أبريل 3 2011
الأدب العربي النقدي في بولندا الدكتوره بربارا ميخالاك – بيكولسكا
الأدب العربي النقدي في بولندا
الدكتوره بربارا ميخالاك – بيكولسكا *[1]
أن التقويم الأدبي ينتمي إلي العمليات اليومية في العلوم الأدبية – هذه العمليات التي لكثرة استخدامها وشيوعها تكاد لا تنظر إليها باهتمام ورغم ذلك فإن تحديد مبادئه النظرية يعتبر من اصعب المسائل في التفكير العلمي حول الأدب يشهد علي وفرة النقد الأدبي وذيوعه اسمه الذي يرتبط بالاعمال الكتابية لحظة وجودها بشكل خاص – مفهوماً النقد التقويم هما لفظان مختلفان لمعني واحد يرجعان باصلهما إلي الكلمة اليونانية Krino التي تعني احكم أقوم يعتبر النقد الأدبي وفقاً لقاموس المصطلحات الأدبية قسماً من أقسام الكتابة مادته الأدب فأما يكون مقرباً إلي علم الأدب أو إلي الأدب نفسه ، أن الشئ المبدأي الذي يميز النقد هو ليس سعيه إلي تسجل الاعمال والحالات الأدبية وحسب بل ونشاطه الدؤوب بشكل مباشر في تطويرها ايضاً وخلقه أساليب جديدة ،
وقضايا ومهمات ومثل جمالية الأدب المعاصر هو المادة الأساسية النقدية للنقد أما حين يقوم النقد بمعالجة الماض فهو يفعل ذلك من زاوية خاصة يظهر من خلالها بعض معاني الماضي التي تخص الحاضر يحييها ويستلم منها دوراً فعالاً في تشكيل التقاليد الأدبية .
للنقد وظائف معديدة متشعبة تشمل مختلف نواحي الحياة الأدبية فهو يتجه نحو المبدعين وفي الوقت نفسه يتجه نحو القراء ايضاً وكثيراً ما يقوم بدور الوسيط بينهما لا يتم تأثير النقد علي العمل الأدبي عن طريق طرح السمات وحسب ، وأنما يحدث اساساً بسبب خلق عمليات إشكالية في الأدب نفسه عن طريق إشاعة أو حتي مقارعة وحصر التيارات السائدة في وقتها الراهن عبر تعميم مناهجالوصف وتفسير الأعمال ويؤثر النقد بطرق مختلفة علي الجمهور أيضاً وبذلك يسهم في تشكيل ذوقه العام ، ويشهر ويلمع بعض النزعات المختارة وبعض الاعمال المحددة وفي النهاية ينفذ الكثير من الوظائف الإعلامية التي تزود القارئ بالأخبار .
يرتدي النقد لباس النظام العلمي في مجالات معينة فقط وبالتحديد حين يحقق وظيفة إطلاعية معرفية وهذا يعني أنه يضع نفسه هدفاً لبناء عالم تعريفي للأدب المعاصر ، إلا أن هذه الوظيفة ليست وظيفته الوحيدة فهو ولا شك أحد أهم أشكال العملية الثقافية يتنامي بنمو الأدب نفسه ويتطور بتطوره ويأخذ عصره وزمنه كاملاً من الحياة الأدبية نفسها وكذلك يلعب دور الوسيط بين طموحات الكاتب وبين ترقب القارئ وانتظاره ، ويقوم بإشاعة إنجازات الادب المعاصر وشهرها والاهم من ذلك يعمل بدأب علي ترسيخ وتحقيق طموحات الادب نفسه .
