النقد الادبى المعاصر فى اسبانيا ……. د . روسا نفارو دوران

النقد الادبى المعاصر فى اسبانيا

بقلم : د . روسا نفارو دوران(*)

تنشر فى اسبانيا الكثير من الكتب فى طبعات صغيرة الحجم الى درجة أن المكتبات لاتجد مكانا لعرضها  ولاتخزينها لذلك فان عمرهذه الكتب محدود الزمن ولايصبح امام الكتاب الا القليل من الزمن ليعيش على أرفف تلك المكتبات اذا استطاع أن يدخل فى قائمة الكتب الاكثر مبيعا والا فانه محكوم عليه بالاختفاء مع الاف الكتب التى لايتخطى عمرها الطبعة الاولى تلعب الصدفة احيانا أو الاحاديث بين الاصدقاء وبشكل خاص النقد فى اطالة عمر بعض الكتب الا أن الاعلان يعتبر الطريقة الاكيدة فى انتشار الكتاب لكن الاعلان عادة يتم بالنسبة للكتب التى يكتبها مؤلفون معروفون مسبقا أو الجوائز الادبية التى تعتبر نوعامن الاستثمار ذى العائد المضمون هنايمكن الحديث عن نوعين من النقد: من ناحية هناك النقد المرتبط بالقراءة أو المرتبط بتاريخ الادب والذى يجد مكانه عادة فى المجلات الادبية المتخصصة والتى تتوجه الى جمهور اكاديمى والقليل من هذا النوع من النقد يجد مكانا له فى مطبوعة واسعة الانتشار كالصحف ومن ناحيةاخرى اخرى هناك النقد الذى يقيم العمل الابداعى ويجد طريقه للنشر فى الصحف اليومية مابين هذا النوع وذاك هناك مساحة صغيرة تتمثل فى المجلات الادبية شبه المتخصصة مثل مجلات ماذا تقرأ أو لاتيرال التى تقترب من النشر الواسع الانتشار والتى تقدم عادة عروضا للجديد من الكتب المنشورة الى جانب مقالاتنقد تحليلى عروض الكتب تعتبر افضل طرق تقديم الكتاب الى القارئ وبشكل خاص العروض التى تنشرها ملاحق الصحف اليومية مثل بابيليا التى تصدر مع صحيفة الباييس التى تعبر عن صوت وسط اليسار أو الملحق الثقافى الذى يصدر مع عدد يوم الجمعة لصحيفة (أ، ب، ث) اليمينية والمثير حقا أن هذا الملحق على رغم يمينيته يكتب فيه كتاب معرفون ينتمون الى اتجاهات عديدة ويكتبون عادة عن كتب تصدر عن مختلف دور النشر بالطبع مع استثناء الكتب الصادرة عن دور نشر صغيرة محدودة

