تمثل تجربة أحمد معلا (من مواليد1958م) منعطفاً حاسماً فى تحول تقاليد التعبيرية السورية” المتمايزة من المعاصرة إلى ما بعد الحداثة مباشرة. وبالقدر الذى يمثل فى رقعتها الشطرنجية تمفصلاً عضوياً بالقدر الذى يجعله منفلقا خارج عقائدها وصيفها المؤسلبة ، هى التى تحولت مع الأيام من “إبداعات” الستينات إلى ” اتباعيات ” الثمانينات ومابعدها .
وإذا كان إلتزم بما إلتزمت به ثوابتها “مثل” مركزية الإنسان فى الفراغ المطلق” فإن فنه بعكس “أيديولوجيته” خرق كل ماهو منهى عنه ـ وقد سى، وكل ما يمثل إشارات حمراء فى زنزانة الإلتزام العقائدى.
يملك أحمد معلا قدرة إسفنجية خارقة على إمتصاص كل مايشر به فى يومياته وما يصادفه خلال تجواله فى تاريخ الفن، ثم تدمير ما إجترعه وإعادة إستحواذه. فى هذا الرحيق والنسغ التوليفى الكونى أو الشمولى يبحث عن أبجدية نسبية، ولفة على قياس الكوكب الأرضى شارداً عن أية حدود محدودة، حتى لتبدو اللوحة وكأنها خارطة وطنه الرحمى المشيمى الطوباوى التطهرى التى يخرج بها من آثار العالم وسكونيته وأحماله التراثية والذاكراتية المرهقة .
يمتطى براق التشكيل كل مره دون وسيط ودون إلتزامات سابقة .
لعل هذا مايفسر العنوان المشترك فى أبرز معارضه يدعوها “تجارب” ، يضع البحث القلق الشجاع بديلاً عن الوثوقية الحذره والأسلبة المفتعلة.
تبدو معارضة مثل مناهجه التربوية أشبه بالناقوس الذى يتراوح بنزق “ديوينزوسى” بين الضد وعكسه ، لدرجة يتأرجح فيها متطرفاً خارج مساره، يقفز فى هذا التعارض من الأطروحة إلى عكسها ، تفرخ هذه الصبوات المتناقضة وتتكاثر من ذاتها فتبدو مراوحاتها سمة ديناميكية جعلته الأشد تمايزاً على مستوى سلوك القلم والفرشاة ونحت اللون ، وعلى مستوى المحاكمة التربوية، فقد تخرج من قسم الاتصالات البصرية عام 1981م من كلية فنون دمشق ، ليسافر إلى باريس عام 1987م فيصبح خريجاً للمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية”ومدرساً بالع التأثير ، هو ما أثار حفيظة زملاءه ، فدفعوه إلى الاستقامة ، وخسرت كلية الفنون أشد مدرسيها حيوية ومستقبلية فى قسم الإتصالات البصرية . ولكن “رب ضارة نافعة ” فقد عاد إلى الحياة بعروفها وأخطارها وتناقضاتها فى دمشق ، يجترع حيوية قلقة، نخذت أعماله وشخصيته بالسمة الوجودية الأصيلة هى التى كان رائدها المعلم فاتح المدرس .
شكلت تجربته الوجودية ، إذن على أصالتها نوعاً من المماحكة والإشكالية المزمنة التى ترفض قوالب الزمن خارج اللحظة المعاشة يقتطع فى كل شريحة “حياتيةـ إبداعية” الزمن النسبى.
