أضواء على تاريخ الفن التشكيلي الأردني …. غـازي انعـيـم

أضواء على تاريخ الفن التشكيلي الأردني

غـازي  انعـيـم

مقدمة:

ساهم موقع الأردن المتميز ما بين قارتي آسيا وأفريقيا بأن يكون ملتقى حضارات متنوعة وعريقة ( يونانية، ورومانية، وبيزنطية، وعربية وإسلامية )، وقد خلّفَت تلك الحضارات في هذه الرقعة من الشرق العديد من الآثار التي تمثل البقايا والهياكل والقلاع والقصور والزخارف والفسيفساء والمنحوتات والرسوم الرائعة.. التي ظلت باقية حتى الآن في ( البادية الأردنية ) و ( البتراء ) و ( عمان ) و ( جرش ) و ( مادبا ) و ( وادي السير )، هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الآثار المغرقة بالقدم مثل ( تماثيل عين غزال ) والتي تعود للماضي السحيق ( بدايات العصر الحجري الحديث والنحاسي )الذي ترتبط فيه الفنون الجميلة الأردنية.

وقد تأكدت الانطلاقة عندما أصبحت فيما بعد أساساً للتقاليد التي سارت عليها الفنون الأردنية، في الفنون التطبيقية من منسوجات وبسط وحصر وتطريز وحفر على الخشب، وصناعة الزجاج، والخزف، وغيرها من المواد والأدوات.. التي حفر بها أسلافنا القرويون، بغريزة جمالية، المواضع المختلفة التي يضعون فيها أدواتهم التي تستخدم بشكل يومي مثل الجرار، والأباريق الفخارية، والزجاجية، إلى جانب القناديل وأطباق القش والبسط والصناديق المزخرفة.

تلك الأدوات أصبحت فيما بعد أساساً للتقاليد التي سارت عليها الفنون الأردنية إلى أن تعرفت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على فن التصوير من خلال الأعمال التي نفذها الفنانون القادمون من أوروبا والعالم العربي، والذين كانوا يرسمون ويدونون الملحوظات، حيث جاء كثير منهم ليزوروا مدننا ونذكر منهم الفنان الاسكتلندي دافيد روبرتس الذي رسم مناظر من مناطق مختلفة مثل البحر الميت والبتراء ووادي عربة. وكذلك الفنان اللبناني عمر الانسي وأنطوان باسيل، والأخير رسم في العام 1937 بعض الأيقونات على جدرانة كنيسة مادبا ثم هاجر في خمسينات القرن العشرين إلى أمريكا.

نشأة الفن التشكيلي الأردني

نشأ الفن التشكيلي الأردني كغيره من أنماط الفن التشكيلي العربي نتيجة الاحتكاك بالفنانين العرب والأجانب الذين زاروا الأردن بعد تأسيس إمارة شرق الأردن في عشرينات القرن الماضي، ونستطيع القول أن المراحل الأولى لتشكل الوعي الفني في الأردن كان مع قدوم الفنان اللبناني عمر الأنسي ( 1901 ـ 1969 ) عام 1922، الذي مكث عند ابن عمه ” محمد باشا الأنسي ” والأخير كان حينذاك رئيساً للديوان الملكي ومديراً للثقافة والمعارف، وقد درّس ” الأنسي ” وقتها الأمير طلال اللغة الإنجليزية، لكن هذا الفنان الذي رسم مجموعة من اللوحات التي تمثل طبيعة ( الشونة ) و( الشفا ) بالألوان المائية، لم يكن له أي أثر في الفن الأردني فيما بعد، لأنه سافر في العام 1927 للدارسة في فرنسا، وأصبح فيما بعد أحد رواد الفن التشكيلي في لبنان.

تبع عمر الأنسي الفنان التركي الأصل ضياء الدين سليمان ( 1880 ـ 1945 ) وهذا الفنان الذي كان ملحقا بالسفارة التركية في باريس وضابطاً في الجيش التركي، أقام في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، وبناءً على دعوة قدمت له في العام 1930 من قبل أحد أقاربه، توجه إلى عمان، وبقي فيها يمارس الرسم والتصوير الزيتي. وقد سجل على مسطحات لوحاته مدينة عمان والسلط وجرش والشونة وبعض الشخصيات الأردنية والوجوه البدوية. وفي العام 1938  أقام أول معرض فني له في فندق فيلادلفيا الذي كان يقع مقابل المدرج الروماني في عمان، وقد لاقى المعرض وقتذاك نجاحاً كبيراً وبيعت جميع لوحاته.. هذا وقد توفي ضياء الدين سليمان في العام ( 1945 )، ودفن في مدينة السلط.