لآن مثل هذه الكتب لاتجد لها مكانا فى تلك المساحة لان الكتابة عن الكتب الصادرة حديثا مرتبطة بالاعلان عنها فى تلك الصحف ودور النشر الصغيرة لاتملك المال الكافى لهذا فان قوة دار النشر تلعب دورا فى مدى انتشار كتاب عن اخر بغض النظر عن قيمتة لان عرض الكتاب يدخل فى لعبة المال الناتج عن الاعلان فى تلك الصحيفة وهذا يمكن أن يؤثر على توجه القارئ فى شراء مايرغب فى قراءته لانه يشترى تحت تأثير مايكتبه النقاد فى تلك الصحف لذلك ان نجاح بعض دور النشر يعود الى ارتباطها بمؤسسات نشر تملك صحفا يومية كما هو الحال بالنسبة لدار نشر الفاغوارا مما يجعل الاعلان عن كتبها يظهر بشكل مكثف عملية النشر وبالتالى الشهرة تتركز حول الرواية كنوع ادبى مطلوب وله قراؤه والقليل من كتب النقد النظرى يمكنها أن تحظى باهتمام دور النشر مثل ماتحظى به الرواية اما الكتابة المسرحية فانها مرتبطة بعرضها على خشبة المسرح ولها مكانها فى التبويب الصحفى ونقدها مرتبط بالعرض وله علاقة بعمليات الاخراج المسرحى والموسيقى وغيرها من الادوات التى يستخدمها المسرح فى العرض اما الشعرفانه اكثر انواع الادب هامشية فى عمليات النشر رغم نجاح العديد من الكتب الصغيرة الحجم والرخيصة الثمن التى تجد طريقها الى القارئ لانهاتجد ايضا لها مكانا فى الملحق الادبى الاسبوعى لصحيفة ا،ب،ث الذى يوجد به ناقد خاص بالشعر والنقد يتعامل مع هذه النوعية من الكتب بشكل خاص والاهتمام يزداد اذا كان العمل مؤلفة شاعر معروف فى وسائل الاعلام العامة كما حدث مؤخرا مع كتاب كراسة نيويورك للشاعر خوسيه ييرو حيث بدأ الناقد ميغيل غارثيا بوسادا مقاله فى ملحق البايس يوم 16ايار مايو الماضى بالاشارة الى الكتب المتعددة التى نشرها الشاعر قبل ذلك ليقدمه ككاتب له انتاجة الابداعى اى أن هذا العمل ليس الاول من نوعه للشاعر وفعل هذا أيضا فيكتور غارثيا دى لاكونتشا عند تقديمه للشاعر خوسيه ييرو فقال (نحن هنا امام كتاب من كتب الشعر الكبرى لآن اعمال خوسيه ييرو الكاملة تعتبر انجازا هاما فى مجموع الشعر الغنائى الاسبانى النقد فى الوقت الحالى قد يكون مجمعا لى اهمية هذا الكتاب الجديد للشاعر خوسيه ييرو مما يدفع القارئ الى التفكير فى انه سوف يشترى كتابا يعتبر جزءا من الذاكرة الابداعية لاسبانيا موضوعية النقد مشكوك فيها فى بعض الاحيان مثلا رواية كوميديا خفيفة الاخيرة للكاتب ادواردو ميندوثا تم عرضها بشكل مثير من جانب عدد من النقاد الاذكياء المعروفين وكان النقد الايجابى الى جانب شهرة الكاتب سببا فى انتشار ونجاح هذه الرواية ليس فى اسبانيا فقط بل فى عدد من الدول الاوربية الاخرى مثل فرنسا ولكن علينا أن ننتظر موقف الزمن من هذه الرواية

