ابني المتعصب حنيف قرشي ترجمة طلعت الشاب
بدأ الأب يتسلل إلي غرفة نوم ابنه ويدخلها خلسة دون علمه يظل بها الساعات الطوال بحثاً عن دليل .. عن مفتاح لذلك اللغز أشد ما يحيره هو أن علي أصبح شخصاً منظماً أكثر من ذي قبل وبدلاً من الفوضي والملابس والكتب ومضارب الكريكت وألعاب الفيديو الملقاة هنا وهناك كالعادة تبدو الغرفة مرتبة كماظهرت المساحات الخالية مكان الفوضي المعهودة .
في البداية كان “برويز سعيداً فابنه قد بدأ يشب عن الطوق ويكبر علي توجهات المراهقة ولكن برويز وجدحقيبة ممزقة ذات يوم بجوار سلة المهملات وكانت الحقيبة تحتوي علي لعب وديسكات كمبيوتر وأشرطة فيديو وكتب وملابس جديدة اشتراها الولد منذ شهور قليلة كما تخلي علي ودون سبب مفهوم ، عن صديقته الإنجليزية التي كانت عادة ما تجئ إلي البيت وأصدقاء علي القدامي توقفوا عن الاتصال به ولكن برويز ولأسباب يعجز عن فهمها – لم يكن قادراً علي إثارة موضوع سلوك علي الغريب يدرك أنه أصبح يخشاه إلي حد بعيد فهو أما صامت لا يتكلم وإما حاد اللسان لو قال له برويز مثلاً ولو في ملاحظة عابرة : ” لم تعد تعزف علي الجيتار ” سوف يكون رده عليه غامضاً وقاطعاً بعبارة مثل هناك أشياء أكثر أهمية ينبغي علينا القيام بها إلا أن برويز لا يريد أن يظلم ابنه ويعتبره قد أصبح غريب الأطوار فهو يعرف الكثير عن المشكلات التي وقع فيها أبناء رجال آخرين مثله في ” لندن ” وهكذا من أجل علي كان الرجل يعمل ساعات طويلة وينفق الكثير علي تعليمه لكي يصبح محاسباً اشتري له ملابس جديدة وجهاز كمبيوتر وكل ما يريد من كتب ولكن الولد يتخلص الآن من ذلك كله ، بعد الجيتار كان التلفزيون والفيديو – وسرعان ما أصبحت الغرفة خاوية بالفعل حتي الجدران أصبحت ملأي بالبقع الباهتة التي نزعت الصور من فوقها .
برويز لا ينام أسرف في الشراب حتي في ساعات العمل ثم أدرك أن من الضروري بحث الأمر مع صديق حميم برويز سائق سيارة أجرة منذ عشرين عاماً نصف هذه الفترة تقريباً وهو يعمل لدي نفس الشركة ومعظم السائقين هنا من البنجاب .. مثله جميعهم يفضلون العمل ليلاً حيث الطرق أهدأ والدخل أفضل والحقيقة أنهم يقضون النهار في النوم تجنباً لزوجاتهم ويعيشون معا هنا في مكتب الشركة مثل العزاب ، يمزحون ويلعبون الورق ويتبادلون النكات والقفشات والحكايات الخليعة يأكلون معاً .. ويتكلمون في السياس ومشكلاتهم الخاصة ولكن برويز لا يستطيع أن يفتح موضوعه مع أصدقائه يخجل من لك كما أنه خائف من تأنيبهم ولومهم له علي ذلك التحول الذي طرأ علي أبنه مثلما كان يؤنب الآباب الآخرين ويلومهم علي مرافقة أبنائهم للبنات وإهمالهم دروسهم والتحاقهم بالعصابات.
