ديسمبر 31 2014
التقنية الرقمية ودورها فى أدب الطفل ……. السيد نجم
التقنية الرقمية –الانترنت- ودورها فى أدب الطفلالسيد نجمهذه قراءة تحليلية في تقييم التقنية الرقمية (الانترنت)، وبيان خصائصها (إيجابا وسلبا) بحيث يمكن تزكية جملة الايجابيات، والتخلص من السلبيات. كما تشير تلك القراءة إلى التقنية الشفهية، والتقنية الكتابية (الطباعة) كتقنيات لا يمكن تجاهلها.. ثم التقنية الرقمية تفصيليا. * تقنيات إبداع أدب الطفل..أ – ما هي التقنية؟ تعد التقنية المستخدمة فى حمل وتوصيل العمل الفني للطفل، أحد العناصر المهمة التي يتكون منها الخطاب الأدبي والثقافي المعرفي للطفل، ويعني الحالة التي يتواجد عليها النص فى زمن التلقي، والتي تؤثر على تكوين ورؤية المتلقي. كان التلقين هو المناسب للطفل من خلال التقنية الشفهية: التي رافقت الطفل منذ فجر البشرية (والآن هي التقنية الشائعة فى مرحلة ما قبل المرحلة الكتابية، وما زال هاما فى مراحل ما قبل المدرسة).. وهو عبارة عن مجموعة من السير والحكايات والأحاجي والنوادر، على شكل قصص مروية للطفل. ثم أصبح للورق منجزه الخاص مع التقنية الكتابية فى تشكيل ونشر “أدب وثقافة الطفل”، وأصبح له لغته الخاصة به، بما يتناسب مع المرحلة العمرية للطفل: ما بين الكتاب، الصحيفة، المجلة، الألعاب الثقافية.. وغيرها. وأخيرا التقنية الرقمية، التي أتاحت مجموعة من الإبداعات القصصية والشعرية والثقافية العامة، بالإضافة إلى الألعاب الالكترونية الجديدة كنص ثقافي جديد للطفل. (1) ب- نشأة التقنيات وتطورهاهي مراحل ثلاث نشأ ورسخ فيها أدب الطفل، تلك النشأة بدت على ارتباط جوهري بالتقنية المتاحة، فى كل مرحلة: المرحلة الشفهية.. ثم المرحلة الكتابية.. وأخيرا المرحلة الرقمية.أولا: التقنية الشفهيةراجت تلك التقنية الشفهية وتطورت بتطور التفكير الانسانى، لفترة تعد بالقرون (منذ أن عرف الإنسان الاستقرار والحياة الاجتماعية، حتى بدأ يعرف الكتابة ويسجل أفكاره وأخباره، على الجلود والحرير والبردي والفخار والحجار، وبدت ذروة نجاح الإنسان مع اختراع آلة الطباعة).. حيث بزغت إلى جانب الملاحم والأساطير.. الأحاجي والألغاز والنوادر، والسيرة وغيرها. كما استمرت وراجت مع المرحلة التعليمية الأولى للطفل، وتعضيد البحوث التربوية لها.تلك التقنية اعتمدت على “التلقين” كوسيلة لإيصال الأفكار، سواء من الجدة والجد، الأم والأب. عرفت الجماعات البشرية السامر، كان بينهم من يقوم بعمل شاعر الربابة أو المغنى الشعبي، حيث القدرة الحكائية موهبة للبعض. فكل الملاحم والأساطير المعروفة، وهى مادة جيدة لإبداع الطفل (الآن).
ثانيا: التقنية الكتابيةبدأت التقنية الكتابية تاريخيا قبل اختراع “آلة الطباعة”، وكانت الكتابة على جدران المعابد، والرقائق المختلفة. وان راج أدب الطفل القديم المتمثل فى توظيف الخوارق والأساطير والحكايات، جاء بعد اختراع (آلة الطباعة) التي لعبت دورا جديدا في تاريخ الثقافة الإنسانية. ثم بدأت الصيحة بضرورة طباعة الكتاب الخاص بالطفل، من حيث (الشكل والمضمون).. ووجدت الدعوة صداها, فكانت كتب الطفل في القرن السابع عشر الميلادي، والحافلة بقيم الوعظ والإرشاد, كما اعتمدت على الأصول الشعبية.. وبمواضيع الشيطان والجن والسحر.(2) فى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.. ظهرت كتابات “جون نيوبرى” حيث كانت كتبه متضمنة بعض الصور الجذابة التي تجعل من الكتاب سلعة مرغوبة للطفل الصغير.. بالإضافة إلى الورق الجيد والإخراج الفني الجيد. ومن المعروف أن أول كتب الأطفال في العصر الحديث، كانت بالقرن التاسع عشر، طبعت في فرنسا عام 1830م, بينما أول مطبوعة عربية للطفل عام 1870م (روضة المدارس– مصر)..(3)ثالثا: التقنية الرقمية.. يقترح الكاتب تعريفا لأدب الطفل يتوافق والمعطى التقني الجديد: “هو كل نص يتشكل بحسب معطيات التقنية الرقمية، بتوظيف اللغة الرقمية والبرامج المتاحة داخل جهاز الكمبيوتر، بحيث يتضمن “الصورة- الصوت- اللون- الحركة- الكلمة”، فى تشكيل فني، يساعد الطفل على نمو الذوق والشخصية، ويتوافق مع احتياجات عالم الطفل الشعورية والمعرفية”. تتخذ النصوص الرقمية للطفل أشكال “القصة/الحكاية/ الألعاب الثقافية والترفيهية/الشعر”.. كلها أشكال تبعث على السرور والبهجة للطفل.. وتعد النصوص الرقمية أكثر إثارة ودهشة للأطفال. كما أن تلك النصوص الرقمية تؤدى الوظائف العامة للنصوص الورقية، من حيث كونها وسيلة تربوية وتعليمية، وتساعد الصغير على التخلص من انطوائه والإحساس بالايجابية، حين يشارك فى إنتاج النص، والانتقال من مفهوم إحساس الفردية إلى الجماعية. & ركائز أدب الطفل الرقميالركيزة الأولى:كاتب أدب الطفل الرقمي.. هو المتعامل الواعي بأسرار التقنيات السردية/المشهدية، بالإضافة إلى أسرار التقنيات التكنولوجية، في بناء العمل الأدبي الرقمي، مع قدرة المبدع الرقمي في توظيف هذا العنصر أو ذاك، وبدرجة نجاح مناسبة تحقق توظيف العناصر المختلفة في البناء الكلى للعمل الابداعى الرقمي”(4)إذا كان العرف يشير إلى أن الكاتب/المبدع (عموما) يتميز بقدر وافر من الخيال الحي والخصب، مع المثابرة على الانجاز.. امتلاك الرؤية المستقبلية، الإحاطة بالواقع المعاش.. خصوصية التناول والمعالجة الفنية لأفكاره.. وغيرها من الملامح الضرورية لإنتاج إبداع جيد. فان كاتب أدب الطفل الرقمي يزيد عليه، البحث عن الحلول التقنية لإنتاج عمله الفني المنتظر، من خلال السؤال المحوري: “عم سوف يعبر؟ كيف يتم التعبير؟” (5)الإجابة هي أن يتحلى الكاتب الرقمي بالآتي: 1-البحث في جوهر خصائص الثقافة الرقمية.. لم تعد “محاور الثقافة الرقمية” منفصلة عن جوهر العملية الإبداعية، بحيث بات على الكاتب مواكبة وفهم دلالة بعض القضايا مثل: “غلبة الصورة في الثقافة الرقمية- آفاق الانجازات المتوقعة بفضل توظيف التقنية الرقمية.. وغيرها”. 2- على الكاتب الإلمام بأسرار الكمبيوتر ولغة البرمجة، وعليه أن يتقن لغة إل HTML وغيرها.. وعليه أن يعرف فن الجرافيك والإخراج السينمائي، أن يعرف فن إل Animation. .. الكتابة بالصورة المتحركة والثابتة.. استخدمت مؤثرات بصرية وسمعية مختلفة، باستخدام برنامج الفلاش ماكرو ميدياً.. طرق الاستعانة بمقاطع من أفلام سينمائية.. وغيرها. 3- أن يكون ملما بأسرار فنون الكتابة السردية.. سيناريو السينما وكتابة المشاهد المسرحية.. أسرار الكتابة الشعرية من موسيقى وصور فنية وأوزان وغيرها. 4- أن يكون ملما بأبعاد القضية/المشكلة المطروحة للبحث، في المجالات المعرفية والاقتصادية والإعلامية المختلفة.. ومن أية وجهة نظر سوف يطرحها على الطفل. 5- مع الوضع في الاعتبار أن المنفذ الفعلي للتقنيات المهارية، ربما مبرمج أو مهندس، أو تقني ما، ومع ذلك يلزم أن يكون الكاتب متابعاً عن فهم. 6- قد يكون التخصص فى مجال أدبي معين حاليا غير متاح، إلا أنه مستقبلا يفضل الكاتب الرقمي المتخصص.. مثل كتابة الأعمال الأدبية للطفل. 7- الوعي بسلبيات “الصورة”، مثلما الوعي بكل معطياتها الايجابية، مثل معطى السماء المفتوحة وتأثيرها على خصوصية الشعوب، عدم مراعاة الصورة للمراحل السنية بالنسبة للأطفال. 8- الوعي بسلبيات الشبكة العنكبوتية، مثل سهولة النشر وإقدام البعض على نشر ما يعد تجارب أولية وغير جديرة بالنشر، وأيضا السرقات الفكرية، وكذلك إدمان الانترنت.(6) الركيزة الثانية: محتوى أدب الطفل مع التقنية الرقمية.. إن محتوى أدب الطفل، قد بات على صلة أوثق بخصائص القرن الجديد.. التشابك بين الثقافة والأدب الرقمي والطفل، وخصائص ومعطيات التقنية الرقمية، أفرزا لونا جديدا من الثقافة والأدب للطفل، تمثل فى عدة أشكال على الشاشة، منها: شيوع وغلبة الثقافة العلمية وأدب الخيال العلمي للطفل. كما أن تقنيات الحواسيب أتاحت إنتاج نصوصا رقمية متنوعة تحت اسم “العاب الفيديو”. ثم توظيف التقنيات الرقمية فى الحاسوب لإعادة إنتاج قصص وحكايات تراثية أو حديثة، مع الاستفادة من هذه الإمكانات. وأخيرا توظيف الشاشة كصفحة ورقية. تتيح التقنية الرقمية طاقة متجددة للتلقي، وملامح لغة جديدة.. قال “روبرت لوباج” عام 1997م عن أعماله التي تعتمد على فكرة/تقنية الإبداع التنقيحي، أنها أشبة بالصينية الممتلئة بالمشهيات، نختار منها ما نشتهى. أما الإبداع التنقيحي فهو المعتمد على فكرة الاختيار وإعادة الترتيب والإضافة.. مثل الفكرة الموسيقية “جوكى ديسك DJ” حيث الصوتيات القصيرة والمتقطعة وإعادة مزج الألحان الأصلية وإعادة ترتيبها لخلق موسيقى جديدة.. وغيرها من الأشكال الجديدة في كافة الفنون والآداب. وقد استتبع ما عرف ب “الإبداع التنقيحي”، خاصية: “التفاعلية”، سواء للترفية أو التعليم.. و”الانتقائية”، سواء للمحتوى أو الشكل.. وهو ما ينتج أعمالا هجين تعتمد على الإبداع التعاوني بين عدد من المبدعين. كما أتاحت للطفل إمكانية التفاعل والمشاركة.(7)
