دورنا في ثقافة العصر
للدكتور / زكي نجيب محمود
إعداد : محمد عصفور *
مقدمة :
زكي نجيب محمود مفكر عربي متميز بغزارة إنتاجه وقد أثري الفكر العربي المعاصر بعشرات المصنفات الفلسفية التي تقدم فكراً نيراً وري طرحاً في منتهي العمق والمنطق لقضايا الفكر استضافة نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي في موسمه الثقافي 87 / 88 لإلقاء محاضرة حول دورنا في ثقافة العصر في مساء يوم 17/1/88 حيث حضرها جمهور غفير من المثقفين في قاعة المجلس بشيراتون الدوحة وفيما يلي تقديم موجز للمحاضر متبوع بأهم النقاط التي تطرق إليها المحاضر حول دورنا في ثقافة العصر .
الأستاذ الدكتور زكي نجيب محمود :
حاصل عل يدرجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن .
عمل مستشاراً ثقافياً لمصر في واشنطن .
له أكثر من خمسين ملفاً منها الكتب الجامعية البحتة .
حصل علي الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية .
شكر وتقدير :
لم تعد كلمات الشكر تكفي عن هذه الدعوة الكريمة وهذا اللقاء الجميل الذي اسعي إليه وإلي أمثاله في كل ركن من أركان الوطن العربي ولكن كلمات الشكر هي كل ما استطيعه واشكر نادي الجسرة علي إتاحة فرصة لقائي بكم .
دور المثقف العربي :
تحدث الدكتور / زكي نجيب محمود عن دور المثقف العربي قائلاً إن الحديث في الواقع يتجه أول ما يتجه إلي الشباب العربي الوثاب الطموح المستبشر بمستقبل إن شاء الله ولكن هذا المستقبل الذي سننهض به لن يكون إلا بأيدي شبابنا المثقف .. والسؤال الذي جئت لأطرحه بين أيديكم ولأحاول أن ألتمس له جواباً هو تري ما هو الدور الذي ينبغي علي المثقف العربي أن يشارك به في ثقافة عصرنا حتي لا يظل سلبياً مستقبلاً واضاف نحن لا نريد أن نكون غرباء علي عصرنا ولكننا في الوقت نفسه لا نريد أن ننخرط وكأننا لقطاء نريد أن ننخرط فيه كما هي حقيقتنا شعب له تاريخ وراءه مجد وراءه تراث وإذا تأملنا عنوان حديثنا هذا وهو دورنا في ثقافة العصر نجد ثلاثة عناصر أثنان منهما يريدان التوضيح والتحديد وإذا هما تحددا بالقدر الكافي انبثق الجواب بالنسبة للعنصر الثالث .
مفهوم ثقافة العصر :
وتحدث الدكتور / زكي نجيب مضيفاً أما العناصر الثلاثة فالإثنان اللذان يريدان التوضيح هما كلمة العصر ما حدود ما نسيه العصر ؟ سنوضح هذا ثم ننتقل إلي العنصر الثاني الذي يريد التوضيح عندما نقول ثقافة العصر وكيف نشارك فيها ؟ هناك أنشطة لا أول لها ولا آخر كتب تؤؤلف صحف تصدر ، إذاعات راديو تليفزيون يستحيل علينا أن نجيب علي سالنا بالنسبة للعنصر الثالث وهو دور المثقف العربي ، يستحيل أن نجيب عن هذا الدور إلا إذا عرفنا في أي بناء ينوي المثقف العربي أن يدخل ليكون جزءاً متمماً لسكانه وإذا لنبدأ بالعصر ما الي يحدد العصر أي عصر كان يحدده أن طبيعة الحياة تفرز مشكلات ، فالعصر المعين يظل قائماً لا ينتهي .
