أغسطس 26 2014
الروائي عبده خال ولقاء الجسرة …………………. حسن رشيد
الروائي 0000 عبده خال ولقاء الجسرة عرض الدكتور حسن رشيدناقد وكاتب قطري كان اللقاء في الصالون الثقافي في نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي ذا طابع خاص , ذلك أن الحضور قد تمثل في عشاق الابداع السعودي متمثلا في الروائي عبده خال الذي حصد جائزة البوكر عبر روايته ( ترمي بشرر ) وكنت المنوط الي تقديم هذا الروئي في جلسة ضمت ايضا الناقد الدكتور / سحمي ماجد الهاجري وبحضور وكيل وزارة الثقافة والاعلامي السعودي / ابو بكر باقادر وسعادة السفير السعودي الاستاذ / أحمد القحطاني وجمع من عشاق الادب من ابناء هذا الوطن والاشقاء من المملكة العربية السعودية مشاركة من الاشقاء في اكتمال عقد الحضور العربي في الاحتفاء بالدوحة كعاصمة للثقافة العربية . بدأت هذه الندوة عبر الكلمات المختصرة لمقدم اللقاء دكتور حسن رشيد حيث قال نجتاز هنا في دول المنطفة الكثير من الصعاب لتقديم الزاد للاخر ذلك أن الاعتقاد السائد لدي الاخر ان الخليج لا يحفل بالمبدع ,انه يعتقد اعتقادا راسخا ان الخليج فقط نفطا وغازا وهذا الظن او الاعتقاد يخلق فجوة بيننا وبين الاخر ولكن في هذه الامسية يسعدنا في نادي الجسرة ان نقدم مرجعا من هنا من الخليج حصد اكبر جائزة عاليمة ونعني جائزة ( البوكر ) أنه عبده خال هذا المبدع الخليجي المهموم بقضايا الانسان والمجتمع وهو يسعي لاستمرار ان يقدم معاناة الانسان داخل واقعنا الخليجي من هنا فأن هذه الجائزة وسام علي صدورنا جميعا 0 الروائي الكبير عبده خال رغم أن ( ترمي بشرر ) قد اثارت الكثير من اللغط والنقاش ولكن اعتقد ان هذا الامر سيحفزك نحو المزيد من الابداع ذلك ان الواجب يحتم عليك ان تقدم لمجتمعك ثمرة فكرك وان تترك خلف ظهرك كل المفردات التي تخلق فجوة بين ابدعاتك وواقع مجتمعنا الخليجي العربي ولا تنسي ياصديقي انك امام فوهة المدفع وانا علي ثقة من قدرتك علي اجتياز كل الصعاب واذا كنت الان تمثل المرحلة المتوجهة من الابداع السعودي في مجال القص والرواية فأن ابناء المملكة العربية السعودية ممن سبقوه قد حملوا مشعلا موثرا في هذا الاطار فالرعيل الاول المتمثل في ( حمزة شحاته ، عبد القدوس الانصاري ، عبد الفتاح ابو مدين ، عزيز ضياء ، محمد حسن عواد وغيرهم ) قد كانوا جسرا لظهوركم بدءا من (غازي القصيبي ، محمد حسن علوان ، غالب حمزة ، تركي الحمد ، ابراهيم الحميدان ، محمد عبد الله المزيني ، وعبده خال وغيرهم ) ولا يقتصر الامر علي الرجال فقط , فقد كان لتاء التأنيث دورا هاما مثل ( سميرة خاشقجي ، رجاء عالم ، ليلي الجهني ، زينب حفني ، قماشة العليان ، ساره العليوات ، رجاء الصانع ، بدرية البشر ) وعشرات الاسماء سواء الاسماء الحقيقية او المستعارة مثل صبي الحرز ، وطفي الحلاج 0 ولقد تحمل عبء البحث وتقديم جل هؤلاء المبدعين نقاد حملوا مشعل الانارة لافكارهم واهم هؤلاء الدكاترة ( سحمي ماجد الهجري ، معجب الزهراني ، عبدالله الغدامي ، سعد البازعي ، عبد العزيز السبيل ، حسن النعمي وغيرهم ) بعد هذا الاستهلال من قبل دكتور حسن رشيد رئيس اللقاء تحدث عبده خال وقال ساعود بالذاكرة الي قريتي التي اثرت تاثيرا حقيقا في مثيرتي وجعلتني باحثا عن الكتابة انا ابن لامرأة تهيئ الجنائز لابنائها مع كل موسم مطر او مع كل جائحة مرض تعبر قريتنا تلك القرية التي كتبت عنها ومنها ( الموت يمر من هنا , منسية استقرت في جوف الوادي وفي الظلمة المعرفية بقيت تلك القرية هناك ، محاصرة بالامراض والامطار واهازيج الزراع ، وما بين الحصد والحصد ثمة لحظات انتظار طويلة ينتظر فيها الناس ماذا تلد لهم الارض في لحظات الاسترخاء لم تكن من نافذة علي الحياة سوي الحكاية : والحكاية بمفهومها الاسطوري لا الحياتي ، يبدو أن التعب اذا تغلغل في جسد المزارعين ليس من وسيلة لاخراجه سوي الحلم : والحلم من خلال الحكاية ذكرتني امي حينما كبرت ان اباها كان يردد ” يا كديد يا مكد يا مكدكد يا كتير النكد : لا شايبك يشيب ولا نايبك ينيب فين ( اين ) عبده فين أمنة فين حسينة ، وهؤلاء كانوا ابناؤه الذين رحلوا في يوم واحد عبروا طريق واحد الي المقابر بسبب الجدري الذي حصدهم دفعة واحدة هذه الام ودعت ايضا ستة من ابنائهم احدهم مات ضاحكا واخر مات بالحمي وهكذا حتي اذا جاء عبده كان له اخ اكبر اوصي أمه بأن تسميه عبد الرحيم ، وكانت تردد دائما يا عبد الرحيم يا صابر أن الله مع الصابرين : شخصية عبد الرحيم هي لسيد تقول الاسطورة ان قبره يتحرك في كل سنة بمقدار شبر حتي اذا قطع الفيافي وصل قبر الرسول صلي الله عليه وسلم قامت القيامة واراد أخي الاكبر الذي بقي هاربا من الموت ان تكون هذه الثمرة في بطن امه اسمها عبد الرحيم عندما نزلت الي هذا الوجود كان اخي الاكبر قد مضي ايضا واستقبلتني امي كشخصية ميتة سوف تلحق بباقي الاخوة عاجلا او اجلا ثم توالت الامراض تباعا علي عبد الرحيم ، ولكي ينجو من الموت ثمة طقوس وثنية كانت تمارس في القرية ، فقيل لها غيري اسمه لعله ينجو من الموت عبد الرحيم اصبح اسمه عبد اسود ، كنت داكن البشرة بين اخواني فكان يقال الاسود وحذف المقطع الثاني ليصبح الاسم عبد اسود ، ويبدو انني متخف من الموت بهذا السواد ، في تلك الطفولة كانت الوالدة تحلم بان يغدو هذا الذي بقي من ذكورها مقرئا في المسجد ، وكانت تصر علي ذلك عندما تردد أهزوجة /: وابني سرح يقرأ سرح بعبده قبلو ، ويا معلم علم ابني وهجو ( علمه التهجئة ) وان غوي ابني في امحر ( الحر ) لا تضرب ابني اضرب عبده : عبده المقصود في هذه الاهزوجة هو مرافق للمعلم وليس انا اوكلتني لسيدة لتعليمي القرأن قضيت ستة اشهر لم استطع تجاوز البسمله وكانت معلمتي تضربني ضربا مبرحا وتقول هذا لن يصبح الا حمارا ، ستة اشهر وانا اتهجئ البسمله ولم افلح ، وحين ايقنت معلمتي انني ساغدوا حمارا اوصت امي بأن تهتم بعلفي كي استطيع تحمل صلافة الحياة في تلك الطفولة الاولي يتحول الليل الي نافذة مفتوحة للحكاية ينسي الناس تعبهم ويجلسون بقرب نافذة الحكايات ثم تتفتح هذه الحكاية من خلال امراة ترويها