علي مدي السنوات كان برويز يفاخر الآخرين بتفوق ابنه في الكريكت والسباحة وكرة القدم وفي دراسته وحصوله علي التقديرات النهائية في معظم المواد فهل كثير عليه الآن أن يحصل علي وظيفة جيدة ويتزوج فتاة مناسبة ويكون أسرة؟! لو حدث ذلك لأصبح برويز أسعد إنسان في الوجود ولتحققت أحلامه من العمل في إنجلترا .. ولكن فيم أخطأ ؟
وذات ليلة وبينما هو جالس في مكتب سيارات الأجرة مع أقرب صديقين له يشاهدون فيلماً لـ سيلفستر ستالوني خرج برويز عن صمته وقال لا أستطيع أن أفهم .. كل شئ يتسرب من غرفته لا يمكنني أن أتكلم معه ، كنا أكثر من أب وابن كنا أخوين كيف ضاع مني هكذا ؟! واين .. ؟ ثم وضع رأسه بين كفيه . وبينما هو يفيض بما في داخله كان الرجلان يهزان رأسيهما ويتبادلان نظرات من يعرف الحقيقة ومن تلك النزرات أدرك برويز أنهما قد فهما الموقف فسأل خبراني ما هذا الذي يحدث ؟ وجاءت الإجابة : لقد خمنا أن هناك شيئاً خطأ .. يبدو أن “علي” يتعاطي المخدرات وهو يبيع أشياءه لينفق علي ذلك ..وهذا هو سبب فراغ الغرفة .
– ماذا أفعل إذن ؟
أصدقاء برويز نصحوه بأن يراقب “علي” بدقة ويتشدد معه قبل أن يصاب بالجنون أن يتناول جرعة زائدة تنهي حياته ، أو يقتل هو شخصاً آخر .
وفي هاء الصباح الباكر كان برويز يترنح رعباً .. ربما كان صديقاه علي صواب ! هل يمكن أن يتحول ابنه إلي مدمن ..
قاتل … ؟!
وعندما رأي بتينا جالسة في سيارته هدأ خاطره زبائن آخر الليل عادة من العمال أو بنات الليل وسائقو سيارات الأجرة يعرفونهم جيداً ، يقومون بتوصيلهم إلي أماكن عملهم ، ثم يوصلون البنات إلي مساكنهم .. رغم أن بعضهن قد يجئن لتناول الشراب في المكتب ..وأحياناً كان السائقون يخرجون معهن ، ” ركوبه في مقابل ركوبة “.. كانوا يعتبرون المسألة هكذا !
بتينا تعرف برويز منذ ثلاث سنوات كانت تسكن خارج المدينة وفي طريق توصيلها كان يحدثها وهي جالسة بجواره عن حياته وآماله كما كانت هي تحدثه عن حياتها . في معظم الليالي تقريباً يلتقيان ..وقد يتحدث معها في أشياء لا يتحدث فيها مع زوجته ، كما كانت بتينا تحكي له عن نشاطها الليلي .
” برويز ” يحب أن يعرف أين كانت .. ومع من .. وكان قد أنقذها ذات مرة من زبون عنيف ، ومنذ ذلك اليوم أصبح كلاهما يهتم بشئون الآخر ..
” بتينا ” لم يسبق لها أن التقت بابنه وأن كانت تسمع عنه باستمرار ، وعندما أخبرها ” برويز ” بالأمس بشكه في أنه كان يتعاطي المخدرات لم تسارع باتهام الولد ولا بتكذيب الرجل وإنما راحت بشكل عملي تخبره بما يجب عليه أن يفعله .
قالت : كل شئ يظهر في العينين تجدهما حمراوين والبؤبؤ واسع ، ولابد أن يبدو عليه الإرهاق ويعرق بغزارة وحالته النفسية منقلبة بدأ ” برويز ” سهرته هادئ البال إلي حد ما فهو يعرف الآن سبب المشكلة علي الأقل . شعر بالأرتياح .. بفضل
” بتينا ” استطاع أن يحصر المسألة راح يراقب كل شيئ يضعه الولد في فمه وينتهز كل فرصة ليجلس إلي جواره وينظر في عينيه ويمسك بيده اليمني كلما أمكن ذلك ليتحسس درجة حرارته . وعندما يغيب الولد عن المنزل يدخل غرفته ليفتش تحت السجادة وفي الأدراج وخلف الخزانة الخاوية … ينظر ويتشمم ويبحث ، ويعرف ما يبحث عنه فقد رسمت له ” بتينا :” شكل الكبسولات .