يتعاون النقد والمبدعون في رسم حدود مشتركة لقضايا الادب المعاصرة وكذلك في ابتداع رؤي جمالية مشتركة وفوق ذلك كله يشترط متطلبات فنية فكرية خاصة به يعرض عروضه الخاصة علي الكاتب ويطلب لنفسه شكلاً محدداً من أشكال الأدب ، وذلك في مجال الاستشكالية الفكرية وفي مجال الأنواع الأدبية والأسلوب واللغة علي حد سواء إننا نجد خارج إطار العلوم الأدبية نقداً يغلب عليه طابع الاستخدام التعميمي السطحي لإشاعة حدث ما كما في أسلوب المقالات النقدية الصحفية ، علي سبيل المثال هذا النقد يتحرك وفق احتياجات التطبيق الملازمة له فقط وليس وفق الاهتمام والانشغال بالدلالات العلمية وعلاقته بعلوم الأدب هي علاقة تكميلية ، وليس علاقة إبداع مشترك معها يقوم النقد قبل كل شئ بإجراءتا البحث والتحليل والوصف ويتمثل هدفه الرئيسي بالسعي إلي احتواء الحقائق المحددة أو كذلك إلي احتواء النزعات الحداثية في الأدب فيفسرها ويصنفها واضعاً إياها ضمن أطر العلوم الأدبية يتأثر النقد كذلك بالأسلوب الأدبي الحاضر في اللحظة الراهنة وبالمناهج الفاعلة في علوم الأدب ( التحليل ، التفسير ، درجات التقويم ، التركيب ) ، وبالنزعات العامة لإحياء الفردية في الآداب الكلاسيكية مثل النزعات التفسيرية (التي تلجأ إلي تصحيح تفسير النص ) أو مثل النزعات النشائية ( التي تلجأ غلي مقابلة عناصر التفاسير المختلفة ) وبالنظريات الفلسفية وبالتطلعات الاجتماعية والسياسية .
في البحوث الادبية الجارية في أوروبا وفي بولندا ومن ضمنها دراسة الأدب العربي تستخدم نظريات مناهج العلوم الأدبية المعاصرة ومنها علي سبيل المثال النزعة الإنشائية Structuralisme ( التي تشكلت بعد عام 1930 وتطورت بفضل ر. ياكسون وي موكاروفسكي ) وفيها الافتراضات التالية : أن العمل الأدبي هو كلام تلعب الوظيفة الجمالية فيه الدور الجوهري ويكون هدف الباحث فيه ترتيب الوصف الإنشائي ترتيباً زمنياً للأحداث والشخصيات التاريخية Synchrony في اللحظة التاريخية المحددة وكذلك إعطاء صورة الظواهر غير المعاصرة التي تعني توالي تلك الظواهر بعضها وراء البعض في مسار الوقت diachrony .
إن العنصر البالغ الأهمية الذي أود الإشارة إليه هنا هو كتابة اللفظ العربي باحرف لاتينية Transliteration وضبطها بإشارات تعطي اللفظ الصحيح للكلمات مثل أسماء الأعلام والألقاب واسماء المكان والعناوين .. إلخ ، هذه العملية شائعة في البحوث الاستشراقية ، لأن من خلالها فقط يمكن أن نترجم النص العربي الصحيح للسف إن هناك الكثير من الترجمات لبعض المؤلفات العربية التي أجريت خارج أوروبا باللغات الأوروبية لا تمتلك هذه المفاتيح الضابطة للفظ السليم وهي تؤدي إلي عدم مقدرة الباحث الاوروبي علي قراءة الأسماء والعناوين الهمة يتقيد المستشرقون البولنديون بأحرف الضبط اللفظي المقررة من قبل المنظمة العالمية للمعايير Intenahouat Stauda (ISO) neah’an Orgauiratiou لقد تعاملنا والنقد في الأدب العربي منذ قيامه المبكر فالأدب العربي القديم أي أدب القرن السادس الميلادي قد جمعه الادباء العرب في القرن الثامن وبعد مائتي منذ لحظة ظهوره أشيع علي يد حماد الرواية وتم إكمال ذلك في القرن العاشر علي يد التبريزي ، لذلك فإن الأدب العربي القديم أصبح معروفاً لدينا وفق الصورة التي رسمها علماء الأدب العربي يعود الفضل في نشر القصائد العربية القديمة في بولندا إلي البروفيسور يانوش دانتسكي من جامعة وارسو ، فقد وضع كتابين مكرسين للشعر العربي التقليدي : أولهما بعنوان الشعر العربي منذ القرن السادس وحتي القرن الثامن الصادر عن دار النشر العلمية الشهيرة أوسولينسكي في مدينة فروتسلاف عام 1997 ، ومن بين امرئ القيس عمر ابن كلثوم الحارث بن حلزة زهير بن ابي سلمي عنترة بن شداد الخنساء قيس ابن الملوح، جميل بثينة عمر بن أبي ربيعة الأخطل الفرزدق أبي نواس ابي العتاهية ابن الرومي وفيه ترجمة لبعض السور القصيرة من القرآن الكريم .
