أبريل 16 2011
الفن النسائي العربي والاتجاهات التعبيرية المحدثة ………….ز أسعد عرابي
الفن النسائي العربي والاتجاهات التعبيرية المحدثة – أسعد عرابي
يحتل العنصر النسائي في الفن العربي مساحة تشكيلية كبيرة ، وذلك رغم محاولة بعض من منافسيهم الذكور تهميش مواهبهنَ ، جميل أن تعترف بهذه الحقيقة في فترة عيد المرأة العالمي ، خاصة وأنهن كما سنري يملكن حضوراً إبداعياً تتفوق أهميته على دور نظائرهن في أوربا نفسها ، كما تؤكد الاحصائيات أن عدد الفنانات الإناث بالنسبة إلي زملائهم الذكور تتجاوز نسبتها في أوربا .
قد تكون هذه الحقيقة مربكة لمن يعاندون في ربط إرتباك النشاط الإبداعي في مجتمعاتنا بانغلاقها وتخلّفها وقد يكون من الضّرورة في هذا المقام تذكّر أن دورة المرأة التشكيلى
عريق ، يرجع ذلك إلي إتصاله بممارستها ما يعرف منذ أجيل “بالفنون النسوية ” أي فنون الخياطة والتطريز والزينة وصناعة الحياكة وتلوين البهجة المنزلية . ناهيك عن منافستها للرجل في صناعة الموسيقي والعزف في الأندلس وغيرها . يحضرني ما سمعته وعما هو شائع حول تصوير جدران صور بريطانية من قبل النساء (ولادة) ، وتوراث وتناسخ تقاليد هذا الرسم والتلوين حفيدة عن أم وأم عن جدة وهكذا حتى أصبح النشاط التصويري منوط بالمرأة . دعونا نرجع ونستعرض بتأني الأسماء النسائية الشهيرة في تاريخ عاصمة الفن باريس ، لن نعثر أسماء بارزة تتجاوز عدد أصابع اليد علي غرار : موريزوت وكلوديل ، وسونيا ودي سيلفا ، ولم تبرز في ألمانيا سوي كوتي كولقيتز وفي المكسيك حكلو ، وهكذا .
سيدهش القارئ المحايد إذا ما قارن هذه الأرقام المتواضعة بجحافل الفنانات النساء العربيات البارزات الرائدات والفاعلات في تأسيس التيارات المعاصرة ، لن نعثر في أورربا علي أهمية دور تحية حليم (أم كلثوم الرسم) ، ولا علي باية رمز الثورة الجزائرية ، ولا علي التحول الكبير الذي حصل في محترف جدة السعودي بفضل شادية عالم ومجموعتها المعاصرة ، ولا علي أهمية موقع بلقيس فخرو في البحرية وسواهن كثيرات. يتظاهر هذا السبق بالتحديد في واحدة من الاتجاهات المعاصرة الأساسية وهي “التعبيرية المحدثة” وهي النزعة التي تنصخ إسلهاماتها من ذخائر الصور المتراكمة والمخزونة في اللاوعي الجمعي ، والذاكرة الشعبية ، لذا تبدو أقلّ إدعاء حداثياً وأشد أصالة بسبب إلتصاقها بلحمة الخصائص الثقافية ، خاصة وأن حساسيتها تتصل أغلبها بالفنون السحرية أو ما تدعي “بالفنون البكر” التي تعتمد الحدس والشطح أكثر من المثاقفة وصل الأداء فذكاء الصناعة يرتبط بتلقائيتها وعفويتها الطفولية ، الهذيانية ، والحلمية ، العصابية ألخ .
إذا عدنا إلي التجارب المذكورة نلاحظ أنها وأمثالها تتجه إلي نفس الحساسية المشار إليها، ساعية في نفس الهاجس والصبوة الذوقية الروحية . إن السياحة السريعة في نماذجها لا تخلو من متعة بصرية ووجدانية ، وحى لا أربك القارئ غير المختص ، فقد اقتصرت في اختياري علي رسامة واحدة من كل قطر عربي ، متعرضاً إلي الحضانة المحلية الأنثوية التي أخضبت المثال ، أما الدول القليلة التي لم أقترح نموذجا ، فإنها أن يكون غائباً أو أن يكون فاتني بسبب تواضع دراستي الميدانية في محترفات الأقطار (وهو الأغلب) ولكن التجربة تستحق الخوض علي مابها من نواقص قد تعرضها الدراسات التْفصيلية المقلبة ، وسأبتدئ من لبنان لأنه يمثل الحاضنة الأنثويّة الإبداعية الأشد خصوبة وإنفتاحاً :
1- فاديا حداد والأجنحة المكسّرة (لبنان) :
توصلت الفنانة اللبنانية – الأمريكية هيلين الخال في كتابها : “المرأة الفنانة في لبنان” (عام 1987) إلي ملامسة عدد كبير من المبدعات الأنثويات اللبنانيات ، مستخلصة ملاحظة أن نسبة عددهن إلي الذكور وهي ثلث تتفوق علي نفس النسبة في المحترفات الفنية القطرية المجاورة ، قد لا تخلو هذه الملاحظة من الصحّة ولكنها ليست مثبته ، وذلك لعدم معرفتها الكافية بالعناصر النسائية في الدول العربية ، بدليل أنها تصورت أن خزيمة علواني سيدة، وهو فنان سوري معروف بذكورته وفنه ، وذلك رغم أنها كانت تشارك زوجها الشاعر يوسف الخال في إدارة “غالوري وان” البيروتية في الستينيات والتي ملكت دوراً أساسياً في التعريف المحليين والعرب . تمكنت هيلين الخال من رسم خارطة للحضنه الأنثوية التشكيليّة في لبنان ، والتي أنتخبت بصورة مبكرة (مثل مصر) أسماء رائدة علي غرار سلوي روضة شقر ومعزّز روضة في مجال النّحت ، وأخريات في مجال التصوير علي غرار جوليا ساروفيم وناديا صيقلي وأشقر ثم فاطمة الحاج وكثيرات غيرهن . وقد اكتشفت قبل عام 1996 سيدة فنانه عصامية من الشرف وهي سعدي أبي عياش لا تقل أهمية عن معاصرها خليل زغيب ، أقامت معرضاً يتيماً في بعقلين وتوفت العام الفائت (وهي من مواليد 1919 كفر متى) وكنا بانتظار معرضها الثاني وهي مثال علي الثروات الإبداعية النسائية التي تكتشف مصادفة ، فقد إختصت بتصوير الجبل والساحات البطانة المشرقية ضمن تشكيلات بالغة الأصالة .