والسرنجات والأقراص ووصفت له البودرة كل شئ .. كل شئ .. وكانت نتظره كل ليلة لتعرف الأخبار .
بعد أيام قليلة من المراقبة المستمرة ، قال ” برويز ” إن الولد يبدو في صحة جيدة رغم تركه للرياضة وإن عينيه صافيتان ، وإنه لم يجفل من نظراته كما كان يتوقع … وعلي العكس .. كان الولد في حالة يقظة دائمة وتوازن تام .. وإلي جانب عناده ، وربما باللوم لدرجة أن ” برويز بدأ يشك في أن يكون هو المخطئ وليس الولدج ، سألته “بتينا ” هل هناك أي تغيرات جسمانية ؟
وبعد لحظة قال : لا ! ولكنه أطلق لحيته وذات ليلة بعد أن جلس معها في مقهي ليلي يسهر حتي الصباح عاد ” برويز ” إلي منزله متأخراً كان هو و بتينا قد تخلياعن تفسيرهما الوحيد .. تعاطي الولد للمخدرات ، لأن برويز لم يجد شيئاً من ذلك في غرفة علي كما أن الولد لا يبيع أشياءه وإنما يرميها أو يتبرع بها للجمعيات الخيرية ، وبينما هو يقف في الصالة سمع جرس المنبه الخاص بأبنه ينطلق فأسرع إلي غرفة نومه حيث كانت زوجته ما تزال مستيقظة تخيط بعض الملابس في السرير طلب منها أن تجلس وألا تحدث أي صوت رغم أنها لم تقم من مكانها ولم تنطق بكلمة .
ومن المكان الذي يقف فيه وبينما هي تراقبه رأي برويز ابنه من خلال فرجة الباب اتجه الولد نحو الحمام ليغتسل وعندما عادة إلي غرفته قطع برويز الصالة قفزا ووضع أذنه علي باب “علي” ومن الغرفة كان صوت همهمة .. بينما “برويز” مرتبك ولكنه هادئ وبمجرد ظمهور هذا الخيط الجديد راح برويز يراقبه في أوقات أخري الولد يصلي عندما يكون في المنزل يصلي خمس مرات في اليوم .. بدقة وانتظام ..
” برويز نشأ في لاهور حيث يحفظ جميع الأولاد القرآن الكريم ولكي يمنعه المقرئ من النوم أثناء الدرس ربط رأسه بخيط يتدلي من السقف فإذا سقط رأسه إلي الأمام يستيقظ فجأة .. بعد هذه المعاملة المهينة كره ” برويز ” الأديان .. التي لم يكن غيره من السائقين يكنون لها أي احترام أيضاً ..والحقيقة أنهم كانوا يرددون النكات البذيئة عن رجال الدين الذين يسيرون بعمائمهم فوق رؤوسهم ولحاهم أمامهم معتقدين أنهم يهدون الناس بينما عيونهم تتفرس وجوه الأولاد والبنات بنهم .
وصف ” برويز ” لها اكتشافه أما الاصدقاء الذين كانوا فضوليين قبل ذلك فقد أصبحوا صامتين بشكل غريب من الصعب أن يدينوا الولد بسبب العبادة أما “برويز ” فقد قرر أن يأخذ إجازة هذه الليلة ليخرج مع الولد .. ربما أمكن أن يناقشا الأمر معاً .
كان يود أن يسمع منه كيف تسير أموره في الكلية ويكي له عن أهلهم في باكستان والأهم من ذلك كله أنه كان يريد أن يفهم كيف اكتشف “علي ” الأبعاد الروحية علي حد تعبير “بتينا ” .
ولدهشة الأب رفض الولد أن يخرج معه ، زعم أنه كانت مرتبطاً بموعد ولكن برويز أصر علي أنه لا يوجد أي موعد أهم من موعد أب وابنه .
