منذ انهيار الشيوعية وبروز دور الحركات النضالية الإسلامية في الشرق الأوسط وما نتج عن ذلك من مخاوف وهواجس وردود أفعال بشأن الصراع القادم بين الإسلام والغرب بعد أن نفض الغرب يده من الشيوعية بدأت تبرز في ساحة الفكر الطروحات جديدة تكرس .. الهيمنة الرأسمالية الغربية وتسجل ما تعتبره انتصارا تاريخياً حاسماً عبرت عنه أطروحة فرنسيس نوكوياما عن نهاية التاريخ وخاتم البشر كما عبرت عنه من زواية انتصار الحضارة الغربي القوية كتابات صمويل هتنجتون عن صراع الحضارات بعد أن كان أشبتجلر قد تنبأ بانهيار الحضار الغربية وسقوطها في أعقاب الحرب العالمية الأولي .. وشارك أيضاً كتاب آخرون وإن كان ذلك من زوايا مغايرة ومختلفة عبرت عنها كتابات بيترجران عن ما بعد المركزية الأوروبية ومحاولة برنال البحث عن أصول إفريقية للحضارة الكلاسيكية الأوروبية في أثينا السوداء وما زالت الإسهامات تتري لتعالج أصول الصراع وتحاول التنبؤ بطبيعة الصدام القادم .
وفي إطار تلك الإسهامات جاءت دراسة جديدة تضمنت رؤية تحليلية مغايرة لطبيعة العلاقة بين المجتمع الإسلامي والمجتمعالغربي قدمها لنا الكاتب الإنجليزي ( الأيرلندي الأصل ) المتخصص في شئون الشرق الأوسط التاريخية والسياسية وهو فريد هاليداي Fred Halliday ، الذي قدم لنا أطروحة جديدة ، تعتمد منذ البداية علي وصف المواجهة بين الإسلام والغرب علي أنها مجرد خرافة راح يستدل ويقدم الأسانيد من خلال كتابه المهم ، علي تأكيد قضي أن المواجهة بين الإسلام والغرب هي مجرد خرافة صنعها الغرب ، وساهمت الراديكالية الإسلامية في تأكيدها ، حتي اكتسبت هذه الخرافة قوة خاصة وصارت كأنها حقيقة لا مفر من مواجهتها والتعامل معها . .
ومن المهم ملاحظة أن الرؤية الجديدة التي قدمها هاليداي والتي نشرت بكتابه الصادر في لندن بالإنجليزية عام1995 تحت عنوان Islam and the Myth of confrontation هي رؤية خبير من خبراء الدراسة العربية والشرق أوسطية علي وجه الإجمال ممن تابعوا بدأب نشأ ونمو الحركات التحررية والحركات الاجتماعية والسياسية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط عموماً وله دراستا ومتابعات منشورة يعرفها المتخصصون منها : الجزيرة العربية بدون سلاطين (1974) الدكتاتورية والتنيمة في ايران (1978) الثورة الإثيوبية (1982) الثورة والسياسة الخارجية في اليمن الجنوبي (1990) ثم هذا الكتاب عن المواجهة بين الغرب والإسلام الذي صدرت له ترجمة عربية عن دار الساقي بلندن (1997) .
والنظرالعامة للكتاب الجديد توضح أن المؤلف المهموم بالشرق الأوسط والمتخصص فيه بدأ بتحليل أوضاعه وعلاقتها بالسياسة الدولية وسلطأضواء كاشفة علي الثورة الإيرانية وما أثارته من جدل خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة والسياسة وموقف الغرب ثم انتقل إلي تحليل لحرب الخليج الثانية (1990- 1991) وذلك من زاوية صلتها بالعلاقات الدولية انخرط بعدها في إشكالية الكتاب الأصلية عن الإسلام والغرب ونساءل : هل هو خطر الإسلام ، أم خطر علي الإسلام ؟ وجعل يعالج ماتفرع عن الفكرة الرئيسية من تحليل لفكرة الخرافة كيف تشكلت ووجدت وراح يفرز الخرافات ويدرس قضايا تتصل بالمواجهة كقضية حقوق الإنسان والشرق الأوسط الإسلامي ومعاداة المسلمين في السياسة المعاصرة وأخيراً موقفه من الاستشراق ونقاده .
لقد بدأ هاليداي أطروحته بمدخل مهم نفي فيه الافتراض الشائع بأن الشرق الأوسط حالة فريدة تختلف عن بقية العالم ، وأنها عصبة علي الفهم بالنسبة للغرباء عنه ، كما أوضح أن تركيزه علي الإسلام بوصفه دينا وظاهرة سياسية علي السواء ويبدي اعتقاده بأنه لابد من التمييز بين معني المصطلح : الدين والسياسة أو الإسلام بوصفه دينا وسياسة : الإسلام كدين له عقائد واضحة معينة ومتميزة تشكل منظومة إيمانية تتضمن الأخلاق والغيب والقدر ..وهي قضية المؤمنين المشتغلين بأمور العقيدة والمتخصصين فيها ، ( وهو ما يعترف الكاتب بأنه لا يخوض فيها لعدم اختصاصه ) …
والإسلامبوصفه نظاماً اجتماعياً وسياسياً ومن ثم دراسة مجتمعاته وأنظمتها السياسية .
لقد دفعت أطروحة هنتنجتون عن صراع الحضارات بكاتبنا إلي التساؤل عما إذا كانت العلاقات الدولية تتمحور أو لا تتمحور ، حول قضية الصدام والصراع بين الدول ، في شكل صراعات حضارية تقضي إلي انقسام العالم إلي كتل .. ويعتقد أن الكثيرين ممن يتحدون الهيمنة الغربية ، أو أولئك الذين يسعون للدفاع عنها ، يفعلون ذلك باستدعاء الحضارة للاسترشاد واكتساب الشرعية ويري أنه بعد انتهاء الحرب الباردة يبدو أن صراعات أخري أحدها الصراع بين الإسلام والغرب ستحل محلها وسيبدو صعود الخطرالإسلامي ، واحدة من تلك الحالات علي وجه التحديد .
وثمة استنتاج متعجل يري فيه هاليداي أنه ليس واضحاً بالمرة أن الاختلاف الحضاري كان أساس الصراع الدولي سواء في التسعينيات أو في أي وقت آخرويضرب أمثلة لصراعات اليابان وأمريكا وروسيا مع الغرب وصراعات دول الشرق الأوسط حول النقط والأسلحة النووية … إلخ ويراها جميعاً صراعات تتعلق بقضايا دنيوية مباشرة . والأهم من ذلك كله يري أن مصطلح الحضارة نفسه موضع تساؤل فقد كانت استخداماته المبكرة باعتباره نقيضاً للبربرية أو الهمجية بينما الاستعمال اللاحق يشير إلي كتل ثقافية أو ديني يفترض أن ثمة كيانات كهذه تمثل معطيات تاريخية متماسكة ، وأن بالإمكان تعبئة قوي دولية حولها ويستنتج كاتبنا نتيجة مهمة هي نفسها موضع نقد ومراجعة حين يذكر أن الحضارات مثل الأمم والتقاليد والجماعات مصطلحات تدعي واقعاً ومرجعية هي نفسها موضع تساؤل ..لا نلبث أن نكتشف أنها نتاج عصري .
وفي تحليله لأوضاع الشرق الأوسط والسياسة الدولية راح يثبت خطأ مقولة إن الشرق الأوسط هو أكثر المناطق بعداً عن الاستقرار وأشدها مدعاة للقلق في العالم الثالث منذ نهاية الحرب الثانية ذلك أن الشرق الأقصي قد شهد أفدح النزاعات في كوريا وفيتانم وفي أنجولا وموزمبيق كما شهد الشرق الأقصي بالإضافة إلي الحروب أعلي درجات الغليان السياسي .. ورأي أنه لا طائل وراء البحث عن نمط أو سبب مشترك في النزاعات التي دمرت الشرق الأوسط في العقود الأخيرة ذلك أن مجتمعاته نفسها شديدة الاختلاف ودولها ذات تكوينات سياسية متنوعة وأعصي علي تفسير داخلي موحد وكذلك يعتقد أن التوسل بعامل خارجي مشترك واحد هو من باب التضليل فعلي امتداد سنوات طويلة حاول كتاب الحرب الباردة أن يلقوا بمشكلات الشرق الأوسط كلها علي عاتق الإسلام أو النفوذ السوفيتي وبالقدر نفسه من التبسيط نسبها وآخرون إلي أعمال الإمبريالية .. صحيح أن هذه الإمبريالية بوصفها نظاماً للهيمنة الخارجية ، كان لها دورها بكل تأكيد …ولابد من إدخال ” العوامل الخارجية ” في الصورة ولكن النزاعات الإقليمية اندلعت بالقدر نفسه من قوي داخل هذه المجتمعات نفسها ويضرب أمثلة بالحرب الأهلية في لبنان وبالحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج 1990 – 1991 .
لقد بلور هاليداي أهم ما يميز الشرق الأوسط من خصائص رئيسية رآها تتمثل في سيادة الإسلام والقضية الفلسطينية والوحدة العربية ثم صعود الدول النفطية وأخيراً ظاهرة الإرهاب .. وفي تحليله للظاهرة ، وهي الأهم لاتصالها بالموضوع الرئيسي للكتاب ذكر أن مسألة الإرهاب مرتبطة في الذهن الغربي العام بالشرق الأوسط وعلي الأخص بتيار خاص من الأصولية الإسلامية
( الإسلاموية ) تنحو نحو أعمال العنف وخطف الرهائن وقتل المدنيين .. إلخ ويؤكد أن هذه العمليات الإرهابية ارتكبها متطرفون من أيديولوجيات شتي في الشرق الأوسط فالإرهاب بوصفه عملاً إجرامياً تمارسه مجموعات سياسة مدنية ضد مدنيين مسالمين إنما هو ظاهرة عامة وليست خاصة بالشرق الأوسط فقد حدثت أعمال من هذا القبيل علي امتداد التاريخ ، وكانت شائعة في الحياة السياسية في بلدان وثقافات كثيرة خلال القرن العشرين .
