أكتوبر 17 2011
السجن السياسي والمثقف العربي ………. محمود قاسم
السجن السياسي والمثقف العربي
منظور سينمائي
محمود قاسم *
هل تتفق القسوة التى تعانى منها المساحين السياسون مع ما لديهم من أفكار ومحاولات لتغيير نظام الحكم .
لا شك ان تعبير ” سجن سياسى ” تعني في المقام الأول قسوة ملحوظة في معاملة السجين ، وكأنمـأ البشاعة في التعذيب تستهدف ، فى المقام الأول إخراج روح الفكر من الجسد ، أو لطرد هذه الروح ودفع صاحبها ألا يعود مرة أخري إلي اعتناق الأفكار ، او ممارسة الأفعال التي كانت سبباً في القبض عليه والزح به في السجن .
وهناك آلية خاصة للتعامل هذا السجين ، سواء فيما يتعلق بمراسيم القبض عليه ، أو دفعه إلي الاعتراف ، ووسائل التعذيب التي يلاقي منها ، وإلقائه في المعتقل دون محاكمة ثم هلع أسرته فيما يخص مصيرة وغموض مكانه ، والمجهول الذي يحوط به حتي مرة أخري إلي الحياة ، منكسراً غير قادر على استبعاب المتغيرات من حوله وغير مؤهل للتفاعل مع المجتمع ككل .
وفي هذه ، فإن الشخصية الرئيسية هو الضحة او الذي يقع عليه العقاب ولا شك ان المتفرج بتعاطف معها في الكثير من الأفلام التي شاهدناها ، فإن هذا الشخص ، وطني النازعة ، تقدمي الأفكار ، رومانسى المشاعر أما الطرف الثاني من الصراع ، فإننا لا نراه بقدر ما نري اوراقة من الضباط والجلادين وهم أقوام ذوو قسوة ملحوظة .
وسوف نري الأفلام التي سنناقش بعضها ان المتعتقل هو حدث من الماضى ، وكأنه غير موجود لدي النظام السياسى الذي تم ابانه إنتاج الفيلم وفي فترة حكم جمال عبد الناصر كان البوليس السياسي فى عهد الملكية هو الذي يمارس الطغيان الشديد الوطنيين الذين يقفون ضد الاحتلال البريطاني ، أيضا ضد الملكية وفساد الملك .
وهناك أفلام عديدة تدخل فى هذا المضمار ، مثل ” في بيتنا رجل لبركات 1960 وغروب وشروق 1970 لكمال الشيخ وثمن الحرية لنور الدمراش 1963 ” وأنا حرة لصلاح أبو سيف 1959 وغيرها .لكن بمجرد رحيل عبد الناصر ونشر رواية ” الكرنك ” النجيب محفوظ تم تحويلها إلي فيلم أخرجه على بدر عام 1975 حتي ظهرت مجموعة من الأفلام كشفت عن بشاعة الاعتقال السياسي والمتعتقلات في زمن جمال عبد الناصر وشكلت هذه الأفلام ظاهرة سميت بأفلام الكرنكة ومنها وراء الشمس ، لمحمد راضى 1997 ، ….. إحنا بتوع الأوتوبيس ، لحسين كمال 1979 ” وأسياد وعبيد لعلى رضا 1977 ” وشاهد إثبات لعلاء محجوب 1986 وغيرها .
وفي فترة حكم مبارك كان هذا النوع من الأفلام قد قل الشكل ملحوظ حاضة الأفلام التي تتحدث عن الماضى وبدا فيلم ” البرئ لعاطف الطيب 1986 كانه يتكلم عن فترة حالية وما يدور في المعتقلات ثم حدث ذلك أيضاً في فيلم ” التحويلة ” 1996 لآمال بهنسى ولم تكن هناك أي إشارة إلي احداث الفيلم تدور في الماضي مثلما كان يحدث في العقود السابقة .
والجدير بالذكر ان الأفلام التي تحدثت عن المعتقل السياسى وتم إنتاجها أيام الملكية قد أشارت ان ما يحدث هو جزء من التاريخ الذي كان يحدث أيام الممالك أي قبل عصر محمد علي وأسرته مثلما حدث في فيلم ” امير الانتقام ” لبركات عام 1950 .
وقد تباين الانتماء السياسي لهؤلاء المعتقلين من حقبة إلي أخري فحسن الهلالي في ” أمير الانتقام ” لم يكن له أي انتماء سياسي بالمرة ، فهو فقط حامل رسالة كم ربان المركب الذي مات وعليه أن يسلمها الحاكم هو لم يكن يعلم بأمر الرسالة أي أنه لم يكن رجلا ذا انتماء سياسى . بينما كان الانتماء السياسي للذين تم اعتقالهم في سجون الملكية حسب الأفلام التي تم إنتاجها في فترة حكم عبد الناصر فهم المثقفون المصريون سواء كانوا طلبة وطنيين والانتماء السياسي هنا ليس او لزعيم بقدر ما هو انتماء عام للوطن المحتل وهو قائم ضد الإنجليز والملك وقد انتبذ كل هؤلاء الانتماء الحزبي ، باعتبار ان الأحزاب حسب مفهوم ثورة يوليو كانت سبباً لخراب مصر.
