ملف خاص الشعر المعاصر في أمريكا اللاتينية ترجمة وتقديم : الدكتور / طلعت شاهين *

ملف خاص
الشعر المعاصر في أمريكا اللاتينية
ترجمة وتقديم : الدكتور / طلعت شاهين *
الأدب المكتوب باللغة الإسبانية ( القشتالية Castellano  في أمريكا اللاتينية مختلف تماماً عن الأدب المكتوب في اسبانيا رغم وحدة اللغة المكتوب بها ، وهذا يعود بالدرجة الأولي إلي اختلاف طريقة التناول للواقع وروح الكتابة التي يشعر بها الكاتب الأمريكي اللاتيني الذي يعيش حضارة مختلفة نتجت عن تمازج الحضارات القديمة المايا Maya  والأثنيكا Alzeca  والكيتشوا Quechoa  وغيرها من الحضارات التي كانت قائمة قبل غزو كولومبوس لتلك الأراضي عام 1492 – في تلك البلاد بالحضارة الأوروبية المعاصرة التي انتقلت إلي العالم الجديد مع الفتح الأسباني لها قبل خمسة قرون وعبر الكاتب الاسباني ميجيل دي اونامونو عن هذا الاختلاف في رسائل تبادلها مع الكاتب والشاعر النيكاراجوي روبين داريو صاحب الفضل الأول في تحرر أدب أمريكا اللاتينية من التأثير الكاسح للتيارات الاوروبية ، وأول من وضع أسس الأدب الحديث أو ما يسميه النقاد باسم ” المودرنيزمو El Modemismo  الذي كان أكثر تأثيراً علي الكتاب الاسبان من تأثير التيارات الأوروبية الأخري التي كانت سائدة في ذلك الوقت .
فقد اعترف أونامونو بأن الكتابة في أمريكا اللاتينية تبدو كلما لو كانت مجرد لعب بالألفاظ وهو ما يؤكده واقع الكتاب التي يجب أن نقبلها علي هذا النحو دون اعتراض مع وجود خطورة في ألا نكون علي قدر الفهم المطلوب وذلك لأن تلك الكتابة تأتينا من العالم الجديد في وقت كانت تعيش فيه إسبانيا وجيل 1898 حالة من التشوش نظراً للتوجه الفردي والشعوبي الذي يحكم تاريخها وثقافتها ،وهو ما يتطلب منا العودة إلي الجذور الروحية للتراث التي تكاد تفلت من بين أصابعنا بسبب تراكم الانحطاط الذي حل بنا طوال عصور عديدة فقد كتاب يقول :
” أنا أري في حضرتك كاتباً يريد أن يقول باللغة الأسبانية ما لا يستطيع أن يقول المتحدثون بها ولا فكروا في قوله أبدا ، وما كان يمكن أن يعتقد أحد في ذلك قبل اليوم ” وكما يقول خورخي روديجيث باردون فإن هذه اللهجة التي يتحدث بها الكاتب الاسباني إلي زيمله النياكراجوي روبين داريو فيها من إحساس الأبوة أكثر من الإحساس بالدهشة التي تدل دلالة طبيعية علي عدم الفهم لما توصلت إليه الكتابة الأدبية في أمريكا اللاتينية وصل الغزاة الأسبان إلي العالم الجديد حاملين معهم ثقافتهم المتطورة عبر عناصر عصر النهضة التي كانت تحتويها الثقافة الأوروبية في ذلك الوقت ، ولكن الأسبان لم يتوصلوا إلي لغة مشتركة للحوار الذي لا مقر منه مع أولئك الذين يقيمون في العالم الجديد ، ولا حتي مجرد فهم واقع تلك الأرض الجديدة وبدا واضحاً أن اسبانيا كانت تهدف إلي زرع ثقافتها في ذلك العالم بكل الوسائل بغض النظر عن الثقافات القائمة هناك وبعضها كان قد وصل إلي درجة عالية من التقدم .
لذلك لم يكن هناك مفر من نشأة ثقافة جديدة لم يسبق لها مثل تنتج عن المزج بين ما هو قائم في أمريكا اللاتينية قبل الفتح وما هو قادم مع الغزاة الاسبان هذه الثقافة التي شكلت هوية شعوب جديدة نتجت في معظمها عن التمازج بين الأصيل في تلك البلاد والعناصر الوافدة وكما يري الكثير من الباحثين فإن الحضارات التي بدت متباعدة جداً في أصولها وعناصرها تمكنت من التقارب في ظروف خاصة ونادرة وخلقت شكلها الجديد  والخاص ، وإن كان الظاهر يبدو أن الشعوب الأصلية كانت لثقافتها الغلبة في النهاية لأن الثقافة الغازية لم تتمكن من فرض شروطها رغم تمتعها بالقوة التي مكنتها من الفتح  فإن الشعوب الأصلية في تلك البلاد والتي يطلقون علي أفرادها اسم ” الهنود الحمر” تمييزاً لهم عن الشعوب التي تسكن الهند الآسيوية ، استقبلت الثقافة القادمة من أوروبا كبذرة لنبت جديد ونمت تلك النبتة الجديدة كما لو كانت تطوراً جديداً في حضارة تلك البلاد التي سرعان ما تفردت بثقافة جديدة لها تطورها الخاص بعيداً عن الثقافة الأوروبية التي وقفت عند حد التلقيح .
كان الشعر بالطبع من أوائل الأنواع الأدبية التي أنتجتها تلك البلاد ، ولكن البدايات كانت مجرد تقليد للشعر القادم مع المستعمر الأسباني تماما كما كان المسرح ، بل بدأت بعضها علي ايدي أحفاد الإسبان الغزاة ومع مرور الوقت تطور الأمر بدأت الأجيال الجديدة تعرف طريقها إلي إبداع أمريكي لا تبني خالص علي الرغم من وحدة اللغة مع كتاب اسبانيا.
