رحلة الفن التشكيلي بدولة قطر أ.د. ليلي حسن علام *
يتناول هذا البحث رحلة الفن التشكيلي بدولة قطر بوصفه إحدي الواجهات الحضارية للدولة حيث يساهم الفنانون القطريون التشكيليون في إبراز ملامحه للرائي المتذوق من الجمهور القطري بصفة خاصة والخليجي بصفة عامة .
ولتسجيل ذلك الحدث المهم سوف أتناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي :
المحور الأول : ويتضمن تأريخ الحركة التشكيلية منذ بدايتها وحتي وقتنا الحاضر ويتناول المحور الثاني : الرموز والأشكال البيئية التي ساهمت في إثراء الأعمال الفنية للفنانين القطريين التشكيليين ، أما المحور الثالث : فهو مدخل للتعرف علي المدارس الفنية التي انتهجها الفنانون التشكيليون القطريون في أعمالهم الفنية .
المحور الأول :
البعد التاريخي للفن التشكيلي القطري :
تبدأ قضية التاريخ للفن التشكيلي بقطر مع بداية وصول البعثة الأركيولوجية التي اضطلعت بالتنقيب في قطر علي النقوش الصخرية القطرية الموجودة بجبل الجساسية في شمال شبه الجزيرة القطرية عام 1956 ، حيث وجدت لعبة للتسلية تسمي الحويلة وهي عبارة عن مجموعة من العلاقات التي تشبه الأكواب في صفوف نمتوازية علي شكل وردة ، كما عثر علي نقوش لأشكال من السفن بعضها نقش بطريقة الحفر الغائر مع العناية بالتفاصيل الدقيقة لأجزاء السفن من مجاديف ومرساة وتعتبر هذه الصورة الفنية نادرة بين النقوش الصخرية ولم يسبق تسجيلها من قبل في الخليج العربي وربما تعود إلي عام 1400 م وهي خالية تماماً من أي رسومن آدمية ولكن بها القليل من رسوم الحيوانات .
كما عثر علي أدوات من العصور الحجرية في (الحملة) ورأس ( عوينات علي) جنوبي منطقة دخان تمثل فؤوساً ومقاشر ونبالاً وكميات من حجر الصوان تعود إلي العصور ( الباليوليثية ) .
كذلك أسفرت عمليات التنقيب عن الآثار عام 1956 في منطقة أم الماء الواقعة علي الشاطي الغربي من البلاد علي بعد نحو 19 كم جنوبي الزيارة عن العثور علي كثير من الآثار حوالي أربعين قطعة أثرية يرجع تاريخها إلي العصور الحجرية المختلفة كما عثرت البعثة علي عدة مئات من الأدوات الحجرية الجميلة الصنع التي ترجع إلي عصور بعيدة في القدم وبعضها ذو قيم علمية كبيرة ولمسة فنية صاغتها يد الفنان القديم .
ولكن كان للتبدلات المناخية عبر العصور في منطقة الخليج من جليدية إلي حجرية إلي معتدلة فصحراوية وما طرأ علي الأرض من متغيرات ، تأثير كبير لم يتح المجال للاحتفاظ بالآثار والعاديات التي استعملها الإنسان .
ولقد جاءت منعكسات الصحراء علي القيم التعبيرية للفنان الشعبي لقد مرة بعدة فعاليات كانت منبثقة من الأدوات التي مر بها بين حياة البادية ثم إلي حياة البحر ، مما ألح علي الفنان الشعبي ليعبر عن إيحاءات البيئة لذلك نجد البيئة الشعبية في قطر قد تميزت بوفرة صناعتها الشعبية خاصة المشغولات النسجية .
فقد ذكر أحد المؤرخين العرب – وهو ياقوت الحموي – أن قطر كانت حلقة الوصل بين االبصرة وواسط في نقل البضائع وبخاصة نسيج البرود والثياب ولقد حرص البدو في منطقة قطر علي تمييز وحدة الوسم في نسيجهم وفقاً للقبيلة والعشيرة كما تمتعت منسوجاتهم الزاهية بألوانها ونقوشها الجميلة ولقد استمدت هذه الوحدات الزخرفية من اليئة المحيطة بهم .
وتؤكد الدلالات الاجتماعية التي توحي بها ألوان السد وأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبيئة كارتباك الأشكال المنسوجة عليها فاللون الاحمر يعبر عن الفرح والأبيض عن وضوح النهاري والأسود يوحي بسواد الليل والسكينة والوقار .
ومن الملاحظ أن المرأة القطرية كان لها دور رئيسي في التشكيل الفني للسدو وتظهر مهارتها وقدرتها علي إيداع سدو ذي تصميمات هندسية وأشكال مستوحاة من البيئة المحيطة بها حيث يتضح أن هناك رموزاً فنية ذات دلالات شعبية مرتبطة بعادات وتقاليد بدو المجتمع القطري فمثلاًَ يرمز للشجرة بالمثلث أو المربع أو المعين كما نجد أيضاً بعض الرموز قد استخدمت في النسيج الشعبي القطري مثل الثعبان والجمل والعقرب والمقص والمنجرة والمشط والكتابات والخطوط المتعرجة وضورس والخيل والعويرجان ، وهو تصغير للفظ عرجون وهو ما يحمل التمر والعذق من النحل كالعنقود من العنب وتحكي مجموعة هذه الرموز معني الصحراء وامتدادها وهناك رموز أخري تعبر عن قصص يعرفها البدو من الماضي المحمل بتجارب قد تحوي صراعاً مع الشكل والخامة والأدوات التعبيرية لتصل بنا في النهاية إلي طراز فريد مميز كما استطاع الفنان الشعبي أن يدخل الحس الفني في استخداماته البيئية مثل المساند والسروج الخيل والخيام والذي اصبح بعد ذلك مصدراً لإلهام الكثير من الفنانين القطريين المعاصريين .
وتظهر خبرة الفنان الشعبي في زخرفة الأبواب الشعبية والزخارف الجبسية ذات عناصر زخرفية محلية تتوافق مع التوجه الإسلامي الموجود نذكر منهم محمد جاسم زيني الذي عمل في الحفر علي السطوح الجبسية والزخرفية القديمة ثم حفر علي الخشب وصنع نماذج واشكالاً حيوانية مجسمة ونفذ نماذج من السفن متعددة الأشكال وعمل في زخرفة المنازل بصبغها بالألوان التي كان يسودها زرقة البحر وبرتقالية السماء .
ثم تطور الفن التشكيلي بعد ذلك ليبدأ مرحلة معاصرة بعد ظهور النفط في قطر عام 1949 ، وبدأت البلاد نهضة تطورية ف يالتعليم والتكنولوجيا فافتحت المدارس وأنشأت جامعة قطر والمؤسسات التي ساهمت في تأكيد وانطلاق الحركة الفنية التشكيلية بالدولة .
وحقيقة الأمر فقد لعبت وزارة التربية والتعليم دوراً بارزاً في نشر الوعي الفني بين الطلاب والطالبات من خلال حرصها علي إدخال مادة التربية الفنية ضمن المنهج العام الدراسي فوضعت الخطط والبرامج لتطوير طرق تدريس التربية الفنية والاستعانة بالكفاءات التدريسية في هذا المجال ، كما حرصت علي الاهتمام بالمعارض الداخلية والخارجية للتربية الفنية وتخصيص قاعات للمراسم وحجرات للنشاط الفني الصلافي ليزاول فيه الطلاب نشاطهم الفني كما عنيت بتوفير الوسائل التعليمية من أفلام تشتمل علي أعمال مشاهير الفنانين واساليب تكنيك واستخدام الخامات المختلفة وطرق معالجتها ، كما اعتمدت كتباً منهجية للتربية الفنية لدور المعلمين والمعلمات خاصة بمقررات التذوق الفني وتاريخ الفن وطرق تدريس الفنون وتم وضع معايير موضوعية للفن وكلها كانت تهدف إلي تعريف الطلاب بماهية الفن والتربية الفنية وتكوين ميول واتجاهات إيجابية نحو الفن لديهم لخلق جيل من المتذوقين للفنون التشكيلية وتشجيع الطلاب للإبداع في مجال الفن التشكيلي لبناء جيل من الفنانين التشكيليين من ابناء هذا الوطن .
كما ان توجيه التربية الفنية يقوم بإعداد البحوث والتجارب الفنية الجديدة إيماناً منه باستخدام الحاسوب العلمي البناء في العمل ، وكذلك إقامة المعارض الفنية الداخلية منها والخارجية بهدف التعرف علي الموهوبين وتنمية ورعاية وصقل مواهبهم نذكر منها علي سبيل المثال وليس الحصر – أول معرض أقيم وقد ضم نتائج الرسم والأشغال اليدوية لجميع طلبة مدارس قطر في مدرسة قطر النموذجية للبنين عام 1961 وخصصت غرفة لكل مدرسة عرضت فيها غبداعات الطلبة وقد اتضح تاثير الطلبة بالبيئة القطرية وذلك من خلال الموضوعات المعروضة والتي تناولت صيد السمك الغوص علي اللؤلؤ البيوت القديمة صيد الحباري ، حياة البدو .. إلخ كما تم استخدام الخامات المحلية في موضوعات تساعد علي تنمية القدرة الفنية في ابتكار أشكال فنية مستوحاة من البيئة المحيطة بالطالب ، ومن خلال هذه المعارض برزت عدة أسماء شكلت ظاهرة فريدة في حركة الرسم الحديث في قطر بعد ذلك أمثال : جاسم زيني ، أحمد الخال ، عبد الواحد مولوي وغيرهم .
ولم يقتصر دور وزارة التربية والتعليم علي إدخال وانتشار مادة التربية الفنية في المدارس بل تعدته إلي إرسال بعثات دراسية في مجال الفن تقديراً منها لدور الفن والتربية الفنية في تنمية ذوق الطالب وانعكاسه علي الذوق العام .
فكان أول طالب يقوم بدراسة الفن التشكيلي هوالفنان جاسم زيني عام 1962 ليكون أول طالب قطري في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد والتي تخرج فيها عام 1968 في أول دفعة للأكاديمية العراقية وعين بعد تخرجه في سلك التوجيه الفني مسجلاً أول موجه قطري لمادة التربية الفنية يعين بوزارة التربية والتعليم .
ثم تتابعت البعثات الدراسية خارج دولة قطر لدراسة الفن والتعمق فيه ففي عام 1970 ابتعثت الفنانة رفيقة سلطان سيف كأول سيدة قطرية تدرس الفن التطبيقي بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة وتخرجت فيها عام 1974 ثم تبعها سلمان المير عام 1971 بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وكذلك التحقت في فترة السبعينيات الفتاة القطرية الثانية بكلية الفنون الجميلة قسم الديكور وهي وضحة آل ثاني وفي نفس هذه الفترة أيضاً التحق كل من جاسم المالكي وماجد المالكي بكلية الفنون التطبيقية متخصصين في الأثاث المعدني حتي تخرجا فيها عام 1976 تبع بعد ذلك دفعات مثل أحمد زيني الذي درس في مدرسة أحمد ماهر الصناعية لمدة ثلاث سنوات ثم التحق بعدها بكلية الفنون التطبيقية وتخرج فيها عام 1980 كما استمرت وزارة التربية والتعليم في إرسال بعثاتها في مجال التربية الفنية فبعثت كلا من ماجد المسلماني ويوسف أحمد للمعهد العالي للتربية الفنية عام 1972 وتخرجا فيه عام 1976 واعتبراً بذلك أول طالبين قطريين يلتحقان بهذا المعهد التخصصي في تدريس التربية عن طريق الفن .