وإذا تأجّلت صدمة الحرب كرد فعل فنّي ، فقد بدأت تتظاهر منعكساتها الإبداعية بين التجارب النسائية الشابة المبعثرة ما بين الداخل والمغترب ، إبتداءّ من أمل سعادة وديمة حجار وإنتهاءّ بالتطور الأسلوبي الذي هذا العالم علي حساسية وموضوعات فاطمة الحاج ، فقد تحولت من فواديسها الغنّاء إلي جماهير وحشود المهجّرين في الجنوب ولكن فاديا حداد تمثل التجربية النموذجيّة المغتربة عن إحباطات ما بعد الحرب ، ورغم أنها لم تعاني من أهوالها مباشرة بسبب وجودها في باريس ، فإن طيورها تمثل الرحم المقطوع عن مشيمة الوطن لقد نمت لوحتها في مساحة الإنكسار الطفولي اليتيم ، لذلك أجنحتها تنكسّر في الفراغ الموحش ، لا تعرف طيروها سوي التحليق العبثي ، وكأن قدر الإغتراب وشدة الترحال تمثل الوجه المأسوي الاخر لفجيعة الحرب اللبنانية ، وقد حقّقت الباريسية إمتداداً لهذا التحّرق في الساحة التشكيلية الفرنسية .
2- رباب النمر والحياكة الجديدة للكائنات الفرعونية (مصر) :
إذا تأملنا إختيارات الناقدة فاطمة إسماعيل للفنانين الذي رسموا خارطة التشكيل في المحترف المصري عثرنا علي أربع فنانات كبار من أصل تسع وعشرين فناناً ، تمثلن منعطفات بالغة الأصالة في تطوّر المحترف ، خاصة في فترة الريادة النهّضوية علي مثال تحية حليم وانجي أفلاطون وجاذبية سري ومريم عبد العليم ، ويذكر ناصر عراق أن الأميرة سميحة بنت السلطان حسين حاكم مصر ما بين 1914 و 1918 كانت أول مصرية تحترق التصوير وتشارك لوحاتها في المعارض العامة (منذ عام 1922) ، إن الاشارة إلي هذا التاريخ المبكر يكشف شراكة الفنانة الرائدة في مرحلة تأسيس الفن المعاصر في المحترف المصري ، والواقع أن مافات فاطمة إسماعيل من أسماء سنجده في مؤلف الفنانة نازلي مدكور “المرأة المصرية والابداع الفني” (1989) ، فقد حلّلت سبع عشرة فنانة معاصرة تمثل الأجيال الفنية المتعاقبة ، ومهما يكن من امر فإن الحاضنة الفنية الأنثوية المثرية لا تقل خصوبة عن اللبنانية ، وبالتالي لا يمكننا أن نعزل تمايز التعبيرية رباب النمر عن الماضي الانثوي لهذا الحاضنة . تقتصر تشكيلاتها غالباً علي الأسود والأبيض مستعيرة طريقة نحت الإشارات الكرافيكية الفرعونية دون تثبيت مصدر أحادي للنور والظل ، مستحضرة بعض الكائنات الرمزية كالقط والطير وسواهما ، تبدو الأشكال وكأنها مقصوصات من عرائس مسرح الظّل ، تتداني حدودها بطريقة لغزية سحرية حادة وخطورة ، وإذا كان أصلوبها موحياً “بالوصفية” فهي من أشدّ الفنّانات إذعاناً للإملاء الحدسي الغامض والبكر ، ورغم ما توحي به تقنيتّها من ذكاء فهي يصفها ز . محمود عبد الله “نزوع تحكمه الفطرة والفطنة وغريزة البقاء” (“الثقافة الجديدة” 1998) ، وتبدو من أقرب الفنانات المصريات إلي روح الفن وتواصله من الية تفريخ الصور الأسطورية الشعبية دون الالتزام باعادة ، شرح مضامينها والالتزام بنقلها ، تتحول هذا المناخات إلي كوابيس مقلقة هرمية التفصل بحيث لا تخلو كينونتها الإنسانية والحيوانيّة من ملامح السخرية والعبث ، وبحيث تتاخي عناصر الطبيعة الجامدة وتتراقص أشياؤها وتتناجي عناصرها ، قبل أن تتأنسن ، تتقول هي نفسها في مقدّمة كراسي معرضها عام 1998 بأن : الشكل الإنساني يتحرك ويتفاعل لخدمة مضمون خفي لا يجوز ترجمته أو تفسير دوافعه خارج كيان العمل ذاته” . وهو مايلخصه الدكتور مصطفي الرزاز بتعبير “الألفة والافتراس في الرسم” .