وأول الإرهابيين في السياسة الحديثة لم يكونوا من الشرق الأوسط بل كانوا فوضويين من روسيا وجمهوريين من ايرلندا وقبارصة يونايين وغيرهم .. كما لم ينشأ الإرهاب بين المسلمين ولا كانوا من منفذيه .. وإذا كانت بعض دول الشرق الأوسط قد مارست الإرهاب ، إما ضد رعاياها وإما ضد سكان مجاورين يعتبرون أنهم يمثلون تهديداً فلا حاجة إلي التأكيد علي أن هذه الأعمال قد ارتكبتها أيضاً دول أوروبية كثيرة سواء في أوروبا أو في دول أخري خلال القرن العشرين .
ويبدو صحيحاً تفسير الالتباس الحادث عند مناقشة موضوع الإرهاب فثمة إعتقاد بأن مرده إلي الفكرة القاتلة بأنه موجه عادة خارج المنطقة نفسها أي ضد الأوروبيين زواراً كانوا أم صحفيين أم سياحاً أم دبلوماسيين . لقد وقعت بالفعل اعتداءات علي مثل هؤلاء ولكن الأكثر بكثير هو ما وقع داخل المنطقة ضد أهلها أنفسهم .. كما أن الجماعات التي استخدمت وسائل مستهجنة لارتكاب تلك الأعمال غالباً ما تكون مدفوعة بأهداف سياسية وبالتالي تستحق المناقشة فضلاً عن أن بعضها يرتبط عادة بشكل من أشكال الدفاع عن الاستقلال الوطني وبالتالي فإن وصم وهذه الجماعات بالإرهاب إنما هو وسيلة لإدانة وسائلها ، تستخدم لاستبعاد أهدافها .. إن هناك قضايا أبعد من الإرهاب ينبغي أن تؤخذ في الحسبان ..
ويتخذ هاليداي من الثورة الإيرانية من منظور مقارن حالة لدراسة المدي الذي يستطيع فيه الإسلام كدين أن يفسر مجري أحداث سياسية في أواخر القرن العشرين فلأول مرة في التاريخ الحديث تقوم فيه ثورة تستند إلي الدين في أيديولوجيتها وتنظيماتها وكوادرها وأهدافها وتطلعاتها .. ويري أنه بالنظر إليها نظرة نقدية فاتحصة سنجد أن لها سمات كثيراً ما نغفلها في غمرة المبالغة في التشديد علي الدين ، ومن هذه السمات في رأيه – رفض التقدم التاريخي فالخميني اقترح العودة إلي نموذج أسبق للممارسة الاجتماعية والسياسية ورفض الكثير من أوجه الحداثة ، وساق المؤلف أمثلة – لذلك من خطبه وشعاراته في هذا الشأن .
ومن هذه السمات كذلك عدم الاعتراف بأهمية العوامل الاقتصادية والمادية، ودورها في الثورة الايرانية واشار إلي أن الخميني حاول أن يقلل من تطلعات الناس المادية بغرس مثله الأعلي في التقشف العام عن طرق رفض السلع الاستهلاكية الغربية .
ومن هذه السمات ايضاً ما أسماه رفض التاريخ واستمداد الشرعية من القادة المسلمين في القرن السابع أي منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ومؤسسي الإسلام الشيعي كما جعلت الثورة وكتاباتها ودستورها الجمهوري جعلت السلطة في يد المرجع الديني الذي يستوحي العناية الإلهية وهو الفقيه الذي يستطيع أن يتجاوز كل الهيئات المنتخبة ويستطيع أن يملي آراءه علي المؤمنين .
لقد كان واضحاً أن السنوات الأخيرة من حكم الخميني اتسمت بصعوبات بالغة تجمت إلي حد بعيد عن غموض أيديولوجيا الثورة نفسها ، غموض يكمن في دور الدولة علي وجه التحديد في الوضع المستجد بين الحكم والإسلام نفسه ، ففي الفترة الأولي أعيدت كتابة الدستور ، ليتضمن مفهوم ولايه الفقيه وبدلت السياسة الاقتصادية لمنع الريا وتحول التعليم ليعكس التفكير الإسلامي ، وكذلك الشأن في التشريع وأجبرت النساء علي التحجب . ولكن أسلحة الدولة هذه كانت تمضي مع مناظرة أخري حول المدي الذي يمكن معه أن تشكل هذه الأسلحة قيداً علي أعمال الحكومة وقد باشر هذه المناظرة رجال دين مناهضون لنظام الخميني للحد من سلطة النظام الجديد وكانوا متسلحين بأسس إسلامية .
ويقدم هاليداي استخلاصات عامة تتصل بقضية كتابه الأصيلة الممثلة في علاقة الدين بالسياسة ومدي تجسيد الثورة الإيرانية لحقيقة هذه العلاقة فيذكر أن التضافر بين الحديث والتقليدي فيها بصورة فريدة كانت له سمات مؤسسة وأيديولوجية علي السواء وفي رأيه أن قورة الثورة تعود أولاً إلي تحول المجتمع الإيراني في الستينيات والسبعينيات إلي التمدين والتصنيع المتسارعين وما نتج عن ذلك من توترات ديموجرافية واجتماعية ويذكر أن صحيح أنه كان بمقدور الحركة الإسلامية أن تنهض بنجاح بدون هذا التحول كما نهضت في تسعينيات القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين (الثورة الدستورية ) ولكن احتمالات نجاحها كانت ستكون اقل بكثير ، فإن ما مكن تدمير النظام الملكي وتحييد ما يحظي به من دعم خارجي هو القوة الكبيرة التي انفجرت بها الحركة المدينية وهي في رأيه قوة مستمدة من عملية التحول الاجتماعي العميق .
وهكذا يبدو تأكيد الكاتب علي أن العوامل التي مكنت رجال الدين من تحدي الشاه وإسقاطه كانت عوامل علمانية علي نحو بارز فظروف المعيشة المادية ومناهضة الدكتاتورية الملكية ومعاداة النفوذ الأجنبي كلها قامت بأدوارها المهمة في إسقاط الشاه .. ويضيف إلي ذلك أن ايديولوجيا الثوريين وبرنامجهم نفسه . كانا يتضمنان العديد من الموضوعات التي تشترك بها مع أوضاع ثورية أخري استعادة الاستقلال الوطني مصادرة أموال الأغنياء معاقبة المدنيين والفاسدين وإعادة توزيع الثروات .. إلخ
إن الوحدة المتناقضة بين “الحديث ” والتقليدي في الثورة الإيرانية كان وراء الناجح الذي أحرزه خصوم الشاه وأن هذه الوحدة لم تدم طويلاً بعد سقوطه وإن تاريخ إيران بعد ذلك صار تاريخ انفصال بين العنصرين وإن محاولة بناء مجتمع يهيمن عليه رجال الدين واجهته مشكلات عصية ، وترتب علي الثورة خفض مستوي المعيشة في عموم المجتمع المديني ، وظهور قدر كبير من البطالة والتضخم وظهور تحديات قوية من القوي الخارجية وما جرته عملية تصدير الثورة من مشكلات أبرزها الحرب الطويلة والشاملة مع العراق .. كذلك فإن فرض شكل جديد للحكم طابعه مركزي يهيمن عليه رجال الدين قد أثار معارضة شديدة وواسعة النطاق من جانب قوي سياسية دعمت إسقاط الشاه لكنها لم تؤيد إقامة جمهورية إسلامية يحكمها الفقيه .
وننتقل مع المؤلف لدراسة حرب الخليج الثانية 1990 – 1991 حيث يحلل مغزاها مقدماً تقييماً لها رأي أنه ربما يتغير فبدأ بخلفية تاريخية عن الصراع بين إيران والعراق ثم انتقل إلي دراسة الظروف التي اندلعت فيها الحرب الثانية (غزو الكويت) وقدم تحليلاً لأهم ما أثارته من قضايا ونتائج في ضوء العلاقات الدولية خصوصاً قضايا السيادة والتدخل والحرب العادلة وغيرها …
وقد يبدو هذا الموضوع للوهلة الأولي مقحماً علي دراسة تتناول علاقة الدين بالسياسة أو المواجهة بين الإسلام والغرب لكن المؤلف في استخلاصاته الأخيرة ألمح إلي أن هذه الحرب تمثل بمعني ما بداية صراع عالمي جديد أو صراع يعاد إحياؤه بين الغرب والإسلام أي نسخة جديدة من الحروب الصليبية .
وربما كانت مكعالجته المباشرة والوحيدة لهذه المسألة قد عبر عنها عندما ذكر ان صدام حسين سعي إلي تعبئة مشاعر المسلمين وراءه داعياً إلي الجهاد وراسماً الشعار الإسلامي ” الله أكبر ” علي العلم العراقي وأضاف أن كثيرين ممن حذروا من العمل العسكري قبل يناير عام 1991 كانوا يخشون أن تتفاقم العلاقات بين الغرب والشعوب الإسلامية تفاقماً لا رجعة فيه .. وهنا يكشف إمعان النظر أن صدام لم يكن ممن يحتلون الصدارة في الراديكالية الإسلامية بعد أن حارب إيران الثورية الإسلامية ثمانية أعوام ، ونكل برجال الدين المعارضين في الداخل. كذلك فأن المتنافسين الرئيسيين علي زعامة العالم الإسلامي وهما المملكة العربية السعودية وإيران كلاهما ابتعدا عن العراق .. وإذا كان ثمة مشاعر مؤيدة للعراق في العالم العرب فإن هذه تتعلق بمعارضة وطنية لتدخل غربي قدر علاقتها بالدين إن لم يكن أكثر ..
وعلي الجانب والغربي فإن الحديث بخفة عن حرب جديدة مع الإسلام هو هراء من حيث الأساس إن لم يكن مبالغة نفعية من جانب تجار السلاح والخبراء العسكريين .