ثانيهما يحمل عنوان الشعر في العصر العباسي (القرن الثامن – القرن الثالث عشر ) وهو صادر في وارسو عام 1988 ، ويتضمن قصائد بشار بن برد ابي تمام البحتري ابن المعتز المتنبي ابي العلاء المعري هذان العملان كلاهما يحتويان علي مقدمة بقلم البروفيسور دانيتكسي الذي كتب في إحداها :
من المحتمل أنه في نهاية القرن الخامس ومطلع القرن السادس الميلادي ظهر بين القبائل البدوية التي سكنت شبه الجزيرة العربية الشعر الذي كان له أن يستمر في البقاء حوالي الف وخمسمائة سنة دون أن يغير شكله تقريباً .
إن الفضل في هذا النجاح الذي حققته إيداعات الرحل البسطاء يعود إلي الحضارة الإسلامية فالإسلام سخر لنفسه تقاليد اللغة العربية – لغة القرآن الذي لم يكن محل اعتماد الأعمال الأدبية وحسب وإنما كان أيضاً مصدر اعتماد النظام الديني والاجتماعي والسياسي .
وهنا نري كيف يعلق دانتسكي علي الشعر العربي القديم والكلايكي يشير أولاً إلي اللغة العربية التي لم تعتريها تغيرات كبيرة خلال قرون كثيرة ووفقاً له فإن الصيغة المكتوبة للعربية بقيت كما هي علي الدوام ، فالاختلافات بين عربية القرن السادس وعربية القرن العشرين تتلخص بصورة أساسية بظهور مفردات جديدة حتي الحرب العالمية الثانية – عندما بدئ تحت تأثير الشعر الغنائي الأوروبي بتحطيم القوالب القديمة في الشعر – ظل الالتزام الفعلي بشكل القصيدة المبني وفق أحكام محددة مترابطة يشمل الأوزان العروضية ( بحور الشعر العربية ) ووحدة البيت والقافية .
إن الأستمرار في الكتابة بهذه القوالب اشعرية يشكل إلي حد ما نوعاً ما من تطور الشعر منذ القرن الثاني عشر عندما تصاعد تأثيره في نمو الشعر الإسلامي الفارسي التركي وحتي الأوردو .
لم يتأثر نموذج الشعر الغنائي الذي نشأ بين بدور الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام ، هذا الشعر الذي كون لنفسه شكلاً مميزاً لم يتأثر بالخارج إلا بصعوبة سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون بكاء الحبيب وصف الجمل والصحراء كل هذه الموضوعات متكررة سواء في الأعمال التي ظهرت في القرن السادس أو تلك التي ظهرت في القرن الثامن في بلاط قصور بني أمية ، أو في القرن التاسع في قصور الخلفاء العباسيين أو حتي متأخراً في قرطبة العربية ولكن هذا لا يعني أن الشعر العربي منذ البداية وحتي النهاية كان جامداً فالحضارة الإسلامية فتحت أمامه أفاقاً واسعة وإمكانيات ضخمة لتطوير موضوعاته التي علي أسسها ترسخت الأشكال البدوية في البداية تطور الشعر العاطفي الغنائي كان النسيب شكله حيث ظهر في مقدمة القصيدة الكلاسيكية يقف الشاعر البدوي علي الأطلال فيبكي علي الآثار الباقية بعد رحيل الحبيب متذكراً الأماكن التي كانت تظهر فيها حبيبته لم تظهر الذكريات علي الغالب في جو من البكاء المؤسي الفاجع ، بل كثيراً ما كانت مناسبة للفخر بغراميات البطل الخاصة وقد بدأ هذا الغرض يأخذ بالاتساع تدريجياً حتي شمل غراميات القصور انقسم الشعر العاطفي في العصر الأموي إلي بدوي مثله