في العام 1948 جاء الفنان الروسي الأصل جورج الييف ( 1887 ـ 1970 ) مهاجراً مع المهاجرينَ الفلسطينيينَ إلى الأردنِّ، واستقرَّ في عمانَ، وهو الفنانُ الوحيدُ الذي درّس عدداً من الفنانينَ الأردنيينَ، من بينهِم رفيق اللحام ومهنا الدرة. وفي هذه الفترة ظهر الفنان السوري إحسان أدلبي.

لقد ساهم بعض الفنانونَ الهواة، أمثال: ( سامي نعمة، حلمي حميد ) والذين كانوا يعرضون أعمالهم في المحلات العامة وصالونات الحلاقة بتعريفِ المجتمعِ الأردنيِّ باللوحة التشكيلية، وكانت لهم أيضا إسهاماتهم في الخط والتصميم، كما ساهم الفنان يعقوب سكر في تصميم العملة الأردنية وبعض الطوابع البريدية وبعد ذلك ساهم في هذا المجال أيضا الفنان السوري رفيق اللحام.

لم تعكس لوحات هذه المرحلة الحياة المعاصرة في الأردن بصورة كاملة، لكن هؤلاء الفنانون الذين كانوا لهم حضور في تلك المرحلة.. غدوا محظوظين برعاية الملك عبد الله الذي كانت لديه مجموعةٌ من أعمالهِ في القصر، وهي رعايةٌ نادرةٌ في وقتها.

مرحلة التأسيس

في أوائل الخمسينيات اندمجت الحركةُ التشكيليةُ الفلسطينيةُ بالحركة التشكيلية الأردنية، وهذا الاندماج جاء بعد وحدة ( الضفتين )، ومعها بدأت البوادرُ الجادةُ للحركة التشكيلية تظهرُ في الأردنِّ، ففي العام 1951 أخذ ” المنتدى العربي ” الذي أسسه المرحومُ إبراهيمُ القطان على عاتقه تشجيع النشاط الفني، فأقام معرضا تشكيليا شارك فيه كل من الفنانين: ( إحسان أدلبي، رفيق اللحام، مهنا الدرة، هشام حجاوي، فاليرا شعبان، ونهاية هاشم )، وكان هؤلاء جميعاً من الهواة.

وفي العام 1952 تكونت ندوة الفن الأردنية، وكانت أول تجمع للفنانين في الأردن، وقد ساهم الفنان رفيق اللحام في تأسيسها، وفي لم شمل الفنانين الأردنيين، وتشجيع العمل الفني الجماعي، وفي نفس العام أقيم المعرض الزراعي الصناعي الأردني الأول في عمان، وضم جناحاً تشكيلياً شارك فيه إلى جانب الفنانين الذين سبق ذكرهم: ( جميل مدانات، عبد الله السعودي، عيسى أبو الراغب روبيكا بهو، نعيمة عصفور وليلى مغنم ).

وفي العام 1953 عرض رفيق اللحام وفاطمة المحب وجورج الييف في الكلية العلمية الإسلامية، كما أقيم في رام الله معرضا مشتركا للفنان إسماعيل شموط وسامية الزرو، وفي نفس العام عرض أعضاء ندوة الفن الأردنية، في معهد ( النهضة العلمي)، حيث بلغ عدد المشاركين في هذا المعرض خمسين فناناً نذكر منهم: رفيق اللحام، مهنا الدرة، إحسان ادلبي، جيل مدانات بشارة انطاس، خليل العموري، فخري جاكوخ، سامي نعمة، عيسى أبو الراغب، خضروف عجميان، حلمي حميدو، عبد الله العوري، أنور زادة، دعد التل، كوثر شاهد، فاليرا شعبان، روبيكا بهو، نجاح الخياط، نعيمة عصفور ).

وبرز في هذه الفترة الفنان توفيق السيد الذي رسم مجموعة من البورتريهات المعبرة، كما ظهر في غربي النهر الفنان محمد بشناق الذي رسم عشرات اللوحات التي تمثل المدن، والأسواق، وتجمعات الباعة، وأصحاب المهن، والأماكن المقدسة، وفي العام 1956 أقام ( بشناق ) أول معرض له للرسم والنحت في مدينة الكويت، كما برز في هذه الحقبة الفنانة ( عفاف عرفات، التي أقامت أول معرض لها في العام 1958 بفندق الامبسادور في القدس، وكان معرضها الشخصي الثاني في المركز الثقافي البريطاني في عمان العام 1959.

