لم يستطع استيعاب مكوناتها المكتوبة بحروف دقيقة بيضاء كلمات مصطلحات مبهمة سطور متقاربة ، كسور ، أما السائل فيقع لونه بين بني غامق وأحمر صريح به مس من لون السماء في يوم صيفي صحو خلو من اي غمام .
أين ؟
متي ؟
متي طالع هذه المساحة من اللانهائية ؟ لا يمكنه التحديد الآن .. تتقارب اللحظات المندثرة تندغم ، تتلاشي حوافها ، تنصهر بعضها في بعض فلا يلوح إلا معان وإشارات مصاحبة لشظايا وقت تفد عليه بصعوبة .
يمسك العلبة الأسطوانية الزرقاء لم يعرف مثل تلك الرائحة في أي نوع من الصابون الجامد أو السائل تمثل في أفق وعيه الآن صابونة ملساء ملفوفة في ورق ناعم ، تحكمه وتلصقه قطعة مشرشرة الحواف ، خضراء كتابة فضية .
نابلسي شاهين :
صابون معجون بزيت الزيتون ، تطل العلامة بقوة الآن ، ناصعة ، تلغي ما عداها ، معلقة دالة علي حقبة ومرشدة إلي فترة لم يعد باقياً منها إلا صدي . يحكم إغلاق الباب الحمام مستطيل بمفرده تماماً العاشرة والثالث لا يعرف أين سيكون في مثل هذه اللحظة من الليلة القادمة ، أما في غرفة العناية المركزة بعد انتهاء العملية أو ملفوفاً في قماش متين بما تقضي به الأحوال لم يهمل تلك النقطة كتب ما يجب أن يتبع لزوجته المنتظرة الآن خروجه .
الآن … العاشرة وثلاثة وشرون ..
غداً صباحاً في الحادية عشرة يجب أن يسلم نفسه إلي قسم التجهيز لكن الإعداد الفعلي يبدأ الآن تهيئة جسده للشق للنصال المعقمة الآن في حيز ما في المبني القريب .
عاد تماماً في مواجهة المرآة يبسط كفه فوق صدره إذا قدر له الرؤية مرة أخري فلن يشهد الوضع هكذا أثناء جلوسه في البهو منذ وصوله بعد مغيب كل يوم وإصغائه إلي من سبقوه وعادوا لقضاء فترة النقاهة قبل سفرهم النهائي ، كان يتطلع خلسة إلي الجرح الملتئم الصاعد من أسفل إلي ما قبل الحنجرة عند النقاء الترقوتين يسترجعون ما جري يحكي .. كل منهم ما مر به بستعيد الحوارات والملاحظات تتخلل كلماتهم طلات فرح وبهجة سارية لم يقصر كل منهم في طمأنته وإبداء النصح والإفضاء بخلاصة الوضع .
هل سيجلس مثلهم ويقص ما جري ؟
أنه هادئ تمامامً ، كأنه يرقب نفسه من مسافة لا يقدر علي تعيينها يتجرد من الساعة يسندها فوق الرف الزجاجي شعر صدره سيحلق صباحاً لن يقترب منه لا بد أن لهم طريقة خاصة لكنه سيزيل شعر العانة رغم بعده عن موضع عمل الجراح .
موضــع عمــل ؟ !!
يبتسم مناسباً فتح صدره والوصول إلي قلبه المتواري في موضعه الدفين بالنسبة للآخرين مهمة ، عمل شغل ، علي مهل يبدأ .. لم يكن كثيفاً ، آخر مرة حلقة منذ ثلاثة أسابيع ، يتحسس نعومة الجلد ، خلو ما يحيط الخصيتين لا يعرف أي فخذ سيأخذون منه الوريد البديل لوصله بالقلب .
إنه راض عن ملاسة جلده ونعومة أسفل البطن يتابع أجراف اشعر تجاه فتحة البالوعة المستديرة ، نهاية الحوض المستطيل ، يتساءل : لماذا يشمئز المرء من نفاياه ؟! ألم تكن جزءاً منه ؟! لماذا يصر علي تهيئة جلده ، وإزالة شعره مع أنهم لم يطلبوا ذلك منه ، ولم يتضمن الدفتر الخاص بالإرشادات أي إشارة ؟ بعد أن يفرغ سيقص أظافره أيضاً بعناية مبادرة منه ، مبادرة ! يبتسم متأسياً ، يبدأ تدفق رذاذ المياه المنهمر يتحول إلي خيوط تتجاوز فوقه تبلله تماماً يتراجع إلي الخلف خطوة يتغير إيقاع الماء لم يعد جسده يعترض الأنهمار المتدفق يفتح العلبة بإدارة الغطاء يتلقي مقداراً من السائل فوق راحته يبدأ برقبته من أمام ومن خلف ثم صدره بمجرد ملامسة الجلد يتحول اللون الغامق إلي برتقالي فاتح ، أو غامق قليلاً لا يمكنه التحديد بدقة للضوء اعتبار .
