علي شاشات التليفزيون
فيلم (الزمار )
علي عوض الله كرار *
بمناسبة مرور 52 عاماً علي ميلاد المخرج السينمائي الراحل عاطف الطيب المولود في 26 ديسمبر من عام 1947 م .
الزمار .. هو أول فيلم عربي – علي ما أعرف – يستخدم القصائد العامية في بنائه الدرامي ، وتكاد الروح الشعرية تطل من أفواه معظم حوارات الفيلم وخاصة من صدور مظاليم أهل ( العرابة ) .
يبدأ الفيلم بالسكون يفترش الليل ، ومصابيح الإضاءة متعددة الألوان تزخرفه وخيالات مريم تسبح تحتهم وتستعيد بعض أيامها الحلوة وتوشي عذوبة صوت المطرب محمد عبدالوهاب سجادة السكون المزخرفة بالمصابيح الملونة بخيوط حريرية من الكلم المطرز بمعان تتمناها الروح ، روح مريم ، وإذا يطلق ناري يخرق تلك السجادة البديعة التي نسجتها خيالاتها وتشيط خيوط الأغنية فتخرس فتهرب البلابل المغردة ،وتلتلم مريم حلمها الحلو – رغم ما يحمله من أثقال ، وما يعتريه من ثقوب – وتدثر به روحها وتدخل البيت إلا أنها لم تسلم من نبوية أخت زوجها جابر التي عرتها من حلمها الدافئ ومزقته بلسانها الحاد .
إنها بداية شاعرية باللون والصوت ( بعد مشهد مطاردة حسن ) قدم بها المخرج عاطف الطيب قصيدة الناس الطيبين والتي نسجها الشاعر عبدالرحيم منصور من آلامه التي هي بعض من آلامهم مطرزاً إياها بالتراث الشعبي العريق الذي تمثل أمثاله الشعبية جزءاً هاماً منه ، ولأول مرة يذاب التراث الشعبي في بنية العمل الفني علي هذا الشكل من البراعة لدرجة أن حذف هذه الأمثال – مجرد حذفها – يشل الإبداع الفني لفيلم (الزمار) برمته وبالمناسبة كرر السيناريست فايز غالي عملية مزج الأمثال الشعبية بوفرة مع الحوار ، وذلك في فيلم (يوم مر ويوم حلو ) للمخرج خيري بشارة وقد نظم إيقاعات فيلم ( الزمار ) عن فهم بخصوصية العمل وخبرة واعية وإحساس شاعري مرهف السيناريست رفيق الصبان وشاركه الشاعر عبدالرحيم منصور بصفته الأقرب انتماءاً والاعمق تداخلاً في تلافيف المجتمع الصعيدي من رفيق الصبان .
وتنتقل بنا الكاميرا من شهيدة الحقيقة “مريم ” إلي شهيد الحق “حسن ” حيث تقابله الكاميرا وهو يتوسط مجموعة من العمال محدثاً إياهم عن ضرورة تكويننقابة تضمهم وترعي شئونهم ولا تنسي الكاميرا أن تفضح الشروخ الانقسامية بين أفراد (العرابة ) وأن تفصح عن الروح الانفرادية الموجود بها كل امرئ منهم فها هم يسيرون متباعدين عن بعضهم البعض رغم تلاصقهم ووحدتهم الثقافية المستمدة في الأساس من واقعهم البيئي والاجتماعي وما يعتريهما من تغييرات قشرية تقيم حاجزاً ولو كان رقيقاً رقة ورق الألمونيوم يمنع تلامس واقعهم مع شموس وهواءات قد تقتحمهم وتعيش بينهم تغيرا قشرية أشبه بهذا الغطاء الاحمر اللافف علي كرات الجبن الفلامتك وأشبه بالأغطية الورقية والكرتونية والبلاستيكية والصفائحية المغطي بها المشروبات والمأكولات في محل بقالة زوج مريم – وهم أي أهل منطقة العرابة – الذين تعايشوا مع ما يشربونه ويأكلونه عارياً من أي غطاء مذ أن كان نباتاً يصعد وحده إلي السماء رغم الرياح والأتربة وتعاقب الليل والنهار عليه .
وعلي النقيض تماماً تراقب الكاميرا من الخلف – في مشهد آخر – تقدم قوي الاستغلال إلي قطعة أرض سوف يقام فوقها مشروع خزان مائي ( عضو الحزب الحاكم – شيخ البلد – التاجر – مأمور القسم ) وتظهرهم كتلة واحدة وهم يعاينون الموقع تحت مظلة قرع المارش العسكري ، فهم – الأخيرون هلاء – واعون تماماً بوحدة مصالحهم قولاً وفعلاً ومسلكاً وتلاحظ – فيما سبق – أنسنة الكاميرا ! فهي تحس وتشعر وتبدي الرأي فهي تواجه أصدقاءها الطيبين بعيوبهم ونقائصهم وفي المشهد الآخر تنتاب الكاميرا رجفة الخوف فتصور قوي الاستغلال من خلفهم ومن مسافة بعيدة نسبياً .
يدخل حسن ومعه مجموعة من العمال المقهي الشعبي ويبدأ في إلقاء أشعاره خالية لب السامعين ولم يستسلم المخرج للأبداع الفني المشع من الأشعار ولم يترك له حرية التجول وحده داخل وجدان المتفرجين بآذانهم بل شاركه بتعميق مضامين القصيدة الشعرية وشق لها قنوات إسانية أرحب ، فعندما وصل حسن إلي ” أيدي ع الرحاية وقلبي .. ” إذا بالكاميرا تدور ايضاً كما لو كانت رحاية علي الجالسين مؤكدة أن حالة حسن المزرية ليست فرية بل هي حالة جماعية .
ولم (كما) هذه ؟ بالفعل هي رحاية فالكاميرا السينمائية وهي تدور شرائطها الخام وفق آخر تعديلات وتبديلات وتعديات المخرج علي السيناريو المعد من قبل تطحن الأحداث والشخصيات والأمكنة وتدشدشها ثم تنعم ما و قابل للتنعيم قالبة نواتجها في (المنخل) الفاصل ما بين ما هو ناعم وما هو خشن وما هو حصي وما هو قشر وبالخبرة الإنسانية المتراكمة يذهب كل نوع إلي غرض يناسبه ، فيتنافعا معاً لينفعا بعدئذ الإنسان مبتكر تلك الوسائل البدائية الخادمة لحسن بقائه ودوامه علي الأرض ، وهذان الابتكاران المذكوران هنا (الطاحونة / الرحاية / لمنخل ) يدعوانا لرمي نظرة إنسانية ممزوجة ببراجماتية انتفاعية إلي الحيوان الذي فينا وانتصر في الساحات الجوانية علي بعض أوجل مافينا من خير وصير هذا البعض شراً أو حليفاً للشر ، وإلي الاحتمال القائم في إمكانية حدوث العكس ولكن غباء قوي الشر في فيلمنا هذاورغبتها السريعة في القضاء علي الأخيار أوتحجيمهم أو ترويضهم جعل لا وقت لدي الأخيرين هؤلاء كي يستقصوا مواطن الخير داخل الشر .