والواقع أنّ الإهتمام بهذه الفنانة تأخرّ بسبب التباس تقويمها النقدي فيما عدا اكتشاف الفنان د. مصطفي الرزاز لأصالتها وتمايزها فقد إختلط الأمر علي البعض بسبب استخدامها للحياكه الكرافيكية مما يوحي بالنمطية الطباعية في الصور التوضيحيّة ، ولكن هذا النقد فاته أن الغاية التعبيرية أهم من الواسطة التقنيّة فالإيجاء التخيلي الذي تقودنا إليه كائناتها السحرية لا علاقة له بأية استهلاكية طباعيّة يشير ناصر إلي هذا الإلتباس بتعليقه : “وإصرارها علي إعادة الكرامة المجروحة لقيمة الموضوع أو المعني بعد سنوات من الهجر والصد لقيمها من قبل الفنانين” (“الثقافة الجديدة 1998) تبدو في الختام أشدّ تماسكاً وغرواً في خزائن الحدس وكأنها تعكس تبصيمات هذيانية لاواعية ، فالفعل التصويري بالنسبة إليها ومهما كان مجازباً أو مغرقاً في الدلالات الرمزية ،فلا علاقة له بنمطية الاذعان إلي سلطة الأدب ، التي يمارسها فنانوا الصحافة ، كان د. مصطفي الرزاز يسعي اذن لإزالة مالحق تقويمها من جحود .
3- شلبية إبراهيم عرائس الخيال الوافدة من حكايا الريف (سورية) :
تنمتي هذه الفنانة إلي نفس حضانة رباب النمر الأسطورية ولكن غذاءها التخييلي تميل كفته باتجاه طهرانية الريف أكثر من الثقافة الفرعونية ، تتداخل في هذا المساحة حكايا الريف المصري (موقع تفتّحها الإبداعي وولادة أو شحتها الشطحية) والريف السوري الذي سكنها خلال أربعة عقود إثر من الفنان السوري المعروف نذير نبعه وإذا كان أسلوبها التعبيري اليوم مثل تحربة زوجها تنتمي إلي خصائص التعبيرية السورية ، فقد اجتمع في لوحتها تراكم الحساسيّة المحلّية الأنثوية ، والتي ابتدأت منذ أيام تأسيس “مدرسة الفنون النسوية” (1921) أي منذ تجارب الزمبركجي والعطار وحتى ليلي نصير وأسماء فيّومي ، مروراً بمنور موره لي وإقبال قارصلي دون أن ننسي سناء محمود وامل مريود وعشرات غيرهن ممن أهملهن النقد علي غرار بشيره خردجي التي اختفت عن العروض والنشاط العام بسبب سوء فهمها ، ولكن لم تملك أية واحدة منهن ما ملكته شلبية إبراهيم ، من تمايز واستقلال فني مدهش . تختلط في لوحاتها مساحة الحلم بالواقع ، وتتداخل الحدود بين براءتها التعبيرية والوقائع المعاشة يومياً والمتحدة مع عالم زوجها نبعه ، يتلمسي الإثنان المواطن اللغزية في الأسورة والحكاية ، لذا يبدو من التعسّف بمكان إخراج موهبتها عن إرتباطه العاطفي والسحري والتشكيلي بها ، تعكس العناصر الطهرانية التي يستدعيها إتصالها بهواجس وحكايا الأفراح والأخزان الشعبية علي غرار الملاك والطائر والعذراء والحصان ، تجري هذه الشطحات في غابات بكر تخضب بالخفر والحياء المشرقي ، تتكشف تربيتها من الإيماءة والخطرات الرومانسية خاصة في الأيدي والقدمين والخفّين وحركة الأجساد وانحناءة العنق وطرائق العناق ، عالم من الجان والأنس والعفاريت الوادعة المؤنسية التي لا تعرف الشر رغم توجّسها ودهشتها به ، تشي شجرتها بروح الخصوبة ، والحمل الكوني الذي تدخل طقوسه في طهارة الأمومة . تكشف وحدة العناصر قوة شخصيتها ، وذلك خطوط وألوان باهرة الإبتكار تمثّل واحدة من لوحاتها كيف أدخلت القمر إلي غرفة الجلوس ثم أخرحت الأثاث الي سطح المنزل ، تملك في هذا التبادل الملتبس ذكاء الطفولة ، وطهارة الثقافة ، نحس في لوحاتها بخشخشة خلاخيل الأحصنة الراقصة ، بعذرية الغواني المتوحّدات مع الزهرة والفيم والطيور ، لا يتعثّر منهجها في أي تردد أو تعديل ، تنجز اللوحة كما نتنفّس في شهيق وزفير لا يقبل العودة . ما أبلغ الكاتب زكريا تامي حين كتب عنها يقول : “ترسم كما يفني الذي يحيا في عالم يخلو من الأقفاص والأصفاد والصيّادين” .