* خصائص البلاغة الرقمية الجديدة.. أ- ملامح وأشكال استخدامات “شاشة” جهاز الحاسوب… وأدب الطفل:.. كتابة العمل الابداعى على صفحة الويب أو شاشة الكمبيوتر, ثم حفظه.. وهو ما يعنى أن استخدم الحاسوب كما الورق في التسجيل ثم الحفظ. .. تناول بعض الأدباء استخدام مصطلحات ومحتويات شبكة الانترنت ضمن نسيج أعماله الإبداعية.. وهو ما يعنى دخول الجهاز وشبكة الانترنت ضمن هموم الكاتب، ومن نسيج عمله الابداعى (الورقي).. مع تمثل للتقنيات أيضا (مثل شكل البريد الالكتروني، والدردشة.. الخ) .. من الأدباء من تجاوز الاقتراب الشكلي من الانترنت، وسعى إلى إبداع جديد يعتمد على الإمكانيات غير التقليدية التي تتحها الشبكة، خصوصا فى أدب الطفل الورقي.. توظيف الصورة والصوت واللون مع الكلمة فى لوحات متعددة لعدد من الصفحات المتتابعة.. أخيرا في إبداع جديد (الإبداع الرقمي) وهو يعتمد على إنتاج ما يشبه الفيلم السينمائي وفهم المبدع لتقنيات المونتاج والمكساج والتلوين والإخراج الفني بالإضافة للإبداع بالكلمة.ب_عناصر الإبداع الرقمي الجديد للطفل: وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة – الصوت – اللون والرسم، ثم الحركة، وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا “الكلمة” في المقدمة). وهو ما يعنى أن “النص الرقمي” متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر والعقل. سوف نتناول بعض من عناصرها. *الصورة ودورها الهام فى الإبداع الجديد.. إن للصورة مميزات وخواص تجعلها على قدر من الأهمية لا يمكن إغفاله. فالصورة لها طبيعة رمزي واختزالية معا, يحكمها قانون: “أن ترى يعنى أن تختصر”, لذا وصفت الصورة بواقعيتها, فهي قادرة على التوصيل الناجح بتأثير أكبر من تأثير الكلمة (لوحظ أن استيعاب الفرد للمعلومات يزداد بنسبة 35% عند استخدام الصوت والصورة معا).(8) *الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية.. يعد الصوت وسيط هام بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض.. أو أصوات منفرة وأخرى محببة. وقد بدأ الموسيقى “شيفر” دراساته حول كون الصوت مجال هام في الاتصال، أو “الاتصال الصوتي”. وقد تبعه في الباحث “تروا”، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات.. وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصوات ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الانترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهىء المستمع إلى الدخول في الشبكة.(9) *تعزيز الثقافة البصرية باستخدام الألوان.. البصر حاسة تزود الإنسان بالمعلومات، وتساهم – إلى جانب السمع – في تكوين الفرد الثقافي، كما تساهم في تشكيل قدرته على رؤية الأشياء.. والتعرف على دقائق الأشياء. والبصر على خلاف السمع (الذي ليس له سوى بُعدٍ واحد) بينما البصر له عدة أبعاد، وللبصر وظيفة توثيقية، وله وظيفته فى جلاء البصيرة.. تتشكل البصيرة فيما تتشكل به، الثقافة البصرية، تلك التي تعتمد على الرؤية والمراقبة والقراءة. والبصر يتشارك مع غيره على الشاشة.(10)لا يمكن إغفال تأثير الألوان المصاحبة للصورة، وتأثيرها على الشخصية، يقول الحق سبحانه وتعالى: (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) س”فاطر” آية27(ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك).. سورة “فاطر” آيه28تشير د. عبير سلامة بأنه توجد في السياقات النقدية الغربية، والموسوعات، البلاغة تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص (في الأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي. يستوعب مصطلح بلاغة الإنترنت جوانب جديدة للدراسة، قد يساعد في تفسير كيفية الإقناع/ التأثير في هذه البلاغة، عندما يُعاد تشكيلها في الوسيط الجديد، لأنه يساعد في تفسير كيف يدعم الاتصال طرق التعبير عن الذات والإبداع المشترك؟ فبلاغة الإنترنت تقاس علي جانبين: الاعتبارات الوظيفية، والآخر جمالي.. (11) & خصائص المنتج الابداعى للطفل مع التقنية الرقمية أولا: تزكية الثقافة العلمية والخيال العلمي فى أدب الطفل:تشير الدراسات في مجال تاريخ العلوم، أن القرن العشرين قفز بالانجاز العلمي في كافة المجالات، وأنه على صورتين متلازمتين: أصبح معقدا عن ذي قبل.. وأيضا المادة العلمية متضخمة ومتنوعة ما بين الفيزياء والعلوم الرياضية والطب والبيئة وتكنولوجيا الفضاء ثم البيولوجي الحيوية وغيرها. إلا أن من يتصدى للكاتبة للطفل عليه أن يعي هدفه.. أن يتسلح بالمعلومة العلمية، ويتخير موضوعه والقارئ الذي سيتوجه إليه. المطلوب أن يتعرف على: “عالم الطبيعة من حوله”.. “استيعاب وفهم جوهر العلم على اعتبار أنه طريقة في التفكير”.. “فهم أن كل العلوم على اتصال وتواصل، فلم يعد عالم الكيمياء بعيدا عن عالم الطب والهندسة مثلا”.. و”أن العلوم على صور متطورة دوما”. بتلك المحاور مع تبسيطها يمكن للطفل التطلع إلى المستقبل وهو واع بأن العلم ليس أمرا مجردا، كما يمكن أن يستوعب فكرة أن الإنسان عنصر من عناصر البيئة أو الطبيعة، يتفاعل معها وتتفاعل به.(12)لعل توصيل فكرة أن في العلم ما هو قابل للخطأ وما هو قابل للصواب مع مزيد من البحث، تمثل دعما وتزكية لمبدأ “التفكير العلمي” الواجب على الطفل فهمها، وبها يمكن وضع بذرة ملمح “التطور” من حيث أهميته وضرورته في العلوم نفسها، وحتى في حوارات الحياة التقليدية.كما يلزم أن يكون الكاتب فاهما لجوهر حقيقة العلم، حتى لا يبدو أنه يعمل في اتجاه واحد وغير ملم بطبيعة العلم، التي هي: أن العلم قابل للفهم.. كل العلوم قابلة للتغيير والتطوير.. ليس بوسع العلوم أن تقدم إجابات على كل الأسئلة.. يعتمد العلم على الإثبات والبرهان.. وأن الخيال مشارك للأفكار العلمية في رأس العالم.. كما أن التناول الاجرائى للفكرة العلمية من ناحية الأسلوب والمعالجة الفنية يجب أن يكون مناسبا وجيدا، وبسيطا.(13)ثانيا: التقنية الرقمية ومعطيات أخرى يشارك أدب الأطفال فى إنتاجها.. 1-إنتاج الألعاب الطفل، أو “العاب الفيديو”.. لعل العاب الفيديو والكمبيوتر، هي أكثر البنود التي يتعامل الطفل معها، وأغلب ما يتناوله الانتقاد إليها تبدو بملامح أخلاقية، وتتسم بالتعميم والمبالغة. بينما هناك بعض الألعاب تتميز بتنمية مهارات محددة، مثل التوافق الحركي البصري، وغيرها لتنمية الذكاء وتنشيط الملكات الذهنية. فضلا عن توافر عنصر التفاعلية، التي تعد من أهم خصائص التقنية الرقمية، سواء فى الألعاب أو غيرها. ويرى بعض التربويون أن بعض تلك الألعاب، تزكى ملكة اتخاذ القرار، وسط الفوضى الظاهرة فى اللعبة.. وعلى اللاعب (الطفل) إعادة لترتيب والتنسيق حتى يحقق الهدف. يما يرى البعض أن أبسط أنواع الألعاب (الجيدة) قد تعد انجازا طيبا، ففي لعبة مباراة لكرة القدم، مجرد إحراز هدفا، والنجاح فى تحقيقه، هو منجز نسبى هائل عند طفل المرحلة العمرية (من 3 إلى 6سنوات). يعد كل ما سبق أمرا مختلفا، وأكثر جدوى، عن الميل إلى الاسترخاء والتلقين وتلقى المعلومات. وهو ما يشكل نقلة لتهيئة الطفل فى أن يتلقى تعليمه بعيدا عن وسيلة التلقين والحفظ. أثناء أحد الحوارات مع مجموعة من الأطفال، من أعمار مختلفة، حول جدوى بعض الألعاب بالنسبة لهم. أفاد طفل فى الخامسة من عمره: “أحب لعبة مباراة كرة القدم، لأنني أحرز هدفا”.. ومع طفل آخر، كان رده سؤالا منه يقول: “هل يمكنكِ اللعب مع شخصيات سوبرمان والرجل الوطواط في الحياة العاديّة؟”.. ثم تابع: “أنا استطيع القيام بذلك، من خلال التفاعل والاندماج معها” (14) 2- إعادة إنتاج المنتج الورقي بالاستفادة من التقنية الرقمية:وهو ما يعنى الاستفادة بالمعطى الأدبي الورقي، ثم إعادة إنتاجه بالتقنية الرقمية، بحيث يمكن الاستفادة من عناصرها المشار إليها سلفا. 3- إعادة إنتاج المنتج الورقي إلى رقمي دون إضافة جوهرية للنص الورقي. (مثل أغلب مجلات الطفل التي تعيد نشر موادها على الشاشة)& ماذا قدمت الشاشة لأدب الطفل؟!