وفي العام 1953 أسسَ الدكتورُ حنا كيالي معهدَ الموسيقى والرسم في عمان، وكان المسئول عنهُ فنان إيطاليّ هو ( أرماندو برون )، وقد التحق بالمعهد عدد من الفنانين الأردنيين من بينهم مهنا الدرة، رفيق اللحام، دعد التل، وجدان علي، سهى نورسي ونائلة ديب.. ويعد هذا المعهد الذي أقفل في العام 1961 ، بعد سفر( أرماندو ) إلى الولايات المتحدة، أول محاولة لتدريس الفنون في الأردن، كما لعب هذا المعهد دوراً بارزاً في تطوير التذوق الفني، وتقريب الفن من الجمهور.

وشهد العام 1956 ثلاثة معارض فنية الأول جماعي، أما الثاني فهو معرض شخصي أقامه الفنان ( علي الغول ) في الكلية الرشيدية في القدس، والثالث للفنان أحمد أبو سلمى في عمان.

وفي العام 1957 حصلت الفنانة فاطمة المحب على دبلوم في الفن من بريطانيا، وفي العام التالي أقامت معرضها الأول في فندق الامبسادور في القدس.

في أواخرِ الخمسينيات سافر مجموعة من الأردنيين لدراسة الفن في الخارج، وهم: رفيق اللحام ومهنا الدرة واحمد نعواش وكمال بلاطة، والتحق بعضُهم بأكاديمية الفنون الجميلة في روما، والآخرون بمعاهد فنية أخرى، وكانت ايطاليا أول بلد أوروبي يذهب إليه الفنان الأردني للتخصص في مجال الفن.

جيل التأسيس

وبالعودة إلى مرحلة الخمسينات ( جيل الريادة التأسيسي )، نلاحظ بأنها كانت مرحلة مفصلية ومهمة في تاريخ التشكيل الأردني، حيث أفرزت مجموعة من الأسماء مثل: ( رفيق اللحام، مهنا الدرة، توفيق السيد، أحمد نعواش، ومحمد بشناق )، وكان لهذه الأسماء دوراً بالغ الأهمية في تطوير حركة الفن التشكيلي الأردني وخروجه من دائرة الهواية، ليدخل دائرة الاحتراف، وما يؤكد ذلك، التأثير الذي تركوه في عقد الخمسينات من القرن الماضي وما تلاه على مستوى التحولات، حيث أدخلوا تقليداً ثقافياً جديداً على الوسط الثقافي الأردني، ألا وهو ” المعرض الفني ” الذي صار مناسبة تطلع فيها مختلف الشرائح على الأعمال التي أنجزها هؤلاء الرواد الأوائل، كما ساهموا في تكريس لوحة ذات مواضيع إنسانية وطبيعية، وفي إقامة المراسم وتأسيس المعاهد لتعليم الرسم أمام الدارسين..

لكن ما الذي قدمه كل واحد من هؤلاء الرواد لكي يسجل في موقع الريادة التأسيسي؟

الفنان رفيق اللحام

ولد رفيق اللحام في دمشق العام 1933، حيث كان واحداً من ثلة من الفنانين الذين دخلوا إلى عالم التصوير الزيتي والخط العربي والتصميم في مطلع الخمسينات حين شارك في العديد من المعارض بأعمال مستوحاة من عناصر الزخرفة الإسلامية؛ ومن البيئة الأردنية، وأكسبته دراسته في روما خبرات فنية متنوعة، وضعها في خدمة الحركة التشكيلية الأردنية، وقد تابع مسيرته من تلك اللحظة وظل متواصلاً مع الفن حيث جهد لإرساء قواعد الحركة التشكيلية بدءاً بتدريس الفنون وتنمية ورعاية المواهب، ثم تأسيس اتحاد الفنانين التشكيليين العرب عام 1971 وتأسيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين عام 1977 التي أصبح رئيساً لها في عدة دورات.

والفنان رفيق اللحام الذي  ظل متواصلاً مع فنه بكل حب وتفان وإخلاص، يعد من أبرز الفنانين الذين سجلوا بريشتهم لمدينة عمان والقدس.. والإنسان، وقد لاقت أعماله الفنية التقدير والاعتراف حيثما عرضت سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.

الفنان مهنا الدرة

تمثل تجربة الفنان الأردني ” مهنا الدرة ” الذي ولد في العام 1938 والذي شق طريقه نحو القمة، واحدة من التجارب البارزة والرائدة في ملامحها داخل إطار حركة الفن التشكيلي الأردني بشكل خاص، والعربي والعالمي بشكل عام، وكان صاحب ” البداية الذاتية الخلاقة ” في إضاءة شعلة فن الرسم والتلوين في الأردن منذ منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا.