ولم يتغير المفهوم كثبراً لهؤلاء المتعتقلين سياسياً في أفلام الكرنكة ، فأغلبهم مثقف تقدمي وأحيانا تنظر إليهم السلط من المنظور الذي تراه خطرأ عليها سواء الشيوعيين او الإخوان المسلمين ، وأغلب هؤلاء الشباب ، والطلاب لا يسعون إلي قلب نظام الحكم ، بقدر ما هم يودون التعبير عن آدرائهم بشكل ما سواء بالحوار الحر فى مقهي يضم المثقفين ، أو الكتابة في الصحف بما يتعارض مع الرقيب . محفوظ تم تحويلها إلي فيلم أخرجه على بدر عام 1975 حتي ظهرت مجموعة من الأفلام كشفت عن بشاعة الاعتقال السياسي والمتعتقلات في زمن جمال عبد الناصر وشكلت هذه الأفلام ظاهرة سميت بأفلام الكرنكة ومنها وراء الشمس ، لمحمد راضى 1997 ، ….. إحنا بتوع الأوتوبيس ، لحسين كمال 1979 ” وأسياد وعبيد لعلى رضا 1977 ” وشاهد إثبات لعلاء محجوب 1986 وغيرها .
وفي فترة حكم مبارك كان هذا النوع من الأفلام قد قل الشكل ملحوظ حاضة الأفلام التي تتحدث عن الماضى وبدا فيلم ” البرئ لعاطف الطيب 1986 كانه يتكلم عن فترة حالية وما يدور في المعتقلات ثم حدث ذلك أيضاً في فيلم ” التحويلة ” 1996 لآمال بهنسى ولم تكن هناك أي إشارة إلي احداث الفيلم تدور في الماضي مثلما كان يحدث في العقود السابقة .
والجدير بالذكر ان الأفلام التي تحدثت عن المعتقل السياسى وتم إنتاجها أيام الملكية قد أشارت ان ما يحدث هو جزء من التاريخ الذي كان يحدث أيام الممالك أي قبل عصر محمد علي وأسرته مثلما حدث في فيلم ” امير الانتقام ” لبركات عام 1950 .
وقد تباين الانتماء السياسي لهؤلاء المعتقلين من حقبة إلي أخري فحسن الهلالي في ” أمير الانتقام ” لم يكن له أي انتماء سياسي بالمرة ، فهو فقط حامل رسالة كم ربان المركب الذي مات وعليه أن يسلمها الحاكم هو لم يكن يعلم بأمر الرسالة أي أنه لم يكن رجلا ذا انتماء سياسى . بينما كان الانتماء السياسي للذين تم اعتقالهم في سجون الملكية حسب الأفلام التي تم إنتاجها في فترة حكم عبد الناصر فهم المثقفون المصريون سواء كانوا طلبة وطنيين والانتماء السياسي هنا ليس او لزعيم بقدر ما هو انتماء عام للوطن المحتل وهو قائم ضد الإنجليز والملك وقد انتبذ كل هؤلاء الانتماء الحزبي ، باعتبار ان الأحزاب حسب مفهوم ثورة يوليو كانت سبباً لخراب مصر.
ولم يتغير المفهوم كثبراً لهؤلاء المتعتقلين سياسياً في أفلام الكرنكة ، فأغلبهم مثقف تقدمي وأحيانا تنظر إليهم السلط من المنظور الذي تراه خطرأ عليها سواء الشيوعيين او الإخوان المسلمين ، وأغلب هؤلاء الشباب ، والطلاب لا يسعون إلي قلب نظام الحكم ، بقدر ما هم يودون التعبير عن آدرائهم بشكل ما سواء بالحوار الحر فى مقهي يضم المثقفين ، أو الكتابة في الصحف بما يتعارض مع الرقيب
وقد ظل المتعقل السياسي هو المثقف ، سلاحه هو المعارضة الشفاهية ، غير المسلحة ، وجزاؤه العقاب الشديد .
والجديربالذكر ان السينما المصرية لم تشأ أن تتحدث عن المتعلقين سياسياً من الجماعات الإسلامية والذين مارسوا الأسلحة والتذمير ، باعتبار أن السينما لم تشأ أت تدافع عمن يرون فيها شيطاناً وجيماً ، وفي بعض الأفلام التي تم إنتاحها في الثمانينيات ، كان المثقف الحر، التقدمي هو الذي يدخل المتعقل ، رغم أن هذا المثقف ، قد توحد في الهدف مع الدولة ، حيث وجد ان هناك عدواً مشتركاً يسعي للوقوف ضدهما .
وهؤلاء المثقفون الذين دخلوا معتقلات السنيما لم يحملوا السلاح ، ولم يسعوا إلي قلب نظام الحكم ، فهم يودون حرية الوطن قبل الثورة ، وهم يسعون إلي تعديل مسار الثورة لا أكثر ، باعتبارهم مؤمنين بدورها ، ويزعيمها ، لكن بدت السلطة كأنها لا تتحمل كلمة معارضة واحدة ، فجرجرت اليساريين والتقدميين ، وزجت بهم في المعتقلات .
