آفاق ناصر الهلابي
ضرب يديه أرضاً ثلاثاً ، ثم رفعها ثلاثاً ، وفي المرة الأخيرة غاصت أنامله في التراب لتتجرع حفنة منه ، وترتفع إلي ما فوق رأسه الذي تحرر من طوق العقال ، ولم يظهر عليه سوي قماش أبيض شفاف يلف بشدة حول شعره المجدول . .المكان من حوله تراب ، تراب فحسب ، لا شجر .. لا نبات .. لا نبع .. لا ماء .. يصاحب هذا الصمت المقيم هبوب رياح لولبية تدور في دوامات ذات أنصاف أقطار متفاوتة تفعل فعلها في تدحرج الحبيبات الرملية المتلاصقة جزئياتها فتسقط متراكمة فوق بعضها البعض مصدرة صوتاً خافتاً يكاد يصل إلي تجاويف الأذن . عاد بذاكرته قليلاً إلي الوراء عندما ارتمي علي مقعده في أعياء شديد ، وجد نفسه يخرمن السماء هاوياً ، يضرب بيديه ورجليه في كل اتجاه يدور حول محوره الرأسي تارة والأفقي تارة أخري .. وأحياناً أخري يجول في حركات عشوائية تذبذبية وفي مسارات منحنية تتبعها حركات في خطوط متعرجة واتجاهات غير محدودة النهايات حاول مراراً أن يتشبث بأي جسم شئ ، وأن يركب أي طبق وأن يتعلق بأي شئ .. كان الظن السائد عنده حينها أن الكون فراغ وأنه يجري في فضاء معدوم الرؤثية ، وأن السماء قد انشقت القت ما فيها وتخلت مد نظره في الفضاء الفسيح عله يري ما يبث الاستقرار في روحه ويجلب الطمأنينة إلي قلبه لكنه لم يجد سوي شهاباً رصداً وإجساماً تقذف بحمم نارية وكواكب منتثرة هنا وهناك وسحباً قادمة مركومة بدت مثل السراب . شاهد بعدها كائنات غيبية لها مناقير كالطيور المتوحشة لم ير مثلها في حياته ترقبه عن كثب وتطارده تريد أن تنتزعه من عالمه وتهوي به بعيداً فزع لهذا المشهد الداكن حاول أن يتفاداها دون أن تمسك به وحرك ساعديه في كل اتجاه ، وركلها برجليه حتي دمت قدماه استنفذ قوة هائلة لا يدري من اين اكتسبها أ جاءت إليه ولكنه يقيناً حاول إلي أن برق بصره ، وهج نور قوي أصابه بعمي لحظئ تراءي له من خلفه كره صغيرة معلقة .. لا يدري كيف ذهب الظن به إلي الاعتقاد أنها ملاذه الوحيد وأنها المقصد الذي يريد . غير أنه حاول غير مرة أن يصل إليها ، وفي كل مكان مرة يتعثر .. اتبع مساراً آخر وسبح محركاً يديه ورجليه طائراً يطير إليها بشوق حميم وتلهف منقطع النظير … كأن الجهد المبذول عسيراً ورحلة الوصول غير يسيرة تمعن في الخلاء المحيط به فوجده خاوياً .. أرض قفراء يتيمة تشكو حالها كان يعتقد توهمها أنها الأرض ، غير أن تلك الظنون قد تلاشت حينما لامست قدمه حافة المقعد فانتفض مذعوراً يحدق في الخلاء البعيد .
أغسطس 9 2011
آفاق …………………………………. ناصر الهلابي
آفاق ناصر الهلابي
ضرب يديه أرضاً ثلاثاً ، ثم رفعها ثلاثاً ، وفي المرة الأخيرة غاصت أنامله في التراب لتتجرع حفنة منه ، وترتفع إلي ما فوق رأسه الذي تحرر من طوق العقال ، ولم يظهر عليه سوي قماش أبيض شفاف يلف بشدة حول شعره المجدول . .المكان من حوله تراب ، تراب فحسب ، لا شجر .. لا نبات .. لا نبع .. لا ماء .. يصاحب هذا الصمت المقيم هبوب رياح لولبية تدور في دوامات ذات أنصاف أقطار متفاوتة تفعل فعلها في تدحرج الحبيبات الرملية المتلاصقة جزئياتها فتسقط متراكمة فوق بعضها البعض مصدرة صوتاً خافتاً يكاد يصل إلي تجاويف الأذن . عاد بذاكرته قليلاً إلي الوراء عندما ارتمي علي مقعده في أعياء شديد ، وجد نفسه يخرمن السماء هاوياً ، يضرب بيديه ورجليه في كل اتجاه يدور حول محوره الرأسي تارة والأفقي تارة أخري .. وأحياناً أخري يجول في حركات عشوائية تذبذبية وفي مسارات منحنية تتبعها حركات في خطوط متعرجة واتجاهات غير محدودة النهايات حاول مراراً أن يتشبث بأي جسم شئ ، وأن يركب أي طبق وأن يتعلق بأي شئ .. كان الظن السائد عنده حينها أن الكون فراغ وأنه يجري في فضاء معدوم الرؤثية ، وأن السماء قد انشقت القت ما فيها وتخلت مد نظره في الفضاء الفسيح عله يري ما يبث الاستقرار في روحه ويجلب الطمأنينة إلي قلبه لكنه لم يجد سوي شهاباً رصداً وإجساماً تقذف بحمم نارية وكواكب منتثرة هنا وهناك وسحباً قادمة مركومة بدت مثل السراب . شاهد بعدها كائنات غيبية لها مناقير كالطيور المتوحشة لم ير مثلها في حياته ترقبه عن كثب وتطارده تريد أن تنتزعه من عالمه وتهوي به بعيداً فزع لهذا المشهد الداكن حاول أن يتفاداها دون أن تمسك به وحرك ساعديه في كل اتجاه ، وركلها برجليه حتي دمت قدماه استنفذ قوة هائلة لا يدري من اين اكتسبها أ جاءت إليه ولكنه يقيناً حاول إلي أن برق بصره ، وهج نور قوي أصابه بعمي لحظئ تراءي له من خلفه كره صغيرة معلقة .. لا يدري كيف ذهب الظن به إلي الاعتقاد أنها ملاذه الوحيد وأنها المقصد الذي يريد . غير أنه حاول غير مرة أن يصل إليها ، وفي كل مكان مرة يتعثر .. اتبع مساراً آخر وسبح محركاً يديه ورجليه طائراً يطير إليها بشوق حميم وتلهف منقطع النظير … كأن الجهد المبذول عسيراً ورحلة الوصول غير يسيرة تمعن في الخلاء المحيط به فوجده خاوياً .. أرض قفراء يتيمة تشكو حالها كان يعتقد توهمها أنها الأرض ، غير أن تلك الظنون قد تلاشت حينما لامست قدمه حافة المقعد فانتفض مذعوراً يحدق في الخلاء البعيد .
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد الثامن, ناصر الهلابي