورفيقه كفاحة التي يؤكد أنها تحملت الكثير لتكيف ظروفها وفق برنامجة ولتوفر له المناخ الحرافيش إلي جانب متابعتها الحالية الدقيقية لنظر غذائه الصارم .
* أنتقطع محفوظ عن القراءة اجبارياً منذ عشر سنوات لظروف صحية ويحرص أحد المقربين علي المرور عليه صباح كل يوم لقراءة الصحف عليه .
* نجيب محفوظ شخصية منظمة صارمة تحافظ بشدة علي المواعيد ، ومنذ سنوات عديدة وهو يأوي إلي فراشة مبكراً ويستيقظ مبكراً ويزاول رياضة المفضلة وهى المشي ، والذي انفطع عنه لسنوات بعد محاولة اغتياله عام 1994 وبعد تأخر ظروغه الصحية .
* والدة الأديب الكبير لها مكانة خاصة في نفسه وتأثير كبير علي حياته ربما يفوق تأثير والده ، فقد كانت عاشقة الاثار ، فضلاً عن عشقها الخاص لزيارة أولياء الله الصالحين واصطحابه معها خلال هذه الزيارات التي كانت مصدراً لشخصيات رواياته فيما بعد .
* عرف الحب فلب الشاب نجيب محفوظ خاصة بعد أن انتقل وأسرته للعيش بمنزل الأسرة بحي العباسية ، غير أن حبه كان من ظرف واحد وكان لا يجرؤ عن التعبير لمحبوبته به ، وقد عبر عن حبه هذا في “الثلاثية” التي تشابهت شخصيته الحقيقية مع شخصية كمال عبد الجواد بينما كانت فتاته في الحقيقة هى .
* كان اسم نجيب محفوظ نقمة عليه وسبباً في حرمانه من السفر في بعثة إلي فرنسا كان قد رشح لها من اخرين حيث ظن مدير البعثان أنه قطبي ، وقد كان المدير قد اختار اثنين من المسحيين للسفر ولا مكان لميسحي ثالث ، حاول محفوظ وقتها تصحيح الوضع لكن بعد فوات الأوان ، وقتها نقم علي الأسم المستمد من اسم الطبيب الذي قام بتوليد والدتته اخراج هذا النجيب صاحب نوبل .
* نجيب محفوظ من رواد المقاهي بامتياز … له في معظم مقاهى مصر مكاناً وصور وذكري وأصدقاء خاصة مقاهى حي الحسين … الفيشاوي تحديداً إلي جانب مقهى ريش ومقهي علي بابا بالتحرير والذي التقي فيه مع عضو بارز بالكونجرس ، ثم مقهى قشتمر بالعباسية ومقهى عرابي .
* عرف عن نجيب محفوظ عدم حبه للسفر ، حتى انه لم يسافر إلي السويد لاستلام جائزة نوبل بينما توجهت ابنتاه فاطمة وأم كلثوم لتسلم الجائزة بدلاً منه . ومع ذلك فقد سبق لمحفوظ أن سافر مرتين الأولي ألي اليمن والثانية إلي يوغوسلافيا في الخمسينات ، وهي رحلات يقول عنها أنها اضطرارية ولو لا ذلك ما سافر أبداً خاصة وأن السفر يشعره بالإضطراب النفسي والضيق الشديد .
بواسطة admin • 05-حوار العدد • 0 • الوسوم : العدد السادس, سمير محمود