وهناك فرق بين السجن ، والمعتقل السياسي ، فقد ظهر السجن في بعض الأفلام المصرية ، كمكان إصلاح وتهذيب مثل ” اللص الكلاب ” و 30 يوم في السجن و ” السجناء الثلاثة ” وبدا في بعض الأفلام بؤرة عذاب وقسوة ، مثلما رأينا في فيلم ” ليل وقضبان ” لأشرف فهمي 1972. ومن المهم أولاً أن نتوقف عند الفارق في النضال السياسي بين فيلمين ، لهما نفس السيناريو هما ” أمير الانتقام ” 1950 و أمير الدهاء 1964 فحسن الهلالي قد تم دفعه إلي المعتقل لأن السلطات رأت أنه ” يعلم وعليه أن يرتمي في سجن رهيب بلا ضوء حتي يتسني له أن ينسي اسمه ، فالقيلمان مأخوذان من نفس السيناريو وقد تغيرت أسماء البلدان هنا من أجل إعطاء إحساس ان الأمير الذي عاد إلي الحكم ، هو حاكم لإحدي البلاد الخيالية .
وفي الأفلام التي تم إنتاجها في الخمسينيات ، والستينيات ، فإن السجن السياسي ( المعتقل ) كان جزاًء من الأماكن العديدة التي يذهب إليها أقوام أبرياء ، يسعون إلي تحرير وطنهم من الاستعمار ، وكما سنلاحظ ، فإن أغلبها أفلام مقتبسة عن نصوص أدبية لإحسان عبد القدوس ، وغيره ففي فيلم في بيتنا رجل ” فإن البوليس السياسي يقوم باعتقال أسرة الموظف البسيط الذي لم يتعامل قط في السياسية لكن هذه الأسرة استضافت لديها لبضع أيام إبراهيم الذي اغتال رئيس الوزارة ، ومن خلال الضغط على الأسرة حدث تحول وطني لدي الأبناء حيث يتحمل التعذيب مع زملائه ، دون ان يبوح بأى معلومات عن أشخاص وطنيين لهم نفس الهدف .
وهناك أكثر من اعتقال في الفيلم ، الأول يتم لإبراهيم حمدي ، بعد ان اطلق النيران على رئيس الوزارء ، فيتم القبض عليه ، ويتعرض للتعذيب دون ان يبوح باسم شركائه ، وقد يكون هذا أمراً طبيعياً حيث انه مناضل سياسى في المقام الأول ، ويعرف ما ينتظره ، اما المرة الثانية في نهاية أحداث الفيلم ن فإن عبد الحميد ، ومحيى يتعرضان للتعذيب في المعتقل .. الأول كان فيما قبل انتهازياً ، ثم انتبه إلي ان الوطنية أشرف من الانتهازية أما محيي فهو طالب غض لا حول له ولا قوة ، ويتم إدخاله المعتقل جراء ما اقترفته أسرته ويتعذب لكنة لا يبوح بأسماء احد ممن يعرف عنهم شيئاً من أصدقاء إبراهيم .
وفي هذا المكان نحن نسمع لسعات الصوت ، وانين المعذبين ، وصراخان البعض الاخر ، وتصبح هناك لغة خاصة للألم ، والتعذيب .
أما في فيلم ” أنا حرة ” فإننا رأينا سجناً سياسياً أكثر منه معتقلاً ، حيث تم إبداع كل من عباس ، وامينة السجن ، بعد ان استخدم عباس الآلة الكاتبة التي لدي حبيبة لكتابة المنشورات ، وراح البوليس السياسي يترقبها ، إلي ان تم القبض عليها ، فوجدت انه من البطولة ان تنسب إلي نفسها ملكية الآلة الكاتبة وآلة الاستنساخ ليس فقط من اجل حماية عباس ولكنها ايضا تري أن هذا شرفاً وتدخل السجن كنوع من الإحساس بالفخر والغريب أنها داخل السجن تشعر لأول مرة بالحرية بعد أن تعلمت مفردات خاصة بالنضال والكفاح ضد الاستعمار وفي السجن تقرر لأول مرة ان تتزوج من حبيها وتشعر لول مرة أنها حرة رغم أنها مسجونة .
المعتقل هنا سجن سياسي وهو أشبه بالسجون العادية ليس فيه أي تعذيب أو محاولة لابتزاز الاعتراف بالشركاء وكأنه جريمة عادية ثم القبض على الفاعل ومعه دليل إدانته فتم إدخاله السجن لكن هنا لم نر محاكمة ولكن دخول مباشر إلي الزنزانة .
وهناك فيلم آخر في هذه السنوات حول المناضلين والتعذيب الذي يلاقونه هو ” ثمن الحرية ” لنور الدمرداش والمأخوذ عن مسرحية للكاتب الفرنسي إيمانويل رويليس لكن التعذيب السياسي يقوم بالقبض على مجموعة أشخاص من عامة الشعب من أجل تعذيبهم والتهديد بقتلهم وذلك كي يدفع بأحد المناضلين لتسليم نفسه وفي داخل مبني تبدأ عملية تعذيب أبرياء كانوا في طريقهم للعودة إلي منازلهم .
وكما أئنا فإن كل نظام سياسي كان عليه أن ينتفذ أو النظام الذي سيقه من خلال التاكيد على أن هذا النظام السابق قد تفنن في عملية التعذيب داخل المعتقلات رغم أن الإدارة البوليسية التي تقوم بهذا الدور هي نفسها مع اختلاف الأشخاص ومع تشابه أساليب التعذيب وأيضا تشابه الهدف وهو السعي لمعرفة شركاء في الخلية لإتمام القبض على بقية أعضاء هذه الشبكة أو الخلية .