وقد وجد مهنا الدرة في مدينة عمان واحة رحبة للتفاعل الإبداعي معايشةً وتسجيلاً لواقع الحياة في لقطات يومية رائعة، وأصبحت العلاقة ما بين ” مهنا الدرة ” ومدينة عمان حميمة، بعد أن استوعب مظاهر الحياة المرئية والمعنوية فيها، لها دلالاتها، ومرجعيتها التعبيرية والتجريدية، لذلك فإن الحديث عن مدينة عمان التي استقى ” الدرة ” منها حلولاً تشكيلية لسطوح لوحاته، وبنائياتها، في سياق الفن التشكيلي الأردني، يقتضي الحديث عن علاقة حب وتوحد عمرها ستة عقود خلت من الزمن، تسكنه ويسكنها.

في هذه المرحلة أبدع ( الدرة )، أعمالاً كان الإنسان الأردني بزيه المحلي، المحور الرئيس لها، وتعتبر تلك الأعمال غاية في الجمال والرقة، وهي تتدرج بين التعبيرية والتجريدية، نفذها بتقنية الألوان الزيتية والمائية والحبر الصيني، وكان استخدامه لتلك التقنيات استخداماً محكماً ومنفذاً بطريقة تدل على حرفية وتمكن من معالمها وطبيعتها.

بالإضافة إلى ذلك كان الخط عند مهنا الدرة مهماً جداً بقدر أهمية اللون، وكانت قدرته على استعمال اللون تجعله يستعمل الفرشاة كأنه يخطط في الكثير من لوحاته، ولذلك عندما كان يأتي إلى التخطيط الصرف سواء بالقلم الأسود أو بالحبر الصيني، كان لا يجارى.

الفنان توفيق السيد

نستعيد في هذه البحث أعمال الفنان الراحل ” توفيق السيد ” ( 1939 ـ 1996 ) كما نستعيد تجربته وأساليبه الواقعية والتعبيرية والتجريدية وتقنياته المتنوعة في الرسم والنحت والجرافيك، حيث استطاع الفنان الراحل من خلال تلك التقنيات الناهضة على خبرة وإلمام محكم بالنسب الصحيحة للمشخصات المتناولة في لوحاته، إلى جانب التعامل مع العجينة اللونية بدرجاتها المختلفة، أن يرسم عشرات اللوحات لمدينة عمان والقدس والمرأة ووجوه الناس المتعبة.. بأسلوب يتجلى بكرم لوني من ناحية وبتقشف لوني من ناحية أخرى، مع إضافات لا تؤثر على بصمته وقالبه الذي عرف به منذ أول معرض له في قاعة أمانة عمان عام 1967، حتى رحيله.

الفنان احمد نعواش

1934

يعد الفنان أحمد نعواش، الذي أثبت بجدارة هويته الفنية من خلال مثابرته الجادة في العمل وحرصه على التجديد، أحد الرموز والرواد المهمين في التشكيل الأردني المعاصر، أما بالنسبة لتجربته التي تتراوح ما بين تقنية الألوان الزيتية والأكريليكية والجرافيكية، فالمدقق فيها، يلحظ تركيزه على عالم العائلة من نساء ورجال وأطفال إلى جانب تصويره للحيوانات والأشياء التي يستخدمها الإنسان.. حيث تتداخل تلك العناصر وتتوحد مع بعضها البعض في جسد واحد أو عنق واحد، وتصبح أدواتهم جزء من أجسادهم.. وهو يرسم الإنسان كما يرسمه الطفل، فقد يكون رأسه أكبر من جسمه مرتين، وأحياناً يشترك فيه أكثر من رأس.. وكذلك قد يكون ساقه أو يده أطول من جسمه، وقد يكونا مقطوعتين.

بقي أن نشير بأن الفنان احمد نعواش الذي ولد في عين كارم عام 1934، وحصل على بكالوريوس الفنون في روما عام 1964، كان منذ بداياته حريصاً على استقلالية أسلوبه الفني وطابعه الخاص والفريد وسط المذاهب الفنية، وهذا عائد إلى إيمانه الواعي بالفكر والتراث وبالدور الذي يمكن أن يؤديه في ساحة الفن التشكيلي في وجه من يحاولون إلغاء ذاكرتنا وتغييبها.

الريادة المهاجرة

الفنان محمد بشناق

1934

أما الفنان محمد بشناق الذي ولد في حيفا عام 1934 وعاش في الكويت منذ منتصف خمسينات القرن الماضي حتى نهاية الثمانينات منه، هو صاحب بصمة خاصة مملوءة بالتنوع والثراء والتفرد.. وصاحب تاريخ فني طويل وحافل بالأعمال التي تمثل حالة خاصة في حركة التصوير والنحت.. ويعد أيضاً واحداً من الذين أثروا الساحة التشكيلية الكويتية والأردنية بكثير من الأعمال التي ساهمت في وضع اللبنة الأولى في بنائهما.. ودرس على يديه العديد من الفنانين الكويتيين الذين أصبحوا يشار إليهم بالبنان.

