يونيو 6 2011
مسابقة لملكات الجمال بيرتا ليثيا بيرالتا * Bertakalicia Perala ( بنما 1939 )
مسابقة لملكات الجمال
بيرتا ليثيا بيرالتا *
Bertakalicia Perala
( بنما 1939 )
مطلوب امرأة جميلة :
نهودها تتطلع للسماء علي الأقل .
كل نهد ثماانية عشر بوصة
إلي أسفل قليلاً
جذع لين .
يضمه كفان في عشرين بوصة
أسفل قليلا تنفرج
ستا وثلاثين
كل هذا مقابل رحلة حول العالم
سيارة أحد موديل .
أزواج بالجملة
إعلانات تليفزيونية
وأفضل أدوات التحميل
التي عرفتها البشرية
الجحيم
بدروشموسي *
Pedro Shmose
(بوليفيا 1940 )
تحتضر الغربان عل يحافة الجحيم .
تغني القبرة علي الأشجار
غناؤها
يكون النجوم
بائعة الزهور تعبر النار .
بشكل فجائي
تقذف :
الحرية .
السهم ،
المنجنيق
الألم المؤلم
أدير الوجه فأري حجم
الكراهية
لم آن لأقول لك
أن الوقت قد فات
عدت إلي قسوتك
لأموت إلي جانب الجمر
أري طامي في يعينيك
لا زالتا جميلتين
أري يديك
لا زالتا في كمالهما
أغرق في هزل الماضي العنيف
أكون في كل مرة
أكثر
عزلة
******
أعود إلي تأملي
أري كل شئ حزيناً
كل شئ
عزلتي ،
قواي ،
الجبل
أتطلع إليك
في أحلامي الخادعة
في جحيمي
***
لو التقيت بذلك
الذي يهرب مني ،
سأعود إلي رقتك
واقول لك
الذي ما كان يمكنني
أن أقوله أبداً .
يونيو 6 2011
مشكلات النص النقدي في ضوء نظريات النص الأستاذ الدكتور / عبدالستار جواد *
مشكلات النص النقدي في ضوء نظريات النص الأستاذ الدكتور / عبدالستار جواد * إمبسون تتنبأ بشمولية النص وتعددية المعني . يحاول النقد الأدبي اليوم أن ينشئ أدباً “خاصاً ” به . عند موت المؤلف تلتقي البنيوية مع التفكيك . تعدد الدلالات هو العمود الفقري لنظريات التلقي والتفكيك . مخاطر تخويل القارئ حق إعادة كتابة النص . أهم أنواع النقد هي تلك التي يمارسها كاتب ماهر مدرب . لم يعد النص النقدي تعليقاً “تقليدياً” علي الأعمال الأدبية ، أو أنطباعاً “ذوقياً” صادراً “عن ذات الناقد أو ضرباً ” من النقاش الأدبي الذي يستند إلي معايير نقدية راسخة توارثها النقاد منذ أرسطو النص النقدي اليوم تتجاذبه اتجاهات ومذاهب مختلفة يمسك كل واحد منها بعباءته من طرف ، وصارت تعصف بكيان النقد ريح صرصر تهب من الغرب تحمل معها البنيوية والتفكيك ، ومن الشرق آراء الشكلانية الروسية وطروحات الماركسية الأدبية . اليوم يمكن النظر إلي النص النقدي علي أنه نسيج معقد أو كرة زجاجية تعكس ما لا يحصي من الألوان وبذلك فقد الناقد الكثير من فرادته وأصبح يمارس لعبة التناص بوعي أو لا وعي ، وإذا كان النصف الثاني من القرن العشرين شهد ولادة الكثير من المدارس النقدية والاتجاهات الأدبية والفنية ، فإن هذه الولادة المتسارعة المحكومة بالأزمات أدت إلي الغاء الكثير من المناهج النقدية الرصينة دون أن تطرح النموذج الذي ينير النص الأدبي من كل جوانبه وتحقيق المعني هذه الحالة بالطبع جعلت العملية النقدية أسيرة النزعات الفردية وحالات الانبهار بكل جديد يحمل لغة مراوغة حتي فقد النص النقدي وظيفته في إضاءة العمل الأدبي وصارت النصوص النقدية تقرأ علي أنها نصوص إبداعية تحتاج لفك مغاليقها إلي نقد حداثوي جديد يهبط من علياء ذلك العالم الصوفي الذي تعيشه الحركة النقدية . بعض النقاد جعلوا النقد غايتهم الوحيدة وأهملوا وظيفة النقد الأساسية في تبيان جماليات العمل الأدبي ونواحي القوة والضعف فيه وتحليل عناصره الإبداعية وإنطاقه عن كامن معناه وخفي مغزاه ، ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا ذهبنا إلي القول بأن النقد الأدبي المعاصر يسعي لتأسيس أدبية النقد وتحقيق نهضة فكرية يكون النص النقدي فيها نداً “مساوياً” للنص الادبي وهذا النقد الجديد له لغة خاصة به ليست أقل أبداعاً من لغة الأدب وبذلك تكون اللغة الشارحة أو الميتالغة Meta Language التي تحدث عنها رولان بارت بمستوي اللغة الأولي ولا يجوز النظر إليها علي أنها لغة ثانوية كما ذهب البعض من الكتاب . إنها تمارس اللعب الحر بالكلمات تماماً ” مثل اللغة الأدبية ، ومن أبرز النقاد الذين تبنوا هذا الاتجاه التفكيكيون الأمريكيون الذين لا يؤمنون بأن للنقد لغته الخاصة التي تختلف عن لغة النص الأدبي وفي طليعة هؤلاء جفري هارتمان G.Hartman الذي يقول : “يمكن للتعليق الأدبي أن يعبر الخط ويصبح ملحاً ” له نفس حقوق الأدب أنه لون لا يمكن التنبؤ به وغير ثابت لون لا يمكن تحديد تبعيته بصورة مسبقة لوظيفته المرجعية أو التعليقية .. لكن يجب أن تصل قوة النقد إلي درجة لا يصبح معها المقال النقدي مكملاً ” لشئ آخر ، يجب أن يحدث انقلاب يصبح معه هذا العمل الثانوي عملاً ، أولياً (1) . في الحقيقة من حق النقد أن يؤسس عالمه الإبداعي ومن حق الناقد أن يري نفسه مع المبدعين ومن حق لغ النقد أن تزهو بمكانتها كلغة إبداع شأنها شأن لغة الأدب ولكن ؟ إذا كان الأديب أو الشاعر يصور الحياة ويجسد الواقع في عمل إبداعي أصيل ويحول تجارب الحياة الساخنة إلي نصوص جمالية فإن وظيفة الناقد تتمثل في تحليل الأعمال الأدبية وتقويمها وإضاءتها ومساعدة القارئ الاعتياد يعلي إدراك جمالياتها ، فالناقد هناوسيط بين المؤلف وبين المتلقي ولكنه ليس وسيطاً “سلبياً ” بل طرف فاعل في هذا الثالوث الأدبي . إن المعني الشائع لكلمة نقد هو تبيان الأخطاء “والناقد” رقيب يرصد الهفوات إلا أن الرحلة الطويلة التي قطعتها مسيرة النقد الأدبي عبر السين ، جعلت النقد ممارسة إبداعية تستجلي في الأعمال الأدبية عناصرها الجمالية وقيمها الفنية وما تنطوي عليه من تجربة حية تجسدت في نص إبداعي . لقد صار جمهور الأدب يتوجه للناقد بوصفه مختصاً في هذا الحقل المعرفي عارفاً بأسراره قادراً علي إدراك مغزاه أفضل من سواه بحكم ما تمرس به من متابعة جادة للأعمال الأدبية وتقويمها في ضوء المعايير النقدية والجمالية الراسخة ، فالناقد الحصين هو الأقدر علي تحليل النصوص واستجلاء جمالياتها . يتساؤل الشاعر الإنكليزي وليام هنري أودن W.H.Auden (1907 – 1973) عن مهمة الناقد الادبي فيري فيه ذلك الذي يستطيع أن يقدم له الخدمات الآتية (2) : يعرفني بالمؤلفين أو الأعمال التي أجهلها . يقنعني بأنني قللت من قيمة مؤلف أو عمل أدبي . يبين لي العلاقات بين الأعمال الأدبية في مختلف العصور والثقافات والتي لم أكن ابدا قادراً علي رؤيتها بنفسي لأنني لا أمتلك المعرفة الكافية . يقدم لي “قراءة ” في عمل أدبي تزيد من فهمي له . يسلط ضوءاً علي عملية “الخلق” الفني . يلقي الضوء علي علاقة الفن بالحياة والعلوم