إنه النَفَسُ الذي التقطناه عندما تقابلنا للمرة الأولى
أنصتي .. إنه هنا ..
الرجل الآخر
إنه الرجل الآخر الذي يحتضر
يتقلب في قبره
مات .. لكن رُوحه هائمة
قيمته محفورة على ساعده
يقسم أنه مقدس
وهو يفر من حياته
لكنه يعترف أنه أنفق الأموال
في المعركة التي أخافت المممولين
أثناء خروج نَفَسه الأخير المميت
أن نلصقه بوطن
حيث تؤكد البنات والصبية
أن الميت قد بعث من جديد
لكن كان لذلك حَدٌّ
للمراوغين والمتذبذبين
للمسعورين والمتطاحنين
الذين يتحركون ببطء والمجروحين
الذين امتصوا الزبد
إنه الرجل الآخر هو الذي يحتضر
إنه يموت من الحب كمدا
حب قضى على أنفاسه
ويحرقه في قبره
النشرة الجوية
سيكون اليوم ملبدا بالغيوم
سيكون باردا إلى حد ما
لكن بينما يمر اليوم
ستشرق الشمس
وسيكون المساء جافا ودافئا
فى الليل سيلقى القمر بأشعته
وسيكون ساطعا تماما
ستكون كذلك – كما ذُكر –
ريح نشطة
لكنها ستخبو في منتصف الليل
لا شيء سيحدث بعد ذلك
قدمنا لكم النشرة الجوية الأخيرة
(*) هارولد بنتر ( 1930-2008 ) : شاعر وكاتب مسرحي إنجليزي ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2005 ، ولد في حي هاكني بشرق لندن، ويرجع أصل والديه إلى يهود البرتغال. كان بنتر وحيد أبويه والتحق بمدرسة هاكني الابتدائية وفيها قام بدور ماكبث، ثم بدور روميو في مسرحيتي ويليام شكسبير (ماكبث) و (روميو وجوليت) على التوالي. أما أول مرة يذهب فيها بنتر إلى المسرح فقد كانت لمشاهدة الممثل الإنجليزي دونالد وولفت يؤدي دورًا في إحدى مسرحيات شكسبير، وبعدها ذهب إلى المسرح ست مرات لمشاهدة نفس الممثل، ووصل الأمر إلى أن مثل بنتر دورا ثانويا مع وولفت في مسرحية بعنوان (أحد فرسان الملك).
فى وقت متأخر أعيد اكتشاف قصائد لبنتر بالصدفة وهي عبارة عن عشر قصائد مبكرة وتم نشرهم في عام 1992 ، وعندما نشرت تلك القصائد ألقت بالضوء على تلك الفترة التي كتبها فيها وهي المرحلة التي سبقت كتابته للمسرح ومن تلك القصائد قصيدة “عام جديد وسط البلاد ” وقصيدة ” الثريات والظلال ” وقد نشر تلك القصائد في مجلات أدبية .
كانت تجربته الشعرية ثرية جدا وقد التقت بتجربته المسرحية فزادتها ثراء ، فنجد قدرته اللغوية على توظيف أفكاره وإلقاء الضوء على بعض القضايا الفكرية والسياسية التي ينتهجها ، ثم نكتشف أن تجربته المسرحية تلقي بظلالها على شعره وكما أن المسرح يبرز تجارب بنتر الحياتية فشعره أيضا يعكس تجاربه في الطفولة ، وفي المرض ومواقفه السياسية تجاه القمع والحروب التي تشنها بعض الدول الإمبريالية. برز اهتمام هارولد بنتر بالمسرح بعد أن تجاوز عمره عشرين عامًا. في عام 1948م وبناءً على توصية من المخرج الإذاعي والمسرحي ر. د. سميث تقدم بنتر بطلب معونة مالية من أجل دراسة التمثيل في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، وقد حصل على المعونة ودرس في الأكاديمية لمدة فصلين دراسيين تقريبا لكنه لم يكمل تلك الفترة المقررة له ، ثم رفض التحاقه بالجيش والخدمة في صفوفه فقدم للمحاكمة كمعارض للخدمة العسكرية، وكانت معارضته لأسباب إنسانية، وللتعبير عن رفضه المطلق لفكرة الحروب واللجوء للسلاح وقد برز ذلك الاتجاه في بعض قصائده وخطبه التي كان يلقيها سواء الأدبية أو السياسية .