متخلياً عن بعده الذاكرايى والتراثى الأطلالى ، يعيش راهنيته فى عمقها العمودى المنسلخ عن سيرة الأشياء ، بل إن ما يجمعه مع فاتح المدرس هو الاعتماد على النسيان أكثر من التذكر يصفق معلاً أجنحته وفراشيه باحثاً فى طيرانه العبثى عن مواطن تشكيلية تعددية توليفية مثيرة لم يسبقه إليها أحد ، لذلك فهو محدث فى ريادته ، ورؤيوى فى تطرفه العبثى المراهق ،مدمراً الحدود بين أنواع الفنون (كما هى توجهاته الدراسية والتعليمية ) ، فهو مصمم كرافيكى ومصور فى آن ـ هو مصور يقتصر على بعدين ومصور ينحت السطح بكتل العجائن ، ثم هو مصمم مسرحى وسينمائى متفرد ، وهو ما أعطى لأعماله صفة المشهدية الإعلامية أى بمصطلح ما بعد الحداثة:
“البرفورمانس” ، فالأداء الكرافيكى والإعلامى، جزء من إحتفاءاته المثيرة وهنا نقع على أهمية دوره.
يعتبر أحمد معلاً من أبرز فنانى ما بعد الحداثة فى التعبيرية السورية ، فهو أول من أدخل صيفة ” المشهدية ” (البرفورمانس) فى العمل الفنى، وذلك من خلال مرثيته إلى الأديب الراحل سعد الله ونوس ، ويعتبر هذا المعرض الذى أقيم عامر 1979م ، فى “صالة أتاسى ” إنعطافاً مفصلياً فى حداثة المحترف، معتمداً على توليفات من أنواع التعبير البصرى الحر، مستقى من الحساسية الإعلامية والمسرحية واضاءتهما السينوغرافية ، يعتبر بنفس الوقت من الذين إلتزمت موهبتهم بفضيلة الرسم (التى حفظتها أمانة المعلم نذير نبعه واستاذه إحسان عينتابى) .
ناهيك عن وعيه النقدى والنصى الاستثنائى , مما يكشف فضوليته الثقافية والمعرفية التى تقطف من كل بستان زهرة دون تفريق بين أنواع الفنون والآداب ،بين تراث اللغة العربية أو الفرنسية .
هيأ معلا فى تسارعة الحداثى الشاب وصلابته الثقافية لتجواله بحرية لايعقلها قيد فى تاريخ الفن المحلى والعالمى معيداً إستحواذ قطافة من جديد بعد تدمير معطياته ، مهياً للجيل التالى فرصة إقتحام جدار العقل إلى مساحة الحعذيان .
والتطرف المقدام ، هو الجيل الذى تحضرنى من إضاءات مواهبه على اختلافهم بحته: فادى يازجى وسارة شمه وآخرين .
لابحكم معلاً العالم ضمن فلسفة مسبقة تثاقفية مسبقة ،بل أنه لاينحث عن عناصر الإنسجام والتناغم (مثل هارمونى الألوان) وإنما على القوى المتناحرة الإفتجائية والمتعارضة فى الفعل ” السلوك المخبرى ” وفى الفكر الاختباء النظر فهو يفضل مشهد حجم البراكين فى لحظة إنطفاء شعلتها فى باطن الأوقيانوس عن المنظر الحاكم المستكين ، لعله بهذه الكونية/ الشمولية يجتمع من جديد من نذير نبعه وإحسان عينتابى، دون أن يفقد حقه فى التدمير.
الإنتحارى فى الأشكال ،يعبر هنا من بعض إستثمارات فاتح المدرس الأسطورية الوجودية ، وبعبور أسرع من مقصوصات ” مسرح الظل ” وحشوده الساخرة التى ظلت شاغلى التعبيرىحتى. اليوم هو بانوراما وسجل حافل بالكثير ولكن تفرد خصائصه تكاد تتفوق على مصادرة يستخدم كل ما يراه ويعرفه ويعيشه ضمن رقعة شطرنجة الوجودية ، وكأنه يعيد صناعة ملصقات (كولاج) من هذه المصادر المتباعة . ومايهمه فيها هو تباعدها، تناقضها، تناصرها الثنوى ، لعلها الفلسفة البديلة التى تتطابق مع أخلاقية اللوحة وليس الأكاديمية أو المجتمع ، هو ما يفسر خروجه المحبب عن كل ما هو بروقراطى مؤسساتى وهمائى .