وفي نفس هذه الفترة كان حسن الملا قد التحق بأكاديمية الفنون الجميلة عام 1972 متخصصاً في التصوير الزيتي ثم تتابعت البعثات بعد ذلك فنجد الأخويين الكواري سيف ومحمد في القاهرة بعد أن انتهيا من مدة دراستهما في المعهد المتوسط للتربية الفنية بالرياض عام 1972 وتخرجا عام 1979 في كلية التربية الفنية بالقاهرة ، وفي خلال هذه الفترة كان ابراهيم السيد مع عبد الله فضل الله الانصاري قد التحقا بكلية التربية الفنية وتخرجا فيها عام 1978 ، وتبعهما آخرون مثل : سلمان المالكي الذي تخرج عام 1981 ، كما أمتدت البعثات الجامعية إلي أوربا وامريكا فقد أرسل الفنان محمد علي عبدالله ليتخرج في جامعة أوهايو عام 1985 ، متخصصاً في تاريخ الفن .
ولم يقصر دور وزارة التربية والتعليم علي إرسال البعثات لنيل درجة البكالوريوس ولكنها فتحت المجال للتخصص للماجستير وكان أول قطري يبتعث هو الفنان يوسف أحمد الذي حصل علي شهادة الماجستير في الفنون الجميلة تخصص تصوير عام 1982 تبعه بعد ذلك كل من سيف الكواري وماجد المسلماني عام 1981 تخصص نحت .
وحالياً بعد إنشاء جامعة قطر وافتتاح كلية التربية للبنين والبنات عام 1973 تم تخصيص قسم من بين ثمانية أقسام للتربية الفنية للبنات ، حيث أستطاع أن يسد حاجة المجتمع القطري من المعلمات المتخصصات في التربية الفنية منذ عام 1983 وحتي الآن ، أما بالنسبة للبنين فقد تم افتتاح التخصص لهم عام 1994 ويتم تخريج أول دفعة عام 1999 ، وتتكون من اثني عشر طالباً إيذاناً باستيعاب دولة قطر المتمثلة في جامعة قطر لأبنائها دون الحاجة إلي إرسالهم للخارج لنيل درجة البكالوريوس في التربية الفنية ومن هذا المنطلق الصحيح للدور العلمي في إعداد مدرس التربية الفنية سوف نجد أننا في قطر سنجنبي الثمار وذلك في التوجيه الفني والتربوي السليم للأطفال وكيفية تشجيعهم لإنماء مواهبهم وصقلها من خلال مجموعة من المتخصصين من أبناء هذا الوطن بالإضافة إلي بروز العديد من الشخصيات الفنية علي الساحة التشكيلية من البنين والبنات .
كما أن قسم التربية الفنية حريص كل الحرص علي إقامة معارض فنية سنوياً تمثل أعمال الطلبة والطالبات داخل جدران الجامعة وخارجها لنشر الوعي الثقافي الفني بين الجمهور القطري والتعريف بإنتاج الطلبة من المقررات الأكاديمية بالقسم .
وعلي الساحة التشكيلية أيضاً يجب ألا ننسي دور وزارة الثقافة والإعلام
( سابقاً ) داخل الوطن في إخراج الفنون التشكيلية القطرية من حدوده إلي العالم الخارجي لإتاحة الفرصة لاحتكاك الفنان القطري بالحركة العالمية التشكيلية فلقد كان لإنشاء المركز الثقافي عام 1976 الدور البارز الذي أتاح الفرصة لكل من يملك موهبة الرسم أو الخط أو الزخرفة للانضمام بشعبة الفنون لتحقيق ذاته .
وكان أول معرض أقيم في هذا المركز للفنان يوسف أحمد في مارس عام 1977 والذي افتتحه سعادة وزير الإعلام آنذاك بمتحف قطر الوطني كما كان أول معرض لأحد الرسامين العرب المقيمين علي ارض قطر هو الفنان المصري محمود القاضي وواصل المركز الثقافي تشجيعه لإقامة المعارض الفنية المتخصصة إلي أن تبلور وأصبح نواة إدارة الثقافة والفنون عام 1977 – 1978 والذي كان أول مدير لهاهو الأستاذ ناصر العثمان الكاتب الصحفي المعروف .
عند إنشاء إدارة الثقافة والفنون وضح اهتمامها بنشاط الفنون التشكيلية من خلال قسمين هما قسم الفنون التشكيلية وقسم المعارض وعهد إليهما بتنظيم المعارض التشكيلية محلياً وعربياً وعالمياً ، وبدأت أولي مشاركات دولة قطر في المعارض العالمية في معرض السنتين العربي الذي أقيم بدولة الكويت (بينالي الكويت) وتتابعت مشاركات دولة قطر في المعارض التي كان يقيمها الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب فقد شاركت دولة قطر عام 1974 في بغداد وعام 1976 في الرباط .
ثم توقف بينالي الكويت لأسباب مالية بالنسبة للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب كما بدأت قطر بالمشاركة في دورات بينالي القاهرة منذ عام 1984 (سبع دورات ) ، وحصلت فيها قطر علي ثلاث جوائز حصدها جميعها الفنان يوسف أحمد في الدورة الثالثة عام 1988 والدورة السادسة عام 1996 ، والدورة السابعة عام 1998 ، كما شاركت قطر في ترينالي الحفر الأول والثاني الذي يقام بالقاهرة منذ حوالي ست سنوات وأيضاً ترينالي الخزف الذي يقام كل 3 سنوات .
كما شاركت دولة قطر في المعارض الخليجية والتي أقرها وزراء الإعلام والثقافة بدول مجلس التعاون في الرياض وحصدت قطر جائزة السعفة الذهبية ونالها الفنان يوسف أحمد وكذلك في الدوحة حصل الفنان نفسه علي جائزة السعفة الذهبية ، وايضاً حصد الفنان جائزة السعفة الذهبية في الكويت ( المركز الأول ) .
كما أن للحركة التشكيلية حضوراً في المهرجانات العالمية الأخري مثل مهرجان بغداد الدولي والذي اقيم لأول مرة عام 1986 ثم شاركت قطر في المهرجان الثاني عام 1988 ، ثم توقف بسبب غزو العراق لدولة الكويت كما شاركت دولة قطر في البينالي الاوروبي والآسيوي عام 1986 وحصل فيه الفنان يوسف أحمد علي جائزة المحكمين . كذلك كانت لقطر مشاركات فنية في كل من البينالي الآسيوي المتخصص في الفن التشكيلي ببنجلادش (دكا) وقد حرص الفنانون التشكيليون علي المشاركة في الأسابيع الثقافية القطرية التي اقيمت ببلدان خارجية متنوعة مثل : فرنسا ، بون ، إسبانيا ، الأرجنتين ، هلسينكي وغيرها .
وأدي الانفتاح علي المعارض وبناليات العالم الخارجي إلي تولد تواصل وانفتاح بين الفنانين التشكيليين بدول مجلس التعاون الخليجي .
علاقة الفنانين التشكيليين علاقة أزلية كما هو معروف بدول المنطقة وتتميز هذه العلاقة بأواصر الصداقة وتبادل الزيارات وتجمع الدراسة سواء في الدول العربية أو الأجنبية .
وعليه فقد قام عدد من الفنانين أمثال يوسف أحمد وحسن الملا من قطر وعبدالرسول سلمان من الكويت وفؤاد طه المغريل من السعودية بتكوين جماعة اصدقاء الفن التشكيلي عام 1985 م ، حيث أنطلقت من ابي ظبي وباقي عواصم دول مجلس التعاون ومنها إلي القاهرة ، وتونس وبعد ذلك إلي العواصم العالمية مثل إسبانيا (مدريد) وألمانيا (بون) وأمريكا (واشنطن) والدومنيكان
( سان دومنجو ) ،وكذلك الأردن ودمشق .
يضاف إلي ذلك تجربة معارض الهواء الطلق في قطر فهي تعتبر تجربة جريئة في مخاطبة جمهور الشارع للتوعية بالحركة الفنية التشكيلية في البلاد والمشاركة فيها بحيث تكون جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية العملية .
وقد بدأ هذه التجربة كل من حسن الملا ، محمد علي ، يوسف أحمد الأصدقاء الثلاثة من خلال إقامة أربعة معارض للهواء الطلق التي أقاموها في طول البلاد وعرضها ولقد جاءت الكلمة الافتتاحية في كتيب المعرض الأول للأصدقاء الثلاثة عام 1977 : لقد تعودنا أن نقيم معارضنا للفنون التشكيلية في قاعات عرض تحت رسميات جامدة ولكننا وجدنا أن قاعات العرض ليست في متناول الجميع حيث إن حياتنا اليومية نتعقدت وأصبح من العسير علي الشخص أن يجد لنفسه متسعاً من الوقت لرؤية المعارض الفنية المقامة في قاعات العرض فلذلك رأينا أن نكسر حدة الهوة بين الفنان والجمهور الذي يهمنا أن يعرف ما نحن عليه من ثقافة فنية .
ولقد قام الأصدقاء الثلابة بعمل أربعة معارض من هذا النوع علي مدي السنوات 1977 – 1978 ، 1981 ، 1982 ، وقد اثارت هذه التجربة ونجاحها الباهر بعض المؤسسات الأهلية التي تخاطب العامة ، كإدارة المرور التي أقامت عدة معارض مشابهة ، وجمعية الهلال الأحمر القطري في معارضها لمكافحة التدخين والمخدرات وأخطار السرعة ، وغيرها من المعارض الهادفة التي تخاطب الجمهور مباشرة .
وقد شجع أيضاً وضع الحركة التشكيلية بعض المهتمين والمقيمين من المواطنين القطريين لإقامة مجموعات خاصة من الفنون التشكيلية حتي إن بعض هؤلاء قام بتجميع أكبر مجموعة للفنانين القطريين وكذلك رواد الحركة التشكيلية في الوطن العربي .
ويرجع وجود هذا العدد الكبير من الفنانين القطريين الموهوبين إلي ما قامت به إدارة الثقافة والفنون من صقل العديد من هذه الموواهب داخل المرسم الحر الذي أنشائه عام 1977 – 1978 واستدعت له أحد الفناين العرب وهو الفنان المصري جمال قطب للعمل خبيراً للفنون التشكيلية ومديراً للمرسم الحر القطري ثم بدأ تشغيل ورش المرسم الحر في بادئ الامر للذكور ، وفي هذه الأثناء كان بعض الفنانيين القطريين يترددون باستمرار علي المرسم فاصبح خلية عمل بين الفنانيين الموهوبين تحت إشراف الخبير وبخاصة في الأمور التقنية لإنجاز العديد من الاعمال الفنية .
ثم كان طموح إدارة الثقافة والفنون كبيراً ففتحت أبواب المرسم الحر للإناث في يونيو عام 1980 ونظم علي أساسها ثلاثة أيام للذكور ، ويومين للإناث وتم انتداب مدرستين من وزارة التربية والتعليم للإشراف علي قسم الإناث وكان عند انتهاء كل ثلاث دورات يقام معرض لأعمال المنتسبين للمرسم وقد أقيم أول معرض لحوالي 100 منتسب في ديسمبر عام 1982 ولم يقف التشجيع عند هذا الحد ، بل تعداه إلي رصد جوائز قيمة لأحسن الأعمال الفائزة في هذه المعارض .