إذن فليس الهدف الأساسي هو القبض على الشخص وحده ولكن من التعذيب هو دفع الشخص الذي تم القبض عليه إلي الاعتراف على زملائه وهنا تاتي قوة التعذيب وقوة الحدث فحسب السينما التي تم القبض فيها على مناضلين فإن البراعة هنا هو عدم الإدلاء بأسماء الشركاء وبالنسبة للأفام التي يتم فيها تعذيب أبرياء فإنهم بالطبع يعرفون أي شئ عن شركاء لأنهم بكل بساطة لم يساهموا أي أنشطة سياسية ولعل فيلم الكرنك أفضل مثال على ذلك .
وأهمية التعذيب في هذا الفيلم أننا هنا أمام جنود وهو شخصية واحدة يواجه مجموعة من الأشخاص هذا الجلاد هو خالد صفوان إنه شخص لا يعرف الابتسام يملك سلطات بلا حدود ويتخذ من كافة الإجراءات الاستثائية المخالفة للقانون حجة لحماية الوحشية في القبض على ضحاياه وتعذيبهم من اجل ضمان ان الثورة تمشي قدماً .
وإذا كنا قد رأينا أن البوليس أمن الدولة فيما بعد هو المسؤول عن المتعقلات فإن الاستخبارات هنا هي الجهاز الذي يتولي رئاسة خالد صفوان حيث أن والدا زينب قد ذهبا إلي كافة أقساط الشرطة وإلي المحافظة للسؤال عن ابنتهما التي تم القبض عليها فأفادت هذه الجهات ان ليس لديها أي معرفة بالأمر وأن الشرطة ليست الجهة التي قامت بالقبض على زينب .
وخالد صفوان لديه سعاره الخاص وهو انا أؤذي إذن فأنا أعمل ” وهو حسب طبيعة عمله وطبيعته يبدو ناعم الملمس رقيق العبارات ثم يتحول عند لحظة نا إلي وحش كاسر خاصة عندما يسعي للضغط على المقبوض عليه من أجل أن يعترف بمعلومات عن زملائه .
والأشخاص الذين جاؤوا إلي عرين خالد صفوان معتقله هم من لطلاب الجامعيين ، يرددون بعض الشعارات لا أكثر سواء داخل الحرم الجامعي أو مقهي ” الكرنك ” وهم لا يستخدمون اللافتات حيث يؤمن إسماعيل أن عليهم استعمال قماش اللافتات في صنع ملابس للفلاحين بدلاً من كتابة شعاراتهم عليها إذن فهم لا يخرجون في إطار تمردهم ومعارضنتعم عن حدود ضيقة لا تصل بالكاد إلي الطلاب الآخرين .
ومن أبرز هؤلاء الأشخاص – الطلاب – هناك إسماعيل الشيخ وجارته زينب عواد وزميله حلمي وهم في المقهي لا يملكون سوي التعبير بالكلمة ولا تخرج أيضا آراؤهم عن حدود المقاعد التي يجلسون فوقها وأيضاً عن الدائرة التي تجلس فيها المريدون حول كاتب مشهور يستمع إلي الشباب والمريدين أكثر مما يتكلم .
وعندما يتم القبض بشكل خفي على الثلاثة .
فإنهم يتوجهون إلي عرين خالد صفوان وتوحه إليهم بشعة من التعذيب ثم يتم الإفراج عنهم كي يتم القبض عليهم من جديد وبتهمة الانتماء للإخوان المسلمين ثم مرة ثالثة بتهمة تحريض العمال في مصنع للنسيج على الإضراب عن العمل .
والتعذيب الذي يلاقتيه هؤلاء الطلاب الذين لا تعرف لهم المؤسسة الأمنية انتماء يتمثل في الجلد والصلب وسكب الماء المثلج واغتصاب الفتأة في غرفة واسعة من رجال أشداء وبوحشية ، وأمام اعين صفوان ورجاله كما يضرب حلمي بالنعال لدرجة الموت وأبضا إطلاق الكلاب على المتهمين بعد دهن أجسادهم بالزيت وإطفاء السجائر في صدورهم مثلما حدث مع حلمي المشدود إلي آلة كهربائية ذات
تيار عال .
والمعتقل السياسي هنا ماكن كئيب قاتم ، أضواء خافتة وملئة بالتوحش وخالية من الحياة .
وقد ظهر بعد فيلم الكرنك مجموعة أفلام أخري عن المعتقلات في فترة حكم جمال عبد الناصر وهناك فارق واضح بين نهايات أفلام تدين الملكية والأفلام التي تدين التذيب في زمن عبد الناصر ففي الأفلام الأولي كان المل في نهاية هذه العذابات يأتي من قيام الثورة والإفراج عن المعتقلين الوطنيين أما الأمل في نهاية أفلام الكرنك والسبعينيات بشكل خاص فكان يتمثل في قيام حركة 15 مايو – سميت في هذه الأفلام ثورة التصحيح ثم في حرب أكتوبر فحسب الفيلم فإن ما يوقد فتح الأبواب للذين عاشوا وراء القضبان بتهم سياسية ملفقة أما أكتوبر فهو النصر الذي جاء ليتوج فرحة الناس وأيضا ليؤكد ان زمن الاعتقالات انتهي ، وان وقت البهجة قد حل .