فإذا خرج من عصيان الرأى الجماهيرى فهو يعيد حشودهم فى تكويناته الملحمية ، وينوع من إدانة أمعيتهم ووحدة لباسهم مثل إدانة يونسكو لمجتمع وحيدى القرن وإدانة توفيق الحكيم ” لنهر الجنون ” وقهقهة زكريا تامر من الطوابير العقائدية ، تبدو شخوصه المجهرية عائمة مقصوصة بالأسود ومعلقة بخيطان توتاليتارية غير منظورة . تعانى حشودها من نفس النواظم الثنوية تتداخل خرائط الأبيض بالأسود – ضمن إيلاج وهمي بصري كرافيكي يحيلنا ممن جديد إلي خبرته التصميمة الطباعيمة .
استطاع بالنتيجة أن يؤسس عقيدة تشكيلية تعكس تناقضات مرحلة جيله ، وزلزلة أرض قناعتها بشتي أنماط التعسف الثقافي ، يصور ما شاءت له عفويته ، وما يحيله عليه حدسه من هنديسيات متوحدة ، ، وذلك باعتماده الطوعي علي تدمير الثابت ومحاولة إقتناص المتحول والصبر ورائي ، بنوع من التداعي القلق والرفيق الشبحي في المادة .
عوالم طباعية عملاقة تقابل الخصوبات الصباغية المتخمة بالعجائن القزحية والمجهرية لأنها لا تتعدي في قزميتها عدة سنتيمترات يصور بعجائن صاخبة غائرة – نافرة ( مثل بداية تشكل الكون ) معجونة بلدائن الأصبغة ” الأكريليكية ” .
بسطوح مقصوصة كما هي مقصات هنري ماتيس الورقية ، يتطرف في الأولي بخروجه عن السطح ثلاثية أبعاده التحتية ويتطرف إلي الثانية باستخدامه السطح المقصوص الفاقد للظل والحجم والمنظور يستخدم تارة راحة يده وأظافره في التعبير وقد نعثر في نفس اللوحة علي بصمات مهندسة للبيكار والمسطرة والفرجار .
فهو متوحش ( بكر ) ونخبوي (ثقافي) في آن واحد ، متطرف في شتي الاتجاهات تنتظم تكويناته الطقوسية الاحتفائية الملحمية وكأنها قيامه ” كافكاوية” وفق نسق حلزوني عام ، يعيد إلي الفراغ مواصفات إرتباطه الفلكي بالكون وبألفية السماوية . ويفريسكات القبب الداخلية في عصر مديتشي ، ونعثر ضمن هذه المنحنيات علي أنظمة بنائية متعامدة تقف في وجه رومانسية أو أرابسك الغشتالت العام . تقع نسبية تصويره في إمتداد لوحته علي قياس البيئة أو إختزالها إلي ورقة مجهرية ، أشبه بالتحول من منظار (التلسكوب) إلي المجهر المكبر (الميكروسكوب) ، يعكس ذلك التحول السيميائي الفلسفي من الماكروكوزم ( العالم الكبيري ) إلي الميكروكوزم ( العالم الصفيري) وحسي ، عملاق وقزم ، هو النسق المتعامد مع المكور . هو الأسود والأبيض ، الشر والخير عندما يولج أحدهما في الآخر ، يسافر ما بين المقدسي والوثني، ما بين العاري والمتستر المفضوح والمقنع ، عبثي ذاتي وجماهيري ملتزم ، لا يمكن الإحاطة بخصائص معلاً إلا إذا قبلنا بهذا التشرزم في مواقع تعبيرية متباعدة من الكرافيك إلي الجداريات ومن اللوحة المجهرية إلي ” البرفورمانس ” والإنشاء الذي يلف صالة العرض ، فيعانق المشاهد بدلاً من أن يراقبه عن كثب .
لعله أشبه بالنحلة التي لا تلقح وتخصب إلا مرة واحدة قبل أن تموت .