ومحاولة الإفراج عن الأول ومحالفته بوعي صبور كي يستعيد عافيته لا للقضاء علي الشر ، فهو (جين) لا يموت بل ليقودا بعضهما البعض في رحلة قدرية قد يحدث في بعض مراحلها ما نظنه خيراً للإنسان والذي قد يكون شراً للطبيعة التي تحاول أن تستعيد توازنها ليس إلا فتصطدم بالإنسان ومصالحه فتعتقدها شريرة أو أن الجانب الشرير فيها قد بدأ يتولي زمام قيادتها لالحاق الضرر ببني الإنسان عقاباً وانتقاماً علي ما اقترفوه من آثام بحق الطبيعة وكلاهما في الحقيقة ( الإنسان – الطبيعة ) ببحث عن وجوده ومسألة الشر والخير ليست في ذهنيهما .
وتعود لاستكمال القصيدة مع حسن الزمار “إيدي الرحاية وقلبي حب أنا باطحنه بغيدي ” ها هو حسن يكد ما سبق ويختصر الجسد في قلب يطحنه وكما لو أنه ودون أن يدري – يعترف أن القلب ليس كله ناعماً بل فيه ما فيه من حصي وشور وخشونة وعندما وصل إلي قوله : ” ودوري يا رحاية ” تصل الكاميرا بدورها إلي عم سعد وهو يدعك بأصابعه الاستدارة الداخلية لكوب فارغ ، ولم يبدو في ذلك أي افتعال أو فجاجة ذلك أنه من صميم عمل عم سعد – وهو الذي يصنع الشاي – غسيل الاكواب ، ثم أنه من الطبيعي والمرء في حالة اندماج تام مع شئ يحبه ويخرج من فم ولسان إنسان يحبه أيضاً أن يذوب في هذا الشئ وتصبح حركته إذا كان وقتها يقوم بعمل ما – أوتوماتيكية وهذا ضمن ما يحسب لعاطف الطيب المالك لحسن شفيف بالنفوس البشرية وآلياتها الحركية الدالة عليها من قبل أطراف وملامح الجسم كما أن جوانحه ذاتها مذوبة في تراثها الروحي فهاهن – النسوة – يقطعن أيديهن حالما وقع بصرهن علي يوسف الصديق أنها حالة الذوبان التام بفعل صهد العشق الذي يفلت الأطراف والأنامل من ميكانيكية الأرادة ويسلمهما لأتوماتيكية الغرائز تلك العقول الأولي المتشظية والمذابة في لحم ودهن ودم وأعصاب الجسم الذي قد لا يحس بما تفعله يداه المتشبثتان بحركة أوتوامتيكية واحدة لا تتغير ولا تتبدل كما أن عقل عاطف الطيب مختمر بتراثه الوطني فرغم ضعف صحة المعلم جابر وكبر سنه إلا أنه أفسد علاقات المحيطين به ، ودمر حياتي مريم وحسن وهو ما يمكن أن أحسبه ترجمة لا شعورية لما قاله جمال الدين الافغاني عن المستعمر (= المستغل الخارجي ) ضعيف يسطو علي حقوق الأقوياء ، وصوت عال وشبح بل .. كالدودة الوحيدة علي ضعفها تفسد الصحة وتدمر البنية ، ما أشد الشبه وما أقل الاختلاف كأن المخرج استعار تلك الكلمات ثم نفخ فيها روح الفن فصارت المعلم جابر .
وتنتقل الكاميرا إلي أحد الشوارع الفرعية المتربة لنري شهيدة الأمل (دولت هانم ) المنتمية إلي الطبقة المتوسطة وهي تقود سيارتها بسرعة غير عادية ويأتي في مقابلها تماماً جنديان يمتطي كل منهما حصانه بمجرد أن لمحاها وسيارتها تنحيا قليلاً ليفسحا لها الطريق وعلي العكس تماماً يتنحي راكب حمار لذا الجنديين كي يمرا وسط الطريق وهاتان اللقطتان المتباعدتان عن بعضهما البعض يمكن اعتبارهما تعريفاً للمجتمع – عن طريق الأداة والفعل الفنيين وحدهما : الكاميرا والحركة – الذي يتصدي المخرج لتعريته أمام المتفرج ، فهو مجتمع طبقي يتكون من طيقة السادة والأشراف اللذين تفسح لهما السلطة كل الطرق للمروروطبقة صغار الملاك التي عليها أن تتنحى بجانب لو فكرت أن تمر . ويمكن لها تين اللقطتين أن تمنحانا إضافة تفسيرية ، فالشخصيات هنا كلها ذات ملكية ما ( دولت هانم وسيارتها – الجنديان والحصانان – الرجل وحماره ) وكلهم أيضا يسمحون لبعضهم البعض بالمرور ، لكن وفقآ لشروط الأقوى ، وفي مقابل هذه الشخصيات توجد طبقة الأجراء الذين لايمتلكون سوى أقدامهم يقطعون به مسافات الطرق ، وأيديهم التي بقطعون بها مسافات الطرق ، وأيديهم التي يقطعون بها فتافيت الرزق من صخر الخشع الاستغلالي . ومع هذا تبرز لنا مفارقة حادة . فالسيدة ( دولت ) ذات الحسب والنسب يقع عليها من القهر والاضطهاد من قبل أخيها حفنى التاجر وصاحب اليد الطولى في البلد مايزيد في مقداره على الواقع فوق الكثيرين من الآجراء . ومن هذه المفارقة تولد أخرى نتائجها لم تولد بعد : في الوقت الذي يعي فيه حفني التاجر قيمة تحالفه مع رضوان شيخ الخفر ، ومع مأمور القسم ، ومع عضو الزب الحاكم ، يعمل على زيادة مساحة الشروخ بينه وبين كل فرد من أفراد أسرته التي تعيش هي نفسها حالاتها الانفرادية : هو لايعي إذن قيمة التحالف الأسري الداخلي الذي يجعله – على الأقل – في حالة تفرغ ذهني ونفسي يساعدانه في تنمية تحالفاته والقبض علىزمام صراعاته الخارجية ، بيد أن الخارج هو انعكاس بشكل ما للداخل ، كما أن تغذية مرتدة تروح وتجيءبيهما ، وفي هذه الحالة قدنرى حالة الصدق الوحيدة التى يتنفسها ( حفني ) ، وهي حالة صدقه مع نفسيته الشريرة التي قد تأبى الغش الاجتماعي ، وتتعامل مع المرأة كما تعود الرجال في نجتمع متخلف التعامل معها ، وهو لن يكون أحسن من هذه الأم التي دفعت ابنتها الصغيرة لكي تجري وتقف أمام سيارة (دولت) المسرعة ؟! وفي نفس الوقت يمارس (حفني) الغش علي المستوي الاقتصادي (= مشروع الخزان) .
وانتقل من الشخصية الشريرة إلي الشخصية الخيرة (حسن الزمار) وقبل أن نتمشي معه قليلاً فوق السطور ، ألا نري في هوايته التي التصقت به فصار اسماً اطلقه المخرج عنواناً علي الفيلم مغزي ما ؟ .. قد نتذكر زماراً في حكاية شعبية أوروبية أنقذ مدينة من فئران متوحشة وقد نتذكر لتهكم الذي قد يناله المتكلموت عن الحق والحقوق والواجبات ، والمختصر في لفظة واحدة (زمر) .. وقد نتذكر (زمارة) الإنذار – ولعلنا سمعناها في بعض اللإلام الحربية – التي تنطلق قبيل شنالغارات الجوية .. الزمارة إذن قد تكون فعلاً .. وقد تكون نصحاً وقد تكون تنيهاً .. وبالفعل تنقل حسن بين ممارسة هذه الأشياء الثلاثة الفتانة لتتمشي معه الآن .