أما بالنسبة لنادي الجسرة الثقافي الاجتماعي فقدلعب دوراً بارزاً في التأكيد وانتشار الحركة التشكيلية بدولة قطر فقد أنشأ ردهة كبري للمعارض كان يشرف عليها جاسم زيني عام 1972 وتعتبر هذه القاعة هي الثانية في قطر بعد قاعة المعارض التابعة لوزارة التربية والتعليم وبجانب هذا النشاط خصصت إحدي الغرف بالنادي لتكون أول متحف فني في قطر أنشئ عام 1972 ، وقبل إنشاء متحف قطر الوطني عام 1975 ، وضم هذا المتحف آثار البيوت القديمة وبعض البنادق والسيوف والأدوات القديمة المستعملة في حياة الأسر القطرية بالإضافة إلي أدوات الغوص وصيد البحر وبعض النماذج للسفن القديمة المستخدمة للغوص علي اللؤلؤ والسفر بالبحر كما خصصت ثلاثة قاعات للرسم كان يقوم بالتدريس فيها للطلبة الفنان جاسم زيني .
ولحماية الإبداع ورعايته وتحفيز الموهبة انطلقت إستراتيجية من الهيئة العامة للشباب والرياضة نحو إنشاء المؤسسات الشبابية وتطويرها باعتبارها مراكز إشعاع وتنمية المجتمع من خلال تطويع برامج نشاطها من أجل بناء الإنسان القطري الواعي لمتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تنشدها الدولة ونظراً لأهمية الإبداع الفني بأشكاله المتعددة و الدور الطليعي الذي يؤديه المبدعون جاءت الفكرة لإنشاء مركز شبابي متخصص وهو المركز الشبابي للإبداع الفني وقد تم إشهاره بموجب قرار سعادة رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة في 1/1/ 1997 ، وافتتح في 28/10/1998 ، وعين سلمان ابراهيم المالك رئيساً لمجلس إدارته ، ويوفر المركز فرص الرعاية والتوجيه الفني والتربوي للنشء والشباب وإكسابهم الاتجاهات والمعارف التي تنمي مداركهم كما تساعد علي زيادة إنتاجهم الفني كما تساعد في التعرف علي المواهب تمهيداً لدعمها وتوجيهها الوجهة السليمة مع تبني خطة نشطة لتكوين رأي عام في المجتمع عن الفنون ،ومدي أهميتها تمهيداً لإعداد قاعدة عريضة من الشباب المتميز والموهوبين في مجالات الإبداع الفني والتي تشمل كلا من مجالات الرسم والتصوير الفني ، الخزف ، الحفر ، التصوير الضوئي ، الزخرفة والخط العربي التصميم ، المهارات اليدوية النسيج المسرح الفنون الشعبية إضافة لتلك الاقسام يضم المركز بداخله مراكز للمعلومات الفنية له مكتبة متخصصة في جمع ما يمكن من الوثائق والدراسات والبحوث لتكون في متناول يد كل من ينشده من مبدعين وباحثين ومتخصصين وهي زاخرة بشتي وسائل إيصال المعلومة المقروءة والمسموعة والمرئية .
وفي نهاية القرن العشرين بدأ الشيخ حسن ابن محمد بن علي آل ثاني في التفكير والتحضير لإنشاء متحف متخصص لفن المستشرقين يحتوي علي أعمال كبار الفنانين الأوروبيين الذين زاروا المنطقة العربية ، أمثال : أوجين ديلا كرواوترنر ودينية وغيرهم من الأسماء اللامعة .
ويعتبر هذا المتحف الوحيد الذي يجمع تحت سقف واحد أكثر من 600 قطعة فنية من لوحات وأثاث ونسيج وسجاد وسوف تضم هذه المجموعة إلي المتحف الإسلامي الكبير والذي سينشأ في بدايات القرن القادم علي شاطئ الدوحة.
وأخيراً تم إنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون والتراث وعين له أمين عام هو الشيخ سعود بن محمد بن علي آل ثاني ، الذي سيضفي علي الحركة التشكيلية لوناً آخر من النشاط ، وهو تنظيم مهرجانات فنية متخصصة علي أرض الدوحة وكذلك منح التفرغ للفنان التشكيلي لكي يكون متفرغاً طوال الوقت لممارسة الفن مما ينعكس مستقبلاً علي نوعية المنتج الفني ، كما سوف يحرص علي زيادة طبيعية في دعوة بعض الفنانين الخليجيين والعرب والعالميين الذين لهم تجارب وطارز في الحركة التشكيلية مما ينعكس علي استفادة الفنان القطري ورفع درجة التذوق الفني للجمهور القطري .
ولقد بلغ من اهتمام الدولة أن قامت وزارة الشئون البلدية والزراعة بتخصيص مكان مناسب يرتاده الجمهور كمقر للجمعية القطرية للفنون التشكيلية وتحققت فكرة تأسيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية بتاريخ 19 من فبراير عام 1980 وبلغ عدد الأعضاء المؤسسين ثمانية عشر عضواً ووضعت مجموعة أهداف للجمعية بلغت سبعة أهداف واختير أول رئيس لها وهو الفنان جاسم زينيثم عين بعد فترة الرئيس الثاني للجمعية وهو الفنان حسن الملا ، وأقامت الجمعية أول معرض لها عام 1981 ، واشترك في هذا المعرض جميع الفنانين المنتسبين للجمعية .
ولقد عملت الجمعية طوال الوقت علي توضيح رسالتها لعامة الناس وماهية الهدف من إنشائها واستمرت في إقامة المعارض الخاصة للفنانين القائمين علي أرض دولة قطر ، كما قامت الجمعية بعمل أول نشرة دورية علي مستوي منطقة الخليج تهتم باللبنات الفنية والبحوث المتخصصة وصدر منها عددان ووزعت أعدادها علي المستوي المحلي والعربي والعالمي كما أتيح للجمعية الفرصة لاستضافة النقاد العرب كما ساهمت الجمعية بدور فعال في إقامة اول ندوة علي مستوي الوطن العربي لبحث مشكلات التربية الفنية بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) ووزارة التربية والتعليم وجامعةقطر في مارس عام 1985 كما ساهمت الجمعية للفنون التشكيلية في تقديم بعض الأفكار والمشروعات للجهات المختصة بالدولة لعمل جداريات ونصب تذكارية توزع في أرجاء البلاد لإضفاء جانب جمالي علي شوارع وشواطئ قطر .
وقد بلغ من حرص الدولة علي تشجيع الفن والفنانين أن اقامت معرضاً دائماً بحديقة البدع تشرف عليه الجمعية القطرية للفنون التشكيلية ، لعرض الأعمال الفنية للفنانين القطريين أو المقيمية علي أرض قطر .
المحور الثاني : الرموز والأشكال في البيئة القطرية :
تزخر البيئة القطرية بمجموعة من المفردات التي ساهمت في تكوين مصدر لإلهام الكثيرين من الفنانين القطريين كصيغ تعبيرية في لوحاتهم وأعمالهم الفنية وسوف نسرد في هذا المحور مجموعة من الرموز والأشكال التي تزخر بها البيئة القطرية استخدمت في معظم لوحات الفنانين القطريين : البحر الغوص وصيد اللؤلؤ ، الثروة السمكية ، السفن والمراكب الشراعية الجرنجهوه ، الكي ، الحناء ، حياة البادية ، القهوة ، الوسم ، حياة الأسرة ، المنجرة ، الدلة ، المرش ، الخيمة ، النخيل ، الصيد الصحرايو ، الغزال ، الصقر ، الجواد العربي الرقص الخليجي صناعة الجبس صناعة الألبسة (الخياط) تشكيل الحديد ، تشكيل الحلي (الذهب والفضة) سباق الهجن ، حيوانات البيئة الخط العربي ، العمارة الشعبية الجوامع زخارف شعبية النسيج الشعبي (الخيم – المساند – الأبسطة) ، الألعاب الشعبية ، السوق الشعبية .
المحور الثالث : مدخل لمدار الفن التشكيلي القطري :
لقد تناول الفنان التشكيلي القطري المظاهر البيئية القطرية وعبرعنها بأساليب متنوعة كل حسب دراسته الأكاديمية أو ميوله الشخصية نحو مدرسة فنية معينة وكان لالتحام الفنانين القطريين بزملائهم من فناني دول الخليج العربي والعالم أكبر الأثر في تأكيد هويتهم والمدارس التي ينتمون إليها فالفنان لا يستطيع أن يقف وحده بمعزل عما يدور حوله ويدعي أنه ينتج شيئاً له قيمة ، أن الفنان جزء من أمة لها ماضيها ويعيش بين أبنائها الذين لهم آمالهم وطموحاتهم واتجاهاتهم التذوقية ومفاهيمهم الحضارية ، بل إنه أحد قادة الفكر الذين يرسمون طريق المستقبل في ميدانه بالنسبة لأمته وللعالم ، إن عبقرية الفنانيين في الواقع ترتكز علي قدرة كل منهم في إبراز طرازه ،إن الطراز انعكاس كامل لشخصية الفنان من كل جوانبها .
وفي هذا المحور سوف نتناول المدارس الفنية القطرية الموجودة علي الساحة الفنية والتي أتخذ فيها كل فنان لنفسه اتجاهاً أو مدرسة تميزت بها معظم أعماله الفنية ويمكن حصر مدارس الفن التشكيلي القطري في خمسة مدارس هي : المدرسة الواقعية ، المدرسة التعبيرية ، المدرسة التجريدية ، المدرسة السريالية ، وأخيراً المدرسة الحروفية .
أولاً : المدرسة الواقعية :
ترجع بدايتها إلي القرن الرابع عشر ويمكن القول أنها بدأت مع الرغبة في تسجيل ما تراه العين علي نحو ما تسجيلاً مطابقاً ولكن في الواقع يختلف البعض من الفنانين التشكيليين القطريين في تسجيل ومطابقة ما يرونه ، ويرجع ذلك إلي اكتفائهم بالموهبة فقط دون الدراسة فنجئ أعمالهم قطرية واقعية تخلو من الالتزام بالقواعد الأكاديمية المتعارف عليها ولكن هذه الفطرية أعطت الصبغة الصادقة في إنتاجهم ، فإن التعبيرات العفوية في عناصر تكويناتهم كانت العامل الرئيسي لهذه العفوية وكذلك وضعهم للألوان والظلال دون التقيد بالأسس الأكاديمية التي يجب مراعاتها أضافت علي لوحاتهم صدقاً فطرياً وعفوياً ينقل أحاسيس الفنان مباشرة عن هذا الموضوع ونذكر علي سبيل المثال وليس الحصر كلا من الفنان سلطان السليطي وسلطان الغانم كفنانين ينتميان إلي هذه المدرسة .
وكانت لوحة ” أن الحنايا ” رقم (1) لسلطان الغانم أكثر اثر في شهرته والتي جمع مواصفاتها من الرواة وكبار السن الذين عاصروا هذه السفينة وحاول الاهتمام بدراسة تفاصيلها كما اهتم بالحدث الدارمي آنذاك ، حيث شغل هذه المجاميع من الناس ترقب لهذا الحد المهم الذي كان يجري في تلك اللحظات علي ساحل مدينة الدوحة القديمة .
أما بالنسبة للفنانين الدارسين دراسة أكاديمية ويتبعون المدرسة الواقعية فقد كان لهم دور بارز في نشر اللوحات بين عامة الناس والمؤسسات الأهلية ، إذ أن الموضوع واضح ولا يحتاج إلي جهد كبير من المشاهد ليتفهمه ، وفي هذه اللوحات يهتم الفنان بإبراز الموضوع بكل تفاصيله ودقته والتأكيد علي ملامح البيئة القطرية عن طريق تصوير الموروث الشعبي قديماً وحديثاً ويأتي علي راس هذه المدرسة الفنان علي الشريف .