يبسط راحته علي صدره ، حركة يده دائرية صاعدة هابطة ينتقل إلي ذراعيه ما تحت الإابطين بطنه لسعان خفيفة عند العانة المحلوقة ما بين الفخذين الركبتيني الساقين ينحني متخللاً ما بين أصابع القدمين .
إذ ينحني مغموراً بالماء الدافي تتغمغم المرئيات تتداخل الأبخرة واللحظات العالقة أمه أصباح الجمع إذ تصب الماء وتدعك ظهره باللوف المغمور في الصابون يستسلم تماماً ، مع تقدم العمر لم يتوقف حتي الثالثة أو الرابعة عشرة عن أستدعائها لتطول بيديها ما لا يمكنه الوصول إليه .
أدعكي لي ظهـري …
لم يطلب ذلك من زوجته قط ، أو أي إنسان آخر بل أن لحظات الحمام من أشد أويقات وحدته يحكم إغلاق الباب ، أبخرة ، حواف ضبابية يصعب التعلق بها قاعة مستطيلة تنز قدماً ورطوبة المواسير ممتدة تحت السقف مباشرة تتخللها الفتحات تصب الماء صباً علي الأجساد العارية المرة الوحيدة المتاحة للاستحمام بالماء الساخن كل أسبوع في المعتقل النائي يتنفي الخجل من العري كأنه يري جسده الآن من خارج يحيط به من أعلي من فوق من سائر الجهات تماماً كما تفد عليه شظايا أوقاته المندثرة كأنها تمت إلي شخص آخر يرفع ذراعه اليمني يدعك الثنايا يبدل الوضع بقدر ما يدعك جيداً بقدر تسرب السائل عبر المسام ينفذ إليه كرائحة أيضاً مرة أخري يصعب عليه تحديد مرجعية معينة .
لا يتذكر أين ومتي قرأ نصوصاً عن الاستحمام وأفضلية البدء بالرأس لأنها أشرف يبتسم ولماذا لا يبدأ بالسفلي ؟ هل يقوم الفوقي بدون التحتي ؟ ماذا يعني ذلك لماذا يبتسم ؟ ربما لتوارد ما لم يخطر بباله خلال تلك اللحظات ما يمر به الآن مغاير لكل ما عرفه لكنه يتوقف عند لون السائل ويحار يتابع البخار المتصاعد المتكانف علي المرآة .
تقترب أصابعه بحذر من وجهه التحذير واضح مرة أخري يعود إلي الرقبة تتحرك أصابعه بسرعة يكاد يرصد الآن تسرب السائل يدرك نفاذه إلي داخله يدفع به إلي شفا .
يوليو 16 2010
شفـــا جمال الغيطاني
لم يستطع استيعاب مكوناتها المكتوبة بحروف دقيقة بيضاء كلمات مصطلحات مبهمة سطور متقاربة ، كسور ، أما السائل فيقع لونه بين بني غامق وأحمر صريح به مس من لون السماء في يوم صيفي صحو خلو من اي غمام .
أين ؟
متي ؟
متي طالع هذه المساحة من اللانهائية ؟ لا يمكنه التحديد الآن .. تتقارب اللحظات المندثرة تندغم ، تتلاشي حوافها ، تنصهر بعضها في بعض فلا يلوح إلا معان وإشارات مصاحبة لشظايا وقت تفد عليه بصعوبة .
يمسك العلبة الأسطوانية الزرقاء لم يعرف مثل تلك الرائحة في أي نوع من الصابون الجامد أو السائل تمثل في أفق وعيه الآن صابونة ملساء ملفوفة في ورق ناعم ، تحكمه وتلصقه قطعة مشرشرة الحواف ، خضراء كتابة فضية .
نابلسي شاهين :
صابون معجون بزيت الزيتون ، تطل العلامة بقوة الآن ، ناصعة ، تلغي ما عداها ، معلقة دالة علي حقبة ومرشدة إلي فترة لم يعد باقياً منها إلا صدي . يحكم إغلاق الباب الحمام مستطيل بمفرده تماماً العاشرة والثالث لا يعرف أين سيكون في مثل هذه اللحظة من الليلة القادمة ، أما في غرفة العناية المركزة بعد انتهاء العملية أو ملفوفاً في قماش متين بما تقضي به الأحوال لم يهمل تلك النقطة كتب ما يجب أن يتبع لزوجته المنتظرة الآن خروجه .
الآن … العاشرة وثلاثة وشرون ..
غداً صباحاً في الحادية عشرة يجب أن يسلم نفسه إلي قسم التجهيز لكن الإعداد الفعلي يبدأ الآن تهيئة جسده للشق للنصال المعقمة الآن في حيز ما في المبني القريب .
عاد تماماً في مواجهة المرآة يبسط كفه فوق صدره إذا قدر له الرؤية مرة أخري فلن يشهد الوضع هكذا أثناء جلوسه في البهو منذ وصوله بعد مغيب كل يوم وإصغائه إلي من سبقوه وعادوا لقضاء فترة النقاهة قبل سفرهم النهائي ، كان يتطلع خلسة إلي الجرح الملتئم الصاعد من أسفل إلي ما قبل الحنجرة عند النقاء الترقوتين يسترجعون ما جري يحكي .. كل منهم ما مر به بستعيد الحوارات والملاحظات تتخلل كلماتهم طلات فرح وبهجة سارية لم يقصر كل منهم في طمأنته وإبداء النصح والإفضاء بخلاصة الوضع .
