مايو 2 2015
من خطاب الأن المبد عة إلى المخيلة النقدية ……. د. خلف عبد العزيز
من خطاب الأن المبد عة إلى المخيلة النقدية
رؤية في حتمية التكوين
والصدام الخطا بين الإبداعي والنقدي
ـــــــــــــــ
د. خلف عبد العزيز(*)
لم يكن رولان بارت منصفاً إلى حد بعيد حينما تصور أن المدول significant ملكاً مشاعاً ، مضفياً بذلك روح الثبات الدال – nifiesigوحده . ولقد أدت هذه التحولية القيمية للمدلول إلى تطور الصراع القديم بين الخطابين الإبداعى والنقدى . وبات جلياً اليوم والعالم طوى صفحات القرن العشرين أن الخطاب الأدبى (وهو خطاب وثائقى وتصورى فى آن واحد ساهم فى جلاء الكثير من الحقائق والألغاز التاريخية التى لم تتجاوز حد التضارب وعلامات الاستفهام لدى كثير من الكتابات التاريخية ذات الصبغة التبابنية) يعانى منذ مهده ضروباً من التشكيك والاتهام ، منذ أمد جد بعيد فى المخيلة النقدية التى صاحبته منذ قرون عديدة ويكفينا النظر فى خاتمة منطقية لشتى البيئات التى تمت تلقى الخطاب الأدبى فيها للتثبت من حقيقة هامة ، ألا وهى أنه ليس هناك نص أدبى يتمتع بوجدية خالصة ، فكيان قائم على حوار وجواره ووجوده الاجتماعى ولحظته التاريخية والبيئية ، هو خطاب يعيش على التغذى من النصوص الأخرى على حد تعبير أحد أبرز الميزانين النقديين فى هذا العصر 1، أو هو خطاب يستقى وجوده من انعاطفه وتبعيته للنصوص الأخرى التى تسبقه فى الزمن ، فكيانه بذلك رهن لقراءة ثانية لهذه النصوص التى يجرى حواراً معها وفقاً لتصور أحد اللغويين الغربيين المحدثين 2، أو هو خطاب استبدادى يستقى وجوده وماهيته من جراء الحوار الهش الذى يديره مع الوسط المتلقى الذى لا يمكن له أن يزامنه وفقاً لتعبير أحد من كرسوا جهد كبيراً فى ملاحقة الخطاب الأدبى 3.
هذا التلازم القديم بين الخطاب الأدبى ومتلقيه الذى يصطبغ بطابع فلسفى لم يكن ليمر دون أن يحرض الدراسات الإنسانية الأخرى وأهمها الفلسفة ، فى أن تدلو بدلوها فى هذا المعترك الاحتدامى السرمدى . فلعلنا نذكر إن سقراط ـ بعدما هاله أن ـ من بين شعراء عصره ـ لم يكن بينهم من يقوى على تأويل شعره بعدماً أخضعه لمنهجه الاستقرائى ـ قد سعى سعياً حثيثاً إلى فصل ثلاث قدرات يتمتع بها الإنسان ، بعضها عن البعض الآخر، أولهما القدرة على تلقى نص أدبى، وثانيهما القدرة على تفكيكه منطقياً، أخيراً القدرة على الحكم عليه حكماً موضعياً .
ومن بين القدرات الثلاث التى تحدث عنها سقراط ، ظلت الثالثة تحظى بشرعية ووجود بعدى من الناحية الكرونولوجية ـ chronologique من حيث علاقتها بالخطاب الأدبى المصاحبة له، ووجود فبلى لدى بعض الأوساط التى تلتحف بمعطف الثقافة فى حين أن سلطانها وبرجوازبتها الثقافية تأسستا على ما أفادته من المتلقى النقد الأدبى ، وليس من مطالعتها وعلاقتها ورؤيتها للخطاب الأدبى . أنها بالأحرى لهجة مزدوجة لهذه البرجوازية الثقافية التى لاتدين بالفضل لمن أسس عقلها الثقافى النقد الأدبى، بل تمضى وتعتمد لغه الخيانة الأيدلوجية وتدير ظهرها لمن ناصرته فى الباطن ، وتبنت أحكامه الخطاب النقدى فى الحوار التقريرى . وربما كان مؤشر مبيعات كتب النقد الأدبى بمختلف توجيهاته ومذاهيه فى أوروبا والعالم العربى يدلنا على هذا الوجود العلاقاتى المزيف بين ثلاثة أقطاب تصاحب عملية الكتابة ألا وهى الخطاب الأدبى الإبداع /الخطاب النقدى/ المستهلك الثقافى ، ففى حين تقدم أعداد هائلة ثانوية على اقتناء دراسات نقدية حول البؤساء لفيكتور هوجو، بندر رواد المكتبات الباحثون على شراء الرواية النص الأدبى المبدع.