واللوحة رقم (2) تبين العودة من الغوص فهو يقدم شخصياته من الرجال الذين أنهكهم التعب بعد ان قضوا أشهر طويلة في البحر للبحث عن الرزق ونجد أن اللوحة أخذت شكل المستطيل بشخصيات كثيرة بعضها عائد من البحر وبعضها يستقبله علي الشاطئ والفرحة تغمر جميع من في هذه اللوحة ،وجاء صفاء اللون الأزرق في البحر والسماء إضفاء للواقعية والتسجيل لهذا الحدث .
ثانياً : المدرسة التعبيرية :
قام الاتجاه التعبيري بالحد من واقعية الأشكال بتحريفها عن أوضاعها الطبيعية كما يقوم علي استعمال الألوان المتكاملة مما يساعد في تألق الفكرة في العمل الفني بحيث يتحقق التعبير عن الانفعالات الفنسية وهو يعيد الوجود برؤية تعبيرية جديدة .
ويقف الفنان جاسم زيني علي رأس قائمة الفنانيين القطريين الذين أتخذ آخر أعمالهم التشكيلية الاتجاه التعبيري المتطور .
واللوحة رقم(3) بعنوان ملجأ الموت ، ألوان زيتية وكولاج تأتي علي أثر الزيارات الميدانية التي قام بها الفنان ضمن وفد اللجنة الأهلية القطرية لرفع الحصار عن الشعب العراقي . وكان أشد ما استلفت نظره هو اختراق صاروخ لملجأ في وسط بغداد ليلاً حيث كان يحمي عدداً كبيراً من الأهالي ، الأمر الذي أدي بفعل الانفجار داخل ساحة الملجأ إلي قذ الجثث علي جدران وسقف الملجأ وقد عبر الفنان عن هذا الحدث المأساوي بملحمة جدارية يوضح فيها قذف الجثث علي جدار وسقف الملجأ .
ومن أشهر الفنانين القطريين في هذه المدرسة أيضاً الفنان محمد علي عبدالله ، وهو مولع بالتراث العربي الإسلامي فالنزعة إلي تسجيل التراث والبحث عن شيئ أكثر أصالة هو الذي يشغل الفنان ، ولقد تاثر بالسجاد البدوي (السدو) فهو ملئ باللون وأحياناً يبالغ في استخدام الألوان أو المؤثرات اللونية من أجل أن يشيد عناصر جمالية متماسكة في اللوحة وتمتاز أعماله ببساطة الأداء والحفاظ علي عمق المضمون واختصار التفاصيل ويعتني في لوحاته بالزخرفة والوحدات التجريدية الهندسية .
واللوحة رقم (4) بعنوان ” وجه من البيئة ” وفيها قام الفنان محمد علي بتقسيم مسطح اللوحة إلي شبكيات مربعة وضع في المنتصف وجهاً له ملامح عربية ثم وزع وحدات شعبية في بقية مربعات اللوحة تحيط في النهاية بالوجه العربي واستخدم مجموعة لونية محددة في العمل الفني لتأكيد الربط بين أجزاء المربعات في اللوحة .
واللوحة رقم (5) بعنوان ” ملامح ومسطح معذب ” للفنان سلمان المالك رسمها الفنان سنة 1997 وهي منفذة من خامة الإكليريك .
والفنان سلمان المالك يملك قدراً كبيراً من الوعي بواقعه المحيط ويصل حلمه إلي محاولة التغيير في ما هو يومي وشائع ومتداول في ذوق الناس العاديين وإعلاء لغتهم البصرية فهو يفتش دائماً عن مفردات لوحة عربية جديدة بعيداً عما هو مكرس من قواعد وأطر لم تعد قادرة علي احتواء طموحات الأجيال الجديدة وعلي استيعاب المتغيرات التي تتسارع ساعة بعد أخري والمرأة تتسيد مساحات كبيرة من لوحاته ، المرأة .. الوطن ، المرأة .. الحلم المرأة .. الفعل القادر علي المساهمة في البناء في محاولة منه ليخرجها من المستوي السطحي لمفهوم المرأة بدلالاته الحسية .
أما بالنسبة للوحة رقم(6) بعنوان ” حوار ” للفنان فرج دهام زيت علي قماش (1997) فيقصد به الفنان أن حواراً هو عنوان يلامس عدة محاور في الصياغة التعبيرية ومدخل لأحد المحطات التي اختار لها هذا العنوان من 1997- 1998 كمدخل بحث العلاقة التعبيرية والإشارات البصرية من خلال اللوحة المرسومة .
والمفردة الأساسية في هذه المجموعة هي هي شخوص متساوية مع بنائية الكتل البشرية وخلق معادل آخر في التشريح والنسب في إطار الفن المعاصر وهذه الشخوص تلامس الهدوء في أوضاعها لتحريك حوار صامت بشئ من الشفافية والتخيل والوقار وملامسة النفس من الداخل .
ثالثاً : المدرسة التجريدية :
اتجاه يهدف للتعبير عن الشكل النقي المجرد من التفاصيل المحسوسة ، وينقسم الفن التجريدي إلي قسمين أساسيين الأول يسمي التعبيرية التجريدية ، والثاني يسم يالتجريدية الهندسية ، حيث يكون البحث فيها وراء القيم المجردة التي تعتبر اقدر علي التعبير عن الحقائق النفسية والعاطفية .
واللوحة رقم (7) للفنان عيسي الغانم بعنوان ” بقايا جدران ” تمثل لوحة تجريدية يصورفيها الفنان بقايا جدار اثري ليعبر عن حدين بمنظور حديث وتقنية تركيبية فهي عبارة عن قضاء يقطعه قاطع حاد وسط اللوحة مركز بناء اللوحة علي شكل بلاطة جبسية محفورة ، أما اللون الاسود في أعلي اللوحة فيمثل أفقياً مبهماً وفلسفياً يمثل التوازن والاحترام أما اللون الأبيض في اسفل اللوحة فهو يمثل التلف الزمني لهذه الرؤية في قضاء اللوحة .
رابعاً : المدرسة السريالية :
بدأت ملامح هذه الحركة تظهر منذ عام 1914 وأكبر ملامحها أبحاث فرويد في العقل الباطن وقد اتبع السرياليون طريقتين في الأداء : الطريقة الأولي التي تعتمد علي التجسيم الواقعي الشبيه بالفوتوغرافيا والطريقة الثانية أشبه بالأسلوب التكعيبي المسطح ذي البعدين .
من الفنانين القطريين الذين يتخذون المدرسة السريالية في رسم لوحاتهم نذكر منهم علي سبيل المثال حسن الملا في لوحته رقم (8) ” العين والواقع ” وفيها يتعمق الذات والمشاعر واللاوعي بعين الفنان الذي يعتمد ( التداعي / والحلم ) ، وينفذ إلي درامية الواقع عن طريق (اللاواقعية) ، وفي هذا العمل الفني يحتج حسن الملا علي لا معقولية الواقع العربي ، حيث يصور في بؤرة اللوحة (عيناً) شاخصة ترنو إلي واقع (التجزئة والانقسام ) المستفحل في واقعنا كل فارس وفارس يجري في اتجاه معاكس أو مقلوب أو متنافر وجعل الأشجار ذابلة تذوي لما تراه من واقع لا معقول وأرض لا يغذيها الماء ( رمزاً لانقطاع الإنسان عن بيئته وأرضه ) .
خامساً : المدرسة الحروفية :
إن الخط العربي جزء لا يتجزأ من التراث العربي فعن طريقة سجل هذا التراث وحفظ من الضياع وهو فن أصيل من فنوننا صحب الحياة العربية ومضي مع تطورها وقام بدور مهم لا كوسيلة للتفاهم ونقل الأفكار والمعاني فحسيب ولكن أيضاً كعمل فني له كل خصائص الفنون وقيمها الجمالية الرفيعة .
وفي عام 1971 تأسست جماعة البعد الواحد في بغداد ، وكانت تعتمد علي تناول الحرف الواحد من الزوايا الجمالية البحتة للوصول إلي الجمالية العربية ولقد لاقت هذه الجماعة صدي واسعاً وكبيراً عند بعض الفنانين القطريين ولعل أبرزهم هو الفنان يوسف أحمد ولقد كانت لدراسته العليا بأمريكا لمدة ثلاث سنوات عن إمكانية إخراج الحروف العربي من المحلية إلي العالمية التي يفهمها الجمهور الغربي أكبر الاثر في انتقال مفهوم الخط العربي كزخرف في لوحاته إلي استخدامه كعنصر اساسي في اللوحة التشكيلية الفنية.
ولقد طوع هذا التشكيل في عدة تقنيات فنجد التقنية ذات السطح البارز والمعاجين اللونية في البداية ثم انتقل إلي التسطيح والألوان الخضراء الصريحة ثم إلي الحبر علي القماش والليثوغرافيك والحفر علي المعادن والسيروكرافيك ثم المواد المختلفة التي وجد فيها إمكانات تخدم الحرف العربي .
واللوحة رقم (9) بعنوان “نبات وبحر ” من مواد مختلفة سنة 1998 يعتبر هذا العمل من مراحل يوسف أحمد الأخيرة والتي يبين فيها الخلفية العميقة لديناميكية الحرف العربي المتسلسل في خطوط أفقية يكسرها تقسيم العمل إلي أربع مربعات أخذها الفنان من النوافذ القطرية القديمة مستفيداً بالخامات الأخري مثل الورق الملون والحبال لتؤكد هذا التقسيم . وبمستويات أخري علي سطح اللوحة.
ومنالفنانين البارزين في هذا المجال أيضاً نذكر الفنان علي حسن الذي يقول ” أغمس حروفي بالموسيقي ولو أن الفارابي شاهدني وأنا أعزف حروف الفوضي علي قانون التناسق لوقف مندهشاً وتساءل كيف تصعد هذه النار من هذا البحر فهو يصر علي المحافظة علي الأجواء التراثية للحرف وهو يعتمد علي الحرف ذاته في التشكيل ، ولقد تناول جميع أنواع الخطوط ولكنه أستقر علي الخط الفارسي في تصميمه للوحاته ويعتمد علي العفوية في رسمه للحرف للتأكيد علي قيمته التشكيلية ففي لوحات علي حسن تتحول المادة الحروفية إلي أو المادةالحروفية وتتبعثر وتدخل في شكل نحتي له فضاؤه وفراغاته وتستوي بهذه الصورة علي خلفية حروفية أيضاً .
واللوحة رقم (10) بعنوان حرف النون حاول فيها الفنان دراسة القالبيات التشكيلية في الحرف الواحد (ن) وتأمله كاثر في الوصف الشهودي للعالم ، وهو بالنسبة له نقطة الأنطلاق ونقطة الوصول في تجربته ومحاولاً التأكيد علي قوة ومكانة الحرف العربي الواحد وأن باستطاعة الفنان ممارسة واختيار حرف واحد فقط لسنين طويلة .
وأخيراً حاولت أن أذكر القليل من أسماء الفنانين القطريين كمثال لكل مدرسة موجودة وذلك لضيق المساحة المتاحة لذكرهم جميعاً فعفوا علي عدم ذكر البعض رغم ما أكنه لهم جميعاً من تقدير واحترام ..