يلعب الضوء دوراً في كشف نفسية حسن ومراحل نموها فما أن يغمره الضوء حتي تغزو الظلال فها هو يخرج من منزل شيخ البلد برفقة السيدة عنايات إلي حيث مكان محل بقالة جابر الذي سوف يعمل لديه وطوال الطريق يتقاذفه الضوء والظل والنور والظلام يسلمانه لبعضهما البعض ويعكس لسانه هذا فيافي الشقاء إلي سراب البقا المستحيل .
والضوء يذيب حسن في بوتقة الطبيعة ، فبعد مقابلته لعبد الله الميكانيكي ومطلبه الموافقة علي ان يشاركه السكن لحين ثم اعتذار عبدالله لضيق المكان هنا تحنو الطبيعة علي حسن ، فهو بشفافيته الروحية جزء منها وبنوره العقلي قطعة من ضيائها الغامر ، وبقلبه الذي يسع الكون هو صنوها المجسد فهو بشفافيته الروحية جزء منها وبنوره العقلي قطعة من ضيائها الغامر وبقلبه الذي يسع الكون هو صنوها المجسد لحماً ودماً فتدثره بضوئها الساطع فتذيبه في مكوناتها الأثيرية فتصدح أنفاسه عبر نايه بلحن رائق الحزن يطيب له قلب عبدالله ثم ينطلق لسان حسن بقصيدة كلماتها أفراس برية جامحة هدها الركض فاستراحت في حضن الطبيعة فاستكانت روح عبدالله للصديق الجديد حسن فاستضافه ليبيت ليلته عنده .
* قبس من ضوء عود ثقاب
استمال صوت الناي قلب عبدالله وأحدث فيه قبساً من ضوء ما لبث من استدار وزاد وقد بدت اللقطة من بدايته غارقة في الظلام هو ما أتضح بعد قليل أنها كانت بمثابة تشبيه لروح عبدالله التي أغرقها اليأس في الظلام فلم تعد تستطيع التعرف علي الصديق من العدو وخنقها الارتياب في الأغراب ثم جاء حسن بناية فأحدث قبساً من ضوء داخل روحه ( إشعال بدالله لعود الثقاب ) . ما لبث أن افترش مساحة أكبر
( إشعال المصباح الكيروسيني ) ..وأيضاً توحي هذه اللقطة أن عبدالله بمعدته الأصيل لديه لااستعداد الذاتي كي تضئ روحه وتتوهج من جديد ولهذا جعله المخرج يشعل بنفسه عود الثقاب وبنفه ايضاً اضاء مصباحه وايضاً توحي اللقطة هذه بوعي فكري أصيل لدي كل من المخرج والكاتب فالحرية لا تصدر ،والاصالة لا تنقل والنبل لا يشتري والأمل لا يوهب بل هي أشياء تكمن في جسد الإنسان الطيب قد يكبلها الصدأ فلا تراها وبلا إستئذان سكن حسن قلب بسطاء (العرابة) واهتم بحياتهم واغتم بهمومهم واشتم لهم طريقا للخلاص شرط أن يتحدوا فالموجة الواحدة – علي حد حسن – تنكسر علي أول صخرة لكن الشلال الهادر لا يقف في طريقه شئ فقوي الاستغلال لا تحابي أحداً سواء كان منتمياً لعشيرتهم أو لدينهم إلا من رضي بالخنوع سيداً وبالدموع مرقداً .
وهام هم الفقراء المتدينون وعلي اختلاف أشكالهم يقعون في شباك صيد الاستقلال الذي لا يفرقف بين مسلم ومسيحي ولا يعطي بألا للشعائر والعبادات الدينية إذا تعارضت مع مصالحهم الآنية الأنانية ، ففي طابور الإجراء يقف المسلم والمسيحي فوق نير خط واحد مستقيم وها هو المواطن إسحق لبيب إسحق يوقع عبوديته في كشف مشروع الخزان فيما يطل من اسمه بسمة تترقرق بقطرات غاضبة وكان المخرج والكاتب يحث أنه علي ان يكون اسماً علي مسمي وأن اسحقهم إن كنت لبيباً يعبر التاريخ قبل أن يبادرواهم بسحقك فتحريف بسيط يمكن تحويل الاسم إلي فعل امر ” إسحق ” واسم الأب إلي مفعول به لا مهرب له إذ يحاصره فعل الأمر مرة أخري من الجانب الآخر .
وهاهم الأجراء – المسلمون منهم – يعملون يوم الجمعة في المشروع وصوت مقرئ القرآن ينساب عبر الفضاء قبل صلاة الظهر وها هي الكاميرا تنو على وجه رجل عجوزيقيم صلاته ويقرأ الفاتحة فى صمت غير مبين ثم يمسح وجهه بكفه ، وهاهو حفنى تاجر البصل المهيمن على المشروع يقول للاجراء مهددآ: ” كل واحد يشوف شغله ماعايزنش عطله ” . سؤال متدد الوجوه . أعتقد أنه لابدأن يطرح ويقلل على أوجهه العديدة : ولكن لماذا حدد كل من الكاتب والمخرج الصنف الذى يتاجر فيه
حفنى ؟ .. لماذا بالذات جعله تاجر بصل ، ولم يكتف بوصفه بالتاجر فقط ؟ .. هل لأنه هو الشيء الذى يتم تخريطه وقليه لتسبيك الطعام والمساعدة فى إعطائه المذاق المناسب ؟.. هل لأن البصل حين يخرط يبيبدأ في أعمال المقاومة السلبية فتتحرق عين قاتلة وتدمع ؟ .. هل لأنه طعام الفقير ودواؤه في أيام البرد والشتاء مع فئة العدس الساخن ؟ .. هل لأنه إن فسد ضربت روائحه العطنة للمكان بشكل لافت لا يتحمله أحد؟ هل لأنه رائحته مهما اتغسل الحنك واندعكت الأسنان .. تظل لفترة معلنة عن نفسها ؟ هل لأنه يتكون من حلقات متشابهة كلما قطعت حلقة يظهر لك ما يشبهها مع اختلاف أن كل حلقة تضيق عما قبلها وتشف في نفس الوقت وهذا هو ما حدث مع (حسن) حين ترك (العاصمة) وذهب إلي مدينة أخري ؟ .. هل لأن البصل مهما جف ونشف قابل للتجدد والنماء مع تغير ظاهري وتام في الشكل ( = تجربة تلاميذ المدارس حين يضعون رأس بصل علي فوهة كوب ملئ بالماء ) ؟ ..
ملحوظة : هذا الماء سيتبني له المشروع كان عاملاً رئيسياً في صحوة أهل (العرابة) .. وهل لأن رأس البصل عند عامة المصريين – وربما في بعض البلاد العربية الأخري – هو مرادف لرأس الإنسان ( التعبير العامي في أحد الألعاب الشعبية التي تعتمد علي جسم الإنسان ذاته إذ يميل شخص جذعه بزاوية (90) درجة مئوية تقريباً ، ويثبت علي هذا الحال ريثما يقفز شخص آخر عبر ظهره وهو فارد ساقيه جانباً ومتكئاً بلمسة خاطفة ظهر الأول الذي قد يطلب منه الآخر أن يطاطئ البصلة أي رأسه ) ؟ من هنا أري أنه كما استخدم الكاتب والمخرج (الناي) ايقونة لحسن كفرد استخدم أيضاً (البصل) أيقوة للناس وأحوالهم وآمالهم وآلامهم .