وكل ليلة ثمة حلم جديد وعبور من خلال الحكاية من الجنيه التي ترق الي حال البطل وتنقله من حال الي حال الي خاتم سليمان الي البساط السحري ما اذكره ان تلك المراة حين كانت تحكي كانت تفرض صمتا عميقا علي الحضور الحكاية هي سيدة السلطة واستشعر ان عندما تحكي علي الاخرين ان يصمتوا وكان الصمت مقدسا لا يستطيع احد ان يخترق الحكاية واي شخص يتحدث اثناء الحكاية يبعد عن المكان لانه تجرئ علي سلطة الحكي تقوض حلم الوالدة ان اصبح مقرئا للقرأن ثم قست الارض كثيرا وهجرة السماء للارض طويلة تسببت بموت كثيرا من الاراضي والحقول فكان لابد من الرحيل لامرأة تحمل علي عاتقها ان الرجل والمراة في أن ، انتقلت الي جدة فاذا بحلمها يتحول الي أن يصبح عبده نجارا اوكلت مهمة تعلم النجارة الي النجارين في الحي واذكر المنشار الذي اكرمه وكنت كلما اريد خشبة اتجرا علي جزء من جسدي ثم عملت لحاما وحدادا 0 ويبدو انها عادة لدي اهل الحجاز في اعطاء الفرصة للبنين ليتعلموا كل شئ وكانت الاجازات في جدة مجالا ليرسل الاهالي اولادهم ليتعلموا منها في الحجاز مفصل أخر هو الحكواتي الذي كان في المقاهي ولاحظت ايضا تلك السلطة التي يمتلكها حين يفتح كتابه ليروي سيرة عنترة او الزير سالم او راس الغول فيتحول المجلس الي اصغاء تام ولا يستطيع احد ان يعارض وجوده 0 انها سلطة الحكاية مرة أخري 0كانت اول تجربة لي للامساك بهذه السلطة حين جمعت اطفالا اصغر مني سنا وبدأت انشئ لهم مسرحا أنا الكاتب والمخرج والممثل 0 ومن هنا بدأت استشعر أن الحكاية هي كيف تستطيع ان تقنع الاخر حين تكون باثا لها 0 في تلك السن تعرفت الي سوبرمان وبدأت احلامه تراودني ليس علي مستوي ان تكون خارقا بجسدك وقوتك بل من خلال اقتراح حكاية تمنحك تميزا ما 0 وايضا مردها الي الطرف البيئي الاجتماعي في الحجاز 0 وخاصة ان ابناء الطبقات الفقيرة لا يستطيعون شراء اعداد مجلة سوبرمان فيتبادلونها فيما بينهم 0 ايضا ممكن ان تتحول الي مستثمر حين يكون لديك كمية كبيرة من هذه الاعداد وتؤجرها يوميا 0 اكتشفت الكتب الضخمة عند الوراق وبدأت اتجرأ علي اخذ غير سوبرمان ووجدتني اقرأ اول كتاب وهو ( تلبيس ابليس ) وفيه الاسطورة التي راودتني منذ الطفولة كتاب كنت اقرأه في اوقات كثيرة واتخيل ذلك العالم السحري الذي خرج منه حاملا اسطورة دينية وبالتالي كان المجمتع المتدين يبارك ان تقرا في هذا الجانب والاسطورة التي يتوافر عليها ( تلبيس ابليس ) من القوة بحيث تؤسس تلك الذاكرة المنطلقة لطفل يبحث عن سوبرمان الذي استطاع ان يحكي الحكاية واذ بي من خلال هذا الكتاب اتسلل الي ” بين مدينتين ” ” والبؤساء ” و ” بائعة الخبز ” و ” الجريمة والعقاب ” لم اقرأ رواية عربية قبلا 00 اصبحت لغتي هي ما اتميز به بين اقراني واصبحت كاتبا في الحارة لشعارات الفريق 0 وتجرأ احدهم وطلب مني ان اكتب لحبيبته لكن كانت اخطائي الاملائية كبيرة جدا وبالتالي فهمت الحبيبة فقط نصف الرسالة 0 واذكر الي الان انني كتبت شعارا لفريق الحارة ويبدوا انهم ارادوا ان يحتفظوا بخطئ شنيع ارتكبته ومازال موجودا في احد الازقة وهو ” يعيش الكافح ” بدل ” يعيش الكفاح ” الرواية العربية قرأتها في الاول وجاءتني هدية من اخي لأمي احضرها من القاهرة وتعرفت الي محمد عبد الحليم عبد الله , والسحار, وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ ، وطه حسين ، والعقاد 0 كوني ذكرا في اسرة مكونة من فتاتين وام جعلتني مسؤولا عن احضار كل مستلزماتهن الحياتية 00 كان يدفع بي في تلك السن المبكرة ان اذهب الي السوق لشراء السمك وغيره كان كل يوم يعني ان اتعامل مع بائع او عابر سبيل في هذا المشوار الطويل 00 وكل يوم لابد ينطوي علي حكاية مع اناس تعترك معهم وتكتشف شخصيات تنبع من الشارع 00 وكانت مدينة جدة تتحول الي كرنفال في ايام الحج حينما يسيح الحجاج في شوراعها 0 فتلتقي ثقافات واجناس مختلفة 00 هذا عالم مؤثر 00 وكنت اقطن في شارع الميناء وهو قريب جدا من مدينة الحجاج 00 وكنا نقوم بالتواصل معهم لتقديم الماء والبيع والشراء 0 هذا الطفل الذي تنبأت المعلمة انه سيصبح حمارا وببركة المداومة في المدرسة اذ بي انجح في الثانوية وادخل الجامعة 0 والدتي كانت لا تنسي ان ثمة من كسر حملها في ذلك الطفل واذكر انها جهزتني حتي اعود الي القرية وهي المرة الاولي التي اعود اليها بعد ان غادرتها اشترت هدية واصرت ان اذهب الي معلمتي وان ابلغها تسلم عليك عايشة وتقول لك الحمار دخل الجامعة الان اكتشف ان الحمار هو لقب علي الانسان ان يحمله اذا كان جلدا صبورا والرواية تجعل منا حميرا ” الموت يمر من هنا ” ( الرواية الاولي ) لو لم اكن امتلك صبرا وجلد الحمار لما كنت كتبتها ، اذا قضيت 11 عاما حتي انجزتها 0 في سن مبكرة كتبت اول قصة قصيرة كان عمري 17 عام وكنت اريد ان اجرب الي اي مدي استطاعت ان امتلك سلطة الحكي فوجئت انها تنشر باحتفاء وتمثل في الاذاعة السعودية بوصفها نموذجا من الادب السعودي لكن هذه الفرحة الغامرة لم تستوطن الفؤاد لانني كتبتها باسم انثي نيفين عبده ويبدوا ان اسم الانثي هو الذي مكنها من ان تحتل ثلاثة ارباع الصفحة ويحتفي بها في الاذارعة . اتصلت بالاستاذ السباعي عثمان وقلت له انا نيفين عبده صخب الرجل وقال انك هكذا ضللت النقاد ويبدوا انني ضللت السباعي عثمان رحمه الله ارسلت له فيما بعد قصة باسم عبده خال وكنت اظن انني اكتب قصة جديدة كان البطل قطا يرقب الحارة ويروي ما يحدث في كل بيت ، انتظرت عشرة اسابيع وجدت ردا في اسفل صفحة الادب في جريدة المدينة يقول عبده خال ارجوا المحاولة مرة اخري فانت لا تعرف لغة الحيوان والقصة مهلهلة وعليك ان تراجع كتاباتك 0 عندما اردت ان افرح مع اقراني بالقصة التي نشرت باسم نيفين عبده واذا بي اتحول الي مسخرة اتجهت فيما بعد الي كتابة الشعر وكان مكسرا وسخيفا واستمررت في الشعر والخواطر وفي جريدة الشرق الاوسط كنت ارسل الي بريد القراء في كل اسبوع قصيدة وجدت ان معدتهم لم تحتمل هذا الضغط الشعري فلجأت الي مجلات وجرائد اخري حتي اذا التقيت السباعي عثمان في جريدة عكاظ التي انتقل اليها