وقد ظهرت في النصف الثاني من السبعينيات مجموعة من الأفلام عن سمي بمراكز القوة او الكرنكة ولم تدر أحداث كل هذه الأفلام فب زنازين المتعقلات مثلما حدث في فيلم ” امراة من زجاج ” لنادر جلال 1977 أو ” طائر الليل الحزين ” ليحيي العلمي 1977 أيضاً لكن موضوع التعذيب في الزنزانة عاد للظهور بشكل مكثف في فيلم ” أسياد وعبيد ” لعلى رضا 1978 ، حول احمد وحسن وهما شقيقان الأول طبيب ينتمي إلي تنظيم سياسي بينما الثاني صحفي متفرغ لخطيبته التي تعمل راقصة في ملهي ليلي تملكه نانا ، وهي امرأة على علاقة جيدة برئيس الاستخارات رفعت الذي لا يتوانى في البطش بكل عزيز وفي إحدي المرات يتم اعتقال أحمد ومعه صديقة عماد الذي يتم تعذيبه لدرجة الموت ويفاض رفعت أحمد في ان يكتب شهاده وفاة طبيعية لعماد مقابل ان ينتظر الفرصة للانتقام من رفعت .
والاعتقالات في هذه الأفلام جماعية أي تحدث لأكثر من شخص فرفعت يعذب الكثير من المعتقلين وفي بعض أفلام المعتقلات السياسية ليست هناك أي علاقة في عائلية بالطبع بين الجلاد ، والمعتقلين لكن في أسياد وعبيد ” تلجأ نانا إلي رفعت لتوسط لديه للإفراج عن إحدي قربياتها ويصير الانتقام من رفعت بمثابة ثأر شخصي بلإضافة إلي ما اقترفه من تعذيب .
والكثير من قصص المعتقلات مأخوذ من نصوص أدبية مثل ” الكرنك ” لنجيب محفوظ ، ثم ” وراء الشمس ” لحسن محسب 1978 والمعتقل هذه المرة هو السجن الحربي أي أن المسجون هنا هو شخصية عسكرية ، والجلاد هو الجعفري مدير السجن الحربي ، الذي عليه إطاعة الأوامر باغتيال احد قادة حرب 1967 وهذا القائد محمود يصمم على ضرورة محاكمة شعبية لمعرفة أسباب النكسة وفي الفيلم تتشابك عدة أجهزة فبالإضافة إلي السجن الحربي ،فإن هناك مكتب الاستخبارات حيث يسعي رئيس الجهاز إلي تجنيد الطالبة سهير ابنه القائد العسكري المعتقل محمود من اجل التجسس على زملائها فى الجامعة .
ويأتي التشابك هنا ، ان الاستخبارات تعرف أن الطلاب يقومون بعمل مظاهرة للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عسكرياً وسياسياً عن نكسة يونيو وفي وسط المظاهرة نتعرف على بعض العناصر الثورية مثل الدكتور حسام ووليد واللذين يتم القبض عليهما ليلاقوا التعذيب البالغ القسوة داخل المتعقل وتصمم الفتاة سهير على الانتقام من الجعفري بعد ان عرفت انه قتل أباها في السجن الحربي والنهاية هنا مسدودة فسهير تموت مثلاً ويلتقي المعتقلون المزيد من التعذيب ومن الواضح أن فترة النكسة كانت مادة خصبة لإدائة مراكز القوي والبحث عن أشخاص يتحملون مسؤولية الهزيمة وأن قصة حقيقة دونها الصحفي جلال الدين الحمامصي فى كتابه ” إحنا بتوع الأوتوبيس ” تم إخراج فيلم بنفس العنوان عام 1979 وهو يدور فى داخل المعتقل ونري فيه كافة ألوان التعذيب ضد أشخاص كل ما اقترفوه ان اشتركوا في مشاجرة في سيارة اوتوبيس عام وتم ترحيلهم إلي قسم الشرطة وعن طريق الخطأ تم ضمهم ضمن مجموعة من المعتقلين السياسيين الخطرين ويرحلون إلي المعتقل وهناك لابد من تعريضهم لكافة أنواع التعذيب للاعتراف .
وقد جاءت قسوة الاعتقال هنا أن كل من جابر ومرزوق – جسدها عادل إمام وعبد المنعم مدبولى – هما فى المقام الأول من الأبرياء يجدان نفسيهما مساقين إلي السجن الحربي وبستقبلان كأنهما الأعداء ، ويتهمان بتوزيع منشورات تدعو إلي قلب نظام الحكم وعن طريق الضغط بالتعذيب يطلب منهما الضابط المسؤول أن يوقعا بأنهما مدانان فيرفضان ويتعرضان لأشكال متعددة من التعذيب وقد حدثت هذه الوقائع قبل يونية فلما حدثت النكسة تزداد حالة القنوط واليأس لدي الناس ويحس الجاويش عبد المعطي أداة التعذيب حالة من التحول مثلما سنري فى حالة احمد سبع الرجالة ويطلق عليه الرصاص ذلك بعد ان قام مرزوق بالاحتجاج لدي رمزي وبالتالي يتمرد باقى المتعقلين ويطلق أعوان رمزي الرصاص على المعتقلين والجاويش عبد المعطي ليلفظ مرزوق أنفاسه بين يدي جابر.
وكما نري فأن التعذيب وآلام الكرباج هي لغة مشتركة في الفيلم والموت مصير الأبرياء عذبوا في الحياة وماتوا بشكل مفاجئ دون أن يكونوا قد ارتكبوا شيئاً ما مشيناً .