4- سعاد العطّار وحدائق بابل المعلّقة (العراق) :
قد يكون هذه الفنانة من أبعد المجموعة عن حساسية الفن البكر ، وذلك بسبب قوة شكيمة تقنياتها ومحسناتها البديعية العالية ، وهي صفة عامة في المحترف العراقي الذي طبعه جواد سليم بالبصر وحسن الأداء ، ولكنها تستثمر الخصوبة والفني بما تقترحه تقنيتها عن عوالم ذاتية حلمية ، من حقول وغابات وبساتين وجنائن مجبولة بالأساطير الرافدية – العباسية ، نعثر حقولها البكر علي أوشحة الأساطير البابلية التي رفعت الجنائن إلي أعلي برج المدينة ، وعلي الحديقة الفردوسية رمز الحكمة العرفانية والبسط والسجاجيد والمنمنمات يحلق في سماء الطرفين طائر العنقاء (أو السيمورغ) المختلط بهيئة الرخ والفينيق ، نعثر في ملامحة علي تناسخات هيئة الأسود الاشورية المجنّحة وعلي صورة البراق في المعراج الإسلامي . تختزن سورها الشعبية والملاحم والسيمر والفروسيات ، محاولة تصعيدها الي مستوي الفن النخبوي الذي نعثر عليه في صفحات وذخائر رسوم المنمنمات في العصور العباسية والصفوية . وجنائن العطار التي صورها الرسامون عابرة في سياحة تشكيلية مثيرة تشيه رحلة الهدهد في مدارج الملحمة المعروفة “منطق الطير” .
5- امال عبد النور : “فنون الجسد” والطابقة الشبحية (فلسطين) :
يبدو المحترف الفلسطيني عامراً بالأمثلة الأنثوية الفعالة لدرجة أنني احترت في اختيار النموذج الذي يمثلهن جمعياً ما تناولنا أعمال السيراميك لدي قيرا تاماري وجدناها قد بلغت في السنوات الأخيرة درجة كبيرة من النضج حتى لكنأنها أقرب إلي المجسّمات الكنعانية أو كواليس مسرح الظل الشعبي ، أما ليلي الشوافتبلغ غاية الإثارة في مشاهدها الساخرة ، كما تحتل رنا بشارة وعداً كبيراً قريباً من الحدّة التعبيرية التي وصلتنا من عاصم أو شقرا ، تملك تقرحاتها نفس الغضب والقهر ، فإذا ما تجاوزنا هذه الأمثلة قنعنا امال عبد النور ، التي تعتبر اليوم علي هامشيتها وعبثيتها البارسيسة من أهم الرائدات في “فنون الجسد” لما بعد الحداثة ، ويعود إليها فضل الإستخدام للطابعة الالية (الفوتوكوبي) تصّور شبحسة جسدها النعذب ، وصيرورته التعبيرية “الأنوية” تحمل تقنيتها معي الزوال والشحوب والغروب والعطف والهشاشة والتهافت الوجودي الذي يشارف حدود فناء الشكل الذاتي في النور لا زالت مثلها رباب النمر حتى اليوم بعيدةّ عن متناول النقد رغم أهمية ريادتها الملتصقة بهاجس الغربة والتشتت الفلسطيني .
6- فخرا لنسازيد ، البحث الذي لم تكتمل وصيته (الأردن) :
قد يكون المحترف الأردني من أشد الحركات الفنية العربية المبصومة بالطابع الأنثوي ، وذلك ما بين الأميرة وجدان علي وسهي شومان ، أي ما بين المتحف ودارة الفنون ، بل إن البحث عن النشاط النسائي في اللوحة العربية يشكل هاجساً يجمع هذه المراكز الحيوية إلي جانب “صالة بلدنا” التي تديرها السيدة عيساوي ، ورغم أهمية بعض تجارب السيدات تتلمذن علي يد الرائدة فخر النسازيد فقد ظلت تحتكر قوة تجدِّرها منذ بداية إقامتها في الصورة في عمان في الصورة المحلية ، أقصد السورة المنتزعة من اللاشعور الجمعي ، والمتناسخة عن فن المنمنمات والرسوم العربية الاسلامية ذات البعدين ، لم تتمكن أي من نساء الجيل التالي أن تتفوق علي تشخيصاتها المحليّة ، تشتمل علي ذلك الغموض الفلكي في افراغ ، والملمس الجداري ، والحنين النكوصي إلي التجمهرات المحلية الملسوعة بحرائق الشمس ، وبما أنها كانت تمارس التجريد الغنائي إلي جانب التعبيرية فقد تشوّشت وصيتها التشكيليّة وظلّ بحثها مقطوع الرحم ، رغم ما عانقته بعذ أعمالها من قواعد بالغة الأهمية والأصالة .
7- رابحة محمود ومهرجانات الأقنعية الشعبية (سلطنة عمان) :
يشبة دور هذه الفنانة ريادة فخر النسا ، خاصة وأن أي من نساء الجيل التالي لم ينافس موقعها وتعتبر بحث المؤسسة الأولي للمحترف التعبيري العماني ، يتجاوز أسلوبها منذ البداية حدود الواقعية الشعبية أو الفولكلورية الى التعبيرية المتدفقة الحادة والقريبة من الشخوص الساخرة في عرائس مسرح الظل ، والرسوم الشعبية ، كانت متحرّرة منذ البداية (أي عودتها الحميدة إلي مسقط عام 1970) من الإغراء الوصفي أو الرومانسي الشعري محاولة بلوغ أقصي درجة من المأسوية المأزومة في اللون والشكل ، تبحث فرشاتها الملتهبة عن أسباب التدمير والإختزال في الشكل والهيئة والدلالة ، فتصل إلي حدود التجربة الغنائية المنتزعة من مواطن الوجدان والحدس .
