السينما العجــوز والمخاض الجديد ……… د. نبيل سليم

السينما العجــوز

والمخاض الجديد

—–

د. نبيل سليم (*)

بعد مرور أكثر من مائة عام علي اختراع السينما ما زلنا نغرق في أسيجة العبث التنظيري حول الأسس النظرية الواحدة الكامنة أصلاً في طبيعة هذه السينما العجوز التي تحتاج إلي مخاض جديد يجعلها تلد إيداعاً رفيع المستوي يعبر بصدق عن جماليات الفن السابع .

رغم الأزمة التي تمر بالسينما العربية هذه الأيام ، ورغم الضوء الأحمر الذي يحمل إشارة الإنذار والذي يشتعل في أكثر من منعطف ، ورغم الصرخات المتوالية ذات الأصداء العالية التي يرددها الكثير من العاملين في الوسط ، منتجين وموزعين ، وأبطال ، فإن هناك مخاضاً يتم في صمت بجنبات هذه السينما العجوز التي لا زالت قادرة علي العطاء مخاض يتمثل في أشياء جديدة تحدث في أسلوب خاص يحاول أن يفرض نفسه .. في طريقة مميزة لرسم الشخصيات والأحداث ، وأخيراً في جو عبق ، ورائحة ذكية يتسلل من بين العشرات من الأفلام التي تشبه بعضها البعض حتي ليخيل للمرء أحياناً أنه يشهد مسلسلاً ( سينمائياً ) واحداً ، يراه رغماً عنه من خلال أفلام تتناثر في أكثر من مكان .

لذلك يقف المشاهد وقفة المتأمل أمام النماذج والوجوه والشخصيات الجديدة التي تطل علينا بملامحها الصاخبة الصادقة ضمن غابة من الأقنعة التي فقدت بريقها وتأثيرها وغموضهاً .. والطريف أن هذا الجديد في التعبير – لا يأتينا دائماً – كما هو متوقع من مخرجين جدد ، وإنما من مخرجين كبار وقدامي وصلوا إلي آخر الشوط ، ولم يعد يهمهم التجديد والإبهار ، بقدر ما يهمهم الاحتفاظ بمكانتهم الفنية وسمعتهم لدي جماهيرهم .

———-

(*)  طبيب وناقد فني مصري .

فهل يمكن صنع فيلم ذو سوية فكرية وفنية رفيعة محققاً في الوقت ذاته حضوراً جماهيرياً قوياً علي الشاشاات الكبيرة والصغيرة ؟ .. ألا يبدو مثل هذا السؤال بعد مرور أكثر من قرن علي اختراع السينما ، نوعاً من العبث التنظيري فقط لا غير ؟ .. ربما لكننا لا نستطيع – رغم ذلك – نفي ظاهرتين أفرزهما هذا التاريخ القصير العجوز، ويبدو من خلالهما أن الإجابة عن هذا السؤال لم تزل إشكالية ، وما زالت تنتظر مزيداً من البحث والفحص والجدل والتحليل .

الظاهرة الأولي :

تتمثل في وجود عدد كبير من الأفلام التي تنتمي إلي كنوز السينما العالمية ، والتي لم تحظ بأية جماهيرية لا وقت ظهورها ولا فيما بعد ، كالعديد من الإنتاج الجاد في بلدان العالم الثالث ، والأخري استطاعت تجذب الجماهير في مرحلة ما ومن ثم فقدت بريقها مع مرور الزمن ، مثل أفلام الواقعية الإيطالية التي من المستبعد أن تحظي اليوم بجمهور كالذي رافقها في نهاية الأربعينات والخمسينات ، وبقي يدافع عن ملامحها حتي بداية السبعينات أو أفلام استطاعت الوصول إلي الجمهور في بلدان ، أو مناطق محددة دون غيرها ، كالكثير من الأفلام السوفيتية التي غالباً لم تلق الرواج في الخارج كما في الداخل فنجوم الكوميديا السوفيتية من مخرجين وممثلين علي سبيل المثال ، ما زالوا مجهولين في جميع أنحاء العالم ، في الوقت الذي استطاع أقرانهم في أوروبا والولايات المتحدة أن يصنعوا لأنفسهم أسماء لامعة ومعروفة في كل مكان ، ولعل سينما الحرب السوفيتية كانت الأوفر حظاً في الانتشار والجماهيرية ، إلي درجة ساد معها الاعتقاد بأنها السينما الوحيدة التي أنتجها الإتحاد السوفيتي .

