المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ….. د .عبد العزيز حمودة

المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك
تأليف : د .عبد العزيز حمودة
عرض وتحليل : أنور جعفر
ضمن سلسلة عالم المعزفق الكويتية – عدد ابريل 1998 م رقم 232 – صدرت دراسة قيمة للدكتور عبدالعزيز حمودة بعنوان ( المرايا المحدبة – من البنيوية إلى التفكيك ) ، وقد اثارت هذه الدراسة الكثير من الجدل وردود الفعل في الأوساط الأدبية والنقدية وما زالت ، لأنها صادرة عن أكاديمي له باع طويل في مجالات الدراسات النقدية والأدب الإنجليزي والدراسات العليا والعلوم الإنسانية بالجامعات العربية .
لماذا المرايا المحدبة ؟ يقول المؤلف : ” المرايا المحدبة تقوم بتكبير كل ما يوجد أمامها وتزيفه حسب زاوية انعكاسه فوق سطح المرآة ، قد تقوم المرآة بتضخيم الرأس ، أو الساقين أو منطقة الرأس والقلب ، ولكنها بصرف النظر عن زاوية الانعكاس تبالغ في حقيقة الشيء وتزيف حجمه الطبيعي ، وقد وجدت نفسي غير قادر على الهروب من صورة المرايا المحدبة وقد وقف أمامها الحداثيون جميعاً دون استثناء ، الأصليون منهم والناقلون لفترة كانت كافية لإقناعهم بأن صورهم في المرايا المحدبة هي حقائقهم ” .
ومن البداية يقرر المؤلف انه ليس ضد الحداثة لأن الحداثة أمر لازم لنا بعد أن عشنا قروناً من التخلف الحضاري مما يجعل الحداثة : ” ضرورة من ضرورات البقاء وليست ترفاً فكرياً ” ، لكن السؤال الذي تثيره الدراسة الحالية في إلحاح .. أي حداثة نعني ؟ والاجابة .. نحن فعلاً في حاجة إلى حداثة حقيقية تهز الجمود وتدمر التخلف وتحقق الاستنارة ، ولكنها يجب أن تكون حداثتنا نحن وليست نسخة شائهة من الحداثة الغربية .
ويتناول المؤلف في هذا الكتاب أربعة محاور أساسية في أربعة فصول هي :
1- الفصل الأول : الحداثة – النسخة العربية .
2- الفصل الثاني : الحداثة – النسخة الأصلية .
3- الفصل الثالث : البنيوية وسجن اللغة .
4- الفصل الرابع : التفكيك والرقص على الأجناب .
*في الفصل الأول : الحداثة – النسخة العربية .
يقول المؤلف : ” انه توقف طويلاً منذ السنوات الأولى منذ الثمانينيات على وجه التحديد أما كتابات البنيويين العرب أو الحداثيين العرب بإحساس ظل حتى وقت قريب مزيجاً من الانهيار والشعور بالعجز ، العجز عن التعامل مع هذه الدراسات البنيوية وفهم أهدافها بل فهم وظيفة النقد ذاته في ظل المصطلحات النقديه المترجمة والمنقولة والمنحوتة والمحرفة التي أغرقونا بها لسنوات .. وما كان يعمق ذلك الإحساس بالعجز تلك الرسوم التوضيحية ، والبيانات والجداول الإحصائية والرسومات المعقدة من دوائر ومثلثات وخطوط متوازية ومتقاطعة وساقطة ، والتي كانت تبعده ومازالت حتى اليوم عن الأعمال الأدبية موضوع المناقشة بدلاً من أن تقربه منها ، حدث ذلك مع دراسات كمال أبو ديب ، وجابر عصفور وحكمت الخطيب وترجمات سامية سعد وآخرين لا عدلهم ولا حصر ممن ركبوا موجة البنيوية في جدية وإخلاص أحياناً ، وفي غير جدية وإخلاص في أحيان أخرى .