وأعود غلي ما قبل الاستطراد السابق لوصل ما أنقطع : ومن منظور آخر يتزامن صوت مقرئ القرآن مع تحدي رئيس الأجراء لقوي الاستغلال الممثلة في التاجر حفني : ” يبقي مش حنشتغل بس مش هنمهل المشروع واحد غيرنا يشتغل ” .
وكان صوت القرآن يحثه علي أن يؤم الناس لأداء الفريضة الغائبة الجهاد ضد قوي الاستغلال والتي تبدأ بفاتحة الإضراب عن العمل .. وقد كررها المخرج في فيلم (البرئ) حينما تزامن صوت القرآن مع تحد دكتور علي خليفة لقائد المعتقل إلا أنه لم يد فريضة التحدي جماعة فحق عليه وعليهم الخسران المبين .
وتندفع الأحداث في موجات متلاحقة مستأنسة بالضوء الذي يشعه حسن فتنفضح وجوه وملامح الاستغلال وتتعري النفوس للضوء فيتطهر بعضها ويحترق البعض الآخر ويبصر الفقراء أنفسهم فيكتشفون حقيقتها وأن مصائرهم بأيديهم ، وهنا يذوب ضوء التنوير بمقتل حسن لتتوالد عشرات الإضاءات المتفرقة في خطوة أخري علي الطريق الصعب فلاأجراء مضربون عن العمل في المشروع لحين حضور مهندس مسئول والست عنايات تفجر السؤال “ليه” في مخاخ الخلق وتعيده مراراً (36 مرة تقريباً) كي تفقع مرارة المأسأة وتستخرج منها الإجابة بعد أن كانت مؤمنة بأن كل واحد ما بياخدش غير نصيبه ، علي حد قولها للسيدة التي كان يعمل لديها حسن قبل مجيئه إلي العرابة . وها هو صراخ دولت هانم يبدد صمت المأساة ” ودوني لأمل ” عاوزه أروح لأمل ” يا أمل إنتي فين يا امل ” وقد تكرر اسم ” أمل ” – وهي بنت دولت المتوفاة – حوالي عشر مرات كي يتسرب فحواها إلي المتفرج فيرتفع وجدانه عن السقوط في المستنقع المأساوي ولنهاية البطل .. الفرد إلي ذرا بداية البطل / المجموع وها هو الناي ما زال لحنه يواصل الطريق متحدياً حصار البنادق واستطاع المخرج بهذه التوليفة الإصرار علي السؤال الإصرار علي الأمل ، الإصرار علي تواصل صوت الناي بعد موت صاحبه ، أن يبعد جمهوره عنالغضب العاطفي الشخصي المستنكر لموت البطل إلي الغضب العقلي الموضوعي المستنفر ضد الطغاة وبذا نجح المخرج فيما سقط فيه الكثير من المخرجين حينما أماتوا أبطالهم فأهاجوا جماهيرهم ضدهم واعتبروا أفلامهم ساقطة .. ودائماً وأبداً ورغم تعالي وغطرسة حفظة الثقافة .
وبغبغاناتها أقول إن الحس الجمعي العفوي للجماهير هو الأصدق فالبطل في وعيهم الدفين هو الأمل فإن مات ماتوا هم ايضاً بموته وتكفن الوطن واندفن وهذا استحالة ولذا يتعامل عاطف الطيب مع هذا الوعي الدفين من خلال تفهمه للحس الجمعي العفوي لدي جمهوره فيعمل – عاطف – بكل أدواته الفنية علي فصل الزواج الكاثوليكي بين الأمل والبطل الفرد الذي باركه الموروث السينمائي ثم يربط الأمل بالمجموع داخل الشاشة وخارجها هنا قد يتقبل الجمهور موت بطله كما يتقبل القضاء والقدر .
وتتبقي لنا مفارقة تدعو لقليل من التأمل : مفارقة مفادها أن العنصر الطيب والخير في الفيلم هو المتسبب – ودون قصد – في موت حسن فالسيدة دولت حكت للست عنايات التي فتحت باب رزق وعيش لحسن عن زوجها الضابط الذي ظل يبحث عن حسن طالب كلية الهندسة الفأر من السجن والست عنايات بدورها ، وبعفوية تامة ، تحكي لزوجها شيخ البلد عما وصلت إليه المسكينة دولت من خيل وتشويش في دماغها ثم تحكي ما حكته لها دولت وما درت أنها بذلك صبرت باب الرزق باب لقبر مفتوح .
ويظل سؤال يقتحمني مع نهاية المقال ويراودني ، لماذا وضع الكاتب والمخرج مقتل حسن علي ألسنة النساء الثلاث مريم / دولت / عنايات ؟ تكلمت عن المرأتين الخيرتين وبقيت أمامي (مريم) فهي التي تحدث تقاليد المجتمع الصعيدي وطلبت من حسن الغريب توصيلها لغاية المقابر فهل هي : – بهذا – كانت تعيد علي نحو جديد ومغاير مستكملة جميل ألست عنايات التي أوصلت حسن لدكان المعلم جابر ليبيع (السلمون) المدفون عارياً في مقابر من صفيح فطلبت من حسن توصيلها إلي المقابر ليري بأم عينيه – وهذا علي غير قصد منها – العلب الحجرية التي سيتمدد عارياً داخل إحداها ليبيعه الطغاة نشيداً لشرف مزعوم .
ويبيعه أصدقاؤه نشيداً لحرية مثلومة .. ولكن لم لا يكون عن قصد ؟! قصد غرائزي عفوي قصد يقف علي العفوية فكثيراً ما صادفتها الكاميرا وعيناها منجذبتان نحو حسن كانت هي تعرف بأن مجرد اصطحابها لحسن ودون إذن من زوجها سيدفع هذا الأخير ومعه رجال كبار البلدة لقتلهما .. أعتقد أنها أرادت أن ترتبط بحسن ولو في حادثة أرادت أن تربط سيرتها بسيرته علهما معاً يتحولان إلي حكاية شعبية يتداولها الشعراء والحكاية التي سدتها ولحمتها رجل وامرأة ما يفرقهما في الظاهر يفوق ما يوحدهما في الباطن وفي لحظة قدرية ينطلق القليل ناقضاً من حواليه الكثير المفرق لتكسب الحكاية سحراً يخلدها .
وقد يأخذ عدد من النقاد علي الكاتب والمخرج أنهما قسماً الشخصيات قسمتين هما أشرار وأخيار سود وبيض حتي الرماديات قلصاها وردي أن هذا هو ما يحدث بالفعل مع المراحل العليا لأي صراع حيث يحتاج كل قطب من القطبين المتعاديين لمزيد من المريدين الذين يجدون أنفسهم – كل فرد أو جماعة أو فريق علي حده – مضطرين لإعلان مواقفهم ولو بالصمت المبين .