وفي اليوم التالي ذهب برويز مباشرة إلي الشارع حيث كانت ” بتينا ” تقف تحت المطر وهي تلبس حذاء عالي الكعب وتنورة قصيرة فوقها معطف طويل تفتحه للسيارتا المارة من أمامها .. لعل وعسي !
قال : أركبي .. أركبي .. وانطلقا عبر سبخة ، ثم ركنا السيارة في منطقة معشبة كانا في أيام أفضل من هذه يستلقيان هناك ، حيث لا يعوق الرؤية شئ من بعيد سوي بعض الخيول والغزلان .. كان يستلقيان بعيون شبه مغمضة وهما يقولان : هذه هي الحياة ! ولكن ” برويز ” يرتعد هذه المرة فوضعت بتينا يديها حوله :
– ماذا حدث ؟
– لقد مررت بأسوأ تجربة في حياتي .
وراح – بينما كانت تداعب شعره – يحكي لها أنه ذهب مع “علي ” إلي أحد المطاعم في اليوم السابق وبينما هما يقرآن قائمة الطعام أحضر له “الجرسون ” – الذي كان ” برويز ” يعرفه – كأس الويسكي المعتاد وزجاجة الماء ، كان برويز مشدود الأعصاب وكان قد أعد سؤالاً لابنه . يريد أن يعرف من ” علي ” إن كان قرب الامتحانات هو سبب تورته وبعد أن فك ربطة العنق قليلاً لكي يسترخي بعض الشيئ وبعد أن تناول شيئاً من المشهيات الموجودة أمامه ، ارتشف رشفة طويلة من كأسه .. ولكن ” علي ” قطب جبنيه قبل أن ينطق والده بكلمة وقال : ألا تعرف أن شرب الخمر حرام ؟!
كان يكلمني بقسوة وعنف وكنت علي وشك أن أعاقبه علي قلة أدبه ولكني سيطرت علي نفسي .
شرح برويز لعلي أنه عمل سنوات طويلة بمعدل يزيد علي عشر ساعات في اليوم وأنه لم
يوليو 16 2010
ابني المتعصب حنيف قرشي
ابني المتعصب حنيف قرشي ترجمة طلعت الشاب
بدأ الأب يتسلل إلي غرفة نوم ابنه ويدخلها خلسة دون علمه يظل بها الساعات الطوال بحثاً عن دليل .. عن مفتاح لذلك اللغز أشد ما يحيره هو أن علي أصبح شخصاً منظماً أكثر من ذي قبل وبدلاً من الفوضي والملابس والكتب ومضارب الكريكت وألعاب الفيديو الملقاة هنا وهناك كالعادة تبدو الغرفة مرتبة كماظهرت المساحات الخالية مكان الفوضي المعهودة .
في البداية كان “برويز سعيداً فابنه قد بدأ يشب عن الطوق ويكبر علي توجهات المراهقة ولكن برويز وجدحقيبة ممزقة ذات يوم بجوار سلة المهملات وكانت الحقيبة تحتوي علي لعب وديسكات كمبيوتر وأشرطة فيديو وكتب وملابس جديدة اشتراها الولد منذ شهور قليلة كما تخلي علي ودون سبب مفهوم ، عن صديقته الإنجليزية التي كانت عادة ما تجئ إلي البيت وأصدقاء علي القدامي توقفوا عن الاتصال به ولكن برويز ولأسباب يعجز عن فهمها – لم يكن قادراً علي إثارة موضوع سلوك علي الغريب يدرك أنه أصبح يخشاه إلي حد بعيد فهو أما صامت لا يتكلم وإما حاد اللسان لو قال له برويز مثلاً ولو في ملاحظة عابرة : ” لم تعد تعزف علي الجيتار ” سوف يكون رده عليه غامضاً وقاطعاً بعبارة مثل هناك أشياء أكثر أهمية ينبغي علينا القيام بها إلا أن برويز لا يريد أن يظلم ابنه ويعتبره قد أصبح غريب الأطوار فهو يعرف الكثير عن المشكلات التي وقع فيها أبناء رجال آخرين مثله في ” لندن ” وهكذا من أجل علي كان الرجل يعمل ساعات طويلة وينفق الكثير علي تعليمه لكي يصبح محاسباً اشتري له ملابس جديدة وجهاز كمبيوتر وكل ما يريد من كتب ولكن الولد يتخلص الآن من ذلك كله ، بعد الجيتار كان التلفزيون والفيديو – وسرعان ما أصبحت الغرفة خاوية بالفعل حتي الجدران أصبحت ملأي بالبقع الباهتة التي نزعت الصور من فوقها .
