نبوءة شعر – إيمي سيزير

نبوءة – شعر الشاعر الفرنكوفوني :

إيمي سيزير

ترجمة: د.هدية الأيوبي*

هنا..

حيثُ مازالَ للمغامرة عينان صافيتان

هنا..حيثُ تشعُّ النساء بكلماتهنّ

هنا.. حيث يحلو الموتُ  كعصفور في اليد

موسمُ الحليب

هنا..حيث يقطفُ السردابُ بركوعه أناقةَ


عيونٍ  أكثرَ عنفاً من الشرانق….

هنا..حيث الروعةُ الرقيقة ترمي سهمَها وتوقدُ نارَ كلَّ غابة

هنا.. حيثُ الليلُ القويُّ ينزفُ.. سرعةُ نباتات نقية

هنا.. حيث نَحْلُ النجوم يلسعُ سماءَ قفيرٍ

أكثرَ توقّداً من الليل

هنا حيث وقعُ نعلَيّ يملأ المكانَ ..ويكشفُ


الوجهَ المعكوسَ للزمن

هنا حيث قوسُ قزحِ كلماتي مُكلّفٌ أن يجمعَ الغد

بالأمل.. والأميرَ بالملكة

بعد أن لعنتُ  أسيادي .. و أفنيتُ جنودَ  السلطان

بعدَ أن عانيتُ في الصحراء

بعد أن صرختُ في وجه حراسي

بعد أن توسّلتُ أبناءَ آوى والضباعَ.. رعاةَ القافلة

أرى  دخاناً يهجم بهيئة حصانٍ بريّ إلى مقدمة

المشهد..يرفو الحمَمَ للحظةٍ..

بذيله الهشّ الطاووسيّ..ثم يمزّقُ

قميصَهُ .. يبدو صدرُه دفعةً واحدة..

أراه في الجزر البريطانية ..في الجموع..

في الصخور المفتتة..يذوبُ

شيئاً فشيئاً في بحر الهواء المنير

حيثُ تسبحُ نبوءاتُ

فمي

ثورتي

إسمي…

————

“البلورة الآلية”

آلو..آلو..ليلةٌ إضافية….لا يجدي البحث..هذا أنا

رجلُ المغاور..هناك الصراصير التي تخدر حياتَها

مثل موتها…هناك أيضاً ماءُ المستنقعات الأخضر

حتى غريقاً لن أكتسبَ هذا اللون..لأفكرَ فيك

وضعتُ كلماتي على قمم الورع…نهرٌ

من الزلاجات ..من السابحات .. في مجرى نهار أشقرَ

كخبزِ ونبيذ نهديك

ألو ..ألو ..

لو كنتُ معكوساً.. كبياضِ الأرضِ..لحلمتي نهديكِ لونُ

وطعمُ هذه الأرض

ألو الو ..ليلةٌ إضافية

هناك المطر وأصابع حفار القبور..

هناكَ المطر الذي يضع قدميه في الصحن ..

على السطوح هناك المطرُ الذي التهمَ الشمسَ بقضبانٍ صينية

ألو ..ألو تصاعد الكريستال هو أنتِ..هو أنتِ يا غائبةً في الريح ومستحمةً

في الديدان عندما يأتي السحَر.. أنتِ التي تشرقُ ساقيةُ عينيها على ميناء الجزر المتخلخل..وفي رأسي أنتِ زهرة “الماجي” المبهرة لاصطخاب النسور تحت التينة الهندية.

هامش

إيمي سيزير (Aimé Césaire)

هو شاعر وكاتب وسياسي فرنسي من المارتينيك.

ولد في 26 جوان 1913 بباس بوانت بالمارتنيك توفي في 17 أفريل 2008 بفور دو فرانس بعد صراع طويل مع مرض القلب. يعتبر إيمي سيزير أحد أبرز وجوه تيار “الزنجية” في الشعر الفرنكوفوني ورمزا للحركة المناهضة للاستعمار.

ولد إيمي سيزير في عائلة كبيرة وفقيرة شمال جزيرة المارتينيك. درس في ثانوية ” لوي لو غران” في باريس, التي تعتبر من أرقى المدارس الثانوية الفرنسية. التقى هناك بالشاعر والسياسي السنغالي ليوبولد سيدار سينغور والكاتب عصمان أوسي وأدرك عندها تهميش سكان الجزر الفرنسية والأفارقة، فاستعمل قلمه للدفاع عن المضطهدين والمستعمرين.