مديرا للتحرير قال لي اذا ارادت ان يكون لك شأن اكتب القصة ودع الشعر لاهله ومن ثم قدم الدكتور حسن رشيد المعقب الدكتور سمحي ماجد الهاجري الذي قدم العديد من الدراسات والبحوث الجادة بجانب دوره الاكاديمي ويعتبر احد ابرز مؤسسي اعضاء حلقة ( حوار ) والباحث الدكتور الاكاديمي اثري المكتبة النقدية بالعديد من الكتب الهامة منها علي سبيل المثال لا الحصر 1 . سجال الخطابات ( قراءة مختارة في الادب السعودي 2 . القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية 3 . جدلية المتن والتشكيل ( الطفرة الروائية في السعودية وبدأ بعدها الدكتور سحمي التعقيب علي اعمال الكاتب الروائي عبده خالبسم الله الرحمن الرحيم طاب مساؤكم بكل خير ومرحبا بهذا الحضور المبهج في نادي الجسرة الادبي الثقافي هذا النادي الذي يمثل جسرا بين المبدعين والمثقفين في دولة قطر العزيزة وجسرا بينهم وبين الابداع والثقافة سواء في محيطهم الاقليمي او فيما هو ابعد من ذلك وبما ان هناك العديد من الدراسات عن الرواية السعودية فسوف اكتفي هنا بالتركيز علي روايات الاستاذ عبده خال الفائز بجائزة البوكر الدولية للرواية العربية هذا العام ومن محاسن الصدف وجميل الموافقات ان يتزامن هذا الفوز مع الاحتفال بدوحة العرب عاصمة للثقافة العربية وهو امر لن ينساه عبده بالتاكيد سوف احاول في لمحات سريعة ان ندخل معا الي عوالم رويات عبده خال حسب تسلسلها الزمني فأنا تربطني بعبده خال علاقة طويلة ولمن لا يعرفون ذلك في ورشة النادي الادبي بجدة ثم في نادي القصة وبعد ذلك اسسنا معا جماعة حوار جدة عام 2003 مع الدكتور حسن النعمي والاستاذ علي الشدوي عبده خال كائن سارد كائن يخترق الحكايات والمواقف ويعيد كتبابتها برؤية جديدة ويجيد نسجها وتوظيفها بدأ باصدار مجموعات قصصية متميزة منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات ثم اصدر روايته الاولي الموت يمر من هنا عام 1994م وكانت هذه الرواية اضافة الي رواية غازي القصيبي ( شقة الحرية ) اذا انا في بداية عصر جديد في مسيرة الرواية السعودية المعاصرة اذن عبده خال حضر منذ بداية الطفرة الروائية السعودية وكان احد مدشنيها وبعد ذلك كون لنفسه معتمدا روائيا لعله الاقوي بين جميع الروائين والروائيات السعوديين من خلال اصداره لسبع روايات اصبحت معروفة او متداولة علي المستوي العربي والعالمي خاصة بعد فوزه بالجائزة وهذه الرويات هي الموت يمر من هنا عام 1995م , مدن تأكل العشب عام 1998م , الايام لا تخيئ احدا عام 2002 م الطين عام 2002 م , نباح 2003م , فسوق 2005م , ترمي بشرر 2009م ومما يميز عبده خال انه موهوب ومتمكن من ادواته السردية وواع بشروط الكتابة الروائية وفضاءاتها الواسعة والامر الثاني انه شخص دؤوب لا يكل ولا يمل من الكتابة , الامر الثالث أنه متطور في امتلاك الاداة والرؤية للموقف واتضح وعي عبده خال بشروط الكتابة الروائية منذ روايته الاولي لتعدد اصواتها وحواديتها مع سياقاتها التاريخية والثقافية والاجتماعية وكم الخطابات والنصوص المتخللة ” بحسب عبارة باحثين التي يدمجها في نسيج النص الروائي ويوظفها لاثراء المحكي الاساسي للرواية في هذا العمل داب عبده خال علي استعادة جزور المتغيرات من اقصي تلافيف الذاكرة الشعبية والحكايات الشعبية في منطقة جازان بجنوب المملكة وما تمثله من عمق انساني لتعود جزءا من الذاكرة الجماعية علي مستوي الوطن وما تمثله من اتساع كان البطل يقوم بدور المراقب عندما يطمر جسده في الارض ولا يظهر الا رأسه ليراقب والي القلعة وشيخ القبة ويرصد افعالهم المناقضة لاقوالهم وتحويل نتيحة المراقبة الي مدونة تواجه مدونة السلطة وكتابة تخص اصحابها في مواجهة كتابة السلطة يقول ( موتان ) لأمه لماذا السوادي يمتلك كل شئ والقرية لا تملك شئا ؟فترد عليه الذي يمسك بالقلم لا يكتب نفسه في زمرة الاشقياء فيقول من يومها قررت ان اتعلم وتمثل شخصية ( شيرين ) في الرواية ذاتها نوعا من استنباط ضرب من الوعي لمقابلة الظلم الاجتماعي من خلال تجريد شخصية وظيفية تكون بمثابة بقعة ضوء وسط الظلاموفي رواية ( مدن تأكل العشب ) نجد قصة الفرد المهمش المسحوق الذي يسكن الاحياء القزرة ويعمل في الوظائف الحقيرة انها شخصية تعيش في المدينة فتزيد ضخامة المدينة ضالة الفرد وسحق احساسية ومشاعره وتطلعاته ولهذا يشن الراوي هجوما مفزعا علي المجتمع وفي هذه الرواية تبدو مخاتلة الواقع الاجتماعي من خلال المقاطع التفصيلية الطويلة يقول السارد ” احترم كل تجربة انسانية وامنحها حسن الظن ومع هذا الايمان فان ما كتبه المؤلف المجهول من الفاظ لا اقبله وارفضه جملة وتفصيلا وانبه القارئ العزيز ان ما كتبه المؤلف المجهول في هذا العمل لا يمثل رايي البته لذلك فانا اتنصل من كل تلك المقولات التي جاءت علي لسان الراوي المجهول ” وفي رواية ” الايام لا تخبي احد ” ترصد جل القرية والمدينة وتحكي قصة الذات الفردية القادمة من القرية الي المدينة وهي تحاول الانتماء الي المدنية ولكن وهم الانتماء يتحول الي مجرد اختباء حين تكشف الايام هشاشة وضعها تقول الذات الساردة سنون طويلة قضيتها هنا دخلت الحي غريبا وعندما ارتوت جزوري بهوائة وناسه ازهرت الحياة في اوردتي وخلعت اوراق الخريف وبدأت انمو كنخلة اطمأنت لموقعها فارسلت جزورها الخضراء وعندما نظرت الي اعلي لم تجد عصافير تشقشق فرحا باستطالتها فلم تيأس وانتظرت مجئ المواسم القادمة وتمر الايام وتعبر المواسم كانت المواسم تقبل وتدبر غير مكترثة بانتظاري فاكتشفت ان الربيع لا يتوقف من اجل نبته تتعلم النمو والاخضرار اما رواية ” الطين ” فقد اخذت مسارا مختلفا وركزت علي الجوانب النفسية والفلسفية والبنية التركيبية في تقسيم الرواية الي قسمين كبيرين ينتهي القسم الاول حين يقول الدكتور حسين ” بطل الرواية ” من اراد متابعة حكاية هذا المريض فساعلمه بدم بارد انها انتهت ومن اراد اكتشاف الدمار الذي اورثني اياه مريضي فسجده في الصفحات المتبقية وهذا يفسر تقديم الرواية في مجملها داخل اطار عام يشبه الريبورتاج الصحفي من استفتاء اشخاص حقيقيين او مفترضين وادماجهم