برويز لا ينام أسرف في الشراب حتي في ساعات العمل ثم أدرك أن من الضروري بحث الأمر مع صديق حميم برويز سائق سيارة أجرة منذ عشرين عاماً نصف هذه الفترة تقريباً وهو يعمل لدي نفس الشركة ومعظم السائقين هنا من البنجاب .. مثله جميعهم يفضلون العمل ليلاً حيث الطرق أهدأ والدخل أفضل والحقيقة أنهم يقضون النهار في النوم تجنباً لزوجاتهم ويعيشون معا هنا في مكتب الشركة مثل العزاب ، يمزحون ويلعبون الورق ويتبادلون النكات والقفشات والحكايات الخليعة يأكلون معاً .. ويتكلمون في السياس ومشكلاتهم الخاصة ولكن برويز لا يستطيع أن يفتح موضوعه مع أصدقائه يخجل من لك كما أنه خائف من تأنيبهم ولومهم له علي ذلك التحول الذي طرأ علي أبنه مثلما كان يؤنب الآباب الآخرين ويلومهم علي مرافقة أبنائهم للبنات وإهمالهم دروسهم والتحاقهم بالعصابات.
علي مدي السنوات كان برويز يفاخر الآخرين بتفوق ابنه في الكريكت والسباحة وكرة القدم وفي دراسته وحصوله علي التقديرات النهائية في معظم المواد فهل كثير عليه الآن أن يحصل علي وظيفة جيدة ويتزوج فتاة مناسبة ويكون أسرة؟! لو حدث ذلك لأصبح برويز أسعد إنسان في الوجود ولتحققت أحلامه من العمل في إنجلترا .. ولكن فيم أخطأ ؟
وذات ليلة وبينما هو جالس في مكتب سيارات الأجرة مع أقرب صديقين له يشاهدون فيلماً لـ سيلفستر ستالوني خرج برويز عن صمته وقال لا أستطيع أن أفهم .. كل شئ يتسرب من غرفته لا يمكنني أن أتكلم معه ، كنا أكثر من أب وابن كنا أخوين كيف ضاع مني هكذا ؟! واين .. ؟ ثم وضع رأسه بين كفيه . وبينما هو يفيض بما في داخله كان الرجلان يهزان رأسيهما ويتبادلان نظرات من يعرف الحقيقة ومن تلك النزرات أدرك برويز أنهما قد فهما الموقف فسأل خبراني ما هذا الذي يحدث ؟ وجاءت الإجابة : لقد خمنا أن هناك شيئاً خطأ .. يبدو أن “علي” يتعاطي المخدرات وهو يبيع أشياءه لينفق علي ذلك ..وهذا هو سبب فراغ الغرفة .
– ماذا أفعل إذن ؟
أصدقاء برويز نصحوه بأن يراقب “علي” بدقة ويتشدد معه قبل أن يصاب بالجنون أن يتناول جرعة زائدة تنهي حياته ، أو يقتل هو شخصاً آخر .
وفي هاء الصباح الباكر كان برويز يترنح رعباً .. ربما كان صديقاه علي صواب ! هل يمكن أن يتحول ابنه إلي مدمن ..
قاتل … ؟!
وعندما رأي بتينا جالسة في سيارته هدأ خاطره زبائن آخر الليل عادة من العمال أو بنات الليل وسائقو سيارات الأجرة يعرفونهم جيداً ، يقومون بتوصيلهم إلي أماكن عملهم ، ثم يوصلون البنات إلي مساكنهم .. رغم أن بعضهن قد يجئن لتناول الشراب في المكتب ..وأحياناً كان السائقون يخرجون معهن ، ” ركوبه في مقابل ركوبة “.. كانوا يعتبرون المسألة هكذا !