دور اللغة العربية :
وعن هذا الدور تطرق الدكتور / زكي قائلاً في القرن الثاني الهجري قالوا نحن لكي نفهم القرآن الكريم حق الفهم وتتعمقه لابد أن ندرس اللغة العربية التي نزل بها الكتاب الكريم فبدأت مدارس اللغة وحلقا البحث وعلماء اللغة يكفيكم أيها السادة أن تقفوا عند رجل واحد هو الخليل بن أحمد لتروا أمامكم معجزة من معجزات البشر إنساناً تصدي للغة العربية بحثاً ، أخذ يجمعها ويستجمع مفرداتها ليكون القاموس المعجم للغة ثم النحو : قواعد اللغة ثم الشعر السؤال إذا مطروح : ما لب هذه اللغة؟ ما مفرداتها ؟ ما قواعدها ؟ ما هي المقاييس التي نقيس بها لغة صحيحة من لغة غير صحيحة ؟
جماعة المتكلمين :
سؤال ثالث ما يزال في القرن الثاني الهجري هناك بعض المعالم المحورية الأساسية في كتاب الله الكريم تريد شرحاً وتحليلاً وتولي الرد علي هذه الأسئلة والخوض في هذا الأمر جماعات من أقدر المفكرين وهم الذين نسميهم بجماعة المتكلمين وأضاف الدكتور / زكي : لقد أصبح واضحاً لنا أيها السادة أن القرن الثاني الهجري يكون عصراً صغيراً داخل عصر كبير بسبب أن هناك أسئلة ثلاثة كبري نشأت وتولاها القادرون علي ان يتولوها اللغة كيف نستخرج قواعدها ؟ الفقه ، كيف نضع القواعد التي بها نستخرج أحكام الشرع من النصوص ؟ تنتقل إلي القرن الثالث الهجري فنجد أن المسرح دخل عليه شئ من التغيير وبالتالي دخلنا في عصر جديد .
عصر الترجمة :
أضاف في حديثه ما هو الجديد الذي دخل المسرح ؟ هو ترجمة ما صنعته الشعوب المجاورة اليونان بصفة خاصة والفرس والهند ومصر في عصر المأمون ونشأت في بغداد دار الحكمة للمترجمين تدخل فيها فتجدج المترجمين أشكالاً وألواناً، ترجموا تقريباً كل ما تركه اليونان القدماء من فلسفة وعلم ورفضوا أن يتجرموا الادب ، وما اسرع ما وجدنا محتوي هذه المادة المترجمة يسري في شرايين الثقافة العربية سرياناً عضوياً .
القرن الرابع والخامس الهجري :
عن هذه الفترة قال الدكتور زكي ما الذي نراه في هذه الفترة الزاهرة ؟ هما معا يمثلان ذروة في هذه الفترة الزاهرة ؟ هما معاً يمثلان ذروة ما وصلت إليه الثقافة العربية في كل تاريخها ، وهذين القرنين العجيبين هما زهرة العقل العربي تحليلاًً وغبداعاً في كل مجال فأنتم تعلمون أن اليونان القديمة التي كان فيها القحول أمثال أرسطو وافلاطون كان المدار عندئذ هو العقل المنطقي الاستدلال المنطقي إلي جانب الفروع الأخري كانت تجاورهم فارس القديمة وقد عرفت بشئ من التصوف.
قنوات الإدراك في الإنسان :
وقال الدكتور / زكي أيضاً إذا كنت في موقف أدرك فيه هحقيقة ما عن غير استدلال فذلك عمل ملكة أخري عند الإنسان تدرك ولكنها ليست من عمل العقل الذي شرطه أن يكون الموقف انتقالاً من بينة أو شاهد إلي النتيجة التي ترتب عليها أما النوع الآخر الذي تدركه مباشرة وبغير انتقال من بينة إلي نتيجة فذلك شان القلب والوجدان كل هذا الجانب الوجداني ومنه النظرة الصوفية فكان المتجه في الثقافة الفارسية القديمة هو المتجه الصوفي ثم قال : إذا ألقي ضوء كافي علي المشكلة ينتقل الزمن إلي مشكلة جديدة وطالما المشكلة الواحدة القائمة فالمواهب تتجه إليها كل حسب موهبته ، وإذا ما تكشفت خفايا المشكلة انزاج العصر علي الاقل نسبياً لتظهر مشكلة أخري ولتظهر مرحلة جديدة ف يالتاريخ الفكري أو عصر جديد فيه .
الموقف في أوروبا :
أوروبا الحديثة أربعة قرون لا أكثر من القرن 16 إلي القرن 20 قبل ذلك كان ما يسمي العصور الوسطي وسموها وسطي لأنها وسط بين طرفين ابدعا الطرف الأول اليونان القدماء والطرف الثاني ما سوف يأتي بعد النهضة الأوروبية لقد ساد نوع من ترك الدنيا – أقصد الحياة الثقافية – وترك الدنيا يتمثل في أن صاحب الموهبة إذا كان يريد أن يبذل موهبته في شئ يبذلها في دير أو صومعه لذلك بعدت الفجوة بين الفكر والعالم وأصبح الفكر يدور حول نفسه ، وقد كان إنتاجهم بعيد الصلة بالحياة العملية إلي أن تعب الناس من بعدهم أو من غربتهم عن العالم الذي خلقوا ليعيشوا فيه .
