أ.د حامد طاهر، بين فلسفة الأدب وتأديب الفلسفة .. حوار د. مراد عبدالرحمن مبروك

الأستاذ الدكتور / حامد طاهر

بين فلسفة الأدب وتأديب الفلسفة

——

حوار أجراه د. مراد عبدالرحمن مبروك

يعد الأستاذ الدكتور حامد طاهر واحداً من المفكرين والكتاب والمبدعين المعنيين بقضايا الفكر الإنساني علي المستويين الفلسفي والإبداعي ، فقد ظل وما يزال مشغولاً بقضايا الإنسان المعاصر في دراساته الفلسفية والإبداعية ، ومنها :

–      ديوان حامد طاهر سنة 1985م .

–      قصائد عصرية سنة 1989 م .

–      التباهي سنة 1991 م .

–      عاشق القاهرة سنة 1992م .

–      الطواجين سنة 1999م .

–      نبش الذاكرة سنة 2000م .

كما صدر له العديد من الترجمات الروسية والفرنسية لبعض الإبداعات القصصية العالمية فضلاً عن دراساته الجادة في حقل الفلسفة والثقافة الإسلامية والفكر الإنساني والعالمي .

وكان لنا شرف اللقاء به عندما ألقي محاضرة بجامعة قطر حول الفكر الإسلامي بين الواقع والتحديات في 22 ديسمبر 2002م .

وفي البداية طرحنا عليه بعض التساؤلات الفكرية والإبداعية ومنها :

  • إن اعلاقة بين الفلسفة والأدب علاقة قديمة منذ أرسطو وما قبل ذلك .. كيف ترون هذه العلاقة في الواقع المعاصر لاسيما الواقع العربي في العقود الأخيرة ؟ ولماذا افتقر فكرنا العربي حديثاً إلي الفكر الفلسفي المؤثر ؟
  • إن العلاقة بين الفلسفة والأدب تكاد تكون عضوية فلا يوجد عمل أدبي علي المستوي العالمي إلا ويحمل فكرة فلسفية لكن هذه القاعدة غير معروفة في العالم العربي بصورة كافية والدليل علي ذلك أن السؤال ما يزال يطرح عن هذه

————-

(*) أستاذ جامعي بكلية الإنسانيات جامعة قطر ، المشرف العام علي الصالون الثقافي بنادي الجسرة ومدير تحرير الجسرة الثقافية .

العلاقة بين الأمرين وكأنهما متناقضان ، مع أنهما في الواقع علي صلة وثيقة ، ونشرت في هذا الصدد بحثاً عن المنهج الفسلفي في دراسة الأعمال الأدبية وطبق علي رواية العجوز والبحر للكاتب أرنست هيمنجواي ، ومنها اتضح لنا أن الرواية ذات المستوي الأدبي الرفيع تقوم علي فكرة فلسفية ، أما عن افتقار الفكر العربي الحديث إلي الفكر الفلسفي المؤثر فالملاحظ أنه ليست ظاهرة جديدة لأنه يمتد قروناً طويلة في تاريخ أدبنا العربي ، لاسيما العصور التي وصفناها بأنها عصور انحطاط في الأدب العربي وقد تميزت بخلوها من الجانب الفكري واقتصرت علي الزخرفة اللغوية إلي حد أنها لا تساوي شيئاً في ميزان الأدب العالمي .

كيف ترون مستقبل الفكر الإسلامي في ظل العولمة ؟

–   مستقبل الفكر الإسلامي في ظل العولمة ، أري أنه ليس مفاجئاً لأن العولمة فاجأت الذين لم يتابعوا المشهد العالمي خلال القرن العشرين فقد برزت مظاهرها ( عسكرياً ) في الحربين العالميتين ثم دولياً في عصبة الأمم المتحدة ثم ( اقتصادياً) في الشركات متعددة الجنسيات وأخيراً المتعددة القارات ( وثقافياً ) في منظمة اليونسكو ، وهذا يعني أن دول العالم تسير في اتجاه التجمعات الكبري وليس في طريق الإنعزالية ، لكن المسألة بدأت تتفاقم وتدخل في الحياة اليومية عندما بدأت ثورة المعلومات والاتصالات ، فأصبحنا ( إعلامياً ) نتواصل مع أي بلد في العالم في نفس اللحظة ودون حواجز أو قيود ، إذن ما نشاهده الآن هو نتاج ما حدث في القرن العشرين والذين يتصورون أن العولمة ستقضي علي الهوية الثقافية مخطئون وخائفون لأنها ليست إلا إطاراً ( لتجميع المختلفين ) وليست لصهرهم في بوتقة واحدة ، وقد سبق أن حاولت الشيوعية كإيديولوجية عالمية أن تصب الدول المختلفة في بوتقة واحدة لكنها فشلت وهذا سيكون نفس مصير العولمة إذا اتجهت لنفس الهدف .