ويقول الؤلف انه حينما أراد التقاط الخيط من بدايته لمحاولة فهم الحداثة ذاتها، ( وهي اللفظة التي أصبحت لازمة المثقف العربي في السنوات الأخيرة ، والتي أصبح عدم ترديدها في جميع المحافل والمناسبات الأدبية سمة من سمات الجهل والتخلف الثقافي ) ، حاول التقاط الخيط من بدايته فراجع كتابات ناقد جاد متميز غزير الإنتاج وهو جابر عصفور ، توقف في البداية بنفس الانبهار عند تعريفاته للحداثة ، عند تعريف مبكر جداً بالنسبة للحداثيين العرب .. ثم عند تعريف أكثر حداثة قدمه في محاضرة في المنتدى الثقافي في أبوظبي في نوفمبر 1993 م قال فيه : ( الحداثة لا تعني مجرد الجدة ، انها حالة وعي تنبثق في اللحظة التي تتمرد فيها الأنا الفاعلة للوعي على طرئقها المضادة في الإدراك . وقد تتسم حركة هذا الوعي بنوع من التناقض الداخلي يرجع إلى أن العناصر الثابتة تفرض نفسها على المكونات اللاواعية لهذا الوعي بما لايحقق تصفيتها الكاملة منه أو إكمال قطيعته الحاسمة معها . وهذا الوعي الضدي علامة فارقة من العلامات التي تؤسس الشروط الملازمة لثقافة الحداثة تلك التي لاتعادي التقاليد بعناها الإ يجابي بل تقيم معها علاقات حوارية . هذا الأفق يجعل من فهمنا للحداثة منظومة مختلفة المجالات متعددة الوظائف ، تنطوي على وحدتها الخاصة ووظائفها المتجاوبة بوصفها منظومة . ولذلك تظل قرينة البحث الذي لا يتوقف لتعرف أسرار الكون والسيطرة عليه فكرياً وعلمياً ) أي أن الشاعر المحدث في رأي جابر عصفور هو ( الذي يبدع في الحاضر مقابل الشاعر الذي أبدع في الماضي ، كما انه الشاعر الذي يرتبط بجانب متقدم في الحاضر مقابل الشاعر الذي يتبط بجانب ثابت ثم يفسر الناقد بعد ذلك هذين اللفظين المحيرين : (متقدم ) و( ثابت ) بقوله بأن الأول هو الذي يعي التغير في علقات الحاضر، ويطور حساسية ترتبط بهذا التغيير ، وتمكنه من إبداع يجيء صياغة لهذه العلاقات الجديدة ؟ ويتساءل المؤلف هل في كل ما قيل هنا جديد ؟ أخشى أن تكون الإجابة بالنفي؟ أمر آخر تثيره الدراسة وهو أن نقاد الحداثة العربية شأنهم في ذلك شأن البنيويين والتفكيكيين الغربيين والشرقيين الذين أخذوا عنهم ، بتسسكون بموقفهم الذي بدعي الأصالة والتجديد الكامل ، و(إزاحة) المدارس النقدية السابقة ويتعمدون إثارة الكثير من الطنين ، والصخب في صلف غير مسبوق في تاريخ النقدالأددبي منذ بدايته المعروفة حتى اليوم وليس فيما أقوله في الواقع مبالغة أو تجن شخصي على نقاد الحداثة العرب هنا ، فالاتهام الذي أسوقه للبنيويين والتفكيكيين العرب اتهام مطروح على الساحة النقدية في الخارج منذ سنوات طويلة .
وعن رؤيته لوظيفة الناقد يقول : إن وظيفة الناقد هي إنارة النص ، سواء جاءت تلك الإنارة من الداخل أو الخارج ، وتقريبه للمتلقي ، ونحن هنا نسجل كلمة إنارة أو إضاءة النص التي أصبحت لازمة من لوازم الحداثيين العرب . انهم لا يفتؤون يرددونها في كل مناسبة ” معتمداً المنهج البنيوي ” كما تقول حكمت الخطيب ” يستطيع النقد أن يضيء بنية النص ” والسؤال الذي يفرض نفسه عند التعامل مع أي تحليل بنيوي : هل يضييء التحليل البنيوي النص حقيقة ؟ إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال عبر سنوات من متابعة فكر النقاد الحداثيين العرب كانت المفتاح الذي فتح الباب على مصراعيه أمام إدراك متزايد للتناقضات الجوهرية في فكر النقاد الحداثيين العرب ، وهي تناقضات تفوق التناقضات الجووهرية في فكر الحداثة ، ونعني به المصادر الأجنبية التي نقل عنها البنيويون والتفكيكيون العرب ، مع ملاحظة ( أنه في الوقت الذي تعالت فيه الدعوات التي تتبنَى البنيوية منهاً نقدياً عربياً كانت البنيوية في بلاد النشأة قد دفنت ووريت التراب منذ عام 1966 م ، بل إن التفكيك نفسه كان قد بدأ يتلقى الضربات من الرافضين له في الولايات المتحدة مقره الرئيسي ).
ويستعرض المؤلف بعض هذه التناقضات والمبالغات في الفكر النقدي العربي في محاولة لكشفها وتفسير أسبابها، فيقول : أن أول سؤال يطرح نفسه هنا هو .. هل لدينا حقيقة نسخة عربية للحداثة الغربية ؟ والسؤال يعني ضمناً وصراحة أن النسخة الأولى غربية في المقام الأول ؟ ولا أظن أن حداثياً عربياً واحداً يستطيع أن يماري قي ذلك ، أن ما نستطيع أن ندعيه في أفضل الحالات إننا انطلاقاً من المفاهيم الأساسية للحداثة الغربية الفنية والأدبية التي بدأت منذ الربع الأخير من القرن الماض واستمرت معنا أو معهم حتى الآن وهي فترة قدمت للتراث الأدبي والفني في الغرب الرمزية والتعبيرية والدادية والسريالية والعبثية إن كل هذه المذاهب الفنية والمدارس الأدبية انطلقت من موقف الرفض الحداثي لمعطيات الحضارة الغربية والأزمة التي أوصلت إليها إنسان العصر الحديث ، نقول انطلاقاً من هذه المفاهيم الأساسية حاول الحداثيون العرب منذ أوائل السبعينيات مباشرة ، أي في السنوات التي تلت النكسة وسقوط الحلم العربي ، تقديم نسخة عربية لحداثة تتعامل من واقع الحضارة الغربية .