فالغرب وديمقراطياته – حسب قوله – لا يحتاج إلي عدو سواء كان الشيوعية أو الإسلام أو غيرهما ثم لا يجب أن ننسي أن الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة مخابراتها كانت منهمكة خلال الثمانينيات في أكبر عملياتها السرية لدعم القوي الإسلامية في أفغانستان .
**********
ونتساؤل مع المؤلف عن طبيعة وحقيقة العلاقة بين الإسلام والغرب خطر الإسلام ، أم خطر علي الإسلام ؟ وذلك هو السؤال المحوري الذي دارت حوله فصول الكتاب .. وهنا لابد من مناقشة القضايا التي ولدت خرافة التهديد الإسلامي المزعوم ذلك أنه منذ أواخر السبعينيات وبالأخص منذ قيام الثورة الإيرانية 1978 – 1979 أصبحت قضية الإسلام وتحديه المزعوم وللغرب تشغل العالم بشكل مستمر ومن هنا ناقش المؤلف الطريقة التي ظهر بها ضرب مكن العداء للمسلمين أي معاداة المسلمين والأعتداء عليهم … !
إن صورة التهديد الإسلامي ومضللة وهناك التباسات تكمن في صلب الصراع المزعوم فبمجرد أن يكون الناس إسلاميين بمعني ديني وثقافي عام نلصق بهم معتقدات وسياسات توصف تحديداً بكونها إسلاموية أو أصولية فيتهم غالبية المسلمين بالسعي إلي فرض برنامج سياسي ذي خلفية دينية علي مجتمعاتهم لكن الحقيقية الماثلة أن غالبية المسلمين ليسوا مؤيدين للحركات الأصولية وهكذا تعزي المسألة بخفة بالغة إلي الإسلام وتأثيره .
ويعود هاليداي بما أسماه ظاهرة التهديد الإسلامي المعاصر إلي مصادر قديمة بعضها يرجع إلي الصراع التاريخي بين عالم الغرب المسيحي وعالم الإسلام والضارب إلي نحو الف عام .. ويؤكد أن هذا القلق التاريخي من الإسلام لقي دعماً من مصدر آخر تماماً ، وهو نهاية الحرب الباردة حيث كان هناك إدعاء بأن نهاية هذه الحرب هي نزاع بين غرب ديمقراطي رأسمالي وشرق دكتاتوري خاضع للهيمنة السوفيتية .. وأن هذه المرحلة نهاية الحرب الباردة – كان مناسبة لإحياء الصراع الترايخي القديم بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي ومن هذا المنظور فإن الصراع مع العالم الإسلامي لدي الغرب يعكس حاجة داخلية إلي آخر مهدد ولكنه خاضع فيجري الربط بين العداء التقليدي ذي الأساس الديني للمجتمع الإسلامي الذي يعود إلي الحروب الصليبية وبين ضرورة بسط الهيمنة بعد سقوط الشيوعية .
إن هذه الأفكار الخطيرة التي يجري توليدها في الغرب تتصل بمصالح أو يبدو أنها تخدم مصالح الزعماء الغربيين مسيحيين أو رأسماليين أو أثرياء أو إمبرياليين أو كائناً من كانوا لخلق صورة العدوة .. ومع ذلك يضيف هاليدي – فإن الخطابية الإسلاموية وتضاهي من نواح عديدة خطابية الغرب في تأكيده لتلك الصورة وليس في دحضها .
ويضرب مثلاً بخطابات الخميني والغنوشي والترابي والمدني فيراها تثبت الكثير من الموضوعات التي تروجها الدعاية المعادية للإسلام في الغرب ويصف حركتهم بأنها ترفض القيم الغربية في العلمانية والديمقراطية وحكم القانوني المدني ومساواة المرأة والرجل والمساواة بين المسلمين وغيرهم .. كما أنهم .. في رأيه يعتنقون تعميمات عرقية صارخة عن اليهود والغرب .
ويخلص من آرائه السابقة إلي أن الفكرة القائلة بوجود صراع دائم مع الغرب .. ويمكن إحياؤه مع نهاية الحرب الباردة ليست مجرد اختراع ديماجوجيين أوروبيين أو أمريكيين ، ذلك أن البعض في العالم الإسلامي أكدوا الأحكام الأوروبية السابقة بالتدشديد علي أنهم لاحقاً سيحلون محل البلشفية ، بوصفهم التحدي الأكبر للغرب وأنهم سيؤدون ذلك بفاعلية أكبر لأن تحديهم يستمد زخمه من الله .. وبتعبير آخري يري أنه إذا كانت هناك خرافات في أوروبا والولايات المتحدة الساعيتين إلي الهيمنة فحسب بل تشاع أيضاً في ساحة الإسلام نفسها التي يفترض أنها مقهورة ومهيمن عليها !!
*******
ثم ننتقل إلي عملية فرز للخرافات فبالنسبلة للتهمة الأكثر شيوعاً ضد الإسلام ، هي أنه يبيح الإرهاب .. وهنا يردج المؤلف بأنه ليس هناك علاقة لازمة أو تاريخية بين السياسة الإرهابية والهوايات الإسلامية وأن الإرهاب عندما ظهر إلي الوجود في القرن التاسع عشر بمعناه المعاصر لم يكن المسلامون هم أصحاب الريادة .. كما أن الإدعاء بأن الأقليات الدينية والإثنية كانت تعامل علي قدم المساواة في الإمبراطوريات الإسلامية الأولي إدعاء مشكوك فيه حسب رأيه رغم تأكيده بأن السجل المقارن لهذه المجتمعات يبقي من نواح عديدة أفضل من سجل المجتمعات المنافسة لها ..
فالعالم الإسلامي لم يكن هو الذي نظم إبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية أو الذي طرد السفرديم من إسبانيا والمسلمون اليوم في عدد من البلدان ضحايا القمع والإرهاب في بورما وكشمير وفلسطين والبوسنة .
كما أن مفهود الخطر الإسلامي ذاته أكذوبة والحديث عن صراع تاريخي دائم بين العالمين الإسلامي والغربي وإنما هو لغو ومن السخف النظر إلي البلدان الإسلامية علي أنها تهدد الغرب والخطر الناجم عن قوي إسلامية موحدة في ظل الإمبراطورية العثمانية اختفي منذ زمن بعيد والإمبراطورية العثمانية ذاتها تبخرت منذ عام 1918 .
وماذا عن صعود الحركات الإسلامية واستحضار الإسلام مبرراًَ للعمل السياسي ؟ لابد من الإشارة إلي أن ذلك لا يمثل ظاهرة عامة ، وإنما يعكس وجود قوي معينة داخل مجتمعات محددة في العالم المعاصر وبكلمات أخري ، أنها استجابة لمشكلات راهنة غالباً ما تكون ذات طبيعة اجتماعية وسياسية وأهم هذه المشكلات هي تحكم الدولة في الحياة اليومية ، وتطور الشرائع القانونية والهيمنة الخارجية والتمدين المتسارع والتنافس علي فرص التعليم والعمل والتغيرات الثقافية والاجتماعية وهذه المشكلات ليست خاصة بالعالم الإسلامي .
إن صورة الإسلام باعتباره ظاهرة بلا دولة هي أيضا صورة مضللة ولا شك في أن قوي عابرة للقوميات ظهرت في الماضي من خلال العلماء الإسلاميين والفرق الإسلامية كما أن المسلمين قد يشعرون حيال قضية ما أنهم جزء من جماعة أوسع ويشعرون بالتضامن مع مجموعات إسلامية مناضلة في أماكن أخري .. ولكن الحركة الإسلامية في شكلها السياسي تعرف وتحدد بدول قومية واضحة وهكذا هو الحال أولاً بمعني أن هدف هذه الحركات يبقي الاستيلاء علي السلطة وثانياً أنها في سبيل ذلك تستخدم العقيدة الإسلامية لتعزيز مصالحها حالة إيران والسودان وأخيراً فإن هذه الاتجاهات قومية من حيث إن الشكل الملموس الذي تتخذه الحركة الأصولية الإسلامية تحدده المشكلات التي تواجه المجتمع وعلي سبيل المثال فإن ايران وأفغانستان رغم كونهما جارتين فإنهما أنجبتا حركات أصولية إسلامية شديدة الاختلاف ..
وهذه الحركات ستبقي متنوعة محددة بدول معينة ومتأثرة بمصالح دولية ومن المرجح أنها ستصارع فيما بينها كما حدث بين إيران والعراق وسيمنعها ذلك من أن نتوحد ضد الغرب ومن ثم فليس هناك من تحد إسلامي كبير !!
ويواصل الكاتب تحليل صعود الحركات الراديكالية فيري أنه لم يكن موجهاً ضد الهيمنة الأجنبية المباشرة بقدر ما هو موجه ضد السلطة المحلية التي أخفقت في حل مشكلات المجتمع الذي تحكم فاستنزفت رصيدها السياسي وهذه الحركات رغم كونها تسعي بثبات للاستيلاء علي سلطة الدولة فهي قبل كل شئ ثورات ضد سياسات الدولة التحديثية ، باعتبارها سلطوية وعلمانية وتطفلية ذلك أن عجز الدول عن تلبية الآمال الاقتصادية والتطلعات الثقافية لشعوبها وفر الأجواء التي نشأت فيها الحركات الإسلاموية ( يضرب أمثلة بإيران قبل الثورة والجزائر خلال الأيام الأخيرة لجبهة التحرير ) .
ويري أن الحل الوحيد لعلاقات العالم الإسلامي هو العالم الخارجي هو الدخول في حلبة التنافس وولكن في المضمار الاقتصادي ، وليس العسكري الذي يشكل أكثر فأكثر ساحة الصراع الدولي في أواخر القرن العشرين .. هذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه العالم الإسلامي .. العمالة والمساواة فهما من مستلزمات اندماج والمجتمعات الإسلامية الجديدة بنجاح والاستبعاد الاقتصادي والرفض السياسي سيذكيان العداء الأصولي ..