* الألعاب الالكترونية للأطفال.. بات التفاعل بين (المشاهد) الذي ما عاد هكذا سلبي، أصبح أكثر توحدا مع الشاشة! ففي لعبة «نجم الغناء»، لم يعد دور اللاعب (المشاهد) يقتصر على الغناء، بل أصبح مطلوبا منه أن يرقص ويتمايل، وسوف يشاهد شخصية صغيرة تظهر على الشاشة وتقوم بتقليده! (لعبة فى جهاز بلاى ستيشن3). وهو ما يعنى أن شخصيات ألعاب الكمبيوتر أصبحت تستمد تحركاتها من اللاعبين أنفسهم! يرجع تاريخ الألعاب على شاشة الفيديو إلى عام 1947، اخترعها الأمريكي “توماس ت. جولد سميث” الابن بلعبة أطلق عليها “أداة أنبوب الأشعة المهبطية المسلية”. ثم توالت الألعاب لغيره مثل: نمرود (سنة 1951)، و OXO (سنة 1952)، وتنس فورتو (سنة 1958)، ولعبة سبيسوور (سنة 1961) وتتابعت إلى أن أصبحت نشاطا تجاريا رائجا. إن تلك الألعاب المسماة، العاب الفيديو أو الإلكترونية أو العاب الحاسوب (video games) هي العاب مبرمجة بواسطة الحاسوب، وتعرض على الشاشات، حسب أنظمتها: العاب الفيديو، حيث تعرض في التلفزيون بعد إيصال الجهاز به. جهاز الإدخال في العاب الفيديو هو عادة عصا التحكم، أو الأزرار (في أجهزة الآركيد)، أو لوحة المفاتيح، أو الفأرة، أو غير ذلك. ألعاب الفيديو يمكن أن تعمل على أجهزة خاصة تتوصل بالتلفاز أو أجهزة محمولة أو على الحاسوب أو الهاتف النقال أو الحاسوب الكفي أو اليدوي. أشهر تلك الألعاب.. ألعاب المنصات، والمغامرة، والآر بي حي (RPG)، والعاب تصويب المنظور الأول (FPS)، والعاب تصويب المنظور الثالث، والرياضة، والسباقات، والتصويب الفضائي، والقتال، والآكشن، والألغاز، والمحاكاة، وألعاب الأدوار، والألعاب الإستراتيجية (RTS). هذا بالإضافة إلى ألعاب الويب التي تلعب عبر الإنترنت، وهي غالباً ألعاب جماعية، وتسمى MMORPG، يلعبها عدد كبير من اللاعبين(15)تطورت الألعاب، أصبحت تتطلب عمل فريق كبير من العاملين: (المنتجون: للإشراف على المشروع.. المصممون: ومهمتهم تصميم اللعبة وقواعدها وتركيبها.. الفنانون: ومهمتهم رسم الفنون المرئية للشخصيات والخلفيات وغيرها.. المبرمجون: وهم مهندسو البرمجيات الذين يستخدمون الأدوات المتاحة ولغات البرمجة لتحويل التصميمات إلى لعبة.. مصممو المراحل: واختصاصهم تصميم المدن والمناطق والمراحل بالتفصيل.. مهندسو الصوتيات.. والمؤلفون الموسيقيون: ومهمتهم ابتكار الموسيقى والتأثيرات الصوتية المناسبة.. المختبرون: وهم مجموعة من اللاعبين الذين يفحصون اللعبة بالكامل قبل إطلاقها والتبليغ عن أي أخطاء برمجية أو غيرها.* حول تحليل ظاهرة ارتباط الأطفال بألعاب الكمبيوتر والفيديو، انتهى بحث علمي بجامعة أمستردام إلى الآتي: (ظاهرة إدمان الأطفال على الألعاب الكترونية، ظاهرة مع ألعاب الكمبيوتر، والبلاى ستبشن واكس بوكس، ومع التليفونات المحمولة.. منها العاب جيدة، تنشط ذاكرة الطفل وتنمي بعض المواهب لديه من حيث التركيز وسرعة الاستجابة، ولكنها تضر أعصاب البصر فى حالة الاستخدام الطويل.. كما أجرت الجامعة دراسة حول من هو الممول الرئيسي للألعاب الحربية حيث أن عمل هذه الألعاب لا يتناسب مع سعرها؟ اتضح أن.. الممول الأكبر للألعاب الحربية هي شركات الأسلحة! لتنشئة الطفل بعالم القتل والحروب والتلذذ بالقتل)..(وهنا دور المبدع لأدب الطفل الواعي بطرح الأفكار والثيمة الايجابية) (16)& قراءة حول علاقة الطفل بالتقنية الرقميةنظرا لزيادة المعارف خلال العقود الأخيرة، حيث أفادت دراسة إحصائية عن منظمة اليونسكو أن المعارف الإنسانية التي يتلقاها إنسان اليوم يوميا 900تسعمائة معلومة، بينما كانت 22اثنان وعشرون. هذا بالإضافة إلى سرعة نشر المعلومة بالسرعات الهائلة.. لذا وجب التوقف مع معطيات تلك التقنية وخصائصها، بالنظر إلى معطياتها للطفل خصوصا.. ومنها:* الخصوصية التي يتمتع بها مستخدم خدمة الانترنت، فلهو جهازه الخاص وحده، وله بريده الخاص، وكلمات السر التي تتعلق به وحده.. وبالتالي عدم القدرة على الرقابة.* الانترنت وسيلة ذات اتجاهين، على العكس من الوسائل الأخرى، مثل التليفزيون.. وبالتالي يمكن استخدامه في الخدمات التفاعلية مثل المحادثة، وهو غير المتاح لغيره.* قدرة الشبكة على الوصول إلى عالم الممنوعات والدخول إلى عالم الأسرة وخصوصياتها.* في حالة حجب المواقع المسيئة فلا تستطيع منع المواد المرسلة بالبريد الالكتروني. *يعد النشر الالكتروني من أخطر الظواهر الثقافية مع بشائر القرن الجديد, سواء كان هذا النشر هو كل ما يرصد ويسجل على شاشة الجهاز (الكمبيوتر).. أو هو ما ينشر تحت مفهوم الثقافة بالمعنى الشائع في المجال الورقي من قبل. إن تنوع واختلاف “المادة” المتاحة على الشاشة الآن للطفل، منها ما يعد بلا ضرورة له، وبعضها قد يضر مفاهيمه والقيم الشائعة فى المجتمع، إلا أننا فى العالم العربي، ما زلنا على أبواب تلك الآفاق الجديدة، التي فيها بعض السلبيات، ثم الكثير من الايجابيات..(17) أولا: مواقع خاصة بالطفل..1- أغلبها لم ينشأ كموقع مبتكر للطفل، على الشبكة العنكبوتية، فهي تتنوع بين: (مجلات ورقية يتم نشره رقميا، مثل مجلات: ماجد- الفاتح الإسلامية للأطفال).. (قنوات تليفزيونية تنقل مادتها للعرض على شاشة الحاسوب، مثل قناة الجزيرة للأطفال).. (مواقع عن جمعيات اجتماعية، وتعبر عن نشاطاتها، مثل (مجلة الفاتح الإسلامية للأطفال- موقع شركة سنا).. 2- بين تلك المواقع، ما هو محدد (بهدف) أو (جنس الطفل) أو غيره، وهو ما يمكن أن يوصف بأنها مواقع أحادية التوجه، مثل (موقع لميس- فناتير- التعليم الذكي).3- ليس بين تلك المواقع، موقعا حدد المرحلة العمرية التي يخاطبها.ثانيا: مواقع ألعاب الفيديو والكمبيوتر..(تتضمن صياغات أدبية- تم الإشارة إليها سلفا) ثالثا: منتج نص رقمي (قصة رقمية للطفل):منذ سنوات بدأت بعض المؤسسات العربية على إنتاج نصوص رقمية تحمل ملامح الطموح لإنتاج رقمي جاد للطفل.. منها: برنامج بعنوان “إسلاميات حاسوبية”،”المكتبة الالكترونية للطفل المسلم”، “هرم المعلومات”. أما “كان ياما كان” وهى تتضمن أربع قصص الكترونية (هي أقرب إلى الأفلام والأعمال الدرامية القصيرة) معقدة بالقياس إلى الأشكال الأخرى الخاصة بالطفل. تلك القصص: “الثعلب والغراب والجبنة”، “الثعلب وعنقود العنب”، “الكلب الطماع”، “النملة والجندب”.. وغيرها. وكلها تتميز بملامح تكنولوجيا أدب الطفل الرقمي, وبالتالي تم إنتاج ما يمكن أن نطلق عليه “القصة الرقمية”: التي ينهض بها فنيين فى الإخراج وتصميم البرامج، للعمل على توظيف المؤثرات الصوتية، ومزج الصورة، وتوزيع الضوء، وأغلب الخدع السينمائية.. ما يعنى توظيف الصورة, الصوت, اللون والرسومات، مع الكلمة.. كذا توظيف خصائص الفيديو فى الإرجاع والتقدم والتثبيت (ما يعرف ب Multimedia) رابعا: الترويج لأدب الطفل الورقية بالتقنية الرقمية.. وهى خدمة جيدة، حسنة النية، إلا أنها لم تستفد بالتقنية فى إنتاج تلك الكتب، وغير متضمنة فى مواده الثقافية والإبداعية، بل حملت ما يؤخذ على الكتاب الورقي للطفل، إلى ساحة وفضاءات التقنية الرقمية.
خامسا: الطفل في مواقع المرأة..موسوعة الطفل والأم.. وهو من أكبر الموسوعات المتخصصة للطفولة والأمومة من بداية الحمل حتى الطفولة المبكرة ، تحتوى الموسوعة على قاعدة بيانات لمعاني الأسماء لمساعدتك فى اختيار اسم طفلك، كما تحتوى الموسوعة على أكثر من ساعة ونصف شرح فيديو يتناول مراحل خلق الجنين ونموه وتطوره دخل رحم الأم بالإضافة لتغذية الطفل، باختصار هي مرجع شامل لكل أم للاهتمام بطفلها الصغير.. ومثل تلك المواقع تتحدث عن الطفل، وليس للطفل.
سادسا: الطفل في مواقع الأسرة.. (موقع منتدى “فتكات”.. تديره سيدة، ربة منزل، بالقاهرة، مصر. انطلق الموقع فى يناير2007م، خاص بالمرأة، والاسم مأخوذ عن الأسماء الريفية فى مصر. نال المركز الثاني بين المواقع الأكثر زيارة بمصر (بعدها تلك المواقع المتخصصة فى المجال الرياضي) حسب تقرير منظمة راتب Ratteb المتخصصة فى المجال الاحصائى للمواقع العربية على الشبكة. يضم المنتدى فى عضويته 220,000عضوة، لذا يعتبر أكبر منتدى نسائي بمصر (فى2009م). كما أن الموقع يقع ف المرتبة 878 عالميا، و12عربيا, يتضمن المنتدى أكثر من330،500موضوعا حول اهتمامات المرأة، ومتوسط الزيارات اليومية 140،000زائر. * ملاحظات عامة على الموقع الرقمية، وخاصة الجزء الخاص بالطفل: – 1:استخدام اللهجة (اللغة) العامية المصرية، دون اللغة العربية المبسطة أو الفصيحة. 2:: الجزء الخاص بالطفل، لا يمثل أكثر من 4% من مجمل موضوعات وصفحات الموقع. 3 : إن كان الاشتراك مقصورا على النساء فقط، إلا أنه مسموح للرجال بالمتابعة والتلقي. 4: المخاطب هو الطفلة فقط، دون الأطفال الذكور. 5: الجزء الخاص بالطفلة، تحت عنوان “لعبة..” كوسيلة لتحبيب الطفلة بالمادة المعروضة 6: نماذج الألعاب فى “لعبة تلبيس” غير عربية فى مجملها. 7: نموذج الألعاب المشار إليها “باجز بانى” نموذج غربى لقطة، كذلك فى الألعاب الجديدة غلبة الثقافة والفكر الغربي. لعل منتديات الأناقة والجمال هي الأقرب إلى الثقافة العربية. سابعا: الطفل في مواقع عامة وجامعة.. أما الحديث عن طبيعة وخصائص المواقع المختلفة التي تتعامل مع الطفل.. فهي إما مواقع ذات اهتمام ثقافي عام, ويمكن نشر ما يخص “الطفل” عليها, باعتباره ثقافة عامة.. مثل موقع “ميدل ايست أون لاين”. ومواقع ثقافية/أدبية بالدرجة الأولى, ترعى الأدب والكلمة وتضع من جوانب اهتمامها, نشر ما يخص الطفل إبداعا ومقالات أدبية.. مثل موقع “القصة السورية”.