ويناقش المؤلف توجهات الحداثة العربية من واقع كتابات طرحت هذه التوجهات تهدف إلى تأسيس شرعية للمستقبل العربي في ظل الخصوصية التاريخية للثقافة العربية (التحرك للأمام) بعد الشعور الحاد بسقوط الحلم العربي والعجز المطلق عن الحركة الفاعلة ولما كانت الحداثة بمعناها العربي والغربي على السواء تتجه إلى تدمير عمد النظام القديم ، فمن الطبيعي أن يجيء التعبير الفني الذي تنتجه الحداثة رفضاً قاطعاً للتقاليد الفنية السابقة بل رفضاً أيضاً لفكرة التقاليد نفسها ، ثم يبين كيف أن هذا التوجه يضع بعض البنيويين العرب أو معظمهم في موقف يناقضون فيه المبادىء الأساسية للحداثة ويتناقضون مع أنفسهم حينما يرفعون شعار الأصالة والمعاصرة ويحاولون إعادة قراءة التراث من منظور حداثي أو استقراء الحداثة قي بعض مفردات التراث الثقافي العربي . ويوضح الؤلف عملية التذبذب المستمرة التي يعيشها هؤلاء النقاد وصعوبة اتفاقهم أنفسهم على تحديد حداثتهم فهم يتأرجحون بين إدعاء الأصالة وإنشاء حداثة عربية تختلف عن الحداثة الغربية في مقولاتها ومصطلحها النقدي في الوقت الذي تكشف فيه كتاباتهم بصفة مستمرة عن تأثرهم الواضح إن لم يكن نقلهم الصريح عن الحداثة بفهومها الغربي وكيف انه هنا تكمن أزمة الحداثيين العرب في جوهرها .
وهذه الأزمة تحديداً هي ازدواجية الولاء ، تلك الأزدواجية التي حاولوا اخفاءها لسنوات برفع شعار فرغ الآن من معناه وهو ” الأصالة والمعاصرة ” ، وازدواجية الولاء التي نتحدث عنها هنا نفس عملية الانشطار الدائمة والتناقضات القائمة والمستمرة عند الحداثيين العرب الذين يضعون قدماً في المشرق العربي وقدماً في الغرب الأوروبي والأمريكي .
قضية أخرى يثيرها الؤلف ألا وهي (أزمة المصطلح النقدي ) ، وفشلنا في نقل المصطلح النقدي إلى العربية أو فشل فهم دلالاته من جانب المتلقي ، ويضع يده على الخلل بأن الأزمة ليست أزمة مصطلح بل أزمة واقعين ثقافيين وحضارتين مختلفتين ، وهذا هو المدخل الحقيقي للأزمة ، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني انتفاء أزمة المصطلح ، الأزمة ليست أزمة مصطلح نقدي عربي ، فالمصطلحات التي أفرزتها الحداثة الغربية في تجلياتها في المدارس النقدية الحديثة من بنيوية وتفكيكية تثير أزمة عند قراء الحداثة الغربية ذاتها ، وتواجههم نفس مشكالنا مع الفارق ، وترتفع الدعوات بين الحين والآخر لتوحيد المصطلح النقدي حتى نصل إلى دلالات معرفية نقدية شبه متفق عليها .. ومن هنا إذا كانت هناك أزمة مصطلح بهذه الخطورة بالنسبة للمتلقي من داخل الإطار الثقافي الذي أفرزهذا الفكر وتلك المذاهب النقدية (المتلقي الغربي) ،فلابد أن أزمة المصطلح بالنسبة للمتلقي من خارج الإطار الثقافي (المتلقي العربي) أكثر خطورة وحدة .