والاقتصاد والاخلاق والدين وغيرها . إن نظرة أودن هذه لوظيفة الناقد لا تختلف عن نظرة استاذه إليوت التي أوضحها في مقالة مشهورة بعنوان ” مهمة النقد ” نشرها عام 1923 وعرف فيها النقد بأنه التعليق علي الاعمال الأدبية وعرضها عن طريق الكلمة المكتوبة ونفي فيها أن يكون النقد نشاطاً لا هدف له خارج ذاته بل إنه يوضح الاعمال الفنية ويعمل علي تصحيح الذوق (3) ، وقد تبني النقد الجديد في أمريكا الكثير من آراء إليوت وريتشاردز إلي حد أنهما يعتبران من أهم أقطابه إلي جانب بروكس وبيرك وتيت ورانسوم ووارين . إلا أن ظهرت حركات نقدية جديدة أدي إلي غياب المفهوم التقليدي للنقد الأدبي وإلي بروز اتجاهات ومشاريع يلغي بعضها البعض الآخر مما ادي إلي خلق حالة من الفوضي النقدية ألقت بظلالها الكثيفة علي دور الناقد ومهمة النقد . ومن أبرز هذه المشاريع النقدية إذا جازت لنا هذه التسمية هي المشروع البنيوي والتفكيك ونظرية التلقي ودور القارئ إلي جانب نظريات التفسير والتأويل ونظرية النص التي جاء بها رولان بارت . وإذا ما أردنا تسليط الضوء علي إشكالية النص النقدي المعاصر ، كان لابد من تقديم عرض موجز لمسيرة النقد الادبي والمأزق الكبير الذي أنتهت إليه البنيوة والتفكيك وبقية الاتجاهات التي أعتمدت علي علوم ومعارف خارجية سعت لإدخالها قسراً في بعض الأحيان في صلب العملية النقدية . ولعل من المناسب الوقوف عند النقد الجديد الذي التقت معه البنيوية في عزل المؤلف عن النص الذي كتبه ، وقد وجدت فيه ضالتها فالنقد الجديد New Criticism أو ما يسمي أحياناً بالنقد الشكلاني Formalist criticism نشأ في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين علي يد نخبة من النقاد أبرزهم : John Crowe Ransom Allen Tate R. P. Blackur Robert Pan Warren Cleanth Brooks . وقد استمدت هذه الحركة النقدية اسمها من كتاب رانسوم الذي نشره عام 1941 بعنوان The New Criticism الذي ناقش فيه طبيعة الحركة ونشأتها في الولايات المتحدة في الثلاثينيات وما ناظرها من حركات نقدية في بريطانيا ريتشاردز I.A. Richards وإليوت T.S.Eliot وإمبسون William Empson تنظر هذه المدرسة النقدية للعمل الأدبي علي أنه كيان مستقل تم بناؤه بعناية فائقة ولذلك لا تكترث هذه المدرسة كثيراً بالمؤلف أو حياته أو بالظروف التي برز العمل الأدبي فيها ، بل إنها تعتمد إيضاح النص القائم بذاته والذي لا تعتبره جزءاً من سياق أكبر ، وقد أطلق علي هذا النقد وصف الشكلاني Formal أيضاً لتأكيده علي شكل Form العمل الادبي وعلاقات عناصره كبناء الحبكة وتباين الشخوص . ووظائف القوافي ووجهات النظر وما إلي ذلك ولكن أتباع هذا الاتجاه رغم تبنيهم للنظرية الموضوعية في الفن لم يفلحوا في تشكيل مدرسة نقدية ذات منهج ولذلك وصفت حركتهم بأنها مجموعة مواقف أدبية أكثر مما هي نسق نقدي منظم ، أن النقاد الجدد يمثلون صرخة احتجاج قوية ضد التقاليد النقدية وضد الأسلوب الآلي في دراسة النصوص الأدبية وقد صبوا اهتمامهم علي المعني الضمني للنص Intrinsic ورأوا من واجبهم اكتشاف قيمة هذا النص الأدبية وتقديمها للقارئ الذكي . وقد شمل احتجاجهم الرومانسية ومبادئها في الإفصاح عن الذات ونظريتها التعبيرية في الفن وفلسفتها الكمالية Perfectibility ولذلك تبني النقاد الجدد مفهوم الفنان اللاذاتي أو الموضوعي Impersonal الذي نادي به إليوت كما أنهم تمدوا علي الانطباعية في النقد وتبنوا بدلاً ” عن ذلك منهجاً ” يعتمد التحليل الدلالي وطرحوا رأيهم في أن قيمة العمل الفني والأدبي تتبع من خصائصه الداخلية وأن الأدب لا يمكن أن يقيم وفق مصطلحات عامة أو لا تخص العمل الأدبي ذاته . وقد انصب اهتمام النقاد الجدد علي : – الصورة Image . – الرمز Symbol – المعني Meaning ولذلك وجدت المشاريع النقدية اللاحقة في النقد الجديد نقطة انطلاق قبل أن يحصل الفراق ، فمن المعروف أن هذه الحركة النقدية أولت اهتمامها منذ البداية للاستجابة الشخصية للعمل الأدبي ، أو موقف المتلقي من العمل الأدبي ولكنها مضت قدماً في تفسير التلقي عن طريق تحليل العمل الأدبي تحليلاً دقيقاً قائلة بأن المؤلف صاغ قصيدته أو مسرحيته أو قصته بشكل كامل بحيث أن النص يوجه استجابات القراء ، لكن الافتراض بأن ” المعني ” متموضع بشكل كامل في النص ، شكل نقطة الافتراق مع الحركات النقدية ، لاسيما نظرية النص ونظرية التلقي والتفكيك التي طرحت فكرة القارئ المقاوم resisting reader (4) والذي بإمكانه وحد استخلاص معني النص وأن لا دور للمؤلف في توجيه القارئ أن نظرية النقاد الجدد في أن للنص معني “ثابتاً ” يدركه القارئ المتمكن ظلت سائدة حتي السبعينيات من القرن العشرين حيث ظهرت حركات أدبية ونقدية جديدة تجاوزت النقد الجديد الذي كان قد وضع نهاية للنقد التاريخي والذاتي . ومن المهم التنبيه هنا ، أن النقد الجديد في تركيزه علي النص وقيمه الجمالية ورسوخ معناه لا يلغي المؤلف كما نادت البنيوية ونادي التفكيك ولكنه في الوقت نفسه لا يعطيه تلك الاهمية التي كان يعطيه إياها النقد التاريخي أو الرومانسي إن مناداة النقاد الجدد بتحليل النصوص بعيداً عن المؤلف والقارئ لتحقيق الموضوعية القائمة علي التجرد من الذات قد شكل نقطة التقاء مع التفكيك في أميركا علي يد هارتمان مللر دي مان وبلوم . ومن الملفت للنظر فشل النقد الجديد في الوصول إلي نظرية نقدية متكاملة بسبب عدم استناده إلي فلسفة واضحة في الوقت الذي لاقت آرؤه توافقاً واضحاً مع الكثير من آراء الفلاسفة الألمان . يري هرش E.D. Hirsch أن المؤلف يتمتع بحق الملكية في معني النص وأن أي شخص يخرق هذا الحق إنما يقوم بعمل غير صحيح (5) ، إن “المعني” عند هرش هو ما يحمله المؤلف في ذهنه وإن ما يكتشفه المفسر في النص إنما هو “دلالة” وقد ذهب بعض الكتاب إلي أبعد من ذلك بقولهم إن المعني كامن في الكلمة التي صارت من لحم ودموقد عومل النص علي أنه قول إلهي ولذلك له معني حقيقي واحد فلا مراوغة في كلام الله وإذا ما أريد صيانة كلمة الله خالصه فيجب أن تفسر بلا تناقض من لدن القادة الروحيين في الأرض (6) . ولعل من المناسب الإشارة إلي أن إمبسون كان تنبأ بشمولية النص الذي جاءت به ما بعد البنيوي قد فتح هذا النقد الموهوب “تعددية المعني ” حين شغل نفسه في الكيفية التي يفسر بها القارئ المعني وليس ما يجري داخل النص وأطلق علي ذلك “تعددية الدلالة ” Multiple Significance ” سبعة أنماط من الغموض ” الذي نشره عام 1930 وكان حدثاً ندياً كبيراً إذ عد عدم الدقة في المعني من مزايا الشعر الكبري وليس من نقائصه كما كان ينظر إلي ذلك في السابق : “إذن فقد يكون للكلمة الواحدة عديد من المعاني المتمايز وعديد من المعاني المرتبطة أحدها بالآخر وعديد من المعاني التي يحتاج وأحدهما إلي الآخر ليكمله ، أو عديد من المعاني التي تتحد معاً حتي أن الكلمة تعني علاقة واحدة أو سياقاً واحداً ،وهذا مساق يستمر مطرداً “فالغموض ” معناه أنك لا تحسم حسماً ” فيما تعنيه أو تقصد إلي أن تعني أشياء عديدة وفيه احتمال أنك تعني واحداً أو آخرمن شيئين أو تعني كليهما معاً ، وإن الحقيق الواحدة ذات معاني عدة (7) . وإذا كان إمبسون من بين مؤسسي النقد الجديدة وإن الكثير من آرائه قد تبناها النقاد التفكيكيون في أميركا ، فهل يصح القول بأن المدرسة الأمريكية انطلقت من النقد الجديد وليس من آراء دريدا الذي جاء إلي أميركا بآراء فرنسية ؟ إن رولان بارت ( وهو بنيوي وما بعد بنيوي في آن واحد ) أفاد من النقد الجديد ولكنه غادره بعدة طرق : 1- يعتقد بارت أن النقد يقع في ذات الخطاب الذي يقع فيه الأدب ، ذلك أن كلاً منهماً جزء من النص العام general taext . 2- إن نص الكاتب Writerly text شمولي بمعني أكثر تطرفاً من الصورة اللفظية Verbalicon لأن معني النص لا يمكن أن يكون محدداً فهناك أنظمة معني جديدة يمكن دوماً أو تؤثر فيه . 3- إن ذاتية القارئ ؟ الكاتب ليست أقل شمولية من النص فالنقاد الجدد كتبوا كما لو أن خطابهم كان خالصاً :تماماً ولايثير جدلاً ، وأن نظرية النظام عند بارت تختلف جذرياً عن فكرة النسق البنيوية الأكثر ألفة فالبنية التي تنتجها الأنظمة Codes ليست ثابتة ولكنها مجموعة من الدلالات المتعددة المتزايدة علي الدوام إنها الاتساق التي تعمل عملها في كل نشاطاتنا التفسيرية وتعيدنا إلي النطفة الأولي اللغوية والنفسية والثقافية (8) . والواقع هو أن مفهوم “المؤلف ” كمصدر وحيد لعمله الادبي لم يرد في الكثير من النقد الأدبي السابق أو الدراسات النقدية التي تناولت فن الشعر هناك الكثير من الآراء النقدية السابقة للبنيوية والتفكيك والتلقي تضع الإبداع خارج سيطرة المؤلف الواعية ومن المعروف أن النظرة الكلاسيكية تري أن الشاعر لا يخلق القصيدة وإنما هو وسيلة ملهمة للإبداع القدسي (شيطان عبقراً وحوريات البحر) . أن الكثير من النصوص النقدية الكلاسيكية والرومانسية علي حد سواء تفصح علي أن “التلقي” Response – Theory قد سبق البنيوية والتفكيك وكان إليوت قد أدخل مفهوم اللاذاتية impersonality في قوله بأن القصيدة ليست انعكاساً لعواطف الشاعر فهو يري أن القصيدة كيان مستقل خارج السيطرة الكلية للشاعر وتلقي القارئ فمعني القصيدة يمكن أن يستنبط منها وليس من قصد مفترض مسبق ، إن القصيدة حالما تكتب تخرج عن ملكية الشاعر . وقد التقط ومسات Wimsatt آراء إليوت هذه وتبناها في كتابه “المغالطة المقصودة ” أو ( الخرافة القصيدة ) Intentional Fallacy وقد أفاد النقد البنيوي من آراء إليوت هذه مما يؤكد أهمية النقد الجديد بالرغم من فشله في طح أنموذجه النقدي المتكامل فالنقد البنيوي يري أن العمل الأدبي يتألف من عناصر تقليدية تعطي العمل الأدبي معناه إذا ما توفر عليها قارئ عارف بهذه التقاليد الأدبية ، ولكي يتمتع المشاهد باللعبة عليه أن يعرف قواعدها ، وهكذا علي القارئ أن يدرك أصول الفن الأدبي . لقد اهتم النقد البنيوي بالنص الأدبي علي أنه مكتف بذاته ولم يكترث بمرجعيات العمل الأدبي أو مدي علاقته بالواقع ولذلك يوجه للنقاد البنيويين نقد ساخر بأنهم يريدون أن يروا العالم كله في حبة فاصولياء واحدة . أما مدرسة الشكلانيين الروس في النقد الأدبي التي برز نشاطها بين عامي 1915 – 1930 فكان أتباعها من رواد البنيوية أيضاً إذ حللوا السرد بالنسبة لوحداته وطرائفه العامة وبهذا طبقوا المنهج البنيوي الذي طوره النقاد الفرنسيون والأمريكيون خاصة نورثروب فراي في كتابه الشهير ” تشريح النقد ” . وعلي هذا الأساس يمكن القول بأن الاتجاهات النقدية الحديثة لاسيما التفكيك ونظرية القراءة ونظرية النص لم تولد من فراغ بل وجدت لها إرهاصات في الشكلانية الروسية والنقد الماركسي والنفسي والنقد الجديد الذي كان أبرز الاتجاهات التي سبقت المشروع البنيوي والنقد فالنقد الجديد شهد قمة تطوره في الخمسينيات من القرن الماضي ، إلا أن جذوره تمتد إلي فترة الثلاثينيات في إنكلترا وأمريكا ولسنا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن أبرز الاتجاهات النقدية التي أثرت في البنيوية الأدبية و التفكيك ونظرية القراءة ، هو النقد الجديد ، وإن كان أتباعه قد اتهموا بالتناقض تارة وبعدم الجدية تارة أخري ، وقد ظهرت في بريطانيا دراسات نقدية تبحث في إنجازات وإحباطات النقد الجديد في أميركا ومعظم هذه الدراسات تميل إلي القول بأن جذور هذه الحركة النقدية بريطانية ، وإذا كان في هذا الرأي شئ من الصحة فعلينا أن نتذكر أن الأنكليز يقولون دوماً بأنهم أسسوا النهضة الثقافية في أمريكا (9) . وقد بلغ تأثير ” النقد الجديد ” أن صار يشتمل علي مجموع النقد المعاصر الذي يصب اهتمامه علي العمل الأدبي باعتباره موضوعاً في حد ذاته ، ثم التحري فيه عند لغة خاصة تعارض لغة العلم والفلسفة ، ثم فحص هذه اللغة في عملية تحليلية صارمة (10) . وكان النقاد الجدد بزعامة رانسوم قد وجهوا اللوم للنقد المعاصر ودعوا إلي دراسة عميقة وتفصيلية تحلل النصوص الشعرية بدل الاهتمام بعقل الشاعر وشخصيته وأرشيفه الثقافي والبحث في تاريخ الافكار والمضامين السياسية والاجتماعية والثقافية والفلسفية . وأكد هؤلاء النقاد علي أن أخلاقية العمل الفني وقيمته إنما هي وظيفة الخصائص الكامنة في هذا العمل وأن الأدب لا يمكن أن يقيم بألفاظ أو مصطلحات عامة لا تمت بصلة إلي العمل الأدبي نفسه ، فالنقد الجديد أساساً هو صيحة احتجاج ضد الأساليب التقليدية في النظر إلي الحياة وإلي الفن بشكل عام . وقد شن النقاد الجدد سلسل من الهجمات التنظيرية ضد الواقعة التعبيرية Expressive Realsim فالتقوا بذلك مع الشكلانيين (الاتباعيين ) الروس الذين كانت أعمالهم قليلة الشيوع في أوربا والولايات المتحدة والتقوا كذلك مع آراء نورثروب فراي (11) . وهنا يمكن الإشارة إلي أن الكثير من النصوص النقدية التي كتبت منذ الأربعينيات حتي نهاية الثمانينات تأتلف ثم تختلف وتتفق ثم تفترق مما احدث لهذه النصوص حالة من الإرباك والتداخل والتنافر وهذا ما دعا الكتاب الأنكليز إلي القول بأن البنيوية ترجع إلي آراء كولردج والرومانسية البريطانية وأن النقد الجديد في أميركا يستمد جذوره من ريتشاردز واليوت وإمبسون ، وهذه في الواقع من المشكلات الأساسية التي يواجهها النص النقدي ، ولذلك سنحاول أن نسلط عليها مزيداً من الضوء قد يكون من المناسب الوقوف عند نص نقدي بارز ظهر في أوج تنامي حركة النقد الجديد وآثار موجة من الجدل الساخن وعد من أهم الوثائق التي أسهمت في تطورالنظرية النقدية الحديثة . في عام 1946 م نشر ومسات W.K Wimsatt بالتعاون مع بيردزلي Monroe C.Beardsley المغالطة المقصودة Intentional Fallacy التي أصبح اسمها من مصطلحات النقد الأدبي المعاصر وصارت تطلق علي معني العمل الادبي ونجاحه في تحقيق هدف المؤلف الظاهر فالمغالطة هي الخطأ في نقد وتقويم العمل الأدبي ونجاحه في تحقيق هدف المؤلف الظاهر ، فالمغالطة في الخطأ في نقد وتقويم العمل الأدبي عن طريق تحقيق هدف الكاتب وهل أنجزه أم لا ؟ بدلاً من التركيز علي العمل الأدبي نفسه مثلما يريد النقد الجديد . في هذه المقالة النقدية المهم كانت آراء ومسات هي الطاغية ولذلك ضمها في كتابه ” الأيقونة اللفظية ” الذي نشر عام 1954 . يري ومسات أن المؤلف يجب أن يدعي كشاهد علي العمل الأدبي الذي ألفه ثم تخضع شهادته لفحص دقيق في ضوء العمل الأدبي ذاته . أما البحث عن نيات المؤلف فليست له أية علاقة بالنقد الأدبي لأن نيات المؤلف في رأيه يجب البحث عنها خارج النص أي في التأريخ وسيرة حياة المؤلف وأقواله . ويوضح ومسات ذلك بقوله : ” إن القصيدة ليست ملك الناقد وليست ملك المؤلف أيضاً ” ( إنها مرسلة من المؤلف منذ الولادة وتتجول حول العالم خارج طاقته علي التخطيط لها والسيطرة عليها ). فالقصيد إذن ملك الجمهور أنها تتجسد في اللغة وفي امتلاك الجمهور لها كما انها تدور حول إنسان أو شئ يعرفه الجمهور ، أن ما قيل عن القصيدة خاضع لذات التأمل ، شأنه في ذلك شأن أي قول يدخل في علم اللغة أو في علم النفس العام ” (12) . وقد انبري عدد من النقاد للرد علي ومسات وبيردزلي فأثروا قضية ” المعني الكلي ” للنص وأن هدف المؤلف من وراء عمله الأدبي ليس المعيار الوحيد يرد ومسات علي ذلك بقوله : “نحن نبحث هنا لا عن الأصول ولا عن التأثيرات وإنما عن العمل طالما أمكن عده في حد ذاته هيكلاً ذا معني : يجب ألا تختلط السمات العقلية للمؤلف ولا تأثيرات القصيدة في ذهن القارئ بالسمة الأخلاقية للمعني الذي تعبر عنه القصيدة نفسها “(13) . يري ومسات أن القصيدة موجودة في نصها اللغوي وحسب وأن القارئ يريد من الناقد الحصيف أن يوضح العلاقة بين اللغة والمعني ، فوجود نص ثابت ينطوي علي معني ثابت كلام لا جدوي منه أمام القراءة التحليلية المتكررة للنص فالنص الإبداعي يظل يفيض بالمعاني في كل عملية قراء وهنا لابد من إشراك القارئ في عملية تفسير النصوص . أن هدف النقد الأساسي هو إيضاح أو إضاءة النص وعلاقة القارئ والمؤلف به . وقد ذهب بعض النقاد إلي الظن بأن ومسات يلتقي مع النقاد البنيويين في تحديد المعني بالنص ولكن هذا التوافق ظاهري لأن البنيوية اللغوية ألغت استقلال القارئ في حين يؤكد ومسات أن النص الإبداعي هو ملك القارئ . فالناقد البنيوي يركز علي العلاقة بين الوحدات والانساق الصغري والانساق الكبري أما النقاد الجدد فهم الذين ركزا علي البناء العضوي للنص الأدبي وهو ما أطلقوا عليه بالإنكليزية hypostatization عن هذه الإشكالية التي يواجهها النقاد يقول النقاد عبدالعزيز حمودة : ” أن نقد الحداثة من بنيوية وتفكيك ، انطلق من رفض عنيف للنقد الجديد ، ولفتر طويلة جعل بعض النقاد المحدثين همهم هدم النقد الجديد حتي حين لم يكن لديهم بديل أو بدائل مقنعة ، ومن ناحية أخري كان نقد الحداث تمرداً علي النقد الجديد وامتداداً له ، فالنقد الجديد برغم فشله الواضح في تطوير نظرية متكاملة للغة كانت كفيلة بإخراجه من أزمة التناقضات العديدة التي أدت إلي تراجع في النهاية مهد الطريق لتطوير نظري للغة والدلالة لا ينكرها غلاة البنيوية أنفسهم ، ومما لاشك فيه أن جذور النص الأدبي المغلق والنص اللغوي المغلق الذي سيركز عليه البنيويون فيما بعد ، ثم الحديث عن النص المفتوح ولا نهائية المعني عند التفككيين تبدأ من داخل تربة النقد الجديد الذي يجمع بين كل هذه المتناقضات “(14). أطروحات النقد التفكيكي يفترض النقد التفكيكي أن اللغة غير ثابتة وغامضة ولذلك تنطوي علي عنصر التناقض ، ولأن المؤلفين علي عنصر التناقض ،ولأن المؤلفني كما يري هذا النقد غير قادرين علي السيطرة علي اللغة ، فإن النصوص تكشف من المعاني ما يتجاوز وعي المؤلفين (15) . هذا النقد الذي يقف بالضد تماماً من النقد الجديد أو الشكلاني اليوم بعد أن التقي معه في أكثر من محطة يري أن العالم لا يمكن الإحاطة به وأن اللغة مراوغة وغير مستقرة بل خداعة وذلك لأن المعني يظهر من خلال التضاد أو ما يطلق عليه الثنائيات المتضادة binary oppositions فكلمة “ساخن ” تعني ضد “بارد” بل تستدعي هذه اللفظة وحتي الساخن تتفاوت درجاته ويسعي النقاد التفكيكيون إلي إظهار تناقض العمل الأدبي الذي يسمونه تارة نصاً Text وتارة خطاباً discourse وأن هذا التناقض حتمي : فعلي سبيل المثال يري جوناثان كللر Jonathan Culler أن تفكيك نص يعني إظهار كيف ينسف هذا النص الفلسفة التي جاء ليؤكدها (16) ، إن النص ما هو الإعلامات علي الورق ولذلك حيثما يذهب القارئ فإنه كاتب النص وليس المؤلف الأصلي ، فالنصوص مراوغ ومفتوحة لكل عملية قراء لأنها غير نهائية المعني ، وعلي الرغم من تأكيد هذا النقد علي لا نهائية المعني فبالأمكان أحياناً التقاط الماحات او تفسيرات تفكيكية تلتقي مع النقد الماركسي (17) ، فالمؤلفون رغم اعتقادهم بفردانيتهم فإن أعمالهم تكشف عن الحالة الاقتصادية في المجتمع الذي يعيشون فيه ، وإن كانوا لا يدركون ذلك . وهذه إحدي الطرائق التي يستنطق بها الناقد التفكيكي العمل الأدبي لأنه يعتمد أسلوب الاستجواب مع النصوص بغية الكشف عن المعني الكامن الذي يجهله المؤلفون ..