أما الظاهرة الثانية :

فيمكن أن نطلق عليها ظاهرة السينما الأمريكية الجادة ، وهي كفاعدة عامة وجدت طريقها إلي الجماهير لا في بلدها فحسب بل وفي معظم بلدان العالم . وقد يعود سبب ذلك إلي ارتباط السينما الامريكية منذ البداية بصورة متجذرة بآليات السوق ، وبما أفرزته من احتكارات ضخمة علي الإنتاج السينمائي ، إذ وصل نصيب هوليود وحدها في الثلاثينيات إلي نحو 90 % من مجمل الإنتاج ، مقابل 10 % فقط للإنتاج السينمائي المستقل ، مما أدي إلي تبلور تقاليد إنتاجية راسخة لم تحد عنها حتي السينما الأمريكية الجادة ، محافظة منذ بدايتها وحتي اليوم علي علاقة حميمة مع شباك التذاكر ، وذلك من خلال أربعة عناصر هيكلية نوجزها فيما يلي :

1-   فنون الدعاية والإعلان .

2-   صناعة النجوم .

3-   المضمون الفيليم .

4-   أساليب التناول الفني .

إذا نحن إزاء ظاهرتين متناقضتين تماماً تطرحان أمامنا عشرات الأسئلة التي تصب جميعها في سؤال جوهري واحد : ما هو سر جماهيرية الفيلم السينمائي ؟ الحقيقة بصدد مجموعة كبيرة من الأسرار الكامة في ثنائيا علاقة الجمهور بالسينما ، وبالتالي نحن نناقش طبيعتين مختلفتين من الأشياء الأولي تكمن في آليات تفاعل وعي الجمهور مع ما يشاهده والثانية في مضامين واساليب التشويق السينمائي في الفيلم ، ونحن نستخدم مفهوم التشويق هنا بمعني جميع الأدوات الفيلمية التي تسعي لأعلي مستوي من تفاعل الجمهور مع الفيلم ، وضمن نقاط تقاطع هاتين الطبيعتين سنحاول التماس الأجوبة.

من المعروف أن وعي الجمهور يبني علاقته مع الفيلم علي مستويين أساسيين البطل من جهة ، والحديث بكل ما يحمله من مدلولات معرفية وبصرية وسمعية من جهة ثانية .

علاقة الجمهور بالبطل :

إذا وسعنا نموذج ” هانز روبرت باوس ” لأنماط تفاعل الجمهور مع البطل سنستخلص ستة أنماط : التقمص ، الإعجاب ، المقارنة ، التعاطف ، النفور ، الحياد .. ولنتناول كل نمط من هذه الأنماط بشئ من التفصيل :

1-  التقمص : وفيه يضع المشاهد نفسه مكان للبطل ، وهو قد يكون كلياً بمعني أن يرافق المشاهد بطله طيلة الفيلم ويعيش معه معاناته وأفكاره ومشاعره وصراعاته ونزواته وانتصاراته .. إلخ ، وقد يكون جزئياً ، عندما يتخلي المشاهد عن بطله في أحد مشاهد الفيلم نتيجة تمرد الأخير علي مرجعية الأول سواء كانت أخلاقية أو سياسية أو أيدلوجية ، ونحن نتكلم هنا عن مرجعية كامنة في الوعي الباطني للمشاهد ، وهي ليست بالضرورة تلك السائدة في المجتمع ، وإلا بماذا نفسر إقبال إعداد كبيرة من المشاهدين – في بلادنا – علي الأفلام الجنسية ؟ … ثم أليس البطل الثوري نموذجاً محبباً للتقمص لدي جمهور خنقته الأنظمة الديكتاتورية ؟ … أما التقمص الجزئي فيظهر عندما يلتقي المشاهد مع بطل لم يتقمصه في الأساس ، وإنما وجد نفسه يحتل مكانه في مشهد أو أكثر من الفيلم .

2-  الإعجــاب :  التقمص يتطلب شخصيات في متناول الجمهور سواء من حيث الانتماء الطبقي أو التركيبة النفسية والأخلاقية أو الإمكانيات الجسدية أو الوضع الاجتماعي أو القدرة الذهنية والموهبة أو المكانة التاريخية .. إلخ مما يجعله عاجزاً عن فعل التقمص أمام أبطال يتفوقون عليه في كل ذلك أو في بعض منه فلا يبقي أمامه سوي الإعجاب بشخصيات محددة كالعصامي أو المسيح أو ابن رشد أو صلاح الدين … إلخ .