يقول الؤلف : إن أهم مفردات الواقع الثقافي الغربي هي الأطر الفكرية والفلسفية التي أدت في النهاية إلى ظهور الحداثة ومايتبعها من نظريات أدبية ونقدية ، إن دراسة الحداثة الغربية والبنيوية والتفكيك على وجه التحديد ، لا يمكن أن تتم دون دراية بتاريخ الفلسفة الغربية منذ (لوك ، وهيوم ، ومروراً بكانط وهيجل ونيتشة وانتهاء بهوسيرل وهايدجر وجادامر) إذ أن الدراسات اللغوية والنقدية تنطلق من قلب التراث الفكري الغربي ومعطياته .. عبر أكثر من ثلاثة قرون .. ولهذا فإن المصطلح النقدي الجديد يستمد القدر الأعظم من دلالته من تلك الخلفية الأساسية من تراث الفكر والفلسفة ، أنه يؤسس شرعيته علي معرفة المتلقي لهذا التراث الفكري ورغم ذلك .. فإن المتلقي المثقف وليس المتلقي العادي يجد صعوبة في تحديد دلالته فما بالنا إذا كان هذا المصطلح الغربي الذي يكتسب شرعيته ودلالته داخل الإطار الفكري للفلسفة الغربية يستخدم الآن في النسخة العربية للحداثة خارج هذا النطاق الفكري ؟ إننا نستعير المصطلح النقدي ونخرجه من دائرة دلالته داخل القيم المعرفية ، فيجئ غريباً ويبقي غريباً ويذهب غريباً، والنتيجة الطبيعية هي فوضي النقد التي خلفها الحداثيون العرب .
والخلاصة أن الحداثة الغربية نتاج واقع يختلف عن الحداثة العربية ، اختلاف يجعل نقل الحداثة الغريبة بقيمها المعرفية الجديدة ، والمصطلح النقدي الذي تولد عنها إلي واقعنا العربي ضرباً من العبث في الدرجة الأولي ، إننا لا نستطيع أن تقدم للمتلقي العربي واقع الإنسان الغربي في عزلته وانغلاقه علي ذاته في عالم متغير حلت فيه القيم المادية والتجريبية الجديدة محل القيم الروحية عالم بلا منقذ أو مخلص بلا حب أو تواصل ، أو حقيقة أو مثل ، بل عالم مادي تغرقه الاشياء حتي الاختناق لا نستطيع أن نقدم واقعاً ميتفيزيقياً لجمهور يشغله واقع مفردات : لقمة العيش وحرية التعبير والديمقراطية السياسية إشكالية أخري من إشكاليات الحداثة العربية يتعرض لها المؤلف ألا وهي الفجوة المزدوجة بين واقع المجتعات والمدارس الجديدة التي يستوردها الحداثيون العرب من ناحية وبين تطور الآداب الغربية الذي أدي بطريقة طبيعة إلي الترحيب بالجديد التجريبي وتطور الآداب العربية التي تفرض عليها مذاهب جديدة غريبة علي تطورها من ناحية أخري .
أما الإشكالية الأخيرة التي تثيرها الدعوة للحداثة العربية فهي التناقض الأساسي في موقف الحداثيين العرب بين رؤاهم النهضوية المستقبلية وبين محاولة إعادة تفسير التراث الثقافي أو استقرائه للوصول إلي تأكيد تراثي لمقولاتهم الحداثية .
ومن القضايا الهامة أيضاً التي تثيرها الدراسة قضية ( النص بين موت الملف ومولد الميتانقد ) البنيري العربي ، حاولت جهد استطاعتي أن أنسي كل المقولات النقدية التي تعلمتها تجردت منها جميعاً ووقفت أمام تلك النماذج بقلب وعقل مفتوحين ، وفي كل مرة كنت أحاول أن أجيب عن سؤالين فقط :
1- ماذا يريد الناقد هنا أن يقول ؟
2- أين القصيدة أو القصة القصيرة من هذا ؟
وفي كل ذلك كنت اضع أمام عيني المقولة التي يرددها الحادثيون العرب وخاصة البنيوين منهم ( في قولهم ) ، معتمداً المنهج البنيوي يستطيع الناقد أن يضي بنية النص أن يري حركة العناصر وأن يصل إلي الدلالات فيه .