عصر النهضة الأوروبية :
وكان لهذا العصر نصيب في أن يتناوله الدكتور / في حديثه فقال عنه ، يمكن تشبيه ما حدث فيه بما يحصل لأبناء المدارس يوم الخميس بعد اسبوع عمل متواصل فكأنهم كانوا في سجن وفك عنهم الحصار هكذا كانت النهضة الأوروبية ناس يأخذون السفن ويجوبون البحار كولومبس يكتشف أمريكا ماجلان يدور حول إفريقيا إلي الشرق الأقصي وجدنا من يصعد الجبال ويقطع اليابس .
عصر العقل في أوروبا :
وعن هذا الموضوع قال الدكتور / زكي من يريد معرفة مامعنى عصر العقل فليتجه نحو أى ناحية تهمه ، إذا كان يريد شعرآ فليقرآ شعراء ذلك الزمن . من كان مهتمآ بالتصوير فيلنظر فى إنتاج المصورين ، العمارة : ماذا كان شكلها ؟ الفلسفة في أي الموضوعات كانت تبحث . وهكذا فالعصر عصر عقل .
· 0 ثبات أم تغير :
ثم تطرق الدكتور زكي نجيب إلى موضوع آخر في ندوته حول الثبات والتغير في العالم فقال في ندوته حول الثبات والتغير في العالم فقال في هذا الصدد : أثبات هو أم تغير ؟ أيريد للحياة أن تسكن ثابتة أم يريد لها أن تتغير وتتطور ؟ عندما تنشأ المشكلة ، المصور لايجيب بالشعر والشاعر لايجيب بالتصوير ، ولكن كل نتاج من هذه النواتج عندما نحلله نجده كان متجهآ بلغته هو وبمادته هو نحو المشكلة .
كل النقاد بعد ذلك جاؤوا وكانت فحولة الشعر ترشم وتحدد على أساس الشعر الجاهلي الذي ظل أساسآ . أهو ثبات حقآ الذي نبحث عنه ؟ أم ينبغي أن نبحث عن التغير . كان الظن ومايزال أن الإنسان لو ترك لنفسة الفطرة البدائية لظن أن كل شيء له حقيقة ثابتة . المسألة مثل شريط فيلم تراه فتظن أنك ترى قضية متوالية انظر إلى الشريط نفسه تجد اللقطات تظهر على الشريط إذا ماظننته تيارآ متصلا هو في الواقع لحظات تتوالى . هكذا كل شيء في الدنيا ، هكذا الأرض التي نسكن عليها، لها تاريخ . أسالوا عنها الجيولو جيين ينبؤوكم أنهاكانت في البداية غارآ مشتعلآ وأخذ على مر السنين يبرد فبرد السطح ومازال الجوف مشتعلآ ، وهذاالسطح هو الذي نسكن عليه وأما الجوف الملتهب فإنه إذا ارتج هنا أو هناك يحدث الزلزال أو الانفجار البركاني .
0 فكر القرن التاسع عشر :
بخصوص القرن التاسع عشر قال الدكتور زكي : هذا القرن ظلم نفسه ، فجر القضايا ولم يعش ليحلها ولم يعش ليجيب عنها فتركها لنا ، لأبناء القرن العشرين . وتحت هذا السطح الجامد كان الفكر يغلي ويسأل : أثبات هوأم تغير ؟ ولذلك شهد ذلك القرن من تحدثوا في تطور التاريخ .
ونشأت نطريات التطور . نأتي إلى العلوم الطبيعية فقد تغير أساسها عند منحنى القرن ال 19 في القرن ال 20 وتلك استجابة ليست عمياء وإنما نتيجة بحوث . هذا هوالعلم الطبيعي الآن ، يعطيك قوانين إحتمالية وقوانين الاحتمال هي الآن أساس العلم الطبيعي ولكن ليس معنى ذلك أن القانون مادام احتماليآ فهو خطأ ، لا لأن الظاهرة الطبيعية نفسها هي في ذاتهاليست ثابتة فكيف أعطيها قانونآ ثابتآ ؟ وعلى ذلك يكون القانون على درجة من الاحتمال – بالطبع هم يتعبون ليصلوا ألى الإحتمال الأقرب من اليقين .
عصر التكنولوجيا :
تكنولوجيا مؤلفة من لفظبن ( تكنو + لوجيا ) يعني علم الأجهزة ، ونجد أن الأجهزة ، التي استخدمت في البحث العلمي الطبيعي قليلة جدآ وبعد ذلك ابتدعت أجهزة عديدة ومتنوعة إلى أن وصلنا إلى حد صار كل شىء فيه في ساحة العلم يقاس بأجهزة ولكن هذا لايعني أننا وصلنا إلى الحد الأقصى من الدقة في الجهاز فالخبراء يصنعون الجهاز الذي يقيس الحرارة لكن لايبعد أن رجلآ يدخل غدآ تحسينأ على الميزان الحراري أو غيره من الأجهزة . العلم قوانينه تبنى على الظاهرة المرئية ولذلك لاتدخل فيما يزعمه الإنسان العلم يبحث في الظواهر لافيما يحفي وذلك له قنوات بحث أخرى وميادين أخري .
