المــوت حبــاً ……………. عمر حسن الشريف

” المــوت حبــاً ”

——-

عمر حسن الشريف (*)

كان وجه صديقي مشرقاً متهللاً .. تعلوه حمرة أعادته شاباًً في العشرين .. كان يحتضن السعادة .. بتنفسها .. يملأ رئتيه بالحب والعشق ..

ابتسامات تعلو وجوه الحاضرين والحاضرات بقاعة الفندق الكبير .. إحساس عميق بروعة الحب وصدقه وانتصاره …

فالحب أبقي من كل شئ .. الحب هو الحياة … وحياة بلا حب تعني الموت الزؤام الموت الذي عاشه صديقي فؤاد بكل قسوة بعد أن حرم من حبه الأول والوحيد أكثر من عشرين عاماً عاشها بلا حياة .

زوجوا حبيته رغماً عن أنفه وأنفها من ثري أخصلت له .. وكتمت حبها بين جوانحها حتي وافي زوجها أجله ..

جمعتهما الأقدار صدفة ..عرف ظروفها الجديدة ..تحدثاً عن العذاب الذي تجرعاه كؤوساً مترعة طوال هذه السنين .. شعر أن الحياة أرادت أن تبتسم له في النهاية .. الهواء التقي بدأ يحيط به من جديد .. رقص قلبه بعنف .. تحرك حبه القديم .. نفض عن نفسه غبار السنين التي تراكمت عليه .. فاشتد عوده واصبح أقوي من أية مؤامرة دنيئة تفرق بينه وبين حبه الكبير ..

عشرون عاماً مضت .. دهر طويل .. يومه بسنة .. لا طعم للحياة .. لا لون للورود .. لا رائحة للعطور .. لا حياة في الحياة !! ..

…………………

يسرح صديقي قليلاً فيري شريطاً سينمائياً يمر أمام عينيه .. بدءاً من الأيام الجميلة بكل ساعاتها ودقائقها وثوانيها .. مروراً باللحظات السعيدة التي عاشاها معاً .. وانتهءَ بالذكريات المؤلمة والسنوات الحزينة التي عاشها صديقي فاقداً وعيهواتزانه..مخلصاًلحبه الوحيد الذي ما عرف غيره.. أهمل في نفسه.. صحته .. لم يحاول نسيانها كما يفعل البعض .. ولم يستمع لنصيحة أحد : ( تزوج لتتسي ) .. فحبها ملك فؤاده .. حيث صادف قلباً خالياً متمكناً ..

———-

(*) كاتب وباحث إعلامي مقيم بقطر .

كيف ينسي هذا الوجه الملائكي .. المتفائل دائماً .. ؟ إشراقة نورانية .. قلب مفعم بالإيمان والحب .. لا صعوبات .. لا مستحيلات .. بالحب نصل إلي ما نريد .. فالحب يصنع المعجزات .. كان يشكو لها صعاب الحياة .. فتهونها عليه .. وتزيلها من نفسه بابتسامتها الحانية وكلامها الطيب .. الحياة أحلي مما تتصور .. غدا ستكون أجمل  … سيلتفت أولادنا حولنا ويملأون علينا البيت صخباً وسعادة .. تقول :أنا عايزة أجيب لك بنت وأسميها ” فؤاده ” علشان تفكرني بيك باستمرار ..

يقول : لا أنا عايز ولد يكون سندي وعوني وأسميه “عتريس ” !!

–      بس جواز عتريس من فؤاده باطل !!

–   لا ياستي متخافيش .. إحنا عتريس بتاعنا هيكون قلبه أبيض .. شفاف .. زي قلبك مش هيكون عتريس بتاع الفيلم .. سفاح ودموي ..

–      فؤاد .. أنت أغلي شئ في حياتي أنت عمري يا عمري ..

–      حياة .. أنت حسنة دنيئي .. أنت أمل حياتي .. يا حياتي ..

حلم مزعج .. كابوس مدمر .. فلقد سافرت الأسرة إلي المصيف ، وهناك كان السيناريو جاهزاً .. مؤامرة دنيئة خططوا لها بليل .. ورتبوا لها كل ترتيباتهم فاكتملت جميع فصولها ..

لقد فضلت الأسرة بريق الذهب علي جوهره .. فيلا .. سيارة .. فلوس .. أشياء كثيرة يفتقدها فؤاد بالطبع بالرغم من ثرائه الشديد بالشرف والنزاهة والرجولة .

” شرف ” .. ” نزاهة ” .. ” رجولة ” !! عملات قديمة لا وزن لها في سوق العملات الجديد .. وأسدل الستار علي كلمة النهاية بعد عدة فصول مأساوية لم تستطع “حياة” بكل رقتها أن تواجهها بمفردها .

شريط سينمائي مر في ثوان معدودات بأحداثه الحلوة والمرة ..

يفيق صديقي .. يفيق علي قبلات المهنئين يمطرونه بها بغير حساب ..

مبروك .. مبروك .. كان يستشعرها في نفسه قبل أن يسمعها من الجميع .. كان يطير فرحاً .. أقدامه تلامس الأرض لمساً .. ترقص رقصاً .. وقلبه يرفرف طرباً .. ما كان يري غيرها تملأ عليه حياته .. فهي في كل مكان ..

أشفقتا عليه من طول السهر .. آن الآوان ليخلو هذا القلب الولهان بوليفه الذي حرم منه طويلاً .. آن له السكون إلي نصفه الآخر .. آن له تحقيق أمله بعد طول انتظار ..

اتمخطري يا حلوة يا زينة .. يا وردة من جوه جنينه .. زفة لم تشهد الدنيا مثلها .. إشراقة وجهه تزداد .. ابتسامة شفتيه تتسع .. تزداد اتساعاً أراه تائهاً وسط الزحام .. لا يكاد يصدق ما يحدث . ..

الكل يقبله قبل أن يغادر .. وهو يقبل الجميع .. تركنها مع حبيبة القلب والروح والفؤاد .. لينتقما من  أيام الفراق القاسية .. آن الآوان للقاء لا فراق بعده .. أخيراً تحقق أمل حياته .. وانفرد بحبه الغالي الذي لا ينتهي …

اهدئي يا نفسي .. واسعدي يا روح .. وغردي يا عصافير بأعذب الألحان .. واتركي العاشقين يستمتعان بحلو اللقاء وحرارته .. تنفس الصبح .. وأشرقت الأرض بنور ربها .. ورن جرس الهاتف في منزلي …

–      ألو … مين ؟

–      أنا حياة .. قالتها بصوت شديد الضعف . .

–      أهلاً بأجمل وأحلي عروس .. صباحية مباركة يا عروسة .. كيف العريس ؟؟

…………………

–      عايزة تكلمي المدام ؟

–      …………………

–      ايوه يا عروستنا .. هاتجيبي لنا فؤاده ولا عتريس ؟

–      ……………….

–      أيوه يا عروستنا .. أنتي مكسوفة ؟

–      ……………….

–      فيه حاجة ؟

–   ( نهنهة خافتة .. وصوت منخفض جداً .. ) صاحبك مات .. تعيش أنت !! لم يستطع قلبه الواهن الرهيف أن يتحمل كل هذه السعادة .. فتوقف فؤاده .. وانتهت حياته … مات من شدة الفرح ..

–      يرحمــه الله …. ويرحمنــي …