الخطابان الإبداعي والنقدي :
حتمية التلازم والصراع
أن حتمية هذا التواجد بين العدوين الحميمين(الخطاب الأدبى / الخطاب النقدى) تظل دوماً لمثابة علاقة مزاحمة هيجيلية يحاول فيها كل فريق إزاحة واستبعاد الآخر حتى وأن كانت طريقة الإجراء هى الاعتراف بالآخر بغية إقصائه أو تهميشه فيصبح بذلك الحاضر الغالب . ذلك أن غاية الخطاب الأدبى وبعده الأيديولوجى ـ إذا تصورنا أن له غاية فى الأساس ـ تكمن فى محاولة إعادة إنتاج الواقع وفقاً لمعايير وصور شخصية بحته، أو البوح وإزاحة ما تضمره النفس المبدعة وفقاً للتحليل الفرويدى للأدب ، مقصياً بذلك دور العامل الآلى فى العملية الإبداعية وهو المتلقى أو الغريمى فالإبداع لايسعى لإصابة متلق أو جمهور مسلح لمعاير ثقافية معينة ، أى أن مسألة الإبداع ليست تصميم مؤلف لجمهرة معينة، أما الخطاب النقدى، وهو خطاب يستمد شرعيته من مزاولة نشاطه التذهيبى من التصاقه والتفافه حول الأدب، فيسعى ـ لاقيا فى سعيه كل نجاح ـ إلى تأصيل أدواته ومعطياته من خلال الخطاب الأدبى فيطاوعه ويلبسه قالبه وتوجهه أو يحاول أن يروضه مخضعاً إياه لما يمكن أن نطلق عليه التبني أو التجاوز العضوى للنص ، وهو محاولة تصغير النص وتفكيك وحداته بشكل يسمح بربطه باللحظة التاريخية أو الاجتماعية أو السياسية ، أو محاولة النيل منه بأدعاء أنه ليس خطاب الانا المبدعة ، ما هو إلا خطاب الـ ( نحن ) – أو الـ ( أندم ) أو الـ ( هم ) وهي إتحاد العناصر المؤسسة للنص الأدبي ، والتي تشارك في مركبات شتي كالطبيعة والجنس واللحظة والنصوص الأخري وغيرها كل بحصته ، فلا يصبح المبدع لذلك سوي أداة خلقتها اللحظة ودفعتها أن تكون ممثلاً لها . وفي كل من الإجراءين ( الإبداع والنقدي ) تظل العلاقة بين الخطابين علاقة تضاد وتزاحم تصب في بعض الأحيان فيما يشيه الاحتدام ، وهو احتدام تقليدي كالقول الشهير الذي يتبؤ به الخطاب الأدبي ، من أن إلي آخر متي استبد به الخطاب المنازع الخطاب النقدي ، وغداً ينال من الخطاب المنازع ما النقدي سوي إبداع محقق أو كالقول الضدي الذي يعتمده الخطاب النقدي متي ثبت له أن غريمه الخطاب الأدبي يسلب لب جمع غفير من جمهرة المثقفين ما كان للإبداع أن يوجد دون وسط مثاق ولجلاء الأمر علينا أن نقول أن الخطاب الأدبي يعاني في علاقته بالخطاب النقدي علاقة تصل إلي حد العبودية ، إذا جاز لنا استقدام هذا المصطلح من لغة الساسة واستخدامه في هذا المقام ، فإذا كانت وجودية الخطاب الأدبي رهن التصافه بوسط متلق شرعي الخطاب النقدي فإنه في ذلك التلازم الحتمي يقف موقف المتهم ، أبكم ليس له أن يدفع عنه سهام الآخر فينتهي به الأمر أن يطالعنا مذعناً في ثوب متلق عادي – كل حكم طالما أنه أصيب بداء إليكم متي قذف به في ساحة النقد وأصبح النص نصاً نهائياً ، ولهذا فتظل هذه العلاقة علاقة مزامنة مزمنة لا يستطيع أي من الفريقين الفكاك منها رغم الفارق الزمني الذي يفصل بين لحظة الإبداع والإنتاج النقدي حول الإبداع .
