الآدب الاسبانى المعاصر بأقلام كتابه ….. الدكتور طلعت شاهين

الآدب الاسبانى المعاصر بأقلام كتابه

بقلم: الدكتور طلعت شاهين (*)

برزت فى الادب الاسبانى خلال السنوات الاخيرة عدة ظواهر أولها ان ذلك الادب الذى كان الشعر يحتل الصدارة فيه، تحول الى الرواية ليبرزها على غيرها من أنواع الكتابة الادبية الاخرى ، على رغم أن الرواية فى أسبانيا كانت فى تراجع طوال فترة ليست بالقليلة نظرا لسيطرة كتاب امريكا اللاتينية فى هذا المجال منذ بداية الستينات تقريبا، ويرى النقاد أن سبب تخلف الرواية الاسبانية خلال السنوات السابقة على موجة البوم أو الانفجار الروائى  فى امريكا اللاتينية يعود بشكل أساسى الى أن الرواية الاسبانية كانت خالية من أى خلفيات جمالية لآنها كانت منقسمة بين مؤيدين لنظام فرانكو او معارضين له، دون أن تكون هناك رؤية واضحة لدى هؤلاء أو أولئك بل كان تأييد نظام فرانكو انتهازيا للفوز برضائه والتمتع بالمناصب المتاحه او التى يتيحها ذلك النظام لجذب مزيد من التأييد له فى الاوساط الثقافية الذى كان نظام فرانكو الخاسر فيه دائما لآن الجمهورية كانت فى الاساس نظاما مثقفا اعتمد على مثقفين، وكان المثقفون طليعتها منذ البداية وحتى هزيمتها أمام زحف قوات فرانكو، أما كتاب الرواية المعادون لنظام فرانكو كانوا يكتبون فى ظل المساحة المسموح لهم بها داخل الوطن، وهى مساحه لاتسمح بتطوير أدوات الكتابة جماليا، فتساوت كتاباتهم فى القبح مع كتاب النظام، جزء اخر من كتاب الرواية المعارضة للنظام كانوا يعيشون خارج الوطن لذلك تطورات كتاباتهم لكن جماليات الكتابه لديهم كانت مختلفة لانها كانت فردية الى حد كبير نظرا لتفرقهم فى المنافى بعضهم كان على علاقة بالداخل وبعضهم الاخر انفصل عن واقع اسبانيا الداخلى ، وحاول أن يعايش المجتمع الذى وجد فيه منفاه، بعضهم أحرز تقدما وسارت ابداعاته فى الرواية بشكل مواز للتطور الروائى العالمى، وحقق بعضهم انجازات لاتقل أهمية عما حققه كتاب الرواية فى أمريكا اللاتينية، لكن جماليات المنفى كانت فردية اى  لاتستطيع أن تشكل حركة حقيقية يمكن أن تكون تيارا فى حد ذاته وأن يكون لها تأثيرها الفعال فى تطوير الرواية الاسبانية ولعل ابرز كتاب هذا الاتجاه (خوان غويتيسولو)الذى استطاع أن يتفرد بين جيله من الكتاب الاسبان، واكن وراء تفرده كانت هناك ثقافة متفرده ايضا واستعداد شخصى لتمثل ثقافات اخرى بعضها يعتبره الكاتب امتداد لثقافته الخاصة أو جزءا من ثقافته الوطنية كماهو الحال بالنسبة للثقافة الاسلامية، أو الثقافت التى يعتبرها امتدادا لثقافة بلاده كماهو الحال بالنسبة للثقافات المختلفة فى أمريكا اللاتينية، من روائيى الداخل ، هناك من اتبع منهم خطوات النظام وكانت له موهبة حقيقية وبالتالى كانت له لحظات تمرده التى تنتج أدبا جيدا، لكن الابداع الجيد كان يغرق فى خضم الانتاج الردئ الذى كان يحاول كتابه من خلاله التأكيد على ولائهم لذلك النظام وأكبر من يمثل هذه النوعية الروائى (اميليو خوسييه ثيلا) الذى كانت روايته (عائلة باسكوال دوارتى) استثناء فى الانتاج الروائى الاسبانى فيما بعد الحرب الاهلية ولكن قيمة تلك الرواية والضجة التى أحدثتها ضاعت بين ثنايا الانتاج التالى للكاتب وعمله لدى النظام فى أسوأ مكان يمكن أن يتصوره مثقف فى ظل دكتاتورى وهو جهاز الرقابة الفنية والادبية والادب عادة لايمكن ان يحافظ على علاقة طيبة مع جهاز عمله الاول قمع الابداع ، فما بالنا لو كان المبدع نفسه جزءا من هذا الجهاز القمعى، وربما كانت ديباجة منح (اميليو خوسيه ثيلا) لجائزة نوبل للاداب دليلا على رأينا فى اعماله ، اذا أكدت لجنة نوبل على أهمية روايته (عائلة باسكوال دوارتى) التى كانت عمله الاول، وأى عمل أول مهما كانت عبقريته لايخلو من عيوب العمل الاول لكاتب لم تكتمل أدواته بعد، مبدعو الرواية المعارضة فى الداخل كانوا ضحية أنفسهم أكثرهم كانوا أدوات فى يد الايدلوجية السياسية التى كانت تعمل جاهدة للتخلص من النظام الدكتاتورى، فكانوا أبواقا سياسية تبنت نظريات جمالية تخطاها الزمان ولم يحاولوا العثور على تميزهم الخاص من خلال ابداع جمالى جديد، بل كان بعضهم عقبة أمام ظهور جيل جديد فى الرواية المعارضه للنظام، لآنهم كانوا أكثر رجعية من مؤيدى النظام فى تعاملهم مع أى كاتب يحاول أن يتخلص من تأثير هذا الاتجاه أو ذاك وينتج أدبا جديدا متميزا يعكس صوته الخاص يضاف الى هذا أنه بعد رحيل الجنرال فرانكو، وتبنى اسبانيا للنظام الديمقراطى الغربى ودخولها فى منظومة الاتحاد الاوروبى، بدأت تزحف عليها التطورات الحديثة التى حدثت خلال فترات انعزالها عن ذلك المحيط الاوروبى بكل مافيه من سلبيات وايجابيات، بل أن أوساطها الثقافية حاولت أن تطبق كل مايصل الى أيديها فى سباقها للحاق باخر صيحات العصر الثقافية مثل قيام بعض دور النشر الكبرى باتباع نظام الدعاية الرخيصة لبعض الاتجاهات الجديدة لمجرد ايهام القارئ أن بلاده تنتج أدبا جديدا لايقل أهمية عن الابداع فى الثقافات الاوروبية الاخرى ونتج عن هذا اختلاط الجيد بالردئ فى محاولة لتبين الحقيقة فى الوقت الراهن الذى يمربه الابداع فى الثقافة الاسبانية المعاصرة حاولنا من خلال خطوة جريئة تعتبر الاولى من نوعها أن نقدم للقارئ العربى صةرة واضحة من خلال كتابات كتاب ونقاد تلك الثقافة فقمنا بتكليف عدد من أهم نقاد الاادب الاسبانى  بكتابة رؤيتهم للحظة الابداع الراهنة فى بلادهم وكل منهم فى مجال تخصصه وتناولت تلك الكتابات التى تقدم ترجمتها هنا الى القارئ العربى- الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح والنقد التنظير النقدى وتعتقد أن تلك المقالات تقدم صورة واضحة لهذا الادب الثرى وترسم خارطة متكاملة للادب الاسبانى المعاصر- مرسومة بأقلام متخصصين مهمتهم الاولى متابعة هذا الادب والتعريف به…..