المسرح الاسبانى فى التسعينيات ……………. د. ثيسار اوليفا

المسرح  الاسبانى فى التسعينيات

بقلم : د. ثيسار اوليفا (*)

القرن العشرون على وشك الانتهاء فيما يتقدم المشهد المسرحى الاسبانى فى أوج اشكاله المتجددة خلال السنوات الاخيرة هذا التجدد امتد الى اكثر جوانب الانتاج المسرحى رغم  أننا نؤكد أن أكثر العناصر تجددا توجدفى مجال الكتابة المسرحية ويمكننا أن نؤكد أيضا أن السنوات الاخيرة جرت خلالها أكبر عملية تجدد تمت خلال النصف الثانى من هذا القرن ولم يحدث أبدا أن أمكن ملاحظة عمليات التجدد الموضوعى للاشكال المسرحية كما حدث خلال تلك السنوات تجدد يمكننا أن نوجزة فى النقاط التالية اولا: اختفاء الجيل الواقعى أو على الاقل من على الواجهات المسرحية المعتادة ثانيا: عودة الكتاب الذين يكتبون الكوميديا البرجوازية الى التجمع من جديد ثالثا: تثبيت اقدام كتاب مثل: خوسيه سانشيس سينيسترا ، وجوزيب ماريا بينيت اى جورنيت على رأس الجيل الجديد.

رابعا: ظهور كتاب شباب ينتمون الى اتجاهات جمالية عدة لكنهم يتحدون تحت المسمى العام فى توجههم نحو المسرح الذى يعتمد على النص المكتوب

خامسا: سيطرة الكتابة المسرحية الاسبانية على هذا النشاط بمافيها الانشطة المسرحية التى تجرى فى المقاطعات والاقاليم ،

اضافة اى تلك الاعتبارات يجب ان نشير الى بعض المميزات التى جعلت وجود الشكل العام الذى أشرنا اليه ممكنا مميزات نتجت عن اللحظة السياسية الراهنة والوضع الاجتماعى الذى تعيشه اسبانيا خلال السنوات الاخيرة مماحتمت الضرورة انعكاسه على الثقافة المحيطة بالنشاط المسرحى لايستطيع احد أن ينكر أن السنوات الثلاث عشرة للحكومة الاشتراكية دفعت بالفنون المسرحية الى الامام دفعة كانت بارزة بشكل خاص فى عملية التجديد والتحديث التى جرت على المسارح الوطنية اضافة الى دفع عملية الانتاج المسرحى والفروق المسرحية لمزيد من النشاط تلك الفرق التى لم يتوفر لها أبدا مثل هذا الوضع المادى الذى مكنها من تنفيذ برامجها المسرحية هذا التزايد فى النشاط المسرحى كان على المستوى الظاهر أى على مستوى خشبة المسرح لكنه لم يتمكن من تنفيذ عملية تحديث من خلال كتابة المسرحية الوطنية صحيح ايضا أن المسرح الكلاسيكى كانت له الاولوية خلال السنوات الاخيرة لكن هذا لم يجد استجابة لدى كتاب القمة فى تلك اللحظة فكان من الممكن ملاحظة فقدان الوضع الاجتماعى للمؤلف الدرامى مابين عملية الادارة فى وضع النص على الخشبة المسرحية وعدم القدرة على تنفيذ المشروع اضافة الى هذه المشكلة كانت هناك مشكلة قلة المؤلفين الاسبان التى كانت تضمها برمج المسارح العامة  وحتى فى المسارح المسماه باسم شبكة المسارح العامة الوطنية حتى يمكن تسهيل مهمة فهم هذا الوضع يمكننا أن نقول ان السنوات الاخيرة شهدت نشاطا مسرحيا من حيث عدد العروض ولكنها كانت تفتقد الى العروض الوطنية والمحلية اذا عدنا الى عملية الحصر التى بدأنا بها يمكننا ملاحظة التالى :أولا :وصول الاشتراكين الى الحكم كان بداية النهاية للعروض الواقعية الاجتماعية التى بدأت فى البروز خلال السنوات من 1977،و 1985التى كانت تعيش خلالها اسبانيا عملية التحول الديمقراطى ويعود هذا أيضا الى أن القليل من تلك العروض وجد تجاوبا جماهيريا مع استثناء بعض العروض مثل سانتا ماريا المصرية لما رتين رويدا والحانة المدهشة لآلفونسو ساسترى اضافة الى اعمال بويرو باييخو ولم يعد هناك مكان حقيقى فى تاريخ المسرح المعاصر للكثير من العروض التى تم تقديمها حتى بويرو باييخو لم يتمكن من تقديم مسرحياتة خلال التسعينيات بالشكل المرضى الذى كان يبتغية أما ماقدمة أنطونيو جالا خلال انتقالة من شكل أدبى اخر الى المسرح فانه يعتبر نهاية لمرحلة محددة لانه يشير الى النجاح الشخصى الذى جاء نتيجة النجاح فى عمليات النشر فى الكتب وهو امر له خصوصيته ولاعلاقة له بفريق العمل المسرحى وربما كان كل هؤلاء الكتاب هم اخر الكلاسيكيين الاسبان

