لمعــة علي سوار رملاوية ……………… تيسير النجـار

لمعــة علي سوار رملاوية

———-

تيسير النجـار (*)

فاتنة .. كالحقيقة من تحت طاولة ، عمرها ما زال ينقص حتي بدت كأول مرة نظر لها ” طفلة صغيرة ” .. تدهش حقاً بطفولتها التي ابدو كقارب صغير تسعي به لإنقاذ الأرض من الطوفان .. وهو من كان يستريح في مرآتها ، مرآتها التي كانت تراها جيداً ولا تفكر بأن تري ذاتها فقط في مرآتها بحث عن أي جلبة حظ ، فكر طويلاً بالكتابة .. عنها .. توسد  ظلال يديها التي تكره الساعات .. حاول أن يتقمض روح الساعة ، فلم يفلح .. هنا تذكر أنه عندما تعرف إليها كان الصوت هو البداية ، وكانت الرملاوية وكنها زوجته في حياة أخري .

تساءل هو مطولاً عن جدوي الكتابة عنها ، وهما دون الكتابة محض فرح .. إلا أنه كان يعتقد أن كلمة فرح كانت تجلب النحس أحياناً .. لذا كان دائم السؤال من اين لضحكتها كل هذا الرنين ؟ ضحكاتها لم يشبهها سوي بسقوط نيزك علي كريات دمه .. كان يصر أن يصغي بأنصات وخلسة لها ودون أن تذوب أذناه ، بينه وبين نفسه كان يقول : ما أدق ضحكتها وما أشبهها بمواسم حصاد للقمح .. فمح قلبه الذي كان كل ما حوله يلجأ وبأساليب مختلفة لأن يدوس عليه .. ” هي ” أحسها تعي بمسألة القمح هذه ، لكن كلما واجهها بحضوره لم يكن يفكر سوي بالزؤان الذي تكاثر حولهما .

هو كان يري أنها تختصر الأشجار والزهور حيثما ترتدي قميصها اللافت ، طويلاً فكر لعدم استعمالها للعطر لحين وجدانها تختصر العطر كله فيما ترتدي من ملابس .. ” هو ” كان يعرف ويتقن تماماً أنه يبالغ ويكبر بتفاصيلها الدقيقة كمستبعدة في جل ما ترتدي من جمال حسي ونوعي وكمي .

فعلاً وكما وعد وطلب منها أن تروي له حكاية ، وحقاً  من أين جاءته كل تلك الجرأة بأن يطلب منها أن تروي له حكاية ” أليس في بلاد العجائب ” لم يدري والملفت .. بل والمستهجن بالنسبة له أنها روت القصة ووصفتها ببساطة متناهية تنم عن إعجاب

———–

(*) كاتب أردني .

وترف بها .. “هو ” أحب أن تطول الجلسة وفعلاً حدث ذلك ، وعندها جاءه الخاطر لماذا أصبحت تأتي مبكراً مع أنه اعتاد أن يراها مساء وكل الصباحات الفرصة بأن يكون بينهما حديث ومدي تتسع حلقاته عبر العمل إلي أبعد أفق .

وفعلاً ولأول مرة تكون فيها صاحبة مبادرة إذ أنها تحدثت عن العديد من الأمور التي تخصها ، بدا مستغرباً جداً أنها تتحدث إلي أين تحب السفر ، وأين كانت تتدرب وأنها درست سبع سنوات في الخليج ، كما وأنها وصفت .. وصفت كيف أن المدينة عمان كانت تشبه الأطفال بنومها مبكراً ، وكيف أن رام الله مدينتها الأصل كانت تروي لها كل يوم حكاية قبل نومها وتحلم بها مراراً حتي أنها لم تعد مفترضة باذكرتها كما يحلو للبعض القول . كانت ريم تتحدث عن المدن وكأنها تتحدث عن تطور لتاريخها الشخصي ، وهنا أحس أنها أكبر من تلك المدينة التي تنام مبكراً .

الآن حين يتذكر يذهب بعيداً إلي حقول ثلجية ما زالت تنسج بينهما كلما جلس بذاكرته معها وحقاكم من القطع الضوئية قد ألقت أمامه لا يدري ، فقد كان محض اعتقاده أن لغتها قطع ضوئية – لا صوتية – ولا تشبه بنغمتها سوي الموسيقي .

الآن متشبع بها حد بلوغ القسوة لذا لم يكن ينام إلا بوحيها ، الآن أحس كم هو ماكر فكيف استطاع أن يقول أنها لا تروي له القصة ، وهي قد علت لقد أحسن بوخز ضمير حاد ، ولذلك أحسن وهي تخرج من يقظته معلنة أجازتها بتسربها في كل ما ينبض بداخله لطالما مكث يفكر ويزول هل همه الجسد منها ، أما أنها الروح وفي إشارة منها حول ثنائية الروح والجسد لم يحس أنها تترك مسافات فيما بينهما ، وحينما تذكر زرادشت الحكيم كيف أنه أيضاً يترك مسافات ما بيد الجسد والروح امتلأ بالغبطة.

هامش (1)

تذكر الآن أنه لن يراها غداً فهي في إجازة ، وهو في إجازة كونية ، وأنه في الوقت ذاته يشعر بالحمي التي تعادل تماماً اللمعة سوارها ، وحده يدخل مناطق التأمل بوجهها فيطول تأمله بأن عينيها لطالما بكت وفعلاً وكأنها دموعها أصل حركات النجوم دوماً .

تذكر وجهها وصهره في داخله ، وتوتر بأن ترتدي وهج الشمس علي أطراف أصابعها التي ترعي بها قطعان المعرفة البشرية التي تخصه .

هامش (2)

لم يعرف الحنان أحب الشر لذاته .. حاول أن يتحرر من صنوف الأوثان التي تحف عوالمها .. وطيبتها ، وكان ما يسره ويشى بنجاحه تلك اللمعة علي سوارها والتي يشبهها بحياته .

هامش (3)

حبه العميق لم يبحث عن تأكيده بالكلام بل بالتأمل ، باللغة الباطنية .