3-  المقارنــة : يقع هذا النمط غالباً بين النمطين السابقين ، فالإعجاب يولد في بعض الحالات عند الجمهور محاولة لتقمص ما لا يمكن ، مما يدفع به إلي مقارنة ذاته مع بعض جوانب شخصية البطل ( كالوضع المادي أو السلوك ) ، كما أن النفور من البطل يولد مشابهة يشعر الجمهور فيها بنوع من التفوق عليه.

4-   التعاطف : يرفض الجمهور وبصورة قاطعة التمادي مع البطل الضعيف مهما يكن نوع هذا الضعف ( جسدياً أو نفسياً أو اجتماعياً ) لكنه لا يرفض وجوده ، إذ أنه مع هذا النوع بالذات من الأبطال يمارس لذة التفوق عندما يحقق في ذهنه خيارات ويتخذ قرارات ويقدم علي أفعال تتجاوز قدرة البطل ، وقد يدفعه ذلك إما إلي الاشفاق عليه والتعاطف معه ، أو إلي النفور منه ، ومن الجدير بالذكر أنه في بعض الحالات يدفع البطل غير المتكامل الجمهور إلي الإعجاب به كما هي الحال مع الأبطال المصابين بعاهة ما لم تمنعهم من اجترار الأعمال العظيمة .

5-  النفــور : غالباً ما ينشأ هذا النمط من التفاعل عندما يتعلق الأمر بالبطل السلبي كالمجرم أو المستعمر أو الديكتاتور أو الخائن إلخ .. أي مع بطل يرفضه الجمهور ويوجه نيران كراهيته نحوه ، لهذا السبب أو ذاك ، دون أن ننسي أننا نتكلم عن مفهوم سينمائي للطبل السلبي ، وليس عن مفاهيم سلبية لهذه الشخصيات ، فالمجرم علي سبيل المثال يقدم في كثير من الأفلام السينمائية علي أنه بطل إيجابي .

6-  الحيــاد : في الحقيقة هو نمط من اللاتفاعل بين الجمهور والبطل ، ناجم عن عدم فهم الجمهور لنموذج البطل المقدم في الفيلم ، لما يحمله من دلالات غربية في مضمونها  ومجهولة تماماً بالنسبة إليه ، وهو ما يؤدي إلي ابتعاد الأخير عن الفيلم بأكمله – أو لضعف ملامح هذه الشخصية – مما يجعل علاقة الجمهور بها واهية وضعيفة لدرجة الحياد ، أو أنها قدمت بأسلوب لا يدع أي مجال للتمادي معها .

نلاحظ من خلال ما تقدم أن علاقة الجمهور بالبطل لا يمكن دائماً حصرها وفق نمط من أنماط التفاعل ، فكثير ما ينتقل الجمهور بين أكثر من نمط ، كأن يتحول في علاقته من التعاطف إلي الإعجاب ، أو من الإعجاب إلي المقارنة أو من التقمص إلي النفور .. وهكذا .

لكن لا شك في أن لهذه الأنماط مستويات مختلفة من الفاعلية الجماهيرية وجعل الجمهور ينتقل بين هذه المستويات ، قد يصب في جماهيرية الفيلم أو العكس ، قد يصب في جماهيرية الفيلم أو العكس ، إذ يعتمد ذلك علي اتجاهات التنقل من جهة ، وعلاقة الجمهور بالحدث ومفهوم التشويق السينمائي من جهة ثانية .

علاقة الجمهور بالحدث :

ومن الواضح أن نمط تفاعل الجمهور مع البطل يخضع – بهذا الشكل أو ذاك – لتفاعل البطل نفسه مع الأحداث التي تحيط به وتحركه ، مما يخلق بدوره أنماطاً متعددة لتفاعل الجمهور مع هذه الأحداث ، وهي تنقسم إلي خمسة أنماط : التأمل ، التخيل ، التذكر ، الإثارة ، اللامبالاة ، ولتناول أيضاً كل نمط من هذه الأنماط بشئ من التفصيل.