ويضيف أنه علي أوروبا الغربية عملياً أن ترسم سياسة متوازنة إزاء القضايا المنضوبة في تعبير الإسلام فيجب أن يكون هناك قدر أكبر من الوعي بما يمارس من عنصرية وتحامل إثني – ديني عام ضد المهاجرين المسلمين في المجتمعات الأوروبية والبلدان الإسلامية في الخارج يجب أن تعترف أوروبا بإباحتها اضطهاد شعوب إسلامية أو التغاضي عنه ، سواء في فلسطين أو في البوسنة وعلي الغرب أن ينتهج سياسة طويلة الأمد للتفاعل الاقتصادي مع هذه البلدان لمساعدتها في شق طريق التنمية ..
*****
لقد وصف هاليداي مسألة المواجهة بين الإسلام أو بالأحري المجتمع الإسلامي والغرب بأنها خرافة في عنوان دراسته لكنني آثرت أن أجعل المسألة سؤالاً : ” هل المواجهة خرافة ؟ ” لأن المسألة بالفعل مواجهة بأي درجة وعلي أي مستوي حتي لو وصفت بكونها خرافة فوصف المواجهة بأنها خرافة لا يلغيها فهناك مواجهة ظاهرة ومضمرة حتي لو اتخذت من صنع الخرافتا آلية – لدفعها – وحتي لو اتخذت أبعاداً وتدثرت بأردية التعاون الإنساني والتنمية للجميع واستيعاب الكونية الجديدة للاختلافات والتناقضات جميعاً .
وبرغم أهمية الكتاب وتحليلاته مؤلفه الناقدة والواعية والتي تضمنت قدراً من الإنصاف وبرغم أنه حاول جاهداً تفنيد الخرافات التي ألحقها الغرب بالحركات الأصولية الإسلامية والتي ساهم فيها أنصارها أيضاً .. وبرغم تأكيده أنه لا قبل له بمناقشة الإسلام كمنظومة إيمانية أي بالمعني اللاهوتي حسب تعبيره حيث ذكر انه لا يزعم ذلك ولا يدعيه ص 8 فإن كتاباته وأحكامه عن الإسلام بوصفه نظاماً اجتماعياً وسياسياً قد شابها الكثير من عدم الدقة نتيجة فصله بين الإسلام كعقيدة إيمانية وبينه كنظام للدنيا والمجتمع والمسلمون لا يفصلون أمور الدين عن أمور الدنيا حيث لا لاهوت ولا كهنوت كما هو معروف .
لقد اعترف (ص 37) بأن الإسلام نظرياً له بعض المدلولات الخاصة بالممارسة الاجتماعية وحتي السياسية ويمارس التشريع في مجالات تستبعدها بعض الديانت الأخري ومع ذلك يري أن هذه الخصوصيات ضئيلة وجزئية ولا توضح وإلا النزر اليسير الطريقة التي يتصرف وقفها المسلمون في أي مجتمع أو وضع سياسي ويعتقد أن ذلك يتأكد من تنوع السلوك ذاته في المجتمعات الإسلامية وفي اعتقادنا لو أنه درس أسس النظرية السياسية ونظام الحكم في الإسلام لخرج بتحليلات وأحكام مغايرة لما ذكره وولأدرك أن الإسلام بمذاهبه كاقة قادر علي التشريع للنشاط الإنساني برمته وأنه لا يتضمن تمييزاً بين مؤسستين إحداهما دينية والأخري دنيوية ولسنا ونتفق كذلك مع الكاتب حين يذكر أن وأدلة التفسير وزالصياغات المطاطة للقرآن نفسه تشير إلي أن النظرية الإسلامية تجيز طائفة واسعة من الاشتقاقات وحسب ظروف العصر واهتمامات المفسرين الأفراد كما يمكن اشتقاق مبادئ مختلفة ذات خطوط متساوية من النصوص المقدسة ، ص 65 ويفهم من العبارة السابقة خلط الكاتب وعدم معرفته بالأصول والفروع ومدارس التأويل والتفسير مما يحتاج إلي ثقافة إسلامية أعمق قبل إصدار هذه الأحكام خاصة في موضوع يتصل فيه الإسلام كعقيدة مع أمور الدنيا وتواجه به المجتمعات الإسلامية مجتمعات غير إسلامية .
وفي تحليله للصراع الدولي يري أن الاختلاف الحضاري ليس واضحاً بالمرة وأنكر أنه كان أساس ذلك الصراع ففي رأيه أن الصراع كان ولا يزال يتعلق بقضايا دنيوية مباشرة .. وفي تقديرنا أنه ليس ثمة انفصال بين الحضارة كمنظومة تحتوي القضايا الدنيوية المباشرة كافة وبين التراث التاريخي النابع من المعتقدات والذي يشكل طبيعة ونسيج هذه الحضارة أو تلك وبوسعنا أن نذكر ان الصراعات الدولية تتخذ ولو بشكل مضمر بعداً حضارياً حتي لو بدا ظاهرياً أنها تتعلق بقضايا دنيوية مباشرة أو مصالح آنية فثمة كثل حضارية تستمد خصائصها ومن الدين والتراث والمصالح عبر التاريخ لا ينفيها تجاهلها أو الحط من قدرها حتي لو تغيرت خصائص هذه الكتل عبر الزمن .
ثمة ملاحظة أخري وردت في تحليله لمشكلات الشرق الأوسط حيث نراه يهون من تأثير العوامل الخارجية المتصلة بالهيمنة الإمبريالية والدور الأوروبي فيشير بخفة إلي أن هذه العوامل يمكن إدخالها في الصورة بينما يركز علي أهمية الصراعات الإقليمية داخل حول الشرق الأوسط الإسلامية ذاتها ، حيث يضرب أمثلة لهذه الصراعات والمشكلات .. ولا يغيب عن الذهن أن هذا الفصل بين الدور الخارجي وما يحدث في الداخل فيه إغفالة للدور الغربي من حيث تأثيره في إذكاء وإشعال تسليح النزاعات الإقليمية لتحويلها إلي حروب .
ورغم إنصافه للعالم الإسلامي وحركاته الأصولية علي وجه التحديد من تهمة ريادة الإرهاب والتفرد به وحديثه عن الإرهابيين الأوائل في التاريخ الحديث أو في السياسية المعاصرة ونسبتهم إلي غير المسلمين وضربه الأمثلة لذلك فربما فاته الإشارة إلي العصابتا الصهيونية في فلسطين ودورها والإرهابي الذي أسست بها وطناً في الشرق العربي أو الشرق الإسلامي الذي أصبح الآن الشرق الأوسط!!
وثمة ملاحظة أخري تتعلق بدراسته للثورة الإيرانية وما أصدره بشأنها من أحكام أتسمت بالعمومية والتعجل فقد أصدر حكماً عاماً وصعها فيه بأنه ترفض التقدم التاريخي والتقدم المادي والسلع الاستهلاكية الغربية .. إلخ ولا نعتقد أن دعاوي الثورة وشعاراتها لا تفهم بهذه البساطة فربما كان مغزاها لا ينصرف إلي رفض التقدم المادي ذاته وإنما يتصرف إلي رفض الهيمنة الغربية من خلال سلعها وقيمها الثقافية وتكريس فضيلة الاعتماد علي النفس وخلق قوة ذاتية مستقلة ثم هل نؤمن حقاً بوصف الكاتب لما حدث في إيران بأنه ثورة رجعية بصورة شاملة ص 51 والثورة ما زالت في طور التجربة عبر مرحلتها الأولي أم ننظر إليها باعتبارها تجربة فريدة تحتاج إمعان النظر والفهم والمتابعة والاهتمام قبل إصدار مثل هذه الأحكام والمتعجلة ؟ أن تقييم الثورات يحتاج في تقديرنا إلي مدي أوسع زمنياً وموضوعياً في كل الأحوال .
والنقد نفسه يمكن أن يوجه لتفسيره الاجتماعي للثورة الإيرانية ودوافعها حيث يميل المؤلف بقوة نحو تأثير القوي المدنية لا الدينية التي سماها تقليدية فالملاحظ أنه مهما تكن أهمية هذه القوي المدنية والعوامل المدنية فلا ينبغي إغفال حقيقة أن فشل وعدم انسجام التحول الاجتماعي قبيل الثورة هو ما أتاح للقوي الدينية أن تتحرك وتتصدر بما أحدثه ذلك من تناقضات وما خلق من مناخ موات لرجال الديت كما لا يمكن أن نتجاهل أن الكثيرين من رجال الدين الذين قادوا الثورة .
كانوا ممن تلقوا ثقافة غربية حديثة أو ثقافة وتعليماً مدنياً عصرياً ، وفي تساؤل المؤلف عن حل معضلة الصراع أو تخفيف ما يصور علي أنه صراع بين الغرب والعالم الإسلامي يقدم حلاً سحرياًَ ص 131 يتمثل في التركيز علي مفهوم للكونية يتضمن العلمانية والتنمية ، ثم يشير عبارة بالغة الخطورة إلي ما اعتبره الأخطار التي تنذر بها الحركات الأصولية الإسلامية الجميع وليس اقلها الأخطار التي تهدد البلاد الإسلامية نفسها إذ أن السياسات التي تنكر مساواة الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم وتصادر حقوق الأفراد قانوناً ليست قضايا يمكن لأوروبا الغربية أن تبقي عديمة الاكتراث بها ويزيد الصورة وضوحاً عندما يشير إلي ضرورة انتهاج الغرب سياسة طويلة الأمد للتفاعل الاقتصادي مع هذه البلدان الإسلامية لمساعدتها في شق طريقة التنمية ولكن مثل هذه السياسية يجب ألا تنطوي علي تهاون مع هذه الحركات الإسلامية الأصولية نفسها .. ص 134 فهل لا تثبت العبارات السابقة عن وجود المواجهة ولا تسفر عن حل أوربي أراد الكاتب للعالم الإسلامي أن يؤمن به وأن يسير إليه ؟
يوليو 16 2010
الإسلام والغرب هل المواجهة خرافة ؟ تحليل ونقد د./ أحمد زكريا الشلق
منذ انهيار الشيوعية وبروز دور الحركات النضالية الإسلامية في الشرق الأوسط وما نتج عن ذلك من مخاوف وهواجس وردود أفعال بشأن الصراع القادم بين الإسلام والغرب بعد أن نفض الغرب يده من الشيوعية بدأت تبرز في ساحة الفكر الطروحات جديدة تكرس .. الهيمنة الرأسمالية الغربية وتسجل ما تعتبره انتصارا تاريخياً حاسماً عبرت عنه أطروحة فرنسيس نوكوياما عن نهاية التاريخ وخاتم البشر كما عبرت عنه من زواية انتصار الحضارة الغربي القوية كتابات صمويل هتنجتون عن صراع الحضارات بعد أن كان أشبتجلر قد تنبأ بانهيار الحضار الغربية وسقوطها في أعقاب الحرب العالمية الأولي .. وشارك أيضاً كتاب آخرون وإن كان ذلك من زوايا مغايرة ومختلفة عبرت عنها كتابات بيترجران عن ما بعد المركزية الأوروبية ومحاولة برنال البحث عن أصول إفريقية للحضارة الكلاسيكية الأوروبية في أثينا السوداء وما زالت الإسهامات تتري لتعالج أصول الصراع وتحاول التنبؤ بطبيعة الصدام القادم .