القرن العشرون :
انسحب القرن التاسع عشر ليترك لنا نحن أبناء القرن العشرين المشكلة لنوجه نحوها مواهبنا كل في ميدانه ليحل هذه المشكلة التي ماتزال : أثبات هو أم تغير ؟ لم يكن هناك سوى القلق والأرق في العالم وقامت الحرب العالمية الثانية لتنتهي سنة 1945 م ، وهنا بدأنا في توجيه الجهود الثقافية نحو حل المشكلة أثبات هو أم تغير ؟ هذا المسرح الجديد الذيفتح على الناس في كافةالنواحي فأولآتحررت الشعوب المستعمرة بالجملة وتقريبآ كل ماكان مستعمرآ من أرض عباد الله قد أجبر المستعمر على تركه وأصبحت الدنيا مجموعة بلادحرة باستثناء القليل النادر .
تعددالثقافات واختلافها :
تساءل الدكتور زكي قائلآ : ماذا يهم المثقفين من هذا ؟ الذي يهمنا هو نشأة مشكلة ثقافية من أمتع ما يمكن ومن أفيد مايمكن ومن أعمق ما يمكن وتريد هدوءآ في النظر وهدوءآ في الحل . كان العالم المتحضر قبل نهاية الحرب العالمية الثانية لايعترف إلابثقافة واحدة هي ثقافة المستعمر الأوروبي أو الأمريكي وكان المثقف يقاس بقياس قربه أوبعده عن ذلك المعيار فلما استقلت الشعوب ولدت فكرة جديدة : الشعوب هي ثقافاتها . وأنا في عالم مضطر أن أعيش معه وهو ليس أصم ولاأبكم ولاهو غبي جاهل ، عالم يصنع الحضارة صنعآ أأتركة ؟ لاإضافة ولا تحديد وإنما في ثقافتنا مرونة الأداء التي تصلح للعالم أجمع ، لكل ظرف من ظروف الزمن ، لكل زمان ومكان . ونحن ميزاننا الثقافي واحد وميزاننا الديني واحد ، وتتعددالأجسام التي يوزن بها ، وعلى المثقف العربي أن يعرف طريقه إلى كيفية استخدام هذا الميزان في مسائل العصر ومشكلاته ، تعدد الثقافات لم نعد ولن نعود نقيس المثقف باقترابه مما يقوله ( الخواجات ) .إن كتبت رواية فليكن فيها حياة عربية ، خذ ماشئت من أدوات الآخرين ، ولكن استخدمها . علينا أن نطلق اللسان العربي بكل مااستحدثه الحضارة العصرية وهذاواجب المثقف العربي الآن .
دور المثقف العربي :
يعود الدكتور زكي مرة أخرى إلى أساسندوته عن دور المثقف العربي ويسترسل قائلآ مادور المثقف العربي إزاء ثقافة العالم ؟ دوره أن يظل عربيآ متدينآ بدينه ولكنه يتحصل على ماعند غيره لا يشتريه نحن الآن نكتفي باشتراء الحضارة ، باشتراء العلم كتبآ ، لماذا نكون أتباعآ وأذنابآ ؟ واجب المثقف العربي الآن هو الأوعية الثقافية العربية الدينية التي في يديه هي هي ولكنها ليست بالتجمد الذي كان يظن . ولا أنسى أن أقول إن واجب المثقف العربي أن يقدم الشخصية العربية إلى العالم .
الغرب والشخصية الإنسانية :
نعود إلى الغرب ، صناع الحضارة هؤلاء في الحقيقة صنعوا ماصنعوه وهم مشكورون ولكنهم لم يستطيعوا أن يوحدواالشخصية الإنسانية ، ارسم الشخصية في كائن حي يقدم للناس فيترجموك في الحال لأنهم سيرون أنماطآ من لبشخصية ربما لايألفونه . ولكن الأجدى أن نعود إلى الشخصيات الإسلامية الكبيرة في تاريخنا ، سنجد من توحدت شخصياتهم وتكاملت جزئيات النفس عندهم بحيث أصبح ظاهرهم كباطنهم . هذه إحدى واجبات المثقف في حياة العصر الثقافية . ارسم في أدبك شعرآ كان أم نثرآ هذه العلاقة الحميمة التي تصون للفرد فريته وتظل صلات القربى قائة.