ثانيا: حتى وقت قليل كانت الكوميديا الاجتماعية تعنى المسرح التقليدى وقيمتها لاتتعدى قيمة الممثلين الذين نشأوا خلال البيئة التقليدية الوطنية ولتأكيد هذا لسنا فى حاجة الى العودة الى سنوات الخمسينيات التى ظهر فيها مسرح الهروب الذى برزت فيه اسماء مثل رويث ايريارتى ولوبث روبيو أو بعض الكتاب الملتزمين مثل بويرو باييخو وألفونسو ماسترى أو لاورو أولمو أما اليوم فان الحدود بين نوعيات الكتابة المسرحية اكثر حدة لذلك تبقى بعض الاعمال المسرحية اقرب الى قلب الجمهور من اعمال اخرى مثل الحوار مع الفاليوم لآلونسو سانتوس أو تشبه الالهة تقريبا لخايمى سالوم أو ليلة حب زائل  لبالوما بيدريرو هذا حتم عملية تغيير فى مجمل الاشارات المسرحية يجعل الكوميديا البراجوزية ليست كما كان معناها فى السنوات السابقة

ثالثا: ترسخت خلال السنوات الاخيرة أقدام العديد من كتاب الدراما المسرحية كان انتاجهم بدأ فى السنوات السابقة على تقديمها على خشبة المسرح فأصبحت لهم تأثيراتهم الاجتماعية والفنية كمسرح راسخ وأعنى هنا بشكل خاص مؤلفين مثل خوسيه سانشيس و جوزيب ماريا بينيت اى جورنيت الاول يكتب باللغة الاسبانية والثانى يكتب باللغة القطالونية لكن كلاهما لايمكن تصنيفه فى اطار التصنيفات الكلاسيكية المعروفة لان لكل منهما خطه الابداعى الشخصى الخاص به لذلك فان اعمال مثل (اى كارميلا)للاول أو(رغبة) للثانى تكفى لوضعهما فى اعلى مستويات الابداع المسرحى والى جوارهما لابد ان نشير الى اخرين مثل : (الونسو دى سانتوس) و(فرمين كابال) كمبدعين راسخين ايضا اضافة الى عودة خايمى سالوم ودومينغو ميراس واغناثيو اميستوى الى الابداع من جديد