ثامنا: الطفل في مواقع دينية أو عقائدية.. ثم هناك من المواقع العقائدية/الدينية التي تخاطب الطفل, من مفهوم كونه النبتة الأصيلة لإنسان ملتزم دينيا وأخلاقيا.. ويلاحظ اهتمامها بالفقه دون السلوك والمعاملات. تاسعا: الطفل في المواقع التعليمية، والطبية والخاصة.. توجد المواقع التعليمية التي تخاطب الطفل من خلال المناهج الدراسية والمعلومات المدرسية.. دون الاستفادة من التقنيات الرقمية.يلاحظ المتابع أن الطفل العربي يتواجد في النشر الالكتروني مبعثرا بين مواقع ذات اهتمامات متعددة ومختلفة.. ومنها ما يعرض للحديث عن الطفل, من حيث هو عضوا إضافيا في الأسرة, مع الإشارة إلى معلومات تربوية يجب التزام الأبوين بها.. وأخيرا هناك المواقع التي تقدم الألعاب والتسالي للترفيه. كما توجد مواقع مخصصة للطفل ولا تخاطبه بالدرجة الأولى, بل تسعى لنشر كل ما يتعلق بالطفل: أخبار- إبداع- دراسات- وغيره.. مثل موقع “أدب الأطفال”. وأخيرا هناك المواقع التي تعيد نشر منتج ورقى سبق نشره, مثل مواقع المجلات والدوريات الخاصة بالطفل.. وهى عديدة لمجلات “علاء الدين- العربي الصغير- ماجد- براعم الإيمان.. وغيرها”، مع ملاحظة بعض الإضافات والحذف بالموقع الرقمي عن النص الورقي غالبا.* سلبيات مواقع الطفل مع التقنية الرقمية: 1: عدم الالتزام الدقيق بخصائص المرحلة العمرية للطفل, وحتى الآن لا يوجد في المواقع العربية ما يشير إلى المرحلة العمرية الذي يخاطبها.. وكأن الموقع يرى وضع كل الأطفال في سلة واحدة.2: مخاطبة الطفل الأنثى والذكر على قدر واحد من التناول.. سواء في الموضوع أو المعالجة, على الرغم من أهمية التمييز بين الجنسين خصوصا بعد الثانية عشرة.3: تقديم المفاهيم الغربية للأعمال المترجمة للطفل بشخصياته, ومفاهيمه وكأنه الشخصية النموذج الذي يجب على الطفل الإقتداء به.. فشاعت شخصيات “السوبر مان”, “الرجل الأخضر”.. وغيرهما بكل ما تحمله من مفاهيم أقل ما يقال فيها أنها في حاجة تدجين ومواءمة, وتلك المواقع لم تختلف عن بعض المجلات المترجمة للطفل ويتم تداولها في الأسواق.4: سهولة النشر, والرغبة في التواجد على شبكة الانترنت, شجع البعض على اقتحام عالم الطفل, دون دراسة حقيقية لاحتياجات الطفل, وبلا وعى بخصائص الطفل النفسية والتربوية والسلوكية. 5: أما عن مضامين الموضوعات التي تقدم للطفل, فهي على شقين إما البعد عن روح الطفل في التناول مع تقديم المعلومة قبل التناول ألفني.. أو الاهتمام بالمعلومة البعيدة دون القريبة, وربما أنسب مثال على ذلك, تناول وتقديم الشرائع الإسلامية قبل الاهتمام بالسلوك الإسلامي والدلالة القيمة, وهى التي يحتاجها الطفل أكثر.6: الإدمان.. إدمان الانترنت يعتبر من أحدث أنواع الإدمان، وقد أدى إلى نتائج سلبية عديدة.توصيات1ـ أن تتوجه الحكومات والمؤسسات لتوفير البنية التحتية اللازمة لتنشيط التقنية الرقمية. 2– أن يتم البحث عن حلول عملية، مثل “نوادي الانترنت” لتوفير الخدمة للأفراد غير القادرين على تكلفتها. 3ـ استكمال النقص القانوني والتشريعات اللازمة للتكنولوجيا. 4- تعضيد البنية المؤسسية الحكومية، بالتدريب وتوفير التقنيات المتطورة والإدارية الواعية.. 5ـ سد النقص فى كفاءة شبكات الاتصال وشبكات النقل والطرق والكهرباء والمياه، ونقص وتدني مفاهيم وقواعد العمل الاقتصادي، وكذا نقص المعارف باللغات الأجنبية. 6– سد الفجوة الرقمية، ونقص المحتوى العربي على شبكة الانترنت، والخوف من الثقافة الغربية، وعدم الثقة في الاقتصاد الرقمي، ونسبة الأمية ومستوى التعليم. 7– إقامة ورش فنية للتعريف بفنون التقنية الرقمية.. لمبدعي أدب الطفل، وللطفل لتعريفه بالمزيد من معطيات جهاز الحاسوب، والتعرف على أخلاقيات التعامل معه وبه 8– التعريف بمصطلحات, وترجمة جملة معارفه, مع تبسيط المعلومات حوله. 9– استثمار علاقة الجيل الجديد بالتكنولوجيا لتقريبهم من الأدب الافتراضي، فمن المعلن أن ممارسي التعامل مع أجهزة الكمبيوتر في العالم العربي حتى عمر ثلاثين سنة, حوالي 65% من جملة المستخدمين.. وهى نسبة يلزم معها التوجه إلى تلك الشريحة العمرية بالضرورة. * توصيات لتنمية أدب الطفل الرقمي:1– الاستفادة من نماذج الأدب غير العربي, ونشره للتعريف بتجارب الآخر في هذا المجال.. سواء مترجمة أو غير مترجمة. 2– تبني المواهب الجديدة والشابة وتوجيهها نحو هذا النوع من الكتابة التي قد تستقطب جمهورًا مقاربًا لهم في العمر، ومتقاربًا معهم في الميول والاهتمامات.. وهى شريحة عمرية هامة في مجال التعامل مع الانترنت والتوجه نحو الأدب الافتراضي.3- الاهتمام بالطفل خارج المدن الكبرى (القرى- مناطق التجمعات الجبلية والصحراوية)4- رعاية وتشجيع أدباء وكتاب الطفل ماديا ومعنويا.*توصيات تخص مواصفات المنتج الرقمي للطفل:1: أن يوفر للطفل المعلومة.. وإبراز السلوك القويم والقيم العليا, كل ذلك في إطار جذاب وشيق, معتمدا على مراعاة المرحلة العمرية للطفل, مع إعمال التفكير الابتكار لدى الطفل.2: كما أن توفير الاسطوانات أو الأقراص الإلكترونية (الديسكات) بات شائعا, ولا يجب إغفال أهميته كخامة وكوسيلة قادرة على احتواء كم هائل من المعرفة.3: أن يضم الديسك أو الاسطوانة على التتابع والتوازي.. المادة اللغوية والمادة الفنية أو الرسومات المكملة التوضيحية. وقد وجد المختصون أن الألوان “الأصفر-الأحمر-الأزرق” هي أهم الألوان للطفل حتى سن التاسعة. 4: كما يجب أن يكون الخط واضحا وكبيرا. 5: يجب أن تكون الرسوم مكملة للمعنى, بل ويمكن الاستغناء عن المفردات الكثيرة, مقابل التوضيح بالرسم مع الجمل القصيرة.. هذا بالإضافة إلى إبراز الصورة المقربة, وإهمال الخلفية في الرسوم التوضيحية, وتوظيف تقنيات الكمبيوتر في إبراز الصورة من أكثر من جانب أو بأبعادها الطبيعية.6: مع استخدام التقنيات الحديثة في إطار من الإخراج الفني الملائم الجذاب.7: البعد عن النصح والإرشاد وبالعموم عن المباشرة وإصدار الأوامر للطفل, حتى يعتاد الطفل على استنتاج الحقائق.8: أن تغلب روح الطفولة على المادة المنشورة (الملائمة لسن الطفل ولجنس الطفل).9: تقديم المادة الثقافية/العلمية/التعليمية في إطار يحث الطفل على المشاركة, وتأهيله للتفكير الابتكار, بعيدا عن التلقين. 10: أن يصبح التعامل مع جهاز الكمبيوتر ومعطياته (في النهاية) لعبة بين يدي الطفل.
* هوامش(1) راجع: كتاب “طفل القرن 21”- “السيد نجم”: من ص65 إلى ص 84. حيث يتناول الكاتب مفهوم اللغة العام، وهو المفهوم الذي يعتمد جميع صور التخاطب.. اللفظي وغير اللفظي. (2)راجع: “أدب الأطفال”- “جميل حمداوى”-. www.adabatfal.com (3) المرجع السابق. (4) تعريف الكاتب. ewriters.com/?action=library&&type=ON1&&title=3344-arab (5) راجع: “أدب الأطفال ووسائطه الثقافية”- “عبدالتواب يوسف”- موقع “الأسبوع ادبى”. واضح من التعريف والخصائص المعروضة، أنها تشير إلى عموم “كاتب قصص الأطفال”- وان يلزم منذ الآن ضرورة إضافة ما يخص “كاتب قصص الأطفال الرقمي” نظرا لما له من دور ينتظر منه الكثير مع شيوع التقنية الرقمية. (6) هي جملة الخصائص المتوقع توافرها، تم تجميعها من أكثر من مصدر.(7) راجع: “قضايا عصرية رؤية معلوماتية”- “نبيل على”:ص 66-68 (8) راجع: “عصر الصورة”- شاكر عبدالحميد: 33(9) راجع: – على، نبيل-“الثقافة العربية في عصر المعلومات”: ص 43-46. (10) راجع: الألوان, معناها وتأثيرها فى علم النفس- مجالس عمان-www.m.oman.com (11) راجع: “الرقمية والرقمنة”- عبير سلامةhttp://www.arab-ewriters.com-(12)- على، نبيل-“الثقافة العربية في عصر المعلومات” ص153 (13) راجع: “قراءة فى منتج النص الرقمي فى العالم العربي”- “السيد نجم”-http://www.freearabi.com/ (14) راجع: “ثقافة الكتاب والطفل العربي”- “محمد مرعى مرعى”-Alsalwabooks.com/ www. (15) راجع: “العاب الفيديو والكمبيوتر” – فى عدد من المواقع-فيديو جيم (www.ar.wikipedia.org& www.aljazeera.net))http://www.qafilah.com/q/ar/24/10/474/ (16) المرجع السابق. (17)راجع: “الثقافة والإبداع الرقمي”- السيد نجم: ص 35-49* المصادر والمراجع: أولا: الكتب – ندوة “الثقافة العربية فى ظل وسائط الاتصال الحديثة”- جزأن- كتاب العربي- الكويت- عام2010م.- نجم، السيد- “النشر الالكتروني والإبداع الرقمي”- هيئة قصور الثقافة- عام2010م- الضبع، محمود- “أدب الأطفال.. بين التراث والمعلوماتية”- الدار المصرية اللبنانية- مصر- عام2009م- الألفي، محمد محمد- “إدمان الانترنت”- المكتب المصري الحديث- 2008م- نجم، السيد- “الثقافة والإبداع ارقمى”- أمانة الثقافة بأمانة عمان الكبرى بالأردن- عام2008م- على، نبيل- “قضايا عصرية رؤية معلوماتية”-القاهرة- هيئة الكتاب المصرية- 2006م – عبدالحميد، شاكر- “عصر الصورة”- سلسلة “عالم المعرفة/الكويت- عام2005م – سليم، لطفي حسين- “الطفل في التراث الشعبي”- “الدراسات الشعبية”- هيئة قصور الثقافة- 2004م- الغذامى، عبدالله- “الثقافة التليفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي”- المركز الثقافي العربي/بيروت, الدار البيضاء- عام 2004م-نجم، السيد-“طفل القرن الحادي والعشرين..ذكاء، موهبة، معرفة، جمال”-دار الوفاء للطباعة والنشر2001 – على، نبيل-“الثقافة العربية في عصر المعلومات”-الكويت-2001م-“عالم المعرفة”-العدد يناير رقم 265.- أونج ، والترج- “الشفهية والكتابية”- ترجمة “حسن البنا عز الدين”- عالم المعرفة، الكويت، فبراير1994. – “العرب وعصر المعلومات”- “د.نبيل على”-الكويت-1994م-سلسلة “عالم المعرفة” العدد 184.- الهيتى، هادى نعمان-” ثقافة الأطفال”- الكويت: عالم المعرفة (123)- عام1988 – يوسف، عبدالتواب- “فصول عن ثقافة الطفل”- القاهرة- “الهيئة المصرية للكتاب”،”مكتبة الشباب” ع29