يونيو 5 2011
دورنا في ثقافة العصر للدكتور / زكي نجيب محمود ..: محمد عصفور
دورنا في ثقافة العصر
للدكتور / زكي نجيب محمود
إعداد : محمد عصفور *
مقدمة :
زكي نجيب محمود مفكر عربي متميز بغزارة إنتاجه وقد أثري الفكر العربي المعاصر بعشرات المصنفات الفلسفية التي تقدم فكراً نيراً وري طرحاً في منتهي العمق والمنطق لقضايا الفكر استضافة نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي في موسمه الثقافي 87 / 88 لإلقاء محاضرة حول دورنا في ثقافة العصر في مساء يوم 17/1/88 حيث حضرها جمهور غفير من المثقفين في قاعة المجلس بشيراتون الدوحة وفيما يلي تقديم موجز للمحاضر متبوع بأهم النقاط التي تطرق إليها المحاضر حول دورنا في ثقافة العصر .
الأستاذ الدكتور زكي نجيب محمود :
حاصل عل يدرجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن .
عمل مستشاراً ثقافياً لمصر في واشنطن .
له أكثر من خمسين ملفاً منها الكتب الجامعية البحتة .
حصل علي الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية .
شكر وتقدير :
لم تعد كلمات الشكر تكفي عن هذه الدعوة الكريمة وهذا اللقاء الجميل الذي اسعي إليه وإلي أمثاله في كل ركن من أركان الوطن العربي ولكن كلمات الشكر هي كل ما استطيعه واشكر نادي الجسرة علي إتاحة فرصة لقائي بكم .
دور المثقف العربي :
تحدث الدكتور / زكي نجيب محمود عن دور المثقف العربي قائلاً إن الحديث في الواقع يتجه أول ما يتجه إلي الشباب العربي الوثاب الطموح المستبشر بمستقبل إن شاء الله ولكن هذا المستقبل الذي سننهض به لن يكون إلا بأيدي شبابنا المثقف .. والسؤال الذي جئت لأطرحه بين أيديكم ولأحاول أن ألتمس له جواباً هو تري ما هو الدور الذي ينبغي علي المثقف العربي أن يشارك به في ثقافة عصرنا حتي لا يظل سلبياً مستقبلاً واضاف نحن لا نريد أن نكون غرباء علي عصرنا ولكننا في الوقت نفسه لا نريد أن ننخرط وكأننا لقطاء نريد أن ننخرط فيه كما هي حقيقتنا شعب له تاريخ وراءه مجد وراءه تراث وإذا تأملنا عنوان حديثنا هذا وهو دورنا في ثقافة العصر نجد ثلاثة عناصر أثنان منهما يريدان التوضيح والتحديد وإذا هما تحددا بالقدر الكافي انبثق الجواب بالنسبة للعنصر الثالث .
مفهوم ثقافة العصر :
وتحدث الدكتور / زكي نجيب مضيفاً أما العناصر الثلاثة فالإثنان اللذان يريدان التوضيح هما كلمة العصر ما حدود ما نسيه العصر ؟ سنوضح هذا ثم ننتقل إلي العنصر الثاني الذي يريد التوضيح عندما نقول ثقافة العصر وكيف نشارك فيها ؟ هناك أنشطة لا أول لها ولا آخر كتب تؤؤلف صحف تصدر ، إذاعات راديو تليفزيون يستحيل علينا أن نجيب علي سالنا بالنسبة للعنصر الثالث وهو دور المثقف العربي ، يستحيل أن نجيب عن هذا الدور إلا إذا عرفنا في أي بناء ينوي المثقف العربي أن يدخل ليكون جزءاً متمماً لسكانه وإذا لنبدأ بالعصر ما الي يحدد العصر أي عصر كان يحدده أن طبيعة الحياة تفرز مشكلات ، فالعصر المعين يظل قائماً لا ينتهي .