وعقب مقتل انور السادات توقفت هذه الأفلام عدا فيلماً واحداً بدا كانه مكتوب قبل فترة كان التجربة الأولي لمخرجه علاء محجوب 1986 حول القبض على أستاذ شاهد جريمة ارتكبها احد المسؤولين عندما قذف بعشيقته وتعرف في أحد المرات على القاتل فاستخدم قوته ووظيفته في تعذيبه وامرأته من اجل أن يسحب اعترافه
وليس في الفيلم أي إشارة إلي زمن الفيلم أي أن الفيلم قد تم في زمن النكسة أو حتى فة زمن السادات نفسه وقد جرد هذا الزمن كى يصور ان أى مسؤول لديه قوته يمكنه ان يقبض على مواطن بسيط يحاول أن يكشف الحقيقة ويعذبه بشكل بالغ البشاعة نادرا ما تراه مع الحيوانات حيث يضع الزجة في قفض ويتم اغتصابها أمام عيني زوجها .
وقد كانت هذه الأفلام إبان عرضها بمثابة منشور سياسي ليأييد النظام الذي يتم إنتاج الفيلم إبانه لكن مع الثمانينيات والتسعينيات تغيرت الأمور فلم تعد هناك إشارة إلي ان المعتقلات من أدوات عصر غابر لذا فإن فيلم ” البرئ ” لم يشر إلي العصر الذي تدور فيه الأحداث بل إن أبطاله ارتدوا الزي المعاصر لزمن إنتاج الفيلم ، وكأنه يحدث عام 1985 مما أدي إلي صدام مع الرقابة ولم تتم الموافقة على عرضه إلا بعد أن عرض على أكبر العسكريين في مصر حسبما جاء فى مقال نشره احمد صالح عن الفيلم في جريدة أخبار اليوم الذي قال : ” هذا المنطلق يجب ان يظل فيلم ( البرئ ) معبراً عن أى دولة فى أى فترة زمنية تسود فيها الديكتاتورية ، وتسيطر عليها القوة الغاشمة وزوار الفجر ومصادرة حرية الرأي ودون ان يقصد به بلد ما أو فترة ما من تاريخ مصر أو تاريخ أي بلد آخر هذا المعني هو جاء فى اللافتة التي ظهرت على الشاشة قبل وقد كنت اود أن أصدقها لولا أنني لمحت تاريخاً مكتوباً بالقلم الرصاص على حائط زنزانة فى المعتقل يشير إلي عام 1967 أي خلال الرئيس الأسبق عبد الناصر مما أفسد إحساسي بالمعني العام الشامل الذي وددته أن يكون المقصود من الفيلم “.
وبطل الفيلم هو واحد من الذين عليهم تعذيب السياسيين عليه أن يركلهم ويضربهم بالحذاء والرصاص باعتبار أنهم أعداء الوطن إه احمد سبع الليل جندي أمن مركزي مجند يتعلم أن الطاعة واجبة أما الشخصية الرئيسية الثانية فهو قائد المقيد شركس وهو إنسان بالغ الرقة في حياته الخاصة وفي منزله ومع أبنائه لكنة غاية في التوحش والشراسة داخل المعتقل وفي المعتقل هناك نماذج لأساتذة جامعة ومثقفين تم القبض هناك عليهم لأنهم عارضوا وعلى الجنود أن يتعاقدوا مع المعتلقين بمخالب قاتلة مثلما فعل أحمد سبع الليل مع الكاتب رشاد عويس الذي حاول الهرب فانقض عليه جندي الأمن المركزي وخنقه وأرداه قتيلاً وحصل من قائده على مكافأة شريطين وإجازة قصيرة لأنه بالطبع قتل واحداً من أعداء الوطن”
وسوف تكون صدمة هذا الجندي أن عليه أن يعذب شخصياً جاء إلي المعسكر هو طالب تقدمي وطني يحب بلاده وهو احد أبناء قرية ونحن لم نتوقف بالطبع عند كافة المعتقلات السياسية ولكننا أردنا أن نتناول بالدراسة حالة واحدة من الحالات التي تنتمي كل منها إلي حقبة زمنية خاصة الأولي عصر الملكية ثم العقدين الأولين للثورة ثم السبعينيات ( حكم السادات ) وبالطبع العقدين الأخيرين من القرن العشرين .
مايو 2 2015
أحمد معلا،حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية .. د. أسعد عرابي
أحمد معلا
حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية
———
د. أسعد عرابي (*)
تمثل تجربة أحمد معلا (من مواليد1958م) منعطفاً حاسماً فى تحول تقاليد التعبيرية السورية” المتمايزة من المعاصرة إلى ما بعد الحداثة مباشرة. وبالقدر الذى يمثل فى رقعتها الشطرنجية تمفصلاً عضوياً بالقدر الذى يجعله منفلقا خارج عقائدها وصيفها المؤسلبة ، هى التى تحولت مع الأيام من “إبداعات” الستينات إلى ” اتباعيات ” الثمانينات ومابعدها .
وإذا كان إلتزم بما إلتزمت به ثوابتها “مثل” مركزية الإنسان فى الفراغ المطلق” فإن فنه بعكس “أيديولوجيته” خرق كل ماهو منهى عنه ـ وقد سى، وكل ما يمثل إشارات حمراء فى زنزانة الإلتزام العقائدى.