ونستطيع القول بأن تجربة الفنان محمد بشناق، التي شارف عمرها على الستين عاماً، لم تتوقف يوماً عن الإنتاج والعرض لتلاوين الحياة ورموزها المتجسدة بالإنسان وما يحيط به حيث رسم عشرات اللوحات التي تتناول تلك التلاوين بأساليب وتقنيات مختلفة، مستعرضاً من خلالها موهبته الفنية التي عجنتها وبلورتها الممارسة والخبرة.

والفنان محمد بشناق الذي فاز بالعديد من الجوائز لم يترك مناسبة إلا وتناولها على مسطحات لوحاته لكن تركيزه ينصب بالدرجة الأولى على الإنسان الذي عانى من شتى صنوف القهر والملاحقة والخوف من المصير، وقد تبدلت الألوان في لوحاته حسب كل مناسبة..

تأسيس الروابط وتعليم الفنون

في العام 1960 أقامت رئاسة التوجيه والأنباء والإعلام معرض التصوير الأول وكان من بين المشاركين فيه كل من الفنانين: ” ارسلان رمضان، تحسين الزعبي، جورج الييف، سلامة خوري، مهنا الدرة، فؤاد الشهابي، فوزي قندح، كمال بلاطة، رفيق اللحام، صلاح الدين الملي، أنور زادة، أمل قادري” أرادا كهيان ، أديبة معاذ، جوليت حداد، دعد التل، ديانا يواكيم، روز خوري، سميحة الوعري، عليا عقيل، عفاف عرفات، غزوة ملحس، نهلة شويحات ، نائلة حمارنة ، وجدان ناصر وفاطمة المحب “.

وفى العام 1961 تأسست رابطة رعاية الفنون والأدب في عمان، وندوة الرسم والنحت الأردنية، وكان للأخيرة فرع في عمان وآخر في القدس، وأقامت العديد من المعارض أهمها معرض الخريف الذي أقيم بأمانة العاصمة، وضم أعمال خمسين فنانا وهاويا شارك فيه: محمد خطار، بهيج قمري، أرسلان رمضان، إبراهيم حداد، أرادا كهيان، توفيق السيد، جورج الييف، خليل العموري، خضر الطاهر، حاتم غنيم، سلامة خوري، سليم المشيني، صلاح بغدادي، لبيب دعدوش، عدنان نور الدين، رفيق اللحام، محمد البارودي، هاني الحوراني، صالح ابو شندي، أنور زادة، كمال بلاطة، وجدان علي ، سعاد ملحس ، منى السعودي، مريم خطار، هالة خوري، نائلة حمارنة، هزار حجازي وهناء السعودي”.

وقد ضم معرض الخريف خمسمائة لوحة توزعت على مختلف التقنيات من زيتية ومائية ورصاص وفحم وفى نفس العام أقامت الفنانة ديانا واكيم  معرضها الشخصي الأول في المركز الثقافي الأمريكي وتوالت بعد ذلك المعارض لكل من عفاف عرفات بالقدس عام 1963م ، ووجدان علي في عمان على التوالي أعوام: 64 و 65 و 1967.

شهد العام 1964 عودة الرعيل الأول: ( رفيق اللحام وأحمد نعواش، ومهنا الدرة وكمال بلاطة ) من الدراسة في ايطاليا، تصطحبهم مؤثرات المدارس الفنية الغربية، ولكن هذه المؤثرات ما لبثت أن امتزجت بالتأثيرات المحلية.. وبعودتهم ازداد تحمسهم إلى أغناء الحركة التشكيلية، فتوالت المعارض الشخصية والجماعية..

وفي العام 1965 أخذت وزارة السياحة مبادرة المشاركة بأعمال الفنانين الأردنيين في المعارض الدولية، وكان معرض نيويورك أولَها، تبعتها معارض أُخرى في بغداد ودمشق وباريس وروما وكوبنهاجن وبرلين.

وقد مارس عدد من الفنانين التدريس في مراسمهم، في الفترة ما بين ( 1965 ـ 1970 ) أمثال رفيق اللحام، مهنا الدرة، محمود طه، ياسر دويك، سامية الزرو وديانا شمعونكي، كما مارس البعض الرسم الكاريكاتوري في الصحافة الأردنية أمثال الفنان الراحل رباح الصغير والراحل توفيق السيد، ومحمود صادق، جلال الرفاعي، زكي شقفة، اسحق نحلة، كما ظهر مع تطور الصحافة الأردنية في تسعينات القرن الماضي ظهر الفنان حجاج، والجعفري وأمجد رسمي ومحمد أبو عفيفة.