ثم يستعرض المؤؤلف معالجة أو مقاربة قصيدة تراثية وهي إحدي القصائد التي يقاربها كمال أبوديب في تطبيقه لمنهجه البنيوي علي الشعر الجاهلي ( معلقة امرئ القيس المشهورة ) وقصيدة حديثة تقاربها حكمت الخطيب هي قصيدة ( تحت جدارية فائق حسن – لسعد يوسف ) وقصة تقاربها هدي صفي هي ( رواية الشحاذ لنجيب محفوظ ) ليخلص إلي أن المقاربة البنيوية كما تجسدها معالجة البنيويين للنصوص الأدبية لا تقارب النص في المقام الأول ، ففي نموذج كمال أبوديب اختفي النص ( معلقة امرئ القيس ) وراء محاولات علمنة معالجته ، الذي ربما يكون علمياً ولكنه لا يساعد علي فهم النص ، لقد حجبته تماماً رسوماته ومعادلاته وطلاسمه إضافة إلي أنه في ذلك كله ظل ينطق النص بما ليس فيه إن ما فعله كمال أبوديب هو إخفاء القصيدة أو حجبها وراء كم هائل من التحليل البنيوي الذي يرتيد مسرح العلمية ، وكذلك الأمرمع حكمت الخطيب وهدي وصفي ، إن ما يريد البنيويون تحقيقه صراحة ودون موارية هو التقنين للإبداع فالحديث عن البني الصغري والبني الكبري والأتساق العامة ( وفقاً للمنهج البنيوي في النقد ) ومحاولة إعادة ترتيب الوحدات المكونة للقصيدة وإسقاط حكم صريح علي أن ترتيبه
( أي ترتيب الناقد وليس مبدع القصيدة ) كان أفضل للقصيدة كل هذا يعني محاولة تحقيق تقنين للإبداع ثم يتساءل الملف : أليس هذا ما حدث في ميدان العلوم التجريبية ؟ والناقد البنيوي يري أنه ليس أدني من العالم التجريبي وهنا تكمن خطورة المشرع البنيوي من اساسه ، فلو افترضنا أن الناقد البنيوي نجح إلي درجة ما في الوصول إلي قوانين عامة تحكم النشاط الإبداعي في الشعر أو المسرحية أو الرواية مثلاً فماذا يكون مصير نص جديد لا يلتزم بهذه القوانين ويخرج عليها ؟ والإجابة علي هذا التساؤل تمثل تاريخ العلاقة بين النشاطين الإبداعي والنقدي منذ البداية حتي الآن لقد ظل الإبداع والنقدي منذ البداية حتي الآن لقد ظل الإبداع يقنن لنفسه ، الإبداع فقط ولا أظن أننا نضيف جديداً إذا قلنا أن كتاب الشعر لأرسطو لم يقنن حقيقة للتراجيديا بمعني أنه انطلق من فراغ بعيداً عن الممارسات المسرحية الموجودة في ذلك الوقت ..
بل جاء استفراء لرائعة سوفوكل المعروفة ” أوديب ملكاً ” .. إنا ما يحققه البنيويون في حقيقة الأمر ليس ” إضاءة النص ” بل حجب للنص بتركيز النقد عل يلغته وأدواته قبل الاهتمام بالنص المبدع ، وهذا التركيز علي المبتالغة من جانب نقاد الميتانقد الحداثيين بصحبه ولاشك الكثير من الصخب ولفت الأنظار للنص النقدي بعيداً عن النص المبدع ، وهم في هذا كله يفرضون علي النصوص الادبية ” نظاماً ليس نابعاً منها ولا كامناً فيها ، بل هو سابق ومسقط عليها وأنه يحتمي بالتجريد والغموض لعجزه عن السيطرة علي المادة ” .
ومن البنيوية ينتقل المؤلف إلي التفكيك فيقول وإذا كان النقد البنيوي يحجب القصيدة عن المتلقي او القارئ ويدخله في متاهات وطلاسم النقد الذي يلفت النظر إلي نفسه أولاً ، أو الميتانقد ، فإن التفكيك يضيع النص تماماً .. ذلك أن جوهر التفكيك هو غياب المركز الثابت للنص ، إذ لا توجد نقطة ارتكاز ثابتة يمكن الإنطلاق منها لتقديم تفسير معتمد أو قراءة موثوق بها ، أو حتي عدد من التفسيرات والقراءات للنص بل إن ما هو مركزي أو جوهري في قراءة يصبح هامشي في قراءة أخري وبالتالي فإن ما هو هامشي في قراءة ما يصبح مركزياً أو مركزاً في قراءة أوقراءات أخري ويستتبع ذلك بالطبع ما أسماه التفكيكيون (اللعب الحر) .. للغة .. والنتيجة أنه في كلتا الحالتين يختفي النص .. يختفي عند البنيويين وراء لغة نقدية تلفت النظر إلي نفسها بصفتها غبداعاً جديداً ، ولا يختفي عن التفكيكيين الذين لا يعترفون بوجود النص أصلاً … إن نقاد الحداثة والتفكيكيين علي وجه الخصوص طوروا مبدأ انتفاء القصدية ( عند المبدع ) إلي درجة فوضي التفسير فالمؤلف غير موجود في النص والنص نفسه لا وجود له ، وفي وجود ذلك الفراغ الجديد الذي جاء مع موت المؤلف وغياب النص تصبح قراءة القارئ هي الحضور الوحيد ، لا يوجد نص مغلق ونهائي لا توجد قراءة نهائية وموثق بها ، بل توجد نصوص بعدد قراء النص الواحد ومن ثم تصبح كل راءة نصاً جديداً مبدعاً …
ذلك باختصار شديد هو ما يريد لنا النقاد الحداثيون العرب أن نأخذ به نقلاً عن الحداثة الغربية دون تميز أو دون إدراك للفروق الأساسية بين الواقع الثقافي الغربي والواقع الثقافي العربي ، وهكذا نجد أنفسنا منذ ما يقرب من عقدين إلي الآن نضرب أخماساً في أسداس .. ونلهث وراء نقاد الحداثة العربية في محاولة لفهم لغتهم وطلاسمهم وشفراتهم التي أبعدتنا عن النص المبدع بدلاً من أن تقربنا منه ، لقد نقلوا المفاهيم والمصطلحات المستخدمة من ثقافة معينة إلي ثقافة أخري مغايرة تماماً ، مما ترتب عليه خلق فجوة بين القارئ العادي لنقاد الحداثة العربية وهؤلاء الزمرة من ناحية وإلي تحول هؤلاء النقاد إلي مجموعة من النخبة تخاطب نفسها فقط من ناحية أخري .