ثانيا: مواقع على شبكة الانترنت.- موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب، “الرقمية والرقمنة”، د.عبير سلامة:http://www.arab-ewriters.com/?action=library&&type=ON1&&title=3342- موقع “ميدل ايست أون لاين”- رأفت رضوان- “تكنولوجيا المعلومات في الوطن العربي: التوجهات والاستراتيجيات”. www.middle-east-online.com- موقع “دار السلوى للطباعة والنشر”- د.محمد محمد مرعى- بحث “ثقافة الكتاب والطفل العربي”.Alsalwabooks.com/ www. – موقع “مصر المحروسة”www.misrelmahrosa.com- “كتاب الطفل”-يعقوب الشارونى.- موقع أدب الأطفال- “تاريخ تطور أدب الأطفال عالميا وعربيا”- د.جميل حمداوى.www.adabatfal.com- موقع “الأسبوع الادبى”سوريا-“أدب الأطفال.. أهداف وغايات”- ع1011عام 2006-عبدالمجيد قاسم.www.awu-dam.org/- موقع “مجالس عمان”- “الألوان، معناها وتأثيرها فى علم النفس” “www.m.oman.com” – موقع “أسواق المربد”- “الكتابة العلمية للطفل.. خصائصها، مواصفات الكاتب”- محمد عبده العباسي.www.merbad.net- اختبار إدمان الانترنت..www.scusuez.org/vb/showthread.php?t=25366
ديسمبر 31 2014
تشريح السلطة تجاذبات القوة والتخييل …… د.محمد بوعزة
تشريح السلطةتجاذبات القوة والتخييل د.محمد بوعزة كاتب من المغرب مثل خرائطي جديد بمفهوم “جيل دولوز” يعود الروائي” بشير مفتي” في رواية “دمية النار” إلى الماضي ، ليحفر بمطرقة التخييل في “الطبقات الرسوبية” لمرحلة التحرر من الاستعمار والشروع في بناء الدولة الوطنية،كاشفا عن مناطقها المظلمة، مما يضع الصورة الرومانسية التي رسمها الجيل الأول من الروائيين لهذه المرحلة على أنها فترة اليوتوبيا الاشتراكية موضع السخرية والهدم. بهذا الوعي الحفري الساخر يؤكد الروائي ” بشير مفتي”، دور التخييل الروائي في كتابة التواريخ المنسية، وتشخيص الأصوات المقموعة. ففي مقابل سرد السلطة الذي يبسط تاريخا أحاديا للحدث (الثورة)، بوصفه التاريخ الحقيقي، تاريخ الأمة، تنتج الرواية سردا انبثاقيا انتهاكيا، يزرع التشكك والتفكك في خطاب السلطة، حيث تنبثق الأصوات المقموعة من هاوية نسيانها، بما يغير شروط الخطاب التي صاغت سلطة الماضي. تتأكد هذه الوظيفة النقدية بمجاوزة الروائي الرؤية الرومانسية وتبني منظور انجلاء الأوهام، حيث يكشف الجانب المظلم ،المسكوت عنه، الذي حول الثورة إلى سلطة كليانية تستحوذ على كل مفاصل المجتمع ، وتحول الفرد إلى مسخ، مادة بدون روح، مجردة من مثلها العليا.الكاوس/ ميتافيزيقا السردلا ينبغي أن يفهم من توضيحنا للبنية الانتهاكية لخطاب الرواية على أنها رواية سياسية. فعلى الرغم من أن ثيمتها سياسية (تشريح السلطة) إلى أن بؤرتها وجودية ميتافيزيقية مفتوحة على “الاستطيقا السلبية” بمفهوم “أدورنو”، استطيقا العدم والنفي الذاتي. فالنص يكتب في عنف زمنية متشظية لذات متلاشية (البطل رضا الشاوش). هذه الزمنية تتضمن تفكيك بنية الخطاب بما هو تصوير خطي للقصة و وتمثيل شفاف للأطروحي المباشر، لأن موقع التلفظ ينشطر في زمنية الكاوس (فقدان البصيرة)، حيث تتدحرج الذات خارج المركز نحو المجهول، منشطرة بين ما كانت عليه (الماضي) و ماهي عليه (الحاضر) و ما ترغب أن تكون عليه، بدون نقطة ارتكاز تسند محاولة استعادة ذاتيتها المفقودة (هل كنت أقاوم ذلك الفقدان…في تلك الدوامة كان كل شيء فقد وجهه، مثلما فقدت أنا روحي، صار العماء كليا، والهياج اللامرئي للحيوان المفترس كليا هو الآخر، صرت أنا ولست أنا، صار الخيط الرابط بين الأول والثاني معدوما، ولم يعد وجهي يحيل على وجهي..) (ص119).في انكسار نقطة الارتكاز، التي تتمثل في فقدان البطل لكينونته(قيمه ومثله العليا)، يتشظى الحكي في شروخ هذه التجاذبات الأنطلوجية، ويغرق العالم الروائي في العماء الكلي . ولذلك يتم على صعيد المتخيل تأكيد هذه الرؤية الميتافيزيقية بعملية ترميز للصراع بين الذات (رضا الشاوش) والمؤسسة (السلطة) باستعارات رمزية وجودية ترتقي به إلى صراع ميتافيزيقي بين الخير والشر، بين النور والظلام، بين النظام والكاوس، بحيث تحل الاستعارة الشيطانية محل بشاعة الواقع. سلطة في عنفها وغرابتها تفوق خيال الروائي، يتم الانفلات من واقعيتها بعنف المتخيل الذي يحول الواقع إلى شظايا وكوابيس مدمرة للذات والرؤية، بحيث لا يتبقى من الواقع سوى آثار علامات منقوشة في صيرورة المحو. سلطة من فرط تسلطها وانتشارها لا تحضر في النص سوى في صورة أشباح كافكا، موغلة في سديميتها وفي أسطوريتها. عبارة عن جهاز ينتشر ذاتيا ويتوسع وفق قانون الانتظام الذاتي ليهيمن على العالم الروائي، (أتقرب كل مرة خطوة أو خطوتين من تلك الجماعة، أو الجهاز، أو المنظمة، أو العصابة، لكنها عصابة تحكم، تسير كل شيء بيدها، ولها آليات وقوانين، ومظاهر خادعة، كان الأمر يبدو لي مخيفا، مروعا وأحيانا سورياليا) . يبدو وكأن الأمر يتعلق بجهاز آلي تديره قوى خفية ، غير مرئية ( كانت الفكرة تأسيس جماعة في الظل تحمي البلاد وتسيرها من خلف ستار) (ص127) لذلك يجد البطل “رضا الشاوش” نفسه في فخ شبيه بوضع كل من شخصية “جوزيف ك” في رواية “المحاكمة” وشخصية المساح في رواية “القصر” لكافكا، يواجه سلطة لها طابع متاهة بلا حدود، ولا شكل، ولا تسمية، لا يستطيع الخلاص منها .من فرط تجريديتها” تحضر” في صورة كابوس (من الآن يمكن أن تعتبر نفسك واحدا من الجهاز…كنت الأحدث في الجهاز الذي لم يكن له حتى تسمية يمكن أن تؤكد وجوده، وللحظات ظننت أنني أتخيل فقط، وأن هذا الذي أعيشه ما هو إلا كابوس سأستيقظ منه في أي لحظة، فكيف يكون هذا ممكنا.) (ص133) الصعود/ ذروة السقوطلتأكيد بشاعة عالم السلطة في سيرورته التدميرية للفرد، تختار الرواية على مستوى أشكال التخييل، تشخيص العالم في شكل الهجاء أو الرومانس المضاد، بمعنى أنها تقدم العالم الروائي (الخيالي) في صورة أسوأ من العالم الحقيقي، حيث يؤكد عالم الهجاء القبح والفوضى. فالرواية تعبر عن مأزق عالم بشع، محكوم بحتمية السلطة، ينتقل من سيء إلى أسوأ (الأمور تنتقل من سيء لأسوأ، لهذا أطلب منك العناية بنفسك) (ص87) . ويعاش فيه الزمن الرديء على أنه نوع من الكاوس . ما تركز عليه الرواية في بناء نموذجها الإنساني هو قانون التحول باعتباره مكونا تشييديا وحافزا للحكي. ففي مسار التكوين، يخضع بطل الرواية “رضا الشاوش” إلى تحولات غير متوقعة، ضمن سياقات ذاتية واجتماعية وتاريخية معقدة، يتداخل فيها الخصوصي بالعام. يأخذ التحول في المتخيل صورة المسخ بالمفهوم الكافكاوي، حيث يتحول البطل من شخص مثالي رومانسي، يحب الأدب والكتابة، وتحث ضغط عوامل متعددة، إلى شخص متوحش قاتل مأجور.و يتم هذا التحول الكارثي على مراحل، في كل مرحلة يفقد البطل جزءا من إنسانيته، ويقترب من هاوية السقوط الكلي. يبدأ مساره مراهقا متطلعا للمعرفة، شغوفا بالتعلم، يغرم بواسطة معلمته بحب الأدب وقراءة القصص. غير أن هذا المسار الطبيعي يتعرض لارتجاجات عنيفة مع فشله في أول تجربة حب. وتتضاعف هذه الأزمة العاطفية، بسبب عدم قدرته الخلاص من عقدة أبيه مدير السجن، الذي تلطخت يداه بتعذيب المعتقلين المعارضين للنظام.
هكذا يتشكل مسار تجربته كحلقة مغلقة من الإخفاقات، إخفاق في الحب، فشل في استكمال الدراسة ، عقدة الأب القهرية، اغتصابه للمرأة التي أحبها. تكتمل هذه الحلقة الجهنمية من السقوط الشيطاني بانضمامه إلى الجهاز الأمني الذي يتحكم في دواليب الحكم بالبلاد ، حيث يتحول إلى قاتل مأجور ينفد عمليات قذرة لفائدة النظام.و على الرغم مما يحققه البطل من ارتقاء على صعيد المال والنفوذ في الجهاز الأمني، بارتقائه أعلى المراتب، إلا أنه يخسر كل شيء في النهاية. فالثمن الذي يدفعه مقابل هذا الصعود الفجائي هو تنازله عن مبادئه وقيمه (وبينما كنت أتقدم في سلم الترقي التدريجي نحو الصعود لقمة فقدان الروح، كان سعيد عزوز يتعثر بعض الشيء) (ص121)، وتكون النهاية المأساوية حين يقتل على يد ابنه غير الشرعي الذي انضم إلى جماعة متطرفة مقاتلة. المفارقة إذن، أن كل ارتقاء في مراتب الجهاز السلطوي يواكبه سقوط في الروح، وتشرد شيطاني في المجهول. وبالتالي يمثل صعوده صورة ساخرة للسقوط، أو ما يسميه ملتون “السمو الرديء” (عجيب أمر الحياة ..لقد وصلت للذروة فإذا بها تظهر لي كهاوية مفتوحة، سرداب مظلم، قلعة محصنة ولكن فارغة…) (ص152). إن “الصعود الهزليّ” ساخر بسبب القيم المقلوبة للعالم المنحط. (يختلط الزمن فلا يعود يمشي على رجليه ولكن على رأسه). الثورة تغتال أبناءها الأوفياء لمبادئها، وتكافئ الوصوليين والانتهازيين، والاستفادة من الخيرات الاجتماعية مرهونة بمدى الولاء للنظام ، أي لجماعة السلطة المتحكمة في موارد النفوذ والمال والقوة. وإذا كان محكي البطل في بنيته العميقة يحاكي على نحو ساخر نموذج البحث، فإن مغامرته لا تنتهي بعودة ظافرة. على الرغم مما يحققه البطل من نفوذ وسلطة داخل الجهاز، فإنه لا ينعم بالاستقرار، بل يسقط في دوامة التفسخ والانحلال . من المنظور السيميائي الذي يحدد أنماط الوجود، لا تتمكن الذات (البطل) في نهاية برنامجها السردي من نقش وجودها كذات محققة، حيث أن ارتقاءها في الجهاز لا ينقلها إلى حالة الاتصال مع موضوع القيمة، وكل من ينتج عن هذا الارتقاء (أي نمط الوجود كذات محينة) هو التحول/ المسخ. لا يتعلق الأمر إذن، بقصة ظافرة. إذ تشكل نهاية الصعود ذروة السقوط. في النهاية تنتصر منظومة الفساد (السلطة)، ويفقد قيمه، يتحول إلى جسد بدون روح، إلى مادة فاسدة لا تصلح سوى للقتل. وإمعانا في السخرية من مصير البطل، يستعير المتخيل وعلى غرار نموذج كافكا صورة “دراكولا” لوصف هذا التحول ، حيوان مفترس يعيش على امتصاص دماء الآخرين. الملاحظ أن التحول/ المسخ يتم في المرحلة التي ينضم فيها البطل إلى الجهاز. ولهذا التموضع دلالته من حيث إحالته على النسق الأكسيولوجي للنص.إنه يحدد البعد الإيديولوجي لمنظومة الفساد، بمعنى أن هذا التحول تقوم به المؤسسة الإيديولوجية للسلطة، وذلك بخلاف التحول مثلا في رواية “أحلام بقرة” للروائي المغربي محمد الهرادي، الذي تقوم به المؤسسة الطبية، حيث يخضع البطل لتحول من الإنساني(بشر) إلى الحيواني (بقرة). وتستدعي ثيمة التحول علاقات تناصية وشيجة بين النص ونصوص معاصرة في مقدمتها رواية المسخ لكافكا، والنص نفسه في لعبته المرآوية يكشف عن انتسابه لهذه السلالة الكافكاوية (وأنا في العاشرة من عمري عندما أهدتني معلمة العربية قصة “المسخ” ومن يومها لا أدري ماذا حدث في رأسي، سكنتني ذبابة الأدب، كما جنون القصص والخيالات..)(29)