الشوفينية Chauvinisme :
ولا تخلو عادة هذه النزعة النقدية من دروب الشوفينية أو التزمت القومي ، إذ أن حضارة أمة تميل عادة إلي التنقيب في الحضارات الأخري بغية اكتشاف روحها وديناميتها المؤثرة في الآخر فيقودها هذا التعنت إلي إعادة أدني مركبات التشابه بينها وبين الحضارات الأخري حضارات مستقبلية ، ولكن سادت هذه الروح في النصف الثاني من القرن العشرين علي أيدي المقارنين الفرنسيين وتابعيهم إلي حد أن فرانسوا ماريوس حيار Francois – Marius Guyard جزأ الادب إلي آداب مرسلة وآداب مستقبلة أو آداب أوربية وغير أوروبية ، وهو إدراك ثار حوله جدل كبير في هذه الآونة ولم يتقبله نهج ما وراء المحيط ( النهج الأمريكي ) علي يد رينيه ويليك واوستن وارن ، وحتي داخل التقليد الفرنسي آنذاك علي يد رينيه ايتاميل Rene Etiemble الذي اتخذ من المثل الفرنسي ( المقارنة ليست عقلاً ) منهجاً له وألف كتاباً يدين فيه هذا النهج العنصري . ولقد أدي هذا الأمر إلي التخلي عن الشوفينية في الوسط النقدي الفرنسي فأصبح هدف الدرسي الأدبي كما يزعم ليف شيفرل Yves chvrel ، وهو أحد أعلام التقليد الفرنسي في الأدب المقارن وهو إطلاق الفرضيات والتقدم صوب الآخر وترك الناقد للنصوص يتحاور بعضها مع البعض الآخر بغية رصد القواسم المشتركة بينها .
وما كان لهذه الروح المتفشية التي يمارسها الخطاب النقدي حول الابداع أن تعاني الجمود بل تفشت في الدراسات النقدية الأخري التي مارست وما زالت تمارس حضوراً حول الخطاب الادبي ، كعلم الاجتماع ، وعلم الأسطورة ، وعلم النفس وعلم اللغة ، وأصبح القاسم المشترك بين هذه الدراسات جميعاً هو إحالة الإبداع إلي القضاء الاجتماعي كما يتصور الاجتماعيون وكان من أثر ذلك الموجة التي دعت في العقد السادس في القرن العشرين إلي دراسة الرواية والأدب دراسة اجتماعية بحتة وأعاودا هذا الخطاب الأدبي هي مرجعية أسطورية إلي حد أن البعض يميل إلي الاعتقاد بأن العمل الأدبي ما هو إلا تطور موروث وظل له ، وأن الحضور الأسطوري في خطاب الإبداع الأدبي يتمحور حول ثلاثة أبعاد مختلفة هي البروز والمرونة والإشعاع ، وربما كان علم النفس أقل العلوم الإنسانية جوار بالخطاب الأدبي فلقد اكتفي بالنظر إلي الأدب علي أنه حديث الأنا الآتية المعبرة عن خلجاتها دون عناء ، وأن ترسب اللاشعور يساعد كثيراً علي تشفير ألغاز مستعصية في الإبداع .
الهوامــش :
1- انظر مقدمة البروفسير جاري ماري كاريه ه Care Kan- Marie لكتاب Literature complete PUF Paris 1965 , P.6 .