1-  التأمل : وينشأ هذا النمط عندما يقيم الجمهور علاقة واعية (غالباً تكون غير إرادية) مع ما يشاهده ، فيبدأ  بالتحلل والمقارنة والاستنتاج وينتهي برفض أو قبول الخطاب الذي يقدمه الفيلم ، أو بعض مشاهده ( سواء كان هذا الخطاب مباشراً أو يصل من خلال السياق العام للفيلم ) وكثيراً ما يتسم هذا النمط بنوع من القدرية السينمائية ، التي تخضع وعي  الجمهور بصورة مطلقة للخطاب الفيلمي وتجعله يسلم تماما بهذا الخطاب ،كما أنه في حالات أقل يتسم بـ
( فاعلية سينمائية )تحرض وعي الجمهور وتدفعه إلي إعادة التفكير في مسلمات وبديهيات فرضت عليه وفي الحالتين يتحول الجمهور من المشاهدة السلبية إلي الفعل والتأثير في الواقع المحيط به .

2-  التخيل : لعل هذا النمط من تفاعل الجمهور مع الحدث هو الأكثر انتشاراً ، إذ يشكل لهذا الجمهور كنزاً لا يفني من الأحلام المصورة التي يجد فيها نظيراً لأحلامه وآماله الخاصة التي يقمعها الواقع بقسوة شديدة ، بل إن السينما تقدم له هذه الأحلام بصورة أكثر تكاملاً وإبهاراً وجمالاً وأشد إقناعاً وتأثيراً ، ويتم التخيل عبر آليتين : إما أن يقحم الجمهور نفسه داخل الفيلم متقمصاً أحد أبطاله ، أو يجد لنفسه مكاناً وهمياً بين جميع الشخصيات المشاركة في الأحداث ، وذلك عندما يدرك في وعيه استحالة نقل الواقع الفيليم إلي واقعه الحياني ( رغم أن مثل هذا النقل قد يتم في مستوي متدن من الوعي كما هو الحال عند القاصرين مع الجمهور ) .. أما الآلية الثانية فتتم عبر استخراج الجمهور لبعض عناصر الواقع الفيليم ومع واقعه الحياتي ، مما يخلق لديه عملية تخيل
( أحلام يقظة ) تسير بصورة متناظرة وأحياناً متقطعة مع عملية المشاهدة ، وقد تستمر إلي ما بعد انتهاء الفيلم ، مرتبطة أحياناً بأحلام مستقبلية .

3-  التذكر ، كما تحرك السينما في وعي الجمهور تخيلات مستقبلية ، تقوم كذلك بتحريض ذاكرته عندما تعرض له أحداثاً تتقاطع مع ماضيه ، وقد تكون هذه الذاكرة ” مشتركة ” عندما يتعلق الأمر بأحداث تاريخية ، إما بعيدة حيث يكتسب الماضي بعداً تجريدياً ، يستعيده الجمهور علي أساس خبرته المعرفية ، التي غالباً ما يكون متيقناً منها لدرجة توجسه ورفضه لأي نقد يمسها ، أو قريبة علي أساس مشاركته الفعلية في ماض واقعي تماماً ، وقد تكون هذه الذاكرة ، خاصة بكل فرد علي حده من الجمهور ، عندما يحفزها حدث أو حالة أو موقف لاستنباط نظير مشابه عايشه في الماضي .

4-  الإثــارة : وهو نمط من التفاعل يرتكز بصورة أساسية علي أحاسيس وغرائز الجمهور ، وعلي قاعدة هذا النمط بالذات ظهرت وتبلورت أجناس سينمائية كاملة ذات رصيد عال في بورصة الجماهير ، اعتمد كل منها إحساساً أو غزيرة بعينها لدي الجمهور .. فالميلودراما سعت نحو الحزن ، والكوميديا نحو البهجة ، وأفلام الرعب نحو الخوف ، وافلام الجنس نحو التهييج ، وافلام الويسترن نحو العنف .. إلخ دون أن ننسي إمكانية توظيف عناصر من هذه الاجناس كلها في أفلام سينمائية تختلف عنها من حيث تركيبتها الدارمية والفنية لتشكل عامل جذب ، يفقد الفيلم من دون كل إمكانية للتواصل مع الجمهور .

5-  اللامبــالاة : إذا كانت الأنماط السابقة تشكل تفاعلات متفاوتة بين الجمهور والفيلم وتؤدي في المحصلة النهائية إلي الجماهيرية بهذا الحجم أو ذاك ، فإننا عند هذا النمط نتعامل مع تفاعل في منتهي السلبية أو مع انتفاء لكل تفاعل بين الجمهور والفيلم ، ونستطيع إرجاع ذلك إلي عاملين أساسيين :

الأول : ناجم عن طبيعة موضوع الحدث (التيمة) وكثيراً ما حدث في تاريخ السينما أن أبدي الجمهور في هذا البلد أو ذاك قابلية لاستقبال موضوعات محددة دون غيرها في مرحلة زمنية معينة وهو ما جعل من ” التطرق إلي موضوعات جديدة تخرج عن السائد” ، مغامرة إنتاجية قلما خاضها المخرجون ، ورغم ذلك استطاع الكثيرون منهم الوصول إلي الجمهور ، لكن هذه الإمكانية من التواصل تنتفي تماماً عندما لا يعي الجمهور علي الإطلاق طبيعة الموضوع ، وبالتالي مجمل الخطاب الذي يقدمه الفيلم .