وإذا كان سرفانتس بحسب إدوارد سعيد يحقق لبطله نوعا من الخلاص الجزئي، لأن دون كيخوت يتدبر أمر بقائه بعيدا عن التلوث في نقاء قصده وقادرا على نقل شيء من إشعاع شعره الظافر، على الرغم مما فيه من مثالية مجردة وسخرية من النفس، إلى خصمه المنتصر، فإن البطل بتخليه عن مثله العليا، وانضمامه للجهاز يسقط في التلوث، ويصبح عرضة للكاوس (العماء) . ما تشخصه الرواية إذن، هو سرد دائري بدون خلاص، لأنها لا تقدم أية حلول لإشكال البطل. يعيش “رضا الشاوش” حياته هاربا من صورة أبيه السجان المتسلط، ويخوض تجربة الخلاص من عقدة الأب ،لكن مغامرته تنتهي بالسقوط في دائرة أبيه، يتحول إلى شخص مثله يقتل الناس لفائدة النظام (لقد قررت أيامها عدم الحديث عن أبي، لقد خرجت من تلك القوقعة نهائيا، ولم يعد لي أية علاقة بماضي ذلك، كنت هاربا منه، مع أنني كلما هربت كلما عدت، حتى أيقنت بأنني مرتبط به بخيط سحري، ومندمج حتى العظم بداخل تلابيبه، لقد فتحت الباب أخيرا لنفسي كي أكون مثله، شخصا ينفذ الأوامر ويعيش بلا ضمير. صرت أبي بشكل لاواع) (ص122)إذا كانت هندسة الدائرة هي ما يحكم مسار البطل، بما يؤشر على نوع من الحتمية في المصير، وعلى زمنية مغلقة، لا تتيح أي مجال للتغيير، فإن المتخيل كما سنرى، يشخص على المحور الانشطاري نماذج انتهاكية ، استطاعت أن تخرق دائرة السلطة، وتخلق إشراقة أمل للتحرر والتغيير، وبالتالي تقدم بدائل جديدة، حتى وإن كانت تتحرك على مستوى الهامش، فإنها تحدث اختراقات عميقة في نسق السلطة، وتحضر كعلامة إنسانية مشرقة وسط عالم المسخ والظلام الذي يلف المتخيل الروائي ( كان تفانيه (عدنان) وإخلاصه لموقفه منذ ترك البلاد مختارا المنفى والحرية على العيش حيث يستلذ الحياة في بلده أمرا مثيرا للإعجاب. مسار آخر غير مساري، كما لو أن الحياة تريد دائما أن تقدم للعالم نموذجين واحد يغرق في عتمتها، وآخر يشع بنورها، ولقد كان يبدو لي من بعيد كنقطة ضوء لن أصيرها..) (ص153) لعبة التمويه/ الذئب الذي يظهر ويختفيإذا كانت بنية الازدواج ( الصعود/ السقوط، النور/ الظلام) تموقع المتخيل في فضاء بيني يقع بين حدي الهجاء و الرومانس ، الأفول والإشراق، فإنه (الازدواج) يشكل على صعيد التركيب إستراتيجية سردية تتضمن تفكيك الخطاب السردي إلى حكايتين، حكاية الروائي/ الكاتب مع المخطوط، وحكاية “رضاالشاوش” صاحب المخطوط. يتجاوز الازدواج الحكائي وظيفة الانعكاس المرآوي ليدشن صيرورة من التقاطعات والتمفصلات بين الحكايتين، تقوم على لعبة التمويه.تروي الحكاية الأولى بصوت المتكلم علاقة الروائي/ الكاتب بشخصية “رضا الشاوش” الذي تعرف عليه في بيت “عمي العربي”. أثار فضوله الأدبي فقرر مطاردته من أجل معرفة أسرار غموضه (غير أن ما شدني إليه لم يكن شكله…تخيلته بطلا تراجيديا يصلح للموضوعات التي كنت أرغب في كتابتها…حرك دون شك فضولي، وقررت من يومها مطاردته كما يطارد محقق مجرما ارتكب جريمة استثنائية) (ص6)إلملاحظ أن الحكاية الإطار لا تنغلق على نموذج السيرة الغيرية،. بمعنى أنها لا تقتصر على تقديم شخصية “رضا الشاوش”، بل تستدعي نصية السيرة الذاتية، حيث تقدم معلومات تخص حياة الروائي/ الكاتب(كان ذلك في أواخر شهر سبتبر من عام 1985، تلك الفترة التي كانت حينها واعدة رغم البؤس…كانت تمثل بالنسبة لي بداياتي في درب الكتابة، وكنت تحث تأثير قراءات شيطانية كثيرة ومتنوعة…كنت مدفوعا بسحر جنوني إلى هذا الطريق…كنت أنظر له على أنه شيء سيحدث وكفى، يوما ما كنت سأحقق وجودي الحقيقي ككاتب، وليس كأي كاتب عارض، ولكن ككاتب يستحق هذه التسمية بالفعل.) (ص5)تنقش الرواية إذن جغرافيتها النصية في تمفصل المابين ، كفضاء انتهاكي للحدود، بين نسق السيرة الذاتية و نسق التخييل الروائي، وبالتالي تتوزع لعبة السرد على الاستراتيجيات المتداخلة بينهما، حيث يتقاطع التخييل والسيرة، الذاكرة والسرد، الماضي والحاضر، ليولدا صورا مركبة من الهوية والكينونة، من التاريخ والوجود، مؤطرة وفق قانون الازدواج، حيث يتوزع التلفظ السردي على موقعين، صوت الروائي في “التقديم” ، وصوت “رضا الشاوش” في المخطوط . ويتم ضبط العلاقة بينهما وفق نسق التأطير الذي بموجبه تكون حكاية المخطوط (الحكاية المؤطرة)متضمنة في الحكاية الأولى( الحكاية الإطار).بتوظيف تقنية الإطار، يحاول الروائي إيهامنا بأنه ليس كاتب النص، وأن مهمته اقتصرت – بمفهوم السيميائيات – على القيام بدور “العامل المساعد” على نشر المخطوط . وفي” التقديم “الذي كتبه الروائي للمخطوط، يوضح ظروف وقوع المخطوط بين يديه، ويعلن أنه لا يتحمل أية مسؤولية فيما يقوله محتوى المخطوط. يأتي التقديم إذن، كتصريح بإبراء الذمة من تبعات المخطوط، ولذلك لا يدعي الروائي ملكية النص. وبمقارنته بالنموذج البدئي للسارد، هو سارد أقل درجة من السارد الكلاسيكي في التراث السردي العربي. فإذا كان السارد في المرويات العربية ينسب الحكاية للغير، ويكتفي بوظيفة النقل عن سارد مجهول( بلغني، زعموا أن…) فإن الروائي، يتنازل عن وظيفة النقل، ويتضاءل دوره إلى مجرد عامل مساعد على “نشر” المخطوط، كما هو دون زيادة أو حذف. وبالتالي لا يرقى إلى مستوى السارد من الدرجة الثانية، التي ارتضاها السارد التراثي لموقعه الاعتباري.من منظور الدينامية النصية يشتغل (التقديم) الخاص بمحفل الروائي/ الكاتب كميتانص ، يقوم بوظيفة تنوير متعددة لسياق كتابة الرواية وديناميتها الخاصة. فالرواية تحكي من موقع مزدوج، تكون وعي الكاتب الاستطيقي (معايير الكتابة) وسياق كتابة النص (العثور على المخطوط). ومن جهة ثالثة تحكي قصة “رضا الشاوش” الشخصية الرئيسة، الذي يقوم بوظيفة مزدوجة، التشخيص والسرد،باعتباره شخصية/ ساردة. ويمكن إجمال وظائف الميتاروائي في النص فيما يلي:- توضيح سياق كتابة الرواية: الإطار العام (الزمنية، المكان، البطل) .- تقديم صورة عن الكاتب كوعي سيميائي استطيقي: بداياته في الكتابة، وعيه الجمالي، قراءاته الأدبية والفكرية.- توضيح معايير الكتابة ومرجعيات المتخيل: (كان مثل تلك الشخصيات الروائية التي تملك ماضيا معقدا، وتجربة مرة، وعلى جرف من السقوط..تخيلته بطلا تراجيديا يصلح للموضوعات التي كنت ارغب في كتابتها، قلق ميتافيزيقي جاد، وانحلال في الروح…)(ص6)بالإضافة إلى وظيفة التنوير المزدوجة للنص (الميتاروائي، الحكاية)، يمكن اعتبار التقديم بمثابة رحم لتكون النص. ومن ثمة يشكل العتبة الأولى التي ينطلق منها القارئ إلى الرواية. وعبر هذا الموقع المتقدم يقترح الروائي / الكاتب سيناريوهات ممكنة للقراءة .
من هذا الفعل التدشيني يحفر “التقديم” موقعه الهرمي في هندسة النص. إنه بمثابة المنصة التي تسبق النص. منها يدشن القارئ مغامرته في استكشاف عوالم الرواية ، ويبني تخميناته وتوقعاته حول ما ينطوي عليه المخطوط من أسرار وكنوز.وإذا كانت وظيفة الميتاروائي على المستوى الظاهر، الإيهام بتجريد الكاتب من سلطة النص، بنسبة النص إلى شخصية متخيلة ،”رضا الشاوش” صاحب المخطوط، بما يجعل الكاتب في حل من تبعات النص، فإن التحليل يؤكد عكس ذلك. فالتقديم كما رأينا، يمثل الموقع المتقدم لتدشين فعل القراءة، يتمترس خلفه الكاتب ليوزع خيوط اللعبة السردية ، حيث يضطلع بدور المخرج في العرض المسرحي، حين يستغل موقع “التقديم ” لعرض تفسيرات وإضاءات سيكولوجية وجمالية لشخصية “رضا الشاوش”، تعمل بالأحرى على شكل معايير موجهة للقراءة: معيار العمق الشخصي ( كان مثل الشخصيات الروائية التي تملك ماضيا معقدا، وتجربة مرة في كل شيء، وعلى جرف من السقوط….)(ص6) – معيار التعقيد: (قلق ميتافيزيقي حاد، وانحلال في الروح، وسوء تكوين، وجروح قديمة لا تندمل..)(ص6)- معيار النموذج ( تخيلته بطلا تراجيديا يصلح للموضوعات التي كنت أرغب في كتابتها)هذه التعليقات هي بمثابة قراءة وتأويل للبعد الدلالي للنص ، وتطرح نفسها على شكل مبادئ جمالية للقراءة والتلقي، تسبق تعرف القارئ على شخصية “رضا الشاوش” كما تقدمها سيرته بمنظوره الخاص، ويتخيلها .تحتل هذه التعليقات موقعا مهما على صعيد التلقي، وليس ذلك باعتبار الحيز المخصص لها في التقديم، بل باعتبار النسق النظري الاستيطيقي الذي تكشف عنه،والذي يمثل الدور الآخر للمؤلف في النص، دور “السارد السيميائي” بتعبير “كريزنسكي” بهذا المعنى المؤلف هو “المنظم العضوي والمركزي لكل موجهات السرد وصيغه، وهو من يضع السارد في موقعه من الخطاب”.ففي الوقت الذي يحاول الروائي/ الكاتب إيهامنا بتنازله عن ملكية النص، وبالنتيجة عن سلطته، نلاحظ أنه ينعم بامتيازات الكلمة الأولى فوق المسرح، وبفضله وصل هذا المخطوط إلى القارئ في شكله النهائي، وبالتالي لولا وجوده، لكان مصير المخطوط النسيان والغياب. كما لو أن الأمر يتعلق بالتحكم في بعد آخر للخطاب، بعد القراءة، وهي تتعلق بدون شك بذلك الجزء من الخطاب الذي يتعلق بالسلطة والرغبة، سلطة الكاتب على الشخصيات وفي نفس الوقت رغبته في التحرر من هذه السلطة بنسبة الكتاب لشخصية متخيلة. إنه مثل ذئب الروائي المغربي محمد زفزاف في روايته “الذئب الذي يظهر ويختفي”، يمارس لعبة التمويه ، الظهور والاختفاء، الحضور والغياب. و بهذه الإستراتيجية المزدوجة يتخلص النص من الصورة التقليدية للمؤلف، “المؤلف كمبدأ تجميع للخطاب، كوحدة وأصل لدلالات الخطابات، وكبؤرة لتناسقها.”