2- Phlippe Soliers Thect d’ ensemble Paris , Seuil 1568 , p. 75 .
3- Dominque Mageeau Prognarique dud is cours intereaire .
مايو 2 2015
أحمد معلا،حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية .. د. أسعد عرابي
أحمد معلا
حشود كونية تتأرجح بين الثنويات التشكيلية
———
د. أسعد عرابي (*)
تمثل تجربة أحمد معلا (من مواليد1958م) منعطفاً حاسماً فى تحول تقاليد التعبيرية السورية” المتمايزة من المعاصرة إلى ما بعد الحداثة مباشرة. وبالقدر الذى يمثل فى رقعتها الشطرنجية تمفصلاً عضوياً بالقدر الذى يجعله منفلقا خارج عقائدها وصيفها المؤسلبة ، هى التى تحولت مع الأيام من “إبداعات” الستينات إلى ” اتباعيات ” الثمانينات ومابعدها .
وإذا كان إلتزم بما إلتزمت به ثوابتها “مثل” مركزية الإنسان فى الفراغ المطلق” فإن فنه بعكس “أيديولوجيته” خرق كل ماهو منهى عنه ـ وقد سى، وكل ما يمثل إشارات حمراء فى زنزانة الإلتزام العقائدى.
يملك أحمد معلا قدرة إسفنجية خارقة على إمتصاص كل مايشر به فى يومياته وما يصادفه خلال تجواله فى تاريخ الفن، ثم تدمير ما إجترعه وإعادة إستحواذه. فى هذا الرحيق والنسغ التوليفى الكونى أو الشمولى يبحث عن أبجدية نسبية، ولفة على قياس الكوكب الأرضى شارداً عن أية حدود محدودة، حتى لتبدو اللوحة وكأنها خارطة وطنه الرحمى المشيمى الطوباوى التطهرى التى يخرج بها من آثار العالم وسكونيته وأحماله التراثية والذاكراتية المرهقة .
يمتطى براق التشكيل كل مره دون وسيط ودون إلتزامات سابقة .
لعل هذا مايفسر العنوان المشترك فى أبرز معارضه يدعوها “تجارب” ، يضع البحث القلق الشجاع بديلاً عن الوثوقية الحذره والأسلبة المفتعلة.
تبدو معارضة مثل مناهجه التربوية أشبه بالناقوس الذى يتراوح بنزق “ديوينزوسى” بين الضد وعكسه ، لدرجة يتأرجح فيها متطرفاً خارج مساره، يقفز فى هذا التعارض من الأطروحة إلى عكسها ، تفرخ هذه الصبوات المتناقضة وتتكاثر من ذاتها فتبدو مراوحاتها سمة ديناميكية جعلته الأشد تمايزاً على مستوى سلوك القلم والفرشاة ونحت اللون ، وعلى مستوى المحاكمة التربوية، فقد تخرج من قسم الاتصالات البصرية عام 1981م من كلية فنون دمشق ، ليسافر إلى باريس عام 1987م فيصبح خريجاً للمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية”ومدرساً بالع التأثير ، هو ما أثار حفيظة زملاءه ، فدفعوه إلى الاستقامة ، وخسرت كلية الفنون أشد مدرسيها حيوية ومستقبلية فى قسم الإتصالات البصرية . ولكن “رب ضارة نافعة ” فقد عاد إلى الحياة بعروفها وأخطارها وتناقضاتها فى دمشق ، يجترع حيوية قلقة، نخذت أعماله وشخصيته بالسمة الوجودية الأصيلة هى التى كان رائدها المعلم فاتح المدرس .
شكلت تجربته الوجودية ، إذن على أصالتها نوعاً من المماحكة والإشكالية المزمنة التى ترفض قوالب الزمن خارج اللحظة المعاشة يقتطع فى كل شريحة “حياتيةـ إبداعية” الزمن النسبى.