يونيو 5 2011
علي شاشات التليفزيون فيلم (الزمار )
علي شاشات التليفزيون
فيلم (الزمار )
علي عوض الله كرار *
بمناسبة مرور 52 عاماً علي ميلاد المخرج السينمائي الراحل عاطف الطيب المولود في 26 ديسمبر من عام 1947 م .
الزمار .. هو أول فيلم عربي – علي ما أعرف – يستخدم القصائد العامية في بنائه الدرامي ، وتكاد الروح الشعرية تطل من أفواه معظم حوارات الفيلم وخاصة من صدور مظاليم أهل ( العرابة ) .
يبدأ الفيلم بالسكون يفترش الليل ، ومصابيح الإضاءة متعددة الألوان تزخرفه وخيالات مريم تسبح تحتهم وتستعيد بعض أيامها الحلوة وتوشي عذوبة صوت المطرب محمد عبدالوهاب سجادة السكون المزخرفة بالمصابيح الملونة بخيوط حريرية من الكلم المطرز بمعان تتمناها الروح ، روح مريم ، وإذا يطلق ناري يخرق تلك السجادة البديعة التي نسجتها خيالاتها وتشيط خيوط الأغنية فتخرس فتهرب البلابل المغردة ،وتلتلم مريم حلمها الحلو – رغم ما يحمله من أثقال ، وما يعتريه من ثقوب – وتدثر به روحها وتدخل البيت إلا أنها لم تسلم من نبوية أخت زوجها جابر التي عرتها من حلمها الدافئ ومزقته بلسانها الحاد .
إنها بداية شاعرية باللون والصوت ( بعد مشهد مطاردة حسن ) قدم بها المخرج عاطف الطيب قصيدة الناس الطيبين والتي نسجها الشاعر عبدالرحيم منصور من آلامه التي هي بعض من آلامهم مطرزاً إياها بالتراث الشعبي العريق الذي تمثل أمثاله الشعبية جزءاً هاماً منه ، ولأول مرة يذاب التراث الشعبي في بنية العمل الفني علي هذا الشكل من البراعة لدرجة أن حذف هذه الأمثال – مجرد حذفها – يشل الإبداع الفني لفيلم (الزمار) برمته وبالمناسبة كرر السيناريست فايز غالي عملية مزج الأمثال الشعبية بوفرة مع الحوار ، وذلك في فيلم (يوم مر ويوم حلو ) للمخرج خيري بشارة وقد نظم إيقاعات فيلم ( الزمار ) عن فهم بخصوصية العمل وخبرة واعية وإحساس شاعري مرهف السيناريست رفيق الصبان وشاركه الشاعر عبدالرحيم منصور بصفته الأقرب انتماءاً والاعمق تداخلاً في تلافيف المجتمع الصعيدي من رفيق الصبان .
وتنتقل بنا الكاميرا من شهيدة الحقيقة “مريم ” إلي شهيد الحق “حسن ” حيث تقابله الكاميرا وهو يتوسط مجموعة من العمال محدثاً إياهم عن ضرورة تكويننقابة تضمهم وترعي شئونهم ولا تنسي الكاميرا أن تفضح الشروخ الانقسامية بين أفراد (العرابة ) وأن تفصح عن الروح الانفرادية الموجود بها كل امرئ منهم فها هم يسيرون متباعدين عن بعضهم البعض رغم تلاصقهم ووحدتهم الثقافية المستمدة في الأساس من واقعهم البيئي والاجتماعي وما يعتريهما من تغييرات قشرية تقيم حاجزاً ولو كان رقيقاً رقة ورق الألمونيوم يمنع تلامس واقعهم مع شموس وهواءات قد تقتحمهم وتعيش بينهم تغيرا قشرية أشبه بهذا الغطاء الاحمر اللافف علي كرات الجبن الفلامتك وأشبه بالأغطية الورقية والكرتونية والبلاستيكية والصفائحية المغطي بها المشروبات والمأكولات في محل بقالة زوج مريم – وهم أي أهل منطقة العرابة – الذين تعايشوا مع ما يشربونه ويأكلونه عارياً من أي غطاء مذ أن كان نباتاً يصعد وحده إلي السماء رغم الرياح والأتربة وتعاقب الليل والنهار عليه .
وعلي النقيض تماماً تراقب الكاميرا من الخلف – في مشهد آخر – تقدم قوي الاستغلال إلي قطعة أرض سوف يقام فوقها مشروع خزان مائي ( عضو الحزب الحاكم – شيخ البلد – التاجر – مأمور القسم ) وتظهرهم كتلة واحدة وهم يعاينون الموقع تحت مظلة قرع المارش العسكري ، فهم – الأخيرون هلاء – واعون تماماً بوحدة مصالحهم قولاً وفعلاً ومسلكاً وتلاحظ – فيما سبق – أنسنة الكاميرا ! فهي تحس وتشعر وتبدي الرأي فهي تواجه أصدقاءها الطيبين بعيوبهم ونقائصهم وفي المشهد الآخر تنتاب الكاميرا رجفة الخوف فتصور قوي الاستغلال من خلفهم ومن مسافة بعيدة نسبياً .
يدخل حسن ومعه مجموعة من العمال المقهي الشعبي ويبدأ في إلقاء أشعاره خالية لب السامعين ولم يستسلم المخرج للأبداع الفني المشع من الأشعار ولم يترك له حرية التجول وحده داخل وجدان المتفرجين بآذانهم بل شاركه بتعميق مضامين القصيدة الشعرية وشق لها قنوات إسانية أرحب ، فعندما وصل حسن إلي ” أيدي ع الرحاية وقلبي .. ” إذا بالكاميرا تدور ايضاً كما لو كانت رحاية علي الجالسين مؤكدة أن حالة حسن المزرية ليست فرية بل هي حالة جماعية .
ولم (كما) هذه ؟ بالفعل هي رحاية فالكاميرا السينمائية وهي تدور شرائطها الخام وفق آخر تعديلات وتبديلات وتعديات المخرج علي السيناريو المعد من قبل تطحن الأحداث والشخصيات والأمكنة وتدشدشها ثم تنعم ما و قابل للتنعيم قالبة نواتجها في (المنخل) الفاصل ما بين ما هو ناعم وما هو خشن وما هو حصي وما هو قشر وبالخبرة الإنسانية المتراكمة يذهب كل نوع إلي غرض يناسبه ، فيتنافعا معاً لينفعا بعدئذ الإنسان مبتكر تلك الوسائل البدائية الخادمة لحسن بقائه ودوامه علي الأرض ، وهذان الابتكاران المذكوران هنا (الطاحونة / الرحاية / لمنخل ) يدعوانا لرمي نظرة إنسانية ممزوجة ببراجماتية انتفاعية إلي الحيوان الذي فينا وانتصر في الساحات الجوانية علي بعض أوجل مافينا من خير وصير هذا البعض شراً أو حليفاً للشر ، وإلي الاحتمال القائم في إمكانية حدوث العكس ولكن غباء قوي الشر في فيلمنا هذاورغبتها السريعة في القضاء علي الأخيار أوتحجيمهم أو ترويضهم جعل لا وقت لدي الأخيرين هؤلاء كي يستقصوا مواطن الخير داخل الشر .