–   ولكن هناك من يري أن الشيوعية كان يقابلها الرأسمالية ولذلك لم تنجح في صهر العالم لانقسامه إلي قسمين ، أما الآن فلا يوج دإلا قطب واحد فما رأيكم؟

–   دليلي في ذلك هو الدول التي خضعت للاتحاد السوفيتي نفسه ، والتي كانت يطبق عليها أقسي أنواع الإجراءات لتحويلها عن هويتها الثقافية ومع ذلك وبعد سبعين عاماً خرجت هذه الجمهوريات أكثر ما تكون تمسكاً بذاتيتها . وأتنبأ بالفشل لمستقبل العولمة ، وقد بدأت مظاهر هذا الفشل تتداعي منذ أحداث سبتمبر 2001 .

–   ولكن وبحكم اهتمامكم بالفكر الإسلامي ما هي أسباب ضعف العالم الإسلامي وكيفية الخلاص والمعالجة لهذا الواقع ؟

–   أسباب ضعف العالم الإسلامي تناولتها المسلمين ورصدت فيه الأسباب التي توصل إليها زعماء الإصلاح أنفسهم في العالم الإسلامي بداية من الحركات الدينية ومروراً بالحركات السياسية وانتهاءً بالحركات الرجعية وكلها تؤكد أن أهم هذه الأسباب هو غياب الفهم الصحيح والمتكامل للإسلام وبالتالي عدم تطبيقه بصورة تؤدي إلي نتائجها الطبيعية .

وهناك سبب آخر يتمثل في اعتبار الكثيرين إن الحضارة الغربية مختلفة تماماً عن الحضارة الإسلامية مع أن كلاً منهما تعتبر حلقة في سلسلة الحضارة العالمية ، فالحضارة الغربية أخذت الكثير من الحضارة الإسلامية ، ما الذي أخذته ؟ ومتي ؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج لإجابات محددة لمن يريد أن يعرف  .

ويتمثل الخلاص والمعالجة لهذا الواقع في الآتي :

–      إشاعة المفهوم المتكامل للإسلام والعمل علي تطبيقه بصدق ووعي .

–      ضرورة التعايش مع الحضارة الحديثة والاستفادة المثلي من منجزاتها الإيجابية

–   ضرورة تجاوز حاجز العلم والتكنولوجيا الذي ما زال المسلمون متخلفين فيه إلي حدج كبير . وعدم المكابرة في الاعتراف بالتخلف .

  • ولكن ما رأيكم في قول بعض المسئولين الغربيين بأن الحضارة الإسلامية لم تفد البشرية بشئ وأن المسلمين مجموعة من المتخلفين .

–   أعارض هذا القول تماماً لأن ما تنعم به الحضارة العربية الآن هو نتاج طبيعي وتاريخي للحضارة الإسلامية ، وتأكيداً لذلك نجد مئات العناصر الإسلامية التي ساعدت في نهضة الحضارة الغربية الحديثة ، ويكفي أن نشير إلي الكوميديا الآلهية التي كتبها الشاعر الإيطالي دانتي وتأثرها إلي حد كبير بعناصر إسلامية خالصة . إذن قضية تأثر الحضارة الغربية الحديثة بالحضارة الإسلامية تحتاج إلي ضوء كبير يلقي عليها وهي ضائعة الآن بين أهمال المسلمين لها وعدم اعتراف الغربيين بها .

والثقافة الغربية بها تناقضات كبيرة وثقوب واسعة لا يدركها إلا من عايشها من الداخل ، وأنا شهصياً لدي الكثير من المؤلفات التي كتبها مفكطرون غربيون ينتقدون الحضارة الغربية ويكشفون عما بها من نقائض بل ويتنبأون أحياناً بانهيارها .

  • يري الدكتور جمال حمدان أن هناك أربعة مقومات يستخدمها الاستعمال للسيطرة علي العالم الإسلامي وهي قضية الحدود والاختلافات المذهبية والأقليات في العالم الإسلامي والعرقيات القومية إلي أي مدي تصدق هذه الرؤية من وجهة نظركم ؟

–   هذه المقولة صحيحة إلي حد كبير وهي تأتي في إطار إستراتيجية طويلة الأمد وواسعة المدي يؤمن بها الغرب في أعماقه وتنفذها بذكاء شديد دولة المتعاقبة وتتلخص في ضرورة أن يظل المسلمون وفي مقدمتهم العرب في وضع أقل من أوروبا والغرب عموماً سواء علي المستوي العسكري أو الاقتصادي ، وبذلك أصبحت أميل إلي الاقتناع بنظرية المؤامرة .