يوليو 16 2010
رحلة الفن التشكيلي بدولة قطر …………………………أ.د. ليلي حسن علام
رحلة الفن التشكيلي بدولة قطر أ.د. ليلي حسن علام *
يتناول هذا البحث رحلة الفن التشكيلي بدولة قطر بوصفه إحدي الواجهات الحضارية للدولة حيث يساهم الفنانون القطريون التشكيليون في إبراز ملامحه للرائي المتذوق من الجمهور القطري بصفة خاصة والخليجي بصفة عامة .
ولتسجيل ذلك الحدث المهم سوف أتناول الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي :
المحور الأول : ويتضمن تأريخ الحركة التشكيلية منذ بدايتها وحتي وقتنا الحاضر ويتناول المحور الثاني : الرموز والأشكال البيئية التي ساهمت في إثراء الأعمال الفنية للفنانين القطريين التشكيليين ، أما المحور الثالث : فهو مدخل للتعرف علي المدارس الفنية التي انتهجها الفنانون التشكيليون القطريون في أعمالهم الفنية .
المحور الأول :
البعد التاريخي للفن التشكيلي القطري :
تبدأ قضية التاريخ للفن التشكيلي بقطر مع بداية وصول البعثة الأركيولوجية التي اضطلعت بالتنقيب في قطر علي النقوش الصخرية القطرية الموجودة بجبل الجساسية في شمال شبه الجزيرة القطرية عام 1956 ، حيث وجدت لعبة للتسلية تسمي الحويلة وهي عبارة عن مجموعة من العلاقات التي تشبه الأكواب في صفوف نمتوازية علي شكل وردة ، كما عثر علي نقوش لأشكال من السفن بعضها نقش بطريقة الحفر الغائر مع العناية بالتفاصيل الدقيقة لأجزاء السفن من مجاديف ومرساة وتعتبر هذه الصورة الفنية نادرة بين النقوش الصخرية ولم يسبق تسجيلها من قبل في الخليج العربي وربما تعود إلي عام 1400 م وهي خالية تماماً من أي رسومن آدمية ولكن بها القليل من رسوم الحيوانات .
كما عثر علي أدوات من العصور الحجرية في (الحملة) ورأس ( عوينات علي) جنوبي منطقة دخان تمثل فؤوساً ومقاشر ونبالاً وكميات من حجر الصوان تعود إلي العصور ( الباليوليثية ) .
كذلك أسفرت عمليات التنقيب عن الآثار عام 1956 في منطقة أم الماء الواقعة علي الشاطي الغربي من البلاد علي بعد نحو 19 كم جنوبي الزيارة عن العثور علي كثير من الآثار حوالي أربعين قطعة أثرية يرجع تاريخها إلي العصور الحجرية المختلفة كما عثرت البعثة علي عدة مئات من الأدوات الحجرية الجميلة الصنع التي ترجع إلي عصور بعيدة في القدم وبعضها ذو قيم علمية كبيرة ولمسة فنية صاغتها يد الفنان القديم .
ولكن كان للتبدلات المناخية عبر العصور في منطقة الخليج من جليدية إلي حجرية إلي معتدلة فصحراوية وما طرأ علي الأرض من متغيرات ، تأثير كبير لم يتح المجال للاحتفاظ بالآثار والعاديات التي استعملها الإنسان .
ولقد جاءت منعكسات الصحراء علي القيم التعبيرية للفنان الشعبي لقد مرة بعدة فعاليات كانت منبثقة من الأدوات التي مر بها بين حياة البادية ثم إلي حياة البحر ، مما ألح علي الفنان الشعبي ليعبر عن إيحاءات البيئة لذلك نجد البيئة الشعبية في قطر قد تميزت بوفرة صناعتها الشعبية خاصة المشغولات النسجية .
فقد ذكر أحد المؤرخين العرب – وهو ياقوت الحموي – أن قطر كانت حلقة الوصل بين االبصرة وواسط في نقل البضائع وبخاصة نسيج البرود والثياب ولقد حرص البدو في منطقة قطر علي تمييز وحدة الوسم في نسيجهم وفقاً للقبيلة والعشيرة كما تمتعت منسوجاتهم الزاهية بألوانها ونقوشها الجميلة ولقد استمدت هذه الوحدات الزخرفية من اليئة المحيطة بهم .
وتؤكد الدلالات الاجتماعية التي توحي بها ألوان السد وأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبيئة كارتباك الأشكال المنسوجة عليها فاللون الاحمر يعبر عن الفرح والأبيض عن وضوح النهاري والأسود يوحي بسواد الليل والسكينة والوقار .
ومن الملاحظ أن المرأة القطرية كان لها دور رئيسي في التشكيل الفني للسدو وتظهر مهارتها وقدرتها علي إيداع سدو ذي تصميمات هندسية وأشكال مستوحاة من البيئة المحيطة بها حيث يتضح أن هناك رموزاً فنية ذات دلالات شعبية مرتبطة بعادات وتقاليد بدو المجتمع القطري فمثلاًَ يرمز للشجرة بالمثلث أو المربع أو المعين كما نجد أيضاً بعض الرموز قد استخدمت في النسيج الشعبي القطري مثل الثعبان والجمل والعقرب والمقص والمنجرة والمشط والكتابات والخطوط المتعرجة وضورس والخيل والعويرجان ، وهو تصغير للفظ عرجون وهو ما يحمل التمر والعذق من النحل كالعنقود من العنب وتحكي مجموعة هذه الرموز معني الصحراء وامتدادها وهناك رموز أخري تعبر عن قصص يعرفها البدو من الماضي المحمل بتجارب قد تحوي صراعاً مع الشكل والخامة والأدوات التعبيرية لتصل بنا في النهاية إلي طراز فريد مميز كما استطاع الفنان الشعبي أن يدخل الحس الفني في استخداماته البيئية مثل المساند والسروج الخيل والخيام والذي اصبح بعد ذلك مصدراً لإلهام الكثير من الفنانين القطريين المعاصريين .
وتظهر خبرة الفنان الشعبي في زخرفة الأبواب الشعبية والزخارف الجبسية ذات عناصر زخرفية محلية تتوافق مع التوجه الإسلامي الموجود نذكر منهم محمد جاسم زيني الذي عمل في الحفر علي السطوح الجبسية والزخرفية القديمة ثم حفر علي الخشب وصنع نماذج واشكالاً حيوانية مجسمة ونفذ نماذج من السفن متعددة الأشكال وعمل في زخرفة المنازل بصبغها بالألوان التي كان يسودها زرقة البحر وبرتقالية السماء .
ثم تطور الفن التشكيلي بعد ذلك ليبدأ مرحلة معاصرة بعد ظهور النفط في قطر عام 1949 ، وبدأت البلاد نهضة تطورية ف يالتعليم والتكنولوجيا فافتحت المدارس وأنشأت جامعة قطر والمؤسسات التي ساهمت في تأكيد وانطلاق الحركة الفنية التشكيلية بالدولة .
وحقيقة الأمر فقد لعبت وزارة التربية والتعليم دوراً بارزاً في نشر الوعي الفني بين الطلاب والطالبات من خلال حرصها علي إدخال مادة التربية الفنية ضمن المنهج العام الدراسي فوضعت الخطط والبرامج لتطوير طرق تدريس التربية الفنية والاستعانة بالكفاءات التدريسية في هذا المجال ، كما حرصت علي الاهتمام بالمعارض الداخلية والخارجية للتربية الفنية وتخصيص قاعات للمراسم وحجرات للنشاط الفني الصلافي ليزاول فيه الطلاب نشاطهم الفني كما عنيت بتوفير الوسائل التعليمية من أفلام تشتمل علي أعمال مشاهير الفنانين واساليب تكنيك واستخدام الخامات المختلفة وطرق معالجتها ، كما اعتمدت كتباً منهجية للتربية الفنية لدور المعلمين والمعلمات خاصة بمقررات التذوق الفني وتاريخ الفن وطرق تدريس الفنون وتم وضع معايير موضوعية للفن وكلها كانت تهدف إلي تعريف الطلاب بماهية الفن والتربية الفنية وتكوين ميول واتجاهات إيجابية نحو الفن لديهم لخلق جيل من المتذوقين للفنون التشكيلية وتشجيع الطلاب للإبداع في مجال الفن التشكيلي لبناء جيل من الفنانين التشكيليين من ابناء هذا الوطن .
كما ان توجيه التربية الفنية يقوم بإعداد البحوث والتجارب الفنية الجديدة إيماناً منه باستخدام الحاسوب العلمي البناء في العمل ، وكذلك إقامة المعارض الفنية الداخلية منها والخارجية بهدف التعرف علي الموهوبين وتنمية ورعاية وصقل مواهبهم نذكر منها علي سبيل المثال وليس الحصر – أول معرض أقيم وقد ضم نتائج الرسم والأشغال اليدوية لجميع طلبة مدارس قطر في مدرسة قطر النموذجية للبنين عام 1961 وخصصت غرفة لكل مدرسة عرضت فيها غبداعات الطلبة وقد اتضح تاثير الطلبة بالبيئة القطرية وذلك من خلال الموضوعات المعروضة والتي تناولت صيد السمك الغوص علي اللؤلؤ البيوت القديمة صيد الحباري ، حياة البدو .. إلخ كما تم استخدام الخامات المحلية في موضوعات تساعد علي تنمية القدرة الفنية في ابتكار أشكال فنية مستوحاة من البيئة المحيطة بالطالب ، ومن خلال هذه المعارض برزت عدة أسماء شكلت ظاهرة فريدة في حركة الرسم الحديث في قطر بعد ذلك أمثال : جاسم زيني ، أحمد الخال ، عبد الواحد مولوي وغيرهم .
ولم يقتصر دور وزارة التربية والتعليم علي إدخال وانتشار مادة التربية الفنية في المدارس بل تعدته إلي إرسال بعثات دراسية في مجال الفن تقديراً منها لدور الفن والتربية الفنية في تنمية ذوق الطالب وانعكاسه علي الذوق العام .
فكان أول طالب يقوم بدراسة الفن التشكيلي هوالفنان جاسم زيني عام 1962 ليكون أول طالب قطري في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد والتي تخرج فيها عام 1968 في أول دفعة للأكاديمية العراقية وعين بعد تخرجه في سلك التوجيه الفني مسجلاً أول موجه قطري لمادة التربية الفنية يعين بوزارة التربية والتعليم .
ثم تتابعت البعثات الدراسية خارج دولة قطر لدراسة الفن والتعمق فيه ففي عام 1970 ابتعثت الفنانة رفيقة سلطان سيف كأول سيدة قطرية تدرس الفن التطبيقي بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة وتخرجت فيها عام 1974 ثم تبعها سلمان المير عام 1971 بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وكذلك التحقت في فترة السبعينيات الفتاة القطرية الثانية بكلية الفنون الجميلة قسم الديكور وهي وضحة آل ثاني وفي نفس هذه الفترة أيضاً التحق كل من جاسم المالكي وماجد المالكي بكلية الفنون التطبيقية متخصصين في الأثاث المعدني حتي تخرجا فيها عام 1976 تبع بعد ذلك دفعات مثل أحمد زيني الذي درس في مدرسة أحمد ماهر الصناعية لمدة ثلاث سنوات ثم التحق بعدها بكلية الفنون التطبيقية وتخرج فيها عام 1980 كما استمرت وزارة التربية والتعليم في إرسال بعثاتها في مجال التربية الفنية فبعثت كلا من ماجد المسلماني ويوسف أحمد للمعهد العالي للتربية الفنية عام 1972 وتخرجا فيه عام 1976 واعتبراً بذلك أول طالبين قطريين يلتحقان بهذا المعهد التخصصي في تدريس التربية عن طريق الفن .