العشاق ذائعو الصيت قيس ولبنة وجميل وبثينة من قبيلة عذرة ، وإل يمدني مثله عمر بن ربيعة وقد تطور غرض الوصف في الشعر العربي بشكل مماثل في العصر الجاهلي تخصص بطبيعة الجزيرة العربية وكانت مادة الوصف صورة الظبي والغزال والنعام والضبع وفي العصور اللاحقة ، خاصة في العصر العباسي اتسع موضوع الوصف حتي وصل إلي تصوير قصور الحكام وبساتينها الرائعة ينبغي القول هنا ، أن شتي أغراض القصيدة التقليدية القديمة توفرت لها إمكانيات كاملة متساوية للطور ومنها المديح والهجاء والرثاء ، سخر المديح لأصحاب الجاه والسلطة والمال وذلك بهدف تلقي الهبات المالية منهم أما الهجاء فوجه ضد الخصوم الخاصين أو ضد الحكام لقد ظهرت أيضاً أغراض جديدة في مسار الشعر مثل الفلسفة والتنسك والتزهد أو التصوف Mysyicism أيضاً كل هذه الأغراض أعطت إمكانيات إبداعية واسعة نتج عنها أن الشعر وخلال سبعة قرون ( منذ القرن الخامس حتي القرن الثاني عشر ) أبدع ديواناً متنوعاً ممتعاً شائقاً ومميزاً وإذا أضفنا إلي ذلك كله العودة المستمرة للشعراء إلي أعمال أسلافهم يظهر لنا مدي تميز الشعر العربي فقد نجح خلال الألف وخمسمائة عام في أن يقف في تقاليد واحدة ساهمت في إغنائه باستمرار .
المستغرب البولندي البارز يوسف بيلافسكي 1910 – 1997 أول من كتب باللغة البولندية تاريخ الأدب العربي معتمداً علي مصادر عربية في البداية صدر في وروتسلاف عام 1968 بعنوان تاريخ الأدب العربي في مرة ثانية صدر في وارسو عام 1995 بعنوان الأدب العربي الكلاسيكي .
يقول بيلافسكي أن الأدب العربي ، مثله مثل كل الآداب الأخري كان مرآة تعكس المتغيرات التي اجتاحت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للعرب ، يتحدث المؤلف بشكل أساسي عن الأدب التقليدي العربي ، إلا أن القسم الأخير من هذا الكتاب مكرس للأدب المعاصر يحمل عنوان ، الأدب العربي الحديث ، لقد قسم بيلافسكي تاريخ الأدب الكلاسيكي إلي مراحل عدة تتناغم ومراحل تاريخ العرب فالمرحلة الأولي إذن هي مرحلة ما قبل الإسلام أو العصر الجاهلي الذي ظهر فيه الشعر القديم المرحلة الثانية هي فترة القرن الإسلامي الأول – عصر بني أمية الذي يصل حتي منتصف القرن الثامن المرحلة هي زمن حكم العباسيين الذي دام رسمياً حتي منتصف القرن الثالث عشر .
المرحلة الرابعة – مرحلة العصر المملوكي في مصر وسورية منذ عام 1258 وحتي 1517 م وهي فترة بدء الانحطاط التدريجي وبدء غروب شمس الأدب الكلاسيكي وأخيراً عصر النهضة أو البعث بعد أربعة قرون من تسلط الحكم العثماني التركي ، من الضروري القول أيضاً أن بيلافسكي خص القرآن الكريم بحيز كبير من كتابه وتاريخ الأدب وقد ترجمه إلي اللغة البولندية فطبع مرتين : أول طبعة صدرت في وارسو 1986 م ، أما الثانية فصدرت عام 1997م وعدا ذلك أصدر هذا المؤلف الذي يعد أكبر شخصية في مجال العلوم الإسلامية في بولندا كتاباً بعنوان الإسلام دين دولة وقانون ، طبع في وارسو عام 1972 م ، وكذلك أصدر كتاب الإسلام الذي طبع في وارسو عام 1980 م .