بتينا تعرف برويز منذ ثلاث سنوات كانت تسكن خارج المدينة وفي طريق توصيلها كان يحدثها وهي جالسة بجواره عن حياته وآماله كما كانت هي تحدثه عن حياتها . في معظم الليالي تقريباً يلتقيان ..وقد يتحدث معها في أشياء لا يتحدث فيها مع زوجته ، كما كانت بتينا تحكي له عن نشاطها الليلي .
” برويز ” يحب أن يعرف أين كانت .. ومع من .. وكان قد أنقذها ذات مرة من زبون عنيف ، ومنذ ذلك اليوم أصبح كلاهما يهتم بشئون الآخر ..
” بتينا ” لم يسبق لها أن التقت بابنه وأن كانت تسمع عنه باستمرار ، وعندما أخبرها ” برويز ” بالأمس بشكه في أنه كان يتعاطي المخدرات لم تسارع باتهام الولد ولا بتكذيب الرجل وإنما راحت بشكل عملي تخبره بما يجب عليه أن يفعله .
قالت : كل شئ يظهر في العينين تجدهما حمراوين والبؤبؤ واسع ، ولابد أن يبدو عليه الإرهاق ويعرق بغزارة وحالته النفسية منقلبة بدأ ” برويز ” سهرته هادئ البال إلي حد ما فهو يعرف الآن سبب المشكلة علي الأقل . شعر بالأرتياح .. بفضل
” بتينا ” استطاع أن يحصر المسألة راح يراقب كل شيئ يضعه الولد في فمه وينتهز كل فرصة ليجلس إلي جواره وينظر في عينيه ويمسك بيده اليمني كلما أمكن ذلك ليتحسس درجة حرارته . وعندما يغيب الولد عن المنزل يدخل غرفته ليفتش تحت السجادة وفي الأدراج وخلف الخزانة الخاوية … ينظر ويتشمم ويبحث ، ويعرف ما يبحث عنه فقد رسمت له ” بتينا :” شكل الكبسولات .
والسرنجات والأقراص ووصفت له البودرة كل شئ .. كل شئ .. وكانت نتظره كل ليلة لتعرف الأخبار .
بعد أيام قليلة من المراقبة المستمرة ، قال ” برويز ” إن الولد يبدو في صحة جيدة رغم تركه للرياضة وإن عينيه صافيتان ، وإنه لم يجفل من نظراته كما كان يتوقع … وعلي العكس .. كان الولد في حالة يقظة دائمة وتوازن تام .. وإلي جانب عناده ، وربما باللوم لدرجة أن ” برويز بدأ يشك في أن يكون هو المخطئ وليس الولدج ، سألته “بتينا ” هل هناك أي تغيرات جسمانية ؟
وبعد لحظة قال : لا ! ولكنه أطلق لحيته وذات ليلة بعد أن جلس معها في مقهي ليلي يسهر حتي الصباح عاد ” برويز ” إلي منزله متأخراً كان هو و بتينا قد تخلياعن تفسيرهما الوحيد .. تعاطي الولد للمخدرات ، لأن برويز لم يجد شيئاً من ذلك في غرفة علي كما أن الولد لا يبيع أشياءه وإنما يرميها أو يتبرع بها للجمعيات الخيرية ، وبينما هو يقف في الصالة سمع جرس المنبه الخاص بأبنه ينطلق فأسرع إلي غرفة نومه حيث كانت زوجته ما تزال مستيقظة تخيط بعض الملابس في السرير طلب منها أن تجلس وألا تحدث أي صوت رغم أنها لم تقم من مكانها ولم تنطق بكلمة .
