عاشق الباستيل الفنان الكبير …………………. محمد صبري

عاشق الباستيل الفنان الكبير
محمد صبري
بقلم الفنانة التشكيلية الأستاذة / سلوان محمود
شهدت منطقة الفرنساوي بأبي العلا بالقاهرة يوم 21 ديسمبر عام 1917 ميلاد الطفل محمد محمد علي صبري الأب يعمل تاجراً في هذه المنطقة الشعبية التي كان لها أثرها الكبير في تشكيل وجدان وخيال الفنان في بدايته واستمرت معه طوال الرحلة تؤكد صداها في كل لوحاته .. أما الأم فمغربية الأصل ..
ويكبر الطفل الصغير محمد صبري ..ليدرس في مدرسة عباس الابتدائية الأميرية ثم يحصل علي دبلوم الفنون التطبيقية قسم التصوير عام 1937 ثم درجة الأستاذية في التصوير من كلية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد عام 1952 ، ثم دبلوم في الدراسات الأسبانية كلية الآداب جامعة مدريد عام 1956 .. بعدها تزوج من الأسبانية ماريا اسكربياتو التي التفت به في أحد معارضه بمدريد .. وعشقت هذه السيدة التي تتمتع بروح الفن وتذوقه شأن معظم أهل أسبانيا بلد الفن والجمال عشقت فن محمد صبري الذي تميز بالتمكن الشديد من خامة تُعد من أصعب الخامات وأكثرها حساسية في الرسم وهي خامة الطباشير الملون واستطاع بحسه المعماري الكبير وبموروثه الشعبي القديم أن يقدم فنه للعالم فبهرهم .
سألته أن يحدثني عن هذه الخامة ” الباستيل وأن أتفحص بين يدي هذه الأصابع القصير من الطباشير التي كنا نرسم ونلعب بها في طفولتنا قال :
هذه خامة طباشيرية .. تبدو أنها سهلة الاستعمال إلا أنها صعبة المراس في تناولها .. فلا يمكن معها إلغاء لون أو وضع لون علي لون .. إنها خامة شفافة لها إمكانات أكثر من خام الزيت … تجاوبت معها وتجاوبت معي ، أعطيتها وأعطتني ، حتي لفتت إلي أنظار النقاد .
ودفع بمجموعة الكتب والمقالات في يدي وقرأت ما كتبه عنه كبار نقاد الفن ومؤرخيه في مصر والخارج ، عشرات المقالات لمختلف اللغات ، بينما تضئ لوحاته مجلات وجرائد الصحافة المحلية والدولية كأحد رواد فن الباستيل المتميزين في العالم .
قال عنه “سانشس كامارجو ” وكيل متحف الفن المعاصر بمدريد في جريدة البويبلو في 26 مايو عام 1956 ” .. إن أبرز خصائص هذا الفنان المصري ، خفة لمساته حين يستغل مادة من مواد الرسم لم يكن أحد يحسن الانتفاع بها وهي أصابع الباستيل .
وقال ” خوسيه فرانسيس ” السكرتير العام الدائم لأكاديمية سان فرناندو بمدريد .. ” نحن الآن أمام فنان مكتمل متمكن من فنه وبأسلوب أصيل يميزه عن غيره ” ..
لقد أقام الفنان المصري الكبير محمد صبري أكثر من ثمانين معرضاً مشتركاً ودولياً في مصر وأوروبا .. كيف صنع من الضعف قوة ؟ إنها سره وحده … وأشير هنا إلي خامة الباستيل التي استخدمها محمد صبري للتعبير الملون المبتهج .. قال عنه الناقد الفني من بنيالي البندقية عام 1958 .
” لقد أمكن للفنان صبري أن يواجه المخاطرة الصعبة بأن يتخذ من الباستيل تلك المادة المتواضعة الوسيلة لأداء فن عظيم ” .