ومحاولة الإفراج عن الأول ومحالفته بوعي صبور كي يستعيد عافيته لا للقضاء علي الشر ، فهو (جين) لا يموت بل ليقودا بعضهما البعض في رحلة قدرية قد يحدث في بعض مراحلها ما نظنه خيراً للإنسان والذي قد يكون شراً للطبيعة التي تحاول أن تستعيد توازنها ليس إلا فتصطدم بالإنسان ومصالحه فتعتقدها شريرة أو أن الجانب الشرير فيها قد بدأ يتولي زمام قيادتها لالحاق الضرر ببني الإنسان عقاباً وانتقاماً علي ما اقترفوه من آثام بحق الطبيعة وكلاهما في الحقيقة ( الإنسان – الطبيعة ) ببحث عن وجوده ومسألة الشر والخير ليست في ذهنيهما .
وتعود لاستكمال القصيدة مع حسن الزمار “إيدي الرحاية وقلبي حب أنا باطحنه بغيدي ” ها هو حسن يكد ما سبق ويختصر الجسد في قلب يطحنه وكما لو أنه ودون أن يدري – يعترف أن القلب ليس كله ناعماً بل فيه ما فيه من حصي وشور وخشونة وعندما وصل إلي قوله : ” ودوري يا رحاية ” تصل الكاميرا بدورها إلي عم سعد وهو يدعك بأصابعه الاستدارة الداخلية لكوب فارغ ، ولم يبدو في ذلك أي افتعال أو فجاجة ذلك أنه من صميم عمل عم سعد – وهو الذي يصنع الشاي – غسيل الاكواب ، ثم أنه من الطبيعي والمرء في حالة اندماج تام مع شئ يحبه ويخرج من فم ولسان إنسان يحبه أيضاً أن يذوب في هذا الشئ وتصبح حركته إذا كان وقتها يقوم بعمل ما – أوتوماتيكية وهذا ضمن ما يحسب لعاطف الطيب المالك لحسن شفيف بالنفوس البشرية وآلياتها الحركية الدالة عليها من قبل أطراف وملامح الجسم كما أن جوانحه ذاتها مذوبة في تراثها الروحي فهاهن – النسوة – يقطعن أيديهن حالما وقع بصرهن علي يوسف الصديق أنها حالة الذوبان التام بفعل صهد العشق الذي يفلت الأطراف والأنامل من ميكانيكية الأرادة ويسلمهما لأتوماتيكية الغرائز تلك العقول الأولي المتشظية والمذابة في لحم ودهن ودم وأعصاب الجسم الذي قد لا يحس بما تفعله يداه المتشبثتان بحركة أوتوامتيكية واحدة لا تتغير ولا تتبدل كما أن عقل عاطف الطيب مختمر بتراثه الوطني فرغم ضعف صحة المعلم جابر وكبر سنه إلا أنه أفسد علاقات المحيطين به ، ودمر حياتي مريم وحسن وهو ما يمكن أن أحسبه ترجمة لا شعورية لما قاله جمال الدين الافغاني عن المستعمر (= المستغل الخارجي ) ضعيف يسطو علي حقوق الأقوياء ، وصوت عال وشبح بل .. كالدودة الوحيدة علي ضعفها تفسد الصحة وتدمر البنية ، ما أشد الشبه وما أقل الاختلاف كأن المخرج استعار تلك الكلمات ثم نفخ فيها روح الفن فصارت المعلم جابر .
وتنتقل الكاميرا إلي أحد الشوارع الفرعية المتربة لنري شهيدة الأمل (دولت هانم ) المنتمية إلي الطبقة المتوسطة وهي تقود سيارتها بسرعة غير عادية ويأتي في مقابلها تماماً جنديان يمتطي كل منهما حصانه بمجرد أن لمحاها وسيارتها تنحيا قليلاً ليفسحا لها الطريق وعلي العكس تماماً يتنحي راكب حمار لذا الجنديين كي يمرا وسط الطريق وهاتان اللقطتان المتباعدتان عن بعضهما البعض يمكن اعتبارهما تعريفاً للمجتمع – عن طريق الأداة والفعل الفنيين وحدهما : الكاميرا والحركة – الذي يتصدي المخرج لتعريته أمام المتفرج ، فهو مجتمع طبقي يتكون من طيقة السادة والأشراف اللذين تفسح لهما السلطة كل الطرق للمروروطبقة صغار الملاك التي عليها أن تتنحى بجانب لو فكرت أن تمر . ويمكن لها تين اللقطتين أن تمنحانا إضافة تفسيرية ، فالشخصيات هنا كلها ذات ملكية ما ( دولت هانم وسيارتها – الجنديان والحصانان – الرجل وحماره ) وكلهم أيضا يسمحون لبعضهم البعض بالمرور ، لكن وفقآ لشروط الأقوى ، وفي مقابل هذه الشخصيات توجد طبقة الأجراء الذين لايمتلكون سوى أقدامهم يقطعون به مسافات الطرق ، وأيديهم التي بقطعون بها مسافات الطرق ، وأيديهم التي يقطعون بها فتافيت الرزق من صخر الخشع الاستغلالي . ومع هذا تبرز لنا مفارقة حادة . فالسيدة ( دولت ) ذات الحسب والنسب يقع عليها من القهر والاضطهاد من قبل أخيها حفنى التاجر وصاحب اليد الطولى في البلد مايزيد في مقداره على الواقع فوق الكثيرين من الآجراء . ومن هذه المفارقة تولد أخرى نتائجها لم تولد بعد : في الوقت الذي يعي فيه حفني التاجر قيمة تحالفه مع رضوان شيخ الخفر ، ومع مأمور القسم ، ومع عضو الزب الحاكم ، يعمل على زيادة مساحة الشروخ بينه وبين كل فرد من أفراد أسرته التي تعيش هي نفسها حالاتها الانفرادية : هو لايعي إذن قيمة التحالف الأسري الداخلي الذي يجعله – على الأقل – في حالة تفرغ ذهني ونفسي يساعدانه في تنمية تحالفاته والقبض علىزمام صراعاته الخارجية ، بيد أن الخارج هو انعكاس بشكل ما للداخل ، كما أن تغذية مرتدة تروح وتجيءبيهما ، وفي هذه الحالة قدنرى حالة الصدق الوحيدة التى يتنفسها ( حفني ) ، وهي حالة صدقه مع نفسيته الشريرة التي قد تأبى الغش الاجتماعي ، وتتعامل مع المرأة كما تعود الرجال في نجتمع متخلف التعامل معها ، وهو لن يكون أحسن من هذه الأم التي دفعت ابنتها الصغيرة لكي تجري وتقف أمام سيارة (دولت) المسرعة ؟! وفي نفس الوقت يمارس (حفني) الغش علي المستوي الاقتصادي (= مشروع الخزان) .
وانتقل من الشخصية الشريرة إلي الشخصية الخيرة (حسن الزمار) وقبل أن نتمشي معه قليلاً فوق السطور ، ألا نري في هوايته التي التصقت به فصار اسماً اطلقه المخرج عنواناً علي الفيلم مغزي ما ؟ .. قد نتذكر زماراً في حكاية شعبية أوروبية أنقذ مدينة من فئران متوحشة وقد نتذكر لتهكم الذي قد يناله المتكلموت عن الحق والحقوق والواجبات ، والمختصر في لفظة واحدة (زمر) .. وقد نتذكر (زمارة) الإنذار – ولعلنا سمعناها في بعض اللإلام الحربية – التي تنطلق قبيل شنالغارات الجوية .. الزمارة إذن قد تكون فعلاً .. وقد تكون نصحاً وقد تكون تنيهاً .. وبالفعل تنقل حسن بين ممارسة هذه الأشياء الثلاثة الفتانة لتتمشي معه الآن .