مايو 2 2015
أحمد معلا،حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية .. د. أسعد عرابي
أحمد معلا
حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية
———
د. أسعد عرابي (*)
تمثل تجربة أحمد معلا (من مواليد1958م) منعطفاً حاسماً فى تحول تقاليد التعبيرية السورية” المتمايزة من المعاصرة إلى ما بعد الحداثة مباشرة. وبالقدر الذى يمثل فى رقعتها الشطرنجية تمفصلاً عضوياً بالقدر الذى يجعله منفلقا خارج عقائدها وصيفها المؤسلبة ، هى التى تحولت مع الأيام من “إبداعات” الستينات إلى ” اتباعيات ” الثمانينات ومابعدها .
وإذا كان إلتزم بما إلتزمت به ثوابتها “مثل” مركزية الإنسان فى الفراغ المطلق” فإن فنه بعكس “أيديولوجيته” خرق كل ماهو منهى عنه ـ وقد سى، وكل ما يمثل إشارات حمراء فى زنزانة الإلتزام العقائدى.
يملك أحمد معلا قدرة إسفنجية خارقة على إمتصاص كل مايشر به فى يومياته وما يصادفه خلال تجواله فى تاريخ الفن، ثم تدمير ما إجترعه وإعادة إستحواذه. فى هذا الرحيق والنسغ التوليفى الكونى أو الشمولى يبحث عن أبجدية نسبية، ولفة على قياس الكوكب الأرضى شارداً عن أية حدود محدودة، حتى لتبدو اللوحة وكأنها خارطة وطنه الرحمى المشيمى الطوباوى التطهرى التى يخرج بها من آثار العالم وسكونيته وأحماله التراثية والذاكراتية المرهقة .
يمتطى براق التشكيل كل مره دون وسيط ودون إلتزامات سابقة .
لعل هذا مايفسر العنوان المشترك فى أبرز معارضه يدعوها “تجارب” ، يضع البحث القلق الشجاع بديلاً عن الوثوقية الحذره والأسلبة المفتعلة.
تبدو معارضة مثل مناهجه التربوية أشبه بالناقوس الذى يتراوح بنزق “ديوينزوسى” بين الضد وعكسه ، لدرجة يتأرجح فيها متطرفاً خارج مساره، يقفز فى هذا التعارض من الأطروحة إلى عكسها ، تفرخ هذه الصبوات المتناقضة وتتكاثر من ذاتها فتبدو مراوحاتها سمة ديناميكية جعلته الأشد تمايزاً على مستوى سلوك القلم والفرشاة ونحت اللون ، وعلى مستوى المحاكمة التربوية، فقد تخرج من قسم الاتصالات البصرية عام 1981م من كلية فنون دمشق ، ليسافر إلى باريس عام 1987م فيصبح خريجاً للمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية”ومدرساً بالع التأثير ، هو ما أثار حفيظة زملاءه ، فدفعوه إلى الاستقامة ، وخسرت كلية الفنون أشد مدرسيها حيوية ومستقبلية فى قسم الإتصالات البصرية . ولكن “رب ضارة نافعة ” فقد عاد إلى الحياة بعروفها وأخطارها وتناقضاتها فى دمشق ، يجترع حيوية قلقة، نخذت أعماله وشخصيته بالسمة الوجودية الأصيلة هى التى كان رائدها المعلم فاتح المدرس .
شكلت تجربته الوجودية ، إذن على أصالتها نوعاً من المماحكة والإشكالية المزمنة التى ترفض قوالب الزمن خارج اللحظة المعاشة يقتطع فى كل شريحة “حياتيةـ إبداعية” الزمن النسبى.