وفي إطار تلك الإسهامات جاءت دراسة جديدة تضمنت رؤية تحليلية مغايرة لطبيعة العلاقة بين المجتمع الإسلامي والمجتمعالغربي قدمها لنا الكاتب الإنجليزي ( الأيرلندي الأصل ) المتخصص في شئون الشرق الأوسط التاريخية والسياسية وهو فريد هاليداي Fred Halliday ، الذي قدم لنا أطروحة جديدة ، تعتمد منذ البداية علي وصف المواجهة بين الإسلام والغرب علي أنها مجرد خرافة راح يستدل ويقدم الأسانيد من خلال كتابه المهم ، علي تأكيد قضي أن المواجهة بين الإسلام والغرب هي مجرد خرافة صنعها الغرب ، وساهمت الراديكالية الإسلامية في تأكيدها ، حتي اكتسبت هذه الخرافة قوة خاصة وصارت كأنها حقيقة لا مفر من مواجهتها والتعامل معها . .
ومن المهم ملاحظة أن الرؤية الجديدة التي قدمها هاليداي والتي نشرت بكتابه الصادر في لندن بالإنجليزية عام1995 تحت عنوان Islam and the Myth of confrontation هي رؤية خبير من خبراء الدراسة العربية والشرق أوسطية علي وجه الإجمال ممن تابعوا بدأب نشأ ونمو الحركات التحررية والحركات الاجتماعية والسياسية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط عموماً وله دراستا ومتابعات منشورة يعرفها المتخصصون منها : الجزيرة العربية بدون سلاطين (1974) الدكتاتورية والتنيمة في ايران (1978) الثورة الإثيوبية (1982) الثورة والسياسة الخارجية في اليمن الجنوبي (1990) ثم هذا الكتاب عن المواجهة بين الغرب والإسلام الذي صدرت له ترجمة عربية عن دار الساقي بلندن (1997) .
والنظرالعامة للكتاب الجديد توضح أن المؤلف المهموم بالشرق الأوسط والمتخصص فيه بدأ بتحليل أوضاعه وعلاقتها بالسياسة الدولية وسلطأضواء كاشفة علي الثورة الإيرانية وما أثارته من جدل خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة والسياسة وموقف الغرب ثم انتقل إلي تحليل لحرب الخليج الثانية (1990- 1991) وذلك من زاوية صلتها بالعلاقات الدولية انخرط بعدها في إشكالية الكتاب الأصلية عن الإسلام والغرب ونساءل : هل هو خطر الإسلام ، أم خطر علي الإسلام ؟ وجعل يعالج ماتفرع عن الفكرة الرئيسية من تحليل لفكرة الخرافة كيف تشكلت ووجدت وراح يفرز الخرافات ويدرس قضايا تتصل بالمواجهة كقضية حقوق الإنسان والشرق الأوسط الإسلامي ومعاداة المسلمين في السياسة المعاصرة وأخيراً موقفه من الاستشراق ونقاده .
لقد بدأ هاليداي أطروحته بمدخل مهم نفي فيه الافتراض الشائع بأن الشرق الأوسط حالة فريدة تختلف عن بقية العالم ، وأنها عصبة علي الفهم بالنسبة للغرباء عنه ، كما أوضح أن تركيزه علي الإسلام بوصفه دينا وظاهرة سياسية علي السواء ويبدي اعتقاده بأنه لابد من التمييز بين معني المصطلح : الدين والسياسة أو الإسلام بوصفه دينا وسياسة : الإسلام كدين له عقائد واضحة معينة ومتميزة تشكل منظومة إيمانية تتضمن الأخلاق والغيب والقدر ..وهي قضية المؤمنين المشتغلين بأمور العقيدة والمتخصصين فيها ، ( وهو ما يعترف الكاتب بأنه لا يخوض فيها لعدم اختصاصه ) …
والإسلامبوصفه نظاماً اجتماعياً وسياسياً ومن ثم دراسة مجتمعاته وأنظمتها السياسية .
لقد دفعت أطروحة هنتنجتون عن صراع الحضارات بكاتبنا إلي التساؤل عما إذا كانت العلاقات الدولية تتمحور أو لا تتمحور ، حول قضية الصدام والصراع بين الدول ، في شكل صراعات حضارية تقضي إلي انقسام العالم إلي كتل .. ويعتقد أن الكثيرين ممن يتحدون الهيمنة الغربية ، أو أولئك الذين يسعون للدفاع عنها ، يفعلون ذلك باستدعاء الحضارة للاسترشاد واكتساب الشرعية ويري أنه بعد انتهاء الحرب الباردة يبدو أن صراعات أخري أحدها الصراع بين الإسلام والغرب ستحل محلها وسيبدو صعود الخطرالإسلامي ، واحدة من تلك الحالات علي وجه التحديد .
وثمة استنتاج متعجل يري فيه هاليداي أنه ليس واضحاً بالمرة أن الاختلاف الحضاري كان أساس الصراع الدولي سواء في التسعينيات أو في أي وقت آخرويضرب أمثلة لصراعات اليابان وأمريكا وروسيا مع الغرب وصراعات دول الشرق الأوسط حول النقط والأسلحة النووية … إلخ ويراها جميعاً صراعات تتعلق بقضايا دنيوية مباشرة . والأهم من ذلك كله يري أن مصطلح الحضارة نفسه موضع تساؤل فقد كانت استخداماته المبكرة باعتباره نقيضاً للبربرية أو الهمجية بينما الاستعمال اللاحق يشير إلي كتل ثقافية أو ديني يفترض أن ثمة كيانات كهذه تمثل معطيات تاريخية متماسكة ، وأن بالإمكان تعبئة قوي دولية حولها ويستنتج كاتبنا نتيجة مهمة هي نفسها موضع نقد ومراجعة حين يذكر أن الحضارات مثل الأمم والتقاليد والجماعات مصطلحات تدعي واقعاً ومرجعية هي نفسها موضع تساؤل ..لا نلبث أن نكتشف أنها نتاج عصري .
وفي تحليله لأوضاع الشرق الأوسط والسياسة الدولية راح يثبت خطأ مقولة إن الشرق الأوسط هو أكثر المناطق بعداً عن الاستقرار وأشدها مدعاة للقلق في العالم الثالث منذ نهاية الحرب الثانية ذلك أن الشرق الأقصي قد شهد أفدح النزاعات في كوريا وفيتانم وفي أنجولا وموزمبيق كما شهد الشرق الأقصي بالإضافة إلي الحروب أعلي درجات الغليان السياسي .. ورأي أنه لا طائل وراء البحث عن نمط أو سبب مشترك في النزاعات التي دمرت الشرق الأوسط في العقود الأخيرة ذلك أن مجتمعاته نفسها شديدة الاختلاف ودولها ذات تكوينات سياسية متنوعة وأعصي علي تفسير داخلي موحد وكذلك يعتقد أن التوسل بعامل خارجي مشترك واحد هو من باب التضليل فعلي امتداد سنوات طويلة حاول كتاب الحرب الباردة أن يلقوا بمشكلات الشرق الأوسط كلها علي عاتق الإسلام أو النفوذ السوفيتي وبالقدر نفسه من التبسيط نسبها وآخرون إلي أعمال الإمبريالية .. صحيح أن هذه الإمبريالية بوصفها نظاماً للهيمنة الخارجية ، كان لها دورها بكل تأكيد …ولابد من إدخال ” العوامل الخارجية ” في الصورة ولكن النزاعات الإقليمية اندلعت بالقدر نفسه من قوي داخل هذه المجتمعات نفسها ويضرب أمثلة بالحرب الأهلية في لبنان وبالحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج 1990 – 1991 .
لقد بلور هاليداي أهم ما يميز الشرق الأوسط من خصائص رئيسية رآها تتمثل في سيادة الإسلام والقضية الفلسطينية والوحدة العربية ثم صعود الدول النفطية وأخيراً ظاهرة الإرهاب .. وفي تحليله للظاهرة ، وهي الأهم لاتصالها بالموضوع الرئيسي للكتاب ذكر أن مسألة الإرهاب مرتبطة في الذهن الغربي العام بالشرق الأوسط وعلي الأخص بتيار خاص من الأصولية الإسلامية
( الإسلاموية ) تنحو نحو أعمال العنف وخطف الرهائن وقتل المدنيين .. إلخ ويؤكد أن هذه العمليات الإرهابية ارتكبها متطرفون من أيديولوجيات شتي في الشرق الأوسط فالإرهاب بوصفه عملاً إجرامياً تمارسه مجموعات سياسة مدنية ضد مدنيين مسالمين إنما هو ظاهرة عامة وليست خاصة بالشرق الأوسط فقد حدثت أعمال من هذا القبيل علي امتداد التاريخ ، وكانت شائعة في الحياة السياسية في بلدان وثقافات كثيرة خلال القرن العشرين .