دور اللغة العربية :
وعن هذا الدور تطرق الدكتور / زكي قائلاً في القرن الثاني الهجري قالوا نحن لكي نفهم القرآن الكريم حق الفهم وتتعمقه لابد أن ندرس اللغة العربية التي نزل بها الكتاب الكريم فبدأت مدارس اللغة وحلقا البحث وعلماء اللغة يكفيكم أيها السادة أن تقفوا عند رجل واحد هو الخليل بن أحمد لتروا أمامكم معجزة من معجزات البشر إنساناً تصدي للغة العربية بحثاً ، أخذ يجمعها ويستجمع مفرداتها ليكون القاموس المعجم للغة ثم النحو : قواعد اللغة ثم الشعر السؤال إذا مطروح : ما لب هذه اللغة؟ ما مفرداتها ؟ ما قواعدها ؟ ما هي المقاييس التي نقيس بها لغة صحيحة من لغة غير صحيحة ؟
جماعة المتكلمين :
سؤال ثالث ما يزال في القرن الثاني الهجري هناك بعض المعالم المحورية الأساسية في كتاب الله الكريم تريد شرحاً وتحليلاً وتولي الرد علي هذه الأسئلة والخوض في هذا الأمر جماعات من أقدر المفكرين وهم الذين نسميهم بجماعة المتكلمين وأضاف الدكتور / زكي : لقد أصبح واضحاً لنا أيها السادة أن القرن الثاني الهجري يكون عصراً صغيراً داخل عصر كبير بسبب أن هناك أسئلة ثلاثة كبري نشأت وتولاها القادرون علي ان يتولوها اللغة كيف نستخرج قواعدها ؟ الفقه ، كيف نضع القواعد التي بها نستخرج أحكام الشرع من النصوص ؟ تنتقل إلي القرن الثالث الهجري فنجد أن المسرح دخل عليه شئ من التغيير وبالتالي دخلنا في عصر جديد .
عصر الترجمة :
أضاف في حديثه ما هو الجديد الذي دخل المسرح ؟ هو ترجمة ما صنعته الشعوب المجاورة اليونان بصفة خاصة والفرس والهند ومصر في عصر المأمون ونشأت في بغداد دار الحكمة للمترجمين تدخل فيها فتجدج المترجمين أشكالاً وألواناً، ترجموا تقريباً كل ما تركه اليونان القدماء من فلسفة وعلم ورفضوا أن يتجرموا الادب ، وما اسرع ما وجدنا محتوي هذه المادة المترجمة يسري في شرايين الثقافة العربية سرياناً عضوياً .
القرن الرابع والخامس الهجري :
عن هذه الفترة قال الدكتور زكي ما الذي نراه في هذه الفترة الزاهرة ؟ هما معا يمثلان ذروة في هذه الفترة الزاهرة ؟ هما معاً يمثلان ذروة ما وصلت إليه الثقافة العربية في كل تاريخها ، وهذين القرنين العجيبين هما زهرة العقل العربي تحليلاًً وغبداعاً في كل مجال فأنتم تعلمون أن اليونان القديمة التي كان فيها القحول أمثال أرسطو وافلاطون كان المدار عندئذ هو العقل المنطقي الاستدلال المنطقي إلي جانب الفروع الأخري كانت تجاورهم فارس القديمة وقد عرفت بشئ من التصوف.
قنوات الإدراك في الإنسان :
وقال الدكتور / زكي أيضاً إذا كنت في موقف أدرك فيه هحقيقة ما عن غير استدلال فذلك عمل ملكة أخري عند الإنسان تدرك ولكنها ليست من عمل العقل الذي شرطه أن يكون الموقف انتقالاً من بينة أو شاهد إلي النتيجة التي ترتب عليها أما النوع الآخر الذي تدركه مباشرة وبغير انتقال من بينة إلي نتيجة فذلك شان القلب والوجدان كل هذا الجانب الوجداني ومنه النظرة الصوفية فكان المتجه في الثقافة الفارسية القديمة هو المتجه الصوفي ثم قال : إذا ألقي ضوء كافي علي المشكلة ينتقل الزمن إلي مشكلة جديدة وطالما المشكلة الواحدة القائمة فالمواهب تتجه إليها كل حسب موهبته ، وإذا ما تكشفت خفايا المشكلة انزاج العصر علي الاقل نسبياً لتظهر مشكلة أخري ولتظهر مرحلة جديدة ف يالتاريخ الفكري أو عصر جديد فيه .
الموقف في أوروبا :
أوروبا الحديثة أربعة قرون لا أكثر من القرن 16 إلي القرن 20 قبل ذلك كان ما يسمي العصور الوسطي وسموها وسطي لأنها وسط بين طرفين ابدعا الطرف الأول اليونان القدماء والطرف الثاني ما سوف يأتي بعد النهضة الأوروبية لقد ساد نوع من ترك الدنيا – أقصد الحياة الثقافية – وترك الدنيا يتمثل في أن صاحب الموهبة إذا كان يريد أن يبذل موهبته في شئ يبذلها في دير أو صومعه لذلك بعدت الفجوة بين الفكر والعالم وأصبح الفكر يدور حول نفسه ، وقد كان إنتاجهم بعيد الصلة بالحياة العملية إلي أن تعب الناس من بعدهم أو من غربتهم عن العالم الذي خلقوا ليعيشوا فيه .