رابعا: عن المؤلفين الشبان يمكن الحديث عن جيلين يجمعهما معا البحث عن جماليات جديدة فى الكتابة المسرحية واعمار هؤلاء تتراوح فى الاربعينيات ولكن لاتزال تبدو عليهم اثار واضحة لكتابات مؤلفين ذكرناهم من قبل اما الذين لاتزال اعمارهم فى الثلاثينيات فانهم لايزالون يعيشون فى ظلال الماضى من الجيل الاول هناك أرنستو كاباييرو) و(ادور ادو غالان) و(اغناثيو ديل مورال) و(ماريا مانويلا رينا) و(لويس اروخو) و (انطونيو اونيتى) من الجيل الثانى نذكر (سيرجى بيلبيل) و(اغناثيو غارثيا ماى )و (لويسا كونسييه)و(خوسيه رامون فرنانديث)و(اتزيار باسكوال)من هؤلاء وأولئك يمكن العثور على كتابة مسرحية ممتازة بل كثير منهم يجيد الاخراج المسرحى ايضا لكنهم لاينتظرون أن تتاح لهم الفرصة لعرض اعمالهم فى المسارح الكبرى والعامة بل يذهبون بأنفسهم الى الجمهور من خلال صالات العرض التى يطلقون عليها اسم الصالات البديلة يفضلون ان يعرفوا بأنفسهم من خلال دوائر صغيرة لانهم  يعرفون ان انتظار فرصة تقديم اعمالهم ربما لاتأتى ابدا رغم قلة المادة التاحة فانهم يقدمون ابداعا ثريا ومزيجا كاملا من الاتجاهات المسرحية ويكننا ان نتحدث على الاقل عن عشرة نصوص جيدة يمكن تقديمها على اى مسرح عام منها مثلا مسرحيات اوتو لارنستو كابا ييرو( نظرة الرجل الغامض) لاغناثيو ديل مورال و(ايام بلا أمجاد) لفيدال بولا نيوس و (مشروع فان غوخ) لانطونيو فرنانديث ليرا و( مداعبة) لسيرجى بيلبيل و( مترجم) بلومنبرغ لخوان مايورغا و(دوران) للويسا كونييه و(لاحراق الذاكرة) لخوسيه رامون فرنابديث اضافة الى التأثيرات الواضحة لكتاب معروفين على كتابات هؤلاء المؤلفين هناك تأثيرات اخرى معاصرة تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة مثل (الفيديو كليب) أو السينما المعاصرة

خامسا: هذا مع اهمالنا ذكر مؤلفين لايزالون يكتبون اعمالا مستغلقة مثل(نييفا وروميرو استيو ورياثا) أو اولئك الذين يقف خلفهم تاريخ طويل من الابداع فان مسرح التسعينيات ينبع من خلال البحث عن لغة ادبية راقية الامر بالطبع لايتعلق بابداع مشهدى مغامر بل بالبحث عن عرض يثير مشاكل حقيقية لايعتمد فقط الكلمة بل يبحث عن تقديم عرض للفعل المباشر مسرحية اوتو تدور احداثها فى قسم بوليس ونظرة الرجل الغامض تدور على شاطئ ودوران تدور احداثها فى صالة جنائزية وبعد المطر تدور فى شرفة ناطحة سحاب شهدت السنوات الاخيرة ايضا انحدارا فى مستوى العروض التى تقدمها الفرق المسرحية التقليدية المعروفة هذا بعكس الازدهار الذى شهده عمل هذه الفرق خلال فترة الانتقال الى الديمقراطية فرقتان منهما قررتا الاتجاه الى مايشبه مسرح المؤلف مثل فرقة الجوغلار التى يديرها البيرت بواديا وفرقة (لاكوادرا) التى يديرها سافادور تافورا استطاع الاول ان يقدم مؤخرا افضل عمل له خلال السنوات الاخيرة بعرض (الحكاية الغربية للدكتور فلويت ومستر بلا) وهى تعكس شخصية خاصة ومتميزة لهذا المسرح ولاتزال هذه الفرقة تتعامل مع المسرح من منطلق الاهتمام بكل تفصيلات العرض واستطاعت هذه الفرقة ان تحصد نجاحات عديدة خلال بداياتها فى اعوام الثمانينيات تلك السنوات التى استطاعت خلالها تثوير بعض النصوص كما فى مسرحية (فاوست) التى طافت العالم من خلال تقديمها فى عدد كبير من المهرجانات العالمية فى النهاية فان اقتراب نهاية القرن يقودنا فى اسبانيا الى اشكال تعبيرية مشهدية جديدة تقطع صلتها تماما مع الماضى القريب وتتوجه  نحو اعادة النص الى مكانه الطبيعى فى قلب العرض المسرحى وتعتبره الاداة التعبيرية الاساسية وهذا يبدو فى اسبانيا متسقا مع توجهات المؤلفين فى الدول الاوروبية الاخرى حيث لاتزال الاشكال الجمالية والتشكيلية المتجددة تتجذر فى العرض المسرحى وهذا تكشف عنه الكتابات النقدية المتقدمة التى تتابع هذا الانتاج….