إذا ألقينا نظرة إلى مسرحيات هارولد بنتر سوف نرى من بين أمورأخرى، مدى ثورة هذا الأديب على مناخ الواقعية أوالطبيعة في المسرح الحديث، خاصة وأن الواقعية سمة غلبت على الدراما الأوروبية بشكل عام وعلى الدراما الإنجليزية كجزء لا يتجزأ منها. إنها تلك الواقعية التي ازدهرت مع بدايات القرن العشرين، والتي تمثلت في أعمال الأديب النرويجي هنريك أبسن وهو رائد مسرحي متميز وصاحب المدرسة الواقعية ، ثم السويدي أوجست ستريندبيرج ، والذي انتقل من المدرسة التعبيرية إلى المدرسة الواقعية فأبدع فيها وأغنى عشاقها بمسرحياته، ثم الأيرلندي جورج برنارد شو! وسنجد العبث في مسرحياته الذي لا يجد في الواقعية حلا لمشكلات المجتمع العبثية .
في الفترة الأخيرة من حياته أعلن توقفه نهائيًّا عن الكتابة المسرحية وتحوله إلى الكتابة في موضوعات الثقافة والسياسة وقد أبدى اهتمامًا عميقًا بموضوع الشرق الأوسط في الختام أنه في مارس 2005 أعلن هارولد بنتر أحد أهم رواد العبث وانحاز معارضًا للسياسات الأمريكية والإسرائيلية ولفكرة العولمة عمومًا، وقف بوضوح الرأي ضد الحرب الأمريكية البريطانية على العراق؛ وهو بموقفه الفكري الثقافي الجديد نسبيًّا وبإعلانه التوقف عن الكتابة المسرحية يكون هارولد
بنتر قد أسدل الستار على ظاهرة مسرح العبث التي دامت لأكثر من نصف قرن من الزمن. حصل بنتر على العديد من الجوائز منها جائزة ولفرد أون للشعر عام 2004 ، ثم حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2005. من دواوينه ( قصائد ) 1971 ، (أعرف المكان ) 1977 ، (مختارات شعرية ونثرية) 1978 ، (عشر قصائد مبكرة ) 1990 ، ( مختارات شعرية ونثرية ) 1995 ، ( المختفي .. وقصائد أخرى) .
مايو 21 2014
قصائد مختارة للشاعر الإنجليزي المعاصر هارولد بنتر …… عبد السلام إبراهيم
قصائد مختارة
للشاعر الإنجليزي المعاصر هارولد بنتر(*)
ترجمة وتقديم
عبد السلام إبراهيم
الأيام الخوالي
حسنا ، لم تكن هناك مشكلة
كل الديمقراطيات
( كل الديمقراطيات )
كانت خلفنا
لذا اضطررنا أن نقتل بعض البشر
ثم ماذا ؟
قُتل اليساريون
ذلك ما اعتدنا أن نقوله
عودة للأيام الخوالي :
ابنتك يسارية
سأدك بعمود الاقتحام هذا
بكل السبل عاليا وعاليا
مباشرة وبكل السبل عاليا
بكل السبل خلال جسدها اليساري الحقير
وهكذا أوقفت اليساريين
ربما كانوا في الأيام الخوالي
لكنني سأقول لك بأنها كانت نعم الأيام الخوالي .