وسألت الفنان المصري الكبير محمد صبري كيف ومتي كانت بداياتك مع فن الرسم والباستيل بالذات ؟
اعتدل الفنان محمدصبري في جلسته .. وسرح ببصره بعيداً وأخذ يتحدث وهو يسترجع لوحات فنان أجنبي..كان يعرض ضمن مجموعة لوحات في معارض دولية للشباب في منزل المقتني المصري الفنان المثقف محمد محمود خليل وهو أحد المهتمين بالفن في مصر في الأربعينيات ومنزله هو متحف دائم باسمه الآن .. وكان من المتابعين والحريصين علي استضافة الفنانين ليتابع فنانونا في مصر .. الحركة الفنية الدولية ..
وكانت هذه بدايته مع الرسم بهذه الخامة .. لقد تأثر محمد صبري بأسلوب فنان أجنبي إلا أن مصر ظلت بكل أصالتها داخل وجدانه يعبر عنها ومازالت في لوحاته .. وكانت هي الموضوع الأصلي الذي شغله ويشغله حتي الآن ..
واستدعيته من ذكرياته .. بسؤالي عن الحس المعماري الرصين والمنظور السليم الذي تمكن منه وظهر فن رسمه للمعالم المصرية في الأحياء الشعبية حتي استطاع أن يكون لنفسه اتجاهاً فنياً خاصاً وسألته : عن حسه المعماري هذا هل فيه تفكير لنزعات حديثة في المدارس الفنية المختلفة ؟
فنظر إلي نظرة متحدية جادة وهو يقول وكأنما يوجه رسالة أتصورها مرسلة إلي شباب الفنانين : الفنان سيدتي هو مرآة عصره وبيئته .. لا يتأثر إلا بما يؤمن به .. فالفنان لابد أن يكون صادقاً مع نفسه في رسم موضوعاته ، ومادام هو صادقاً في فنه ومع نفسه فسوف يصدقه الناس .. أما أن يرسم مقلداً نزعات غيره .. فهو إذن ممن نطلق عليهم لفظ ” فنان صالونات ” ليس له بيئة أو وطن أو صنعة معينة .. فأنا أحب العمارة ..
وأتأثر بالمكان الذي أوجد فيه أساساً ، والأثر الشعبي هو عمارة وهي تستلزم وجود أشخاص .. فالمنظر بالنسبة لي في الأياء الشعبية يكون أشخاصاً وعمارة متكاملين .. أحيا بين تفاصيلهما ..
واوجه الحديث معه إلي مرحلة أخري هامة في حياته الفنية هي مرحلة إسبانيا ويقول :
نعم رسمت وسجلت في لوحاتي أجمل مواقع إسبانيا ودوروبها مثل ” أوترللو” التي قضيت فترة طويلة من حياتي فيها . رسمت كثيراً في إسبانيا فأنا من الفنانين المصريين الذين زاورا الأندلس ورسموا كثيراً هناك .. وقتها تصور البعض أنني ” سوف أبيع المياه في حارة السقايين ” علي حد تعبير المثل الشعبي المصري .
فالإسبان هم رواد فن الباستيل .. واستطرد قائلاً أسفرت هذه المرحلة عن مجموعة من أجمل وأندر لوحاتي واستطعت أن أقدم بها معارض في مدريد ولندن وباريس وروما وألمانيا ولشبونة .. وكم اندهش النقاد هناك واطلقوا علي “أبوالباستيل القادم من مصر ” ..
لقد نال الفنان المصري الكبير محمد صبري كل التكريم المحلي والعالمي . فهو أول فنان عربي بحضي بعضوية أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة لمدريد .. وكرمته مصر مؤخراً بجائزتها التقديرية في الفنون والتي كانت مطمح آماله ..وغاية مراده .. فالتقدير الحقيقي له من بلده مصر .. وأجمل لوحاته عن القاهرة مدينته واسم لوحه كان يرسم بها أثناء حواري معه .