متخلياً عن بعده الذاكرايى والتراثى الأطلالى ، يعيش راهنيته فى عمقها العمودى المنسلخ عن سيرة الأشياء ، بل إن ما يجمعه مع فاتح المدرس هو الاعتماد على النسيان أكثر من التذكر يصفق معلاً أجنحته وفراشيه باحثاً فى طيرانه العبثى عن مواطن تشكيلية تعددية توليفية مثيرة لم يسبقه إليها أحد ، لذلك فهو محدث فى ريادته ، ورؤيوى فى تطرفه العبثى المراهق ،مدمراً الحدود بين أنواع الفنون (كما هى توجهاته الدراسية والتعليمية ) ، فهو مصمم كرافيكى ومصور فى آن ـ هو مصور يقتصر على بعدين ومصور ينحت السطح بكتل العجائن ، ثم هو مصمم مسرحى وسينمائى متفرد ، وهو ما أعطى لأعماله صفة المشهدية الإعلامية أى بمصطلح ما بعد الحداثة:
“البرفورمانس” ، فالأداء الكرافيكى والإعلامى، جزء من إحتفاءاته المثيرة وهنا نقع على أهمية دوره.
يعتبر أحمد معلاً من أبرز فنانى ما بعد الحداثة فى التعبيرية السورية ، فهو أول من أدخل صيفة ” المشهدية ” (البرفورمانس) فى العمل الفنى، وذلك من خلال مرثيته إلى الأديب الراحل سعد الله ونوس ، ويعتبر هذا المعرض الذى أقيم عامر 1979م ، فى “صالة أتاسى ” إنعطافاً مفصلياً فى حداثة المحترف، معتمداً على توليفات من أنواع التعبير البصرى الحر، مستقى من الحساسية الإعلامية والمسرحية واضاءتهما السينوغرافية ، يعتبر بنفس الوقت من الذين إلتزمت موهبتهم بفضيلة الرسم (التى حفظتها أمانة المعلم نذير نبعه واستاذه إحسان عينتابى) .
ناهيك عن وعيه النقدى والنصى الاستثنائى , مما يكشف فضوليته الثقافية والمعرفية التى تقطف من كل بستان زهرة دون تفريق بين أنواع الفنون والآداب ،بين تراث اللغة العربية أو الفرنسية .
هيأ معلا فى تسارعة الحداثى الشاب وصلابته الثقافية لتجواله بحرية لايعقلها قيد فى تاريخ الفن المحلى والعالمى معيداً إستحواذ قطافة من جديد بعد تدمير معطياته ، مهياً للجيل التالى فرصة إقتحام جدار العقل إلى مساحة الحعذيان .
والتطرف المقدام ، هو الجيل الذى تحضرنى من إضاءات مواهبه على اختلافهم بحته: فادى يازجى وسارة شمه وآخرين .
لابحكم معلاً العالم ضمن فلسفة مسبقة تثاقفية مسبقة ،بل أنه لاينحث عن عناصر الإنسجام والتناغم (مثل هارمونى الألوان) وإنما على القوى المتناحرة الإفتجائية والمتعارضة فى الفعل ” السلوك المخبرى ” وفى الفكر الاختباء النظر فهو يفضل مشهد حجم البراكين فى لحظة إنطفاء شعلتها فى باطن الأوقيانوس عن المنظر الحاكم المستكين ، لعله بهذه الكونية/ الشمولية يجتمع من جديد من نذير نبعه وإحسان عينتابى، دون أن يفقد حقه فى التدمير.
الإنتحارى فى الأشكال ،يعبر هنا من بعض إستثمارات فاتح المدرس الأسطورية الوجودية ، وبعبور أسرع من مقصوصات ” مسرح الظل ” وحشوده الساخرة التى ظلت شاغلى التعبيرىحتى. اليوم هو بانوراما وسجل حافل بالكثير ولكن تفرد خصائصه تكاد تتفوق على مصادرة يستخدم كل ما يراه ويعرفه ويعيشه ضمن رقعة شطرنجة الوجودية ، وكأنه يعيد صناعة ملصقات (كولاج) من هذه المصادر المتباعة . ومايهمه فيها هو تباعدها، تناقضها، تناصرها الثنوى ، لعلها الفلسفة البديلة التى تتطابق مع أخلاقية اللوحة وليس الأكاديمية أو المجتمع ، هو ما يفسر خروجه المحبب عن كل ما هو بروقراطى مؤسساتى وهمائى .