وفي العام ( 1966 ) تأسست دائرة الثقافة والفنون، وكانت تابعة لوزارة الشباب، وهدفها دعم الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقى والأدب وتشجيعها.

اتسمت لوحات هذه المرحلة بمعالجة الحياة الفلكلورية والشعبية حيث رسمت الوجوه البدوية والصحراء وما إلى ذلك من مواضيع.. ولم يكن في هذه المرحلة أي أهمية للفن من المنظور الاجتماعي.

بعد هزيمة العام 1967 خضعت الحركة التشكيلية الأردنية، لظروف مختلفة، تتوافق مع الواقع السياسي والاجتماعي، حتى تمكنت من تقديم نماذج حية معبرة عن الواقع المعاش، وهيأت للإبداع الشخصي فرصة البروز والاستمرار بتقديم هموم وتطلعات ومشاعر الناس وآمالهم في تحرير فلسطين.

ظهر على الساحة التشكيلية في مرحلة السبعينات بالإضافة إلى ما ذكر الفنانة منى السعودي ونصر عبد العزيز.

عقود النمو

مع بداية السبعينات تضاعف النشاط الفني في الأردن، ففي العام 1972 ، أسست دائرة الثقافة والفنون ( معهد الفنون والموسيقى ) بمبادرة من الفنان مهنا دره الذي ترأس إدارته وكذلك الفنان علي الغول وشاركهم في فكرة التأسيس الفنان محمود صادق، وكانت مدة الدراسة سنتان، يتعلم الطالب فيهما الرسم والتصوير والنحت وفن الطباعة والخزف، وقد تخرج فيه عدد من الفنانين الأردنيين الذين تعلموا على يد كل من: مهنا الدرة، علي الغول، رفيق اللحام، كرام النمري، عزيز عمورة، محمد السيد، حفيظ قسيس، ونذكر من الفنانين الذين تخرجوا في هذا المعهد والذين أصبح لهم حضور فني لافت فيما بعد: يوسف الحسيني، مأمون ظبيان، نبيل شحادة، عمرحمدان، مازن عصفور، يوسف بداوي، عرفات النعيم، محمد الدغليس.

استطاع بعض الذين درسوا الفن في معهد الفنون من إكمال دراستهم الفنية العليا في الخارج، معتمدين على التأسيس الذي حصلوا عليه في المعهد، وما زال هذا المعهد الذي أصبح اسمه الآن ( مركز تدريب الفنون الجميلة ) ويديره الفنان والناقد محمد العامري يساهم في احتضان وتشجيع ورعاية أصحاب المواهب، ويساهم في النشاط التشكيلي.

في هذه المرحلة ازداد عدد البعثات الفنية الممنوحة من قبل وزارة التربية والتعليم، فقد أرسل عددٌ من الطلبة إلى عدة بلدان منها: تركيا والاتحاد السوفياتي ( سابقاً ) والعراق وسورية وايطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وأمريكا وسويسرا والباكستان.. وبعد العام 1975م بدأت البعثات الدراسية التي عادت من الخارج تفتش عن مفاهيم حديثة، وعن لغة تمكنهم من التعبير عن الواقع، وقد فتح ذلك الطريق على مصراعيه إلى التأثير بكل الأساليب الحديثة الفنية على اختلاف أشكالها.

ولعل أهم المعاهد الذي أخذ على عاتقه تشجيع وتعليم الفنانات هو المعهد الملكي الذي أسسته الأميرة ( فخر النساء زيد 1901 ، 1991  ) العام 1975 في عمان، حيث عملت الأميرة على نقل خبراتها الفنية للطالبات، وهؤلاء لا زلن مخلصات لما آمن به، كما نجحن في خلق تيار فني ما زال مستمر في التعبير عن نفسه، ومن الفنانات اللواتي درسن في هذا المعهد، نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر:

( الأميرة عالية بنت الحسين، هند الشريف ناصر، سهى شومان، جانسيت شامي، رباب منكو، أوفيميا رزق، جانيت جنبلاط، ماجدة رعد ).

شهد شهر شباط من العام 1977 تأسيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، حيث ضمت مجموعة هامة من الفنانين التقليديين إلى جانب مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب وقد أخذ هؤلاء جميعاً على عاتقهم الدفاع عن الفنان الأردني ورعايته وتشجيعه وتقديمه محلياً وخارجياً، وشهد العام الذي تأسست فيه رابطة التشكيليين إقامة معرض الفنون التشكيلية الأول تم تلاه المعرض الثاني العام 1978 في قصر الثقافة بمدينة الحسين للشباب حيث ضم أعمالا للرواد والشباب.