في متن الرواية باشخاصهم الحقيقية مع نبذة عن مؤهلاتهم العلمية والعملية وكسر الحاجز بين الرواية والربيورتاج الصحفي نقل الصيغة بمجملها الي افق اخر وعمق بنيتها الاساسية القائمة علي طريقة التشعب ولهذا فهي من النصوص التي تتفرع وتتشعب كالغابة لكنها تتيح لكل منا ان يجد ممراته الخاصة حسب عبارة امبرتوايكو 0 فراوية الطين تقدم مجموعة من الممرات الخاصة منها النفسي ومنها الفكري ومنها الفلسفي بداية من الوحي ونهاية بالعلم وتبدوا كأنها تقدم تفسيرا وتصورا خاصا بالذات والكون والعالم خاصة وان الفترة التي ظهرت فيها الرواية شهدت اقبالا علي مؤتمرات الاعجاز العلمي فصارت مقولتها الاسايسة في الزمن فهي تعيد تفسير الظواهر الغامضة تفسيرا زمنيا بطريقة ترتكز علي البعد الفلسفي للزمن ومقولات انكماش الزمن في ظل معايير القياس الجديدة وتتقاطع مع ما ذكره الدكتور احمد زويل في كتابه عصر العلم فعند الدكتوررحسبن ليست السرعة مجرد عكس للبطئ والتمهل بل هي طريقة للعيش والسكن في هذا الكون انها تحدد وجودنا من عدمه وهي التي تفسر لحظة النشوة حين نذوب ونتلاشي كي يصبح زمننا صفراء وهي التي تجعلنا نتصور حيوات متعددة بسرعات وترددات مختلفة فبسبب السرعة نحن نعيش في دوائر زمنية في امكنة ذات ترددات مختلفة وفي دائرة واحدة هي الحياة وفي رواية ” نباح” تعرض عبده خال الي حرب الخليج الثانية ونزوح اليمنيين من المملكة وملاحقة البطل لحبيبته التي نزحت مع النازحين ولكنه وجدها قد امتهنت البغاء وحملت سفاحا فطلبت منه طلبا اخيرا باسم الحب السابق ان يسجل نجلها باسمه فوافق وكانه يقول ان نجل حرب الخلج الثانية سجل باسمنا جميعا اما اباؤه فانهم جميعا اوغاد العالم الذين اهدتهم الرواية لعنة كبيرة وفي رواية ” فسوق ” يعود عبده خال الي الاشتباك مع الواقع المحلي مرة اخري مع قاعدة سد الزرائع ومع ثنائية المفاضلة ( اما ابيض اما اسود ) ولا مكان للوسطية او للنسبية كما طبيعة الامور يقول السارد في الرواية لم تعد مناكب الارض كما خلقها الله غدا كل فعل محرم وكل حركة مكروهة وكل نفحة غير مستحبة وفي الرواية فضح للضلالات المعرفية فاللغة مثلا التي هي في الاصل للايضاح تحولها الدعابة الحزبية الي الة للاسهام والتعمية وبالتالي فان علي السرد ان يبدأ ويستمر حتي يكشف الحقيقة التي سبق ان طمستها اللغة .يقول ” فواز ” اللغة تثبت الكذب علي كافة موجات المجتمع والكتابة تثبته مما يعني الحاجة الي كتابة مضادة يقول السارد الاول في الرواية ” جلست كمصور غمر قلمه الماء واخذ ينتظر انقشاع غبش الصورة كانت ملاحمها تتراقص تحت الماء الاقاويل شيئا فشيئا “0 وكان السرد هنا ضد اللغة واذا اخذنا شخصية البطل السارد في الرواية ( طارق فاضل ) مثالا فأن كثيرا من الاعمال السابقة كان السرد فيها يأتي من وجهة نظر الضحية او حتي من وجهة نظر الجلاد اما ( طارق فاضل )فهو جلاد وضحية فالوقت ذاته ولهذا يعتمد علي اللفظة لكشف ذاته ومجمتعه بصدق وليس بصراحة فقط لان تعريته الذات بهذه الصورة المقززة اقصي درجات الصدق هذه الاعترافات توصفها الناقدة اللبنانية رفيف صيداوي بأنها تشبه الاعترافات في الثقافة المسيحية التي ينزع الشخص فيها الي التخلص من عذابات النفس والضمير فاعترفات ( طارق فاضل ) تجاوزت بعض الروايات الخليجية والعربية التي تكشف المسكوت عنه وتسرد الخطايا القابعة في زوايا المجتمعات العربية لتنسج خطابا قائما علي بوح وتعر خالصين لجلاد تجاوز الخمسين واستفاق باحثا عن الانسان فيه بعد ان نحاه جانبا سنوات طويلة0 ومن خلال البوح الذاتي تكشف الرواية بعض عيوب المجتمعات العربية كافة عبر اطلالة نقدية راقية تستند الي ادوات السرد الفني بقدر استنادها الي ادوات التحليل الاجتماعي من تشخيص للوحدة المكانية وتحليل مكامن الخلل فيها وكل ابعادها الفيزيقية والتاريخية والاجتماعية وصولا الي رسم مصائر الشخصيات المحددة بالمستوي النفسي والاجتماعي اما رواية : ترمي بشرر فهي خير مثال علي ان التراكم الكمي يؤدي بالضرورة الي تطور نوعي فقد حضرت فيها جميع انواع السرود كما يريد النقاد واتضحت فيها مفاعيل هذه الخبرة الكبيرة في ممارسة كتابة الرواية وبقدر ما فرح به النقاد فلابد من الاشارة انها ربما تكون متعبة للقارئ العادي بل وصادمة ايضا ولذلك فقراءتها تحتاج الي صبر وتدقيق وتفهم لواقع الحياة ومن ان الطابع العام للرواية هو الطابع الميلودرامي ولكن يمكن ان ينظر لهذا الامر من جهتين اولا : ان طابع الواقع العربي طابع ميلودرامي اساسا وبالتالي فلا غرابة ان تفوز هذه الرواية الواقعية بالجائزة بعد ان ذهبت الجائزة في الدورة الاولي والثانية الي رواتين تاريختين ( 1- الغروب ) لبهاء طاهر و ( عزازيل ) ليوسف زيدان الامر الثاني أن حرفية الكاتب اخرجت الرواية من مأزق الرويات الميلودرامية الفجة التي تعتمد علي الصدق والمأسي والمفاجات غير المعقولة لأن الرواية مشغولة بحرفية شديدة فهمهمة الرواية كما يقول ميلان كونديرا هي تمزيق التيار الحاجب للحقيقة وكشف التمثيلات الاجتماعية المضللة والمعروف ان الشخصية الروائية الواقعية تعكس جوهر الواقع اكثر مما تعكسه الشخصيات الواقعية الحقيقية في واقع الحياة هذه لمحة سريعة عن روايات عبده خال وان كانت لا تفي بالتعريف عنها بالشكل الكافي ولكن ربما اعطت فكرة عامة عنها أشكر الجمبع علي حضور هذا اللقاء الذي لم يكن مجدولا ولكنه يدل دلالة اضافية علي نجاح هذا المهرجان الثقافي الذي سعدنا جميعا بالتواجد فيه
أغسطس 26 2014
الواقع والمسرح في الجزائر ………………… د. العيد ميراث