الذى سوف يكشف لنا حتما عن انها رواية متوسطة القيمة وليست من اعمال الكاتب ذات القيمة الادبية الكبيرة ونعتمد فى ابداء رأينا هذا على نظرة متعمقة للرواية فنكتشف مدى فقر لغتها فالكاتب يكرر استخدام افعال معينة تفتقد الى الجمالية والشخصيات فى الرواية شخصيات باهتة متصلبة تفتقد الى الحركة والمناخ العام غير مترابط مما يجعل هذه الرواية اقرب الى الاعمال الدعائية ويبدو الكاتب واعيا بمناطق الضعف فىروايته ومع ذلك يظل سائرا فىطريقة دون أن يحاول أن يكثفها لينطلق بها فى عالمه الروائى المعروف ترى هل هذا خطأ من جانب الناقد الذى لم يكتشف هذه المناطق أم أنها مصالح مرتبطة بمصالح النشر؟ أم أنه تأثيره شهرة الكاتب على النقاد الذين عرضوا لروايته ؟ قراءة رؤية عدة نقاد لعمل روائى واحد يعتبر من افضل الاعمال الروائية التى اثارت الاهتمام خلال الفترة الاخيرة وهى رواية الظهر الاسود للزمن الروائى المعروف خافيير مارياس يثير لدى القارئ نوعا من النقد تجاه النقاد أنفسهم فنجد الناقد الجاد ريكا ردو سينابرى المعروف عنه معرفته الواسعة باللغة الاسبانية يشير الى مدى صعوبة تصنيف هذا العمل على أنه رواية فيقول: (هذه ليست رواية الا اذا طبقنا عليها معنى موسعا لما تعنيه كلمة رواية لكن هذا العمل يتضمن صفحات تعكس قصا روائيا وحدثا محددا وشخصيات وهذا العمل ليس نوعا من انواع الدراسات على رغم أنه يتضمن مايربطه بهذه النوعية من الكتب لانه يتضمن اشارات ومراجع ويحكم فى النهاية على عمل الكاتب بقولة: (يجب الاعتراف بمدى قدرة المؤلف على كتابة كتاب مثل هذا وان كانت النتيجة جاءت بأقل مما كان يطمح اليه الكاتب التحليل الذى توصل اليه الناقد حول هذا العمل ينتهى به فى النهاية الى الاشارة الى أن النتيجة محيرة ولاتوصل خطابا محددا وفى اخر مقطع من مقاله يلخص الناقد رؤيته لهذه الرواية المنتحلة فيقول: التردد لتعبيرى يمزق قصة مكتوبة جيدا ولكنها تفتقد الى التواصل ولاتهم احدا غير الكاتب والمدافعين عنه فلا زالت ظلال روايته كل الارواح تلقى بنفسها على صفحات عديدة من العمل الذى بين أيدينا وفى 16ايار مايو الماضى كتب الناقد اجناثيو اتشيفاريا مايمكن اعتباره حكما نهائيا على تلك الرواية التى وصفها بأنها حكاية رواية تحدى شخصى وصعلكة روائية وألا عيب أدبية ومراجعات نقدية ونرجسية شخصية ونوع من تصفية الحسابات المريرة وأشار فى مقاله الى ثرفانتيس وستيرن كسابقين على المؤلف فى هذه النوعية من الكتابة ولكنهم متقدمون عنه بمئات السنين الضوئية ويشير الى الكاتب بقولة: (مارياس يعود من جديد الى أفكاره الخاصة المتسلطة على عقله ويحاول خلق موازاة لكتب يشير اليها فى كتاباته منها كتابات سابقة عليه بعضها روايات وبعضها الاخر عبارة عن دراسات وذلك للتأكيد على خطاب مرتبك ويؤكد على خاصية طريقته فى الكتابة بل يتخلى الناقد عن رأيه فى الكاتب بقولة: (ان الكاتب هنا ليس سوى مراة ) وهنا يؤكد الناقد على نرجسية المؤلف وهو امر يمكننا أن نستطلعه من خلال قراءة النقد الذى يعرض لرواية الكاتب لآن الناقد يرى أن: (أنها مراة تبدو فيها الشخصيات شبيحية ومليئة بمساحات من الضوء والظلال غير معبرة بشكل دائم وخلالها يمكن رؤية الوجه الهارب للكاتب ممايجعلنا نؤكد أنه نفسه يتحول الى رواية انهما ناقدان معروفان مجبران على تناول عمل روائى ليست له صلة بالرواية ولكنهما يتناولاه بسبب التزامهما بممارسة النقد الادبى ولآن المؤلف أحد أفضل الاصوات فى المشهد الادبى المعاصر ليس فى اسبانيا فقط بل فى اوروبا كلها بحث الناقد أن فى هذا الكتاب الجديد عن عمل مخنلف كان يمكن  أن يفتح لنا المجال لرؤية نوع أدبى جديد لكن يبدو أن الكاتب خدع النقاد وخدع نفسه هناك بالطبع اعمال مهمة ظلت فى الظل لآنها صدرت عن دور النشر صغيرة لاتملك القوة التى تدفع بنقاد معروفين للكتابة عنها سواء بسبب مصالح مالية أو غيرها من المصالح  بينما هناك اعمال تعتبر متوسطة القيمة يمكنها أن تصبح واسعة الانتشار لصدورها عن دور نشر كبرى الا أن بعض البصيرة الناقدة والنافذة يمكن أن تكشف من وقت لاخر عن أعمال تستحق التعريف بها……