يؤكد البروفيسور بيلافسكي أن بولندا التي ارتبطت منذ زمن بعيد بعلاقات حميمة مع العالم العربي أظهرت اهتماامً كبيراً بالقرآن الكريم خلال فترة طويلة من الزمن ، إن أول من نقل هذا الكتاب المقدس كاملاً إلي اللغة البولندية هو ميجاتاراك – بوتشافسكي ، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر يذكر بيلافسكي الصعوبات الجمة التي اعترضته في عملية الترجمة فلا يمكن ترجمة القرآن إلي لغة أخري وفي الوقت نفسه الحفاظ علي قيمته الكاملة ، ولا يمكن لأية لغة باستثناء العربية أن تستوعبه بشكله ونصه الصحيحين اللذين يعتبران محل اعتزاز العرب .
من الصعوبة بمكان نقل التعابير الكثيرة التي تحتمل معنيين والكلمات الصعبة التي ترسم صوراً بديعية ومقارنات مجازية موجودة في النص القرآني الذي يعطي جوار روحياً للأخلاق العربية والإسلامية ومن الصعوبة بمكان إعطاء الخصوصية الايقاعية والسجعية التي تأسر العرب عند ترتيل الذكر الحكيم لذلك حاول يوسف بيلافسكي وضع النص العربي خلال الترجمة في كلام بولندي واضح قدر الإمكان محافظاً بذلك علي أمانة محتوي النص الأصلي .
يوسف بيلافسكي ومجموعة من الأساتذة في جامعة وارسو مثل : كريستينا سكار جينسكا بوخينسكا يولانتا ياشنسكا ، يولانتا كوزلوفسكا وايفا ماخوت – مندتيسكا وضعوا كتاباً ذا طابع أدبي تاريخي تكميلي يتأل من جزئين بعنوان س” الأب العربي الحديث والمعاصر ” ( أدب المشرق العربي ، وارسوا 1978 م ، أدب المغرب العربي 1989 م ) ، وهو بحث تعريفي بالأدب العربي المعاصر يشمل معظم أقطار العالم العربي .
عندما وضع بيلافسكي نصب عينيه مهمة شاقة كهذه كان واعياً كما يؤكد في المقدمة – أن مؤلفاً كاملاً يضم كل الأدب العربي الجديد والمعاصر لم ير النور حتي الأن بسب عدم وجود عمل كهذا في الأعمال الكتابية الاستشراقية وفي اللغة العربية علي حد سواء مع العلم أن دراسات كثيرة قد خصصت لهذا الغرض وهي تشهد علي اهتمام علماء الأدب العرب في مختلف البلاد العربية وخاصة في مصر ولبنان وسورية والعراق بهذا المجال .
لتبيان خصائص العالم العربي المعاصر ، بدئ الكتاب بمقدمة تاريخية موسعة أشير فيها إلي تحديد المراحل الأكثر أهمية في تطوره التاريخي حتي اللحظة التي تحرر فيها من التأثيرات السياسية الأجنبية وتشكل في مجموعة من الدول المستقلة ، القسم الأساسي من هذا العمل الذي يتألف من 1398 صفحة مكرس للأدب العربي الذي وصف بالحديث الذي ولد في خضم التأثير القوي للآداب الأوروبية وخاصة الأدبيين الانكليزي والفرنسي إن القرن التاسع عشر بالنسبة للأدب العربي كان – حسب بيلافسكي – زمن الصراع بين التقاليد وبين الحداثة ، أما أدب القرن العشرين ، وخاصة ذلك الأدب الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية بانت فيه ملامح الأصالية .