يلعب الضوء دوراً في كشف نفسية حسن ومراحل نموها فما أن يغمره الضوء حتي تغزو الظلال فها هو يخرج من منزل شيخ البلد برفقة السيدة عنايات إلي حيث مكان محل بقالة جابر الذي سوف يعمل لديه وطوال الطريق يتقاذفه الضوء والظل والنور والظلام يسلمانه لبعضهما البعض ويعكس لسانه هذا فيافي الشقاء إلي سراب البقا المستحيل .
والضوء يذيب حسن في بوتقة الطبيعة ، فبعد مقابلته لعبد الله الميكانيكي ومطلبه الموافقة علي ان يشاركه السكن لحين ثم اعتذار عبدالله لضيق المكان هنا تحنو الطبيعة علي حسن ، فهو بشفافيته الروحية جزء منها وبنوره العقلي قطعة من ضيائها الغامر ، وبقلبه الذي يسع الكون هو صنوها المجسد فهو بشفافيته الروحية جزء منها وبنوره العقلي قطعة من ضيائها الغامر وبقلبه الذي يسع الكون هو صنوها المجسد لحماً ودماً فتدثره بضوئها الساطع فتذيبه في مكوناتها الأثيرية فتصدح أنفاسه عبر نايه بلحن رائق الحزن يطيب له قلب عبدالله ثم ينطلق لسان حسن بقصيدة كلماتها أفراس برية جامحة هدها الركض فاستراحت في حضن الطبيعة فاستكانت روح عبدالله للصديق الجديد حسن فاستضافه ليبيت ليلته عنده .
* قبس من ضوء عود ثقاب
استمال صوت الناي قلب عبدالله وأحدث فيه قبساً من ضوء ما لبث من استدار وزاد وقد بدت اللقطة من بدايته غارقة في الظلام هو ما أتضح بعد قليل أنها كانت بمثابة تشبيه لروح عبدالله التي أغرقها اليأس في الظلام فلم تعد تستطيع التعرف علي الصديق من العدو وخنقها الارتياب في الأغراب ثم جاء حسن بناية فأحدث قبساً من ضوء داخل روحه ( إشعال بدالله لعود الثقاب ) . ما لبث أن افترش مساحة أكبر
( إشعال المصباح الكيروسيني ) ..وأيضاً توحي هذه اللقطة أن عبدالله بمعدته الأصيل لديه لااستعداد الذاتي كي تضئ روحه وتتوهج من جديد ولهذا جعله المخرج يشعل بنفسه عود الثقاب وبنفه ايضاً اضاء مصباحه وايضاً توحي اللقطة هذه بوعي فكري أصيل لدي كل من المخرج والكاتب فالحرية لا تصدر ،والاصالة لا تنقل والنبل لا يشتري والأمل لا يوهب بل هي أشياء تكمن في جسد الإنسان الطيب قد يكبلها الصدأ فلا تراها وبلا إستئذان سكن حسن قلب بسطاء (العرابة) واهتم بحياتهم واغتم بهمومهم واشتم لهم طريقا للخلاص شرط أن يتحدوا فالموجة الواحدة – علي حد حسن – تنكسر علي أول صخرة لكن الشلال الهادر لا يقف في طريقه شئ فقوي الاستغلال لا تحابي أحداً سواء كان منتمياً لعشيرتهم أو لدينهم إلا من رضي بالخنوع سيداً وبالدموع مرقداً .
وهام هم الفقراء المتدينون وعلي اختلاف أشكالهم يقعون في شباك صيد الاستقلال الذي لا يفرقف بين مسلم ومسيحي ولا يعطي بألا للشعائر والعبادات الدينية إذا تعارضت مع مصالحهم الآنية الأنانية ، ففي طابور الإجراء يقف المسلم والمسيحي فوق نير خط واحد مستقيم وها هو المواطن إسحق لبيب إسحق يوقع عبوديته في كشف مشروع الخزان فيما يطل من اسمه بسمة تترقرق بقطرات غاضبة وكان المخرج والكاتب يحث أنه علي ان يكون اسماً علي مسمي وأن اسحقهم إن كنت لبيباً يعبر التاريخ قبل أن يبادرواهم بسحقك فتحريف بسيط يمكن تحويل الاسم إلي فعل امر ” إسحق ” واسم الأب إلي مفعول به لا مهرب له إذ يحاصره فعل الأمر مرة أخري من الجانب الآخر .
وهاهم الأجراء – المسلمون منهم – يعملون يوم الجمعة في المشروع وصوت مقرئ القرآن ينساب عبر الفضاء قبل صلاة الظهر وها هي الكاميرا تنو على وجه رجل عجوزيقيم صلاته ويقرأ الفاتحة فى صمت غير مبين ثم يمسح وجهه بكفه ، وهاهو حفنى تاجر البصل المهيمن على المشروع يقول للاجراء مهددآ: ” كل واحد يشوف شغله ماعايزنش عطله ” . سؤال متدد الوجوه . أعتقد أنه لابدأن يطرح ويقلل على أوجهه العديدة : ولكن لماذا حدد كل من الكاتب والمخرج الصنف الذى يتاجر فيه
حفنى ؟ .. لماذا بالذات جعله تاجر بصل ، ولم يكتف بوصفه بالتاجر فقط ؟ .. هل لأنه هو الشيء الذى يتم تخريطه وقليه لتسبيك الطعام والمساعدة فى إعطائه المذاق المناسب ؟.. هل لأن البصل حين يخرط يبيبدأ في أعمال المقاومة السلبية فتتحرق عين قاتلة وتدمع ؟ .. هل لأنه طعام الفقير ودواؤه في أيام البرد والشتاء مع فئة العدس الساخن ؟ .. هل لأنه إن فسد ضربت روائحه العطنة للمكان بشكل لافت لا يتحمله أحد؟ هل لأنه رائحته مهما اتغسل الحنك واندعكت الأسنان .. تظل لفترة معلنة عن نفسها ؟ هل لأنه يتكون من حلقات متشابهة كلما قطعت حلقة يظهر لك ما يشبهها مع اختلاف أن كل حلقة تضيق عما قبلها وتشف في نفس الوقت وهذا هو ما حدث مع (حسن) حين ترك (العاصمة) وذهب إلي مدينة أخري ؟ .. هل لأن البصل مهما جف ونشف قابل للتجدد والنماء مع تغير ظاهري وتام في الشكل ( = تجربة تلاميذ المدارس حين يضعون رأس بصل علي فوهة كوب ملئ بالماء ) ؟ ..
ملحوظة : هذا الماء سيتبني له المشروع كان عاملاً رئيسياً في صحوة أهل (العرابة) .. وهل لأن رأس البصل عند عامة المصريين – وربما في بعض البلاد العربية الأخري – هو مرادف لرأس الإنسان ( التعبير العامي في أحد الألعاب الشعبية التي تعتمد علي جسم الإنسان ذاته إذ يميل شخص جذعه بزاوية (90) درجة مئوية تقريباً ، ويثبت علي هذا الحال ريثما يقفز شخص آخر عبر ظهره وهو فارد ساقيه جانباً ومتكئاً بلمسة خاطفة ظهر الأول الذي قد يطلب منه الآخر أن يطاطئ البصلة أي رأسه ) ؟ من هنا أري أنه كما استخدم الكاتب والمخرج (الناي) ايقونة لحسن كفرد استخدم أيضاً (البصل) أيقوة للناس وأحوالهم وآمالهم وآلامهم .