النموذج البنيوي/ التشعب بدل الانغلاق تأخذ حكاية البطل “رضا الشاوش” شكل محكي تربية وتكوين،يشخص التمفصلات الأساسية في نمو شخصيته وتكوين وعيه، ابتداء من الأسرة والمدرسة وصولا إلى مرحلة النضج والعمل . نتيجة لذلك، يقع النص في الفضاء البيني للسيرة الروائية التي تقدم المراحل الأساسية من حياة شخصية متخيلة.وإذا كانت رواية التربية بحسب” لوكاش” تتجاوز إشكال الانفصال اللامحدود (القطيعة بين الذات والعالم) عن طريق فرض تسوية بين المثل العليا والعالم، عبر تحويل القيم إلى تجربة معيشة، فإنها تقع على مستوى البناء الشكلي بين نموذج الرواية المثالية المجردة ونموذج رواية خيبة الأمل،بواسطة عملية تركيب بينهما، وهو ما يترتب عنه، تشكل بنية شكلية جديدة تخص رواية التربية ،تقوم على التركيب بين الفعل(المبدأ الجمالي المؤسس لرواية المثالية المجردة) والتأمل( المبدأ الجمالي المكون لرواية خيبة الأمل). الملاحظ أن محكي “رضا الشاوش” وإن كان يستلهم نموذج التربية ، فإنه لا يتقيد بمعادلته السردية الصارمة، حيث يخلخل توازن طرفي المعادلة بتغليب عنصر التأمل على عنصر الفعل، وهو ما يساهم في تحرير المحكي من الطابع الأطروحي المباشر، لصالح تذويت الكتابة، عبر استدعاء شعرية التأمل، واستبدال مبدأ التسوية (تكيف الذات مع العالم) الضامن لوحدة النسق، بمبدأ النفي السلبي (انفصال الذات عن محيطها) الذي يفجر الكلية إلى ذرات متشظية، وأجزاء منفصلة.ثمة انتهاك آخر يدشنه محكي “رضا الشاوش” في هندسة رواية التربية، التي تقدم ترسيمة منطقية لقانون التحول، حيث يحدث التحول على صعيد وعي البطل من الجهل إلى المعرفة، معرفة الذات في علاقتها بالآخر، و على صعيد الكينونة،من الانفصال إلى التكيف، يواكبه تحول من السلب إلى الإيجاب، بحيث نكون بصدد بنية سردية تطورية، تعكس من وجهة نظر العقل التاريخي تقدما على مستوى القيمة، يتجه في خط تصاعدي، نحو الأمام .. بالمقابل يقدم محكي “رضا الشاوش” نموذجا نقيضا ، تحول في حالة إرجاء، غير مكتمل، معرفة سلبية في حالة نفي لموضوعها، يواكبها تحول من الإيجاب إلى السلب، من المثالية إلى الشيطنة، من الرومانس إلى الهجاء، بحيث يكون مسار الذات رهين سردية ارتدادية، لاخطية، يعكس نكوصا على مستوى الصيرورة. غير أن محكي “الشاوش” وإن كان يتبنى النموذج البنيوي الفردي (سيرة فرد)، فإنه يقوم على بنية منفتحة. ما يؤسس هذا لانفتاح هو مبدأ التشعب الحكائي. ذلك أن السرد يعمل على توليد محكيات من داخل النموذج المهيمن . ليست بالضرورة نسخة مطابقة له، لأنها في صيرورتها المتشعبة، تخضع لقانون الانتظام الذاتي. إن التشعب ليس سوى الانتقال من حكاية إلى حكاية أخرى في بنية النسق، بحيث ينفتح النموذج في صيرورة الانتقالات على احتمالات جديدة،وهو ما يستلزم توالدا في المنظورات والأصوات. بهذا التشعب تنهض الإستراتيجية السردية باعتبارها تنضيدا للجدليات بين النموذج والصيرورة، بين الاستمرارية والتقطع، بين النسق والطارئ. هذا التشعب يضمر – كما سنرى – بنيات جدلية دينامية مدارها شبكة العلاقات والتشاكلات التي تربط النموذج بتشعباته:محكي العربي بن داود (الجميع يناديه بعمي العربي، كان قد فتح بيته لجميع المشاغبين، أو من يراهم كذلك في السياسة والفن والأدب، وكان يسهر على راحة كل من يزوره فيهديه كتبا، أو قنينة نبيذ يحضرها له ضيوفه… كان مجاهدا أيام الثورة، وعارضا بعد الاستقلال، ودخل السجن، وشرد، وعذب، وغير ذلك، وأنه بقي وفيا لمبادئه، ومعارضا لخصومه، ومنتقدا للنظام)(ص7) رمز لكل قيم الخير والعطاء، يمثل نموذجا نقيضا لنموذج “رضا الشاوش”. يناقض أيضا الصورة التقليدية للأب المتسلط الذي يفرض صوته القهري داخل الأسرة. على عكس والد “رضا الشاوش”الذي كان جزءا من النظام الأمني يعمل في خدمته، كان العربي معارضا للنظام، ودفع ثمن هذا القرار( وأن كل ذلك كلفه غاليا فترك مهنة الصيدلة التي كان يعمل بها إلى تصليح الأحذية ثم عاد لمهنته بعد نهاية السبعينات ورحيل الرئيس هواري الذي كان يمقته أشد المقت، ونادرا ما يمدحه،… وكنت أذكر دائما أن والدي كان يقول أشياء حميدة عن هذا الرئيس) (ص8). لذلك ظل الابن “رضا الشاوش” يعتبر “عمي العربي” أبا تربويا بديلا عن الأب البيولوجي، أكثر من ذلك ظل يمثل له نموذج الأب الروحي،(كان
معلمي العربي هو معلمي السياسي، وأبي الروحي، وفي تلك البدايات كنت أصغي إليه كمرشد حقيقي، كان نقيض أبي في كل شيء، وكان عكسه يتكلم عن الزعيم بطريقة فيها النقد اللاذع، والسخرية الحقودة) (ص37)
محكي الأب، نموذج الأب المتسلط، ركن أساس في بنية النظام، يمثل جانبه الأمني البشع. بفضل ولائه لهذا النظام ترقى إلى مدير سجن(لم يكن أبي أبلها بالتأكيد، كان رجلا يؤمن بذلك الزعيم، ويصدقه، ويدافع عنه، ويعتبر نفسه جنديا في خدمة تعاليمه، مناضلا في جهاز سلطته، ورقما له دور في هذا العالم الذي يحكمه بيد من حديد). (ص32)
محكي الجماعة اليسارية :التي كانت تنشط ضد النظام في الخفاء. تضم مجموعة من الشباب الذين يدرسون في الجامعة، طلاب حقوق، وفلسفة، ولغة فرنسية، يجتمعون سرا في أحد البيوت، ويحلمون بالتغيير، قررت المواجهة مع النظام بدل الصمت، تتعرض للتفكيك على يد النظام. سيكون لهذه الجماعة أثر عميق في تشكيل وعي “رضا الشاوش”. تقدم هذه الجماعة نموذجا نقيضا لقوى الاستسلام والقبول بالواقع ( إن الفشل الحقيقي هو أن يموت الإنسان دون أن يحاول، أن تفشل في تحقيق ما تريد شيء، ولا تعمل من أجل تحقيقه شيء آخر)(ص39). سيتم القضاء عليها بعد حملة اعتقالات لأعضائها، وسيكشف الشباب المتحمس بعد تفكيكها أخطاء قادتها، يقول رفيق( لقد كنت شابا مندفعا والعيب في القادة، هم كانوا يحللون ويسيروننا بالطريقة التي يريدوننا أن نسير بها.. سرنا خلفهم وعندما بدأت الاعتقالات لم يعتقلوهم بل نحن، تصور هم تمكنوا من الفرار والبعض قام بصفقات مشبوهة مع النظام، لقد صاروا اليوم من الوجوه البارزة فيه..) (ص68)
محكي سعيد عزوز: محقق في الشرطة، زميل “رضا الشاوش” في الطفولة والمدرسة. من أسرة فقيرة، علاقته بالبطل متوترة منذ أيام المدرسة. عنصر أساس في بنية النظام الأمني. لا يؤمن بأية معايير أخلاقية أو فكرية ، مستعد لفعل أي شيء من أجل طموحه (وإن طموح هذا الشخص ليس أن يحقق ذاته، ولكن أن يسحق ذوات الآخرين، وتذكرت والدي الذي كان قد مات منذ سنين وشعرت بنقمة وأنا أقول لنفسي: كم ستلد الجزائر من هذا النوع الذي لا يتحقق إلا بتدمير الآخرين.) (ص50)
محكي عدنان: الصديق الوحيد “لرضا الشاوش”. صار أستاذا في الجامعة ( كان عدنان ماركسيا كما يقول عن نفسه، ماركسي فرداني، يؤمن بفرديته كثيرا، وإن كان يميل لأفكار الصراع الطبقي ويؤمن بأننا مجتمعات بحاجة لفكر مادي جدلي يحررنا من الغيبيات ..) (ص46) .على خلاف الجماعة اليسارية السرية، يعتقد البطل بأن عدنان (كان أهون من أن ينخرط في أي تنظيم من أي نوع، وكان كلامه مجرد كلام يوتوبي لا علاقة له بالواقع).بفعل انسداد آفاق التغيير، هاجر إلى فيينا، واستقر بها. سيكون لعدنان أثر عميق على شخصية البطل،( هو الوحيد الذي أستطيع التكلم معه في أموري الخاصة…بفضله هو دائما درست في معهد التكوين.. وبعدها أمن لي هذا العمل)(ص55). يمثل عدنان نموذجا نقيضا للشرطي سعيد عزوز . فإذا كان ما يربط سعيد عزور بالبطل هو علاقة التوتر
(الغيرة، الخصومة)، فإن ما يربط البطل بعدنان هو علاقة المسارة والمساعدة. وبالتالي يمثل سعيد عزوز على مستوى القوى الفاعلة، عاملا معيقا لحلم البطل، بالمقابل يمثل عدنان عاملا مساعدا. وفي الوقت الذي يمثل “عدنان” نقاء اليوتوبيا، يمثل سعيد عزوز بشاعة السلطة.
محكي رانية مسعودي: فتاة جميلة، فاتنة ومفتوحة، أحبها البطل منذ صغره، لكنها كانت على علاقة بشاب آخر، لذلك ستظل علاقته بها ملتبسة. ستتأزم العلاقة أكثر بزواج رانية من شخص آخر، حينها سيقدم البطل على اغتصابها. يطلقها زوجها، وتنتهي بها المصائر عاملة في كباريه ليلي. تمثل نموذجا انتهاكيا، حيث أنها تقرر التمرد على نسق الثقافة الذكورية، وتتزوج من الشخص الذي أحبته، على الرغم من رفض أسرتها، وتدفع ثمن رفضها، بالانفصال عن الأسرة.