القسم الأول من العمل يختص بالمشرق العربي وهو مكرس للأدب المعاصر في مصر والسودان وسورية ولبنان والعراق والأردب وفلسطين ، ونجد فيه معلومات عامة جداً عن موضوعات الأدب في المملكة العربية السعودية والكويت واليمن يؤكد الأستاذ بيلافسكي بشكل قاطع أن القرن العشرين يعني بالنسبة لحركة التأليف العربية الدخول في بوابة مفهوم ، الأدب الرائع حسب المنطوق الاوروبي وهو يعني أيضاً ظهور الأدب التخيلي ونشوء أجناس وأنواع جديدة لم يعرفها الأدب العربي القديم مثل الرواية والمسرحية ومختلف أساليب القصص الحديثة وشتي الأشكال اشعرية الجديدة ويفضل ذلك تمثلت في الأدب العربي المعاصر كل التيارات والاتجاهات والنزعات المعروفة في تاريخ الآداب الأوروبية وهكذا نجد الرومانسية الرمزية الواقعية ، الوجودية ، الرواية اليومية ، اي (الحياتية) والنفسية أي (السليكولوجية) ونري إلي جانب الشعر التقليدي العمومي المقيد بالوزن والقافية الواحدة الشعر الحديث الحر ، وشعر التفعيلة والشعر المنثور أيضاً لقد سعي بيلافسكي ومعاونوه أن يقدموا الادب العربي المعاصر برغم غرابته بالنسبة للقارئ البولندي ، بأسلوب واضح ومفهوم معتمدين غالباً علي ما يماثله في الآداب الأوروبية وخاصة فيما يتعلق بشرح تيارات ونزعات أدبية مختلفة لها إمتداداتها في الأدب المعاصر بالعالم العربي .
القسم الثاني أدب المغرب العربي ، ويخص بلدان المغرب العربي ويحتوي علي شرح خصائص الأدب في تونس والمغرب وليبيا والجزائر إعداد هذا المجلد تافق مع ظهور العديد من العقبات بوجه المؤلفين وذلك بسبب عدم وجود أعمال متكاملة سواء الأصلية منها او الدراسات المكرسة لها ، ويجب التأكيد هنا علي أن هذا الأدب ما زال فتياُ حيث أخذ في النمو ، بشكل حر بعد الحرب العالمية الثانية فقط عندما نالت هذه الدول استقلالها يبدأ هذا الكتاب بمقدمة تاريخية تسبق الدراسة الأدبية فيه ، هذه المقدمة تبدو ضرورية جداً لفهم أفضل للثقافة والأدب المعاصرين في دول المغرب ، غاية هذا العمل إعطاء لمحة عن الظواهر الأساسية للمسار الأدبي التاريخي لأدب هذه الدول وترتيبها ووصفها وكذلك إعطاء القارئ البولندي بانوراما موسعة عن الحياة الأدبية لتلك البلدان ومبدعيها البارزين.
ظهرت في بولندا أيضاًَ عدة مؤلفات نقدية مكرسة للأدب العربي لكن وبسبب ضيق الوقت ساقتصر علي تحديد بعض خصائصها العامة من هذه المؤلفات ما نشره الأستاذ تاديوش كوفالكسي بعد الرحب العالمية الثانية بعنوان ديوان كعب بن زهير ، الصادر في كراكوف عام 1950 م ، يضم هذا الكتاب منشورات نقدية لديوان الشعر الذي قدمه السكري 827 – 888 حيث كان أساس الطبعة مخطوطة يدوية ترجع إلي عام 533 للهجرة ( حوالي 1138 م ) هذه المخطوطة عثر عليها المستشرقان الألمانيان ستوسينا وبريما خلال رحلتهم البحثية في الشرف الأوسط .
البروفيسورة ماريا كوفالسكا نشرت كتاباً في مجال أدب الرحل العربي في القرون الوسطي ( صدر في وارسو – كراكوف 1973 ) تتحدث الكاتبة فيه عن شخصيات وأعمال الرحالة العرب البارزين في القرون الوسطي وتعدد المظاهر المتنوعة التي تشكل أجناساً أدبية ضمن أطر هذا الأدب المسمي بأدب الرحلات . من بين هذا يوجد أعمال ذاتا طابع وثائقي خالص ، وكذلك أخري مفعمة بجرعة كبيرة من الخيال بهذه الطريقة عبر التطور المتواصل له وصل أدب الرحلات العربي إلي القمة شكل الوصف الكلاسيكي للترحال وقد برز كتاب كثيرون في هذا الميدان منهم : ابن بطوطة وابن جبير .
العمل الثاني لهذه المستعرية ترجمة وتحليل رحلة ماكريوس لبولس ابن ماكاريوس ، والتعليق عليها بكتاب يحمل عنوان أوكرانيا في منتصف القرن السابع عشر بسرد الرحالة العربي بأول ابن مكاري من حلب ( صدر في وارسو 1986) .