وأول الإرهابيين في السياسة الحديثة لم يكونوا من الشرق الأوسط بل كانوا فوضويين من روسيا وجمهوريين من ايرلندا وقبارصة يونايين وغيرهم .. كما لم ينشأ الإرهاب بين المسلمين ولا كانوا من منفذيه .. وإذا كانت بعض دول الشرق الأوسط قد مارست الإرهاب ، إما ضد رعاياها وإما ضد سكان مجاورين يعتبرون أنهم يمثلون تهديداً فلا حاجة إلي التأكيد علي أن هذه الأعمال قد ارتكبتها أيضاً دول أوروبية كثيرة سواء في أوروبا أو في دول أخري خلال القرن العشرين .
ويبدو صحيحاً تفسير الالتباس الحادث عند مناقشة موضوع الإرهاب فثمة إعتقاد بأن مرده إلي الفكرة القاتلة بأنه موجه عادة خارج المنطقة نفسها أي ضد الأوروبيين زواراً كانوا أم صحفيين أم سياحاً أم دبلوماسيين . لقد وقعت بالفعل اعتداءات علي مثل هؤلاء ولكن الأكثر بكثير هو ما وقع داخل المنطقة ضد أهلها أنفسهم .. كما أن الجماعات التي استخدمت وسائل مستهجنة لارتكاب تلك الأعمال غالباً ما تكون مدفوعة بأهداف سياسية وبالتالي تستحق المناقشة فضلاً عن أن بعضها يرتبط عادة بشكل من أشكال الدفاع عن الاستقلال الوطني وبالتالي فإن وصم وهذه الجماعات بالإرهاب إنما هو وسيلة لإدانة وسائلها ، تستخدم لاستبعاد أهدافها .. إن هناك قضايا أبعد من الإرهاب ينبغي أن تؤخذ في الحسبان ..
ويتخذ هاليداي من الثورة الإيرانية من منظور مقارن حالة لدراسة المدي الذي يستطيع فيه الإسلام كدين أن يفسر مجري أحداث سياسية في أواخر القرن العشرين فلأول مرة في التاريخ الحديث تقوم فيه ثورة تستند إلي الدين في أيديولوجيتها وتنظيماتها وكوادرها وأهدافها وتطلعاتها .. ويري أنه بالنظر إليها نظرة نقدية فاتحصة سنجد أن لها سمات كثيراً ما نغفلها في غمرة المبالغة في التشديد علي الدين ، ومن هذه السمات في رأيه – رفض التقدم التاريخي فالخميني اقترح العودة إلي نموذج أسبق للممارسة الاجتماعية والسياسية ورفض الكثير من أوجه الحداثة ، وساق المؤلف أمثلة – لذلك من خطبه وشعاراته في هذا الشأن .
ومن هذه السمات كذلك عدم الاعتراف بأهمية العوامل الاقتصادية والمادية، ودورها في الثورة الايرانية واشار إلي أن الخميني حاول أن يقلل من تطلعات الناس المادية بغرس مثله الأعلي في التقشف العام عن طرق رفض السلع الاستهلاكية الغربية .
ومن هذه السمات ايضاً ما أسماه رفض التاريخ واستمداد الشرعية من القادة المسلمين في القرن السابع أي منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ومؤسسي الإسلام الشيعي كما جعلت الثورة وكتاباتها ودستورها الجمهوري جعلت السلطة في يد المرجع الديني الذي يستوحي العناية الإلهية وهو الفقيه الذي يستطيع أن يتجاوز كل الهيئات المنتخبة ويستطيع أن يملي آراءه علي المؤمنين .
لقد كان واضحاً أن السنوات الأخيرة من حكم الخميني اتسمت بصعوبات بالغة تجمت إلي حد بعيد عن غموض أيديولوجيا الثورة نفسها ، غموض يكمن في دور الدولة علي وجه التحديد في الوضع المستجد بين الحكم والإسلام نفسه ، ففي الفترة الأولي أعيدت كتابة الدستور ، ليتضمن مفهوم ولايه الفقيه وبدلت السياسة الاقتصادية لمنع الريا وتحول التعليم ليعكس التفكير الإسلامي ، وكذلك الشأن في التشريع وأجبرت النساء علي التحجب . ولكن أسلحة الدولة هذه كانت تمضي مع مناظرة أخري حول المدي الذي يمكن معه أن تشكل هذه الأسلحة قيداً علي أعمال الحكومة وقد باشر هذه المناظرة رجال دين مناهضون لنظام الخميني للحد من سلطة النظام الجديد وكانوا متسلحين بأسس إسلامية .
ويقدم هاليداي استخلاصات عامة تتصل بقضية كتابه الأصيلة الممثلة في علاقة الدين بالسياسة ومدي تجسيد الثورة الإيرانية لحقيقة هذه العلاقة فيذكر أن التضافر بين الحديث والتقليدي فيها بصورة فريدة كانت له سمات مؤسسة وأيديولوجية علي السواء وفي رأيه أن قورة الثورة تعود أولاً إلي تحول المجتمع الإيراني في الستينيات والسبعينيات إلي التمدين والتصنيع المتسارعين وما نتج عن ذلك من توترات ديموجرافية واجتماعية ويذكر أن صحيح أنه كان بمقدور الحركة الإسلامية أن تنهض بنجاح بدون هذا التحول كما نهضت في تسعينيات القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين (الثورة الدستورية ) ولكن احتمالات نجاحها كانت ستكون اقل بكثير ، فإن ما مكن تدمير النظام الملكي وتحييد ما يحظي به من دعم خارجي هو القوة الكبيرة التي انفجرت بها الحركة المدينية وهي في رأيه قوة مستمدة من عملية التحول الاجتماعي العميق .
وهكذا يبدو تأكيد الكاتب علي أن العوامل التي مكنت رجال الدين من تحدي الشاه وإسقاطه كانت عوامل علمانية علي نحو بارز فظروف المعيشة المادية ومناهضة الدكتاتورية الملكية ومعاداة النفوذ الأجنبي كلها قامت بأدوارها المهمة في إسقاط الشاه .. ويضيف إلي ذلك أن ايديولوجيا الثوريين وبرنامجهم نفسه . كانا يتضمنان العديد من الموضوعات التي تشترك بها مع أوضاع ثورية أخري استعادة الاستقلال الوطني مصادرة أموال الأغنياء معاقبة المدنيين والفاسدين وإعادة توزيع الثروات .. إلخ
إن الوحدة المتناقضة بين “الحديث ” والتقليدي في الثورة الإيرانية كان وراء الناجح الذي أحرزه خصوم الشاه وأن هذه الوحدة لم تدم طويلاً بعد سقوطه وإن تاريخ إيران بعد ذلك صار تاريخ انفصال بين العنصرين وإن محاولة بناء مجتمع يهيمن عليه رجال الدين واجهته مشكلات عصية ، وترتب علي الثورة خفض مستوي المعيشة في عموم المجتمع المديني ، وظهور قدر كبير من البطالة والتضخم وظهور تحديات قوية من القوي الخارجية وما جرته عملية تصدير الثورة من مشكلات أبرزها الحرب الطويلة والشاملة مع العراق .. كذلك فإن فرض شكل جديد للحكم طابعه مركزي يهيمن عليه رجال الدين قد أثار معارضة شديدة وواسعة النطاق من جانب قوي سياسية دعمت إسقاط الشاه لكنها لم تؤيد إقامة جمهورية إسلامية يحكمها الفقيه .
وننتقل مع المؤلف لدراسة حرب الخليج الثانية 1990 – 1991 حيث يحلل مغزاها مقدماً تقييماً لها رأي أنه ربما يتغير فبدأ بخلفية تاريخية عن الصراع بين إيران والعراق ثم انتقل إلي دراسة الظروف التي اندلعت فيها الحرب الثانية (غزو الكويت) وقدم تحليلاً لأهم ما أثارته من قضايا ونتائج في ضوء العلاقات الدولية خصوصاً قضايا السيادة والتدخل والحرب العادلة وغيرها …
وقد يبدو هذا الموضوع للوهلة الأولي مقحماً علي دراسة تتناول علاقة الدين بالسياسة أو المواجهة بين الإسلام والغرب لكن المؤلف في استخلاصاته الأخيرة ألمح إلي أن هذه الحرب تمثل بمعني ما بداية صراع عالمي جديد أو صراع يعاد إحياؤه بين الغرب والإسلام أي نسخة جديدة من الحروب الصليبية .
وربما كانت مكعالجته المباشرة والوحيدة لهذه المسألة قد عبر عنها عندما ذكر ان صدام حسين سعي إلي تعبئة مشاعر المسلمين وراءه داعياً إلي الجهاد وراسماً الشعار الإسلامي ” الله أكبر ” علي العلم العراقي وأضاف أن كثيرين ممن حذروا من العمل العسكري قبل يناير عام 1991 كانوا يخشون أن تتفاقم العلاقات بين الغرب والشعوب الإسلامية تفاقماً لا رجعة فيه .. وهنا يكشف إمعان النظر أن صدام لم يكن ممن يحتلون الصدارة في الراديكالية الإسلامية بعد أن حارب إيران الثورية الإسلامية ثمانية أعوام ، ونكل برجال الدين المعارضين في الداخل. كذلك فأن المتنافسين الرئيسيين علي زعامة العالم الإسلامي وهما المملكة العربية السعودية وإيران كلاهما ابتعدا عن العراق .. وإذا كان ثمة مشاعر مؤيدة للعراق في العالم العرب فإن هذه تتعلق بمعارضة وطنية لتدخل غربي قدر علاقتها بالدين إن لم يكن أكثر ..
وعلي الجانب والغربي فإن الحديث بخفة عن حرب جديدة مع الإسلام هو هراء من حيث الأساس إن لم يكن مبالغة نفعية من جانب تجار السلاح والخبراء العسكريين .