وهذا يعني أن الناقد يعثر دوماً في النص علي معني خاص قد يدهش المؤلف ذاته . إن استجواب النص واستنطاقه يعد ميزة من مزايا النقد مادامت العملية النقدية تتركزحول تحقيق معني النصوص الأدبية ، ولأن النقد يرفض فكرة وجود معني واحد للنص فقد أحدث تأثيراً إيجابياً في دراسة الأدب ، ولكن مشكلة هذا النقد الأساسية تكمن في تبنيه مقولات ثابتة تطرح عند كل نص والإدعاء بأن مؤلف النص غير قادر علي إدراك كنه العمل الذي أنتجه ما داممعناه غير ثابت ، وإن القارئ هو وحده الذي يستطيع فك مغاليق النصوص وهنا تكمن الخطور في منح القراء حق صياغة المعني ، وقد عبر فنست ليتش عن ذلك بقوله : ” إن المعاصرة باعتبارها صيغة لنظرية النص والتحليل تخرب كل شئ في التقاليد تقريباً وتشكك في الأفكار الموروثة عن العلامة واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير وأشكال الكتابة النقدية ، وفي هذا المشروع فإن المادي ينهار ليخرج شئ فظيع ” (18) . لقد وجد التفكيك في آراء دريدا المتمرد علي البنيوية ضالته فقد استغل دريدا فشل المشروع البنيوي والنزعة إلي رفض الاتباعية والنقد التاريخي والإحباط الذي وصل إليه النقاد الجدد ، ليطرح مشروعه الجديد الذي جاء متناغماً مع نزعة الشك والعودة إلي الذات الديكارتية . في مؤتمر عقدته جامعة جون هوبكنز عام 1966 ألقي دريدا بحثاً مشهوراً بعنوان : ” Structure ign , and Play ” أطلق الشرارة الأولي للحركة التفكيكية في الولايات المتحدة (19) ، ووضع علامة استفهام كبيرة علي الفلسفة الغربية منذ عصر أفلاطون لاسيما الافتراضات الميتافيزيقية لهذه الفلسفة إن مفاهيم الوحدة والمركز والوجود تعد من أساسيات الفكر الغربي الذي رأي دريدا في أقطاب هذا الفكر قو مسيطرة تريد أن تفرض نفسها من خلال ثنائية معينة (الجسم / الروح أو الخير / الشر) ودعا إلي التمرد عليها خاصة في تركيزها علي الكلام دون الكتابة قائلاً بأن للكتابة ذات الخصائص السيميولوجية التي تتمتع بها القراءة دريدا قال بأن من المعقول اعتبار الكلام شكلاً من أشكال الكتابة كما يصح العكس أيضاً . لقد قلب دريدا كل الموازين السابقة فأصبحت المراوغة حتمية لابد منها في كل عمليات التدليل . ولقد أثرت آراؤه أول وهلة في الأمريكيين لاسيما مدرسة ييل Yale School لا أنه من جهة أخري أثار موجة من المعارضة لهذا التطرف الذي جاء به ومن النقد الذي وجه له هو أنه إذا لم يكن للمعني حدود أو وجود ثابت فماذا عسي أن يجد الناقد في النص الذي يعالجه ؟ أو ماذا يمكن أن يحقق المؤلف من وراء كتابه ؟ حاول دريدا بالطبع تجنب المفاهيم الحتمية في خطابه النقدي مستخدماً ألفاظاً بديلة كالاختلاف في المعني difference أو المكمل Supplement الذي يسميه النحاة العرب الفضلة أو الأثر trace وما إلي ذلك من ألفاظ يستشف منها المراوغة أيضاً أو الحري المطلقة في استخدام اللغة (20) . هذه الحرية المطلقة بالطبع ستؤول إلي فوضي ولذلك وجه للنقد اتهامات قاسية لاسيما من قبل فنسنت ليتش Leich وجون إليس John Ellis وغيرهما ممن صورهم عبدالعزيز حمودة بقوله : ” تجربة الاستراتجية التفكيكية في الواقع تؤكد أن المشروع الجديد فتح أبواب الجحيم علي مصارعها أمام الابداع والتلقي علي السواء فهو يقدم عالماً تسوده فوضي لا تعترف بالقوانين أو السلطة أو الإحالة ” (21) . ولكن مع الإقرار بقوة الهجمات التي وجهت للنقد التفكيكي وتهافت الكثير من أطروحات يلاحظ أن التفكيك حقق شعبية كبيرة في الساحة الأدبية الأمريكية منتهزاً كل فرصة سانحة لتحسين صورته وتعليب آرائه واستغلال أزمات المشاريع النقدية السابقة والتحرك لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب النقد الجديد ، إن تجسيد أزمة الخطاب النقدي العام في الستينيات كان من صنع التفكيكين وقد ساعد هذا علي إظهار النقد التفكيكي بمظهر المخلص أو في الأقل أنه الرد المناسب علي هذه الأزمة ، ولقد اعتمد أقطاب التفكيك أسلوب الاستفزاز والمغامرة في حمل معول التفكيك وعدم التردد في مهاجمة الأسماء الكبيرة التي أفرزتها البنيوية وغيرها ، من هذا ما تعرضت به بربارا جونسون Brabara Johnson لناقد كبير مثل رولان بارت الذي وصفت نقده بأنه مضطرب (22) . لقد انطلق الخطاب النقدي التفكيكي من مبدأ عام قائم علي الشك المطلق والتمرد علي كل التقاليد الأدبية السابقة ورفض منهج القراءة السابق والدعوة إلي إطلاق يد القارئ في النص كيفما يحلو له ، ولكن هذا الطرح لم يأخذ شكل نظرية نقدية تستند إلي قاعدة فلسفية وإنما هو نوع من الممارسة التي تسمي في أدبيات النقد الحديث أحياناً إستراتيجية ، كما تسلط الضوء علي ذلك إيرين هارفي Irene Harvey ” إن دريدا يشرح ممارسته للتفكيك عن طريق الأمثلة أو الحالات وليس عن طريق نظرية عامة أو بحث حول الموضوع والواقع أنه يقول صراحة : ” إن التفكيك ليس نظرية أو منهجاً وايس مذهباً هرمنيوطيقياً بالقطع بل يمكن تسميته – مؤقتاً – إستراتيجية للنص ، وحتي نكون أكثر دقة إنه ” ممارسة ” وليس نظرية (23) . إن لكل جديد بريقاً ، وهذا ما حصل للنقد الذي برز بشكل أخاذ في السبعينيات ، ثم أخذ نجمه بالأفول بعد أن شغل الدنيا بالجدل المحتدم ليخلي مكانه لنظريات التلقي والقراءة التي سبقته في اشكالها الاولي ثم تزامنت معه . ولكن ربما يكون من المناسب القول بأن الأمريكيين من أمثال مللر ، دي مان ، هارتمان ، وبلوم ، دخلوا خيمة التفكيك وهم مسلحون بأسلحة النقد الجديد الذي حاولوا نسف سلطته حينما بدأت تترنح ، فهل ستكون الحال كذلك بين أتباع التلقي ودعاة التفكيك ؟ نظرية التلقي واستجابة القارئ نري أن نظرية التلقي Reception Theory واستجابة القارئ Reader – response criticism هما وجهان لعملة واحدة . فنقد التلقي الذي يركز علي دور القارئ واستجابته للنص ، يؤكد الفكرة القائلة بأن القراء المتعددين ، تتعد طرائق استجاباتهم للنصوص الأدبية والنقدية ولذلك فإن القراء إلي جانب المؤلفين هم من يخلق المعني . والواقع هو أن أي عملية قراءة تخلق استجابة من نوع معين وقد تخلق قراءة النصوص الأدبية نوعاً من الاستجابة النمطية بسبب طبيعة النص ، إلا أن النقاد المتمرسين لا يميلون للقول بهذه النمطية لأنهم يرون أن عملية القراءة أعقد من ذلك بكثير وقد تجاذبتها آراء ومذاهب نقدية مختلفة لاسيما النقد النفساني ونقد التلقي . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل أن الاستجابة لقراءة الأعمال الأدبية والنصوص النقدية تكون استجابة جمالية خالصة ، لأنها استجابة لعمل فني وليست استجابة لشئ آخر له وجود في الحياة العامة ؟ إن إشكالية النقد الذي يقوم علي نظرية التلقي تتمثل في بعض أوجهها في أن القراء تختلف نظرتهم للحياة مثلما تختلف تجاربهم وثقافاتهم ولذلك ستكون استجاباتهم متباينة كما أن الكثير من الأعمال الأدبية لا تنطوي علي حالات تشبه بشكل واضح الحياة اليومية (24) . إن معظم قراء شكسبير اليوم ليسوا من الأنكليز الإليزابيثيين وعلي هذا الأساس فإنه استجاباتهم للنص الشكسبيري ليست إستجابة عرقية أو مذهبية ، وإنما حالة تقع في وعي القارئ . نعم أن الكاتب المبدع والشاعر الخلاق والفنان الاصيل هو ذلك الذي يرسم الواقع بدقة ويتمثل حالاته المختلفة بحيث ينقل قارئه إلي الواقع الذي تجسده أعماله الفنية إلا أن العلاقة بين القارئ وبين الواقع الذي تجسده هذه الأعمال ليست علاقة متكاملة ، بل أن بعض الأعمال الادبية القديمة أصبحت لا يطيقها الذوق العام المعاصر . وعلي هذا الأساس يقوم نقد التلقي علي أن معني العمل الأدبي ليس مجرد شئ وضعه المؤلف فالمفسرون في هذه النظرية النقدية لا يقكون شفرة القصيدة بل إنهم يصنعونها علي حد قول ستانلي فيش Stanely Fish أحد دعاة التلقي وإستجابة القراء . هنا ينبري الناقد الإلماني هانز روبرت ياوس Jaus ليقول بأن العمل الأدبي يوجه فقط في التفسير الجمعي Collective interpretation لأجيال متوالية من القراء ، فل مجموعة من القراء تستجيب للنص الادبي من خلال عدسات أفق خاص من التقاليد والقواعد التي يطلق عليها ياوس اسم التوقعات expectation (24) ، فليس ثمة شك بأن ياوس متأثر بآراء كادامير التأويلية إلا أنه طور نوعاً جديداً من التاريخ الأدبي معتمداً علي أفكر كادامير وهوسرل . ركز ياوس علي الاستجابة reception (التلقي) للنص منذ ولادته حتي الحاضر ولم يركز علي النص ذاته أو علي مؤلفه أو التأثيرات الأدبية الأخري وهنا تجدر الإشارة إلي أن النقد الظاهراتي ينطوي علي القراءة الداخلية للنص (25) . لقد اختلفت الآراء حول سلطة القارئ التي تمنحها غياها نظرية التلقي ، فمن النقاد المحدثين من قال بأن القارئ يبني أو بالأحري يعيد بناء النص تحت إشراف دقيق من لدن المؤلف ، وهذا يعني أن المؤلف يتمتع بالسلطة الكافية لبناء النص وفك رموز الفكرة بالشكل الذي يراه .. وهذا ما يجعل القارئ مجبراً علي إدراك معني النص علي وفق ما هدف إليه المؤلف ، وقد سميت هذه النظرة بالنظرة ” الموضوعية ” Objective view طالما أن القارئ ينظر بإيجابياته إلي النص ويتأمل ما وضعه المؤلف فيه . أما النظرة الأخري فهي ذاتية Subjective تقول بأن القارئ هو الذي يؤسس معني النص حسب شخصيته وهويته السيكولوجية ومن هذه النظرة الذاتية تنبع نظرة متطرقة تقول بأنه لا يوجد مثل هذا الشئ الذي يدعي أدباً بل هناك نصوص فقط بعض منها ينظر فيه القراء بطرثيقة نخبوية خاصة (26) . لقد كانت النظرة التقليدية أو الاتباعية traditional للنص تري أن النص هو الوحيد الذي يحدد معناه سواء حدث التطهير Catharsis في النص أو في ذات القارئ فالنص يظل السبب الفاعل والسلطة الوحيدة للمعني . إن الدجدل اليوم محتدم حول حق القارئ في تفسير النص وإعطائه معني ، فالقارئ مع النص يشتركان في صنع المعني علي حد ما ذهب إليه أرسطو في حديثه عن عملية التطهير التي يمر بها من يشاهد عملاً تراجيدياً . أحد تفسيرات التطهير عند أرسطو يقول بأن أرسطو يصف التأثير الذي يقع علي عواطف المشاهد ومشاعره وهو يراقب عملاً مأساوياً يندمج في تفاصيله، إن المشاهد يشارك بشكل تفويضي في إفعال بطل التراجيديا ويتعلم من خلال التأثيرات التي تقع عليه كإثارة الخوف أو الشفقة أن النزعات الشريرة للبطل مدمرة ، وأنه تعلم كيف يتجنبها في حياته وثمة تفسيرمعروف آخر يقول بأن الصراعات العاطفية لدي مشاهد التراجيديا تجد لها حلاً وأن معاناته الداخلية وجدت فرصة في أن تلقي علي عاتق البطل التراجيدي وهذا التفسير الأخير نفساني آثار نقاشاً طويلاً (27) . لقد سعي اتباع نظرية التلقي واستجابة القارئ إلي التعكز علي آراء أرسطو في التراجيديا وما تحدثه مشاهدتها من آثار عاطفية تمنحه فرصة للتخلص من شحنات عاطفية تعتمل في ذاته والسؤال القائم هو : هل النص أم القارئ هو الذي يحدد عملية التفسير ؟ إذ يري بعض الكتاب أن النص يستولي تماماً علي تلقي القارئ ، ولكن نشاط القارئ من جهة أخري يعد أساسياً في هذه المسألة لاسيما بالنسبة للنقد الذاتي Subjective Criticism . من الحقائق المعروفة أنه لا يوجد مؤلف يستطيع كلياً السيطرة علي استجابة القارئ والتحكم في ردود أفعاله ومواقفه في كل تفصيلات النص ، مهما كان هذا النص محكم البناء ومهما كان المؤلف عارفاً ماهراً بارعاً في اختيار كلماته وعباراته ومواقفه ، هناك دوماً الكثير مما يترك لخيال القارئ هناك ثغرات ومرواغات علي حد قول فولغانع آيزر Wolfgang Iser أحد أبرز أقطاب نظرية التلقي أن بعض هذه الثغراات يملؤها خيال القارئ وبعضها لا . لقد تعرض النظرة الذاتية في هذا الخطاب النقدي والقائلة بأن القارئ هو الذي يحدد معني النص للارتباك لأن ذلك في المحصلة يعني أن لكل قارئ فكرة مختلفة عن معني النص ، فكرة تجسد تفكيره الخاص ، وهذا ما يجعل القارئ علي غرار ” نرسيس ” Narcisuss الذي تطلع إلي صورته في بركة ماء فظن أنه فتي ” في غاية الجمال والوسامة ، في حين أنه في الواقع لم يشاهد سوي انعكاس هيئته علي سطح الماء (28) . ويركز نقد التلقي علي توقعات القارئ المسبقة وهو يقدم علي قراءة النص، فالقارئ هنا ليس قارئاً عادياً وإنما هو قارئ خبير عرف قواعد الأدب وجماليات الابداع ولذلك يستطيع أن يستخلص معني للنص من تفاعل بناء النص ومعناه الكامن فالخصائص النصية يقوم القارئ باكتشافها وكان رومان انكاردن Roman Ingarden تلميذ هوسرل قد شبه النص بوجود كلي totality متكون من عدة طبقات Strata من مستوي الكلمة إلي مستوي الأركان المنظمة ، وهذا ما يتجلي في كون النصوص الروائية والادبية مرواغة ويجب أن يتنبه القارئ لذلك . وهذا لا يعني أن القارئ يستطيع أن يجعل النص يعطي المعني الذي يبغيه هو ، وذلك لأن الأركان المنظمة من النص تقدم هيكلاً من المعاني أو البني التي تستدعي التلقي وهي التلي تحفز القارئ للاستجابة بطريقة معينة إن رحلة القارئ مع العمل الأدبي عملية مستمرة لتكييف وجهة نظر باتجاه ما نحن نختنزن في ذاكرتنا توقعات معينة قائمة علي ذاكرتنا لأشخاص أو أحداث إلا أن هذه التوقعات تتطور باستمرار مع مسيرة النص ، لذلك نحن نفهم قراءة معينة أو تفسيراً معيناً إذا أدركنا كذلك الاستجابة الشخصية للقارئ وتاريخ تطوره النفسي فلقد أصبح من المتعذر أو الصعب جداً التحدث عن معني النص بمعزل عن استجابة القارئ له ، إن المعرفة يصنعها الإنسان وليست ملقاة علي قارعة الطريق كما يقول بليتش Bleich الذي يميز بين استجابة القارئ الآتية Spontaneous للنص وبين التعبير الموضوعي لمعني النص . ولكن إذا أراد القارئ أن يفهم النص