متخلياً عن بعده الذاكرايى والتراثى الأطلالى ، يعيش راهنيته فى عمقها العمودى المنسلخ عن سيرة الأشياء ، بل إن ما يجمعه مع فاتح المدرس هو الاعتماد على النسيان أكثر من التذكر يصفق معلاً أجنحته وفراشيه باحثاً فى طيرانه العبثى عن مواطن تشكيلية تعددية توليفية مثيرة لم يسبقه إليها أحد ، لذلك فهو محدث فى ريادته ، ورؤيوى فى تطرفه العبثى المراهق ،مدمراً الحدود بين أنواع الفنون (كما هى توجهاته الدراسية والتعليمية ) ، فهو مصمم كرافيكى ومصور فى آن ـ هو مصور يقتصر على بعدين ومصور ينحت السطح بكتل العجائن ، ثم هو مصمم مسرحى وسينمائى متفرد ، وهو ما أعطى لأعماله صفة المشهدية الإعلامية أى بمصطلح ما بعد الحداثة:
“البرفورمانس” ، فالأداء الكرافيكى والإعلامى، جزء من إحتفاءاته المثيرة وهنا نقع على أهمية دوره.
يعتبر أحمد معلاً من أبرز فنانى ما بعد الحداثة فى التعبيرية السورية ، فهو أول من أدخل صيفة ” المشهدية ” (البرفورمانس) فى العمل الفنى، وذلك من خلال مرثيته إلى الأديب الراحل سعد الله ونوس ، ويعتبر هذا المعرض الذى أقيم عامر 1979م ، فى “صالة أتاسى ” إنعطافاً مفصلياً فى حداثة المحترف، معتمداً على توليفات من أنواع التعبير البصرى الحر، مستقى من الحساسية الإعلامية والمسرحية واضاءتهما السينوغرافية ، يعتبر بنفس الوقت من الذين إلتزمت موهبتهم بفضيلة الرسم (التى حفظتها أمانة المعلم نذير نبعه واستاذه إحسان عينتابى) .
ناهيك عن وعيه النقدى والنصى الاستثنائى , مما يكشف فضوليته الثقافية والمعرفية التى تقطف من كل بستان زهرة دون تفريق بين أنواع الفنون والآداب ،بين تراث اللغة العربية أو الفرنسية .
هيأ معلا فى تسارعة الحداثى الشاب وصلابته الثقافية لتجواله بحرية لايعقلها قيد فى تاريخ الفن المحلى والعالمى معيداً إستحواذ قطافة من جديد بعد تدمير معطياته ، مهياً للجيل التالى فرصة إقتحام جدار العقل إلى مساحة الحعذيان .
والتطرف المقدام ، هو الجيل الذى تحضرنى من إضاءات مواهبه على اختلافهم بحته: فادى يازجى وسارة شمه وآخرين .
لابحكم معلاً العالم ضمن فلسفة مسبقة تثاقفية مسبقة ،بل أنه لاينحث عن عناصر الإنسجام والتناغم (مثل هارمونى الألوان) وإنما على القوى المتناحرة الإفتجائية والمتعارضة فى الفعل ” السلوك المخبرى ” وفى الفكر الاختباء النظر فهو يفضل مشهد حجم البراكين فى لحظة إنطفاء شعلتها فى باطن الأوقيانوس عن المنظر الحاكم المستكين ، لعله بهذه الكونية/ الشمولية يجتمع من جديد من نذير نبعه وإحسان عينتابى، دون أن يفقد حقه فى التدمير.
الإنتحارى فى الأشكال ،يعبر هنا من بعض إستثمارات فاتح المدرس الأسطورية الوجودية ، وبعبور أسرع من مقصوصات ” مسرح الظل ” وحشوده الساخرة التى ظلت شاغلى التعبيرىحتى. اليوم هو بانوراما وسجل حافل بالكثير ولكن تفرد خصائصه تكاد تتفوق على مصادرة يستخدم كل ما يراه ويعرفه ويعيشه ضمن رقعة شطرنجة الوجودية ، وكأنه يعيد صناعة ملصقات (كولاج) من هذه المصادر المتباعة . ومايهمه فيها هو تباعدها، تناقضها، تناصرها الثنوى ، لعلها الفلسفة البديلة التى تتطابق مع أخلاقية اللوحة وليس الأكاديمية أو المجتمع ، هو ما يفسر خروجه المحبب عن كل ما هو بروقراطى مؤسساتى وهمائى .