يملك أحمد معلا قدرة إسفنجية خارقة على إمتصاص كل مايشر به فى يومياته وما يصادفه خلال تجواله فى تاريخ الفن، ثم تدمير ما إجترعه وإعادة إستحواذه. فى هذا الرحيق والنسغ التوليفى الكونى أو الشمولى يبحث عن أبجدية نسبية، ولفة على قياس الكوكب الأرضى شارداً عن أية حدود محدودة، حتى لتبدو اللوحة وكأنها خارطة وطنه الرحمى المشيمى الطوباوى التطهرى التى يخرج بها من آثار العالم وسكونيته وأحماله التراثية والذاكراتية المرهقة .
يمتطى براق التشكيل كل مره دون وسيط ودون إلتزامات سابقة .
لعل هذا مايفسر العنوان المشترك فى أبرز معارضه يدعوها “تجارب” ، يضع البحث القلق الشجاع بديلاً عن الوثوقية الحذره والأسلبة المفتعلة.
تبدو معارضة مثل مناهجه التربوية أشبه بالناقوس الذى يتراوح بنزق “ديوينزوسى” بين الضد وعكسه ، لدرجة يتأرجح فيها متطرفاً خارج مساره، يقفز فى هذا التعارض من الأطروحة إلى عكسها ، تفرخ هذه الصبوات المتناقضة وتتكاثر من ذاتها فتبدو مراوحاتها سمة ديناميكية جعلته الأشد تمايزاً على مستوى سلوك القلم والفرشاة ونحت اللون ، وعلى مستوى المحاكمة التربوية، فقد تخرج من قسم الاتصالات البصرية عام 1981م من كلية فنون دمشق ، ليسافر إلى باريس عام 1987م فيصبح خريجاً للمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية”ومدرساً بالع التأثير ، هو ما أثار حفيظة زملاءه ، فدفعوه إلى الاستقامة ، وخسرت كلية الفنون أشد مدرسيها حيوية ومستقبلية فى قسم الإتصالات البصرية . ولكن “رب ضارة نافعة ” فقد عاد إلى الحياة بعروفها وأخطارها وتناقضاتها فى دمشق ، يجترع حيوية قلقة، نخذت أعماله وشخصيته بالسمة الوجودية الأصيلة هى التى كان رائدها المعلم فاتح المدرس .
شكلت تجربته الوجودية ، إذن على أصالتها نوعاً من المماحكة والإشكالية المزمنة التى ترفض قوالب الزمن خارج اللحظة المعاشة يقتطع فى كل شريحة “حياتيةـ إبداعية” الزمن النسبى.
متخلياً عن بعده الذاكرايى والتراثى الأطلالى ، يعيش راهنيته فى عمقها العمودى المنسلخ عن سيرة الأشياء ، بل إن ما يجمعه مع فاتح المدرس هو الاعتماد على النسيان أكثر من التذكر يصفق معلاً أجنحته وفراشيه باحثاً فى طيرانه العبثى عن مواطن تشكيلية تعددية توليفية مثيرة لم يسبقه إليها أحد ، لذلك فهو محدث فى ريادته ، ورؤيوى فى تطرفه العبثى المراهق ،مدمراً الحدود بين أنواع الفنون (كما هى توجهاته الدراسية والتعليمية ) ، فهو مصمم كرافيكى ومصور فى آن ـ هو مصور يقتصر على بعدين ومصور ينحت السطح بكتل العجائن ، ثم هو مصمم مسرحى وسينمائى متفرد ، وهو ما أعطى لأعماله صفة المشهدية الإعلامية أى بمصطلح ما بعد الحداثة:
“البرفورمانس” ، فالأداء الكرافيكى والإعلامى، جزء من إحتفاءاته المثيرة وهنا نقع على أهمية دوره.
يعتبر أحمد معلاً من أبرز فنانى ما بعد الحداثة فى التعبيرية السورية ، فهو أول من أدخل صيفة ” المشهدية ” (البرفورمانس) فى العمل الفنى، وذلك من خلال مرثيته إلى الأديب الراحل سعد الله ونوس ، ويعتبر هذا المعرض الذى أقيم عامر 1979م ، فى “صالة أتاسى ” إنعطافاً مفصلياً فى حداثة المحترف، معتمداً على توليفات من أنواع التعبير البصرى الحر، مستقى من الحساسية الإعلامية والمسرحية واضاءتهما السينوغرافية ، يعتبر بنفس الوقت من الذين إلتزمت موهبتهم بفضيلة الرسم (التى حفظتها أمانة المعلم نذير نبعه واستاذه إحسان عينتابى) .
ناهيك عن وعيه النقدى والنصى الاستثنائى , مما يكشف فضوليته الثقافية والمعرفية التى تقطف من كل بستان زهرة دون تفريق بين أنواع الفنون والآداب ،بين تراث اللغة العربية أو الفرنسية .
هيأ معلا فى تسارعة الحداثى الشاب وصلابته الثقافية لتجواله بحرية لايعقلها قيد فى تاريخ الفن المحلى والعالمى معيداً إستحواذ قطافة من جديد بعد تدمير معطياته ، مهياً للجيل التالى فرصة إقتحام جدار العقل إلى مساحة الحعذيان .
والتطرف المقدام ، هو الجيل الذى تحضرنى من إضاءات مواهبه على اختلافهم بحته: فادى يازجى وسارة شمه وآخرين .