عصر النهضة الأوروبية :
وكان لهذا العصر نصيب في أن يتناوله الدكتور / في حديثه فقال عنه ، يمكن تشبيه ما حدث فيه بما يحصل لأبناء المدارس يوم الخميس بعد اسبوع عمل متواصل فكأنهم كانوا في سجن وفك عنهم الحصار هكذا كانت النهضة الأوروبية ناس يأخذون السفن ويجوبون البحار كولومبس يكتشف أمريكا ماجلان يدور حول إفريقيا إلي الشرق الأقصي وجدنا من يصعد الجبال ويقطع اليابس .
عصر العقل في أوروبا :
وعن هذا الموضوع قال الدكتور / زكي من يريد معرفة مامعنى عصر العقل فليتجه نحو أى ناحية تهمه ، إذا كان يريد شعرآ فليقرآ شعراء ذلك الزمن . من كان مهتمآ بالتصوير فيلنظر فى إنتاج المصورين ، العمارة : ماذا كان شكلها ؟ الفلسفة في أي الموضوعات كانت تبحث . وهكذا فالعصر عصر عقل .
· 0 ثبات أم تغير :
ثم تطرق الدكتور زكي نجيب إلى موضوع آخر في ندوته حول الثبات والتغير في العالم فقال في ندوته حول الثبات والتغير في العالم فقال في هذا الصدد : أثبات هو أم تغير ؟ أيريد للحياة أن تسكن ثابتة أم يريد لها أن تتغير وتتطور ؟ عندما تنشأ المشكلة ، المصور لايجيب بالشعر والشاعر لايجيب بالتصوير ، ولكن كل نتاج من هذه النواتج عندما نحلله نجده كان متجهآ بلغته هو وبمادته هو نحو المشكلة .
كل النقاد بعد ذلك جاؤوا وكانت فحولة الشعر ترشم وتحدد على أساس الشعر الجاهلي الذي ظل أساسآ . أهو ثبات حقآ الذي نبحث عنه ؟ أم ينبغي أن نبحث عن التغير . كان الظن ومايزال أن الإنسان لو ترك لنفسة الفطرة البدائية لظن أن كل شيء له حقيقة ثابتة . المسألة مثل شريط فيلم تراه فتظن أنك ترى قضية متوالية انظر إلى الشريط نفسه تجد اللقطات تظهر على الشريط إذا ماظننته تيارآ متصلا هو في الواقع لحظات تتوالى . هكذا كل شيء في الدنيا ، هكذا الأرض التي نسكن عليها، لها تاريخ . أسالوا عنها الجيولو جيين ينبؤوكم أنهاكانت في البداية غارآ مشتعلآ وأخذ على مر السنين يبرد فبرد السطح ومازال الجوف مشتعلآ ، وهذاالسطح هو الذي نسكن عليه وأما الجوف الملتهب فإنه إذا ارتج هنا أو هناك يحدث الزلزال أو الانفجار البركاني .
0 فكر القرن التاسع عشر :
بخصوص القرن التاسع عشر قال الدكتور زكي : هذا القرن ظلم نفسه ، فجر القضايا ولم يعش ليحلها ولم يعش ليجيب عنها فتركها لنا ، لأبناء القرن العشرين . وتحت هذا السطح الجامد كان الفكر يغلي ويسأل : أثبات هوأم تغير ؟ ولذلك شهد ذلك القرن من تحدثوا في تطور التاريخ .
ونشأت نطريات التطور . نأتي إلى العلوم الطبيعية فقد تغير أساسها عند منحنى القرن ال 19 في القرن ال 20 وتلك استجابة ليست عمياء وإنما نتيجة بحوث . هذا هوالعلم الطبيعي الآن ، يعطيك قوانين إحتمالية وقوانين الاحتمال هي الآن أساس العلم الطبيعي ولكن ليس معنى ذلك أن القانون مادام احتماليآ فهو خطأ ، لا لأن الظاهرة الطبيعية نفسها هي في ذاتهاليست ثابتة فكيف أعطيها قانونآ ثابتآ ؟ وعلى ذلك يكون القانون على درجة من الاحتمال – بالطبع هم يتعبون ليصلوا ألى الإحتمال الأقرب من اليقين .
عصر التكنولوجيا :
تكنولوجيا مؤلفة من لفظبن ( تكنو + لوجيا ) يعني علم الأجهزة ، ونجد أن الأجهزة ، التي استخدمت في البحث العلمي الطبيعي قليلة جدآ وبعد ذلك ابتدعت أجهزة عديدة ومتنوعة إلى أن وصلنا إلى حد صار كل شىء فيه في ساحة العلم يقاس بأجهزة ولكن هذا لايعني أننا وصلنا إلى الحد الأقصى من الدقة في الجهاز فالخبراء يصنعون الجهاز الذي يقيس الحرارة لكن لايبعد أن رجلآ يدخل غدآ تحسينأ على الميزان الحراري أو غيره من الأجهزة . العلم قوانينه تبنى على الظاهرة المرئية ولذلك لاتدخل فيما يزعمه الإنسان العلم يبحث في الظواهر لافيما يحفي وذلك له قنوات بحث أخرى وميادين أخري .