الثاني : يعود طبيعة المعالجة الفنية أو الفكرية أو الاثنين معاً للحدث ، فطبيعة المعالجة الفنية قد تفضي إلي عدم فهم الموضوع ، ولعل أكثر ما يعاني هذه المشكلة ، الأفلام ذات التوجهات الحداثية والتجريبية ، التي قد ينتفي الموضوع في بعضها فعلاً ، كما أنها – أي طبيعة المعالجة – قد لا تمكن الجمهور من التواصل مع مجريات الحدث رغم إدراكه لماهية الموضوع ، أما علي مستوي المعالجة الفكرية فمن الواضح أن الجمهور سيرفض وبصورة مبدئية وقاطعة أي خطاب فيلمي ” فج ” يقع في تناقض صارخ مع مسلماته التاريخية والدينية والسياسية .. إلخ .

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن المبالات قد تصبح نمطاً من التفاعل حتي قبل مشاهدة الجمهخور للفيلم ، علي أساس خبرته تجاه أفلام تنتمي إلي جهة معينة مثلاً ( بلد أو مؤسسة ) .

من كل ذلك نستنتج أنه علي أساس تحريض الفيلم لأكثر الأنماط فاعلية في علاقة الجمهور مع البطل والحدث  ، ستتحدد جماهيرية هذا الفيلم ، وبالتالي كان لابد للفيلم أن يخلق خلال تايخ السينما القصير بالنسبة للمسرح مثلاً – مستفيداً من تاريخ المسرح والأدب الطويلين – عناصر متعددة للتحريض تنتدمج جميعاً فيما أطلقنا عليه في البداية مصطلح ” التشويق السينمائي ” .

والحقيقة إن كل ما يدخل في نسيج الفيلم السينمالئي – ابتداء من القصة بكل ما تقتضيه من أحداث وشخصيات وطبيعة معالجة ،وانتهاء بمختلف الوسائل التعبيرية للسينما ، من تصوير وإضاءة ومونتاج وإيقاع وميزانسيين وديكور وتمثيل وموسيقي ومؤثرات صوتية .. إلخ – يمكن له أن يصبح أداة تشويق للجمهور ، بنفس القدر الذي قد يتحول فيه إلي ذريعة للإحجام عن الفيلم ، وطالما نحن أمام إمكانيات دائمة ومفتوحة لمعالجات جديدة وأساليب مبتكرة في ، تناول مختلف الموضوعات التي تطق إليها الفن عبر تاريخه الطويل ، وبصورة أعقد أمام أبجدية سينمائية ذات قدرة تعبيرية لا متناهية، قادرة باستمرار علي إيداع تراكيب بصرية سمعية ، متحركة ومتداخلة ، تخلق بدورها مؤثرات خاصة وجديدة في كل مرة علي الجمهور .

وطالما نحن أمام كل هذا . فهل نستطيع حصر أدوات التشويق السينمائي ، من أجل صنع إكسير جديد يمنح هذه السينما العجوز بعض الحيوية لتستعيد فتوتها وشبابها؟.. من الواضح أنه حتي لو توافرت إمكانية كهذه فهي تحتاج إلي الكثير من الجهد والدراسة والتقصي .. وستبقي نسبية علي مستوي الزمان والمكان .

المراجـــع :

1-   د. رفيق الصبان ، ملامح جديدة في السينما العربية ، القاهرة ، 1999م .

2-  نوار جلا حج – كيف نصنع فيلماً جماهيرياً ، أم كيف نصنع جمهوراً لفيلم جاد – دراسة – الفن السابع – 1/ 2000 م .

3-  د. نبيل سليم – الفن السابع .. أين الخلل ؟ دار الانتشار العربي ، ط1 ، القاهرة –  1999م .

4-  د. نبيل سليم – السينما العربية بين الزهد والتواجد ؟  – دار الجامعية للنشر – الإسكندرية ، 2000م .