لابحكم معلاً العالم ضمن فلسفة مسبقة تثاقفية مسبقة ،بل أنه لاينحث عن عناصر الإنسجام والتناغم (مثل هارمونى الألوان) وإنما على القوى المتناحرة الإفتجائية والمتعارضة فى الفعل ” السلوك المخبرى ” وفى الفكر الاختباء النظر فهو يفضل مشهد حجم البراكين فى لحظة إنطفاء شعلتها فى باطن الأوقيانوس عن المنظر الحاكم المستكين ، لعله بهذه الكونية/ الشمولية يجتمع من جديد من نذير نبعه وإحسان عينتابى، دون أن يفقد حقه فى التدمير.
الإنتحارى فى الأشكال ،يعبر هنا من بعض إستثمارات فاتح المدرس الأسطورية الوجودية ، وبعبور أسرع من مقصوصات ” مسرح الظل ” وحشوده الساخرة التى ظلت شاغلى التعبيرىحتى. اليوم هو بانوراما وسجل حافل بالكثير ولكن تفرد خصائصه تكاد تتفوق على مصادرة يستخدم كل ما يراه ويعرفه ويعيشه ضمن رقعة شطرنجة الوجودية ، وكأنه يعيد صناعة ملصقات (كولاج) من هذه المصادر المتباعة . ومايهمه فيها هو تباعدها، تناقضها، تناصرها الثنوى ، لعلها الفلسفة البديلة التى تتطابق مع أخلاقية اللوحة وليس الأكاديمية أو المجتمع ، هو ما يفسر خروجه المحبب عن كل ما هو بروقراطى مؤسساتى وهمائى .
فإذا خرج من عصيان الرأى الجماهيرى فهو يعيد حشودهم فى تكويناته الملحمية ، وينوع من إدانة أمعيتهم ووحدة لباسهم مثل إدانة يونسكو لمجتمع وحيدى القرن وإدانة توفيق الحكيم ” لنهر الجنون ” وقهقهة زكريا تامر من الطوابير العقائدية ، تبدو شخوصه المجهرية عائمة مقصوصة بالأسود ومعلقة بخيطان توتاليتارية غير منظورة . تعانى حشودها من نفس النواظم الثنوية تتداخل خرائط الأبيض بالأسود – ضمن إيلاج وهمي بصري كرافيكي يحيلنا ممن جديد إلي خبرته التصميمة الطباعيمة .
استطاع بالنتيجة أن يؤسس عقيدة تشكيلية تعكس تناقضات مرحلة جيله ، وزلزلة أرض قناعتها بشتي أنماط التعسف الثقافي ، يصور ما شاءت له عفويته ، وما يحيله عليه حدسه من هنديسيات متوحدة ، ، وذلك باعتماده الطوعي علي تدمير الثابت ومحاولة إقتناص المتحول والصبر ورائي ، بنوع من التداعي القلق والرفيق الشبحي في المادة .
عوالم طباعية عملاقة تقابل الخصوبات الصباغية المتخمة بالعجائن القزحية والمجهرية لأنها لا تتعدي في قزميتها عدة سنتيمترات يصور بعجائن صاخبة غائرة – نافرة ( مثل بداية تشكل الكون ) معجونة بلدائن الأصبغة ” الأكريليكية ” .
بسطوح مقصوصة كما هي مقصات هنري ماتيس الورقية ، يتطرف في الأولي بخروجه عن السطح ثلاثية أبعاده التحتية ويتطرف إلي الثانية باستخدامه السطح المقصوص الفاقد للظل والحجم والمنظور يستخدم تارة راحة يده وأظافره في التعبير وقد نعثر في نفس اللوحة علي بصمات مهندسة للبيكار والمسطرة والفرجار .
فهو متوحش ( بكر ) ونخبوي (ثقافي) في آن واحد ، متطرف في شتي الاتجاهات تنتظم تكويناته الطقوسية الاحتفائية الملحمية وكأنها قيامه ” كافكاوية” وفق نسق حلزوني عام ، يعيد إلي الفراغ مواصفات إرتباطه الفلكي بالكون وبألفية السماوية . ويفريسكات القبب الداخلية في عصر مديتشي ، ونعثر ضمن هذه المنحنيات علي أنظمة بنائية متعامدة تقف في وجه رومانسية أو أرابسك الغشتالت العام . تقع نسبية تصويره في إمتداد لوحته علي قياس البيئة أو إختزالها إلي ورقة مجهرية ، أشبه بالتحول من منظار (التلسكوب) إلي المجهر المكبر (الميكروسكوب) ، يعكس ذلك التحول السيميائي الفلسفي من الماكروكوزم ( العالم الكبيري ) إلي الميكروكوزم ( العالم الصفيري) وحسي ، عملاق وقزم ، هو النسق المتعامد مع المكور . هو الأسود والأبيض ، الشر والخير عندما يولج أحدهما في الآخر ، يسافر ما بين المقدسي والوثني، ما بين العاري والمتستر المفضوح والمقنع ، عبثي ذاتي وجماهيري ملتزم ، لا يمكن الإحاطة بخصائص معلاً إلا إذا قبلنا بهذا التشرزم في مواقع تعبيرية متباعدة من الكرافيك إلي الجداريات ومن اللوحة المجهرية إلي ” البرفورمانس ” والإنشاء الذي يلف صالة العرض ، فيعانق المشاهد بدلاً من أن يراقبه عن كثب .
لعله أشبه بالنحلة التي لا تلقح وتخصب إلا مرة واحدة قبل أن تموت .
بواسطة admin • 07-فنون • 0 • الوسوم : أحمد معلا, أسعد عرابى, العدد السادس عشر