8- نجاة حسن مكي ودغدغات البصر والروح (الأمارات العربية المتحدة) :
من الخطر الكبير النظر إلي تجربة النظر إلي تجربة هذه الفنانة من خلال ظاهر ما توحي به أنسحبتها ، وتحولاتها الادائية من “أوهام بصرية” تدغدغ العين مثل المخمل أو انتثارات بردة الحديد حول المغناطيس فقد توصّلت إلي إكنشاف أسباب الوحدة الداخلية في مصادفاتها اللونية ، لا يمكن اكتشاف تعاملها الحدسي مع تنزيه الصورة إلا إذا ترصّدنا بدورنا وحدة التجربة من الداخل ، فهي تستقي من خبرتها النثوية من عالم القماش والثوب والخمار وتماوجات الحرير ما يكفيها زاداً وجدانياً في طقوس التصوير ، تطرح تجربتها حدود الخصائص الأنثوية في التعبير رغم تماهيها لدي العديد ممن مروا معنا .
9 – شادية عالم : الانعتاق من أصفاد المكان إلي مساحة المطلق (المملكة العربية السعودية )
تناسلت رفاهة هذه الفنانة من عقد من سيدات المحترف السعودي المرموقات ، ذلك إبتداءّ من الرائدة صفة ظقر . وتحتل شادية اليوم موقعاً متميزاً من التعبيرية العربية المحدثة ، إبتدأت بتصور ذاتها في مراة مشرقية ثم أمعنت في التعبير عن توحدّ المرأة وإختناق روحها في حجرات إنطوائيّة ، ساعية للخروج من قمقم الغربة المختومة بتحرّق وجداني لاتحدّه حدود ، تلامس موهبة شادية توهجات تشارف حدود الغناء ، عالم عاصف بالوجد والغبطة والطهرانية والعذرية والخصوبة ، وقد تأخّر الوسط التشكيلي المحلي في اكتشافها حتى نالت جائرة الخطوط الجوية البريطانية ثم أقامت جمعية المنصورية معرضاً إستعادياً لها في جدّة . تتجوّل مرايا لوحاتها في مدن وأقنعة وشخوص مونّثة جميعها بإشارات الذاكرة المحلية ، والمتناسلة خاصة من تقاليد صناعة الكتاب في عصر أزدهار المخطوطات والمكتبات ودوائر الحكمة والعلم ، وهي الرسم التي عرفت “بالمنمنمات” والمشرزمة مع المخطوطات في أقبية الحجر والحصار .
10 – بلقيس فخرو ، والمدينة الموسيقيّة الفاضلة (البحرين)
استقرت تجربة بلقيس في السنوات الأخيرة علي هيئة المدينة الحلمية الضائعة في عباب البحر تتلمّسها من خلال تحولات تشكيلية مدماكية لانهائية ، تأخذ عمائرها كل مرة لبوساً “أوركسترالياً” أشبه بالنوطات التوقيعية المنفّحة بطريقة شبه تجريدية ، توالدت هذه المدينة من خلال عبور تصوير بلقيس من بوابات تاريخية موغلة في القدم بالتالي مع مدنها بين الوعي والحدس ، بين الثقافة “الفارابية” والحنين إلي مدينة طفولية معراجية حميمة ، تقع في موقع مطمئن خلف جبل “قاف” وفي برزخ يشق أرخبيل “دلمون” الذي يحاصره اليم واللؤلؤ وأناشيد البحارة إستعارت بلقيس هذه الأهازيج لتحليها إلي عمائر نغميّة ، إلي سلالم لونية رهيفة ، تفور في فراغ نصبي متصاعد ، لعل هذا ما يدفعها إلي زيادة أبعاد لوحتها ورحابة حيزها المحسوس وكأنها ساحة لتحليق الدؤوب .
11- ثريا البقصمي ، والبحث عن الإشارات الموروثة (الكويت) :
تستدعي ثريا مفرداتها المشرقيّة محاولةّ إختزال اللغة البصريّة حتى حدودها البريئة ، ولكن معرفتها الكرافيكية وثقافتها تنال من عفويتها فتتداخل المفردات الذاتية بالشائعة ، لعله ولهذا السبب فإن مسحةّ من الاستضراق ، تؤطرّ موهبتها اللونية ، تبدو ثريا خصبة الإنتاج ديناميكية النشاط لذا تبدو أشدّ تنظيراً من زميلاتها ، ولا شك أنِّ لتعددية دراساتها بين الكويت والقاهرة وموسكو ولندن ولتغدّدية ميادين هذه الدراسة ، من فنون طباعة وكرافيك ورسوم توضيحية قد إعطي صبغة عامة وإجتماعية للوحتها ، ولا يستهان بالمقابل بنشاطها التوثيقي خاصّة كتابها عن “المرسم الحر” ثم كثافة حضورها في العديد من التظاهرات والجمعيات .
12- بايه محي الدين : عرائس وجنِّيات الثورة الثقافيّة (الجزائر) :
تبدو عوالم هذه الفنّانة أقرب إلي السحر المنبثق عن جنّيات وعرائس ألف ليلة وليلة ، وإذا كانت قد اثبتت تمايزها الاستثنائي في ساحة الفن المعاصر في باريس (في الأربعينات) فذلك أن الكتاب أندربة بروتون الذي نوّن خصوبة عوالمها قد أسرته في لوحاتها شمولية الصورة التي تحمل ثقافه الجزائر إلي الثقافة المستعمرة في باريس ، هي المقاومة التي جابهت عقود من الإجتياح الفرانكوفوين لعروبة الجزائر ، وما أن تبّتت الثورة الجزائرية إستقلالها حتى إعتبرتها رمزاً ثقافياً لها ، لا قتل ملحمة وبطولة عن جملة بوحريد .