فإذا خرج من عصيان الرأى الجماهيرى فهو يعيد حشودهم فى تكويناته الملحمية ، وينوع من إدانة أمعيتهم ووحدة لباسهم مثل إدانة يونسكو لمجتمع وحيدى القرن وإدانة توفيق الحكيم ” لنهر الجنون ” وقهقهة زكريا تامر من الطوابير العقائدية ، تبدو شخوصه المجهرية عائمة مقصوصة بالأسود ومعلقة بخيطان توتاليتارية غير منظورة . تعانى حشودها من نفس النواظم الثنوية تتداخل خرائط الأبيض بالأسود – ضمن إيلاج وهمي بصري كرافيكي يحيلنا ممن جديد إلي خبرته التصميمة الطباعيمة .
استطاع بالنتيجة أن يؤسس عقيدة تشكيلية تعكس تناقضات مرحلة جيله ، وزلزلة أرض قناعتها بشتي أنماط التعسف الثقافي ، يصور ما شاءت له عفويته ، وما يحيله عليه حدسه من هنديسيات متوحدة ، ، وذلك باعتماده الطوعي علي تدمير الثابت ومحاولة إقتناص المتحول والصبر ورائي ، بنوع من التداعي القلق والرفيق الشبحي في المادة .
عوالم طباعية عملاقة تقابل الخصوبات الصباغية المتخمة بالعجائن القزحية والمجهرية لأنها لا تتعدي في قزميتها عدة سنتيمترات يصور بعجائن صاخبة غائرة – نافرة ( مثل بداية تشكل الكون ) معجونة بلدائن الأصبغة ” الأكريليكية ” .
بسطوح مقصوصة كما هي مقصات هنري ماتيس الورقية ، يتطرف في الأولي بخروجه عن السطح ثلاثية أبعاده التحتية ويتطرف إلي الثانية باستخدامه السطح المقصوص الفاقد للظل والحجم والمنظور يستخدم تارة راحة يده وأظافره في التعبير وقد نعثر في نفس اللوحة علي بصمات مهندسة للبيكار والمسطرة والفرجار .
فهو متوحش ( بكر ) ونخبوي (ثقافي) في آن واحد ، متطرف في شتي الاتجاهات تنتظم تكويناته الطقوسية الاحتفائية الملحمية وكأنها قيامه ” كافكاوية” وفق نسق حلزوني عام ، يعيد إلي الفراغ مواصفات إرتباطه الفلكي بالكون وبألفية السماوية . ويفريسكات القبب الداخلية في عصر مديتشي ، ونعثر ضمن هذه المنحنيات علي أنظمة بنائية متعامدة تقف في وجه رومانسية أو أرابسك الغشتالت العام . تقع نسبية تصويره في إمتداد لوحته علي قياس البيئة أو إختزالها إلي ورقة مجهرية ، أشبه بالتحول من منظار (التلسكوب) إلي المجهر المكبر (الميكروسكوب) ، يعكس ذلك التحول السيميائي الفلسفي من الماكروكوزم ( العالم الكبيري ) إلي الميكروكوزم ( العالم الصفيري) وحسي ، عملاق وقزم ، هو النسق المتعامد مع المكور . هو الأسود والأبيض ، الشر والخير عندما يولج أحدهما في الآخر ، يسافر ما بين المقدسي والوثني، ما بين العاري والمتستر المفضوح والمقنع ، عبثي ذاتي وجماهيري ملتزم ، لا يمكن الإحاطة بخصائص معلاً إلا إذا قبلنا بهذا التشرزم في مواقع تعبيرية متباعدة من الكرافيك إلي الجداريات ومن اللوحة المجهرية إلي ” البرفورمانس ” والإنشاء الذي يلف صالة العرض ، فيعانق المشاهد بدلاً من أن يراقبه عن كثب .
لعله أشبه بالنحلة التي لا تلقح وتخصب إلا مرة واحدة قبل أن تموت .
بواسطة admin • 07-فنون • 0 • الوسوم : أحمد معلا, أسعد عرابى, العدد السادس عشر