القرن العشرون :
انسحب القرن التاسع عشر ليترك لنا نحن أبناء القرن العشرين المشكلة لنوجه نحوها مواهبنا كل في ميدانه ليحل هذه المشكلة التي ماتزال : أثبات هو أم تغير ؟ لم يكن هناك سوى القلق والأرق في العالم وقامت الحرب العالمية الثانية لتنتهي سنة 1945 م ، وهنا بدأنا في توجيه الجهود الثقافية نحو حل المشكلة أثبات هو أم تغير ؟ هذا المسرح الجديد الذيفتح على الناس في كافةالنواحي فأولآتحررت الشعوب المستعمرة بالجملة وتقريبآ كل ماكان مستعمرآ من أرض عباد الله قد أجبر المستعمر على تركه وأصبحت الدنيا مجموعة بلادحرة باستثناء القليل النادر .
تعددالثقافات واختلافها :
تساءل الدكتور زكي قائلآ : ماذا يهم المثقفين من هذا ؟ الذي يهمنا هو نشأة مشكلة ثقافية من أمتع ما يمكن ومن أفيد مايمكن ومن أعمق ما يمكن وتريد هدوءآ في النظر وهدوءآ في الحل . كان العالم المتحضر قبل نهاية الحرب العالمية الثانية لايعترف إلابثقافة واحدة هي ثقافة المستعمر الأوروبي أو الأمريكي وكان المثقف يقاس بقياس قربه أوبعده عن ذلك المعيار فلما استقلت الشعوب ولدت فكرة جديدة : الشعوب هي ثقافاتها . وأنا في عالم مضطر أن أعيش معه وهو ليس أصم ولاأبكم ولاهو غبي جاهل ، عالم يصنع الحضارة صنعآ أأتركة ؟ لاإضافة ولا تحديد وإنما في ثقافتنا مرونة الأداء التي تصلح للعالم أجمع ، لكل ظرف من ظروف الزمن ، لكل زمان ومكان . ونحن ميزاننا الثقافي واحد وميزاننا الديني واحد ، وتتعددالأجسام التي يوزن بها ، وعلى المثقف العربي أن يعرف طريقه إلى كيفية استخدام هذا الميزان في مسائل العصر ومشكلاته ، تعدد الثقافات لم نعد ولن نعود نقيس المثقف باقترابه مما يقوله ( الخواجات ) .إن كتبت رواية فليكن فيها حياة عربية ، خذ ماشئت من أدوات الآخرين ، ولكن استخدمها . علينا أن نطلق اللسان العربي بكل مااستحدثه الحضارة العصرية وهذاواجب المثقف العربي الآن .
دور المثقف العربي :
يعود الدكتور زكي مرة أخرى إلى أساسندوته عن دور المثقف العربي ويسترسل قائلآ مادور المثقف العربي إزاء ثقافة العالم ؟ دوره أن يظل عربيآ متدينآ بدينه ولكنه يتحصل على ماعند غيره لا يشتريه نحن الآن نكتفي باشتراء الحضارة ، باشتراء العلم كتبآ ، لماذا نكون أتباعآ وأذنابآ ؟ واجب المثقف العربي الآن هو الأوعية الثقافية العربية الدينية التي في يديه هي هي ولكنها ليست بالتجمد الذي كان يظن . ولا أنسى أن أقول إن واجب المثقف العربي أن يقدم الشخصية العربية إلى العالم .
الغرب والشخصية الإنسانية :
نعود إلى الغرب ، صناع الحضارة هؤلاء في الحقيقة صنعوا ماصنعوه وهم مشكورون ولكنهم لم يستطيعوا أن يوحدواالشخصية الإنسانية ، ارسم الشخصية في كائن حي يقدم للناس فيترجموك في الحال لأنهم سيرون أنماطآ من لبشخصية ربما لايألفونه . ولكن الأجدى أن نعود إلى الشخصيات الإسلامية الكبيرة في تاريخنا ، سنجد من توحدت شخصياتهم وتكاملت جزئيات النفس عندهم بحيث أصبح ظاهرهم كباطنهم . هذه إحدى واجبات المثقف في حياة العصر الثقافية . ارسم في أدبك شعرآ كان أم نثرآ هذه العلاقة الحميمة التي تصون للفرد فريته وتظل صلات القربى قائة.
بواسطة admin • 08-إضاءات فكرية • 0 • الوسوم : العدد السابع