كتاب ينسف أوهام اسلام جواسيس جدعون /أسرار العمليات القذرة .. سعد القرش

كتاب ينسف أوهام اسلام

جواسيس جدعون … أسرار العمليات القذرة

سعد القرش *

حين تنتهى من القراءة الأولى لهذا الكتاب , لابد أن يسيطر عليك شعور قوى بأن بالحجرة التى تجلس فيها أثرآ , أو شيئآ مازرعته الموساد لالتقاط أنفاسك وتسجيل ماتفكر فيه . بعد أن أحكموا سيطرتهم على العالم تماما واستطاعوا أن يكونوا قوة مؤثرة , ومشاركة بفعالية حتى فى الأحداث التى لايكون اليهود طرفآ فيها .

وفى القراءة الثانية سوف تعيد النظر فى هذا الشعور , لكن توثيق بعض عمليات الموساد القذرة , سيؤكد لك أن الأمر جد , ولامكان ولا وقت للمصادفة , يحمل الكتاب عنوانآ له سحر الأسطورة اليهودية “جواسيس جدعون ” Gide on,Spies  , وجدعون أحد الأبطال التاريخيين الذين خلدتهم أساطير اليهود فى التوراة وقد أنقذ إسرائيل من الأعداء باستخدام ذكائه , أما العنوان الفرعى للكتاب فهو ” التاريخ السرى للموساد ” The Secret History of Mossad  , ومؤلفه جوردون توماس :يهودى من أصل بريطانى , وقد صدر الكتاب فى نيويورك فى مارس الماضى وترجمه إلى العربية أحمد عمر شاهين ومجدى شرشر .

يستعرض الكتاب تاريخ الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية , منذ كانت “الدولة ” فكرة , إلى آخر أنشطة ” الموساد ” حين تعرضت هذه ” المؤسسة ” للفشل فى ثلاث عمليات متتالية : محاولة اغتيال خالد مشعل ممثل حركة حماس فى الأردن فى نهاية سبتمبر 1997 , والثانية فى الشهر التالى أكتوبر 1997 حين اكتشف أن أحد كبار ضباط الموساد كان يلفق مدى عشرين عاما – تقارير بالغة السرية يزعم تلقيها من عميل ” مزعوم ” لا وجود له فى سوريا وظل الضابط يحصل على أموال ضخمة باسم العميل الوهمى , أما آخر العمليات الفاشلة التى جعلت رئيس الوزارء السابق نتانياهو يقيل صديقه مدير الموساد السابق ” دانى ياتوم ” فهى فضيحة الموساد حين فشل فى اغتيال عبدالله زين ( أحد أبرز نشطاء حزب الله اللبنانى ) فى سويسرا .

فى هذه البانوراما يتوقف الكاتب أمام أبرز العمليات الناجحة , لتدليل على أن الموساد أخطر جهاز استخباراتى فى النصف الثانى من هذا القرن وأنه ” عين إسرائيل الدينى والسياسى ” فهو ينقل عن أحد منفذى العمليات القذرة وصفه للمخابرات السرية بأنها ” ثانى أقدم مهنة فى التاريخ , وهى مفتاح الفهم الكامل للعلاقة الدولية والسياسية العالمية والدبلوماسية وبالطبع الإرهاب ص 32, ثم يؤكد أن ” العلاقة بين العمل المخابراتى والجنس قديمة قدم الجاسوسية نفسها , ففى كتاب يشوع فى التوراة ورد أن الزانية ” رحاب ” أنقذت حياة اثنين من جواسيس يشوع من بطش رجال ملك أريما , وهذا أول ارتباط أزلى سجل بين أقدم مهنتين عرفتهما البشرية ص 199, ويقول أيضآ إنه ” كان لدى ” بن جوريون ” إحساس شبه دينى عن الطريقة التى ينظر فيها شعبة إليه لحمايتهم , بالسبيل نفسه الذى اتبعه قادة إسرائيل من قبل . لكنه كان يدرك أنه ليس نبيآ . إن محارب عنيد كسب حرب الاستقلال ضد عدو عربى يفوق عشرين ضعفآ . لم يكن هناك نصر كهذا . منذ قتل الصبى داود جوليات وطرد الفلسطينيين ” ص47.

وإذا كانوا هم قد تخلصوا من هذه الإشكالية , فمازلنا نحن العرب والمسلمين والمصريين – نعانى صراعآ نفسيآ تاريخيآ حضاريآ بين الدينى والتاريخى , فداود الصبى هو الذى أصبح فيما بعد النبى داود أو الملك داود الذى تمكن لأول مرة – من جمع شتات الذين خرجوا من مصر , وأقام دولة , وجالوت الذى أوردت الكتب المقدسة قصته مع داود كان يدافع عن أرض فلسطين وبقتل داود له عبر اليهود على دمائه ليحتلوا فلسطين فترة من الزمن القديم , يؤسسون عليها الآن حقآ تاريخيآ فى أن تكون لهم هذه الأرض وطنآ أبديآ , داود هذا النبى أوحى إليه , وعلمه الله منطق الطير ” ياجبال أوبى معه والطير ” بنص القرآن الكريم , فكيف نخرج من هذا المأزق ؟ سؤال لأنفسنا .