على أي حال .. كل الديمقراطيات
( كل الديمقراطيات )
كانت خلفنا
قالوا : لا تخبروا
( لا تخبروا .. وحسب )
لا تخبروا أحدا بأننا خلفكم
المساء
فلت الصيف من قبضتهم
بعد الحمى الأولى التي أصابتهم
يوميا من طهو الطعام
أحضروا الرجال
ووضعوا خنزيرا خشبيا
في الجرح الذي تسببوا فيه
وتركوا جراحة الجلد
للحلاقين والطلاب
البعض نقب عن ضياعهم
في صندوق تاجر الحديد
ونفذ صبرهم وهم يسترجعون
– قبل أن تبدأ الرحلة –
مقالاتهم عن الإيمان
دس البعض أنوفهم في القذارة
أصموا آذانهم من الحرارة
والرجال قابعون في الحفرة المطاطية
التي بعثرت أشلاء الماعز
لدهشتهم وريبتهم
أعطوا رجلا ضريرا
كلبا مجنونا ليشم
كلبة أكلت الغنيمة
الكلب ظهر عاريا في أفكاره
أصبح كلبا شرسا بالليل
حارسه هو اللص الذي سرق دمه
فـي قصر الإمبراطور فـي الفجر
طبيب القرن الثامن عشر
يكمم أنفه المكسور
المجنون وكيميائي القرون الوسطى يناشدان
السماء الصارخة
اللون الأزرق يغري العين
الدمى المتحركة الخجولة تستقيم
الآن مثل الحلزونات
اختصاصي آخر يتعثر في الرمل
لكن لا يزال حلزون الحب
يلقي بشمسه فوق أسطح السفن
في شهر مارس
الفقاعات تغطي الضفادع
في أكياس شفافة
في نوفمبر الأعياد
في الكابوس تتحول أفخاذ العاشق لمخالب
الأعين تقضم سياج المعطف
الصخر ساكن – الوقت سراب
دُفن العالم
في القرية اليابانية المنصهرة
الجرس الخشبي يدق في المعبد
حيث يتبعثر الأرز والمانجو
كل الأزهار في بداية عمرها
والآن نسمع ألم الصمت
إنه هنا
ما هذا الصوت الذي سمعناه ؟
دخلت إلى الغرفة المهتزة ؟
ما هذا الصوت الذي دخل في الظلام ؟
ما متاهة الضوء الذي سافرنا فيه ؟
ما هذا الموقف الذي نتخذه
أن نهم بالخروج ثم نعود ؟
ماذا سمعنا ؟
إنه النَفَسُ الذي التقطناه عندما تقابلنا للمرة الأولى
أنصتي .. إنه هنا ..
الرجل الآخر
إنه الرجل الآخر الذي يحتضر
يتقلب في قبره
مات .. لكن رُوحه هائمة
قيمته محفورة على ساعده
يقسم أنه مقدس
وهو يفر من حياته
لكنه يعترف أنه أنفق الأموال
في المعركة التي أخافت المممولين
أثناء خروج نَفَسه الأخير المميت
أن نلصقه بوطن
حيث تؤكد البنات والصبية
أن الميت قد بعث من جديد
لكن كان لذلك حَدٌّ
للمراوغين والمتذبذبين
للمسعورين والمتطاحنين
الذين يتحركون ببطء والمجروحين
الذين امتصوا الزبد
إنه الرجل الآخر هو الذي يحتضر
إنه يموت من الحب كمدا
حب قضى على أنفاسه
ويحرقه في قبره
النشرة الجوية
سيكون اليوم ملبدا بالغيوم
سيكون باردا إلى حد ما
لكن بينما يمر اليوم
ستشرق الشمس
وسيكون المساء جافا ودافئا
فى الليل سيلقى القمر بأشعته
وسيكون ساطعا تماما
ستكون كذلك – كما ذُكر –
ريح نشطة
لكنها ستخبو في منتصف الليل
لا شيء سيحدث بعد ذلك
قدمنا لكم النشرة الجوية الأخيرة
(*) هارولد بنتر ( 1930-2008 ) : شاعر وكاتب مسرحي إنجليزي ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2005 ، ولد في حي هاكني بشرق لندن، ويرجع أصل والديه إلى يهود البرتغال. كان بنتر وحيد أبويه والتحق بمدرسة هاكني الابتدائية وفيها قام بدور ماكبث، ثم بدور روميو في مسرحيتي ويليام شكسبير (ماكبث) و (روميو وجوليت) على التوالي. أما أول مرة يذهب فيها بنتر إلى المسرح فقد كانت لمشاهدة الممثل الإنجليزي دونالد وولفت يؤدي دورًا في إحدى مسرحيات شكسبير، وبعدها ذهب إلى المسرح ست مرات لمشاهدة نفس الممثل، ووصل الأمر إلى أن مثل بنتر دورا ثانويا مع وولفت في مسرحية بعنوان (أحد فرسان الملك).