فالغرب وديمقراطياته – حسب قوله – لا يحتاج إلي عدو سواء كان الشيوعية أو الإسلام أو غيرهما ثم لا يجب أن ننسي أن الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة مخابراتها كانت منهمكة خلال الثمانينيات في أكبر عملياتها السرية لدعم القوي الإسلامية في أفغانستان .
**********
ونتساؤل مع المؤلف عن طبيعة وحقيقة العلاقة بين الإسلام والغرب خطر الإسلام ، أم خطر علي الإسلام ؟ وذلك هو السؤال المحوري الذي دارت حوله فصول الكتاب .. وهنا لابد من مناقشة القضايا التي ولدت خرافة التهديد الإسلامي المزعوم ذلك أنه منذ أواخر السبعينيات وبالأخص منذ قيام الثورة الإيرانية 1978 – 1979 أصبحت قضية الإسلام وتحديه المزعوم وللغرب تشغل العالم بشكل مستمر ومن هنا ناقش المؤلف الطريقة التي ظهر بها ضرب مكن العداء للمسلمين أي معاداة المسلمين والأعتداء عليهم … !
إن صورة التهديد الإسلامي ومضللة وهناك التباسات تكمن في صلب الصراع المزعوم فبمجرد أن يكون الناس إسلاميين بمعني ديني وثقافي عام نلصق بهم معتقدات وسياسات توصف تحديداً بكونها إسلاموية أو أصولية فيتهم غالبية المسلمين بالسعي إلي فرض برنامج سياسي ذي خلفية دينية علي مجتمعاتهم لكن الحقيقية الماثلة أن غالبية المسلمين ليسوا مؤيدين للحركات الأصولية وهكذا تعزي المسألة بخفة بالغة إلي الإسلام وتأثيره .
ويعود هاليداي بما أسماه ظاهرة التهديد الإسلامي المعاصر إلي مصادر قديمة بعضها يرجع إلي الصراع التاريخي بين عالم الغرب المسيحي وعالم الإسلام والضارب إلي نحو الف عام .. ويؤكد أن هذا القلق التاريخي من الإسلام لقي دعماً من مصدر آخر تماماً ، وهو نهاية الحرب الباردة حيث كان هناك إدعاء بأن نهاية هذه الحرب هي نزاع بين غرب ديمقراطي رأسمالي وشرق دكتاتوري خاضع للهيمنة السوفيتية .. وأن هذه المرحلة نهاية الحرب الباردة – كان مناسبة لإحياء الصراع الترايخي القديم بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي ومن هذا المنظور فإن الصراع مع العالم الإسلامي لدي الغرب يعكس حاجة داخلية إلي آخر مهدد ولكنه خاضع فيجري الربط بين العداء التقليدي ذي الأساس الديني للمجتمع الإسلامي الذي يعود إلي الحروب الصليبية وبين ضرورة بسط الهيمنة بعد سقوط الشيوعية .
إن هذه الأفكار الخطيرة التي يجري توليدها في الغرب تتصل بمصالح أو يبدو أنها تخدم مصالح الزعماء الغربيين مسيحيين أو رأسماليين أو أثرياء أو إمبرياليين أو كائناً من كانوا لخلق صورة العدوة .. ومع ذلك يضيف هاليدي – فإن الخطابية الإسلاموية وتضاهي من نواح عديدة خطابية الغرب في تأكيده لتلك الصورة وليس في دحضها .
ويضرب مثلاً بخطابات الخميني والغنوشي والترابي والمدني فيراها تثبت الكثير من الموضوعات التي تروجها الدعاية المعادية للإسلام في الغرب ويصف حركتهم بأنها ترفض القيم الغربية في العلمانية والديمقراطية وحكم القانوني المدني ومساواة المرأة والرجل والمساواة بين المسلمين وغيرهم .. كما أنهم .. في رأيه يعتنقون تعميمات عرقية صارخة عن اليهود والغرب .
ويخلص من آرائه السابقة إلي أن الفكرة القائلة بوجود صراع دائم مع الغرب .. ويمكن إحياؤه مع نهاية الحرب الباردة ليست مجرد اختراع ديماجوجيين أوروبيين أو أمريكيين ، ذلك أن البعض في العالم الإسلامي أكدوا الأحكام الأوروبية السابقة بالتدشديد علي أنهم لاحقاً سيحلون محل البلشفية ، بوصفهم التحدي الأكبر للغرب وأنهم سيؤدون ذلك بفاعلية أكبر لأن تحديهم يستمد زخمه من الله .. وبتعبير آخري يري أنه إذا كانت هناك خرافات في أوروبا والولايات المتحدة الساعيتين إلي الهيمنة فحسب بل تشاع أيضاً في ساحة الإسلام نفسها التي يفترض أنها مقهورة ومهيمن عليها !!
*******
ثم ننتقل إلي عملية فرز للخرافات فبالنسبلة للتهمة الأكثر شيوعاً ضد الإسلام ، هي أنه يبيح الإرهاب .. وهنا يردج المؤلف بأنه ليس هناك علاقة لازمة أو تاريخية بين السياسة الإرهابية والهوايات الإسلامية وأن الإرهاب عندما ظهر إلي الوجود في القرن التاسع عشر بمعناه المعاصر لم يكن المسلامون هم أصحاب الريادة .. كما أن الإدعاء بأن الأقليات الدينية والإثنية كانت تعامل علي قدم المساواة في الإمبراطوريات الإسلامية الأولي إدعاء مشكوك فيه حسب رأيه رغم تأكيده بأن السجل المقارن لهذه المجتمعات يبقي من نواح عديدة أفضل من سجل المجتمعات المنافسة لها ..
فالعالم الإسلامي لم يكن هو الذي نظم إبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية أو الذي طرد السفرديم من إسبانيا والمسلمون اليوم في عدد من البلدان ضحايا القمع والإرهاب في بورما وكشمير وفلسطين والبوسنة .
كما أن مفهود الخطر الإسلامي ذاته أكذوبة والحديث عن صراع تاريخي دائم بين العالمين الإسلامي والغربي وإنما هو لغو ومن السخف النظر إلي البلدان الإسلامية علي أنها تهدد الغرب والخطر الناجم عن قوي إسلامية موحدة في ظل الإمبراطورية العثمانية اختفي منذ زمن بعيد والإمبراطورية العثمانية ذاتها تبخرت منذ عام 1918 .
وماذا عن صعود الحركات الإسلامية واستحضار الإسلام مبرراًَ للعمل السياسي ؟ لابد من الإشارة إلي أن ذلك لا يمثل ظاهرة عامة ، وإنما يعكس وجود قوي معينة داخل مجتمعات محددة في العالم المعاصر وبكلمات أخري ، أنها استجابة لمشكلات راهنة غالباً ما تكون ذات طبيعة اجتماعية وسياسية وأهم هذه المشكلات هي تحكم الدولة في الحياة اليومية ، وتطور الشرائع القانونية والهيمنة الخارجية والتمدين المتسارع والتنافس علي فرص التعليم والعمل والتغيرات الثقافية والاجتماعية وهذه المشكلات ليست خاصة بالعالم الإسلامي .
إن صورة الإسلام باعتباره ظاهرة بلا دولة هي أيضا صورة مضللة ولا شك في أن قوي عابرة للقوميات ظهرت في الماضي من خلال العلماء الإسلاميين والفرق الإسلامية كما أن المسلمين قد يشعرون حيال قضية ما أنهم جزء من جماعة أوسع ويشعرون بالتضامن مع مجموعات إسلامية مناضلة في أماكن أخري .. ولكن الحركة الإسلامية في شكلها السياسي تعرف وتحدد بدول قومية واضحة وهكذا هو الحال أولاً بمعني أن هدف هذه الحركات يبقي الاستيلاء علي السلطة وثانياً أنها في سبيل ذلك تستخدم العقيدة الإسلامية لتعزيز مصالحها حالة إيران والسودان وأخيراً فإن هذه الاتجاهات قومية من حيث إن الشكل الملموس الذي تتخذه الحركة الأصولية الإسلامية تحدده المشكلات التي تواجه المجتمع وعلي سبيل المثال فإن ايران وأفغانستان رغم كونهما جارتين فإنهما أنجبتا حركات أصولية إسلامية شديدة الاختلاف ..
وهذه الحركات ستبقي متنوعة محددة بدول معينة ومتأثرة بمصالح دولية ومن المرجح أنها ستصارع فيما بينها كما حدث بين إيران والعراق وسيمنعها ذلك من أن نتوحد ضد الغرب ومن ثم فليس هناك من تحد إسلامي كبير !!
ويواصل الكاتب تحليل صعود الحركات الراديكالية فيري أنه لم يكن موجهاً ضد الهيمنة الأجنبية المباشرة بقدر ما هو موجه ضد السلطة المحلية التي أخفقت في حل مشكلات المجتمع الذي تحكم فاستنزفت رصيدها السياسي وهذه الحركات رغم كونها تسعي بثبات للاستيلاء علي سلطة الدولة فهي قبل كل شئ ثورات ضد سياسات الدولة التحديثية ، باعتبارها سلطوية وعلمانية وتطفلية ذلك أن عجز الدول عن تلبية الآمال الاقتصادية والتطلعات الثقافية لشعوبها وفر الأجواء التي نشأت فيها الحركات الإسلاموية ( يضرب أمثلة بإيران قبل الثورة والجزائر خلال الأيام الأخيرة لجبهة التحرير ) .
ويري أن الحل الوحيد لعلاقات العالم الإسلامي هو العالم الخارجي هو الدخول في حلبة التنافس وولكن في المضمار الاقتصادي ، وليس العسكري الذي يشكل أكثر فأكثر ساحة الصراع الدولي في أواخر القرن العشرين .. هذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه العالم الإسلامي .. العمالة والمساواة فهما من مستلزمات اندماج والمجتمعات الإسلامية الجديدة بنجاح والاستبعاد الاقتصادي والرفض السياسي سيذكيان العداء الأصولي ..