الواقع… والمسرح في الجزائرد. العيد ميراثقسم الفنون الدرامية- كلية الأدابجامعة وهران- الجزائرتمهيد: لم تكن الموضوعات الاجتماعية أقل أهمية من الموضوعات التاريخية في المسرح الجزائري، بل أنّها كانت تتمتّع بحظّ أوفر عند كتّاب المسرحية، خاصّة إذا وضعنا في الاعتبار، أعمال الروّاد الذين كرّسوا تجاربهم لهذه الموضوعات التي سيطرت على أذهانهم وشغلت اهتمامهم منذ سنة 1921 وحتّى نهاية الحرب العامية الثانية، حيث ظهر الاتّجاه الإصلاحي الاجتماعي إثر نشاط جمعية العلماء المسلمين المتضاعف، فانعكس ذلك جليّاً على الإنتاج الأدبي بما فيه المسرحيّة، وأضفى عليه الطابع الإصلاحي والتعليمي. بيد أنّ تلك التجارب العامية التي كانت في البدايات الأولى، تكاد تفقد قيمتها ووزنها الأدبي بالقياس إلى المسرحيّة الفصيحة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولقيت ازدهاراً وتطوّراً ملحوظين نتيجة المناخ الذي هيّأ لها، لأنّ المحاولات الأولى كانت تقتصر على نصوص مكتوبة بالعاميّة الجزائريّة، أو بالأحرى باللهجات المحليّة التي تخضع كلًًّ منها لسمات وخصائص محدّدة قد يختلف النّاس في فهم خصوصيّتها من منطقة إلى أخرى في الجزائر نفسها، هذا بالإضافة إلى كونها ارتبطت بالعرض أكثر من ارتباطها بالتدوين الذي يهيأ للدارسين فرصة الاطلاع عليها فيما بعد، ومن ثمّ ظلّت بالرّغم من ارتباطها بالمجتمع، حبيسة شكل وأسلوب شعبين خاضعين في الأغلب الأعمّ، للسّمات الهزليّة في المسرح، وذلك وفق ما تقتضيه طبيعة الارتجال والتأليف الجماعي، التي تعدّ من خصائص ذلك المسرح. أمّا المسرحيّات الاجتماعيّة التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فهي أكثر نضجاً وتطوّراً، سواء من الناحية المضمونية أو الشكلية وقد تميّزت بالأسلوب الأدبي الراقي لقيام الحوار فيها على اللغة العربيّة كما أنّها كانت تطبع وتنشر في الغالب بالمجهود الشخصي لأصحابها الشخصيّة، وتمثّل هذه المسرحيات رصيداً لا بأس به للأدب المسرحي الجزائري، ولعّل هذا الأمر هو الذي يدفعنا إلى تصنيفها في مرتبة أرقى من المسرحيّات العاميّة، وعلى الرّغم من تشابه الموضوعات المعالجة بينها، مع فارق الشّكل الذي تصاغ فيه الأفكار، فإنّها لم تخرج في مجملها عن إطار المعالجة الاجتماعية بمختلف الظواهر التي عمّت المجتمع عبر مراحل تطوّره. ويستوعب الاتجاه الاجتماعي عدداً كبيراً من المسرحيّات التي سيلي ذكرها لاحقا، ويتميّز هذا النوع من المسرحيّات بالتعامل المباشر مع قضايا المجتمع المعاصر دون الاعتماد على التاريخ منطلقاً لها، وقد حظيت المسرحيّة الاجتماعيّة باهتمام الكتّاب لاسيما بعد الاستقلال، فكانت هذه الفترة نقطة تحوّل هامّة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وبدءا من هذا التاريخ ظهر على السّاحة الأدبيّة كتّاب عنوا بالمسرحية كشكل أدبيّ ينهض بمعالجة المشكلات الاجتماعيّة نتيجة المتغيّرات الجديدة التي أفرزتها مرحلة الاستقلال، وبالتالي يمكن القول أنّه كان لعامل الاستقلال أثراً إيجابيّاً في انتعاش الحركة الأدبيّة والثقافيّة بشكل عامّ، و ذلك نتيجة الوضع الاجتماعي و السياسي الجديد الذي كان يتمتّع فيه المجتمع بقسط من الحريّة و الديمقراطية في التعبير عن همومه، هذا خلافا للاضطهاد الذي كان يعاني منه الفرد، والمثقّف على وجه الخصوص إبّان الاستعمار الفرنسي. ففي ظلّ هذا المناخ الجديد، جلب المسرح انتباه المثقّفين، ولقيت الحركة المسرحيّة ازدهاراً ملحوظا، وشهد المسرح تطوّراً نسبيّاً في مجال التأليف المسرحي، وتجسّد ذلك في ظهور مسرحيّات عديدة لاسيما في أواخر الستينات ومع بداية السبعينات، وترتبط هذه المرحلة التاريخيّة بانطلاق مشروع الثورات الثلاث: الزراعيّة، الصناعيّة و الثقافيّة.وفي القائمة التالية عناوين المسرحيات التي تمثّّل النصوص التي اهتمّت بالواقع الاجتماعي والسياسي مما يعطي صورة مجملة لواقع هذا الاهتمام و طبيعته، وحركة التأليف فيه:
عنوان المسرحيّة اسم المؤلّف تاريخ نشرها امرأة الأب أحمد بن ذياب 1952 الحذاء الملعون جلول البدوي 1953 أدباء المظهر محمد رضا حوحو 1954 الأستاذ محمد رضا حوحو 1955 حنين إلى الجبل صالح خرفي 1959 في انتظار نوفمبر الجديد الجندي خليفة 1966 الشراب أبو العيد دودو 1968 زواج بلا طلاق عبد الملك مرتاض 1969 البشير أبو العيد دودو 1971 الانتهازية محمد مرتاض 1972 المغرورة محمد مرتاض 1972 الثمن محمد حويذق 1972 سيدي فرج صالح خرفي 1975 اللعبة المقلوبة أحمد بو دشيشة 1977 طريق النصر محمد الصالح الصديق 1984 وفاة الحي الميت أحمد بودشيشة 1984 السرّ أحمد بودشيشة 1984 الصعود إلى السقيفة(خمس مسرحيّات) أحمد بو دشيشة 1984 العاهة أحمد بودشيشة 1985 البوّاب(خمس مسرحيّات) أحمد بودشيشة 1986 مصرع الطغاة عبد الله ركيبي دون تاريخ الهارب الطاهر وطار دون تاريخ
وإذا كان الاتجاهان التاريخي والاجتماعي يشتركان في أنّهما يعرضان لجانب إنساني عام، فإنّ ثمّة فارقا قائما بينهما، يتمثّل في أنّ الجانب الإنساني العام في المسرحيّة التاريخية هو هدفها النهائي، في حين أنّ الجانب الإنساني في المسرحيّة الاجتماعيّة إنّما يبرز من خلال قضيّة حضاريّة مرحليّة معاصرة، فمثلاً قضيّة تحرير الوطن ونصرة الحقّ أوعرض مجتمع يناضل ضدّ حكم مستبدّ، من القضايا الإنسانيّة العامّة التي لا ترتبط بمرحلة معيّنة في حياة الإنسان و تطوّره، بينما قضايا مثل الديمقراطيّة أو الصراع الطبقي، أو المساواة بين الرجل و المرأة، برغم وجهها الإنساني الحضاري العام قد تصبح لصيقة بمجتمع ما، في مرحلة معيّنة من حياته. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنّ المسرحيّات الاجتماعية على تنوّعها ترنو إلى التوفيق بين الدعوى والفنّ كمدخل لتشكيل علاقة الإنسان بالمجتمع1.