فإذا خرج من عصيان الرأى الجماهيرى فهو يعيد حشودهم فى تكويناته الملحمية ، وينوع من إدانة أمعيتهم ووحدة لباسهم مثل إدانة يونسكو لمجتمع وحيدى القرن وإدانة توفيق الحكيم ” لنهر الجنون ” وقهقهة زكريا تامر من الطوابير العقائدية ، تبدو شخوصه المجهرية عائمة مقصوصة بالأسود ومعلقة بخيطان توتاليتارية غير منظورة . تعانى حشودها من نفس النواظم الثنوية تتداخل خرائط الأبيض بالأسود – ضمن إيلاج وهمي بصري كرافيكي يحيلنا ممن جديد إلي خبرته التصميمة الطباعيمة .
استطاع بالنتيجة أن يؤسس عقيدة تشكيلية تعكس تناقضات مرحلة جيله ، وزلزلة أرض قناعتها بشتي أنماط التعسف الثقافي ، يصور ما شاءت له عفويته ، وما يحيله عليه حدسه من هنديسيات متوحدة ، ، وذلك باعتماده الطوعي علي تدمير الثابت ومحاولة إقتناص المتحول والصبر ورائي ، بنوع من التداعي القلق والرفيق الشبحي في المادة .
عوالم طباعية عملاقة تقابل الخصوبات الصباغية المتخمة بالعجائن القزحية والمجهرية لأنها لا تتعدي في قزميتها عدة سنتيمترات يصور بعجائن صاخبة غائرة – نافرة ( مثل بداية تشكل الكون ) معجونة بلدائن الأصبغة ” الأكريليكية ” .
بسطوح مقصوصة كما هي مقصات هنري ماتيس الورقية ، يتطرف في الأولي بخروجه عن السطح ثلاثية أبعاده التحتية ويتطرف إلي الثانية باستخدامه السطح المقصوص الفاقد للظل والحجم والمنظور يستخدم تارة راحة يده وأظافره في التعبير وقد نعثر في نفس اللوحة علي بصمات مهندسة للبيكار والمسطرة والفرجار .
فهو متوحش ( بكر ) ونخبوي (ثقافي) في آن واحد ، متطرف في شتي الاتجاهات تنتظم تكويناته الطقوسية الاحتفائية الملحمية وكأنها قيامه ” كافكاوية” وفق نسق حلزوني عام ، يعيد إلي الفراغ مواصفات إرتباطه الفلكي بالكون وبألفية السماوية . ويفريسكات القبب الداخلية في عصر مديتشي ، ونعثر ضمن هذه المنحنيات علي أنظمة بنائية متعامدة تقف في وجه رومانسية أو أرابسك الغشتالت العام . تقع نسبية تصويره في إمتداد لوحته علي قياس البيئة أو إختزالها إلي ورقة مجهرية ، أشبه بالتحول من منظار (التلسكوب) إلي المجهر المكبر (الميكروسكوب) ، يعكس ذلك التحول السيميائي الفلسفي من الماكروكوزم ( العالم الكبيري ) إلي الميكروكوزم ( العالم الصفيري) وحسي ، عملاق وقزم ، هو النسق المتعامد مع المكور . هو الأسود والأبيض ، الشر والخير عندما يولج أحدهما في الآخر ، يسافر ما بين المقدسي والوثني، ما بين العاري والمتستر المفضوح والمقنع ، عبثي ذاتي وجماهيري ملتزم ، لا يمكن الإحاطة بخصائص معلاً إلا إذا قبلنا بهذا التشرزم في مواقع تعبيرية متباعدة من الكرافيك إلي الجداريات ومن اللوحة المجهرية إلي ” البرفورمانس ” والإنشاء الذي يلف صالة العرض ، فيعانق المشاهد بدلاً من أن يراقبه عن كثب .
لعله أشبه بالنحلة التي لا تلقح وتخصب إلا مرة واحدة قبل أن تموت .
بواسطة admin • 07-فنون • 0 • الوسوم : أحمد معلا, أسعد عرابى, العدد السادس عشر