ويضيف أنه علي أوروبا الغربية عملياً أن ترسم سياسة متوازنة إزاء القضايا المنضوبة في تعبير الإسلام فيجب أن يكون هناك قدر أكبر من الوعي بما يمارس من عنصرية وتحامل إثني – ديني عام ضد المهاجرين المسلمين في المجتمعات الأوروبية والبلدان الإسلامية في الخارج يجب أن تعترف أوروبا بإباحتها اضطهاد شعوب إسلامية أو التغاضي عنه ، سواء في فلسطين أو في البوسنة وعلي الغرب أن ينتهج سياسة طويلة الأمد للتفاعل الاقتصادي مع هذه البلدان لمساعدتها في شق طريق التنمية ..
*****
لقد وصف هاليداي مسألة المواجهة بين الإسلام أو بالأحري المجتمع الإسلامي والغرب بأنها خرافة في عنوان دراسته لكنني آثرت أن أجعل المسألة سؤالاً : ” هل المواجهة خرافة ؟ ” لأن المسألة بالفعل مواجهة بأي درجة وعلي أي مستوي حتي لو وصفت بكونها خرافة فوصف المواجهة بأنها خرافة لا يلغيها فهناك مواجهة ظاهرة ومضمرة حتي لو اتخذت من صنع الخرافتا آلية – لدفعها – وحتي لو اتخذت أبعاداً وتدثرت بأردية التعاون الإنساني والتنمية للجميع واستيعاب الكونية الجديدة للاختلافات والتناقضات جميعاً .
وبرغم أهمية الكتاب وتحليلاته مؤلفه الناقدة والواعية والتي تضمنت قدراً من الإنصاف وبرغم أنه حاول جاهداً تفنيد الخرافات التي ألحقها الغرب بالحركات الأصولية الإسلامية والتي ساهم فيها أنصارها أيضاً .. وبرغم تأكيده أنه لا قبل له بمناقشة الإسلام كمنظومة إيمانية أي بالمعني اللاهوتي حسب تعبيره حيث ذكر انه لا يزعم ذلك ولا يدعيه ص 8 فإن كتاباته وأحكامه عن الإسلام بوصفه نظاماً اجتماعياً وسياسياً قد شابها الكثير من عدم الدقة نتيجة فصله بين الإسلام كعقيدة إيمانية وبينه كنظام للدنيا والمجتمع والمسلمون لا يفصلون أمور الدين عن أمور الدنيا حيث لا لاهوت ولا كهنوت كما هو معروف .
لقد اعترف (ص 37) بأن الإسلام نظرياً له بعض المدلولات الخاصة بالممارسة الاجتماعية وحتي السياسية ويمارس التشريع في مجالات تستبعدها بعض الديانت الأخري ومع ذلك يري أن هذه الخصوصيات ضئيلة وجزئية ولا توضح وإلا النزر اليسير الطريقة التي يتصرف وقفها المسلمون في أي مجتمع أو وضع سياسي ويعتقد أن ذلك يتأكد من تنوع السلوك ذاته في المجتمعات الإسلامية وفي اعتقادنا لو أنه درس أسس النظرية السياسية ونظام الحكم في الإسلام لخرج بتحليلات وأحكام مغايرة لما ذكره وولأدرك أن الإسلام بمذاهبه كاقة قادر علي التشريع للنشاط الإنساني برمته وأنه لا يتضمن تمييزاً بين مؤسستين إحداهما دينية والأخري دنيوية ولسنا ونتفق كذلك مع الكاتب حين يذكر أن وأدلة التفسير وزالصياغات المطاطة للقرآن نفسه تشير إلي أن النظرية الإسلامية تجيز طائفة واسعة من الاشتقاقات وحسب ظروف العصر واهتمامات المفسرين الأفراد كما يمكن اشتقاق مبادئ مختلفة ذات خطوط متساوية من النصوص المقدسة ، ص 65 ويفهم من العبارة السابقة خلط الكاتب وعدم معرفته بالأصول والفروع ومدارس التأويل والتفسير مما يحتاج إلي ثقافة إسلامية أعمق قبل إصدار هذه الأحكام خاصة في موضوع يتصل فيه الإسلام كعقيدة مع أمور الدنيا وتواجه به المجتمعات الإسلامية مجتمعات غير إسلامية .
وفي تحليله للصراع الدولي يري أن الاختلاف الحضاري ليس واضحاً بالمرة وأنكر أنه كان أساس ذلك الصراع ففي رأيه أن الصراع كان ولا يزال يتعلق بقضايا دنيوية مباشرة .. وفي تقديرنا أنه ليس ثمة انفصال بين الحضارة كمنظومة تحتوي القضايا الدنيوية المباشرة كافة وبين التراث التاريخي النابع من المعتقدات والذي يشكل طبيعة ونسيج هذه الحضارة أو تلك وبوسعنا أن نذكر ان الصراعات الدولية تتخذ ولو بشكل مضمر بعداً حضارياً حتي لو بدا ظاهرياً أنها تتعلق بقضايا دنيوية مباشرة أو مصالح آنية فثمة كثل حضارية تستمد خصائصها ومن الدين والتراث والمصالح عبر التاريخ لا ينفيها تجاهلها أو الحط من قدرها حتي لو تغيرت خصائص هذه الكتل عبر الزمن .
ثمة ملاحظة أخري وردت في تحليله لمشكلات الشرق الأوسط حيث نراه يهون من تأثير العوامل الخارجية المتصلة بالهيمنة الإمبريالية والدور الأوروبي فيشير بخفة إلي أن هذه العوامل يمكن إدخالها في الصورة بينما يركز علي أهمية الصراعات الإقليمية داخل حول الشرق الأوسط الإسلامية ذاتها ، حيث يضرب أمثلة لهذه الصراعات والمشكلات .. ولا يغيب عن الذهن أن هذا الفصل بين الدور الخارجي وما يحدث في الداخل فيه إغفالة للدور الغربي من حيث تأثيره في إذكاء وإشعال تسليح النزاعات الإقليمية لتحويلها إلي حروب .
ورغم إنصافه للعالم الإسلامي وحركاته الأصولية علي وجه التحديد من تهمة ريادة الإرهاب والتفرد به وحديثه عن الإرهابيين الأوائل في التاريخ الحديث أو في السياسية المعاصرة ونسبتهم إلي غير المسلمين وضربه الأمثلة لذلك فربما فاته الإشارة إلي العصابتا الصهيونية في فلسطين ودورها والإرهابي الذي أسست بها وطناً في الشرق العربي أو الشرق الإسلامي الذي أصبح الآن الشرق الأوسط!!
وثمة ملاحظة أخري تتعلق بدراسته للثورة الإيرانية وما أصدره بشأنها من أحكام أتسمت بالعمومية والتعجل فقد أصدر حكماً عاماً وصعها فيه بأنه ترفض التقدم التاريخي والتقدم المادي والسلع الاستهلاكية الغربية .. إلخ ولا نعتقد أن دعاوي الثورة وشعاراتها لا تفهم بهذه البساطة فربما كان مغزاها لا ينصرف إلي رفض التقدم المادي ذاته وإنما يتصرف إلي رفض الهيمنة الغربية من خلال سلعها وقيمها الثقافية وتكريس فضيلة الاعتماد علي النفس وخلق قوة ذاتية مستقلة ثم هل نؤمن حقاً بوصف الكاتب لما حدث في إيران بأنه ثورة رجعية بصورة شاملة ص 51 والثورة ما زالت في طور التجربة عبر مرحلتها الأولي أم ننظر إليها باعتبارها تجربة فريدة تحتاج إمعان النظر والفهم والمتابعة والاهتمام قبل إصدار مثل هذه الأحكام والمتعجلة ؟ أن تقييم الثورات يحتاج في تقديرنا إلي مدي أوسع زمنياً وموضوعياً في كل الأحوال .
والنقد نفسه يمكن أن يوجه لتفسيره الاجتماعي للثورة الإيرانية ودوافعها حيث يميل المؤلف بقوة نحو تأثير القوي المدنية لا الدينية التي سماها تقليدية فالملاحظ أنه مهما تكن أهمية هذه القوي المدنية والعوامل المدنية فلا ينبغي إغفال حقيقة أن فشل وعدم انسجام التحول الاجتماعي قبيل الثورة هو ما أتاح للقوي الدينية أن تتحرك وتتصدر بما أحدثه ذلك من تناقضات وما خلق من مناخ موات لرجال الديت كما لا يمكن أن نتجاهل أن الكثيرين من رجال الدين الذين قادوا الثورة .
كانوا ممن تلقوا ثقافة غربية حديثة أو ثقافة وتعليماً مدنياً عصرياً ، وفي تساؤل المؤلف عن حل معضلة الصراع أو تخفيف ما يصور علي أنه صراع بين الغرب والعالم الإسلامي يقدم حلاً سحرياًَ ص 131 يتمثل في التركيز علي مفهوم للكونية يتضمن العلمانية والتنمية ، ثم يشير عبارة بالغة الخطورة إلي ما اعتبره الأخطار التي تنذر بها الحركات الأصولية الإسلامية الجميع وليس اقلها الأخطار التي تهدد البلاد الإسلامية نفسها إذ أن السياسات التي تنكر مساواة الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم وتصادر حقوق الأفراد قانوناً ليست قضايا يمكن لأوروبا الغربية أن تبقي عديمة الاكتراث بها ويزيد الصورة وضوحاً عندما يشير إلي ضرورة انتهاج الغرب سياسة طويلة الأمد للتفاعل الاقتصادي مع هذه البلدان الإسلامية لمساعدتها في شق طريقة التنمية ولكن مثل هذه السياسية يجب ألا تنطوي علي تهاون مع هذه الحركات الإسلامية الأصولية نفسها .. ص 134 فهل لا تثبت العبارات السابقة عن وجود المواجهة ولا تسفر عن حل أوربي أراد الكاتب للعالم الإسلامي أن يؤمن به وأن يسير إليه ؟
بواسطة admin • 09-متابعات ثقافية • 0 • الوسوم : أشرف الصباغ, العدد الثانى