في عام 1934، أنشأ إيمي سيزير مع سينغور وعدد من الأصدقاء الأفارقة صحيفة “الطالب الأسود” فظهر للمرة الأولى مصطلح الزنوجة (négritude) وكانت حركة الزنوجة تهدف إلى تغيير من صورة الرجل الأسود المتواني غير القادر على الأخذ بزمام أموره بنفسه وبناء مستقبله. نجح في اجتياز مناظرة مدرسة الأساتذة العليا أحد أرقى المدارس الفرنسية والتي يدرس فيها إلا نخبة من الطلبة النابغين.

في عام 1935 نشر “مذكرات العودة إلى الوطن الأم” الذي يعد من أهم أعماله الأدبية قبل أن ينضم إلى الحركة السريالية بقيادة أندريه بروتون الذي أشرف على كتاب “الأسلحة العجيبة” لإيمي سيزير. ألف سيزير عددا من المسرحيات مثل “تراجيديا الملك كريستوف” (1963 حول الاستعمار) و”موسم في الكونغو” (1966 حول باتريس لومومبا). وفي الشعر ألف “الأسلحة العجائبية” و”الشمس المقطوعة العنق” كما كتب نثرا ونشرت له عدة كتب أبرزها “خطاب حول الاستعمار” الذي كان صرخة تمرد في وجه الغرب القابع على “أعلى كومة من جثث الإنسانية” و”رسالة إلى موريس توريز” الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي سابقا.

تزوج سنة 1937 من طالبة مارتنيكية وعاد إلى المارتنيك بعد تحصله على الإجازة في الآداب للتدريس في ثانوية شلوشر.

انضم إيمي سيزير للحزب الشيوعي وأصبح نائبا برلمانيا وعمدة لمدينة فور دو فرانس عام 1945. وبعد اثني عشرة سنة من الخدمة، ترك إيمي سيزير الحزب الشيوعي لينشأ حزبه الخاص باسم حزب التقدم المارتينيكي. وكان من أهم مشاريعه محاربة الاستعمار والعنصرية. وكان من أبرز المطالبين بالحكم الذاتي للمارتينيك وليس باستقلالها كما ساند الحركات الاستقلالية في دول المغرب العربي والهند والهند الصينية. غادر الساحة السياسية في عام 2005 بسبب مشاكل صحية بعد أن شغل منصب عمدة مدينة فور دو فرانس طوال 56 سنة.

في سنة 2005 رفض ايمي استقبال نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية بسبب مشرع قراره الذي يمدح الجانب الايجابي للاستعمار الفرنسي. قابله سنة 2006 عندما تم سحب مشروع القرار. خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 2007 أعلن دعمه لسيغولين رويال.

في التاسع من نيسان/ابريل 2008 توفي ايمي سيزير في المستشفى اثر تعرضه لمشاكل في القلب وتم اعلان وفاته في الساعة 05,20 بالتوقيت المحلي (09,20 توقيت غرينتش). دفن خلال جنازة وطنية شارك فيها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي اعتبر ايمي “رمز الامل لكافة الشعوب المضطهدة” عبر نضاله “من اجل الاعتراف بهويته وغنى جذوره الأفريقية” .

يعتبر إيمي سيزير رائداً للشعر الفرنكوفوني في جزر الأنتيل. كان اندريه بريتون أول من كشف عن أول ديوان لسيزير” دفاتر العودة إلى الأرض الأم”، من خلال نشره في مجلة “مدارات”. وقد حيّا سيزير فيما بعد كشقيق سوريالي وكواحد من أهم شعراء العصر.

شعره الملتزم لا علاقة له بالخطاب السياسي ويتخطى على نحو شاسع معركة الأنتيليين من أجل السيادة ليصبح نداء عالمياً من أجل الكرامة الإنسانية. تحدث في شعره عن مفهوم “الزنوجة” بطريقة أعادت للزنوج اعتبارهم وجعلتهم يفخرون بأصلهم. يتميز شعره بالصور الشعرية الغنية والاشتقاقات اللغوية الفريدة المستوحاة من الطبيعة المدارية البحرية. تجربته المميزة أغنت الشعر الفرنسي المعاصر.

…………..

*د.هدية الأيوبي: كاتبة ومترجمة لبنانية مقيمة في باريس.