  • إذا انتقلنا إلي قضية أخري في نفس الإطار وهي دور المثقفين العرب تجاه الحضارة الإسلامية وهل يفلح تشكيل المنتديات العربية الرأسمالية في إصلاح صورة العربي في وعي الغرب .

–   في هذه المرحلة الحرجة ينبغي أن يشكل المثقفون العرب فريقين الأول : يستوعب قضايا وطنه من خلال رؤية ثقافية متكاملة والثاني متخصص في متابعة وتحليل ونقد ما يظهر في الغرب بلغات متعددة ، ثم يأتي بعد ذلك دور المؤسسات والمنتديات الثقافية وكلاهما ضروري وحيوي فنحن في حاجة لدور محلي وآخر عالمي يتوازيان ويتبادلان مواجهة التحديات المعاصرة .

  • ولكن هل المستوي الثقافي الراهن علي مستوي الإحداث العصرية الجارية ؟

–   مع الأسف العرب في عمومهم ليسوا علي المستوي المطلوب ولكن هناك بعض الأشخاص الجادين والمتميزين ويمكن الاعتماد عليهم .

  • هناك من يري أن المأزق الحقيقي الذي تعيشه البلاد العربية سبب غياب الديمقراطية ، ما مدي صحة هذه المقولة ؟

–   علينا أن نعترف بأن الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاته وإنما هي أسلوب لتنظيم الحياة السياسية ومن المؤكد أن الديمقراطية تصلح للكثير من البلاد العربية ، ولكنها لا تصلح لها كلها ، وقد يصدم هذا الرأي بعض الناس ، لكنني ممن يعتقد أن كل مجتمع له خصائصه وثقافته ،وأن بعض هذه الشعوب العربية لا تتقبل النظام الديمقراطي في صورته الغربية تماماً ، فمثلاً النظام العشائري لا يتيح الفرصة للممارسة الصحيحة والكاملة للديمقراطية بحكم التركيبة الاجتماعية والانتماء الخاص للعشيرة الذي يتغلب علي الانفتاح والمشاركة مع الآخرين .

  • لكم مقال يومي بجريدة الجمهورية المصرية يتناول بعض القضايا العصرية فإلي أي مدي يسهم إعلامنا العربي في تنمية الوعي وتغيير الصورة العربية المشوهة وهي الآخر الغربي .

–   في الماضي لم أكن أحب الإعلام وكنت زاهداً فيه لكنني بعد ذلك أدركت دوره الكبير في تطوير الوعي الثقافي وتوجيه الرأي العام وهذا ما جعلني أقبل كتابة عمود يومي ومعروف أنه عمل شاق خاصة في ظل مسئولياتي الأكاديمية والجامعية لكنني أري أن أستاذ الجامعة في الدول النامية ينبغي أن يخصص جزءاً من عطائه خارج أسوار الجامعة ويهتم بقضايا مجتمعه ويسعي لتقديم رؤية لحلها .

  • إذا انتقلنا إلي مسيرتكم الإبداعية تري كيف تزامن في وعيكم إبداعان أحدهما عقلي والآخر شعوري أعني الفلسفة والشعر في وقن واحد .

–   أؤكد له أنه لا يوجد إبداع أدبي بدون فكر يستند إليه وأن من يمارس الأدب بدون فكر لن يخرج عن كونه إنساناً ثرثاراً مزخرفاً ومتلاعباً بالألفاظ .

  • من خلال موقعكم في الساحة الفكرية والإبداعية هل ترون أن الإبداع الأدبي المعاصر لاسيما الشعر يعبر عن قضايا العصر الراهن بمشكلاته خاصة التشكيلات الشعرية الجديدة أم أنها مجرد تهويمات نصية تجريبية منفصلة عن قضايا الواقع المعيش .

– بالطبع المشهد الشعري مؤسف للغاية فبعد جيل رواد الشعر الحر الذين طوروا شكل القصيدة العربية وزودوها بمضامين حديثة جاء جيل آخر لم يمارس تراثه وأصبح من السهل أن نقرأ شعراً بالأخطاء اللغوية والنحوية إلي جانب افتقاده إلي الفكرة والهدف .