وأعود غلي ما قبل الاستطراد السابق لوصل ما أنقطع : ومن منظور آخر يتزامن صوت مقرئ القرآن مع تحدي رئيس الأجراء لقوي الاستغلال الممثلة في التاجر حفني : ” يبقي مش حنشتغل بس مش هنمهل المشروع واحد غيرنا يشتغل ” .
وكان صوت القرآن يحثه علي أن يؤم الناس لأداء الفريضة الغائبة الجهاد ضد قوي الاستغلال والتي تبدأ بفاتحة الإضراب عن العمل .. وقد كررها المخرج في فيلم (البرئ) حينما تزامن صوت القرآن مع تحد دكتور علي خليفة لقائد المعتقل إلا أنه لم يد فريضة التحدي جماعة فحق عليه وعليهم الخسران المبين .
وتندفع الأحداث في موجات متلاحقة مستأنسة بالضوء الذي يشعه حسن فتنفضح وجوه وملامح الاستغلال وتتعري النفوس للضوء فيتطهر بعضها ويحترق البعض الآخر ويبصر الفقراء أنفسهم فيكتشفون حقيقتها وأن مصائرهم بأيديهم ، وهنا يذوب ضوء التنوير بمقتل حسن لتتوالد عشرات الإضاءات المتفرقة في خطوة أخري علي الطريق الصعب فلاأجراء مضربون عن العمل في المشروع لحين حضور مهندس مسئول والست عنايات تفجر السؤال “ليه” في مخاخ الخلق وتعيده مراراً (36 مرة تقريباً) كي تفقع مرارة المأسأة وتستخرج منها الإجابة بعد أن كانت مؤمنة بأن كل واحد ما بياخدش غير نصيبه ، علي حد قولها للسيدة التي كان يعمل لديها حسن قبل مجيئه إلي العرابة . وها هو صراخ دولت هانم يبدد صمت المأساة ” ودوني لأمل ” عاوزه أروح لأمل ” يا أمل إنتي فين يا امل ” وقد تكرر اسم ” أمل ” – وهي بنت دولت المتوفاة – حوالي عشر مرات كي يتسرب فحواها إلي المتفرج فيرتفع وجدانه عن السقوط في المستنقع المأساوي ولنهاية البطل .. الفرد إلي ذرا بداية البطل / المجموع وها هو الناي ما زال لحنه يواصل الطريق متحدياً حصار البنادق واستطاع المخرج بهذه التوليفة الإصرار علي السؤال الإصرار علي الأمل ، الإصرار علي تواصل صوت الناي بعد موت صاحبه ، أن يبعد جمهوره عنالغضب العاطفي الشخصي المستنكر لموت البطل إلي الغضب العقلي الموضوعي المستنفر ضد الطغاة وبذا نجح المخرج فيما سقط فيه الكثير من المخرجين حينما أماتوا أبطالهم فأهاجوا جماهيرهم ضدهم واعتبروا أفلامهم ساقطة .. ودائماً وأبداً ورغم تعالي وغطرسة حفظة الثقافة .
وبغبغاناتها أقول إن الحس الجمعي العفوي للجماهير هو الأصدق فالبطل في وعيهم الدفين هو الأمل فإن مات ماتوا هم ايضاً بموته وتكفن الوطن واندفن وهذا استحالة ولذا يتعامل عاطف الطيب مع هذا الوعي الدفين من خلال تفهمه للحس الجمعي العفوي لدي جمهوره فيعمل – عاطف – بكل أدواته الفنية علي فصل الزواج الكاثوليكي بين الأمل والبطل الفرد الذي باركه الموروث السينمائي ثم يربط الأمل بالمجموع داخل الشاشة وخارجها هنا قد يتقبل الجمهور موت بطله كما يتقبل القضاء والقدر .
وتتبقي لنا مفارقة تدعو لقليل من التأمل : مفارقة مفادها أن العنصر الطيب والخير في الفيلم هو المتسبب – ودون قصد – في موت حسن فالسيدة دولت حكت للست عنايات التي فتحت باب رزق وعيش لحسن عن زوجها الضابط الذي ظل يبحث عن حسن طالب كلية الهندسة الفأر من السجن والست عنايات بدورها ، وبعفوية تامة ، تحكي لزوجها شيخ البلد عما وصلت إليه المسكينة دولت من خيل وتشويش في دماغها ثم تحكي ما حكته لها دولت وما درت أنها بذلك صبرت باب الرزق باب لقبر مفتوح .
ويظل سؤال يقتحمني مع نهاية المقال ويراودني ، لماذا وضع الكاتب والمخرج مقتل حسن علي ألسنة النساء الثلاث مريم / دولت / عنايات ؟ تكلمت عن المرأتين الخيرتين وبقيت أمامي (مريم) فهي التي تحدث تقاليد المجتمع الصعيدي وطلبت من حسن الغريب توصيلها لغاية المقابر فهل هي : – بهذا – كانت تعيد علي نحو جديد ومغاير مستكملة جميل ألست عنايات التي أوصلت حسن لدكان المعلم جابر ليبيع (السلمون) المدفون عارياً في مقابر من صفيح فطلبت من حسن توصيلها إلي المقابر ليري بأم عينيه – وهذا علي غير قصد منها – العلب الحجرية التي سيتمدد عارياً داخل إحداها ليبيعه الطغاة نشيداً لشرف مزعوم .
ويبيعه أصدقاؤه نشيداً لحرية مثلومة .. ولكن لم لا يكون عن قصد ؟! قصد غرائزي عفوي قصد يقف علي العفوية فكثيراً ما صادفتها الكاميرا وعيناها منجذبتان نحو حسن كانت هي تعرف بأن مجرد اصطحابها لحسن ودون إذن من زوجها سيدفع هذا الأخير ومعه رجال كبار البلدة لقتلهما .. أعتقد أنها أرادت أن ترتبط بحسن ولو في حادثة أرادت أن تربط سيرتها بسيرته علهما معاً يتحولان إلي حكاية شعبية يتداولها الشعراء والحكاية التي سدتها ولحمتها رجل وامرأة ما يفرقهما في الظاهر يفوق ما يوحدهما في الباطن وفي لحظة قدرية ينطلق القليل ناقضاً من حواليه الكثير المفرق لتكسب الحكاية سحراً يخلدها .
وقد يأخذ عدد من النقاد علي الكاتب والمخرج أنهما قسماً الشخصيات قسمتين هما أشرار وأخيار سود وبيض حتي الرماديات قلصاها وردي أن هذا هو ما يحدث بالفعل مع المراحل العليا لأي صراع حيث يحتاج كل قطب من القطبين المتعاديين لمزيد من المريدين الذين يجدون أنفسهم – كل فرد أو جماعة أو فريق علي حده – مضطرين لإعلان مواقفهم ولو بالصمت المبين .
بواسطة admin • 07-فنون • 0 • الوسوم : العدد السابع