تبدو لوحاتها سجلاً حافلاً بالذاكرة السحرية للثقافة المحلية تستخرج كائناتها العضوية من عالم الفرودس والجنان : الطاووس والطيور والأسماك والفراشات وباقات الزهور والثمار العجائبيّة ، تحقل بكل ما تشتهي الأنفس والريحان من الروايات والحكايات المثيرة ، تصورها بخطوط محدّدة سوداء صريحة تحصر ألواناً محايدة وتكوينات متناظره ومتبادلة وفق الإنعكاس في المراة – وهو النظام المستقي من فن “المثبت” أو الرسم علي الزجاج من الخلف .
13- فاطمة حسن ، أناشيد وأعراس لونية مغتبطة (المغرب) :
تخرج فاطمة حسن من تقاليد إزهار الفن الشعبي كتغيير مقاوم للاستعمار ومتصل بتراكمات الصور الشعبية المعنّدة علي الإندثار ، وإذا ما تجاوزنا موضوعات العرس والختان والتجمعات النسائية والإحتفالات الداخلية علي عموميّتها عثرنا علي الحساسية اللونية الهائلة التي تنسّق علي أساسها الدرجات الباردة والحارة ، وحوارهما المتناغم ، فالسطح اللوني يخرج من وظيفته الدلالية ليخضع إلي نواظم وضرورات موسيقية بحته ، فالشعر أحمر لأنه يوازن الأزرق ، تشبه حياكية اللوحة إذن إنشاداً جماعياً من جواهر العقيق والزمرد والنيلة والزعفران والأرجوان والجات وشتي ألوان الشرق وتوابله وسيراميكة وأزيائة وزجاج المعشّق , ترسم فاطمة حسن عناصرها كعرائس أو “موتيفات” مستقلة محززّة بالخطوط السوداء مثلما تفعل باية ولكن ألوانها أشد توهجاً والتهاباً .
14- مريم بورد بالا : البحث عن أصل الكون في الإشارة الرمليّة (تونس) :
تتحرّي هذه الفنانة أشكال الكائنات المجهرية الأولي التي تعيش صيرورة التطوّر “الدراويتي” فتبدو إشارتها التعبيرية ، وكأنها مسوخ حيّة أو وحيدات خلية ، تدعوها مرة بالأشباح وأخري بالملائكة ، تبدو تقنيتها نخبوية وشعبية في ان ، ذلك أنها تعتمد علي مادة المعجون الطيعة ثم تطلقها في مناخ صحرواي ، تخرج حساسيتها المأسوية من المدرسة الشعبية البكر التونسيّة خاصة وأنها تمارس مثلهم التصوير علي الزجاج من الخلف “المثبت” .
لعله من العبث بمكان البحث عن خصائص الأنوثة في اللوحة ، ولكن هذا لم يمنعنا من جمع باقية الفنانات التي مرت معنا ، لقد وحدّها – كما ذكرت وحدة “التيّار التعبيري” بشتّي فروعه ، من التعبيرية التقليدية لدي كل من تحية حليم ورابحه محمود إلي التعبيرية المحدثة لدي حداد وعبد النور وبودربالا ، مرواً المتوسطة بين الحدّين علي غرار الحاج وفخرو ، ثم الأشواق الروحية التي تمثلت في تجربة شادية عالم وبدرجة أبعد لدي فخر النسا ، وإنعراجاً بالتعبيرية (البكر) لدي كل من باية وفاطمة حسن وبقصمي ، ثم التعبيرية الأسطورية لشلبية ورباب النمر ، ولكن ماذا بقي ؟ غابت بعض الأسماء وبعض المحترفات لسبب بسيط العجز عن متابعة تجربة الجميع ميدانياً ، بالأسماء التي وردت أعرف تجاربها عبر سنوات عن قرب ، فالوثائق النقدية والتاريخية الكتابية لا تسمن ولا تغني من جوع ، علي أمل المسامحة لإنزلاق بعض هذه الأسماك فقد تشفع متابعات الأيام المقلبة لسد هذا النقص .
هوامش
HELEN KHAL: “THE WOMAN ART IN LEB ANON” 1987 Edi: INSTTTUE FOR WOMEN’S STUDIES.
WASHINGTON.
NAOMI SHIHAB: “THE SR A CE BETWEEN OUR FOOT STEPS” 1998 LIBRARY OF CONGRESS- NEW YORK.
ASAAD ARABI: “L’AMALGAME ARTBRUT ART POPU- LAIRE” 1990 ANCRAGES- juin poris
نزلي مدكور “المرأة المصرية والإبداع الفني (1989 – دار تضامن المرأة العربية – القاهرة أسعد عرابي : المحترف النسائي والاستلاب ٍ الإبداعي : 1973 – مواقف / عدد خاص / باريس – لندن
مايو 2 2015
أحمد معلا،حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية .. د. أسعد عرابي
أحمد معلا
حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية
———
د. أسعد عرابي (*)
تمثل تجربة أحمد معلا (من مواليد1958م) منعطفاً حاسماً فى تحول تقاليد التعبيرية السورية” المتمايزة من المعاصرة إلى ما بعد الحداثة مباشرة. وبالقدر الذى يمثل فى رقعتها الشطرنجية تمفصلاً عضوياً بالقدر الذى يجعله منفلقا خارج عقائدها وصيفها المؤسلبة ، هى التى تحولت مع الأيام من “إبداعات” الستينات إلى ” اتباعيات ” الثمانينات ومابعدها .
وإذا كان إلتزم بما إلتزمت به ثوابتها “مثل” مركزية الإنسان فى الفراغ المطلق” فإن فنه بعكس “أيديولوجيته” خرق كل ماهو منهى عنه ـ وقد سى، وكل ما يمثل إشارات حمراء فى زنزانة الإلتزام العقائدى.