إن أخطر ما فعله النقاد العرب من بنيويين وتفكيكيين أنهم فشلوا في تحقيق هدفين أساسيين :
الأول : فشلوا في إنشاء حداثة عربية حقيقية .. وربما يرجع ذلك إلي افتقار الحداثي العربي إلي فلسفة خاصة به عن الحياة والوجود والذات والمعرفة فهم يستعير المفاهيم النهائية لدي الآخرين ويقتبس من المدارس الفكرية الغربية ويحاول في جهد توفيقي بالدرجة الأولي تقديم نسخة عربية خاصة به أنها كلها عمليات اقتباس ونقل وترفيع وتوفيق لا ترتبط بواقع ثقافي أصيل ومن هنا تجئ الصورة النهائية مليئة بالثقوب والتناقضات .
الثاني : فشل النقاد الحداثيون العرب مرة أخري وخاصة في تجلياتهم البنيوية والتفكيكية في نحت مصطلح نقدي جديد خاص بهم تمتد حذوروه في واقعنا الثقافي العربي ، كما انهم فشلوا في تنقية المصطلح الوافد من عوالقه الثقافية الغربية ( ثلاثة قرون من الفكر الفلسفي المتصل ) .. إذ أنه حينما ننقل نحن العرب المصطلح النقدي الجديد في عزلة عن خلفيته الفكرية والفلسفية فإنه يفرغ من دلالته ويفقد القدرة علي أ يحدد معني فإذا نقلناه بعوالقه الفلسفية أدي إلي الفوضي والاضطراب إذ أن القيم المعرفية القادمة مع المصطلح تختلف واصبح نشاطنا أحياناً مع القيم المعرفية التي طورها الفكر العربي المختلف .. وأصبح نشاطنا الفكري في البنيوية والتفكيك ضرباً من العبث أو درساً في الفوضي الثقافية وكلاهما نوع من الترف الفكري الذي لا يتقبله واقعنا الثقافي .
أما الفصل الثاني وهو بعنوان : ” الحداثة النسخة الأصلية ( الجذور الفلسفية ) : فإن الملف يقول من البداية إن موضوع المناقشة في هذا الفصل هو تأثير المذاهب الفلسفية الغربية علي اللغة والأدب والعلاقة العضوية والحتمية بين تصورات الفكر الفلسفي الغربي منذ القرن التاسع عشر من ناحية والدراسات اللغوية والأدبية من ناحية أخري مع الإشارة إلي أن منطلق الحداثة الغربية والمدارس أو المشروعات النقدية التي أفرزتها هو أزمة الإنسان في العصر الحدي ثبعد أن فقد القدرة علي لتحكم في عالمه ، وبعد أن اصبح مهموماً يوماً بعد يوم بمشكلة تحديد موقعه من العالم .
يقول الملف : أنه حتي عهد قريب ، ربما حتي القرن السابع عشر علي وجه التقريب ظل الثالوث الأساسي للنقد هو ( المؤلف – النص القارئ ) ثم جاءت الحداثة وتوابعها النقدية لتفتح الباب علي مصراعيه أمام تيارات الفلسفة الغربية بكل تعقيداتها وتناقضاتها لتفرض نفسها علي الدراسات النقدية الحديثة وهكذا بدلاً من مفردات ذات مفاهيم محددة ظل النقد الأدبي يتداولها لأكثر من عشرين قرناً أو يزيد وجدنا أنفسنا منذ منتصف الخمسينات في الثقافتين الفرنسية والأنجلوسكاكسونية ومنذ الثمانينيات في الثقافة العربية نتعامل مع مفردات نقدية فلسفية البداية والمنتهي فلسفية النشأة والدلالة وبدلاً من التعامل مع مفردات كالمحاكاة والتقليد والنقد التاريخي والنقد الاجتماعي النفسي والادب بين الذاتية والموضوعية بل حتي المعادل الموضوعي والوعي الجمعي الذي يحدد وظيفة الأدب ، وجدنا أنفسنا نتعامل مع الميتالغة والميتانقد مع الداخل والخارج ، مع المعرفة والوجود ، مع التأويل والظاهراتية مع الانقطاع المعرفي ، ومع إزدواجية أو ثنائية الحقيقة ، ومع النصية والبينصية ، مع الشك واليقين ، ومع الفجوة بين تطور القيم وتطور التكنولوجيا ، مع الذات في تأكيدها ، ومع الذات في تفتيتها مع الحقيقة واللاحقيقة وجدنا أنفسنا باختصار شديد بعد أن كنا نتعامل مع الشعراء والنقاد نقتاد عنوة رغم إرادتنا إلي عوالم بيكون ولوك وكانت وهيوم وهوبر وييركلي ونتشة وهيجل وهوسيرل وجادامر وبقية القائمة الطويلة من الفلاسفة الذين يمثلون تاريخ الفلسفة الغربية في القرون الثلاثة الخيرة والنتيجة تحولات معرفية حذرية نحو العلاقة التقليدية بين الدال والمدلول .