وكان عام 1888 الذي أصدر فيه الكاتب النيكاراجوي روبين داريو بداية حقيقة لانفصال الشعر في أمريكا اللاتينية عن تبعية الشعر في اسبانيا بل أن تأثير كاتبه ” أزرق Azul ” امتد إلي الأجيال الجديدة التي تكتب الشعر في أسبانيا وربما كانت الرقعة الجغرافية الواسعة التي تمتد عليها أمريكا اللاتينية كقارة وما يعني ذلك من تنوع في نطق اللغة وكتابتها إضافة إلي التأثيرات المحلية الخاصة بكل منطقة اثرها في تعدد مشارب شعراء تلك القارة وموضوعاتهم وطريقتهم في تناول تلك الموضوعات حتي اصبح التعامل مع كل إنتاج أمريكا اللاتينية بشكل جمعهي صعبا للغاية .
بلغ العديد من شعراء القارة القمة في الإبداع وحصل عدد منهم علي جوائز نوبل مثل ” جابربيلا ميسترال ” التي حصلت عليها عام 1947 أو أوكتافيو باث الذي حصل عليها عام 1990 فاز عدد كبير منهم بجائزة ” ثرافانتيس ” التي تمنحها الأكاديمية الإسبانية لأفضل الكتاب الناطقين باللغة الإسبانية والتي يعتبرونها بمثابة جائزة نوبل للأدب المكتوب بتلك اللغة.
ونظراً لصعوبة الحديث المفصل عن الكتابة الشعرية لدي كل دولة من دول أمريكا اللاتينية علي حدة أو الحديث عن كل حركة من حركات التجديد الشعري فيها بشكل مفصل فإننا نقدم هنا نموذج لتلك الكتابات مع مقدمة صغيرة للتعريف بكل شاعر حتي يمكن للقارئ أن يلم بشئ من المعرفة حول كل منهم ، ونترك للقارئ أن يتعرف علي جانب من الكتابة الشعرية في أمريكا اللاتينية من خلال تلك القصائد التي أخترناها من بين مئات القصائد التي كان يمكن أن تصلح للترجمة لتوسيع دائرة معرفتنا بهذا الشعر ، لذلك نعتذر مقدماًُ عن عدم القدرة علي أن يحتوي مثل هذا الملف علي كل شعر أمريكا اللاتينية المعاصر ، وإنما هي مجرد نماذج ربما تفتح الباب أمام غيرنا من المتعاملين مع هذا الأدب المكتوب في تلك البلاد بهذه اللغة لتوسيع دائرة المعرفة به .
أغنيات في البحر
جابرييلا ميسترال *
Gabriela Mitsral
التشيلي 1889 – 1957
1- القارب الرحيم
احملني يابحر
علي ظهرك في هدوء
لأنني أذهب متألمة
آي ايها القارب ، أشعر بضلوعك
التي تصل الجرح
*************
أبحث في أمواجك الحية
راكعة عن رقة
أنظر إلي بحر
بنظرة إلي وجنتي
تعرف ما تحمل
**************
ما بين أحمال الفاكهة الحمراء
وحبالك العفية
وركابك الممتلؤون بالأمل
تحمل جسدي النحيل
*****************
بعدها تعود بالفاكهة فقط
وأشرعة مفرودة
وفي طريقك يا بحر
عند هذا الجسر ،
تهز الجرح
2- أغنية الذين يبحثون عن النسيان :
علي حافلة القارب
قلبي ملتص
علي حافة القارب
الموشي بالزبد
******
أغسله يا بحر ، بملح قوي
اغسله يا بحر ، بمقدمة القارب
لأنني لا أريده أن يحملني بعد الآن
******
سكبت كل حياتي
علي ظهر القارب
شكلها يا بحر في مائة يوم
تكون فيها مسكونة بك
******
شكلها يا بحر برياحك المائة
اغسله يا بحر ، اغسله يا بحر
غيري يطلب منك ذهباً ولؤلؤاً
أنا أطلب منك النسيان
******
ولكنها اختارت اسما مستعارً مركبا من اسم الشاعر ” جابرييل دانوزيو ” التي كانت معجبة بكتاباته كثيراً من عائلة فقيرة حيث كان أبوها يعمل مدرساً بإحدي المدارس الريفية لكنه سرعان ما ترك مهنته ليعمل في مهن أخري بدأت الشاعرة ، دراستها العلمية عندما كانت في الخامسة عشرة نظرة لصعوبة الحياة التي كانت تحياها ومحيطها الريفي وسرعان ما بدأت تنشر قصائدها الأولي في الصحف والمجلات المحلية .
لكن سرعان ما تركت الدراسة بسبب تعصب أحد رجال الكنيسة ضد كتاباتها لأنها في رأيه كتابات غير أخلاقية ولا تتفق مع المدرسة الكنسية التي كانت تتلقي فيها علومها لكنها اتجهت نحو العمل في مدارس الأطفال الريفية حتي وصلت إلي أن تكوين مديرة لإحدي هذه المدارس الصغيرة .
وعندما بدأت شهرتها اختارتها وزارة التعليم المكسيكية لتكريمها ومنحتها منصباً شرفياً للمساعدة علي إصلاح التعليم الأساسي هناك .
وفي عام 1925 اصدرت الحكومة التشيلية قرار بتعيينها سفيرة متجولة لبلادها
حصلت علي العديد من الجوائز الدولية والوطنية ولكن كان حصولها علي جائزة نوبل للآداب عام 1947 قمة مسيرتها الإبداعية ولتكون أول كاتبة من أمريكا اللاتينية تحصل علي هذه الجائزة العالمية وتوفيت عام 1957 م .