ويحاول أصحابها نقد الظواهر الاجتماعيّة ورصد مشكلات المرحلة التي يمرّ بها المجتمع ومفهماته التقدميّة وقضاياه، ثمّ يلجؤون إلى توظيفها دراميّا ولغويّا، بحيث تسهم في حبكة المسرحيّة، عندما يصبح هذا المفهوم أو هذه القضيّة عقدة الموقف، ومن مجموع هذه المواقف وترابطها يتشكّل بناء المسرحيّة.2 وهذا الموقف الصارم الذي اتّخذه كتاب الحركة الإصلاحية عائد إلى طبيعة المرحلة الحضارية التي أوجدته، لقد كان المجتمع الجزائري يمر ّبفترة من التحوّل والتغير، وتمتاز مراحل التغير بالحيوية والنشاط وتنوع المشكلات الاجتماعية والقضايا السياسية، مما يشكّل مصدراً هامّاً يمكن للكاتب أن يستمدّ منه موضوعاته، وهذا ما حصل في الجزائر في هذا القرن حين كان المجتمع أحد المصادر الرئيسية للمؤلفين المسرحيين إلى جانب التاريخ، وكانت القضايا الاجتماعية المعالجة خصبة متنوعة، تقوم في مجملها على الدراسة والنقد لحلّ تلك المشكلات التي تعوق سير المجتمع والتي تراءت بوضوح،لاسيما في مرحلة الاستقلال. وإذا كان كتّاب المسرح يستهدفون خلق أدب مسرحي وتأصيله في البيئة الجزائرية ينهض بتصوير الواقع ونقده، فإنّ نتاجهم- إذا ما تجاوزنا بعض الأعمال- كان بعيداً إلى حدّ ما عن النضج والمستوى الفنّي الذي يتيح له الارتقاء واكتساب خصائص الأشكال المسرحية الجيّدة، ممّا يعني أنّ تلك المسرحيّات، برغم احتوائها لمضامين هادفة،قد اتّسمت بضعف البناء واضطراب عناصره،نتيجة بعد تلك المحاولات عن مقومات التعبير الدرامي، لذا يمكننا اعتبارها بداية نحو نشوء أدب مسرحيّ عربي في الجزائر. وتعتبر خصائص الشكل المسرحي، بما اتسمت به من نقائص، نتيجة طبيعية لأسلوب المؤلفين، وعدم درايتهم بالكتابة المسرحية وقواعدها، التي انعكست على البناء الدرامي، وتحريك الصراع فيه، ورسم الشخصيات وإدارة الحوار، كما امتدّ أثرها إلى وحدتي الزمان والمكان، ونكتفي هنا برصد الخصائص العامّة التي تشترك فيها أشكال مسرحيات هذا الاتجاه.طبيعة الصراع في المسرحيات الاجتماعية:نشير بادئ ذي بدء إلى أنّ الصراع جوهر المسرحية، والشخصية والحوار هما الأداتان اللتان تكشفان عنه ضمن إطار الحدث، وذلك يقتضي أن تخضع الأحداث في تسلسلها وتطورها خلال المشاهد أو المناظر، إلى قانون المنطق والسببيّة، بعيداً عن التنقل العشوائي القائم على الصدفة، إلاّ أنّ غياب مبدأ السببيّة ورسم الصراع بالسطحية والسذاجة في بعض المسرحيات، وبالسكون في مسرحيات أخرى نتيجة ضعف بناء الشخصيات ورداءة رسمها، وخلوّ الحوار من مقوماته الدرامية، ويبدو ذلك جليّا في مسرحية “زواج بلا طلاق” ومسرحية “الحنين إلى الجبل”3. فالمسرحية الأولى تصور قصة رجل اعتاد ارتياد مجالس الخمر والقمار وأدمن عليها، وبلغ به الأمر إلى إهمال زوجته وابنه الرضيع، وكانت زوجته تخشاه نتيجة معاملته السيئة لها، وقسوته عليها، وعندما يمرض ابنها الصغير ويقبل على الهلاك لا تستطيع فعل شيء، ولا تفكّر في أخده إلى الطبيب مخافة بطش زوجها الذي حرّم عليها الخروج بمفردها، لكن تدخل الجارة تشجّعها، ولم تغادر البيت إلاّ بصحبتها… وبالرغم من ذلك يتهمها الزوج بعصيانه وخيانته، ويغضب عن سلوكها، فيتدخّل جاره محمود ويستحلفه بألاّ يعود إلى الخمرة والقمار، ويعده الزوج بذلك، ويعلن توبته أمام الجميع. إنّ هذه القصة التي شكّل منها الكاتب نسيج مسرحية مصطنعة، والأحداث فيها تتوالى اعتباطا دون أي خيط يربطها، والمواقف فيها لا تخضع لمنطق السببية، وهي قائمة على الصدفة، ورغم جهد الكاتب في إيجاد أسباب ومبرّرات لتلك المواقف، فإنّها تظلّ ضعيفة وغير مقنعة ممّا أدّى إلى اتّسام الصراع بالسطحية والسذاجة، ولم نشهد أيّ توتّر أو صدام بين الزوج والزوجة، باستثناء المشهد الثالث من الفصل الثاني، رغم أنّهما الشخصيّتان الأساسيتان، وما يدور بينهما من حوار، أبعد ما يكون عن الحوار الدرامي الكاشف عن الصراع، إذ لا يتعدّى التوبيخ واللوم الذي يوجهه “قادر” إلى زوجته “وردة”. وقد امتدّ هذا الخلل البنائي، المتمثّل في الربط الجيّد بين أحداث وأجزاء المسرحية، إلى نصوص أخرى، كانت ترقى إلى مصاف الأشكال الجيّدة.فمثلا في ” اللعبة المقلوبة”4 نرى أنّ الفصل الذي يطالعنا فيه الفلاحون، وهم يتأهّبون للتصدّي للإقطاعي “مبروك”، لا يربطه سبب قويّ بالفصلين السابقين، حيث ينقلنا الكاتب من “باريس” إلى الجزائر دون أن يهيأ لذلك المبرّرات الكافية ، وبالتالي لا يبدو البناء في هذه المسرحية متكاملا ومتماسكا. بينما كان الصراع في مسرحيات أخرى مكتمل الصورة، محدّد الأبعاد يكشف عن مفارقات درامية، فبدا فيها الفعل الدرامي ثريّا بالحركة، نابغا بالصراع، نتيجة رسم الشخصيات الجيد واكتمال مقوماتها، ووضوح مواقفها التي تناضل من أجلها. ففي مسرحية” التراب” 5 يتجلّى الصراع واضحا بين الشخصيات، كما أنّ علاقاتها التي تنطوي على مفارقات درامية، ضاعفت من وهج الصراع، لاسيما تلك التي نلحظها بين سعيد وحميد في حبهما لفضيلة، أنّ حميد يضحي بسعادته، وإرضاءً والدته ويلتحق بالجبهة قبيل زواجه بأيّام معدودة، لأنّه يؤمن بأنّ قضيّة الوطن أولى من أيّ مصلحة شخصيّة، بينما يبدو “سعيد” إنسانا أنانيا لا يفكّر إلاّ في نفسه، ولا يعير كبير الاهتمام لمسألة الوطن، وسرعان ما تشتعل نار الحقد والانتقام منهما…لكن سرعان ما يتغيّر سلوكه ويرجع فيما صمم عليه من شرّ بعد احتكاكه بالمجاهدين… ويمكث هناك حيث يثبت شجاعة نادرة إلى أن يستشهد فداء للوطن. والمسرحيات الاجتماعية تختلف من حيث أسلوب الطرح للمشكلات الاجتماعية والبحث عن العوامل الكامنة وراءها لإيجاد الحلول، وتتفاوت من حيث تصوير الصراع بين الأفراد أو القوى الاجتماعية المختلفة، ففي بعض المسرحيات يقوم الصراع بين الفرد والمجتمع، أو بين مجموعة من الأفراد تعارضت مواقفهم، لكن هذه المسرحيات لا تطمح إلى تحليل العلاقات الاجتماعية في سياقها التاريخي والاجتماعي لتجسّد بعدئذ الصراع الجدلي الذي يعتبر نتيجة حتمية للتناقض في العلاقات أو للوضع الطبقي المفروض في المجتمع. وينطبق هذا على مسرحية”امرأة الأب” لأحمد بن ذياب، و”المغرورة”6 لمحمد مرتاض، و”الأستاذ”7 و”أدباء المظهر”8 لرضا حوحو، وبالرغم من أنّ هذه المسرحيات ترتبط بالمجتمع مباشرة وتعبّر عن قضاياه، إلاّ أنّها تجرّدها من واقعها التاريخي، وتتجاوز بذلك البواعث الخفية للمشكلة الاجتماعية وإمكانيات حلّها، فابن دياب ينظر إلى مجتمعه من خلال فكرة مثالية، وينتقد الوضع القائم، لكنه لا يغوص في أعماقه ليكشف عن الجذور الأساسية للقضية والأسباب الكامنة وراء الظاهرة التي هو بصدد معالجتها. ورضا حوحو يتجه إلى الواقع ويتفاعل معه، ويصوره بما فيه من أطراف متصارعة يكشف عنها ويقدمها من خلال نقد جريء وبأسلوب ساخر، كما يعنى بشقاء الرجل المثقف إزاء المجتمع الجاهل، وينصب نقده في المقام الأوّل على الطبقة البرجوازية يفضحها ويعريها و يكشف عن تناقضاتها وإن كان لا يقف ليحلل ذلك الصراع في ضوء المعطيات