ويتناول المؤلف تفاصيل النسخة الاصلية من الحداثة من خلال عدد من المحطات الفرعية ليبين لنا مناحي ( الفكر العلمي – الفلسفي الغربي والحداثة – علامات طريق – من لوك إلي نيتشة وثنائية الداخل والخارج – بدايات القرن العشرين بين الشكلية والماركسية – والنقد الجديد والعودة إلي الداخل – البنيوية وما بعدها ) – حيث تتقابل التيارات الفلسفية وتلتقي وتموج بالتغيرات السياسية التي ترتبط باعتبارها سبباً بالتغيرات الفكرية بداية من تنظيرات هوسيرل وسارتر وهيدجر واليوت ونورثورب فراي الذي يمثل المرحلة المفصلية بين النقد الجديد والتجليات النقدية للحداثة .
وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف البنيوية بعنوان : البنيوية وسجن اللغة وفي البداية يقول المؤلف ” سوف نقوم في الفصلين التاليين بارتكاب خطيئة التبسيط والتبسيط سواء جاء مخلاً أو غير مخل بالمعني جريمة لا تغتفر في حق البنيوية والتفكيك هكذا ينظر دعاة المشروعين النقديين في بلاد النشأة الأولي وفي العالم العربي علي السواء ، إلي كل من يحاول تبسيط أفكارهم وتقديمها إلي القارئ العادي في لغة يفهمها ، وإن كان الحداثيون من النقاد العرب في الحقيقة أعلي صوتاً وأكثر ثورة في تتجهمهم ضد كل من يحاول هذا التبسيط بعد أن حولوا الحداثة وتجلياتها النقدية إلي كهنوت غامض يستعصي علي التفسير ويراوغ كل محاولات الفهم .
وعبر الفصل يحلل المؤلف بالتفصيل موضوع البنيوية ( النموذج اللغوي – والثنائيات ) والبنيوية والنسق اللغوي والنسق غير اللغوي ” نسق الأدب ” – و ” الدلالة ” ” مناطق الصمت والفراغ ” – ثم اللغة ” من سجن العقل إلي سجن اللغة ” و ” الاستبدالي والتعاقبي ” – و ” العلامة ” ليخلص إلي نقد البنيوية فيقول : إن المشروع البنيوي مثله في ذلك مثل أي مشروع نقدي آخر بدأ بطموحات غير محدودة تتماشي مع روح القرن العشرين الساعية إلي تأسيس شرعية علمية لأتساق الثقافة في الوقت الذي تلتزم فيه بالوظيفة الاساسية للنقد وهي التوسط بين العمل الأدبي والمتلقي بغية إنارته وتقريبه إلي القارئ والواقع أن نظرية الوساطة تلك رغم ما تحمله من تبسيط قد يغضب البعض ، كانت دائماً في قلب وظيفة النقد .
ثم يتساءل : ماذا حدث لهذا المشروع والطموح المبدئي المشروع ؟
ويجب المؤلف : حدث الغموض والإبهاء والمراوغة .. إن فشل البنيوية الحقيقي هو عجز المنهج عن تحقيق المعني برغم أن محوري النقد الحداثي كله هما اللغة والمعني ، وإذا سلمنا بكفاءة المنهج البنيوي في تقديم تحليل منهجي علمي للغة فمن الصعب التسليم بكفاءته في تحليل النصوص الأدبية وإنارتها وتحقيق المعني إن النبوية الادبية شأنها في ذلك البنيوية اللغوية تتبع منهجاً معكوساً عند ” مقاربتها للنص الأدبي ” فالمنهج لا يبدأ بالجزئيات وتحليلها بغية الوصول إلي كليات أو أنظمة ولكنه يبدأ بالنظام الذي يحكم الإبداع في النوع لينتقل إلي الدرجة الأدني علي سلم التحليل وهو نسق النص ثم الوحدات تليها العناصر ، وهي أصغر مكونات النص ، وقد يسترجع البنيوي بعد ذلك خطواته متحركاً من أصغر العناصر تجاه النسق أو النظام العام ليقارن بين الخاص (النص) والعام (النظام) تقوم شرعية هذا المنهج علي تركيز البنيوية المبدئي علي الأنساق العامة أو الأنظمة ، وهم يقولون إن التحرك من العام إلي الخاص يمثل حركة في العمق من السطح إلي البني التحتية لنسق النص ، فالمقاربة البنيوية هنا تعوض بالعمق ما تفقده المساحة أو تستعيض بالطاقة عن الكتلة والتحليل البنيوي علي هذا الأساس كما يقول بعض الرافضين للمنهج البنيوي يشبه تسليط الأشعة السينية علي الجس لتصل إلي العظام متخطبة . بل ومتجاهلة طبقات كثيرة قبل أن تصل إلي العظام من هنا فإن ما يحدث هو اختزال للجسم البشري ، وهو من وجهة نظر المشككين في المنهج البنيوي ما يحققه التحليل البنيوي للنص ، فالناقد البنيوي في تركيزه علي تحديد العناصر والوحدات الصغري لمكونة للنص يقوم بعملية اختزال مخلة له ، وبرغم كل هذا فإن تحقيق المعني لا يتم أو يتحقق .