هل سيجلس مثلهم ويقص ما جري ؟
أنه هادئ تمامامً ، كأنه يرقب نفسه من مسافة لا يقدر علي تعيينها يتجرد من الساعة يسندها فوق الرف الزجاجي شعر صدره سيحلق صباحاً لن يقترب منه لا بد أن لهم طريقة خاصة لكنه سيزيل شعر العانة رغم بعده عن موضع عمل الجراح .
موضــع عمــل ؟ !!
يبتسم مناسباً فتح صدره والوصول إلي قلبه المتواري في موضعه الدفين بالنسبة للآخرين مهمة ، عمل شغل ، علي مهل يبدأ .. لم يكن كثيفاً ، آخر مرة حلقة منذ ثلاثة أسابيع ، يتحسس نعومة الجلد ، خلو ما يحيط الخصيتين لا يعرف أي فخذ سيأخذون منه الوريد البديل لوصله بالقلب .
إنه راض عن ملاسة جلده ونعومة أسفل البطن يتابع أجراف اشعر تجاه فتحة البالوعة المستديرة ، نهاية الحوض المستطيل ، يتساءل : لماذا يشمئز المرء من نفاياه ؟! ألم تكن جزءاً منه ؟! لماذا يصر علي تهيئة جلده ، وإزالة شعره مع أنهم لم يطلبوا ذلك منه ، ولم يتضمن الدفتر الخاص بالإرشادات أي إشارة ؟ بعد أن يفرغ سيقص أظافره أيضاً بعناية مبادرة منه ، مبادرة ! يبتسم متأسياً ، يبدأ تدفق رذاذ المياه المنهمر يتحول إلي خيوط تتجاوز فوقه تبلله تماماً يتراجع إلي الخلف خطوة يتغير إيقاع الماء لم يعد جسده يعترض الأنهمار المتدفق يفتح العلبة بإدارة الغطاء يتلقي مقداراً من السائل فوق راحته يبدأ برقبته من أمام ومن خلف ثم صدره بمجرد ملامسة الجلد يتحول اللون الغامق إلي برتقالي فاتح ، أو غامق قليلاً لا يمكنه التحديد بدقة للضوء اعتبار .
يبسط راحته علي صدره ، حركة يده دائرية صاعدة هابطة ينتقل إلي ذراعيه ما تحت الإابطين بطنه لسعان خفيفة عند العانة المحلوقة ما بين الفخذين الركبتيني الساقين ينحني متخللاً ما بين أصابع القدمين .
إذ ينحني مغموراً بالماء الدافي تتغمغم المرئيات تتداخل الأبخرة واللحظات العالقة أمه أصباح الجمع إذ تصب الماء وتدعك ظهره باللوف المغمور في الصابون يستسلم تماماً ، مع تقدم العمر لم يتوقف حتي الثالثة أو الرابعة عشرة عن أستدعائها لتطول بيديها ما لا يمكنه الوصول إليه .
أدعكي لي ظهـري …
لم يطلب ذلك من زوجته قط ، أو أي إنسان آخر بل أن لحظات الحمام من أشد أويقات وحدته يحكم إغلاق الباب ، أبخرة ، حواف ضبابية يصعب التعلق بها قاعة مستطيلة تنز قدماً ورطوبة المواسير ممتدة تحت السقف مباشرة تتخللها الفتحات تصب الماء صباً علي الأجساد العارية المرة الوحيدة المتاحة للاستحمام بالماء الساخن كل أسبوع في المعتقل النائي يتنفي الخجل من العري كأنه يري جسده الآن من خارج يحيط به من أعلي من فوق من سائر الجهات تماماً كما تفد عليه شظايا أوقاته المندثرة كأنها تمت إلي شخص آخر يرفع ذراعه اليمني يدعك الثنايا يبدل الوضع بقدر ما يدعك جيداً بقدر تسرب السائل عبر المسام ينفذ إليه كرائحة أيضاً مرة أخري يصعب عليه تحديد مرجعية معينة .
لا يتذكر أين ومتي قرأ نصوصاً عن الاستحمام وأفضلية البدء بالرأس لأنها أشرف يبتسم ولماذا لا يبدأ بالسفلي ؟ هل يقوم الفوقي بدون التحتي ؟ ماذا يعني ذلك لماذا يبتسم ؟ ربما لتوارد ما لم يخطر بباله خلال تلك اللحظات ما يمر به الآن مغاير لكل ما عرفه لكنه يتوقف عند لون السائل ويحار يتابع البخار المتصاعد المتكانف علي المرآة .
تقترب أصابعه بحذر من وجهه التحذير واضح مرة أخري يعود إلي الرقبة تتحرك أصابعه بسرعة يكاد يرصد الآن تسرب السائل يدرك نفاذه إلي داخله يدفع به إلي شفا .
بواسطة admin • 04-نصوص قصصية • 0 • الوسوم : العدد الثانى