وفي نفس هذه الفترة كان حسن الملا قد التحق بأكاديمية الفنون الجميلة عام 1972 متخصصاً في التصوير الزيتي ثم تتابعت البعثات بعد ذلك فنجد الأخويين الكواري سيف ومحمد في القاهرة بعد أن انتهيا من مدة دراستهما في المعهد المتوسط للتربية الفنية بالرياض عام 1972 وتخرجا عام 1979 في كلية التربية الفنية بالقاهرة ، وفي خلال هذه الفترة كان ابراهيم السيد مع عبد الله فضل الله الانصاري قد التحقا بكلية التربية الفنية وتخرجا فيها عام 1978 ، وتبعهما آخرون مثل : سلمان المالكي الذي تخرج عام 1981 ، كما أمتدت البعثات الجامعية إلي أوربا وامريكا فقد أرسل الفنان محمد علي عبدالله ليتخرج في جامعة أوهايو عام 1985 ، متخصصاً في تاريخ الفن .
ولم يقصر دور وزارة التربية والتعليم علي إرسال البعثات لنيل درجة البكالوريوس ولكنها فتحت المجال للتخصص للماجستير وكان أول قطري يبتعث هو الفنان يوسف أحمد الذي حصل علي شهادة الماجستير في الفنون الجميلة تخصص تصوير عام 1982 تبعه بعد ذلك كل من سيف الكواري وماجد المسلماني عام 1981 تخصص نحت .
وحالياً بعد إنشاء جامعة قطر وافتتاح كلية التربية للبنين والبنات عام 1973 تم تخصيص قسم من بين ثمانية أقسام للتربية الفنية للبنات ، حيث أستطاع أن يسد حاجة المجتمع القطري من المعلمات المتخصصات في التربية الفنية منذ عام 1983 وحتي الآن ، أما بالنسبة للبنين فقد تم افتتاح التخصص لهم عام 1994 ويتم تخريج أول دفعة عام 1999 ، وتتكون من اثني عشر طالباً إيذاناً باستيعاب دولة قطر المتمثلة في جامعة قطر لأبنائها دون الحاجة إلي إرسالهم للخارج لنيل درجة البكالوريوس في التربية الفنية ومن هذا المنطلق الصحيح للدور العلمي في إعداد مدرس التربية الفنية سوف نجد أننا في قطر سنجنبي الثمار وذلك في التوجيه الفني والتربوي السليم للأطفال وكيفية تشجيعهم لإنماء مواهبهم وصقلها من خلال مجموعة من المتخصصين من أبناء هذا الوطن بالإضافة إلي بروز العديد من الشخصيات الفنية علي الساحة التشكيلية من البنين والبنات .
كما أن قسم التربية الفنية حريص كل الحرص علي إقامة معارض فنية سنوياً تمثل أعمال الطلبة والطالبات داخل جدران الجامعة وخارجها لنشر الوعي الثقافي الفني بين الجمهور القطري والتعريف بإنتاج الطلبة من المقررات الأكاديمية بالقسم .
وعلي الساحة التشكيلية أيضاً يجب ألا ننسي دور وزارة الثقافة والإعلام
( سابقاً ) داخل الوطن في إخراج الفنون التشكيلية القطرية من حدوده إلي العالم الخارجي لإتاحة الفرصة لاحتكاك الفنان القطري بالحركة العالمية التشكيلية فلقد كان لإنشاء المركز الثقافي عام 1976 الدور البارز الذي أتاح الفرصة لكل من يملك موهبة الرسم أو الخط أو الزخرفة للانضمام بشعبة الفنون لتحقيق ذاته .
وكان أول معرض أقيم في هذا المركز للفنان يوسف أحمد في مارس عام 1977 والذي افتتحه سعادة وزير الإعلام آنذاك بمتحف قطر الوطني كما كان أول معرض لأحد الرسامين العرب المقيمين علي ارض قطر هو الفنان المصري محمود القاضي وواصل المركز الثقافي تشجيعه لإقامة المعارض الفنية المتخصصة إلي أن تبلور وأصبح نواة إدارة الثقافة والفنون عام 1977 – 1978 والذي كان أول مدير لهاهو الأستاذ ناصر العثمان الكاتب الصحفي المعروف .
عند إنشاء إدارة الثقافة والفنون وضح اهتمامها بنشاط الفنون التشكيلية من خلال قسمين هما قسم الفنون التشكيلية وقسم المعارض وعهد إليهما بتنظيم المعارض التشكيلية محلياً وعربياً وعالمياً ، وبدأت أولي مشاركات دولة قطر في المعارض العالمية في معرض السنتين العربي الذي أقيم بدولة الكويت (بينالي الكويت) وتتابعت مشاركات دولة قطر في المعارض التي كان يقيمها الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب فقد شاركت دولة قطر عام 1974 في بغداد وعام 1976 في الرباط .
ثم توقف بينالي الكويت لأسباب مالية بالنسبة للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب كما بدأت قطر بالمشاركة في دورات بينالي القاهرة منذ عام 1984 (سبع دورات ) ، وحصلت فيها قطر علي ثلاث جوائز حصدها جميعها الفنان يوسف أحمد في الدورة الثالثة عام 1988 والدورة السادسة عام 1996 ، والدورة السابعة عام 1998 ، كما شاركت قطر في ترينالي الحفر الأول والثاني الذي يقام بالقاهرة منذ حوالي ست سنوات وأيضاً ترينالي الخزف الذي يقام كل 3 سنوات .
كما شاركت دولة قطر في المعارض الخليجية والتي أقرها وزراء الإعلام والثقافة بدول مجلس التعاون في الرياض وحصدت قطر جائزة السعفة الذهبية ونالها الفنان يوسف أحمد وكذلك في الدوحة حصل الفنان نفسه علي جائزة السعفة الذهبية ، وايضاً حصد الفنان جائزة السعفة الذهبية في الكويت ( المركز الأول ) .
كما أن للحركة التشكيلية حضوراً في المهرجانات العالمية الأخري مثل مهرجان بغداد الدولي والذي اقيم لأول مرة عام 1986 ثم شاركت قطر في المهرجان الثاني عام 1988 ، ثم توقف بسبب غزو العراق لدولة الكويت كما شاركت دولة قطر في البينالي الاوروبي والآسيوي عام 1986 وحصل فيه الفنان يوسف أحمد علي جائزة المحكمين . كذلك كانت لقطر مشاركات فنية في كل من البينالي الآسيوي المتخصص في الفن التشكيلي ببنجلادش (دكا) وقد حرص الفنانون التشكيليون علي المشاركة في الأسابيع الثقافية القطرية التي اقيمت ببلدان خارجية متنوعة مثل : فرنسا ، بون ، إسبانيا ، الأرجنتين ، هلسينكي وغيرها .
وأدي الانفتاح علي المعارض وبناليات العالم الخارجي إلي تولد تواصل وانفتاح بين الفنانين التشكيليين بدول مجلس التعاون الخليجي .
علاقة الفنانين التشكيليين علاقة أزلية كما هو معروف بدول المنطقة وتتميز هذه العلاقة بأواصر الصداقة وتبادل الزيارات وتجمع الدراسة سواء في الدول العربية أو الأجنبية .
وعليه فقد قام عدد من الفنانين أمثال يوسف أحمد وحسن الملا من قطر وعبدالرسول سلمان من الكويت وفؤاد طه المغريل من السعودية بتكوين جماعة اصدقاء الفن التشكيلي عام 1985 م ، حيث أنطلقت من ابي ظبي وباقي عواصم دول مجلس التعاون ومنها إلي القاهرة ، وتونس وبعد ذلك إلي العواصم العالمية مثل إسبانيا (مدريد) وألمانيا (بون) وأمريكا (واشنطن) والدومنيكان
( سان دومنجو ) ،وكذلك الأردن ودمشق .
يضاف إلي ذلك تجربة معارض الهواء الطلق في قطر فهي تعتبر تجربة جريئة في مخاطبة جمهور الشارع للتوعية بالحركة الفنية التشكيلية في البلاد والمشاركة فيها بحيث تكون جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية العملية .
وقد بدأ هذه التجربة كل من حسن الملا ، محمد علي ، يوسف أحمد الأصدقاء الثلاثة من خلال إقامة أربعة معارض للهواء الطلق التي أقاموها في طول البلاد وعرضها ولقد جاءت الكلمة الافتتاحية في كتيب المعرض الأول للأصدقاء الثلاثة عام 1977 : لقد تعودنا أن نقيم معارضنا للفنون التشكيلية في قاعات عرض تحت رسميات جامدة ولكننا وجدنا أن قاعات العرض ليست في متناول الجميع حيث إن حياتنا اليومية نتعقدت وأصبح من العسير علي الشخص أن يجد لنفسه متسعاً من الوقت لرؤية المعارض الفنية المقامة في قاعات العرض فلذلك رأينا أن نكسر حدة الهوة بين الفنان والجمهور الذي يهمنا أن يعرف ما نحن عليه من ثقافة فنية .
ولقد قام الأصدقاء الثلابة بعمل أربعة معارض من هذا النوع علي مدي السنوات 1977 – 1978 ، 1981 ، 1982 ، وقد اثارت هذه التجربة ونجاحها الباهر بعض المؤسسات الأهلية التي تخاطب العامة ، كإدارة المرور التي أقامت عدة معارض مشابهة ، وجمعية الهلال الأحمر القطري في معارضها لمكافحة التدخين والمخدرات وأخطار السرعة ، وغيرها من المعارض الهادفة التي تخاطب الجمهور مباشرة .
وقد شجع أيضاً وضع الحركة التشكيلية بعض المهتمين والمقيمين من المواطنين القطريين لإقامة مجموعات خاصة من الفنون التشكيلية حتي إن بعض هؤلاء قام بتجميع أكبر مجموعة للفنانين القطريين وكذلك رواد الحركة التشكيلية في الوطن العربي .
ويرجع وجود هذا العدد الكبير من الفنانين القطريين الموهوبين إلي ما قامت به إدارة الثقافة والفنون من صقل العديد من هذه الموواهب داخل المرسم الحر الذي أنشائه عام 1977 – 1978 واستدعت له أحد الفناين العرب وهو الفنان المصري جمال قطب للعمل خبيراً للفنون التشكيلية ومديراً للمرسم الحر القطري ثم بدأ تشغيل ورش المرسم الحر في بادئ الامر للذكور ، وفي هذه الأثناء كان بعض الفنانيين القطريين يترددون باستمرار علي المرسم فاصبح خلية عمل بين الفنانيين الموهوبين تحت إشراف الخبير وبخاصة في الأمور التقنية لإنجاز العديد من الاعمال الفنية .
ثم كان طموح إدارة الثقافة والفنون كبيراً ففتحت أبواب المرسم الحر للإناث في يونيو عام 1980 ونظم علي أساسها ثلاثة أيام للذكور ، ويومين للإناث وتم انتداب مدرستين من وزارة التربية والتعليم للإشراف علي قسم الإناث وكان عند انتهاء كل ثلاث دورات يقام معرض لأعمال المنتسبين للمرسم وقد أقيم أول معرض لحوالي 100 منتسب في ديسمبر عام 1982 ولم يقف التشجيع عند هذا الحد ، بل تعداه إلي رصد جوائز قيمة لأحسن الأعمال الفائزة في هذه المعارض .