كما أفسحت الرابطة المجال للتنافس ما بين الأجيال على الإنتاج الفني والعرض، ليمثل بداية مخاض جديد في الحركة التشكيلية الأردنية.

وفي العام 1979م، تأسست الجمعية الملكية للفنون الجميلة برئاسة سمو الأميرة وجدان علي.

اتسمت مرحلة السبعينات بنشاط فني متزايد سواء على صعيد المعارض الشخصية أو على صعيد التجمعات الفنية ولهذا نستطيع اعتبار هذه المرحلة بداية نشاط فني متميز في الأردن وهذا يرجع إلى توسع تعليم الفن في المدارس والمعاهد والجامعات بالإضافة إلى بروز أسماء فنانين درسوا الفن في الخارج وفتحوا مراسمهم لاستقبال الهواة وهذا يعتبر علما متمما لتدريس الفنون في المدارس الثانوية والمعاهد التي تهتم بالفن وتأثرت الحركة الفنية بالتيارات الحديثة الوافدة إلى الأردن.

وقد ظهر في هذه المرحلة مجموعة من الأسماء، أمثال: ، كايد عمرو، عبد الرؤوف شمعون، عزيز عمورة، زكي شقفة، كرام النمري، نبيل شحادة، محمد أبو زريق، محمد عيسى، قاسم عامودي، محمد شعبان، راتب شعبان، أحمد حسان، إبراهيم النجار، خليل طبازة، سعيد حدادين، عبد الرحمن المصري، واصف المومني، بادي طويط، سامر الطباع، خالد الحمزة، حفيظ قسيس، خلف صوان، عبد الناصر عودة، عدنان الحلو، عمر بصول، محمد بوليس، محمد خير ديباجة، محمد شبانة، الراحل محمد مريش،  الراحلة رجاء أبو غزالة، الراحلة علياء عمورة، رلى الشقيري، صباحات الرشدان،  ليلى جعنيني، مكرم حاغندوقة، منى السعودي، إنصاف الربضي، حنان الآغا،  هناء السعودي، هند أبو الشعر، هيام أباظة، لانا نمروقة ، رحاب النمري، أروى التل ، سميرة بدران.. وغيرهم.

تنافس الأجيال

بحلول العام 1980 بدأت الحركة التشكيلية تعي دورها وتأكد ذلك من خلال تأسيس كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك وافتتاح المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة ومن خلال المشاركة في المعارض العربية والدولية وأصبح هناك تنافس بين مختلف الأجيال الفنية، تفجر العام 1981 عندما تشكلت في نفس العام ( جماعة الفنانين الشباب ) التي كان لها دور مميز على مسار الحركة التشكيلية الأردنية، فقد أقامت تلك الجماعة مجموعة من المعارض في المناسبات الوطنية والقومية وأقامت معرضا سنويا لأعضائها بالإضافة للمعارض العربية التي أقامتها في كل من القاهرة ودمشق والكويت باسم معرض الفن الأردني المعاصر، لكن تلك المجموعة تلاشت مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي بعد أن توصلت إلى صيغة تصالحيه في العام 1988 وعادت إلى حضن الرابطة، وكانت جماعة الشباب تتكون من: إبراهيم أبو الرب، محمد عيسى، عدنان يحيى، حسين دعسة، رزق عبد الهادي، عدنان يحيى، زياد التميمي، محمود دجاني، واصف المومني، هدى قاسم، هند أو الشعر وآخرين.

و توالى بعد ذلك عدد الخريجين ليرفدوا الحركة التشكيلية الأردنية المعاصرة بعطاءات متميزة، وقد شاهدنا في هذه المرحلة نضوجا في المستوى الفني من حيث الشكل والمضمون.. والتطلعات الجديدة.. ونذكر من الفنانين الذين قدموا تطلعات جديدة مرتبطة بالمفاهيم الأساسية المبنية على احترام الأسس الرئيسة في الفن بالإضافة إلى ما ذكر من أسماء:

كامل قعبر، حسني أبو كريم، محمد نصر الله، محمد العامري، عبد الحي مسلم، رمضان عطون، خالد خريس، حازم الزعبي، محمد قيتوقة، حسين نشوان، شومان رضا، عاهد يونس، عصام نصيرات، محمد الجالوس، زياد التميمي، خضر نعيم، مكرم الرفاعي، جمال عاشور، غسان أبو لبن، جلال عريقات، حازم الزعبي، ناصر عودة، حازم الزعبي عبد السلام كنعان، ابتهاج الاميركاني، محمود عيسى، رائد الدحلة، سمير باطا، ضيف الله عبيدات، عاصم الصالحي، عصام طنطاوي، عمار خماش، علي الجابري، مأمون ظبيان، هدى قاسم، يوسف الحسيني، حسن عبيدة، يوسف بداوي، سحر قمحاوي، نعمت الناصر،  نجوى عناب، ديانا شمعونكي، مارجريت تادرس، غادة دحدلة، نوال العبد الله، لاريسا النجار، ليلى حداد،   وغيرهم..