إن متابعة النماذج التطبيقية التي قام البنيويون بتحليلها باستخدام أدوان البنيوية اللغوية / الأدبية تؤكد أن أحداً من هؤلاء لم يتجن علي البنيوية أو يفتر علي إنجازاتها ، بل إن النماذج التي استخدمها كل من بروب وشتراوس تؤكد قصور المنهج البنيوي .
ثم يقول : ومن بين أبرز أوجه القصور في البنيوية عدم صلاحية المشروع البنيوي للتطبيق علي كل الأنواع الأدبية والخلاصة أن أزمة البنيوية التي وأدتها في اقل من عقد تقريباً تتمثل في فضلها في تحقيق المعني ، وقد اجتمعت عليها عدة عوامل من داخلها في جعل بعض أقطابها يتحولون عنها من ناحية – بارت في فرنسا وكاللر في أمريكا مثالان بارزان – وسهلت مهمة الرافضين لها من ناحية أخري المهم أن البنيوية كانت تحمل بذور تفتيتها منذ البداية ولا نستطيع أن ننحي باللائمة علي أي قوي خارج المشروع البنيوي نفسه .
وفي الفصل الرابع وهو بعنوان : التفكيك والرقص علي الأجناب :
فإن المؤلف يعرض جوانب التفكيك في :
1- التفكيك وفوضي النقد .
2- جذور التفكيك : المزاج الفلسفي – تيار النقد .
3- أركان التفكيك : القارئ والتلقي – التفكيك والمعني – النص بين المؤلف والقارئ – اللغة : المعني بين الدال والمدلول – اللغة الشارحة (الميتالغة) – التناص – الاختلاف : التأجيل والحضور والغياب – لا نهائية الدلالة ثم يخلص إلي نقد التفكيك بقوله : يتمحور النقد الذي يوجه إلي التفكيك بصفة عامة حول لا نهائية المعني أو الدلالة ، فقد انتقل معسكر التفكيك من رفض صريح لقصور النبوية أنساقها وأنظمتها في تحقيق المعني إلي حق القارئ كل قارئ في تحقيق المعني الذي يراه ثم إن القول بلا نهائية المعني ايضاً بالقول بأنه لا توجد قراءة صحيحة وقراءة خاطئة ولكن توجد قراءات لا نهائية حتي القول بأن كل قراءة غساءة قراءة كان يشير لو بصورة ضمنية إلي أن كل قراءة : إساءة قراءة هي قراءة صحيحة أو مناسبة علي الاقل إلي أن تجئ قراءة / إساءة قراءة أخري تفككها .
إذن كل إساءات القراءة باستخدام قواعد المنطق البسيطة قراءات صحيحة إلي حين والربط بين المقولتين يؤدي في نهاية الأمر – كما يري بعض معارضي إستراتيجية التفكيك إلي اللامعني أي أن التفكيك من ناحية انتقل من نقيض حينما رفض قصور النموذج البنيوي في تحقيق المعني وتحول إلي المعني اللانهائي .
ويختم الدكتور عبدالعزيز حمودة دراسته القيمة التي استغرقت 404 صفحة استعان في إنجازها بعدد كبير من المراجع العربية والاجنبية ، فيقول : ( لكن البدعة الصارخة هي إبداعية أو أدبية لغة النقد صحيح أن الاتجاه إلي استخدام اللغة التي تلفت النظر إلي نفسها لم يكن بدعة النقاد التفكيكيين فقد سبقهم النقاد البنيويون إلي ذلك منذ بداية المشروع البنيوي ، لكن التفكيكيين في إصرارهم علي تحقيق النقلة النهائية للغة النقد إلي دائرة الإبداع الأدبي وصلوا بتلك البدعة إلي منتهاها لكن المحصلة النهائية والحق يقال : إن إتباع المنظورين النقديين يشتركون في إنجاز واحد ، وهو حجب النص فالقارئ ينهمك في فك طلاسم الشفرة النقدية التي ترتدي مسوح العلمية عند النقاد البنيويين وينهمك أكثر في فك خيوط النص النقدي بتداخلاته وتركيبته وأصدائه واقتطافاته عند النقاد التفكيكيين وفي الحالتين ضاع النص ولم يتحقق المعني وفشل المشروعان في الواقع في تحقيق الأهداف التي أسسوا عليها مبادئهم الأساسية .