أما بالنسبة لنادي الجسرة الثقافي الاجتماعي فقدلعب دوراً بارزاً في التأكيد وانتشار الحركة التشكيلية بدولة قطر فقد أنشأ ردهة كبري للمعارض كان يشرف عليها جاسم زيني عام 1972 وتعتبر هذه القاعة هي الثانية في قطر بعد قاعة المعارض التابعة لوزارة التربية والتعليم وبجانب هذا النشاط خصصت إحدي الغرف بالنادي لتكون أول متحف فني في قطر أنشئ عام 1972 ، وقبل إنشاء متحف قطر الوطني عام 1975 ، وضم هذا المتحف آثار البيوت القديمة وبعض البنادق والسيوف والأدوات القديمة المستعملة في حياة الأسر القطرية بالإضافة إلي أدوات الغوص وصيد البحر وبعض النماذج للسفن القديمة المستخدمة للغوص علي اللؤلؤ والسفر بالبحر كما خصصت ثلاثة قاعات للرسم كان يقوم بالتدريس فيها للطلبة الفنان جاسم زيني .
ولحماية الإبداع ورعايته وتحفيز الموهبة انطلقت إستراتيجية من الهيئة العامة للشباب والرياضة نحو إنشاء المؤسسات الشبابية وتطويرها باعتبارها مراكز إشعاع وتنمية المجتمع من خلال تطويع برامج نشاطها من أجل بناء الإنسان القطري الواعي لمتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تنشدها الدولة ونظراً لأهمية الإبداع الفني بأشكاله المتعددة و الدور الطليعي الذي يؤديه المبدعون جاءت الفكرة لإنشاء مركز شبابي متخصص وهو المركز الشبابي للإبداع الفني وقد تم إشهاره بموجب قرار سعادة رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة في 1/1/ 1997 ، وافتتح في 28/10/1998 ، وعين سلمان ابراهيم المالك رئيساً لمجلس إدارته ، ويوفر المركز فرص الرعاية والتوجيه الفني والتربوي للنشء والشباب وإكسابهم الاتجاهات والمعارف التي تنمي مداركهم كما تساعد علي زيادة إنتاجهم الفني كما تساعد في التعرف علي المواهب تمهيداً لدعمها وتوجيهها الوجهة السليمة مع تبني خطة نشطة لتكوين رأي عام في المجتمع عن الفنون ،ومدي أهميتها تمهيداً لإعداد قاعدة عريضة من الشباب المتميز والموهوبين في مجالات الإبداع الفني والتي تشمل كلا من مجالات الرسم والتصوير الفني ، الخزف ، الحفر ، التصوير الضوئي ، الزخرفة والخط العربي التصميم ، المهارات اليدوية النسيج المسرح الفنون الشعبية إضافة لتلك الاقسام يضم المركز بداخله مراكز للمعلومات الفنية له مكتبة متخصصة في جمع ما يمكن من الوثائق والدراسات والبحوث لتكون في متناول يد كل من ينشده من مبدعين وباحثين ومتخصصين وهي زاخرة بشتي وسائل إيصال المعلومة المقروءة والمسموعة والمرئية .
وفي نهاية القرن العشرين بدأ الشيخ حسن ابن محمد بن علي آل ثاني في التفكير والتحضير لإنشاء متحف متخصص لفن المستشرقين يحتوي علي أعمال كبار الفنانين الأوروبيين الذين زاروا المنطقة العربية ، أمثال : أوجين ديلا كرواوترنر ودينية وغيرهم من الأسماء اللامعة .
ويعتبر هذا المتحف الوحيد الذي يجمع تحت سقف واحد أكثر من 600 قطعة فنية من لوحات وأثاث ونسيج وسجاد وسوف تضم هذه المجموعة إلي المتحف الإسلامي الكبير والذي سينشأ في بدايات القرن القادم علي شاطئ الدوحة.
وأخيراً تم إنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون والتراث وعين له أمين عام هو الشيخ سعود بن محمد بن علي آل ثاني ، الذي سيضفي علي الحركة التشكيلية لوناً آخر من النشاط ، وهو تنظيم مهرجانات فنية متخصصة علي أرض الدوحة وكذلك منح التفرغ للفنان التشكيلي لكي يكون متفرغاً طوال الوقت لممارسة الفن مما ينعكس مستقبلاً علي نوعية المنتج الفني ، كما سوف يحرص علي زيادة طبيعية في دعوة بعض الفنانين الخليجيين والعرب والعالميين الذين لهم تجارب وطارز في الحركة التشكيلية مما ينعكس علي استفادة الفنان القطري ورفع درجة التذوق الفني للجمهور القطري .
ولقد بلغ من اهتمام الدولة أن قامت وزارة الشئون البلدية والزراعة بتخصيص مكان مناسب يرتاده الجمهور كمقر للجمعية القطرية للفنون التشكيلية وتحققت فكرة تأسيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية بتاريخ 19 من فبراير عام 1980 وبلغ عدد الأعضاء المؤسسين ثمانية عشر عضواً ووضعت مجموعة أهداف للجمعية بلغت سبعة أهداف واختير أول رئيس لها وهو الفنان جاسم زينيثم عين بعد فترة الرئيس الثاني للجمعية وهو الفنان حسن الملا ، وأقامت الجمعية أول معرض لها عام 1981 ، واشترك في هذا المعرض جميع الفنانين المنتسبين للجمعية .
ولقد عملت الجمعية طوال الوقت علي توضيح رسالتها لعامة الناس وماهية الهدف من إنشائها واستمرت في إقامة المعارض الخاصة للفنانين القائمين علي أرض دولة قطر ، كما قامت الجمعية بعمل أول نشرة دورية علي مستوي منطقة الخليج تهتم باللبنات الفنية والبحوث المتخصصة وصدر منها عددان ووزعت أعدادها علي المستوي المحلي والعربي والعالمي كما أتيح للجمعية الفرصة لاستضافة النقاد العرب كما ساهمت الجمعية بدور فعال في إقامة اول ندوة علي مستوي الوطن العربي لبحث مشكلات التربية الفنية بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) ووزارة التربية والتعليم وجامعةقطر في مارس عام 1985 كما ساهمت الجمعية للفنون التشكيلية في تقديم بعض الأفكار والمشروعات للجهات المختصة بالدولة لعمل جداريات ونصب تذكارية توزع في أرجاء البلاد لإضفاء جانب جمالي علي شوارع وشواطئ قطر .
وقد بلغ من حرص الدولة علي تشجيع الفن والفنانين أن اقامت معرضاً دائماً بحديقة البدع تشرف عليه الجمعية القطرية للفنون التشكيلية ، لعرض الأعمال الفنية للفنانين القطريين أو المقيمية علي أرض قطر .
المحور الثاني : الرموز والأشكال في البيئة القطرية :
تزخر البيئة القطرية بمجموعة من المفردات التي ساهمت في تكوين مصدر لإلهام الكثيرين من الفنانين القطريين كصيغ تعبيرية في لوحاتهم وأعمالهم الفنية وسوف نسرد في هذا المحور مجموعة من الرموز والأشكال التي تزخر بها البيئة القطرية استخدمت في معظم لوحات الفنانين القطريين : البحر الغوص وصيد اللؤلؤ ، الثروة السمكية ، السفن والمراكب الشراعية الجرنجهوه ، الكي ، الحناء ، حياة البادية ، القهوة ، الوسم ، حياة الأسرة ، المنجرة ، الدلة ، المرش ، الخيمة ، النخيل ، الصيد الصحرايو ، الغزال ، الصقر ، الجواد العربي الرقص الخليجي صناعة الجبس صناعة الألبسة (الخياط) تشكيل الحديد ، تشكيل الحلي (الذهب والفضة) سباق الهجن ، حيوانات البيئة الخط العربي ، العمارة الشعبية الجوامع زخارف شعبية النسيج الشعبي (الخيم – المساند – الأبسطة) ، الألعاب الشعبية ، السوق الشعبية .
المحور الثالث : مدخل لمدار الفن التشكيلي القطري :
لقد تناول الفنان التشكيلي القطري المظاهر البيئية القطرية وعبرعنها بأساليب متنوعة كل حسب دراسته الأكاديمية أو ميوله الشخصية نحو مدرسة فنية معينة وكان لالتحام الفنانين القطريين بزملائهم من فناني دول الخليج العربي والعالم أكبر الأثر في تأكيد هويتهم والمدارس التي ينتمون إليها فالفنان لا يستطيع أن يقف وحده بمعزل عما يدور حوله ويدعي أنه ينتج شيئاً له قيمة ، أن الفنان جزء من أمة لها ماضيها ويعيش بين أبنائها الذين لهم آمالهم وطموحاتهم واتجاهاتهم التذوقية ومفاهيمهم الحضارية ، بل إنه أحد قادة الفكر الذين يرسمون طريق المستقبل في ميدانه بالنسبة لأمته وللعالم ، إن عبقرية الفنانيين في الواقع ترتكز علي قدرة كل منهم في إبراز طرازه ،إن الطراز انعكاس كامل لشخصية الفنان من كل جوانبها .
وفي هذا المحور سوف نتناول المدارس الفنية القطرية الموجودة علي الساحة الفنية والتي أتخذ فيها كل فنان لنفسه اتجاهاً أو مدرسة تميزت بها معظم أعماله الفنية ويمكن حصر مدارس الفن التشكيلي القطري في خمسة مدارس هي : المدرسة الواقعية ، المدرسة التعبيرية ، المدرسة التجريدية ، المدرسة السريالية ، وأخيراً المدرسة الحروفية .
أولاً : المدرسة الواقعية :
ترجع بدايتها إلي القرن الرابع عشر ويمكن القول أنها بدأت مع الرغبة في تسجيل ما تراه العين علي نحو ما تسجيلاً مطابقاً ولكن في الواقع يختلف البعض من الفنانين التشكيليين القطريين في تسجيل ومطابقة ما يرونه ، ويرجع ذلك إلي اكتفائهم بالموهبة فقط دون الدراسة فنجئ أعمالهم قطرية واقعية تخلو من الالتزام بالقواعد الأكاديمية المتعارف عليها ولكن هذه الفطرية أعطت الصبغة الصادقة في إنتاجهم ، فإن التعبيرات العفوية في عناصر تكويناتهم كانت العامل الرئيسي لهذه العفوية وكذلك وضعهم للألوان والظلال دون التقيد بالأسس الأكاديمية التي يجب مراعاتها أضافت علي لوحاتهم صدقاً فطرياً وعفوياً ينقل أحاسيس الفنان مباشرة عن هذا الموضوع ونذكر علي سبيل المثال وليس الحصر كلا من الفنان سلطان السليطي وسلطان الغانم كفنانين ينتميان إلي هذه المدرسة .
وكانت لوحة ” أن الحنايا ” رقم (1) لسلطان الغانم أكثر اثر في شهرته والتي جمع مواصفاتها من الرواة وكبار السن الذين عاصروا هذه السفينة وحاول الاهتمام بدراسة تفاصيلها كما اهتم بالحدث الدارمي آنذاك ، حيث شغل هذه المجاميع من الناس ترقب لهذا الحد المهم الذي كان يجري في تلك اللحظات علي ساحل مدينة الدوحة القديمة .
أما بالنسبة للفنانين الدارسين دراسة أكاديمية ويتبعون المدرسة الواقعية فقد كان لهم دور بارز في نشر اللوحات بين عامة الناس والمؤسسات الأهلية ، إذ أن الموضوع واضح ولا يحتاج إلي جهد كبير من المشاهد ليتفهمه ، وفي هذه اللوحات يهتم الفنان بإبراز الموضوع بكل تفاصيله ودقته والتأكيد علي ملامح البيئة القطرية عن طريق تصوير الموروث الشعبي قديماً وحديثاً ويأتي علي راس هذه المدرسة الفنان علي الشريف .