فى السطور الأولى قلت إن الكتاب يبعث على اليأس لكننى أوّكد أنه يؤدى مهمة لم يقصد إليها المؤلف , وهى إفاقة الذين أوهمهم الكلام الجميل عن السلام الوشيك , وضللتهم أضواء موائد اتفاقيات نساق إليها مكروهين أو مخدوعين , فإذا كانت بعض قنوات التليفزيون العربية قد بكت أوتباكت علىة إسحاق رابين , ووصفت اغتيال متطرف يهودى له بأنه اغتيال لحلم السلام مع إسرائيل , فإن رابين – هذا القاتل المحترف الحاصل على جائزة نوبل للسلام ! – ” هو نفسه اشترك فى أكثر من مناسبة فى عمل انتقامى وعلى الخصوص اغتيال نائب عرفات ” خليل الوزير ” أبوجهاد , كان رابين وقتها وزيرآ للدفاع حين اتخذ قرار الاغتيال ” ص119 , وحين سئل رابين –هو للوزراء بعد اغتيال الشيد الفلسطينى فتحى الشقاقى على أيدى تاموساد – أن يعلق على الحادث قال : بالتأكيد أنا لست حزينآ ” ص129 , وهو الذى أمر باغتياله ص125 , وبعد أربعة أيام اغتيل رابين فى تل أبيب فى 4 نوفمبر 1995 !

ينسف الكتاب الدعاوى التى حاولت الموساد ترويجها عن العملاء أو المتعاونين من الجنسيات الأخرى مؤكد أنها تكفل لهم الحماية , إلا أن مايحدث أنها تبيعهم بأيسر الطرق , فقد قتلوا روبرت ماكسويل فى بداية نوفمبر 1991 , بعد أن أحسوا بأنه سيمثل لهم قلقآ ما , كأن يفضح عملياتهم مثلا , ولم تشفع له عندهم المبالغ الهائلة التى أنفقها على تمويل بعض هذه العمليات والتى كان يسحبها من صندوق معاشات موظفى صحفه , وقد أعترف إسحاق شامير بهذه الخدمات بعد دفن ماكسويل فى إسرائيل ” لقد قدم الكثير لإسرائيل يفوق ما يسع ذكره اليوم ” كما قدموا عددآ من الفلسطينيين ضحايا لتغطية أعمال قذرة , أو بهدف تصفية حسابات مع إحدى الدول , انطلاقآ من مقولة كبيرهم رافى إيتان ” إذا لم تكن جزءآ من الحل , فأنت جزء من المشكلة ” ص83 . وهذا يتسق تمام من إرهاب دولة , أو مع سياسة جهاز ” شارك فى تكوين مصير إسرائيل ” ص74 , بل فى مصادر دول أخرى ومؤسسات ومثل هذه المؤسسة –  كالدولة – تعمل جيدآ فى أوقات الخطر والسلام الحقيقى يعنى نهايتها التلقائية , ولذا ” يرون فى الاغتيال جزءآ من العمل ” ص 113 .

كما أنهم على استعداد للتضحية بأى شئ وأى أحد , وإذا كانوا لايقبلون أن يعمل معهم إلا يهودى , فهم يغرون متعاونين من جنسيات أخرى وبمنطق عوزى ” لايجب أن تفكر فيه – العميل – على أنه بشر , إنه مجرد سلاح , وسيلة لتحقيق غاية مثل الكلاشينكوف تمامآ , هذا هو كل ما فى الأمر , وإذا تعين عليك أن ترسله إلى حتفه فلا تفكر فى الأمر , فالعميل دائمآ مجرد لاشئ , شخص تافه لاشأن له إنه لبيس إنسانآ بالمرة ” ص307 , وهذا لايختلف كثيرآ عن صراخ نتانياهو بطريقة هستيرية – بعد تنفيذ شهيدين من ” حماس ” فى 31 يوليو 1997- عملية انتحارية راح ضحيتها 15 إسرائيليآ وجرح 107 آخرين – قائلآ : أريد أن ينفذ ذلك وأريد اليوم قبل الغد ” ( ص 132 ) .

الآن ماذا فعلت أجهزة الاستخبارات العربية مجتمعة , وهل تصل ميزانية هذه الأجهزة إلى نصف ميزانية الموساد , فى الوقت الذى تظل الساحة الدولية ملعبآ جاهزآ , تحل فيه المعلومات محل أنشطة شركات وهيئات أخرى وهل من الذكاء أن نصر على التفرقة بسذاجة – بين ماومن ” هو يهودى , وما ” ومن ” هو صينى ؟