التاريخية والاجتماعية للواقع الذي هو بصدد تناوله، ولا يبالي بحقيقة الصراع الطبقي. وهنالك بالمقابل، مسرحيات عرضت هذا النمط من الصراع، فتحاول رصد حركة المجتمع من خلال العلاقات المتناقضة بين أفراد يمثلون بما حدد لهم من أبعاد، وانتماءات طبقية واتجاهات فكرية متباينة، وباحتكاك شخوص المسرحية يحتدم الصراع، وتبرز أطرافه بشكل واضح، ويشتد نضال الطبقة المظلومة، وهي تسير نحو تخليص نفسها من الظلم الواقع عليها. هكذا وجدنا الصراع في “الهارب” و”العقرب” و”الوقف”واللعبة المقلوبة”وفي “انتظار نوفمبر جديد”، لقد كان الصراع في هذه المسرحيات طبقيا، مكتمل الأبعاد وواضح السمات. ولعلّ هذا التباين في التناول يرجع أساسا إلى اختلاف الكتاب في اتجاهاتهم الفكرية، ومدى وضوح رؤاهم، وتفاوت في أدواتهم الفنية من خلال فكرة مثالية أخلاقية ويتطلع إليها داعيا لها، ولا تتعدى تلك الدعوة حدود الملاحظة، ونقد الظواهر الاجتماعية، بينما يتجه الفريق الآخر إلى الواقع، يحلل النظام القائم و يبرز النقائص و التناقضات بغية طرح سبل التغيير لتحقيق الغاية التي يهدف إليها العمل المسرحي.رسم الشخصيات الدرامية:اختيار الشخصيات، كان يخضع للموضوع المعالج وطبيعته ويحدده انتماء الكاتب الطبقي، ولعلّ ما يهمّنا هنا تعامل المؤلف مع شخصياته ورسمها رسما واضحا في سياق الواقع، ومهارته الفنية في تحريكها، وإبراز مواقفها دون غموض أو التباس ، لأنّ الصراع الدرامي لا يتولّد إلاّ عن تفاعل شخصيات بناء جيد ومواقف متقابلة يكشف عنها الحوار. وتتمثّل مواقف الشخصيات في أبعادها الثلاثة، الفسيولوجي والاجتماعي والنفسي،والخلق الدرامي المتكامل للشخصية لا يقوم إلاّ بوضوح هذه الأبعاد، وبنائها لا يكتمل بمنأى عنها، فهي التي تحدّد كيانها الجسماني وإطارها الاجتماعي، ولا يمكن دراسة الشخصية وتحليل دوافع سلوكها إلاّ في ضوء البعدين السابقين الذين حدّدهما لها الكاتب. ولمّا كانت المسرحيات الاجتماعية تنزع إلى الاتجاه الواقعي في الدراما بشكل عام، من حيث تصويرها للواقع وما يعجّ فيه من قضايا ومشكلات، فإنّها من خلال ذلك تطمح إلى رصد تطلعات الإنسان العادي، وتصوير صراعه مع القوى الاجتماعية المناوئة له، ويتمثّل ذلك الصراع في تمرده على التقاليد وقوانين المجتمع، أو نضاله لتغيير وضع طبقي معين، وهذا التناول يكشف عن طبيعة المشكلات المطروحة، وينمّ عن رؤية إنسانية عامة، تقوم على تأكيد إنسانية الفرد، وتكشف عن محاولته الهادفة إلى إقامة علاقة سويّة، وتحقيق الانسجام مع الوجود والمتغيرات الحضارية فيه. لذلك حاول كتّاب الدراما الاجتماعية التعامل مع شخصيات واقعية من عامة الناس تعكس تناولهم الواقعي للقضايا الاجتماعية، خلافا لكتاب الاتجاه التاريخي، الذين اعتمدوا على شخصيات تاريخية، لا تؤكّد ذلك الاتصال المباشر بالواقع الذي تحققه المسرحية الاجتماعية ولا تلتحم به، حيث كانت الشخصيات التاريخية تنتمي أغلبها إلى الطبقة الحاكمة من ملوك وأمراء وقادة. وتتجلّى واقعية الشخصية في كونها نابعة من صميم الواقع، ومن هنا لجأ الكتاب في انتقاء شخصياتهم التي أصبحت تمثل جانب البطولة في أعمالهم، وتحديد ملامحها، إلى الواقع، فامتزجت سماتها بمعالمها، وانعكست آثارها على سلوكها من خلال ما يمارسه المجتمع عليها من ضغوط تدفع بها إلى الصراع. وإذا كانت بعض المسرحيات قد نجحت في تقديم شخصيات متكاملة البناء، واضحة المعالم، بإيجاز وتركيز، فإنّنا نجد العديد من تلك المسرحيات لاسيما ذات الشكل البنائي الضعيف، قد عجزت عن تحقيق ذلك، فجاء تصوير الشخصيات فيها إمّا ضعيفا، وإمّا غير مكتمل لنقص أحد أبعاد الشخصية، ولقد انعكس ذلك على الصراع الذي رأيناه إمّا مفتعلاً سرعان ما يتداعى، وإمّا ساكنا يسير ببطء، وهذا بدوره قد أثّر على الحركة المسرحية، وكسر الإيقاع فيها، والأمثلة على ذلك عديدة، حتّى أنّ المسرحيات التي يمكن اعتبارها جيّدة البناء لا تخلو من شخصية أو اثنثين على الأقل، في حاجة إلى عناية ودراسة من لدن الكاتب، كي يكتمل رسمها، وتتّحد أبعادها دون التباس أو غموض. إنّ مسرحية”امرأة و رجلان” لا يتحدّد فيها الإطار الاجتماعي لشخصية (عادل)، وإن كانت بعض ملامح الشخصية تدلّ على انتمائه الطبقي البرجوازي، في حين كان بإمكاننا تحديد الإطار الاجتماعي لشخصيات الأخرى مثل(شهلة)، (عمر)و(فوزية) التي لم يكن لديها من الإمكانات المادية ما يسمح لها بالحصول على مسكن مفروش، أو يخوّل لها التجوّل عبر كامل البلاد الأوروبية. وإذا انتقلنا إلى مسرحية” البشير” لأبي العيد دودو، أصبح البعد الاجتماعي للشخصية الرئيسية واضحا ومحدّدا، إنّه شاب متعلم لم يتجاوز العشرين من عمره، من عائلة ريفية، تحوّل والده من فلاّح إلى طحان يكدح من أجل قوت أسرته برحى القائد العميل للاستعمار “بوقشوطة” الذي صادر بقرته الوحيدة. وعندما ينظر البشير إلى هذا الوضع، وتقترن رؤيته للواقع بوعيه العميق بذلك التناقض ومسبباته، لاسيما وهو شاب مثقف تثور نفسه، فيصمّم على التصدي لأعوان الاستعمار ومستغلي فئات الفلاحين السذج. وتتميّز الشخصيات الموظفة في المسرحيات الاجتماعية بشكل عام بأنّها تنقسم إلى قسمين، يمثل كل قسم طبقة معينة بأبعادها التي تحدّد انتماءها الطبقي، أمّا الشخصيات التي تمثّل جانب البطولة فيها، فهي غالبا ما تمثّل الطبقة الكادحة أو الوسطى، تناضل كل منها من أجل استرجاع حقّ ضائع، كما يطالعنا في أعمال أخرى تحالف في كل الطبقات الشعبية التي تكرّس جهودها للثورة على الأوضاع لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه، وتغيير النظام الجائر.