يملك أحمد معلا قدرة إسفنجية خارقة على إمتصاص كل مايشر به فى يومياته وما يصادفه خلال تجواله فى تاريخ الفن، ثم تدمير ما إجترعه وإعادة إستحواذه. فى هذا الرحيق والنسغ التوليفى الكونى أو الشمولى يبحث عن أبجدية نسبية، ولفة على قياس الكوكب الأرضى شارداً عن أية حدود محدودة، حتى لتبدو اللوحة وكأنها خارطة وطنه الرحمى المشيمى الطوباوى التطهرى التى يخرج بها من آثار العالم وسكونيته وأحماله التراثية والذاكراتية المرهقة .
يمتطى براق التشكيل كل مره دون وسيط ودون إلتزامات سابقة .
لعل هذا مايفسر العنوان المشترك فى أبرز معارضه يدعوها “تجارب” ، يضع البحث القلق الشجاع بديلاً عن الوثوقية الحذره والأسلبة المفتعلة.
تبدو معارضة مثل مناهجه التربوية أشبه بالناقوس الذى يتراوح بنزق “ديوينزوسى” بين الضد وعكسه ، لدرجة يتأرجح فيها متطرفاً خارج مساره، يقفز فى هذا التعارض من الأطروحة إلى عكسها ، تفرخ هذه الصبوات المتناقضة وتتكاثر من ذاتها فتبدو مراوحاتها سمة ديناميكية جعلته الأشد تمايزاً على مستوى سلوك القلم والفرشاة ونحت اللون ، وعلى مستوى المحاكمة التربوية، فقد تخرج من قسم الاتصالات البصرية عام 1981م من كلية فنون دمشق ، ليسافر إلى باريس عام 1987م فيصبح خريجاً للمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية”ومدرساً بالع التأثير ، هو ما أثار حفيظة زملاءه ، فدفعوه إلى الاستقامة ، وخسرت كلية الفنون أشد مدرسيها حيوية ومستقبلية فى قسم الإتصالات البصرية . ولكن “رب ضارة نافعة ” فقد عاد إلى الحياة بعروفها وأخطارها وتناقضاتها فى دمشق ، يجترع حيوية قلقة، نخذت أعماله وشخصيته بالسمة الوجودية الأصيلة هى التى كان رائدها المعلم فاتح المدرس .
شكلت تجربته الوجودية ، إذن على أصالتها نوعاً من المماحكة والإشكالية المزمنة التى ترفض قوالب الزمن خارج اللحظة المعاشة يقتطع فى كل شريحة “حياتيةـ إبداعية” الزمن النسبى.
متخلياً عن بعده الذاكرايى والتراثى الأطلالى ، يعيش راهنيته فى عمقها العمودى المنسلخ عن سيرة الأشياء ، بل إن ما يجمعه مع فاتح المدرس هو الاعتماد على النسيان أكثر من التذكر يصفق معلاً أجنحته وفراشيه باحثاً فى طيرانه العبثى عن مواطن تشكيلية تعددية توليفية مثيرة لم يسبقه إليها أحد ، لذلك فهو محدث فى ريادته ، ورؤيوى فى تطرفه العبثى المراهق ،مدمراً الحدود بين أنواع الفنون (كما هى توجهاته الدراسية والتعليمية ) ، فهو مصمم كرافيكى ومصور فى آن ـ هو مصور يقتصر على بعدين ومصور ينحت السطح بكتل العجائن ، ثم هو مصمم مسرحى وسينمائى متفرد ، وهو ما أعطى لأعماله صفة المشهدية الإعلامية أى بمصطلح ما بعد الحداثة:
“البرفورمانس” ، فالأداء الكرافيكى والإعلامى، جزء من إحتفاءاته المثيرة وهنا نقع على أهمية دوره.
يعتبر أحمد معلاً من أبرز فنانى ما بعد الحداثة فى التعبيرية السورية ، فهو أول من أدخل صيفة ” المشهدية ” (البرفورمانس) فى العمل الفنى، وذلك من خلال مرثيته إلى الأديب الراحل سعد الله ونوس ، ويعتبر هذا المعرض الذى أقيم عامر 1979م ، فى “صالة أتاسى ” إنعطافاً مفصلياً فى حداثة المحترف، معتمداً على توليفات من أنواع التعبير البصرى الحر، مستقى من الحساسية الإعلامية والمسرحية واضاءتهما السينوغرافية ، يعتبر بنفس الوقت من الذين إلتزمت موهبتهم بفضيلة الرسم (التى حفظتها أمانة المعلم نذير نبعه واستاذه إحسان عينتابى) .
ناهيك عن وعيه النقدى والنصى الاستثنائى , مما يكشف فضوليته الثقافية والمعرفية التى تقطف من كل بستان زهرة دون تفريق بين أنواع الفنون والآداب ،بين تراث اللغة العربية أو الفرنسية .
هيأ معلا فى تسارعة الحداثى الشاب وصلابته الثقافية لتجواله بحرية لايعقلها قيد فى تاريخ الفن المحلى والعالمى معيداً إستحواذ قطافة من جديد بعد تدمير معطياته ، مهياً للجيل التالى فرصة إقتحام جدار العقل إلى مساحة الحعذيان .
والتطرف المقدام ، هو الجيل الذى تحضرنى من إضاءات مواهبه على اختلافهم بحته: فادى يازجى وسارة شمه وآخرين .