نشرت البروفيسورة كريستينا سكارجينسكا بوخينسكا دراسة موسعة مخصصة للشعر التونسي الحديث بعنوان التقليد والحداثة في الشعر التونسي المعاصر (صدرت في وارسو 1980 ) تبرز الباحثة مسار الشعر التونسي المعاصر وتحللها من منطلقين اثنين : منطلق التقاليد ومنطلق الحداثة وتبين الأساسات المختلفة للشعراء وفق منظور تقاليدهم الثقافية بادئة بالذين يأخذون بالتقاليد كاملة مارة بالذين يجهدون بملاءمتها وبتطيعمها بالحداثة ومنتهية بالذين يرفضون التقاليد التراثية بكاملها ، في عام 1995 م ظهر العمل الثاني لهذه المستشرقة بعنوان ” أدونيس : مساحات ، أفكار ، مشاعر ، يتضمن مقالات عن إيداعات هذا الشاعر اللبناني المقيم في باريس .
في مجال المسرح العربي المعاصر تبحث ايفا ماخوت – مينديتسكا – حيث نشرت عام 1984 الدراما المصرية المعاصرة 1870 – 1975 ، هذا الكتاب يشمل مرحلة نشوء الدراما كفن أدبي وتطورها وإزدهارها في مصر ، ولها كتاب آخر يحمل عنوان الاتجاهات الأساسية في تطور الدراما العربية ( صدر في وارسو 1992 ) هدف المؤلفة منه تصنيف أهم الاتجاهات في المسرح العربي المعاصر .
الدكتورة باربارة ميخالاك – بيكولسكا صاحبة مؤلفين باللغة العربية أولهما التراث والمعاصرة في أبداع ليلي العثمان ( صدر في دمشق 1997 ) ، وقد خصص لواحدة من أهم الكاتبات الكويتيان وهي ليلي العثمان ، ثانيهما يحمل عنوان ثريا البقسامي بين الريشة والقلم ، ( صدر في الكويت عام 1997 ) وهو مكرس للكاتبة وللرسامة الكويتية البارزة ثريا البقسامي وهناك كتاب موسع تقدم فيه المؤلفة القصص الكويتي من كل جوانبه وقد صدر باللغة الأنكليزية في كراكوف في السلم والحرب (1929 – 1995) وفيه نجد نبذة عن فن القصص الكويتي منذ عام 1929 عندما ظهرت أول قصة كويتية ، وحتي عام 1990 بالغزو للكويت وأخيراً أود الإشارة إلي أمر بالغ الأهمية وهو موضوع للترجمة الأدبية التي تتمم بحوث المستعريين البولنديين في علوم الآداب وأواد التأكيد هنا علي أن القارئ البولندي يمكنه الآن الإطلاع علي مئات من أعمال الكتاب والشعراء العرب الكلاسيكيين والمعاصرين ومن بين هذه الأعمال نجد روايات وقصص توفيق الحكيم نجيب محفوظ ، طه حسين ، يوسف أدريس ، غادة السمان ، جبران خليل جبران ، أميل جيبي ، غسان كنفاني ، ليلي العثمان وآخرين .
ونجد كذلك ترجمة المعلقات العربية القديمة باللغة البولندية ونعثر علي انطولوجيا موسعة في الشعر العربي منذ القرن ال سادس وحتي القرن الثالث عشر وانطولوجيا أخري عن الشعر المعاصر بعنوان أغاني الغضب والحب .
هوامش
1- Michal Glowinsk , Teresa Kostkiewic – Zowa , Aleksandra Okopien – Slawinska , Ja Slawinski , terminow lite – , nusz Slawinski Wroclaw قاموس المصطلحات الأدبية rackch , 1998 الطبعة الثالثة ، ص 264- 265
[1] رئيس قسم الدراسات العربية في جامعة باجيلوفسكي – كراكوف – بولندا .
23/01/2011 @ 8:06 م
Thanks for an idea, you sparked at thought from a angle I hadn’t given thoguht to yet. Now lets see if I can do something with it.