ومن المكان الذي يقف فيه وبينما هي تراقبه رأي برويز ابنه من خلال فرجة الباب اتجه الولد نحو الحمام ليغتسل وعندما عادة إلي غرفته قطع برويز الصالة قفزا ووضع أذنه علي باب “علي” ومن الغرفة كان صوت همهمة .. بينما “برويز” مرتبك ولكنه هادئ وبمجرد ظمهور هذا الخيط الجديد راح برويز يراقبه في أوقات أخري الولد يصلي عندما يكون في المنزل يصلي خمس مرات في اليوم .. بدقة وانتظام ..
” برويز نشأ في لاهور حيث يحفظ جميع الأولاد القرآن الكريم ولكي يمنعه المقرئ من النوم أثناء الدرس ربط رأسه بخيط يتدلي من السقف فإذا سقط رأسه إلي الأمام يستيقظ فجأة .. بعد هذه المعاملة المهينة كره ” برويز ” الأديان .. التي لم يكن غيره من السائقين يكنون لها أي احترام أيضاً ..والحقيقة أنهم كانوا يرددون النكات البذيئة عن رجال الدين الذين يسيرون بعمائمهم فوق رؤوسهم ولحاهم أمامهم معتقدين أنهم يهدون الناس بينما عيونهم تتفرس وجوه الأولاد والبنات بنهم .
وصف ” برويز ” لها اكتشافه أما الاصدقاء الذين كانوا فضوليين قبل ذلك فقد أصبحوا صامتين بشكل غريب من الصعب أن يدينوا الولد بسبب العبادة أما “برويز ” فقد قرر أن يأخذ إجازة هذه الليلة ليخرج مع الولد .. ربما أمكن أن يناقشا الأمر معاً .
كان يود أن يسمع منه كيف تسير أموره في الكلية ويكي له عن أهلهم في باكستان والأهم من ذلك كله أنه كان يريد أن يفهم كيف اكتشف “علي ” الأبعاد الروحية علي حد تعبير “بتينا ” .
ولدهشة الأب رفض الولد أن يخرج معه ، زعم أنه كانت مرتبطاً بموعد ولكن برويز أصر علي أنه لا يوجد أي موعد أهم من موعد أب وابنه .
وفي اليوم التالي ذهب برويز مباشرة إلي الشارع حيث كانت ” بتينا ” تقف تحت المطر وهي تلبس حذاء عالي الكعب وتنورة قصيرة فوقها معطف طويل تفتحه للسيارتا المارة من أمامها .. لعل وعسي !
قال : أركبي .. أركبي .. وانطلقا عبر سبخة ، ثم ركنا السيارة في منطقة معشبة كانا في أيام أفضل من هذه يستلقيان هناك ، حيث لا يعوق الرؤية شئ من بعيد سوي بعض الخيول والغزلان .. كان يستلقيان بعيون شبه مغمضة وهما يقولان : هذه هي الحياة ! ولكن ” برويز ” يرتعد هذه المرة فوضعت بتينا يديها حوله :
– ماذا حدث ؟
– لقد مررت بأسوأ تجربة في حياتي .
وراح – بينما كانت تداعب شعره – يحكي لها أنه ذهب مع “علي ” إلي أحد المطاعم في اليوم السابق وبينما هما يقرآن قائمة الطعام أحضر له “الجرسون ” – الذي كان ” برويز ” يعرفه – كأس الويسكي المعتاد وزجاجة الماء ، كان برويز مشدود الأعصاب وكان قد أعد سؤالاً لابنه . يريد أن يعرف من ” علي ” إن كان قرب الامتحانات هو سبب تورته وبعد أن فك ربطة العنق قليلاً لكي يسترخي بعض الشيئ وبعد أن تناول شيئاً من المشهيات الموجودة أمامه ، ارتشف رشفة طويلة من كأسه .. ولكن ” علي ” قطب جبنيه قبل أن ينطق والده بكلمة وقال : ألا تعرف أن شرب الخمر حرام ؟!
كان يكلمني بقسوة وعنف وكنت علي وشك أن أعاقبه علي قلة أدبه ولكني سيطرت علي نفسي .
شرح برويز لعلي أنه عمل سنوات طويلة بمعدل يزيد علي عشر ساعات في اليوم وأنه لم
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد الثانى, حنيف قرشي