لابحكم معلاً العالم ضمن فلسفة مسبقة تثاقفية مسبقة ،بل أنه لاينحث عن عناصر الإنسجام والتناغم (مثل هارمونى الألوان) وإنما على القوى المتناحرة الإفتجائية والمتعارضة فى الفعل ” السلوك المخبرى ” وفى الفكر الاختباء النظر فهو يفضل مشهد حجم البراكين فى لحظة إنطفاء شعلتها فى باطن الأوقيانوس عن المنظر الحاكم المستكين ، لعله بهذه الكونية/ الشمولية يجتمع من جديد من نذير نبعه وإحسان عينتابى، دون أن يفقد حقه فى التدمير.
الإنتحارى فى الأشكال ،يعبر هنا من بعض إستثمارات فاتح المدرس الأسطورية الوجودية ، وبعبور أسرع من مقصوصات ” مسرح الظل ” وحشوده الساخرة التى ظلت شاغلى التعبيرىحتى. اليوم هو بانوراما وسجل حافل بالكثير ولكن تفرد خصائصه تكاد تتفوق على مصادرة يستخدم كل ما يراه ويعرفه ويعيشه ضمن رقعة شطرنجة الوجودية ، وكأنه يعيد صناعة ملصقات (كولاج) من هذه المصادر المتباعة . ومايهمه فيها هو تباعدها، تناقضها، تناصرها الثنوى ، لعلها الفلسفة البديلة التى تتطابق مع أخلاقية اللوحة وليس الأكاديمية أو المجتمع ، هو ما يفسر خروجه المحبب عن كل ما هو بروقراطى مؤسساتى وهمائى .
فإذا خرج من عصيان الرأى الجماهيرى فهو يعيد حشودهم فى تكويناته الملحمية ، وينوع من إدانة أمعيتهم ووحدة لباسهم مثل إدانة يونسكو لمجتمع وحيدى القرن وإدانة توفيق الحكيم ” لنهر الجنون ” وقهقهة زكريا تامر من الطوابير العقائدية ، تبدو شخوصه المجهرية عائمة مقصوصة بالأسود ومعلقة بخيطان توتاليتارية غير منظورة . تعانى حشودها من نفس النواظم الثنوية تتداخل خرائط الأبيض بالأسود – ضمن إيلاج وهمي بصري كرافيكي يحيلنا ممن جديد إلي خبرته التصميمة الطباعيمة .
استطاع بالنتيجة أن يؤسس عقيدة تشكيلية تعكس تناقضات مرحلة جيله ، وزلزلة أرض قناعتها بشتي أنماط التعسف الثقافي ، يصور ما شاءت له عفويته ، وما يحيله عليه حدسه من هنديسيات متوحدة ، ، وذلك باعتماده الطوعي علي تدمير الثابت ومحاولة إقتناص المتحول والصبر ورائي ، بنوع من التداعي القلق والرفيق الشبحي في المادة .
عوالم طباعية عملاقة تقابل الخصوبات الصباغية المتخمة بالعجائن القزحية والمجهرية لأنها لا تتعدي في قزميتها عدة سنتيمترات يصور بعجائن صاخبة غائرة – نافرة ( مثل بداية تشكل الكون ) معجونة بلدائن الأصبغة ” الأكريليكية ” .
بسطوح مقصوصة كما هي مقصات هنري ماتيس الورقية ، يتطرف في الأولي بخروجه عن السطح ثلاثية أبعاده التحتية ويتطرف إلي الثانية باستخدامه السطح المقصوص الفاقد للظل والحجم والمنظور يستخدم تارة راحة يده وأظافره في التعبير وقد نعثر في نفس اللوحة علي بصمات مهندسة للبيكار والمسطرة والفرجار .
فهو متوحش ( بكر ) ونخبوي (ثقافي) في آن واحد ، متطرف في شتي الاتجاهات تنتظم تكويناته الطقوسية الاحتفائية الملحمية وكأنها قيامه ” كافكاوية” وفق نسق حلزوني عام ، يعيد إلي الفراغ مواصفات إرتباطه الفلكي بالكون وبألفية السماوية . ويفريسكات القبب الداخلية في عصر مديتشي ، ونعثر ضمن هذه المنحنيات علي أنظمة بنائية متعامدة تقف في وجه رومانسية أو أرابسك الغشتالت العام . تقع نسبية تصويره في إمتداد لوحته علي قياس البيئة أو إختزالها إلي ورقة مجهرية ، أشبه بالتحول من منظار (التلسكوب) إلي المجهر المكبر (الميكروسكوب) ، يعكس ذلك التحول السيميائي الفلسفي من الماكروكوزم ( العالم الكبيري ) إلي الميكروكوزم ( العالم الصفيري) وحسي ، عملاق وقزم ، هو النسق المتعامد مع المكور . هو الأسود والأبيض ، الشر والخير عندما يولج أحدهما في الآخر ، يسافر ما بين المقدسي والوثني، ما بين العاري والمتستر المفضوح والمقنع ، عبثي ذاتي وجماهيري ملتزم ، لا يمكن الإحاطة بخصائص معلاً إلا إذا قبلنا بهذا التشرزم في مواقع تعبيرية متباعدة من الكرافيك إلي الجداريات ومن اللوحة المجهرية إلي ” البرفورمانس ” والإنشاء الذي يلف صالة العرض ، فيعانق المشاهد بدلاً من أن يراقبه عن كثب .
لعله أشبه بالنحلة التي لا تلقح وتخصب إلا مرة واحدة قبل أن تموت .
بواسطة admin • 07-فنون • 0 • الوسوم : أحمد معلا, أسعد عرابى, العدد السادس عشر