محكي معلمة العربية: نموذج للمعرفة والتنوير،يناقض نسق التسلط (كانت معلمة العربية امرأة ودودة للغاية، وتتكلم كما لو أنها أرسلت لإخراجنا من الظلمات إلى النور على عكس المعلمين الآخرين لم تكن تستعمل العنف قط، كانت طريقتها أن تجعلنا نحب ما نقرأ، ونعجب بكل ما نفعله، وكانت .. تهدينا كتبا للقراءة.)(ص29). تمثل على محور قوى النص نموذجا انتهاكيا لنسق التربية السلطوية ( على عكس المعلمين الآخرين، لم تكن تستعمل العنف قط، كانت طريقتها أن تجعلنا نحب ما نقرأ، ونعجب بكل ما نفعله، كانت تبدو متحررة من الخارج، أنيقة وهادئة الجمال.) (ص29) لم تستسلم لتحرشات المدير بها وتمردت على سلطته حينما حاول التطاول عليها. (لم أر معلمتي تشتم قط، لقد كانت طيبة، وبالتأكيد كانت العملية مدبرة من طرف البعض لأنها لم تكن تشبه الجميع، مختلفة، كانوا يشبهون بعضهم البعض. لقد حاول المدير التحرش بها عدة مرات، وعندما هددته بتبليغ الشرطة، استغل علاقته بالحزب ليكتب تقارير مسيئة لشخصيتها،…ثم دبر لها مقلبا تافها، اتهموها بتعليم التلاميذ أشياء محرمة، والتمادي في الدعوةللتحرر من سلطة العائلة.) (ص31) على خلاف” رضا الشاوش” ، لم تتنازل المعلمة عن مثلها، ولم تخضع لمنطق السلطة، و (دفعت ثمن هذا غاليا، بالرغم من أنها تركت المدرسة منتشية وهي تقول: لا يمكنني العيش مع هؤلاء الكلاب..) (ص31) تركت أثرا عميقا في تربية وتكوين “رضا الشاوس”، عندما أهدته في العاشرة من عمره رواية (المسخ) لكافكا، من يومها كما يقول (لا أدري ما حدث في رأسي، سكنتني ذبابة الأدب، كما جنون القصص والخيالات…) (ص29)
محكي الجهاز: يتعلق الأمر بجهاز أمني يتحكم في مصادر السلطة،و يعمل في الخفاء. تقوم بنيته التنظيمية على هندسة هرمية صارمة، المنتمي إليه يتحول إلى (عبد مأمور) (لقد بدأت الأمور هكذا بعد الاستقلال، التقينا، وتحدثنا، وكانت الفكرة تأسيس جماعة في الظل تحمي البلاد وتسيرها من خلف ستار)(ص127) كانت تقوم بتصفية المعارضين للنظام، وأخذ عمولات من رجال الأعمال بالقوة، تتحكم في مصادر القوة، السلطة و والمال و جهاز الأمن . تحيل هذه المحكيات على نماذج دلالية وثقافية متعددة، تتحدد اتجاهاتها ومواقفها وعلاقاتها بالنسق المهيمن، نسق السلطة، بحسب قيمة موضوع الرغبة.هناك من ارتضى الخضوع للنسق،و تحول إلى مجرد م دمية في نظام السلطة، وهناك من قرر انتهاك النسق، بمعارضة السلطة وفضح بنيتها القمعية، ودفع ثمن معارضته. وهناك من اختار المنفى خارج الوطن، بدل الخضوع لسلطة القمع، بحثا عن
إمكانيات جديدة للفعل. ومثلما تتعارض هذه النماذج في اتجاهاتها ودوافعها، تتعارض أيضا في مواقفها ورؤاها. يمثل عزوز نموذج الوصولي والانتهازية. بينما يمثل البطل نموذج الارتداد عن المثل العليا ولانشطار الهوية وخيبة الأمل.بالمقابل يمثل سي العربي نموذجا لتحدي نظام القمع، بالوفاء للمثل والمبادئ. ويمثل الصوت الأنثوي في هذا النسق السلطوي الذكوري نموذجا ديناميا، يعمل النص على إبراز صوته الانتهاكي. بدل أن تشكل الحكاية نسقا متجانسا، تمثل صيرورة منفتحة على التشعب والتغاير في مساراتها السردية والدلالية. فهي وإن كانت تتبنى ترسيمة النموذج البنيوي الفردي، من حيث أنها حكاية فرد لحياته، وللتجارب التي تنجزها الذات، فإنها تؤشر في نفس الوقت على انتهاك قوانين هذه الترسيمة، باعتماد مبدأ التشعب، حيث يشكل كل انبثاق سردي ، مسارا جديدا يمكن انطلاقا منه أن يعاد تأويل كل شيء من بدايته. ومن جهة أخرى، من أجل الإمساك بقواعد الاشتغال الداخلي للنص، ينبغي تحديد قواعد تداول التشاكلات التي تتبدى من خلالها التحويلات في مجرى النموذج الأصلي.في مقابل النموذج الشيطاني (البطل، الجهاز، الأب، عزوز) ينهض نموذج بديل، هو النموذج التنويري (سي العربي، الجماعة اليسارية، عدنان،). هذه النماذج المنبثقة لا تتميز عن الحكاية الأصل، بالتلوين الأخلاقي المختلف إيجابا أو سلبا، أي الخير في مقابل الشر، و وخدمة السلطة في مقابل معارضتها، بل تتميز عنها في الإستراتيجية والخطاب. المسار الشيطاني يتحكم في الوضع القائم، و يكسب شرعيته من الماضي (الثورة) بالاعتماد على قوة القمع، بالمقابل ينبثق المسار التنويري من الداخل، منتهكا قوانين السلطة، ومنفلتا من إستراتيجيتها في الضبط والتحكم ، يؤسس شرعيته بقوة الخطاب الانتهاكي، خطاب الحرية والتحرر، ويستمد قوته من أفق المستقبل . من وجهة نظر القوة يسيطر المسار الأول، إلا أنه وبفعل انبثاق هذه البنيات الجديدة، وما أفرزته من قوى انتهاكية بديلة، قوى الاختلاف والمعارضة ، حتى وإن كانت توجد في وضع الهامش، بتبنيها إستراتيجية مضادة، تعرض قوى السلطة لارتجاجات عنيفة على مشارف نهاية النص، تهدد تماسكها، بزرع بدور التفكك والشك في منطق إيديولوجيتها .( لماذا سارت الأشياء بعدها عكس ذلك، لقد حاربنا في البداية المعارضين العملاء للإمبريالية، ولكننا أصبحنا العملاء، نحن من يخدم مصالحهم، ونسيرها لهم، ونأخذ بعض الفتات)(ص127) .سياسات السرد/ انتهاك المحظوريصور الهجاء العالم في شكل منحط وساخر من أجل نقده وهدمه.هذا ما تؤكده هيمنة مجازات الخيال الشيطاني (الظلام، البشاعة، الدهاليز، المسخ) على المتخيل.ففي مواجهة إستراتيجية السلطة المتمثلة في تقديم رواية رسمية أحادية للتاريخ، تقع إستراتيجية التخييل الروائي في صميم النزاع على استعمالات الماضي، حيث يتحدد الرهان الاستراتيجي للتخييل في تقديم سرديات بديلة ومنظورات مغايرة للتاريخ لتلك التي تفرضها السلطة، أو يقدمها رواة نيابة عنها( الأب، الأخ، سعيد عزوز، الجهاز الأمني). وكم بينت جينيالوجيا “نيتشه ” تشكل عميلة كتابة التاريخ وميراث الذاكرة إحدى مرتكزات السلطة في تأسيس شرعيتها والحفاظ على نفوذها، حيث تقوم بترسيم الخطوط الحمراء لما يقال وما لايقال، ما يكتب وما لا يكتب (للأسف نعم، أنا أنصحك، لا تقترب من الآن فصاعدا من سعيد، لا أدري ما هي نواياه،ولكني حذرته وهو فهم الإشارة جيدا، ليس بإمكان أحد النبش في الماضي السري لبلدنا) (ص73). يقوم رهان التخييل إذن على الحفر السردي في الماضي السري للثورة الذي أحكمت السلطة حوله خطوط المنع . ويتم إطلاق قوة الانتهاك بتشخيص الأصوات المقموعة، التي تقدم حكايتها البديلة لحكاية السلطة. وبالتالي كتابة تواريخ جديدة ، تفضح المسكوت عنه في رواية السلطة، ومن جهة أخرى خلخلة المقدس (نقد الثورة) الذي ترتكز عليه السلطة في مشروعيتها (لكن رجال الثورة تحولوا بقدرة قادر إلى رجال الثروة لاحقا، وقسموا البلد لقسمين، قسم نافع يعيشون فيه، ويتبخترون في نعيمه، وقسم فاسد، تركوه ينتحر في فوضى أزماته اليومية، وينتحر غرقا في بؤسه الاجتماعي والمادي والأخلاقي على السواء.) (ص98). وهذا ما يبرزه النص في الاستغلال البشع من قبل السلطة لميتافيزيقا الثورة في فرض روايتها للتاريخ وإقصاء الأصوات الأخرى المعارضة (المجاهد سي العربي، والد سعيد عزوز…)، وارتكاب الجرائم ضد المعارضين باسم الثورة، حيث تشتغل الآلة الدعائية للسلطة في نشر الأكاذيب (ما يهلكنا اليوم هو الصمت، النفاق، الكذب، تقرأ جرائدهم فتضحك، تمزق رأسك، وتقول يا للفظاعة ما هذا البلد الذي يسجن نفسه في الأكاذيب، لن يقدر الناس على التحمل…ستنفجر في يوم من الأيام.) (ص88) في مواجهة إيديولوجيا المنع والكذب، يبني التخييل الروائي إستراتيجيته بإعادة كتابة قصص الثورة، بالنبش في التاريخ والذاكرة، وإحياء الروايات المنسية و المقموعة ( صوت سي العربي)، وإسماع الأصوات البديلة. وهو ما يفضي إلى إعادة تمثيل وضع المهمشين والمقموعين في وجه المهيمنين، بالتوازي مع جعل الأسس الخفية لتلك السلطة مرئية ، ثم تفكيك وحدة خطابها، وكشف وظيفتها في مجال إسكات الفرد وقهر المواطن. وهذا ما يشكل تهديدا حقيقيا لخطاب السلطة من المنظور المهمش حول التاريخ، ومن الانتهاكات التي تفرضها أنساق بديلة غير خاضعة للنظام، ومن أشكال التهجين والأسلبة والتذويت .انبثاق هذه الديناميات البديلة من داخل النظام، رغم الانتشار الميتافيزيقي للسلطة على مفاصل المجتمع، يؤكد أنه ما من حتمية مطلقة قادرة على بسط نفوذها على مجموع الكلية ،” فإن ما هو جدير بالتكرار القول إنه، مهما بلغت سيطرة عقائدية ما أو نظام اجتماعي ما من الاكتمال الظاهري، فستكون ثمة دائما أجزاء من التجربة الاجتماعية لا يغطيانها ويسيطران عليها. ومن هذه الأجزاء تنبع حالات كثيرة جدا معارضة واعية للذات وجدلية معا. وليس هذا على القدر من التعقيد الذي يبدو عليه. فمقاومة بنية سائدة تنبع من وعي متصور، بل ربما كان أيضا ناشطا، من قبل أفراد وجماعات خارج تلك البنية وداخلها بأن بعض سياساتها، مثلا خاطئة” .
بواسطة admin • 09-متابعات ثقافية • 0 • الوسوم : العدد الثامن والعشرون, د.محمد بوعزة