واللوحة رقم (2) تبين العودة من الغوص فهو يقدم شخصياته من الرجال الذين أنهكهم التعب بعد ان قضوا أشهر طويلة في البحر للبحث عن الرزق ونجد أن اللوحة أخذت شكل المستطيل بشخصيات كثيرة بعضها عائد من البحر وبعضها يستقبله علي الشاطئ والفرحة تغمر جميع من في هذه اللوحة ،وجاء صفاء اللون الأزرق في البحر والسماء إضفاء للواقعية والتسجيل لهذا الحدث .
ثانياً : المدرسة التعبيرية :
قام الاتجاه التعبيري بالحد من واقعية الأشكال بتحريفها عن أوضاعها الطبيعية كما يقوم علي استعمال الألوان المتكاملة مما يساعد في تألق الفكرة في العمل الفني بحيث يتحقق التعبير عن الانفعالات الفنسية وهو يعيد الوجود برؤية تعبيرية جديدة .
ويقف الفنان جاسم زيني علي رأس قائمة الفنانيين القطريين الذين أتخذ آخر أعمالهم التشكيلية الاتجاه التعبيري المتطور .
واللوحة رقم(3) بعنوان ملجأ الموت ، ألوان زيتية وكولاج تأتي علي أثر الزيارات الميدانية التي قام بها الفنان ضمن وفد اللجنة الأهلية القطرية لرفع الحصار عن الشعب العراقي . وكان أشد ما استلفت نظره هو اختراق صاروخ لملجأ في وسط بغداد ليلاً حيث كان يحمي عدداً كبيراً من الأهالي ، الأمر الذي أدي بفعل الانفجار داخل ساحة الملجأ إلي قذ الجثث علي جدران وسقف الملجأ وقد عبر الفنان عن هذا الحدث المأساوي بملحمة جدارية يوضح فيها قذف الجثث علي جدار وسقف الملجأ .
ومن أشهر الفنانين القطريين في هذه المدرسة أيضاً الفنان محمد علي عبدالله ، وهو مولع بالتراث العربي الإسلامي فالنزعة إلي تسجيل التراث والبحث عن شيئ أكثر أصالة هو الذي يشغل الفنان ، ولقد تاثر بالسجاد البدوي (السدو) فهو ملئ باللون وأحياناً يبالغ في استخدام الألوان أو المؤثرات اللونية من أجل أن يشيد عناصر جمالية متماسكة في اللوحة وتمتاز أعماله ببساطة الأداء والحفاظ علي عمق المضمون واختصار التفاصيل ويعتني في لوحاته بالزخرفة والوحدات التجريدية الهندسية .
واللوحة رقم (4) بعنوان ” وجه من البيئة ” وفيها قام الفنان محمد علي بتقسيم مسطح اللوحة إلي شبكيات مربعة وضع في المنتصف وجهاً له ملامح عربية ثم وزع وحدات شعبية في بقية مربعات اللوحة تحيط في النهاية بالوجه العربي واستخدم مجموعة لونية محددة في العمل الفني لتأكيد الربط بين أجزاء المربعات في اللوحة .
واللوحة رقم (5) بعنوان ” ملامح ومسطح معذب ” للفنان سلمان المالك رسمها الفنان سنة 1997 وهي منفذة من خامة الإكليريك .
والفنان سلمان المالك يملك قدراً كبيراً من الوعي بواقعه المحيط ويصل حلمه إلي محاولة التغيير في ما هو يومي وشائع ومتداول في ذوق الناس العاديين وإعلاء لغتهم البصرية فهو يفتش دائماً عن مفردات لوحة عربية جديدة بعيداً عما هو مكرس من قواعد وأطر لم تعد قادرة علي احتواء طموحات الأجيال الجديدة وعلي استيعاب المتغيرات التي تتسارع ساعة بعد أخري والمرأة تتسيد مساحات كبيرة من لوحاته ، المرأة .. الوطن ، المرأة .. الحلم المرأة .. الفعل القادر علي المساهمة في البناء في محاولة منه ليخرجها من المستوي السطحي لمفهوم المرأة بدلالاته الحسية .
أما بالنسبة للوحة رقم(6) بعنوان ” حوار ” للفنان فرج دهام زيت علي قماش (1997) فيقصد به الفنان أن حواراً هو عنوان يلامس عدة محاور في الصياغة التعبيرية ومدخل لأحد المحطات التي اختار لها هذا العنوان من 1997- 1998 كمدخل بحث العلاقة التعبيرية والإشارات البصرية من خلال اللوحة المرسومة .
والمفردة الأساسية في هذه المجموعة هي هي شخوص متساوية مع بنائية الكتل البشرية وخلق معادل آخر في التشريح والنسب في إطار الفن المعاصر وهذه الشخوص تلامس الهدوء في أوضاعها لتحريك حوار صامت بشئ من الشفافية والتخيل والوقار وملامسة النفس من الداخل .
ثالثاً : المدرسة التجريدية :
اتجاه يهدف للتعبير عن الشكل النقي المجرد من التفاصيل المحسوسة ، وينقسم الفن التجريدي إلي قسمين أساسيين الأول يسمي التعبيرية التجريدية ، والثاني يسم يالتجريدية الهندسية ، حيث يكون البحث فيها وراء القيم المجردة التي تعتبر اقدر علي التعبير عن الحقائق النفسية والعاطفية .
واللوحة رقم (7) للفنان عيسي الغانم بعنوان ” بقايا جدران ” تمثل لوحة تجريدية يصورفيها الفنان بقايا جدار اثري ليعبر عن حدين بمنظور حديث وتقنية تركيبية فهي عبارة عن قضاء يقطعه قاطع حاد وسط اللوحة مركز بناء اللوحة علي شكل بلاطة جبسية محفورة ، أما اللون الاسود في أعلي اللوحة فيمثل أفقياً مبهماً وفلسفياً يمثل التوازن والاحترام أما اللون الأبيض في اسفل اللوحة فهو يمثل التلف الزمني لهذه الرؤية في قضاء اللوحة .
رابعاً : المدرسة السريالية :
بدأت ملامح هذه الحركة تظهر منذ عام 1914 وأكبر ملامحها أبحاث فرويد في العقل الباطن وقد اتبع السرياليون طريقتين في الأداء : الطريقة الأولي التي تعتمد علي التجسيم الواقعي الشبيه بالفوتوغرافيا والطريقة الثانية أشبه بالأسلوب التكعيبي المسطح ذي البعدين .
من الفنانين القطريين الذين يتخذون المدرسة السريالية في رسم لوحاتهم نذكر منهم علي سبيل المثال حسن الملا في لوحته رقم (8) ” العين والواقع ” وفيها يتعمق الذات والمشاعر واللاوعي بعين الفنان الذي يعتمد ( التداعي / والحلم ) ، وينفذ إلي درامية الواقع عن طريق (اللاواقعية) ، وفي هذا العمل الفني يحتج حسن الملا علي لا معقولية الواقع العربي ، حيث يصور في بؤرة اللوحة (عيناً) شاخصة ترنو إلي واقع (التجزئة والانقسام ) المستفحل في واقعنا كل فارس وفارس يجري في اتجاه معاكس أو مقلوب أو متنافر وجعل الأشجار ذابلة تذوي لما تراه من واقع لا معقول وأرض لا يغذيها الماء ( رمزاً لانقطاع الإنسان عن بيئته وأرضه ) .
خامساً : المدرسة الحروفية :
إن الخط العربي جزء لا يتجزأ من التراث العربي فعن طريقة سجل هذا التراث وحفظ من الضياع وهو فن أصيل من فنوننا صحب الحياة العربية ومضي مع تطورها وقام بدور مهم لا كوسيلة للتفاهم ونقل الأفكار والمعاني فحسيب ولكن أيضاً كعمل فني له كل خصائص الفنون وقيمها الجمالية الرفيعة .
وفي عام 1971 تأسست جماعة البعد الواحد في بغداد ، وكانت تعتمد علي تناول الحرف الواحد من الزوايا الجمالية البحتة للوصول إلي الجمالية العربية ولقد لاقت هذه الجماعة صدي واسعاً وكبيراً عند بعض الفنانين القطريين ولعل أبرزهم هو الفنان يوسف أحمد ولقد كانت لدراسته العليا بأمريكا لمدة ثلاث سنوات عن إمكانية إخراج الحروف العربي من المحلية إلي العالمية التي يفهمها الجمهور الغربي أكبر الاثر في انتقال مفهوم الخط العربي كزخرف في لوحاته إلي استخدامه كعنصر اساسي في اللوحة التشكيلية الفنية.
ولقد طوع هذا التشكيل في عدة تقنيات فنجد التقنية ذات السطح البارز والمعاجين اللونية في البداية ثم انتقل إلي التسطيح والألوان الخضراء الصريحة ثم إلي الحبر علي القماش والليثوغرافيك والحفر علي المعادن والسيروكرافيك ثم المواد المختلفة التي وجد فيها إمكانات تخدم الحرف العربي .
واللوحة رقم (9) بعنوان “نبات وبحر ” من مواد مختلفة سنة 1998 يعتبر هذا العمل من مراحل يوسف أحمد الأخيرة والتي يبين فيها الخلفية العميقة لديناميكية الحرف العربي المتسلسل في خطوط أفقية يكسرها تقسيم العمل إلي أربع مربعات أخذها الفنان من النوافذ القطرية القديمة مستفيداً بالخامات الأخري مثل الورق الملون والحبال لتؤكد هذا التقسيم . وبمستويات أخري علي سطح اللوحة.
ومنالفنانين البارزين في هذا المجال أيضاً نذكر الفنان علي حسن الذي يقول ” أغمس حروفي بالموسيقي ولو أن الفارابي شاهدني وأنا أعزف حروف الفوضي علي قانون التناسق لوقف مندهشاً وتساءل كيف تصعد هذه النار من هذا البحر فهو يصر علي المحافظة علي الأجواء التراثية للحرف وهو يعتمد علي الحرف ذاته في التشكيل ، ولقد تناول جميع أنواع الخطوط ولكنه أستقر علي الخط الفارسي في تصميمه للوحاته ويعتمد علي العفوية في رسمه للحرف للتأكيد علي قيمته التشكيلية ففي لوحات علي حسن تتحول المادة الحروفية إلي أو المادةالحروفية وتتبعثر وتدخل في شكل نحتي له فضاؤه وفراغاته وتستوي بهذه الصورة علي خلفية حروفية أيضاً .
واللوحة رقم (10) بعنوان حرف النون حاول فيها الفنان دراسة القالبيات التشكيلية في الحرف الواحد (ن) وتأمله كاثر في الوصف الشهودي للعالم ، وهو بالنسبة له نقطة الأنطلاق ونقطة الوصول في تجربته ومحاولاً التأكيد علي قوة ومكانة الحرف العربي الواحد وأن باستطاعة الفنان ممارسة واختيار حرف واحد فقط لسنين طويلة .
وأخيراً حاولت أن أذكر القليل من أسماء الفنانين القطريين كمثال لكل مدرسة موجودة وذلك لضيق المساحة المتاحة لذكرهم جميعاً فعفوا علي عدم ذكر البعض رغم ما أكنه لهم جميعاً من تقدير واحترام ..
بواسطة admin • 10-فنون تشكيلية • 0 • الوسوم : العدد الثانى, ليلي حسن علام