الأدبي أو النقدي عليه أن يكون موضوعياً تماماً وأن يكون ذهنه متلقياً متفتحاً وهذا ما تراه مدرسة جنيف من النقاد التي تضم من بين أعضائها البارزين جورج بوليه George Poulet وفولغانع آيزر Iser قائلاً إنها عملية تتكشف تدريجياً ومن خلالها يستطلع القارئ وجوه النص المختلفة . وفي هذا السياق نري من المناسب الإشارة إلي أنكلاً من ريتشاردز وإمبسون أظهر اهتماماً كبيراً بسيكولوجية القراءة فكان ريتشاردز يري أن الشعر قادر علي أحداث تغيرات في ذهن القارئ ومن المعروف أن هذا الناقد الكبير يتناول الأدب من وجهة نظر القارئ أكثر مما يتناوله من وجهة نظر المؤلف (29) . أما إمبسون فقد اهتم بالأساليب الفطرية لدي القراء في سعيهم لإدراك معاني النصوص وقد أثرت آراؤه ي النقاد المحدثين ومنهم جوناثان كللر J.Culler الذي ذهب إلي أن أقوال المتحدث تكون مفهومة من قبل الىخرين فقط لأن اللغة تضم في طياتها هذه الأقوال ، فأرجعه الأذهان إلي آراء سوسير الذي تبنت البنيوية أنموذجه اللغوي القايل بأن النص مجموعه من المتقابلات الثنائية حيثو تمثل كل كلمة حضوراً يستدعي كلمة غائبة لتحديد الدلالة الحاضرة فالبارد يستدعي الساخن وهكذا فالمعني إذن لا وجود له إلا داخل النص . إن إلغاء النص وقصدية المؤلف هما مركز التقاء التلقي والتفكيكو لكن التفكيكين أعطوا القارئ حرية مطلقة إلي حد أنهم قالوا بأن القارئ هو الذي يكتب أو يعيد كتابة النص وهذا ما مهد للقراءات اللانهائية في حين تنقل نظرية التلقي المعني من داخل بني النص وعلاقاتها بالانساق إلي الملتقي ولم تنكر هذه النظرية وظيفة النقد في إضاءة النص سواء من داخله أم من خارجه وتقديمه إلي المتلقي وهذا ما ينسجم معه ما ذهب إليه كانط في قوله أن معني النص يفهم في ضوء النشاط الذهني الذي يجري في عقل المؤلف أو عقل القارئ . الأنموذج الكانطي النص نشاط ذهني للكاتب نشاط ذهني للقارئ المعني ومن هذه يستشف أن كانط يؤكد علي دور الخيال في خلق الأشياء ومنها المعاني وقد وافقه علي معظم آرائه الكاتب والفيلسوف سارتر (30) . مشكلات النص النقدي لقد جاءت هذه الصفحات لتسلط الضوء علي طبيعة الاتجاهات أو المشاريع النقدية الحديثة ونقاط الالتقاء والاختلاف فيما بينها وتبيان حجم التناقض الذي انطوت عليه أطروحاتها فالنقد الجديد ، كما ألمحنا سلفاً جاء علي أنقاض النقد التاريخي ليطرح مشروعه المتمرد علي المنهج الاتباعي إلا أنه فشل في طرح نظرية نقدية تستند إلي فلسفة متماسكة بالرغم من الشعبية التي حققها في القارتين الأوروبية والأمريكية ، ثم جاءت البنيوية لتطرح النموذج اللغوي ومشروعها الطموح في تحقيق عملية النقد إلا أنها فشلت في تحقيق المعني إذ حاولت اعتماد منهج علمي ليطبق علي نص إبداعي أدبي مما أوقع النقاد البنيويين في تناقضات كبيرة ففشل مشروعهم في إنارة النص تحرك البنيويون في النسق نحو النص الفردي معتمدين علي نموذج للتحليل رسم علي غرار النموذج اللغوي إلا أنهم اكتشفوا أن هذا النموذج فشل في تحقيق المعني أو الدلالة بسبب انهماكهم في تحديد الانساق والأنظمة وطرائق عملها في حين أن النموذج اللغوي لا ينطبق بالضرورة علي الأنظمة غير اللغوية . أما المشروع التفكيكي فقد جاء مناقضاً للبنيوية بل ثورة وتمردا عليها فرفض علمية النقد وطرح الشك ولا نهائية المعني وأطلق يد القارئ في النص فخلق النقاد الجدد حالة من الفوضي الدلالة باستبدالهم علمية النقد بأدبية اللغة النقدية التي أريد لها في المشروع أن تكون لغة إبداع فالنص النقدي عندهم هو نص أدبي كتب بلغة أولي وليست لغة شارحة أو ما بعد لغة Metalanguage وقد أدي هذا ببعض النقاد إلي التصرف وكأن النقد غاية وليس الهدف منه إضاءة النص وتبيان جمالياته بهذا يلتقي أقطاب التفكيك الأمريكيون مع الفرنسيين الذين كانوا يرون أن لغة النقد (الميتا لغة النقدية ) ليست أقل إبداعاً من نص الأعمال الأدبية وأن من حق هذه اللغة استخدام كل ألاعيب النص الأدبي . ” فإذا كانت الوحدات المكونة للنص في حالة لعب حر ، إذن لا توجد قراءة نقدية واحدة بل إن كل قراءة نقدية هي في حقيقة الأمر فشل الناقد في قراءة النص وحتي تفسح المجال من جديد بصورة لا نهائية ، وهكذا يستدل بالمفهوم التقليدي لتعدد قراءات النص الواحد حسب قدرته علي الإيحاء عن طريق الرمز مفهوم لا نهائية القراءات (32) ، والواقع إن إمعان النظر في هذه الكلمات التي صاغها في الأصل فنسنت ليتش Leich يعني غياب النص أو عدم الاعترا بوجوده أصلاً فضلاً عن إنكار وجود مؤلفه ولعل ما رددته حكمت الخطيب لا يخرج عن هذا الإطار : ” نحن القراء طرف في علاقة طرفها الآخر النص ، نحن نبدع النصوص حين نقرأها ونحن بالقراءة نقيم حياة النصوص أو نشهد علي موتها . أن نمارس النقد معناه أن نشارك في دورة الحياة لثقافتنا ، ننتج حياة هذه الثقافة لتنتج بدورها حياتنا الأفضل (33) . كما أن مفهوم “القراءة ” قد تجاذبته اتجاهات عديدة وذهب فيه النقاد مذاهب شتي ، حتي أثقلت النصوص النقدية التي تناولته بالآراء المتباينة والمتناقضة بحيث يحتاج النقد الأدبي المعاصر الذي ورث هذا التراث النقدي إلي أن يبلور نظرة موضوعية لمعني القراءة ومعني النص ففي “شعرية النثر ” Poetique de la Prose يقول توودروف Todorov بأن المناهج النقدية السائدة إما تبحث من خلال النص عن شئ خارج النص ، المؤلف أو المجتمع مثلاً ، أو تسعي لإيضاح النص عن طريق الشرح والتعليق وهو ما يمكن وصفه في المحصلة النهائية بإعادة صياغة Parphrase وهذه عملية التفاف واضحة بدلاً من ذلك يطرح تودرودف مقاربة أو أسلوباَ approach لدراسة النثر تركز حول شعرية النثر أي المبادئ العامة التي تجسدها الأعمال الفردية ذاتها . إن هذه المقاربة تستلزم اهتماماً دقيقاً بالعمل الفردي مع وعي أشمل بجهاز هذه الشعرية وهي ما يصطلح عليه بـ ” القراءة ” القراءة تنظر للعمل الفردي علي أنه نسق مستقل ولكنها تتحاشي الالتصاق بالنص اذلي لا يطرح إلا مجرد الإيضاح وذلك لأن القراءة علي وعي دائم بهوية النص كنسق وبعلاقته بنسق أكبر آخر هنا لا يبحث القرائ عن المعني “الكامن ” ويعطيه الاولوية في نشاط كالتفسير مثلا” وإنما يولي اهتمامه بالعلاقة بين مستويات المعني المتعددة مع تعددية المعني التي يتمتع بها النص إن النص الادبي قادر علي تخريب النسق اللغوي الكامن فيه فهو لا يبرر الأشكال المميزة للغة التي تشتمل عليها وحسب بل هو كذلك يوسع أفق اللغة ويجري تعديلاً عليها . وأخيراً فإن الكتابة وهي المادة الخام للقراءة ليست اللغة