تحولات مهمة

شهدت مرحلة التسعينات تحولاً مهماً في مسيرة الحركة التشكيلية الأردنية، حيث استطاع العديد من الفنانين من السيطرة على الأدوات ومهارة الأداء… وامتلاك ناصية لغة الفن الرفيعة الراقية، نذكر منهم: (هيلدا الحياري، مها محيسن، روان العدوان، سمر حدادين، عبير الحنبلي، فايزة حداد سناء المصري، لحاظ أبو كشك كمال عريقات، كمال أبو حلاوة، إحسان البندك، محمد الدغليس، عرفات النعيم، أحمد شاويش، محمد البربري، ميشيل عجيلات، احمد صبيح، خلدون أبو طالب، إبراهيم شاكر، أديب عطوان وغيرهم.

ومما يثير الانتباه أن بعض الفنانين الشباب قد علموا أنفسهم بأنفسهم، ولم يخضع أي منهم إلى التعليم في كليات فنون أو معاهد مختصة…  والبعض الآخر تعلموا في محترفات فنانين… وأن الكثير من هؤلاء الفنانين الشباب قد طوروا ملكاتهم الإبداعية من خلال كليات الفنون والورش الفنية، والاحتكاك المباشر مع الفنانين الكبار..

لكن السؤال الذي يطرح الآن هو: ما هي الاتجاهات التي ظهرت في نتاج الشباب؟ بالتالي ماذا عن الجوانب التقنية والجمالية لهذه الاتجاهات؟

إن التنوع في الاتجاهات الفنية قد جاء شاملاً لمختلف العناوين الجمالية، فثمة تجارب فنية شبابية ظهرت في الألفية الجديدة، مثلت قمة التمرد على كل ما هو تقليدي في التعبير الفني، وهذه التجارب التي استقطبت من قبل أصحاب صالات العرض، أخذت على عاتقها التجديد، وشق الطريق أمام التيارات الفنية على اختلاف أنماطها.. فراحت تجرب بوعي وحذر معاً، بينما اكتفت بعض التجارب الأخرى باللعب على السطوح، وبين هذا وذاك برزت أسماء لم تدرس الفن في أكاديميات فنية، لكنها حققت قدراً متبايناً من مهارة الأداء، وامتلاك الأدوات، وأخـذت لوحاتهم دورها ألتغييري، وفرضت نفسها، وأثبتت وجودها، ودخلت المنافسة بقوة، وجعلت لها موقعاً ومكاناً بين التجارب الفنية، نذكر منهم:

“جهاد العامري، إبراهيم الخطيب، غاندي الجيباوي، عبد المجيد حلاوة، محمد السمهوري، زياد مهيار، وليد اقصوي، عبد الله منصور، محمد عوض، محمد دحيدل، مها خوري، فاطمة بور حاتمي، أنيسة أبو بكر، دانا عمرو، عدلة الحاج، مرام مجدلاوي، فايدة ماتوخ آلاء يونس، أمل إبراهيم، سحر العلي، هناء الخضور، سيرين خصاونة، ندى عطاري… الخ.

أخيراً تتسم حركة الفن التشكيلي الأردني التي شهدت مراحل مختلفة، ومرت بخطوات متلاحقة من التطوير والاهتمام حتى وصلت إلى المستوى الذي نشهده اليوم، بالتنوع الشديد في اتجاهات التشكيل ومدارسه المختلفة، لكن هذا التنوع في مجمله يعبر عن مناخ وتاريخ وحضارة وثقافة الأردن.

ـــــــــــــــــ

المراجع:

1 ـ الفن التشكيلي المعاصر في الأردن: ذيب حماد، دار فيلادلفيا للنشر، عمان 1972.

2 ـ بانوراما الفن التشكيلي في الأردن: محمد أبو زريق و أحمد الكواملة، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، ط 1، 1990.

* غازي عيسى انعيم: ناقد وتشكيلي ورئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، يكتب في

العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.

ـ العنوان: صويلح: ص. ب: 1384 الرمز البريدي: 11910 الأردن

ـ جـوال: 00962795509308

ـ البريد الالكتروني: ghaziinaim@yahoo.com