لغة الحوار الدرامي: لعلّ ما يلاحظ على الحوار في مسرحيات هذا الاتجاه، أنّه يتفاوت من حيث مستواه الدراميوسلامة لغته، و ملاءمتها لطبيعة الموضوع الذي تنهض بتصويره. فالحوار في مسرحيات محمد مرتاض، والجنيدي خليفة، وعبد الملك مرتاض كثيرا ما يتغير، فيبدو الحدث مجرّد مواقف باهتة، لا فعل فيها ولا حركة، ويتجلّى ذلك بوضوح في “الانتهازية” وفي “في انتظار نوفمبر جديد” اللتين جعلناهما محورا الدراسة في هذا الفصل، ففي هاتين المسرحيتين تتحوّل مقاطع حوارية طويلة إلى محادثة تظهر فيها الشخصيات تتجاذب أطراف الحديث في قضايا لا تمت بصلة إلى الموضوع الذي يمثّل محور الصراع في العمل المسرحي. وغالبا ما يقع الكاتب في هذا النوع من الحوار، عندما يقدّم شخصيات متماثلة، ويفسح لها مجالاً واسعاً للحديث دون أن ينتبه لمدى خطورة ذلك وتأثيره السلبي على بنائه الفنّي، وفي أحيان أخرى نجد أنفسنا إزاء شخصيات، رغم تقابلها و تعارض مواقفها، لا نشهد لها توتّرا أو صداما، وقد تكرّرت هذه المسألة في مسرحيات عديدة. ولعلّ ما تتميّز به لغة الحوار في المسرحية الاجتماعية، أنّها بسيطة تنزع إلى الواقعية في التعبير والتصوير، وهي إلى ذلك تقنع بالمضمون الاجتماعي الذي تطمح المسرحيات إلى التعبير عنه، على أنّ التصوير الواقعي يضطر الكاتب إلى التعامل مع لغته بدقّة وحرص في اختيار الألفاظ وصياغة الجمل لتتناسب مع الشخصيات الجديدة والتي هو بصدد رسمها، ومن ثمّ ينبغي عليه أن يراعي الاختلاف القائم في الحديث، بين البواب، والفلاّح، والموظّف، والمسؤول، والذين أصبحوا أبطالاً في الدراما الحديثة، فلكل شخصية لغتها التي تناسب مستواها وتحدّد أبعادها، وحديث الفلاّح عن الثورة الزراعية، ووصفه لمعاناته من الاستغلال، ومن هنا فإنّ أية مبالغة في الحوار تعكس عدم ملاءمة اللغة للشخصية المتحدّثة، وتكشف بعدها عن الواقعية. ونذكر على سبيل المثال بعض النماذج التي رأينا فيها الحوار بعيدا عن واقع الشخصية ولا يكشف عن حقيقتها، ومنها شخصيات”ابن دياب”، و”تبرة”و”سعدية” في مسرحية “في انتظار نوفمبر جديد”، والأمّ” رابحة”في مسرحية “المغرورة، إنّ هذه الشخصيات الموظفة، رغم سذاجتها و أميتها، لا تنطق إلاّ بأسلوب فصيح وبلُغة راقية تتناقض وطبيعتها ومستواها التي تقدمها فيه المسرحية. أمّا مسرحيات “سيدي فرج”و”حنين إلى الجبل”و”زواج بلا طلاق” لغتها أبعد ما تكون عن اللغة الدرامية، وهذه المسرحيات في الحقيقة مجرّد مواقف متتابعة، تتوالى اعتباطا دون خيط منطقي يربطها، ولا تحتوي على عقدة، ولا تقوم على صراع، لاسيما مسرحية “حنين إلى الجبل” التي كتبها “صالح خرفي” في الخمسينات، كما أنّه ضمن حواره أبياتا شعرية عديدة، وخطبة طويلة في مسرحيته الثانية، يلقيها رئيس الحكومة بعد أن يحصل الشعب على الاستقلال، ومثله في ذلك “أحمد بن دياب” الذي جعل شخصياته تستشهد في حديثها بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، دون مراعاة مستواها وطبيعتها.الوحدات الثلاث في المسرحيّات:لقد تباين التزام الكتاب بالوحدات الثلاث وقد ظهر تجاوزهم لها في الأغلب الأعم، حيث اخترقوا وحدة الزمان، ولجئوا إلى التلوين في المكان، والمسرحيات التي اخترقت وحدتي الزمان والمكان هي غالبا تلك التي تقع في ثلاثة فصول وعددها سبع عشرة مسرحية. بينما اعتمدت مسرحيات أخرى على التركيز في المكان دون التغيير فيه، وباتت الأحداث تضطرب خلال منظر واحد لا يتغيّر، وهذه المسرحيات ذات فصل واحد وعددها عشرة، أغلبها للكاتب “أحمد بودشيشة” وقد اقترن التركيز في المكان بوحدة الزمان، وامتدّ إلى الشخصيات التي تقلّص عددها، وأصبح لا يزيد عن خمس أو ستّ شخصيات في المسرحية الواحدة، وقد أضفى ذلك كله تركيزا على الحدث، وإبرازا للظاهرة الاجتماعية المطروحة، وجعل المسرحيّة متماسكة البناء. والجدير بالذكر بهذا الصدد، “أسلوب التجريد” الذي اعتمدته بعض المسرحيات في تصوير الزمان والمكان، وهذه ظاهرة تكاد تكون عامة على مسرحيات (أحمد بو دشيشة)، لاسيما تلك التي تقع في فصل واحد، وهذه المسرحيات في مجملها، ورغم ارتباطها بالواقع وصلتها الوثيقة به لم تعن برسم البيئة التي صدرت عنها، فخلت-المسرحيات- من أدنى إشارة على زمان ومكان الأحداث، وتحوّلت الشخصيات إلى دمى متحرّكة في مجال فسيح لا حدود له ولا معالم، وفي اعتقادنا أنّ هذا الأسلوب لا يلاءم المواضيع الواقعية المعالجة، ولا ينسجم مع طبيعتها الاجتماعية التي لا تستدعي لجوء الكاتب لمثل هذا الأسلوب، لأنّه كثيرا ما يوقع العمل الفني في بعض المغالطات التي لا تقدّم بناءه بقدر ما تسيء إليه. وتندرج مضامين الاتجاه الاجتماعي تحت قسمين رئيسين هما المسرحيات التي تعالج مشكلات الأسرة الجزائرية، والمسرحيات التي تتناول الأزمات الاجتماعية، أمّا من حيث الهدف فنلاحظ أنّ بعض المسرحيات، والتي تنزع إلى الواقعية النقدية، لا تعتمد توظيف الشعارات وإنّما تكتفي بالنقد من خلال إبراز النقائص الاجتماعية، وتشخيصها بحيث تلفت المسرحة النظر إليها، وتقوم بتحليل التناقضات في المجتمع، لكنّها تعجز عن تغييره لأنّها لا تلتحم بالقوى الاجتماعية الايجابية القادرة على التغيير، ونشعر من خلال حركة الشخوص واحتكاكها، بالحاجة الماسة إلى الاعتماد على مفهوم من المفهومات التقدمية، أو شعار من الشعارات كسبيل للمواجهة، ولاحظنا أنّ هذا النوع من المسرحيات كثيرا ما يقع في شكل المسرحية ذات الفصل الواحد، ونذكر على سبيل المثال المجموعات المسرحية “لأحمد بودشيشة” وهي “الصعود إلى السقيفة” و”وفاة الحي الميت” و”البواب” والتي يصل عدد المسرحيات فيها إلى ثلاث عشرة مسرحية، إضافة إلى ذلك مسرحيات “امرأة الأب”،”الحذاء الملعون”،”أدباء المظهر”، “الأستاذ”،”حنين إلى الجبل”، “زواج بلا طلاق”، “المغرورة”،” الثمن”،”سيدي فرج” و”العاهة”. أمّا المسرحيات التي تتجه نحو الاتجاه الواقعي الاشتراكي فهي تلجأ إلى التوظيف المباشر للشعارات والمفهومات التقدمية بألفاظها التي يعلنها المجتمع أسلوبا لحياته في مرحلة من مراحل تطوره، كما تسهم هذه الألفاظ والشعارات بما لها من إيحاءات ودلالات،في تشكيل عقدة المسرحية، وبذلك يتجاوز العمل المسرحي حدود الملاحظة، ومجرد نقد الظاهرة الاجتماعية ليحقق الهدف الذي يصبو إليه والمتمثل في الدعوة، والحثّ على التغيير الجذري للقضاء على المعوقات التي تقف إزاء تطور المجتمع، والأعمال المسرحية التي تدخل تحت هذا الإطار قليلة، إلاّ أنّها تمثل بذرة أولى و رائدة نحو نشوء أدب مسرحي واقعي اشتراكي في الجزائر.
بواسطة admin • 09-متابعات ثقافية • 0 • الوسوم : العدد الخامس والعشرون, العيد ميراث