ذاتها ، وعلي هذا الأساس فإن الأدب – داخل اللغة – هو ما يحطم ميتافيزيقا (معقولات) كل نص . جوهر الخطاب الأدبي هو الذهاب إلي ما بعد اللغة ( وإذا لم يكن كذلك فلا مبرر له ) . الأدب هو كأي سلاح قاتل تستخدمه اللغة للانتحار (34) . أما جورج وبوليه وهو أقطاب مدرسة جنيف فيطرح راياً أكثر تطرقاً في التنظير لعملية القراءة فيقول ” القراءة هي النشاط الذي يتحول فيه العنصر الذاتي الذي أسميه (أنا) بطريقة تجعلني لم أعد صاحب حق في اعتبار هذا الأنا عائداً لي علي وجه التحديد أنا معار للآخر وهذا الىخر يفكر ويشعر ويعاني ويعمل داخلي، وهذه الظاهرة تتجلي في أوضح صورها في نوع من السحر اجتلبته أنواع رخيصة من القراءة كالروايات المثيرة التي أقول عنها : ” لقد تملكتني ” . والآن من المهم الإشارة إلي اثر امتلاكي من قبل لا يحصل عند مستوي التفكير الموضوعي وحسب أي بالنسبة للانطباعات والاحاسيس والأفكار التي تمنحني القراءة غياها ، وإنما فضلاً عن ذلك يقع عند مستوي ذاتيتي الخاصة ” (35) . خلاصة القول أن النص النقدي يمر اليوم بأزمة حقيقية طرفاها الناقد نفسه وفوض النقد فلقد عرفنا كيف أن أبرز النقاد مروا بمراحل دخلوا خلالهخا أكثر من خيمة فمنهم من كان اتباعياً في نظرته لوظيفة النقد ثم ما لبث أن التحق بركب النقد الجديد الذي جاء علي أنقاض النقد الكلاسيكي والرومانسي . وهناك من النقاد الجدد من أصبح بنيوياً في حين ثم ما لبث أن تحول إلي ركب التفكيك ثم جاء النقاد التكفيكيون ليتمردوا علي كل شئ وليزرعوا الشك في كل الأنظمة مرة يلتقون مع النقد الجديد وأخري مع البنيوية التي ثارت عليه ، ثم ينسفون المشروع البنيوي من أساسه ويلغون وجود النص أصلاً وليس وجود مؤلفه وحسب جاء التفكيك ليطرح لا نهائية المعني ولتضيع أطروحاته في ضبابية اللغة التي صيغ بها خطابه النقدي . أما التلقي فلم يكن جديداً ولكن اتباع نظرية التلقي من النقاد المحدثين أخذوا يتشبثون بكل الإرث النقدي الذي أفرزه النصف الثاني من هذا القرن فتحوا النص علي مصراعيه ونظروا إلي دور القارئ في ضوء علوم ومعارف خارجية بالنسبة للنصوص الأدبية ، فذهبوا في تفسيراتهم مذاهب شتي متاثرين بعلم النفس تارة وبالنقد الذاتي تارة أخري وعائدين إلي الفلسفة الألمانية التأويلية في أحيان أخري إنها رحلة علي غير هدي انعكست آثارها علي الخطاب النقدي المعاصر الذي أخذت تتجاذبه تيارات متباينة . إن فوضي النق المعاصر قد طرحت اللامنهج بدلاً من المنهج هذا في أوروبا والولايات المتحدة ثم جاء النقاد المحدثون العرب ليستوردوا الأزمة كاملة دون دراية بمراحلها التكوينية والبيئة الثقافية التي نشأت فيها ثقافة الناقد هي الأخري تشكل في أزمة النص النقدي المعاصر حالة مشخصة تستدعي النظر الجاد فالناقد الحصيف لا يمكن أن يتوفر علي مهمته بنجاح ما لم يتسلح إليها بكل أدواته الفنية ومعرفته الغنية بالاتجاهات الأدبية والنقدية ومراحل التطور التي مرت بها فنون الأدب ونقده . هذا الناقد الذي نتطلع إليه بعنق نعامة ، لابد أن يمتلك معرفة عالية بواحدة من اللغات الحية الكبيرة كالإنكيلزية والفرنسية والألمانية كي يتمكن من الإطلالة علي كنوز الابداع الإنساني وتطور الفكر النقدي منذ كولردج حتي يومنا هذا وهذا الناقد لاشك أقدر من سواه علي فرز الأوراق المختلطة والوقوف علي إشكالات الترجمة التي شوهت المصطلح الأدبي والنقدي في كثير من الأحيان وخلقت حالة من الضبابية الكثيفة التي عتمت رؤية الأديب والقارئ علي حد سواء . إن الناقد الذي تتطلع إلي ودلاته من رحم الإشكالية الادبية المعاصرة هو واحد من المبدعين الذين ينتجون نصوصاً لا تقل إبداعاً عن أروع الأعمال الأدبية. يري إليوت أن شطراً كبيراً من الابداع ما هو إلا نقد أدبي في جوهره فإن كان جانب كبير مما يسمي بالكتابة النقدية هو إبداع حقيقته فمن المعقول جداً أن يكون هناك نقد إبداعي بل إن إليوت يؤكد أن الجانب الاكبر من مجهود الكاتب في تكوين عمله ، إنما هو مجهود نقدي مجهود غربلة المادة وربطها وبنائها والحذف منها وتصحيحها واختيارها ذلك المجهود المخيف الذي هو مجهود نقدي بقدر ما هو مجهود ابداعي (36) . ويخلص هذا الشاعر الناقد الكبير إلي أن أهم أنواع النقد هي التي يمارسها كاتب ماهر مدرب ، وأن بعض الكتاب الإبداعيين يتفوقون علي سواهم من الكتاب بسبب حماستهم النقدية المرهفة (37) . وكان ماثيو أرنولد يرلاي أن النقد لا يقل أهمية عن الشعر وإذا كان الثالثون الأساسي للنقد الأدبي يتكون من المؤلف والنص والقارئ فلسنا نجد ضيراً من تطويره إلي ” رابوع ” يكون الناقد طرفاً أساسياً فيه . المــؤلف النص الناقـــــــد القــــارئ يظل القارئ محتاجاً للناقد الأدبي الذي يعالج الأعمال الأدبية في ضوء ثقافته العالية وحقله المتخصص وحاسته الفنية في التذوق ولغته النقدية المحكمة ومهمته في إضاءة النصوص ، فليس من المعقول أن يعطي القارئ وحده حق القراءة وإعادة القراءة التي تنتهي إلي صناعة النصوص وصياغة معانيها بسلطة مطلقة تزعم لنفسها وحدها تحقيق المعني . المراجع عبدالعزيز حمودة المرايا المحدبة : من البنيوية إلي التفكيك ، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة 1998 ، ص 57 – 58 . ستانلي هايمن : النقد الأدبي ومدارسه الحديثة ترجمة إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ، بيروت ، دار الثقافة ( بلا تاريخ ) ، جـ 2 ، ص 57 . ينبغي التمييز بين النقد الدجديد والنقد الحديث الذي يعرف بأنه استعمال منظم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة غير الأدبية أيضاً – في سبيل الحصول علي بصيرة نافذة في الأدب راجع ستانلي هايمن النقد الأدبي ومدارسه الحدجيثة ، مصدر سابق ، جـ 1 ، ص 9 . عبدالستار جواد ، أوراق للربح ، صفحات في النقد والأدب بغداد : دار الشؤون الثقافية ، 1992 ، ص 49 . المصدر السابق ص 96 . المصدر السابق ص 97 . عبدالعزيز حمودة ، المرايا المحدبة ، مصدر سابق ص 135 – 139 يلاحظ أن حمودة ترجم مقالة ومسات إلي ” خرافة القصدية ” وكنا قد ترجمناها قبل أكثر من خمسة عشر عاماً إلي ” المغالطة المقصودة ” وهي برأينا اقرب إلي المعني الذي ذهب إليه المؤلفان أن لفظة Fallacy الانكليزية تعني الوهم أو السفسطة أو المغالطة المنطقية وأن أقرب كلمة للخرافة في هذا السياق هي Fable وقد ظهرت بعض النصوص التي تحمل لفظة خرافة . عبدالعزيز حمودة المرايا ، مصدر سابق ص 291 – 292 .
بواسطة admin • 01-دراسات • 4 • الوسوم : العدد السابع