فى وقت متأخر أعيد اكتشاف قصائد لبنتر بالصدفة وهي عبارة عن عشر قصائد مبكرة وتم نشرهم في عام 1992 ، وعندما نشرت تلك القصائد ألقت بالضوء على تلك الفترة التي كتبها فيها وهي المرحلة التي سبقت كتابته للمسرح ومن تلك القصائد قصيدة “عام جديد وسط البلاد ” وقصيدة ” الثريات والظلال ” وقد نشر تلك القصائد في مجلات أدبية .
كانت تجربته الشعرية ثرية جدا وقد التقت بتجربته المسرحية فزادتها ثراء ، فنجد قدرته اللغوية على توظيف أفكاره وإلقاء الضوء على بعض القضايا الفكرية والسياسية التي ينتهجها ، ثم نكتشف أن تجربته المسرحية تلقي بظلالها على شعره وكما أن المسرح يبرز تجارب بنتر الحياتية فشعره أيضا يعكس تجاربه في الطفولة ، وفي المرض ومواقفه السياسية تجاه القمع والحروب التي تشنها بعض الدول الإمبريالية. برز اهتمام هارولد بنتر بالمسرح بعد أن تجاوز عمره عشرين عامًا. في عام 1948م وبناءً على توصية من المخرج الإذاعي والمسرحي ر. د. سميث تقدم بنتر بطلب معونة مالية من أجل دراسة التمثيل في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، وقد حصل على المعونة ودرس في الأكاديمية لمدة فصلين دراسيين تقريبا لكنه لم يكمل تلك الفترة المقررة له ، ثم رفض التحاقه بالجيش والخدمة في صفوفه فقدم للمحاكمة كمعارض للخدمة العسكرية، وكانت معارضته لأسباب إنسانية، وللتعبير عن رفضه المطلق لفكرة الحروب واللجوء للسلاح وقد برز ذلك الاتجاه في بعض قصائده وخطبه التي كان يلقيها سواء الأدبية أو السياسية .
إذا ألقينا نظرة إلى مسرحيات هارولد بنتر سوف نرى من بين أمورأخرى، مدى ثورة هذا الأديب على مناخ الواقعية أوالطبيعة في المسرح الحديث، خاصة وأن الواقعية سمة غلبت على الدراما الأوروبية بشكل عام وعلى الدراما الإنجليزية كجزء لا يتجزأ منها. إنها تلك الواقعية التي ازدهرت مع بدايات القرن العشرين، والتي تمثلت في أعمال الأديب النرويجي هنريك أبسن وهو رائد مسرحي متميز وصاحب المدرسة الواقعية ، ثم السويدي أوجست ستريندبيرج ، والذي انتقل من المدرسة التعبيرية إلى المدرسة الواقعية فأبدع فيها وأغنى عشاقها بمسرحياته، ثم الأيرلندي جورج برنارد شو! وسنجد العبث في مسرحياته الذي لا يجد في الواقعية حلا لمشكلات المجتمع العبثية .
في الفترة الأخيرة من حياته أعلن توقفه نهائيًّا عن الكتابة المسرحية وتحوله إلى الكتابة في موضوعات الثقافة والسياسة وقد أبدى اهتمامًا عميقًا بموضوع الشرق الأوسط في الختام أنه في مارس 2005 أعلن هارولد بنتر أحد أهم رواد العبث وانحاز معارضًا للسياسات الأمريكية والإسرائيلية ولفكرة العولمة عمومًا، وقف بوضوح الرأي ضد الحرب الأمريكية البريطانية على العراق؛ وهو بموقفه الفكري الثقافي الجديد نسبيًّا وبإعلانه التوقف عن الكتابة المسرحية يكون هارولد
بنتر قد أسدل الستار على ظاهرة مسرح العبث التي دامت لأكثر من نصف قرن من الزمن. حصل بنتر على العديد من الجوائز منها جائزة ولفرد أون للشعر عام 2004 ، ثم حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2005. من دواوينه ( قصائد ) 1971 ، (أعرف المكان ) 1977 ، (مختارات شعرية ونثرية) 1978 ، (عشر قصائد مبكرة ) 1990 ، ( مختارات شعرية ونثرية ) 1995 ، ( المختفي .. وقصائد أخرى) .
ترجمة وتقديم: عبد السلام إبراهيم
بواسطة admin • 03-نصوص شعرية • 0 • الوسوم : العدد الثالث/الرابع والعشرون, عبد السلام إبراهيم, هارولد بنتر